<بسملة1>
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله جميعا معشر الفضلاء وبعد:
فقد كنت في آخر مشاركة لي في هذه السلسلة جمعت كلام علمائنا عن (أسباب تزكية شيخ سلفي لشخص منحرف) وهذا أوان الحديث عن (أسباب سكوت العالم السلفي عن جرحه منحرف مع جرح آخرين له) وبينهما فرق.
5- ضابطٌ سلفيٌ: أسباب سكوت العالم السَّلفي عن جرح منحرفٍ مع جرح آخرين له.فقد كنت في آخر مشاركة لي في هذه السلسلة جمعت كلام علمائنا عن (أسباب تزكية شيخ سلفي لشخص منحرف) وهذا أوان الحديث عن (أسباب سكوت العالم السلفي عن جرحه منحرف مع جرح آخرين له) وبينهما فرق.
معنى هذا الضَّابط:
المعنى أنَّ العالم السَّلفي قد تدفعه بعض الأسباب للسُّكوت عن جرح بعض المنحرفين بعدما يكون تكلَّم بعض العلماء فيهم فوجب معرفتها.
الغرض من سوق هذه الأسباب:
الغرض هو الاعتذار للعالم في سكوته؛ التماسًا للمعاذير له، خاصةً وهو الَّذي عُرف عنه الذَّبُّ عن الحقِّ والوقوف في جانبه، وهذا من أجل سدِّ باب الطَّعن فيه.
وكذا بيان الموقف الشَّرعيِّ الوسط من هذا السُّكوت لكي لا نقع في الغلوِّ أو الجفاء.
من بين تلك الأسباب:
- ألَّا يعلم العالم بهذا المُنحرف ولا يسمع بالرَّدِّ عليه أصلًا.
- أو ألَّا يصحَّ طريق نقل الجرح لديه فيه؛ إمَّا لأنَّ النَّاقل له ضعيفٌ أو مجهولٌ .
- أو أنْ تكون للعالم بطانةٌ سيِّئةٌ تحول دون وصول الرَّدِّ إليه.
- أو تزيِّفه بعد وصوله، وهو يُحسِنُ الظَّنَّ بهم في كلِّ ذلك.
- ألَّا يتبيَّن له وجه انحراف هذا الشَّخص بعدُ لخفاء المسألة المردود عليه فيها.
- أو أن يرى العالم أنَّ المُنحرف لم يصل إلى حدِّ الجرح وأنَّه من الأفضل أن يستمرَّ في مناصحته .
- أو أن ينشغل عن الرَّدِّ عليه.
- أو أن ينشغل عن بيان موافقته للجارحين له بأمورٍ أخرى.
- أو يرى أنَّ إخوانه من العلماء قد كفوه في تبيان ضلالاته وانحرافاته وليس متعينًا عليه الرَّدُّ كذلك.
- أو أنَّ يرى أنَّه ليس من المصلحة التَّحذير منه وتعيينه لغلبة المفاسد على المصالح-بالنسبة إليه على الأقل-
- أو أنْ يُخطأ في تقدير الموقف فيسكت مع تعيُّن البيان عليه مجتهدًا بلا عمدٍ.
المَوقف الصَّحيح من هذا السُّكوت:
- موقف السَّلفي من سكوت هذا العالم، هو الأخذ بقول من عَلِمَ حال المُنحرف وبيَّن حُجَّته.
- والاعتذار للعالم الَّذي سكت وحفظ كرامته وعدم الطَّعن فيه.
والأصل أنَّه لا ينسب لساكتٍ قولٌ إلَّا إذا كان السُّكوت فيما يلزم التَّكلُّم به فهو إقرارٌ وبيان، وعليه فلا يقال أنَّ سكوت العالم دليلٌ على معارضته ولا على موافقته، إلَّا بدليل الإلزام.
- فإذا تبيَّن الخطأ في سكوت العالم فيردُّ خطأه ويُترك الأمر لمن يناصحه ولِنَظَرِ العلماء في قضيَّته.
• وهذا كلُّه خلافًا لمنهج الحدَّادية والمُميِّعة وسيأتي بيانه.
آثار الجهل بتلك الأسباب:
1. يؤدِّي ذلك الجهل إلى حصول حيرةٍ عند البعض؛ بسبب الجهل بكيفيَّة التَّعامل مع هذا السُّكوت.
2. وإلى التَّمييع فيُلْحَقُ السَّاكت بالمُزكِّين ويُجعل سكوته حجَّةً لمُواصلة الأخذ عنه، ودرعًا يُضرب به في أوجه الجارحين.
3. وهناك مميَّعون آخرون يحتجُّون بسكوت ذلك العالم، فيسكتون تقليدًا، مع علمهم بانحرافه وعدم وجود أيَّ مانعٍ يمنعهم من البيان إلَّا الهوى -أعاذنا الله منه-، ثُمَّ يصفون موقفهم هذا بأنَّه عين الحكمة !.
4. أو يُصوِّرون المسألة على أساس أنَّها من مسائل الاجتهاد الَّتي لا يُنكر فيها على المتكلِّم أو السَّاكت !
5. وبالتَّالي إلى نشوب اختلافاتٍ وفتنٍ يُخطَّأُ فيها المُصيبُ ويُصوَّبُ فيها المُخطأُ مِمَّا قد يُؤدِّي إلى وقوع التَّهاجر والتَّقاطع بينهما .
6. وإلى اشتراط إجماع جميع العلماء على جرحه لكي يقبل، وهو شرطٌ ما أنزل الله به من سلطان.
7. أو إلى الغلو : فيبدَّع العالم الَّذي سكت أو يحذَّر منه أو يطعن فيه وهو لا يستحقُّ كلَّ ذلك.
8. وبالتَّالي إلى الجهل بالوسطيَّة الحقيقيَّة لأهل السُّنَّة بين الغُلاة والجُفاة.
الأدلَّة وكلام الأئمَّة مسألة السُّكوت وبعض أحكامه:
- قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [(187) سورة آل عمران] وهذ الدَّليل في بيان أنَّ البيان واجبٌ على من لَّزمه ذلك من جهة الأصل.
- وقوله: {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى} [(9) سورة الأعلى].
- وقال –صلى الله عليه وسلم-: " حتَّى إذا رأيتَ شحًّا مطاعًا، وهوىً متبعًا، ودنيا مؤثرةً، وإعجاب كلِّ ذي رأيٍ برأيه، فعليك بخاصَّة نفسك، ودع العوام " [رواه التِّرمذي (3058) وأبو داود (4341)، وابن ماجه (4014)].
- وقال –صلى الله عليه وسلم- أيضًا: " عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، قَالَ : " كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ : عُفَيْرٌ، قَالَ : فَقَالَ : ( يَا مُعَاذُ ، تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ ) قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : ( فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ، أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ) ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ ؟ ، قَالَ : ( لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا ) [رواه البخاري ومسلم].
- قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (ما أنت بمحدِّثٍ قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلَّا كان لبعضهم فتنة) [رواه مسلم].
- وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: " حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وِعَاءَيْنِ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ " [رواه البخاري (رقم/120)]،
- قال البخاري رحمه الله: " باب: من ترك بعض الأخبار مخافة أنْ يقصُر فهم بعض النَّاس عنه فيقعوا في أشدَّ منه "
- وقال أيضًا : " باب: من خصَّ بالعلم قومًا دون قومٍ كراهية ألا يفهموا " وهذه الأحاديث والآثار تدلُّ على جواز السُّكوت عن بيان الحقِّ في حالاتٍ خاصَّةٍ " [كتاب العلم-رقم الباب 47، 48].
- قال ابن حجر رحمه الله: " وفيه دليلٌ على أنَّ المُتشابه لا ينبغي أنْ يُذكر عند العامة... وممَّن كره التَّحديث ببعضٍ دون بعضٍ أحمد في الأحاديث الَّتي ظاهرها الخروج على السُّلطان ومالك في أحاديث الصِّفات وأبو يوسف في الغرائب ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدَّم عنه في الجرابين وأنَّ المُراد ما يقع من الفتن ونحوه عن حذيفة وعن الحسن أنَّه أنكر تحديث أنس للحجَّاج بقصَّة العرنيين لأنَّه اتخذها وسيلةً إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدِّماء بتأويله الواهي، وضابط ذلك أنْ يكون ظاهر الحديث يقوِّي البدعة، وظاهره في الأصل غير مرادٍ فالإمساك عنه عند من يُخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوبٌ والله أعلم " [الفتح 1/225].
- وقال رخمه الله أيضًا: ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ ) [رواه البخاري] وهذا نصٌ على عدم نسبة قولٍ إلى ساكتٍ.
- وقوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [(140) سورة النساء] فهو دليلٌ على أنَّ من سكت في هذه الحال الَّتي يُستهزأ فيها بآيات الله، فحكمه حكم المُستهزأ.
- قيل لأحمد بن حنبل: إنَّه ليشتدُّ عليَّ أن أقول فلانٌ ضعيفٌ، فلانٌ كذَّابٌ، فقال أحمد: " إذا سكتَّ أنتَ ، وسكتُّ أنا، فمتى يعرف الجاهل الصَّحيح من السَّقيم " [مجموع الفتاوى (28/232)].
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وهذا باب التَّعارض بابٌ واسعٌ جدًا؛ لا سيما في الأزمنة والأمكنة الَّتي نَقُصُتْ فيها آثار النُّبوة وخلافة النُّبوة، فإنَّ هذه المسائل تكثر فيها، وكلَّما ازداد النَّقص ازدادت هذه المسائل، ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمَّة، فإنَّه إذا اختلطت الحسنات بالسيِّئات وقع الاشتباه والتَّلازم؛ فأقوامٌ قد ينظرون إلى الحسنات فيرجِّحون هذا الجانب وإنْ تضمَّن سيئاتٍ عظيمةٍ، وأقوامٌ قد ينظرون إلى السَّيئات فيرجِّحون الجانب الآخر وإن تركت حسناتٌ عظيمةٌ، والمُتوسِّطون الَّذين ينظرون [في] الأمرين؛ قد لا يتبَّين لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرَّة أو يتبيَّن لهم فلا يجدون من يعينهم [على] العمل بالحسنات وترك السيِّئات؛ لكون الأهواء قارنت الآراء، ولهذا جاء في الحديث: "إنَّ الله يحبُّ البصر النَّافذ عند ورود الشُّبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشَّهوات"، فينبغي للعالم أنْ يتدبَّر أنواع هذه المسائل، وقد يكون الواجب في بعضها كما بيَّنته فيما تقدَّم العفو عند الأمر والنَّهي في بعض الأشياء لا التَّحليل والإسقاط. مثل: أن يكون في أمره بطاعة فعلًا لمعصيةٍ أكبر منها؛ فيترك الأمر بها دفعًا لوقوع تلك المعصية، مثل: أن ترفع مذنبًا إلى ذي سلطانٍ ظالمٍ فيعتدى عليه في العقوبة ما يكون أعظم ضررًا من ذنبه، ومثل: أن يكون في نهيه عن بعض المنكرات تركًا لمعروفٍ هو أعظم منفعة من ترك المنكرات؛ فيسكت عن النَّهي خوفًا أن يستلزم ترك ما أمر الله به ورسوله ممَّا هو عنده أعظم من مجرد ترك ذلك المنكر، فالعالم تارةً يأمرُ، وتارةً ينهى، وتارةً يبيحُ، وتارةً يسكتُ عن الأمر أو النَّهي أو الإباحة؛ كالأمر بالصَّلاح الخالص أو الرَّاجح أو النَّهي عن الفساد الخالص أو الرَّاجح، وعند التَّعارض يُرَجَّحُ الرَّاجح كما تقدَّم بحسب الإمكان. فأمَّا إذا كان المأمور والمنهيُّ لا يتقيَّد بالمُمكن إمَّا لجهله وإمَّا لظلمه، ولا يمكن إزالة جهله وظلمه، فربَّما كان الأصلح الكفُّ والإمساك عن أمره ونهيه؛ كما قيل: إنَّ من المسائل مسائلَ جوابها السُّكوت، كما سكت الشَّارع في أوَّل الأمر عن الأمر بأشياءَ والنَّهي عن أشياءَ حتَّى علا الإسلام وظهر. فالعالم في البيان والبلاغ كذلك، قدْ يؤخِّر البيان والبلاغ لأشياءَ إلى وقتِ التَّمكن؛ كما أخَّر الله سبحانه إنزال آياتٍ وبيان أحكامٍ إلى وقتِ تمكُّن رسول الله، تسليمًا إلى بيانها " [المجموع 20/57-59].
- وقال الشَّيخ العلامة عبد العزيز باز رحمه الله : " ...فلا يجوز لأهل العلم السُّكوت وترك الكلام للفاجر والمبتدع والجاهل؛ فإنَّ هذا غلطٌ عظيمٌ ومن أسباب انتشار الشَّرِّ والبدع واختفاء الخير وقلَّته وخفاء السُّنَّة، فالواجب على أهل العلم أن يتكلَّموا بالحقِّ ويدعوا إليه وأن ينكروا الباطل ويحذِّروا منه ويجب أن يكون ذلك عن علمٍ وبصيرةٍ " [مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ( 6 / 53)].
- وقال أيضًا: " و لو سكت أهل الحقِّ عن بيانه: لاستمرَّ المخطئون على أخطائهم، و قلَّدهم غيرهم في ذلك ، وباء السَّاكتون بإثم الكتمان الَّذي توعدهم الله في قوله سبحانه " إنَّ الَّذين يكتمون ما أنزلنا من البِّينات و الهدى من بعد ما بيَّنَّاه للنَّاس في الكتاب أولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاَّعنون إلَّا الَّذين تابوا وأصلحوا وبيَّنوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التَّواب الرَّحيم". وقد أخذ الله على علماء أهل الكتاب الميثاق لتبيُّننَّه للنَّاس ولا تكتمونه، وذمَّهم على نبذه وراء ظهورهم، وحذَّرنا من اتباعهم. فإذا سكت أهل السُّنَّة عن بيان أخطـاء من خالف الكتاب والسُّنَّة شَـابَهُوا بذلك أهل الكتاب المغضوب عليهم والضَّالين" [مجموع فتاويه 3/ 72].
- وسُئِلَ الشَّيخ زيد بن مُحمَّد بن هاديّ المدخليّ رحمه الله : هل مِنْ منهج السَّلف السُّكوت على دعاة أهل البِدَع مراعاة لبعض المصالح، وكذلك السُّكوت عن تبديع المُبتدع والتَّحذير منه مُراعاة للمصلحة؟
فأجاب رحمه الله: ليسَ مِنْ منهج السَّلف السُّكوت عَنْ أهل البِدَع الدَّاعين إليها مراعاةً لبعض المصالح ؛ وذلك لأنَّ اِنْتشار البِدَع في المجتمعات يُفسد أهلها، ولا شكَّ أنْ درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، كما لا يجوز السُّكوت عن ذكر المبتدع بما فيه؛ لأنَّ السُّكوت عنه يسبب ضررًا على المجتمع، فلا بدَّ مِنْ ذكره ببدعته، ولا بدَّ من التَّحذير منه؛ نصيحةً للمُسلمين، وكلُّ ذلك عند القدرة على البيان حسًّا ومعنًى، وفي الحديث الصَّحيح: (مَنْ رأى منكم منكرًا: فليغيره بيده، فإنْ لم يستطع فبلسانه، فإنْ لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان..) الحديث. وانْتشار البِدَع والسُّكوت عن الدُّعاة إليها ترك للمُنكر بدون تغيير؛ وذلك غير جائزٍ في شريعة الإسلام الَّتي جاء بها البشير النَّذير والسِّراج المُنير، تنزيل مِنْ حكيم خبير" [الأجوبة الأثريَّة عن المسائل المنهجيَّة (ص104)].
- قال الشَّيخ صالح الفوزان –حفظه الله-: " هذا الَّذي خرج عن الحقِّ متعمدًا لا يجوز السُّكوت عنه ، بل يجب أن يُكشف أمره ويُفضح خزيه حتَّى يحذره النَّاس ، ولا يُقال : النَّاس أحرارٌ في الرأي ، حريَّة الكلمة ، احترام الرَّأي الآخر ، كما يدندنون به الآن من احترام الرَّأي الآخر فالمسألة ليست مسألة أرآء! المسألة مسألة إتباعٍ، نحن قد رسم الله لنا طريقًا واضحًا وقال لنا سيروا عليه حينما قال { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [(153) الأنعام] فأيُّ شخصٍ يأتينا ويريد منا أن نخرج عن هذا الصِّراط فإنَّنا:
أولًا : نرفض قوله .
وثانيًا : نبين ونحذر النَّاس منه ، ولا يسعنا السُّكوت عنه ، لأنَّنا إذا سكتنا عنه اغترَّ به النَّاس ، لاسيما إذا كان صاحب فصاحةٍ ولسانٍ وقلمٍ وثقافةٍ ، فإنَّ النَّاس يغترُّون به ، فيقولون هذا مؤهَّلٌ!، هذا من المفكرين!، كما هو حاصلٌ الآن، فالمسألة خطيرةٌ جدًّا، وهذا فيه وجوب الرَّدِّ على المخالف، عكس ما يقوله أولئك؛ يقولون: (اتركوا الرُّدود ، دعوا النَّاس كلٌّ له رأيه واحترامه ، وحرية الرَّأي وحريَّة الكلمة) ، بهذا تهلك الأمَّة، فالسَّلف ماسكتوا عن أمثال هؤلاء، بل فضحوهم وردُّوا عليهم، لعلمهم بخطرهم على الأمَّة، نحن لا يسعنا أن نسكت على شرهم، بل لابدَّ من بيان ما أنزل الله، وإلَّا فإنَّنا نكون كاتمين، من الَّذين قال الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة : 159] ، فلا يقتصرُّ الأمر-أي: اللَّعن- على المبتدع ، بل يتناول الأمر من سكت عنه ، فإنَّه يتناوله الذَّمُّ والعقاب لأنَّ الواجب البيان والتَّوضيح للنَّاس ، وهذه وظيفة الرُّدود العلميَّة المتوفرة الآن في مكتبات المسلمين كلُّها تذُبُ عن الصِّراط المستقيم ، وتحذِّر من هؤلاء، فلا يروِّج هذا الفكرة ، فكرة حريَّة الرَّأي وحريَّة الكلمة واحترام الآخر ، إلَّا مضلِّلٌ كاتمٌ للحقِّ... وهذه أمانةٌ حمَّلها الله العلماء ، فلا يجوز السُّكوت عن أمثال هولاء ، لكن مع الأسف لو يأتي عالمٌ يردُّ على أمثال هولاء ، قالوا هذا متسرعٌ ! .. إلى غير ذلك من الوساوس، فهذا لايخذِّل أهل العلم أن يبيِّنوا شرَّ دعاة الضَّلال لا يخذلونهم " [إتحاف القاري بتعليقات شرح السُّنَّة للبربهاري 1/92 ].
- وقال أيضًا: " أحيانًا يكونُ السكوتُ هو المصلحةُ وأحيانًا يكون الكلامُ هو المصلحةُ، فالعلماءُ يراعونَ المصالحَ ودرءَ المفاسدِ، فلا يتكلمونَ إلَّا حيثُ يُفيدُ الكلامُ وينفعُ ، ولا يسكتونَ إَّلا حيثُ يكوُن السكوتُ أولى، فالعلماء بالمعنى الصحيحِ لا يسكتونَ إلَّا إذا كانَ السكوتُ له مجالٌ، ولا يتكلمونَ إَّلا إذا كان الكلامُ لهُ مجالٌ ، والأمورُ إذا حدثتْ لا يصلح لكلِّ واحدٍ أنْ يتكلّمَ فيها وإنّما تُوكِلْ إلى أهل العلمِ وأهلِ الرأي وأهلِ الكلمةِ كما قال – جلّ وعلا- (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ). فالأمور الَّتي تتعلقُ بمصالحِ المسلمين وبالأمةِ هذه لا يتولاها إلَّا أهل الحلِّ والعقدِ ، أهلُ العلمِ والبصيرةِ الَّذين يلتمسون لها الحلول الصَّحيحة. وأمَّا أنْ يتولاها ويتكلَّمَ فيها كلُّ مَنْ هبَّ ودبَّ فهذا مِنَ الضَّررِ على المسلمينَ ومِنَ الإرجافِ والتَّخويف ولا يصلُ المسلمون مِنْ وراء ذلك إلى نتيجةٍ ، وهذه أيضًا أمورٌ قد تكون أمورٌ سريةٌ تعالج بالسِّريَّة ولا تعالج علانية أمام النَّاس وإنَّما تعالج مع السِّريَّة ومع الطُّرق الصَّحيحة الأمور تحتاج إلى رويةٍ وإلى تعقلٍ والواجبُ على العامةِ أنْ يرجعوا إلى أهلِ العلمِ وأهل الرَّأيِ والبصيرةِ في هذه الأمورِ" [مقطعٌ صوتٌي مفرغٌ على شبكة الإمام الآجري].
- وسُئِلَ الشَّيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي – حفظه الله تعالى –: يقول البعض: أنَّ توضيح منهج السَّلف الصَّالح سَبَّب الإنتكاسة في صفوف الشَّباب وتنافي الحكمة الَّتي تجمع للإستقامة وتقرب للهداية ، فما حكم هذه المقولة بارك الله فيكم ؟
فأجاب: " قد تقدم ما يُدين هذا القول في الإجابة عن الأسئلة الَّتي سلفت وأن السُّكوت كتمانٌ للحقِّ (إن الَّذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للنَّاس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللَّاعنون) [البقرة : 159]، فليهنأ هؤلاء بمثل هذه اللَّعنات ـ نعوذ بالله من ذلك ـ يسمون كتمانهم حكمة ، ويسمون حماية البدع بالحكمة ، كيف يعرف النَّاس الحقَّ وأنت ساكتٌ ؟ ! الفتنة والفرقة إنَّما جاء بها أهل البدع والأهواء ، والدَّعوة إلى الله وإلى كتاب الله والتَّمسك بالكتاب والسُّنَّة هي دعوة للأمَّة كلِّها ، الفتن والإفتراق والخلافات الَّتي جاءت كلُّها عن طريق أهل الباطل وأهل الفتن ، وهم ما يفترون ، وهم ينشرون باطلهم في صحفهم في مجلَّاتهم في أشرطتهم، ويريدون من أهل الحقِّ أن يسكتوا . صوت الحقِّ هو الَّذي يجب أن يَسكت عندهم ، وصوت الباطل له أن يعلو ويُشاع في الأرض ! هل هم سكتوا ؟! أهل الباطل ما يسكتون ولا يفترون ولا يهدءون ، ولهم خططٌ ينفذونها جهنميَّة ، ثُمَّ هم يطلبون من أهل الحقِّ أن يسكتوا (ودُّوا لو تدهن فيدهنون) [القلم : 9] . قال الله عزَّ وجلَّ لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم: (ولا تطع كلَّ حلَّاف مهينٍ، همَّاز مشآءٍ بنميمٍ، منَّاعٍ للخير معتدٍ أثيمٍ، عتلٍّ بعد ذلك زنيمٍ ـ أنْ كان ذا مالٍ وبنينَ، إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأوَّلين) [القلم : 10 ـ 15] " [فتاوى الشَّيخ (ج 1/ ص 211)].
- وقال أيضًا : " ويجب أن يعلم علماؤنا الأفاضل أنَّ لأهل الأهواء والتَّحزب أساليب رهيبةٌ لاحتواء الشَّباب، والتَّسلط والسَّيطرة على عقولهم، ولإحباط جهود المناضلين في السَّاحة عن المنهج السَّلفي وأهله.
من تلكم الأساليب الماكرة: استغلال سكوت بعض العلماء عن فلانٍِ و فلانٍ، ولو كان من أضلِّ النَّاس، فلو قدَّم النَّاقدون أقوى الحجج على بدعه وضلاله فيكفي عند هؤلاء المغالطين لهدم جهود المناضلين الَّناصحين: التَّساؤل أمام الجهلة؟ فما بال فلانٍ وفلانٍ من العلماء سكتوا عن فلان وفلان؟! ولو كان فلانٌ على ضلالٍ لَمَا سكتوا عن ضلاله ؟! وهكذا يلبِّسون على الدَّهمَاء ؛ بل وكثيرٌ من المثقفين . وغالب النَّاس لا يعرفون قواعد الشَّريعة ولا أصولها الَّتي منها: أنَّ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر من فروض الكفايات، فإذا قام به البعض سقط عن الباقين ..." [كتاب "الجدال" (ص170)].
- وسئل أيضًا: اتخذ البعض السُّكوت عن أخطاء الجماعات الإسلامية والحزبيَّة منهجًا له وأن هذه هي الحكمة وأصبح هذا منهجًا له أتباعٌ يسيرون عليه ما حكم هذا المنهج الجديد اليوم ؟
فأجاب: " أخشى أنْ يكون هناك مبالغةٌ في هذا السُّؤال، أنا لا أعتقد عالمًا يرى هذا المنهج ، خاصةً العالم السَّلفي، فأخشى أن يكون في هذا السُّؤال مبالغةٌ، فعلى فرض وقوعه ووجوده فإنَّ هذا خطأٌ ، ويجب على من يقول هذا الكلام، ويُنَظِّر هذا التَّنظير ويؤصِّل هذا التَّأصيل يجب أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى، فإنَّ الله ميَّزَّ هذه الأمَّة وفضَّلها على سائر الأمم بعدم السُّكوت بل بالتَّصريح والتَّوضيح والجهاد وعلى رأسه الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر (كنتم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، وقد لعن الله بني إسرائيل لاتخاذهم مثل هذا المنهج السُّكوتي المقرِّ للباطل المغلَّف بالحكمة، قال: (لُعن الَّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون)، والرَّسول يقول: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وليس وراء ذلك مثقال ذرَّة من إيمان"، الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر أصلٌ عظيمٌ من أصول الإسلام، لا يقوم الإسلام إلَّا به، ولا تحرِزُ الأمَّة هذه المصلحة العظيمة؛ الخيريَّة والتَّقدم على سائر الأمم إلَّا إذا قاموا به، فإن هم قصَّروا استحقوا سخط الله بل لعنته كما لعن بني إسرائيل، فإذا كان بنو إسرائيل استحقوا اللَّعنات لأنَّهم لم يأمروا بالمعروف، فنحن أولى - والعياذ بالله- لأنَّ ديننا أعظم من دينهم، فإذا قصرنا في هذا الدِّين وتركناه يعبث به أهل الأهواء والضَّلال وجاريناهم وسكتنا عنهم وسمينا ذلك حكمةً، فإننا نستوجب سخط الله تبارك وتعالى، ونعوذ بالله من سخطه، ونسأل الله - إن كان لهذا الصنف وجودٌ- أن يهديهم وأن يبصِّرهم بطريق الحقِّ وأن يبصِّرهم بعيبهم العظيم الَّذي وقعوا فيه، فيخرجوا منه إلى دائرة الدُّعاة إلى الله بحقٍّ، الآمرين بالمعروف والنَّاهين عن المنكر، الصَّادعين به (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين)، كذلك اصدع بما تؤمر وأعرض عن المبتدعين الضالين. [شريط: الموقف الصَّحيح من أهل البدع].
- وسُئِلَ أيضًا: " هل من منهج السَّلف السُّكوت على دعاة أهل البدع مراعاة لبعض المصالح ؟ وكذلك السُّكوت عن تبديع المبتدع والتَّحذير منه مراعاةً للمصلحة؟
فأجاب : لايجوز السُّكوت , لابدَّ من بيان الباطل، يحكي شيخ الإسلام ابن تيمية الإجماع على وجوب الإنكار على أهل البدع والضَّلال , لايختلف السَّلف في ذلك ، لكن البيان يكون بالأدلَّة والبراهين وأمَّا السُّكوت لمصلحة !! فهذه مفسدةٌ أرجح ! ما المصلحة الَّتي تتحقَّق من السُّكوت؟ لايتحقَّق إلَّا انتشار الفساد والضَّلال... فالمفسدة من انتشار بدع هؤلاء الَّذين تسكت عنهم لاسيما ولهم جماعاتٌ ولهم وسائلُ لنشر بدعهم, ينشرونها في الأشرطة وفي الكتب وفي المواقع وفي كذا وكذا وأنت تسكت وتتظاهر بالحكمة ! هذا تلاعب بارك الله فيك. فالواجب أن نبيِّن هذا الباطل – بارك الله فيك – كما قال صلى الله عليه و سلم: " من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان "، اللهم إلَّا إنسان غريبٌ في أمّة ضالةٍ ولايستطيع أن يواجههم فهذا يُعذر وله أن يأخذ بالسُّكوت ، أَمَا والمجال مفسوحٌ للكلام والمتكلِّمين فلايجوز لهم السُّكوت – بارك الله فيكم – وإلَّا يكون هذا من تقرير المنكرات وتقرير البدع والضَّلالات والله يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} فلنكن من خير أمَّةٍ أخرجت للنَّاس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر , وننكرُ المنكرات : الشِّرك والبدع ؛ فلابدَّ من إنكارها – بارك الله فيك – إلَّا إنسان غريبٌ ضعيفٌ في مكان لايستطيع أن يتكلَّم فهذا قد يُعذر, إذا تكلَّم قتلوه أو سجنوه أو صادروا ماله فهذا يُعذر ، وأمَّا والمجال مفسوحٌ للكلام لاسيما والوسائل كثيرةٌ –الآن- للبيان فعلى المتمسِّكين بالكتاب والسُّنَّة أن يبِّينوا ضلال الضَّالين وانحرافات المنحرفين .. [مقطع صوتي مفرغ من شبكة سحاب].
- وقال الشَّيخ أيضًا ردًا على الغالي فالح الحربي: " فلعلَّ العلماء الَّذين ترى سكوتهم تنازلًا وربَّما رأيته كتمانًا وخيانةً أبعد نظرًا منك وأعرف بالمصالح والمفاسد، وأعرف بالقواعد والأصول، وما يتَّرتب على المواقف والتَّصرفات، وإلى الله المشتكى من تسرعاتٍ ومبادراتٍ ليس فيها أي التفاتٍ إلى هذه الأمور العظيمة فأذاقت الدَّعوة السَّلفيَّة الأمرَّين وأوقعتها في غربةٍ وكربةٍ... إنَّ العلماء الفقهاء النَّاصحين قد يسكتون عن أشخاصٍ وأشياءَ مراعاةً منهم للمصالح والمفاسد، فقد يترتَّب على الكلام في شخصٍ مفاسدُ أعظم بكثيرٍ من مفسدة السُّكوت عنه، فقد سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذكر أسماء المنافقين، ولم يخبر بأسمائهم أو بعضها إلَّا حذيفة، ومتى كان يصعد على المنبر ويقول فلان منافقٌ، وفلانٌ منافقٌ، كلُّ ذلك مراعاةً منه للمصالح والمفاسد.
وكان قتلة عثمان رضي الله عنه في جيش عليٍّ رضي الله عنه، وما طعن كبار الصَّحابة الباقين في عليٍّ رضي الله عنه ، ولا أحدَ من عقلاء التَّابعين، وما كانوا يركضون بالتَّشهير بعليٍّ، والأحكام على هؤلاء القتلة، وكان ذلك منهم إعذارٌ وإنصافٌ لعليٍّ، لأنَّه لو أخرجهم من جيشه أو عاقبهم لتَّرتب على ذلك مفاسدُ عظيمةٌ ، منها الحروب وسفك الدِّماء وما يتَّرتب على ذلك من وهن الأمَّة وضعفها، فهذا العمل منه من باب ارتكاب أدنى المفسدين لدفع أكبرهما.
وهذا ابن تيمية وتلميذه ابن القيِّم لماذا لم يبيِّنا عقيدة النَّووي وغيره ، وأئمَّة الدَّعوة؟ لم يبيُّنوا عقيدة النَّووي وابن حجر والقسطلَّاني والبيهقي والسُّيوطي وغيرهم؟، فلا تظنَّ أنَّ كلَّ تصريحٍ نصيحةٌ ولا كلُّ سكوتٍ غشًا للإسلام والمسلمين، والعاقل المنصف البصير يدرك متى يجب أو يجوز الكلام ومتى يجب أو يجوز السُّكوت، وكان يجب في كثير من الأمور أن ترجع إلى إخوانك لتستشيرهم وتستنير بآرائهم... ما ينبغي أن تتكلَّم بهذا الأسلوب الَّذي يشعر النَّاس بأنَّ علماء المنهج السَّلفي ودعاته قد خذلوا الدَّعوة السَّلفيَّة وتخلَّوا عنها ، بل كتموا الحقَّ، واعلم أخي أنَّ غيرك من العلماء لم يسكتوا، ويحملون من هموم الدَّعوة والشَّباب أكثرَ ممَّا تحمله أنت، فهم ينصحون ويعالجون ويسعون لإزالة الشُّبه وجمع كلمة السَّلفييِّن بكلِّ ما يستطيعون ماديًا ومعنويًا.وكان يجب عليك أن تكون معهم في هذه الأمور الَّتي يقومون بها، ويعانون من المشاكل والمصاعب في سبيل القيام بها ما الله به عليم، ويد الله مع الجماعة، وإنَّما يأكل الذِّئب من الغنم القاصية " [نصيحة أخوية إلى الشَّيخ فالح].
- وقال أيضًا: " خامسًا : الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر أصلٌ من أصول الإسلام يدخل فيه الأمر بالتَّوحيد وسائر شرائع الإسلام والنَّهي عن الشِّرك والضَّلال والبدع وسائر المعاصي ويتحقَّق بالقيام به عزَّة الإسلام والمسلمين، وهو ثابتٌ بالكتاب والسُّنَّة والإجماع، وقد ميَّز الله هذه الأمَّة وفضَّلها على سائر الأمم لقيامهم بهذا الأصل العظيم، وقد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراتب على حسب حال المؤمنين من قوَّةٍ وضعفٍ ، فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم وغيره، وفي حديث آخر عن ابن مسعود ïپ¨ فيه نصٌ على تغيير المنكر على هذه المراتب وفي آخره : " وليس وراء ذلك من الإيمان حبَّة خردلٍ " وهو في مسلم وغيره. وعلى العالم البصير أن يراعي في ذلك المصالح والمفاسد فإذا كان النَّهي يؤدِّي إلى مفسدةٍ أكبر من المفسدة الَّتي يريد تغييرها فحرامٌ عليه أن ينهي عن المفسدة الصُّغرى الَّتي تؤدِّي إلى أكبر منها ، وله أن يسكت إذا ترجَّحت مصلحة السُّكوت على الكلام كما قرَّر ذلك شيخ الإسلام وغيره.
وللعلماء تفاصيلُ في الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر قرَّرها العلماء ولا سيما شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله- فيها بيان متى يجب الكلام والتَّغيير ومتى لا يجب ممَّا يظهر في الإسلام الحكمة ومراعاة المصالح والمفاسد واليسر في الإسلام وسماحته عند الحاجة والضَّرورة ، والقوَّة عندما تدعو الحاجة إلى القوة إذا تطلبها الواقع وتوفَّرت القوَّة ووسائلها " [بيان سماحة الإسلام وما فيه من الرحمة (ص 4)].
- وقال أيضًا في ردِّه على إبراهيم الرُّحيلي فقال: " قولك: (الرَّدُّ على المخالف من فروض الكفايات ؛ فإذا قام به أحد العلماء وتحقَّق المقصود الشَّرعيُّ بردِّه على المخالف وتحذير الأمَّة , فقد برئت ذمم العلماء بذلك على ما هو مقررٌ عند العلماء في سائر فروض الكفايات): نعم، إذا تحقَّق المقصود الشَّرعيُّ بردِّ هذا الواحد، فقد برئت ذمَّة الباقين من المسلمين، لكن إذا لم يتحقَّق المقصود الشَّرعيُّ بردِّ الواحد على المخالف بأن يعاند هذا المبتدع المردود عليه، وبأن يوجد في السَّاحة أناسٌ من أدعياء العلم يدعمون المردود عليه، ويفرحون بردوده الظَّالمة الباطلة على ذلك العالم الرَّاد للبدع والأباطيل ويوجد علماء ساكتون لم يبينوا خطأ وأباطيل المردود عليه, بل يستغل المردود عليه هذا السُّكوت ويوهم النَّاس أنَّ هؤلاء السَّاكتين معه ويؤيِّدونه , ويوهمهم بأنَّه لو كان على الباطل لأدانوه، فإنَّه حينئذ قطعًا يجب على العلماء السَّاكتين أن يبيِّنوا للنَّاس الحقَّ نصيحةً لله ولكتابه ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم، ونصرةً للحقِّ وحسمًا لمادَّة الفتن والإختلاف الَّتي نشأت عن السُّكوت أو التَّأييد المبطَّن لصاحب الباطل اللَّذين أدَّيا إلى عدم تحقق المقصود الَّذي يُسقط الحرج عن الباقين.
ولا يجوز أن يقال: فقد برئت ذمم الباقين. فإذا لم يتحقَّق المقصود بردِّ واحدٍ أو عشرةٍ من العلماء لم تبرأ ذمَّة بقيَّة العلماء حتَّى ينهضوا أو ينهض منهم من يتحقَّق به المقصود وتنطفئ بهم الفتنة وبأن يظهر الحقُّ للنَّاس طلاب العلم والعوام كما يظهر لهم الباطل . فالقول بتحقُّق المقصود والحال هذه، والبلبلة والإضطراب الشَّديد قائمين أمرٌ عجيبٌ وأعجب منه قول القائل " فقد برئت ذمَّة العلماء ".
وكان يجب على الدُّكتور إبراهيم والعلماء السَّاكتين وغيرهم أن يتحرَّكوا لمواجهة الفتنة أو الفتن الضَّاربة أطنابها وأن يكون هذا الواقع المؤلم حافزًا لهم على القيام بالواجب الكفائي، ولا يبعد أن يكون سبب هذه الفتنة الكبيرة وما ترتَّب عليها هو سكوت السَّاكتين الَّذين يرفضون أن يقوموا بهذا الواجب الكفائي الَّذي لم يتحقَّق المقصود منه بردِّ شخصٍ واحدٍ، وتأمَّل فقه أهل السُّنَّة السَّابقين و قيامهم مجتمعين بهذا الواجب العظيم. وأنا أسأل الدُّكتور إبراهيم مثلاً الجهاد في سبيل الله من فروض الكفايات فإذا ذهب شخصٌ واحدٌ لجهاد دولةٍ كافرةٍ تهدِّد الإسلام والمسلمين فهل يتحقَّق المقصود الشَّرعيُّ بذهاب هذا الواحد أو ذهب للجهاد المئات لكن لم يحصل بهم المقصود الشَّرعي، ولم يندفع بهم هذا الَّتهدي، فهل يجوز للعلماء السُّكوت في هذه الحال، أو يجب عليهم أن يحثُّوا النَّاس على الجهاد ليقوموا بهذا الواجب الكفائي، وأنَّه لابدَّ من توفُّر العدد الكافي للقيام بهذا الواجب ولإسقاط الحرج عن باقي المسلمين، وإذا لم يحقَّقوا هذا العدد الكافي فإنَّ المسلمين آثمون في هذه الحال ويتحمَّلون مسؤولية ما يلحق بالإسلام والمسلمين من الأضرار، وقُلْ مثل ذلك في الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، لا بدَّ فيه من توفُّر العدد الكافي لقمع الفتن إذا لم تقمع بالواحد والعشرة والعشرين.
فظهر بهذا أنَّ مطالبة كثيرٌ من الطَّلبة المنتسبين إلى السُّنَّة للعلماء بيان موقفهم حقٌ وصوابٌ، إن صحَّ وجود هذه المطالبة، وليس من الأخطاء، وأنَّ المخطئ هو من يخطِّؤهم، وأنَّ سكوت العلماء عند الحاجة أو الضَّرورة لبيان الحقِّ يكون من كتمان الحقِّ ومن الخطأ الكبير الَّذي تترَّتب عليه مفاسدُ وفتنٌ وانقسامُ النَّاس إلى طائفتين أوطوائف يختصمون ويتهاجرون...الخ " [ص61-63].
- وقال الشَّيخ عبيد الجابري –حفظه الله- في جواب له: " الوقفة الثَّانية: إذا كان هذا الشَّخص الَّذي جرحه عالمٌ أو علماء حكموا عليه بما يُسقطه ويوجب الحذر منه قد خالفهم غيرهم وحكموا بعدالته وأنَّه على السُّنَّة أو غير ذلك من الأحكام المخالفة لأحكام الآخرين المجرحين له ، فما دام أنَّ هؤلاء على السُّنَّة وهؤلاء على السُّنَّة وكلُّهم أهل ثقةٍ عندهم وذَوُوا أمانةٍ عندنا ففي هذه الحال ننظر في الدَّليل، ولهذا قالوا: «من عَلِمَ حُجة على من لم يَعْلَم» الجارح قال في فلان من النَّاس: "إنَّه مبتدعٌ منحرفٌ سعيه" وأتى بالأدلَّة مِن كُتب المجروح أو من أشرطته أو من نقل الثِّقاة عنه، فهذا موجبٌ علينا قبول قوله وترك المعدِّلين الَّذين خالفوا مَنْ جرحه، لأنَّ هؤلاء المجَرحين له أتَوا بأدلَّة خَفِيَتْ على الآخرين لسببٍ من الأسباب أو أن المعدِّل لم يقرأ ولم يسمع عن ذلك المجرِّح، وإنَّما بنى على سابقِ عِلمِه به، وأنَّه كان على سنَّة، فأصبح هذا المجروح الَّذي أقيم الَّدليل على جرحه مجروحًا والحجَّة مع من أقام الدَّليل.
وعلى من يطلب الحقَّ أن يتَّبع الدَّليل ولا يتلمَّسَ بُنيَّات الطَّريق ذات اليَّمين وذات الشِّمال، أو يقول أقف بنفسي، فهذا لم نعهده عند السَّلف، وهذه الأمور تكون فيما لا يسوغ فيه الاجتهاد في أصول العقائد وأصول العبادات، فإنَّ المصير إلى قبول من أقام الدَّليل واجبٌ حتميٌ، وذاك العالم السُّنِّيُّ الَّذي خالف الجارحين له عذره، يبقى على مكانته عندنا وعلى حرمته عندنا، ونستشعر أنَّه له -إن شاء الله- ما كان عليه من سابقة الفضل وجلالة القدر، هذا وسعه ! ، والعالم من أهل السُّنَّة، السَّلفيِّ، بَشَرٌ يذهل، ينسى ، يكون عُرضة للتَّلبيس من بطانةٍ سيِّئةٍ، أو كان قد وَثِقَ بذلك الرَّجل المجروح فلَبَّسَ عليه، والشَّواهد على هذا كثيرةٌ... " [الحدُّ الفاصل بين معاملة أهل السُّنَّة وأهل البَّاطل ص 40].
- وقال أيضًا :" فإذا حذَّر عالمٌ من رجلٍ وأقام عليه الدَّليل بأنَّه من أهل الأهواء أو من الجهَّال الَّذين لا يستحقون الصَّدارة في العلم والتَّعليم، وكان هذا العالم معروفًا بين النَّاس بالسُّنَّة والاستقامة عليها، وتقوى الله سبحانه وتعالى، فإنَّا نقبل كلامه، ونَحذر مَنْ حذرنا منه وإن خالفه مئاتٌ ؛ ما دام أنَّه أقام الدَّليل وأقام البيِّنة على ما قاله في ذلكم المحذِّر منه، فهذا وُسعنا، بل هو فَرضُنا والواجب علينا، وإلَّا ضاعت السُّنَّة، فإنَّ كثيرًا من أهل الأهواء يخفى أمرهم على جمهرة أهل العلم، ولا يتمكَّنون من كشف عوارهم وهتك أستارهم لأسبابٍ منها:
- البطانة السَّيئة الَّتي تحول بين هذا العالم الجليل السُّنيِّ القَّويِّ، وبين وصول ما يُهتك به ستر ذلك اللَّعاب الماكر الغشَّاش الدسَّاس؛ فلا يمكن أن يصل إليه شيءٌ، حتَّى أنَّها تحول بينه وبين إخوانه الَّذين يحبُّهم في الله، فلا يستطيع أن يقرأ كلَّ شيءٍ.
- ومنها: أن يكون ذلك العالم ليس عنده وقتٌ، بل وقته كلَّه في العلم والتَّعليم .
- ومنها: أن يكون بعيدًا عن هذه السَّاحة ؛ يكون هذا الشَّخص مثلًا: في مصر، أو الشَّام، أو المغرب، أو مثلًا اليمن، وهذا العالم الَّذي في السُّعودية لا يدري عما يجري في تلك السَّاحة!، ما بلَّغه ثِقةٌ بما يجري في تلك السَّاحة والسَّاحات؛ فهو جاهلٌ بحاله.
- ومنها: أن يكون هذا العالم قد نَمى إلى علمه وتعلَّق في فكره أنَّ ذلك الرَّجل ثقةٌ عنده ، فما استطاع أن يصل إلى ما كشـفه غيره من أهل العلم؛ للأسباب المتقدِّمة وغيرها، لكن نَمى إلى علمه سابقًا أنَّه صاحب سُنَّة وأنَّه يدعو إلى الله، وكان أمامه يُظهر السُّنَّة وحبُّ أهل السُّنَّة والدَّعوة إلى السُّنَّة، ويذكر قَصصًا من حياته ومصارعته للأفكار الفاسدة والمناهج الكاسدة، ويأتي له بكتبٍ سليمةٍ، وما درى عن دسـائسه، فإذًا ماذا نصنع؟ ! نعمل على كلام ذلك العالم الَّذي أقام الَّدليل وأقام البيِّنة الَّتي توجب الحذر من ذلك الرَّجل من كتبه ومن أشرطته ومن شخصه. وأمَّا ذلك العالم الجليل فهو على مكانته عندنا؛ لا نجرحه، ولا نحطُّ من قدره، ولا نقلِّل من شأنه بل نعتذر له؛ نقول ما علم، لو علِمَ ما عَلِمنا لكان عليه مثلنا أو أشدَّ منا " [الحدُّ الفاصل بين أهل الحقِّ وأهل الباطل-السُّؤال التَّاسع].
- وسُئِلَ الشَّيخ محمد بن هادي المدخلي-حفظه الله-: بعض المتصدِّرين للتَّدريس لا يتكلَّمون في أهل البدع والمنحرفين والجمعيات، لا في دروسهم، ولا في الطَّريق إذا سُئلوا، فهل يؤخذ العلم عن مثل هذا؟
فأجاب:" إذا كان لا يعلم حالهم، أو لا يرى نفسه أهلًا للكلام فيهم ، فهذا شيءٌ طيِّبٌ أنَّه لا يتكلَّم فيما لا يعلم، مع الرُّجوع للعلماء، وأمَّا إذا كان يعلم حالهم، لكنَّه لا يتكلَّم فيهم، ولا يحذِّر منهم، فهذا هو الضَّلال، والشَّر فيه " [اتصال صوتي مفرغ من شبكة سحاب].
- وقال الشَّيخ صالح آل الشيخ-حفظه الله-: عند قول ابن قدامة رحمه الله : (من السُّنَّة هِجران أهل البدع ومباينتهم): " وهذا هو الَّذي كان أئمَّة أهل السُّنَّة يوصون به من: عدم غشيان المبتدعة في مجالسهم ولا مخالطتهم، بل هجرانهم بالكلام، وهجران بالأبدان، حتَّى تُخمد بدعهم، وحتَّى لا ينتشر شرٌّهم، فالدُّخول مع المبتدعة ومساكنتهم، سواءً كانت البدع صغيرةً أو كبيرةً، والسُّكوت عن ذلك، وعدم هِجرانهم، والاستئناس لهم، وعدم رفع الرَّأس بحالهم مع بدعهم، هذا من حال أهل الضَّلال، إذْ أهل السُّنَّة تميَّزوا بأنَّ لهم الموقف الأعظم الَّذي فيه القوَّة والشدَّة مع أهل البدع مهما كانت البدع، فيهجرون أهل البدع، هجر المبتدع من أصول الإسلام " [شرح لمعة الإعتقاد].
- وقال الشَّيخ عبد الله البخاري: " ثمَّ إذا ما ثبت فليس كلُّ ما يُعلم يُقال ، وهذا من الفقه الَّذي لم يفطن إليه كثيرون حتَّى ممن (تزبَّبَ قبل أن يتحصرم) وتصدَّر للدَّعوة أو للتَّدريس أو للتَّوجيه ، وغالبًا أمثال هؤلاء يُفسدون ولا يُصلحون والله لا يحب عمل المفسدين ، فإنَّ من القواعد المقرَّرة عند العلماء رحمهم الله أنَّ الأمر إذا ما ثبت فليس كُلُّ ما يُعلم يُقال ولكلِّ مقامٍ مقال ولكُلِّ ميدانٍ رجال... فليس كلُّ ما يُعلم يُقال ولكُلِّ مقامٍ مقال ، حتَّى لو عَلِمتَ وثبت وصَحَّ فليس هذا فى كل مكانٍ تقوله وليس لكُلِّ أحدٍ تقوله (خاطبوا النَّاس بما يفهمون أتريدون أن يُكذَّب الله ورسوله) انظروا هذا الفقه من هذا الصَّحابى الجليل نعم ، عليٌّ رضي الله عنه: حدِّثوا النَّاس بما يفهمون، لماذا؟ لأنَّ عاقبة تحديث النَّاس بما لا تفهم ما هي؟ أن يُكذَّب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، إذًا حدِّثوهم المراد به أي: بيان الحقِّ والقول لهم بالكتاب والسُنّة؛ لكن تكلَّموا معهم بما يفهمون، بمعنى يجب أن تُراعى حال المُخَاطَبْ ، ولهذا كان العلماء قديمًا وحديثًا يُراعون التَّدرج في الطَّلب أليس كذلك؟ ويعطونه على قدر حاجته ، لأنَّ الصغير(الطِّفل) إذا ما بدأ يأكل ما يأكل إبتداءً ، أولاً الحليب ثمَّ هكذا ثمَّ يُطعم الطَّعام ويُعطاهُ مهروسًا حتَّى يستطيع بلعه حتَّى لا يقف في حلقه لأنَّه لو أكل لقمةً كبيرةً ربَّما غَصَّ بها فمات، هذا في الأمر الحسِّيى وهو كذلك في الأمر المعنوي، فإذا ما أخذ جرعةً زائدةً أو مقالةً أكبر من الحجم غَصَّ بها ، فما استطاع بلعها ولا هضمها؛ ولابدَّ وأن يزيغ والعياذ بالله...
إذاً لا يُنشر هذا لعامَّة النَّاس ولدهماء النَّاس لأنَّهم يُسيئون الظَّنَّ بالسُنّة (حدِّثُوا النَّاس بما يفهمون أتريدون أن يُكذَّبَ الله ورسوله) فقد يكون سَبَبُ صدِّ النَّاس وتكذيبهم لكلام الله ولكلام رسوله عليه الصَّلاة والسَّلام السَّبب في هذا أنت ، لأنَّك حدثتهم بما لم يفهموا وقد تكون أنت تفهم وقد تكون لا تفهم ، ويقول أيضًا ابن مسعود رضي الله عنه ( ما أنت محُدِّثٍ قومًا بحديثٍ لا تبلغه عقولهم إلَّا كان على بعضهم فتنةً ) إذًا ليس كلُّ ما يُعلم يُقال...
إذاً ليس كل ما يُعلم يُقال ، وهـذا من يدري به ومن يُقَدِّرُه؟ نعم.. أهل العلم الَّذين يعرفون العلم ، هذا يصلح لك وإلاَّ ما يصلح ، ليس معنى أنَّه يصلح أو لا يصلح أنَّه يرى وجهك هكذا ويقول يصلح وإلاَّ مايصلح!! هي ليست تَخَرُّصًا ، ولكن تعرف هذا السَّائل يصلح له هذ الكلام أو لا من سؤاله ومنطقه ، أنتَ استفتيته ورضيته فى دينك أَوَ تظنُّه من الغباء والحُمق وقلِّة الذَّكاء أن تنطلي عليه مثل هذه الأشياء!! فإذا قال لك افعل: ستفعل ، إذا قال لك لا تفعل: لن تفعل ..صحيح؟ تستفتيه في مسائل الطَّلاق والنِّكاح و...و... غير ذلك والحجِّ والعمرة الآن... ويقول لك: افعل ولا تفعل ، تظنُّه أنَّه من الغباء والحُمق وعدم الفِطنة أنَّه ما يتفطَّن للَّذي أمامه...
ولهذا بارك الله فيكم- بعض الطَّلبة قد يقول: يا شيخ بعض المشائخ يجيبون وبعضهم لا ، نعم لا يُجيبك ..لأنَّه لا يراك أهلًا لسماع هذا الجواب أصلًا ويحتفظ به لأنَّه لا يقول لك إلَّا ما يُفيدك فقط أنت ، لو زاد زيادةً كانت هذه الزِّيادة كبيرةً على تَحَمُلِكَ لا تستطيعها... " [مقطع صوتي من شبكة البيضاء العلميَّة].
• وهذه مجموعةُ مقتطفاتٍ مختاراتٍ من كلام الشَّيخ العلَّامة ربيع بن هادي المدخلي-حفظه الله- فيما له علاقة بهذه المسألة:
- قال الشَّيخ -حفظه الله-: " إنَّ الله ميَّز هذه الأمَّة وفضَّلها على سائر الأمم بعدم السُّكوت بل بالتَّصريح والتَّوضيح والجهاد وعلى رأسه الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر " [المجموع230/14].
- وقال أيضًا: " الفرح بالحقِّ من ميزات أهل الحقِّ، والفرح بالباطل هو من ميزات أهل الباطل " [أئمَّة الجرح هم حماة الدِّين (ص76)].
- وقال أيضًا: " والمَنهج السَّلفي ليس فلانٌ، كلُّ عالمٍ فهو مكلَّفٌ باتباع هذا المنهج ، فإذا أخطأ وخالف هذا المنهج ، يجب أن تُحاكم أقواله بهذا المنهج " [شريط شرح الجواب الكافي].
- وقال أيضًا: " لو كان إمامًا وأخطأ وتعصَّبت له ففيك جاهليَّة " [المجموع 404/14].
- وقال أيضًا: " النَّقد موجودٌ ويجب أن يستمرَّ للصَّغير والكبير والجليل والحقير من الأمور، مع التَّصريح بإحترام أهل السُّنَّة " [المجموع 35/15].
- وقال أيضًا: " النَّقد يا إخوان لا يجوز سدُّ هذا الباب، لأنَّنا [سـ]نقول بسدِّ باب الإجتهاد!! و[نحن] لا نعطي قداسةً لأفكار أحدٍ كائنًا من كان، فالخطأ يردُّ من أيِّ شخصٍ " [المجموع 32/15].
- وقال أيضًا: " نحن ليس عندنا تقديسٌ للأشخاص والغلوِّ فيهم، ولكن عندنا الأدب ومعرفة قدر العلماء " [المجموع36/1].
- وقال أيضًا: " مدار قَبول الكلام وردِّه هو الحُجَّة وعدمها لا الهوى " [(ص 37) المصدر السَّابق].
- وقال أيضًا: " إذا اختلف عالمان من علمـاء الجـرح والتَّعديـل أو غيـرهم في أمـرٍ دينيٍ فالحكم في القضيَّة لله لا للهوى وأهـله الَّذين يأخذون بقـول المُخـطئ ويردُّون قول المصيب " [(ص 35) أئمة الجرح هم حماة الدِّين].
- وقال أيضًا: " الواجب على المسلم إذا اختلف العلماء: أن لا يقف المسلم المتَّبع موقف أهل الأهواء، فيقول: (قد اختلف العلماء فلا يلزمني قول فلان وفلان) ويذهب يتلاعب بعقول النَّاس، فإنَّ مثل هذا القول يجرِّئ النَّاس على ردِّ الحقِّ وإسقاط أهله، وصاحب الحجَّة يجب الأخذ بقوله اتباعًا لشرع الله وحجَّته لا لشخص ذلك الرَّجل وسواد عينيه " [(ص 35) المصدر السَّابق].
- وقال أيضًا: " المنهج السَّلفيُّ الَّذي يقول للمصيب: أصبتَ، وللمخطئ: أخطأتَ، وللمبطل: أبطلتَ، وللضَّال: ضللتَ، وللمنحرف: انحرفتَ، ليس فيه مجاملةٌ، وليس فيه مداهنةٌ .. " [مرحبًا يا طالب العلم 59].
- وقال أيضًا: " إنَّ السَّلفييِّن على منهج الصَّحابة والسَّلف الصَّالح في إنكار البدع والضَّلالات، ويفرِّقون بين الخاطئين المُبطلين ، والمُخطئين المعذورين " [عمدة الأبيِّ (ص135)].
- وقال أيضًا: " مذهبهم-أي: الحدَّادية- أنَّ من أخطأ مرَّةً لا يُعذر ولا يُقبل منه رُجوعٌ بل لو أَلْصَقوا به ذنبًا هو بريءٌ منه فلا بُدَّ أن يستمرُّوا في إِلْصاق ذلك الذَّنب بذلك المَظلوم البريء مهما أَعلن براءته منه وحارَبَه" [أصول فالح الحربي ومآلاتها : (ص5)] .
تعليق