بسم الله الرحمن الرحيم
لا دفاعا عن الشيخ عبد المجيد جمعة و لكن حفظًا لجناب العلم أن يُهان !
لا دفاعا عن الشيخ عبد المجيد جمعة و لكن حفظًا لجناب العلم أن يُهان !
الحمد لله الذي زيّن بأهل العلم سماء المدركات ، و جعل منهم على الهدى أعلاما و منارات ، و أمرنا بالرجوع إليهم في المدلهمات ، و هو القائل :(يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذي أوتوا العلم درجات) ، ثم الصلاة على نبيّ الرحمات ، المرسل بنجاة النسمات ، و أصحابه الأثبات ، و التابعين لهم بلا افتيات .
و بعد :
هذه فصول ثلاثة حوت تصريحا و تلميحا ، ضمنتها الجواب عن تعدي الطالب النبيه !!
وأول تلك الفصول في توقير الكبير و أخلاق الطالب مع الشيخ ، ضمنته بيان تعدي الطالب .
و ثاني الفصول في أن الفهم في الدين و التحقيق فيه شيء غير الحفظ ، و ضمنته بيان سوء فهم الطالب في احتجاجه لثناء صاحبه على بلاسمه برضا! شيخ الإسلام و سكوته عن ثناء المادحين عليه.
و ثالث الفصول في بيان أن التحريش بين العلماء أعظم خطرا من أي تحريش ، و ضمنته كشف تحريشه بين الشيخين عوسات و جمعة.
و الله الموفق في المقصود .
و بعد :
هذه فصول ثلاثة حوت تصريحا و تلميحا ، ضمنتها الجواب عن تعدي الطالب النبيه !!
وأول تلك الفصول في توقير الكبير و أخلاق الطالب مع الشيخ ، ضمنته بيان تعدي الطالب .
و ثاني الفصول في أن الفهم في الدين و التحقيق فيه شيء غير الحفظ ، و ضمنته بيان سوء فهم الطالب في احتجاجه لثناء صاحبه على بلاسمه برضا! شيخ الإسلام و سكوته عن ثناء المادحين عليه.
و ثالث الفصول في بيان أن التحريش بين العلماء أعظم خطرا من أي تحريش ، و ضمنته كشف تحريشه بين الشيخين عوسات و جمعة.
و الله الموفق في المقصود .
الفصل الأول :توقير الكبير و أخلاق الطالب مع الشيخ ،و ضمنته بيان تعدي الطالب .
إنه لما كان لجناب العلم القدر المعلوم ، و كان لمن تلبس به و خالطت أنفاسه كلمات الوحي تفهما و تدبرا ، و تعليما و نشرا ، قدر سامٍ بقدر علو منزلة هذا العلم ، كان لزاما على الطلبة الصادقين حفظ جناب العلم أن يهان ، و إن من أجلّ طرائق حفظ جنابه إكرام أهله و حملته ، لا حفظ أوراقه و جلدته ، فالعلم إنما ينتشر بمُعانيه.
و على هذا السنن سار سلفنا الصالحون و العلماء الناصحون ، فقد أثر عن ابن عباس -رضي الله عنه - أنه لما حضر جنازة أمِّ زيد بن ثابت -رضي الله عنه- و بعد الصلاة عليها ، قرِّبت إلى زيد بغلة ليمتطيها ، فجاء ابن عباس فأخذ بركابه ، فقال له زيدٌ : خلِّ عنك يا ابن عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ابن عباس : هكذا يُفعل بالعلماء !.(1)
نعم لقد "كان السلف يعظمون من يتعلمون منهم تعظيما شديدا ، و آثارهم في ذلك شاهدة على آدابهم في مجالس التعليم ، و على توقيرهم لمعلّميهم "(2)، و تلك أخلاق من يعرف للعلم قدره و لحملته أقدارهم ، فهل كان سيد شباب الجزائر ! على هذا السنن المرضي و الخلق القويم السويّ فيما سوّده ؟!
لن نجيب عن السؤال من كيسنا ، فالرجم بالغيب محرم ، و النبي صلى الله عليه و سلم يقول :(من قائل في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرجَ ممّا قال)(3).
و لنردف حديثنا هذا بصورة من نفس النسق , و ذلك فيما أخرجه الخطيب في الجامع بسنده عن مغيرة قال
:"كنّا نهابُ إبراهيم النخعيَّ كما يُهابُ الأمير"!!
نعم كما يهاب الأمير ، فهل ألفاظ الطالب كقوله :
و أنت الفقيه !
وقوله : طريقة التحريش اتبعتها مع غيري ،
و قوله : الطرق و الأساليب الخسيسة! وقوله : الأساليب الحزبية البغيضة !! و زد و زد .
هذا نزر من تلك الكلمات المسددة الموفقة!! كما وصفها ولد عمر -عمرّ الله قلبه بنور البصيرة- وهذه آداب الطالب ، و تلك ألفاظه طافحة بمعاني الهيبة !! و الإجلال !! و الإكبار للشيخ عبد المجيد !!
فلا تعجبوا بعد هذا إذا رأيتم سيد شباب أهل الجزائر يزدري من هو أكبر من الشيخ جمعة ، فإنما يدفعه لذلك تلمس سبيل السلف في إجلال العلماء و تحقيق هيبتهم في النفس !!
و لنا أن نزيد المقام بيانا ، بشيء من الآثار التي تبرز تعامل السلف مع الشيوخ و تبيّن إلى أيّ حدّ وُفِّق و سدِّد الطالب في السير على منوالهم ، فمن ذلك أن أيوب قال :
(كان الرجب يجلس إلى الحسن ثلاث سنين ، فلا يسأله عن شيء هيبة له)
و عن إسحاق الشهيدي قال :
(كنت أرى يحيى القطان يصلّي العصر ، ثمّ يستند إلى أصل منارة المسجد ، فيقف بين يديه :
عليُّ بن المديني و
الشّاذكوني و
عمرو ابن عليّ و
أحمد بن حنبل و
يحيى بن معين و غيرهم
يسألونه عن الحديث و هم قيامٌ على أرجلهم ، إلى أن تحين صلاة المغرب ، لا يقولُ لأحد منهم : اجلسْ و لا يجلسون هيبة له و إعظامًا)
فلتكرّر هذه الآثار الثلاثة على مسماعك أيها القارئ الموفق المسدّد لتعرف أن التوفيق و التسديد في مقال الطالب محضّ زيف و شهادة بالزور لا غير !
و لعمر الله إن هذا الصنيع لا يُعَدُّ في صنيع الطلبة , و لا المنتصفين
بل و كأني بالمحدث مفلح الرشيدي -رحمه الله- بيننا و هو يضرب أخماسًا لأسداس , حيرةً و أسى لما يراه من صنيع سيد شباب أهل الجزائر بشيوخ من سادة أهل الجزائر !.
فاللهم سلّم .
و هذا أوان الشروع في الفصل الثاني.
الفصل الثاني :في أن الفهم في الدين و التحقيق فيه شيء غير الحفظ ، و ضمنته بيان سوء فهم الطالب في احتجاجه لثناء صاحبه على بلاسمه برضا! شيخ الإسلام و سكوته عن ثناء المادحين عليه.
مما لا يرتاب فيه السائرون في طريق الطلب ما لهذه النفس من منازع إلى الانتصار ، و ارتياد في سبل الإقدام الموهوم في صورة إحقاق الحق و نصرته ، فالشيطان يشامُ النفس ، فإن كان هذا المُشّام يغلبُ "عليه قوة الإقدام و علو الهمة أخذ يقلّل عنده المأمور به ، و أوهمه أنه لا يكفيه و أنه يحتاج معه إلى مبالغة و زيادة!.
و قد قصّر بقوم حتى جفوا الشيوخ من أهل الدين و الصلاح و أعرضوا عنهمو لم يقوموا بحقّهم .
و قصّر بهم حتّى منعهم من قبول أقوال أهل العلم و الالتفاف إليها بالكلية " (4)
حتّى آل بهم الأمر إلى تسفيه أقوالهم و الإزراء بفهومهم ، و الاحتجاج لغيرهم بما يعود عليهم بالضرر ، و بما يكشف للصادق مقدار تلك الفهوم المنتفخة ، و العقول المستطيلة بالباطل .
و من هذا الإقدام المذموم تكلف الطالب تبرير مدح صاحبه لبلسم جراحه بقوله :على أن ابن تيمية قيل في ما هو أكثر من هذا و لم يتبرأ منه !!
فقد أرسل عماد الدين الواسطي الشهير بابن شيخ الحزامين ....إلخ آخر نقله لأبيات ابن الزملكاني و أبي حيان الأندلسي النحويّ .
و احتجاجه بثناءات العلماء على ابن تيمية نقدا لقول الشيخ جمعة أن عبارات صاحب "بلاسم الجراح" لو قيلت لابن تيمية لتبرّأ منها ، احتجاج بالزور و الشبهة .
هذا ، و أحسبُ الشيخ عبد المجيد جمعة أخطأ العبارة و لعله أراد أن يقول : "لو قالها ابن تيمية في حقّ كتبه ،لما قُبِلت منه!"
و ذلك أن الشيخ عبد المجيد أنكر ادّعاء صاحب المقال تملكه بلاسم الجراح و سبل هداية الحيارى و زمام القياد نحو النجاة .
فلا يصح إذا الاحتجاج بانكار ادعاء المرء لنفسه ما ليس له أهل ، بثناءات علماء على عالم بمرتبة ابن تيمية ، و لو كان الثناء أضعاف ما ادعاه المنتقَدُ لنفسه .
ثم إن مدار ذلك بعد ذلك على الدليل لا على أفعال مجردة ، و هبْ أن احتجاج الطالب الموفق المسدد!! في محله ، فمقتضى إحسان الظن بالعلماء يحكم برد ابن تيمية لها في نفسه !! و عدم جهره بذلك ، خوفا من الرياء و السمعة في صورة التواضع ، و هذا السبيل من دقيق الفقه و الورع ، لا كما اعتدنا عليه بأخرة من قوم لا يفوتون الإنكار على المادح و الاسترسال في توصيف أنفسهم بالجهل و الضعف ظنا منهم أن هذا السبيل هو سبيل الخلاص من الرياء المردي ، و قلوبههم ترقص فرحًا لتلك الثناءات.
و نقطة أخرى : و هي أن ثناء ابن الزملكاني على ابن تيمية كان بعد خلاف شديد بينهما ، انتهى بعده ابن الزملكاني إلى معرفة قدر ابن تيمية ، فكان يمتثل قول ربّه -جلّ و عزّ-:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }(160.البقرة) .
قال ابن جرير في تأويل الآية :حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة في قوله: " إلا الذين تابوا وأصلحوا وبَيَّنوا "، يقول: أصلحوا فيما بينهم وبين الله, وبيَّنوا الذي جاءهم من الله, فلم يكتموه ولم يجحدوا به: أولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم.اهـ
فابن الزملكاني -رحمه الله-يعلم أنه تعرض لمقام ابن تيمية بالسوء و الثلب ، فكان لزاما عليه البيان و الإصلاح بذكرابن تيمية بالخير بالمقدار الذي يعادل ذكره إياه بالسوء , لينفي ذلك الأثر الفاسد الذي نتح عن ذلك الخلاف .
على أن الاستشهاد بأحوال العلماء إنما يكون بما استفاض من أفعالهم مما هو ثابت عنهم ، مما وافقوا فيه الشريعة أصلا و فرعًا , لا بالتخرص في ادعاء عدم إنكار ابن تيمية مدح المادحين !
و أنّى لهذا الطالب أن ابن تيمية لم ينكر ذلك ؟!
أكان قرأ رضاه في كتاب ؟!
فليأتنا بآية مما يعتمده العاقلون !
و الحقّ أن أمثال شيخ الإسلام إن مُدِح -بنصفة كان المدح أو بمجاوزة- إنّما يُنقلُ بإثره ما اشتهر من إنكاره ، مثل الذي نقله عنه تلميذه ابن القيم في مدارج السالكين حيث يقول :(كان شيخنا إذا مُدح في وجهه قال: أنا لست بشيء، ولا لي شيء، ولا عندي شيء، ولا مني شيء، ثم يقول:
أنا المكدي وابن المكدي***وكذا كان أبي وجدي)
و ينقل ابن القيم -رحم الله الجميع - عن شيخه أنه كان يقول :(ما زلت أجدد إسلامي في كل وقت، وإلى الآن ما أسلمت إسلاماً جيداً).
فأين مثل هذه المواقف لشيخ الإسلام من دعوى الطالب عدم إنكار ابن تيمية للمدح!
اللهم إلا التخرص و القول بالظنة و الاعتداد بجودة الفهم المزعومة ، و الركون إلى الثقة بمخدَّرات الأفكار ! فإذا ذهبت تقلبها بميزان الحقّ و العدل أدركت أنّما يؤتى المرء من نفسه ، و أدركت أن التوفيق و التسديد ناءٍ بعيد ، عن تسويدات الطالب.
إذا لم يكن من الله عون للفتى ••• فأوّل ما بجني عليه اجتهاده
و لأجل هذا فاعلم أن الحفظ ليس هو الفهم ، و أن المرء قد يلوك عبارات تشبه عبارات الفقهاء و ليس بفقيه ، و يردد عبارات الأصوليين و ليس منهم ، و لا تظهر حقيقة الفهم إلا ساعة الاحتجاج و البحث !
و أظن أن كثيرا من القارئين سمع قصة حمار الفروع ، ذلك الطالب الذي حفظ الفروع للإمام ابن مفلح صاحب شيخ الإسلام ، من غير تفهم ، و لا أحسب أحدا من الطلاب -كذلك- تخفى عليه دلالات قول النبي صلى الله عليه و سلم :
(و ربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه)(5)
و قبل أن أنهي الفصل فإن أنهي إلى علمكم حرمة إسقاط القصة على الطالب ، فلا و الله ما قصدته و لا دار بخلدي تحقير خلق الله ، و لكن كما قيل :
(الحديث يجرّ بعضه بعضا) ، و قد يذكر العلماء لوازم الأقوال لا لإلزام أصحابها -ما لم يلتزموا لوازمها - بل لبيان شناعة القول من مخرجاته.
و الله المستعان ، لا ربّ سواه.
والفصل الثالث :في بيان أن التحريش بين العلماء أعظم خطرا من أي تحريش ، و ضمنته كشف تحريشه بين الشيخين عوسات و جمعة.
لمّا كان التحريش و النميمة عمدة الطالب في ردّه و انتفاضه ضد شيخه، و ركيزته في تشنيعه ، و مصدره في الاسترسال في أحكامه ، و ادعاء الانتصاف لدعوته لا لنفسه ، لزّم بيان وقوعه في نقيض دعواه ، و اجتراءه على ما نهى عنه و قلاه !
كلّ ذلك أبيّنه له ، عسى أن ينتفع ، فـ : (إنّ الذكرى تنفعُ المؤمنين )
يقول الطالب الموفق المسدّد!! :(على أنني لا أستصعب تكذيبك لي بعد تكذيب الشيخ عوسات)
كيف سمحت لهذا الطالب نفسه المغرّرة أن يستخرج من كلام الشيخ عبد المجيد إلزامات ثم يلزمها الشيخَ، و ينطلق منها في تحرير تحريش سيء المقصد!
أما درى أنه يقع فيما استنكره على الشيخ ! أم : حلالٌ لنا حرام عليكم!
أم أنه يرى القذى في عينه شيخه و لا يرى الجذع في عينه!
أم أنه يحبّ الانتصار لنفسه كيفما كان ، و لو كان الثمن دعوةً تُكادُ من كلّ جانب ، فتراه يسرع في افتراع خرق ليسرع توسيعه في غفلة من الناصحين به و له !
فلا يتنبه راقعهم إلا بعد فوات الأوان ! و لا حول و لاقوة إلا بالله.
و تحريش هذا الشخص بين الشيخين أشنع و أعظم خطرا على الدعوة لو كان يعقل !
إذ التحريش بين الشيخين يؤول لكلام في الأعراض غير مرضي ، و المشايخ من جملة البشر ، فقد يبلغ أحدهما كلام الآخر فيه فينتصر لنفسه عملا بقوله تعالى :(و لمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) .
و لك أن تتصور هول ما يحدث من تفرق الأحبة ، و انفراط عقد المودّة الذي -لعله- جاوز الثلاثين سنة ، كان ملؤها وفاق و تناصح و تعاون ، و مرتْ عليها أهوال و فتنٌ عظام ، ما هزتها و لا أحدثت فيها شقًّا .
فيأتي الطالب الموفّق المسّدد! ليصبّ زيت نميمته على نار الخلاف ، و ليدق مسمار حنقه في عضد عظم المودة ، و يحطم بفأس انتصاره لنفسه باب المحبّة ، حتّى إذا الوفاقُ وقع و قد وجب جَنبه ، و ساح دمه ، و أُكِلّ لحمه و شحمه !
قام من غفلته المقصودة ، ليبرهن صدق دعاويه في تحريشه !
و كأني به رافعًا رأسه في كبرياء العققة يقول في جمع من المصفقين:
إنّما قلته عن علمٍ و بصيرة ، و ها قد صدّق الخبْر الخبَر!
إذا فليعلم ، وهو الطالب الموفق المسدد!!أن نبينا صلى الله عليه و سلم قال :
(أفلا أخبركم بشراركم؟". قالوا: بلى. قال:" المشَّاؤُون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، البَاغُون البُرَآءَ العنت ).(6)
و قال صلى الله عليه و سلم أيضا :(لا يدخل الجنة قتّات)(7)
و أخرج أبو نعيم في الحلية (رقم ٣٣٦١) عن يحيى بن أبي كثير اليماني قوله :
(يُفْسِدُ النَّمَّامُ فِي سَاعَةٍ مَا لا يُفْسِدُ السَّاحِرُ فِي شَهْرٍ ).
ختاما :
أتوجه للطالب الموفق المسدّد !! بكلمات من إمام موفق و مسدّد بحق توفيقا و تسديدا شهد له به أئمة أجلّه ليسوا من ذوي العبوس ، عمرت قلوبهم علما و ورعا ، يقول الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في كتابه إغاثة اللهفان :
(......فالحي العالم الناصح لنفسه لا يؤثر محبة ما يضره ويشقى به ويتألم به، ولا يقع ذلك إلا من فساد تصوره ومعرفته، أو من فساد قصده وإرادته.
فالأول: جهل، والثانى ظلم: والإنسان خلق فى الأصل ظلوماً جهولا، ولا ينفك عن الجهل والظلم إلا بأن يعلمه الله ما ينفعه، ويلهمه رشده، فمن أراد به الخير علمه ما ينفعه، فخرج به عن الجهل، ونفعه بما علمه، فخرج به عن الظلم، ومتى لم يرد به خيرا أبقاه على أصل الخلقة، كما فى المسند من حديث عبد الله بن عمرو عن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال:
"إِنَّ اللهَ خَلَقَ خَلْقَهُ فى ظُلْمَةٍ، ثُمَّ ألْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ، فمَنْ أصَابَهُ ذلِكَ النُّورُ اُهْتَدَى، وَمَنْ أخْطأَهُ ضَلَّ".
فالنفس تهوى ما يضرها ولا ينفعها، لجهلها بمضرته لها تارة، ولفساد قصدها تارة، ولمجموعهما تارة، وقد ذم الله تعالى فى كتابه من أجاب داعى الجهل والظلم، فقال: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهَمْ وَمَنْ أَضَلُّ مَّمِنِ اتبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظّالمِين} [القصص: 50] وقال {إِنْ يَتَّبِعُونَ إلا الظّنَّ وَمَا تهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى} [النجم: 23].
فأصل كل خير: هو العلم والعدل، وأصل كل شر: هو الجهل والظلم).
انتهى كلامه من فصل (في كون الإنسان ظلوما جهولا) , و انتهى به المقصود من هذه الكتابة , ونسأل الله أن يرزقنا علما نافعا و عملا صالحا و الله المستعان.
كتبه نصحًا : أبو عبد الرحمن امحمد العكرمي
ليلة الخميس التي تلي يوم الأربعاء 10 من ربيع الآخر لعام 1439 هجري.
الموافق 17 / 12 / 2017 .
------
(1) ذكره الطبراني في الكبير (4746).
(2)فضل العلم . محمد سعيد رسلان ص 299.و ما سيأتي من آثار في هذا الفصل منقولة منه.
(3)أخرجه أبو داود (3597) ، والطبراني (13435) و صححه الألباني.
(4)عبارات متفرقة انتقيتها من كلام ابن القيم في إغاثة اللهفان من فصل(في الإقدام و الإحجام) بتصرف بناسب الغرض.
(5)جزء من حديث أخرجه أحمد في مسنده (رق 4157) و صححه الألباني في الصحيحة (رقم 404).
(6)أخرجه البخاري في الأدب المفرد وقال الشيخ الألباني-رحمه الله- : حديث حسن (7)أخرجه مسلم حديث (105)، وأخرجه البخاري في "كتاب الأدب" "باب ما يكره من النميمة" حديث 5709.
تعليق