بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه:
والله إنه ليحز في نفوسنا ويؤسفنا ويحزننا أن نرى إخواننا لنا كانوا على نفس منهجنا، ويجتمعون على الحق والخير معنا، ينقلبون علينا، ويصبحون في شق خلاف شقنا، بل تجدهم يبذلون وسعهم في هدم البناء الذي طالما كانوا يدعون الدفاع عنه، والصمود في وجه أعدائه المتربصين به، وقد يكون هؤلاء من المشايخ المعروفين، أو طلبة العلم المبرزين؛ الذين كان يرجى لهم ومنهم الخير، ويظن فيهم أنهم على الصلاح والبر؛ ولكننا وللأسف الشديد وجدناهم بين عشية وضحاها يتغيرون وينقلبون، بل الصحيح يُظهرون وعلى حقيقتهم يَظهرون؛ ومن هؤلاء الذين ظهر عقوقهم وجحودهم، وانقلابهم وتحولهم، ولعلها ظهرت حقيقتهم وانجلت طويتهم: أبو معاذ محمد مرابط.
كان الرجل إلى عهد قريب يُظهر تعظيمه للعلماء، وثناءه على مشايخنا الفضلاء؛ ثم انقلب رأسا على عقب وانتكس وارتكس؛ فصار يطعن فيهم ويرد عليهم، ويشهر بهم وينتقص من أقدارهم، وسبب هذا الأكبر في نظري أنه لم يعرف قدر نفسه، ولم يتصور حقيقة ذاته، ولم يعلم مقامه اللائق به؛ ولذلك جاوز حده وتعدى طوره؛ فتكلم فيمن لا يمكنه أن يدركهم فقد تجاوزوه بمراحل، بل هم كالجبال الشامخات وهو هباءة لا تطاول حبة رمل، ولكن البصيرة إذا عميت لم ير صاحبها الواضحات الجليات، وانقلبت عليه الحقائق والمفاهيم، ورأى الحق باطلا والباطل حقا، والصدق كذبا والكذب صدقا.
ومن غرائبه التي صار إليها ومواقفه التي فضحه الله بها؛ أن رد على أحد مشايخنا وأساتذتنا وعالم من علمائنا، أقصد الشيخ عبد المجيد جمعة حفظه الله ورعاه، في مقالة ظنها له وهي عليه، واعتقدها نافعته وهي سبيل نزول الوبال عليه، فإنني لما قرأتها وتدبرت في كلماتها ألفيتها زخرفا من القول أراد أن يغر به البقية الباقية من مناصريه، ويخدع بها من لا علم عنده ولا فقه لديه، ولأجل بيان حقيقتها كتبت هذا الذي بين أيديكم نصحا له أولا: والسر بالسر والعلانية بالعلن، ودفاعا عمن نرى أن من حقهم علينا أن ندافع عنهم، وبيانا لشبهاته حتى لا يغتر بها أحد من المسلمين فضلا عن إخواننا السلفيين، وإلى الرسالة وبه سبحانه أستعين فأقول:
اعلم رحمك الله أن مقالته هذه تضمنت أمورا ثلاثة كلها تدينه وتفضحه، وتبين حقيقة أمره الذي صار إليه، وهي:
الأول: اعتداده بنفسه وتعاليه وترفعه.
الثاني: طعوناته في الشيخ جمعة حفظه الله وسوء أدبه معه.
والثالث: انتقاداته للشيخ عبد المجيد جمعة حفظه الله وشبهاته التي أوردها وظنها براهين قوية وأدلة شرعية.
ولعلي بإذن الله سبحانه أبدأ بالأخيرة ثم أعرج بعدها على غيرها:
1- الانتقاد الأول وبرهانه عليه: قال مرابط هداه الله:" تعجبت وملكت الدهشة قلبي بعد وقوفي على كلام الشيخ، وقلت لعل الكلام قد انتحل انتحالا، ونسب للشيخ الفاضل كذبا، لأن العادة غالبا تمنع هذا، فكيف يصير كلامي بجملته من جنس الخزعبلات؟! وهل يدخل فيه ما أنشره في نصرة الصحابة والرد على الحزبيين وعلى رأسهم جماعة الحلبي؟ لأن قانون العربية ينسحب عليه، والتعميم والإجمال يربك القارئ ويتعب الصديق قبل العدو، فيضطر الجميع إلى الاستعانة بما يحل مغلقات ألفاظه، فقد قلت مثلا في أواخر تغريداتي: (فضيلة الشيخ أزهر سنيقرة -حفظه الله- هو والدي وشيخي وأستاذي، عرضي دون عرضه، ونصرته فريضة عليّ في السر والعلن، أسأل الله أن يحفظه من كل سوء) وقلت كذلك: (الحلبيون في الجزائر من أخطر أهل البدع، وأشرهم من يتستر ويندس بين السلفيين! لهذا وجب التحذير منهم بأسمائهم، لأن إفسادهم يزداد يوما بعد يوم)، فهل هذه الكلمات من جملة الخزعبلات التي لا ينبغي نشرها؟
هذا من جهة مضمون الكلام!.
قلت: هذا الكلام فيه مغالطات واضحة وتلبيسات مفضوحة وبيانها كالتالي:
أولا: إن القارئ لكلام الشيخ حفظه الله ليعلم علما يقينيا أن قوله ينصب على أباطيلك وترهاتك التي تدخلت بها فيما لا يعنيك وليس من مستواك، تلكم الكلمات التي علم الشيخ من خلالها أنك تفسد بها ولا تصلح وتهدم ولا تبني.
ثانيا: أما تمحلك وادعاؤك أنه يشمل حتى ما تكلمت به مما أصبت فيه فهذا ليس بصحيح لأن التحذير من كلام شخص معين كما هو معلوم - ولو كان عاما - إنما يقصد به ما ضل فيه وجانب الصواب بقوله.
ثالثا: أن هذا هو صنيع العلماء الذي لا يرتضيه أهل الأهواء أنهم يحذرون من كلام المفسد جملة لعلمهم أن عموم الناس لا علم عندهم ولا فقه لديهم فلا يميزون بسبب ذلك بين الحق والباطل والحالي والعاطل فيلتبس عليهم الأمر ويغرهم كل مغتر والأمثلة على أن هذا هو ديدن أهل العلم كثيرة وعديدة ومنها: تحذيرهم من كتب السيد قطب جملة مع ما فيها من آيات بينة وأحاديث صحيحة وكلام قد يكون سديدا وقول ربما كان رشيدا، وتحذيرهم جملة من كلام المتمسلفيين الذي كانوا على الجادة ولعلهم خالفوا أصلا واحدا من أصول أهل السنة فيحذر جملة من السماع لهم والقراءة في كتبهم مع أن نتاجهم قد يكون فيه دعوة إلى توحيد رب العالمين وترغيب في السنة النبي الأمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
رابعا: ماذا تريد بقولك هذا أن يستعمل الشيخ معك منهج الموازنات الذي هو من شر مناهج أهل البدع المعاصرين؟.
2- الانتقاد الثاني وبرهانه عليه: قال هداه الله:" أما من جهة المتكلِّم والمتكلَّم فيه! فلا أشك أبدا أن مرحلة الصدمة كانت مرحلة حتمية اجتازها كل من وقف على كلام الشيخ –وفقه الله- حتى المقتنعون بحكمه! فقد صُدموا أولا قبل أن تتشكل لهم قناعة معيّنة! لعلمهم المسبق بالعلاقة الوطيدة التي تربطني بالشيخ فهي علاقة يعرفها القاصي والداني، ومن ذلك قوله –حفظه الله- في أخيه الصغير مرابط الذي سارت به الركبان، حيث قال عنّي قبل ثلاثة أشهر: (الرجل كما أعرفه من خيرة طلبة العلم الذين جمعوا بين الهمة في الطلب وحسن الأدب وله جهود مشكورة في الدفاع عن السنة وأهلها والرد على أهل الباطل فاسمه مرابط يدل على مسماه فهو في رباط مستمر نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا وما شهدنا إلا بما علمنا والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل!)
فما الذي تغير في هذه المدة الوجيزة؟ أصلح الله شأننا جميعا، وإن من اللطائف أن الشيخ –وفقه الله- مدحني بثمان صفات حميدة ونسخها بثمان صفات مشينة! كما في كلامه الأول حول الخزعبلات! والله المستعان".
التعليق: غيرت فتغير كلامه فيك، وبدلت فتبدل حكمه عليك، وهذه من البديهيات عن أهل السنة والجماعة أن العبرة في كل شخص ما صارت إليه نهاياته لا ما كانت عليه بداياته، ثم الحكم يكون على ما ظهر من الشخص كما صح عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه – أنه قال:" إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ" رواه البخاري رحمه الله رقم 2641. فهل يمكن أن يقول أحدهم لعمر رضي الله عنه حين يبعده بعد أن كان مقربا عنده أين هو تقريبك لي ولماذا تبدلت في معاملتي هذه حجة من ليست له حجة.
ثم إن الشيخ حفظه الله قدم في مقالته التي بعث به إلى صديقك هذا الأمر البديهي عند السني السلفي حيث قال:" لأن الحكم على الرجل بحاضره، وليس بماضيه، والأمور بالخواتيم؛ ولك المثل في الحلبي، والرمضاني، والحجوري، والمأربي، والشريفي، وغيرهم (ولعل القائمة لا زالت مفتوحة)؛ ولهذا قال السلف:" من كان مقتديا فليقتد بمن قد مات فإنَّ الحي لا تؤمن عليه الفتنة".
يا رجل أتريد أن تغالط السلفيين عن دينهم ومنهجهم وقواعدهم وأصولهم؟ لن يكون هذا فما عليك إلا أن تتدارك نفسك قبل أن تلقى حتفك وأظنه وقع.
3- انتقاده الثالث وبرهانه عليه: قال هداه الله وأصلحه:" وأمر في غاية الأهمية لابد أن أبوح به: لقد كان الشيخ جمعة –وفقه الله- يخبر في العديد من المرات -وقد سمعتها منه مشافهة- أنه صبر على (شيخي)! ستّ سنوات كاملة! قبل أن يتكلم فيه! فما الذي زهده في الصبر على الطالب! مع أن الطالب تابع لا متبوع! وهو في الغالب مغرر به تقتضي الحكمة بأن يُصبر عليه أكثر مما يصبر على شيخه! فكيف صبر الشيخ جمعة على أخيه الدكتور ست سنوات ولم يصبر على التلميذ المسكين ستة أشهر على الأقلّ؟!".
التعليق: وهذه مغالطة أخرى يظن المسكين أنه تجديه نفعا، وتكون أكثر تأثيرا على القارئين له وأعظم وقعا، وما هي إلا شبهة واهية وبيان ذلك من وجوه:
الأول: أن الحكمة هي وضع الشيء في موضعه اللائق به، ومعاملة الناس على حسب مراتبهم ومقاماتهم؛ فالصغير يؤمر ويؤدب، والكبير يلام ويعاتب، وأنت صغير فما يليق بك إلا ما كان من الشيخ حفظه الله تجاهك.
الثاني: وهو تابع للأول: أن بعض من يُنصح يُظهر التطامن ويَعِدُ بالخير، أو على الأقل يسكت ولا يظهر الشر، فهذا يُصبر عليه، وينتظر رجوعه أو وقوع اليأس منه، وبعضهم إذا نُصح تعالى وتكبر، وأظهر العناد والشر؛ فهذا يحذر منه لأنه كالميؤوس من رجوعه.
الثالث: أن من أخفى الشر ولم يعلن به يصبر عليه إلى أن يحين أوانه، أما من أظهر الشر وصرح به فلا مجال للسكوت عليه، والإبطاء في فضحه، وبيان انحرافه.
وقد تكون للشيخ وجوه أخرى لا يمكن أن يدركها إلا من لم يحجبه عن رؤيتها هوى يعمي عين بصيرته.
4- انتقاده الرابع وبرهانه عليه: قال أصلحه الله وهداه:" لقد دفعتني الظروف القاهرة إلى كتابة هذا المقال وما يتلوه من مقالات –وأرجو ألا أضطر إليها- وكان عزائي في أمرين مهمين:
أما الأول: فما سُمح به في شريعة الإسلام من دفع التهمة عن العرض وبيان العبد البراءة من القبائح التي تنسب إليه ولم تقترفها يداه! وحجج ذلك في نصوص الوحيين يضيق بسردها المقام! ومن أقواها وأوضحها ما رواه (البخاري 2401 ومسلم 1601) عن أبي هريرة رضي -الله عنه قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجل يتقاضاه فأغلظ له، فهمَّ به أصحابه، فقال:" دعوه فإنّ لصاحب الحقّ مقالا"، فلم تمنع مرتبة النبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبول الحق مع ما فيه من (غلظة! )
أما الأمر الثاني: فإن أهل السنة اتفقت كلمتهم على جواز بيان خطأ العالم ولو بلغ درجة الإمامة! ولا حرج عندهم إذا كان المبيّن طالب علم أو تلميذا! فكيف لو أضيف إلى ذلك أن يكون المتكلم صاحب حق دعته الحاجة لبيان موقفه مما يثار حوله، وقد سئل فضيلة شيخنا العلامة ربيع بن هادي المدخلي –حفظه الله- كما في (الذريعة 2 /592): هل لطالب العلم الردُّ على العالم إذا رأى من خطأ؟ وما هو الأسلوب الأمثل في ذلك؟ فقال -حفظه الله-: (والله له الحق في ذلك بأدب وبشرف، والله إذا كان الحق ظاهرًا للطالب؛ فله ذلك، إذا كان الكبار ما يبيِّنون الحق؛ مثلا بعيدين ما انتبهوا، لهم عذر من الأعذار، وهذا عرف الحق وأن هذا الشيخ الكبير أخطأ، فيبيِّن له خطأه بلطف وبالحجة، بشرط أن لا يتعالى، بشرط أن لا يكون واهمًا مبطلا ويرى نفسه على الحق؛ لأن بعض الناس يرى نفسه على الحق وهو على الباطل، فإذا كان طالب العلم بصيرًا على حقيقة أن هذا قد أخطاء والحق معه؛ فليقدِّم ما عنده من ملاحظة، بالشروط التي ذكرتها) (الذريعة).
التعليق: وهذا تبرير منه للرد على الشيخ حفظه الله والطعن فيه، وهو كعدمه؛ لأنه وضع الدليل في غير موضعه، واحتج بما الحجة فيه عليه، وبيانه كالتالي:
- أما حجته الأولى التي احتج بها على تطاوله على الشيخ حفظه الله، والتي جعلها عزاءه التي يتعزى به؛ فهي: حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي وضعه في غير موضعه، وبيان ذلك من وجوه:
الوجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن لصاحب الحق مقالا" وأنت لست بصاحب حق، بل أنت مبطل في كلامك، مغتر ببعض الشبهات التي عندك، والحق مع من حذر منك وبَيَّن تبدلك وتحولك، ومقالتك هذه التي بين أيدينا من أعظم ما يبيِّن ضعف حجتك وثبوت إدانتك، فضلا عما تبعها وظهر بعدها من أمور شنيعة وتصريحات فظيعة، فاحتجاجك بالحديث في غير محله، واستدلالك به في غير موضعه.
الوجه الثاني: أن في الاحتجاج بهذا الحديث نسبة الظلم إلى الشيخ حفظه الله، وأنك قمت لترفع الظلم عن نفسك، وتظهر براءتك من القبائح التي تنسب إليك؛ فهل ظلمك الشيخ ورماك بما أنت بريء منه؟ الحقيقة أن الشيخ حفظه الله ذكر ما صار فيك، وهو مشهور اليوم عنك: من طعن في أهل السنة وحرب لهم، ومما يؤكد صدق قوله فيك وحكمه عليك طعنك الصريح الواضح في علامة الجزائر وفقيهها، ومفخرة بلادنا وزينتها؛ العلامة محمد علي فركوس حفظه الله، فهل هذا أيضا من القبائح التي نسبت إليك وأنت بريء منها؟.
3- الوجه الثالث: ليس في الحديث جواز إساءة الأدب والتطاول على من هو فوقك وأعلى مرتبة منك، بل فيه جواز عقوبة من تطاول واعتدى إلا إذا تجاوز عنه صاحب الحق وعفى، قال الإمام ابن حجر رحمه الله وهو يعدد فوائد الحديث:" وَأَنَّ مَنْ أَسَاءَ الْأَدَبَ عَلَى الْإِمَامِ كَانَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ" وأنت تطاولت وأسأت الأدب مع الشيخ حفظه الله ورميته بما هو بريء منه.
- أما حجته الثانية التي احتج بها على تطاوله على الشيخ حفظه الله، والتي جعلها عزاءه التي يتعزى به؛ فهو: كلام الشيخ ربيع حفظه الله ورعاه، والذي هو حجة عليه، وليس حجة له، وبيناه من وجوه:
الأول: أن الشيخ ربيعا حفظه الله الذي تحتج به وتأخذ بكلامه أقر الشيخ عبد المجيد حفظه الله على كلامه فيك وأيده على مقالته التي كتبها لبيان حالك، فكلام الشيخ ربيع حفظه الله حجة عليك؛ إذ كيف تأخذ كلامه في الإجمال ولا تأخذه في التفصيل؟ أم أن لك توضيحات على كلام حامل لواء الجرح والتعديل وموقفه.
الثاني: أن الشيخ ربيعا حفظه الله وضع قيودا للرد وأنت خالفتها ولم تحققها وبيانه:
الشرط الأول: أجاز الرد على العالم إذا أخطأ بأدب فخالفت هذا الشرط ولم تتأدب مع الشيخ جمعة حفظه الله كما مر وسيأتي مزيد بيان لذلك إن شاء الله في باب بيان طعوناتك فيه حفظه الله.
الشرط الثاني: اشترط أن يكون الحق ظاهرا للطالب فخالفت حيث خضت في مسائل لم تتضح لك بدليل أنك حكمت على الجميع أنهم لهم أخطاء، وخالفت العلماء في ما تبنوه.
الشرط الثالث: أن ينعدم كلام الكبار في المسألة بسبب من الأسباب كبعدهم فخالفت الشرط حيث تكلمت في أمر تكلم فيه الكبار وعلى رأسهم من مشايخ الجزائر العلامة محمد علي فركوس حفظه الله والشيخ لزهر حفظه الله والشيخ عبد المجيد جمعة حفظه الله والذي أيده مشايخ العلم خارج الجزائر فيما قاله وخطه ببنانه حفظ الله الجميع.
الشرط الرابع: أن يبين له خطأه قال الشيخ حفظه الله "أن يبين له" لا أن يشهر به فخالفت الشرط ورددت على الشيخ في مواقع التواصل ونشرت ذلك في كل مكان.
الشرط الخامس: أن يبين له خطأه بلطف وبحجة وأن لا يتعالى فخالفت الشرط فرددت عليه بسوء أدب كما سيأتي بيانه وبشبهات واهيات وهذه المقالة في بيانها وتأكيد وهائها وبتعالي ظاهر سيأتي الكلام على أدلته.
الشرط السادس: أن لا يكون واهما مبطلا ويرى نفسه على الحق، فخالفت الشرط لأنك واهم ومبطل، وكلامك خير دليل على ذلك، وتمعن في هذه المقالة وفيما كَتَبَ عنك ولك إخوانك لتعلم صدق مخالفتك لهذا الشرط الذي وضعه إمام من أئمة الدين، وفقيه من فقهاء المسلمين.
والخلاصة: أن هذه الحجة عليك لا لك، فاتق الله في نفسك، ولا تظنن أنك بمجرد إيرادك لكلام أئمتنا وعلمائنا ترهبنا، وتنفق شبهاتك علينا.
5- انتقاده الخامس وشبهته فيه: قال هداه الله وأصلحه:" فالشيخ جمعة –حفظه الله- يريد منّي أن أقتنع كما اقتنع هو وأن أقنع غيري بأن الخلاف بينه وبين إخوانه هو خلاف مشروع سببه انحرافات منهجية انتقدها على غيره، وهذا ما لم أقتنع به! بل رأيت ولا زلت أن ما وقع بين المشايخ إنما هو من عمل شياطين الإنس والجن! وأن الأخطاء الثابتة من جميع الأطراف ما كانت لتعالج إلا بالطرق الشرعية ومن أنفعها التحاكم للعلماء.
التعليق: ولي على كلامك هذا ملاحظات هي:
الأولى: تقول:" يريد مني أن أقتنع" "وهذا ما لم أقتنع به! بل رأيت" ما قيمة رأيك مقابل رأي الشيخ حفظه الله تعالى؛ رحم الله أقواما كانوا يقولون:" رأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا" فرأي علمائنا خير من رأينا لأنفسنا، ويا ليتك جعلت رأي الشيخ مقابل رأي من تتعصب لهم، وتقف في صفهم، وتذب بالباطل عنهم؛ فعلى الأقل يقال أنك أخذت برأي من تعتقد رفعته ومكانته ومنزلته، ولكنك للأسف الشديد تقول:" رأيت" ومن أنت حتى ترى رأيا تخالف به من هو أعلم منك وأبصر بالشرع والواقع؟ وسيأتي ما يدل على ضعف علمك وقلة فقهك في الدين ونصوص الوحيين.
الثانية: أخاف من قولك لم أقتنع أن تكون ممن تأثر بضلالة أصحاب لم يقنعني ولم يقم الحجة علي.
الثالثة: أنك تزعم أن الشيخ حفظه الله ذكر أن الخلاف بينه وبين بعض من تذب من المشايخ عنهم وتقف في صفهم هو خلاف منهجي ولكنك تزعم أنه لم يقنعك، فهلا ذكرت هذه المسائل الخلافية وبينت وجهت نظرك، وذكرت رأيك الذي تخالف به من هو قطعا أعلم منك، فحينئذ يتبين للناس أنها أولا: ليست مسائل منهجية. وثانيا: أن كلام الشيخ في نقده لمن تدافع عنهم غير مقنع.
وأنا أقول لك: إن المسائل التي ينتقدها مشايخنا على بعض من تدافع عنهم وتقف في صفهم مسائل منهجية، وقد صرح الشيخ أزهر حفظه الله بها في بعض دروسه قائلا:" وقد نختلف والآن نحن مختلفون، مختلفون في مسألة من المسائل التي بينها علماؤنا وأئمتنا ألا وهي مصاحبة المخالف، مصاحبة المخالفين: منا من يرى أنه لا حرج عليه إذا صاحب المخالف يتأول يتفيهق هو حر فيما يذهب إليه، ونحن نعتقد أنه لا يجوز لنا مصاحبة أمثال هؤلاء" فها هي مسألة من المسائل التي يقع فيها الخلاف بين من تدافع عنهم ومن تقوم في وجههم، فما هو قولك فيها، ورأيك الذي تتبناه في نصوصها وأدلتها؟.
الرابعة: قولك:" بل رأيت ولا زلت أن ما وقع بين المشايخ إنما هو من عمل شياطين الإنس والجن" ألا تعلم يا هذا أن في كلامك هذا طعن صريح في كل المشايخ سواء من تقف في صفهم وتدافع عنهم أو من تقف في وجههم وتتصدى لهم، ثم إذا كنت مصلحا وتريد صلحا فمن هم هؤلاء الشياطين الذين أفسدوا بين المشايخ؟ وما هي طريقتهم التي سلكوها للإفساد بينهم؟ وهل بلغوا من المكر والدهاء وبلغ مشايخنا من السذاجة والغباء بحيث لا يتفطنون لهم ولا يشعرون بمكرهم؟ ثم ألم تسأل نفسك كيف تفطنت لوجودهم وأدركت شرهم ولم يتفطن أحد من المشايخ لهم ولا شعر بمكرهم؟.
الخامسة: أثبتَّ أخطاء لجميع الأطراف فما هو نوعها؟ هل هي أخطاء عقدية؟ أم منهجية؟ أم سلوكية؟ أم ماذا، ثم هل يقر لك الأطراف بها ويعترفون بوجودها؟ أراك واهما فيما تقول.
السادسة: أنك ترى أن الشيخ عبد المجيد جمعة حفظه الله ومن هم على رأيه لم يعالجوا العلاج الشرعي الذي رأيته وتنصحهم به؛ فهل أنت أبصر بالشريعة من هؤلاء العلماء حتى تخبرهم أن طريقهم الذي سلكوه ليس بالطريق الشرعي؟ ثم هل سلك الطريق الشرعي من تدافع عنهم وتتعصب لهم وهل سعوا فيه وهل هم حريصون عليه؟ التفت إليهم واسألهم واسأل عن العلماء الذين يرتضونهم حكما ولا يرضون بهم بدلا؟ حتى يسعى الجميع للجمع بينهم عندهم؟ واسألهم هل يرضون بثناء العلماء المعروفين الذين هم الحكم في كل قضايا السلفيين على الشيخ فركوس والشيخ أزهر والشيخ عبد المجيد حفظهم الله؟.
- ثم قال بعد كلام هداه الله وأصلحه:" ووالله! كم وددت لو أن شيخنا اتصل عليّ واستفسر مني لأوضح له مرادي وأظهر ما قصدته بقولي (شياطين الإنس) وكنت سأذكر له الأسماء التي أعتقد أن دين الله يحتم علينا التحذير من أصحابها والتشهير به".
التعليق: إذا كنت تعلم أسماء شياطين الإنس الذين فرقوا بين مشايخنا وكان الدين يحتم علينا أن نحذر منهم ونشهر بهم فلماذا سكت عليهم ولم تسكت على شيخك وشيخهم؟ أليس الواجب عليك وأنت من اطلعت على خبيئتهم وعرفت فسادهم وإفسادهم أن تفضحهم وتبين للناس شرهم؟ فلماذا لم تفعل؟.
6- انتقاده السادس وشبهاته فيه: قال هداه الله وأصلحه:" قال الشيخ جمعة –وفقه الله-: (كذا قال: «كلام خاص في مجموعة مغلقة» هل صارت الدعوة السلفية صوفية إخوانية؛ لها كلام في العام وكلام في الخاص، أم أن ما نقوله للخواص لا يقال للعامة حتى لا نفتضح).
التعليق: غفر الله لي ولشيخنا جمعة، كيف اعتبر الكلام الخاص دعوة صوفية إخوانية! وقد عُلم من دين الله أنّ ما يقال لخاصّة الناس لا يقال لعامتهم! وأن من المسائل ما لا تطرح إلا على خاصة الخاصة! ومن أصول هذا الباب ما أورده الإمام البخاري رحمه الله في كتاب العلم من صحيحه تحت باب: (باب من خصّ بالعلم قوما دون قوم كراهية ألاّ يفهموا) ثم أورد تحته أثر علي رضي الله عنه: (حدّثوا الناس بما يعرفون أتحبّون أن يكذّب الله ورسوله)، وكذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه كما في (مقدمة مسلم): (ما أنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).
ووالله قد عرفت شيخنا جمعة –وفقه الله- ملتزما بهذا الهدي النبوي، وكان أكثر ما ينكره على الناس نقلهم لكلامه الخاص! بل حفظت منه في مناسبات عديدة قوله وهو يحدّث بأمور خاصة: (المجالس بالأمانة يا إخوان)! وشواهد ذلك سأتركها ربما لوقت لاحق.
فجلّ من لا يخطئ ويسهو عن مسائل مشهورة معلومة!".
التعليق على التعليق: ما هذه المغالطات والتلبيسات فيما تحتج به من كلام علماء الإسلام وأئمته الأعلام، ففرق واسع وبون شاسع بين ما احتججت به وما أنت واقع فيه، لأن الباب الذي احتججت به من كلام الإمام البخاري هو:" باب من خصّ بالعلم قوما دون قوم كراهية ألاّ يفهموا" فخص بالعلم وليس بالباطل! فالسلف كانوا يكرهون التحديث ببعض الحق مخافة أن يفهم على خلاف وجهه ويوضع في غير موضعه كما كَرِهَ الإمام أحمد التَّحْدِيثَ بالْأَحَادِيثِ الَّتِي ظَاهِرُهَا الْخُرُوجُ عَلَى السُّلْطَانِ وَمَالِكٌ بأَحَادِيثِ الصِّفَاتِ ونحو ذلك أما أنتم فتخصون بعض المغرورين بكم بالباطل كالطعن في أهل العلم فهل هذا من ذلك الباب؟ ومما يدل على الفرق الواسع بين ما تفعلونه وما تستدلون به ما علق به صاحبك خالد حمودة - هداه الله وأصلحه وبصره بالحق الذي من أجلك تركه – معلقا على طعنك في الشيخ العلامة محمد علي فركوس حفظه الله:" الخطأ خطأ من كل أحد ولو كان قريبا. والكلام الذي نشر لأخي محمد مرابط في الشيخ فركوس حفظه الله خطأ واضح، عليه أن يتداركه. مع اعتقادي أنه لا يتكلم بمثله علنا، وإنما اعتدى من اعتدى على خصوصيته فنشر كلامه" أليس هذا يا مرابط هو الذي أنكره الشيخ عبد المجيد جمعة حفظه الله عليك وكتب به إلى صاحبك حيث قال:" ويذكّرني هذا الموقف بقول أحدهم، وقد أثنى على زين العابدين بن حنفية، ودافع عنه، وقال:" إخواننا ظلموه". يعني شيخنا الشيخ فركوس وغيره، وقد احتفى به الحلبيون، فنشروه في منتديات "الكل" – وما عليها تدل -، فلما قيل له: ما هذا؟ قال: " قلته في مجلس خاص، والله يهدي من أخرجه" وكأن المشكل فيمن أخرج الكلام، وليس فيمن خرج من فيه.
أقول: والله لا تزيد تصريحاتكم وكلامكم كلام الشيخ عبد المجيد جمعة حفظه الله إلا تأكيدا وتأييدا فهل أنتم مبصرون؟.
فإذا قال خالد: ألم أفسره بقولي:" مع اعتقادي أنه لا يتكلم بمثله علنا." أي أنه لم ينابذ الشيخ ويعلن بالوقيعة فيه، وإنما بدرت منه كلمة في حديثه مع أخ له، وليس هذا كالطعن الصريح العلني، فاعدلوا..."، قلت: زدت الطين بلة؛ إذا فأنتم تستجيزون الطعن في العلماء سرا وتحتجون على باطلكم بالحق الذي لم تفهموه على وجهه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قلة زادكم، وضعف علمكم، وأنكم صغار تناطحون الكبار، فهلا عدتم إلى رشدكم، وتبتم من انحرافكم وزيغكم، وعرفتم قدر أنفسكم قبل أن يفوتكم الأوان وتصيرون إلى الهوان.
ثم أقول لخالد أصلحه الله: أنظر إلى دفاعك عنه ووقوفك بجنبه حتى فيما ظهر بطلانه وعلمت بل أعلنت خطأه فيه، ومع ذلك لم تقل له تب إلى ربك وتحلل ممن طعنت فيه بل إنما قلت: "عليه أن يتداركه" وهي كلمة محتملة لها عدة وجوه.
يا خالد لقد خاب ظني فيك لأنني كنت أراك ممن سيحمل المشعل في الدعوة إلى الله عز وجل ولكن....
ثم بعد كتابتي لهذا الكلام اطلعت البارحة على بيان لمحمد مرابط هداه الله وأصلحه اعترف فيه أنه تكلم بالكلام المنسوب إليه، واستغفر الله منه وتاب من الوقوع فيه، لكن مع ذلك أقول له:
اعلم هداك الله وأصلحك أنك ومع اعترافك واستغفارك فأنت مدان وملوم، ومعاتب ومذموم؛ ليس على شيء وقعت فيه وتبت لله منه، وإنما على طريقتك التي أنت عليها، وفهمك للنصوص على خلاف وجهها، فكونك تعتقد أنه يجوز لك أن تذكر أمثال هذه الأمور الشنيعة مع خواصك أمر شنيع وفظيع، وأشنع منه استدلالك عليه بنصوص الشريعة التي وضعتها في غير موضعها، وأوَّلتها على خلاف تأويلها.
ومما ينبغي لك أن تتنبه له: أن توبتك هذه لا تنفعك ما لم تكن صادقا فيها، وما لم تحقق شروطها؛ وهي معلومة لديك، ولكن أقولها مذكرا لك بها، ومعينا لك على تحقيقها:
الشرط الأول الإخلاص لله تعالى: فينبغي أن يكون الدافع لك للتوبة من ذنبك الإخلاص لله تعالى لا أن تتدارك نفسك بعد أن فُضح أمرك لتحافظ على منزلتك عند السلفيين الذين عُرف تعظيمهم لشيخهم.
الشرط الثاني: أن تندم على ما فعلت من الذنب لا أن تظهر التوبة لغيرك لتحقيق مصلحة من مصالحك وحقيقة الندم كما قرر العلامة محمد بن صالح العثيمين:" بحيث يجد في نفسه حسرة وحزنًا على ما مضى، ويراه أمرًا كبيرًا يجب عليه أن يتخلص منه" ولذلك أقول لك: أنك لم تظهر الندم حقيقة ومما يدل على ذلك في بيانك قولك: إن كلامي الذي نشر ليس هو بالطعن! بل انتقدت موقفا لفضيلة الشيخ الكبير رأيت أنه أجحف في حقي، ولم أبح به، ولم أكتب في العلن شيئا منذ أن أيد حفظه الله كلام الشيخ جمعة" هذا عذر أقبح من ذنب، والتبرير ينافي الندم، بل إن في ضمنه الطعن حيث تصف الشيخ بالإجحاف ما هذه التوبة يا هذا، ثم أقول: لاحظوا التفريق هنا بين السر والعلن والخاص والعام لتعلم انطباق كلام الشيخ جمعة حفظه الله عليه.
الشرط الثالث: أن يقلع عن الذنب وعن الإصرار عليه؛ ومما يتعلق بهذا الشرط كما قرر العلامة العثيمين رحمه الله:" إذا كان الذنب يتعلق بالمخلوقين، فإنه يؤدي إليهم حقوقهم أو يستحلهم منها" وطلب التحلل هو طلب العفو والمسامحة لا أن تقول كما قلت في بيانك:" فأستغفر الله وأتوب إليه، وأنا على يقين أن شيخنا العزيز سيعفو ويصفح عن ابنه الوفي له" ليس هذا هو التحلل إنما هو أن تذهب إليه أو على الأقل أن تراسله وتطلب مسامحته ولا تزال به حتى يسامحك. ومما يدخل تحت هذا الشرط أيضا أن تترك كل ذنب هو من نوعه فلا تصح توبتك من الطعن في الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله حتى تتوب من الطعن في كل عالم سني وهذا هو الذي قرره الإمام ابن القيم رحمه الله حيث قال في مدارج السالكين:" وَالَّذِي عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَصِحُّ مِنْ ذَنْبٍ، مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى آخَرَ مِنْ نَوْعِهِ، وَأَمَّا التَّوْبَةُ مِنْ ذَنْبٍ، مَعَ مُبَاشَرَةِ آخَرَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ، وَلَا هُوَ مِنْ نَوْعِهِ فَتَصِحُّ، كَمَا إِذَا تَابَ مِنَ الرِّبَا، وَلَمْ يَتُبْ مَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ مَثَلًا، فَإِنَّ تَوْبَتَهُ مِنَ الرِّبَا صَحِيحَةٌ، وَأَمَّا إِذَا تَابَ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ، وَلَمْ يَتُبْ مِنْ رِبَا النَّسِيئَةِ وَأَصَرَّ عَلَيْهِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ تَابَ مِنْ تَنَاوُلِ الْحَشِيشَةِ وَأَصَرَّ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ بِالْعَكْسِ فَهَذَا لَا تَصِحُّ تَوْبَتَهُ، وَهُوَ كَمَنْ يَتُوبُ عَنِ الزِّنَا بِامْرَأَةٍ، وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الزِّنَا بِغَيْرِهَا غَيْرَ تَائِبٍ مِنْهَا، أَوْ تَابَ مِنْ شُرْبِ عَصِيرِ الْعِنَبِ الْمُسْكِرِ، وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى شُرْبِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ، فَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَتُبْ مِنَ الذَّنْبِ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ نَوْعٍ مِنْهُ إِلَى نَوْعٍ آخَرَ" فاعلم أخي هداني الله وإياك أنه لا تصح توبتك من الطعن في العلامة محمد علي فركوس حفظه الله حتى تتوب من الطعن في الشيخ الفاضل عبد المجيد جمعة حفظه الله فإن قلت أنك لم تطعن فيه مع بروزه وظهوره فسيأتي بيان ذلك من قولك إن شاء الله.
الشرط الرابع: العزم على أن لا تعود في المستقبل بأن يكون في قلبك عزم مؤكد ألا تعود إلى هذه المعصية التي تبت منها، فينبغي عليك أن تعزم على تركك للطعن في علماء السنة في السر والعلن في الخلوة والجلوة وإلا لم تنفعك توبتك هذه التي أظهرتها.
7- انتقاده السابع: قال هداه الله وأصلحه:" قال الشيخ جمعة –وفقه الله-: (وقوله: «وقد أساء بعضهم فهمه» وكأن الرجل يتكلم بالرموز، أم صرنا نحن زنوجا لا نفهم؟".
التعليق: ليس كذلك شيخنا –وفقك الله- فليس من الضرورة أن يكون الكلام بغير العربية حتى لا يفهم! فهذا كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقد نزل بلسان عربي مبين وقد أساء أقوام فهمه! فكيف بكلام مرابط!
بل ها أنت شيخنا وفي وقت قريب جدا قلت للشباب في المدينة: لم تفهموا كلامي؟ بعدما نقلوا عنك كلاما مطولا في التحذير من فلان وفلان! فهل تكلمتم يومها يا شيخنا العزيز بالرموز؟! أم صار السامعون حينها زنوجا؟!
التعليق على التعليق: إن كلام الشيخ حفظه الله واضح، ومراده جلي، وهو يقصد به كما هو ظاهر منه أن كلامك بيِّن معلوم، والطعن منه واضح مفهوم، فلماذا تزعم أنه لم يفهم عنك ولم يعلم مرادك؟ ولذلك قال ما قال حفظه الله: لأن العلة في عدم فهم كلامك إما أن تكون فيك كونك تتكلم برموز غير مفهومة، وإشارات ليست بمعلومة، ومن هنا أبن لنا عن مرادك من كلامك، وأظهر لنا رموزك لنفهم عنك، وإما أن تكون العلة فينا - من بَلَّغ ومن بُلِّغ - حيث صرنا لا نفهم كلامك العربي المبين فنكون زنوجا حينئذ؟ هذا هو معنى كلام الشيخ حفظه الله وهو معنى بارز مفهوم غرضه منه أنه فهم هو كما فهم غيره مرادك، وعلم قصدك، لأن كلامك بين واضح فلماذا التهرب؟.
أما استدلالك بكلام الله سبحانه وأنه – مع وضوحه وبيانه - وُجد من لم يفهمه على وجهه، وأوَّله على غير مراد الله منه، فما هو قصدك به، وما غرضك منه؟ ألم تعلم أن هؤلاء الذين أوَّلوا كلام الله على خلاف مراد الله منه هم أهل الأهواء؟ وأن الهوى هو السبب في كلامهم وسوء تأويلهم؟ فهل تظن أن الشيخ حفظه الله من أهل الأهواء ولذلك فهم كلامك على خلاف قصدك وأوّله على عكس مرادك؟ إما أنك تستدل بما ليس بدليل أو تعتقد في الشيخ حفظه الله مثل هذه الأباطيل.
ثم سلمنا لك أن السامعين لك فهموا غير مرادك فلماذا تفرق بين السر والعلن أنت وصاحبك؟.
8- انتقاده الثامن وبرهانه عليه: قال الشيخ جمعة –وفقه الله-: (وقوله: «وخان أمانة المجموعة مَن نقله إليكم» هل أصبح كشف مثل هذا الكلام من الخيانة، أم واجب تبليغ الأمانة تبليغه؟ فما أسهل التهم).
التعليق: قد مرّ بنا قول الناقل وأن قصده كان حسنا –على حسب ظاهر كلامه- فهو لم ينقل كلامي للشيخ جمعة بنيّة التبليغ! أو الإنكار! بل بنيّة الإشادة بموقفي والثناء على كلامي! وجوابه عندي مصور قد أضطر لنشره.
ثم كيف لا نحكم على فعلته بالخيانة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال كما في الحديث الذي رواه (الترمذي 1352): (المسلمون على شروطهم)! اللهم إلا إذا كان الشيخ جمعة على قول أهل الظاهر في اعتبار الحظر هو الأصل في الشروط والعقود إلا ما ثبت في الشرع! وهو قول مرجوح يعارضه قول جماهير الأئمة في أن الأصل في الشروط الجواز إلا ما ثبت في نصوص الوحيين بطلانه!
فالرجل وافق على شروط المجموعة ثم خالفها وهو نفسه اعتذر عن خطئه! مع العلم أنني وضعت شروط المجموعة قبل ظهور هذه الفتنة بزمن طويل، وأكدت على هذا الشرط عندما رأيت من نقل كلام عضو من طلبة العلم وفيه ما فيه من الخلل في العبارة والأخطاء الكتابية، وقد رأينا شيوخنا يلقون الدروس وعندما تفرغ وتجهز للطباعة يدخلون عليها التعديلات ويصححون ما يرونه ملائما للكتابة لا للخطابة، فالشرط لم أضعه ابتداء للكتم والتستّر! بل لتقييد الأعضاء بقيود الشرع، فالكاتب هو صاحب الكلمة وهو الأحق بنشرها.
التعليق على التعليق: في هذا الكلام مغالطات وأخطاء شنيعات وبيانها من وجهين:
الأول: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم:" المسلمون على شروطهم" صحيح معمول به ما لم يؤدي إلى إقرار منكر والسكوت على شر، لأن الشروط التي تكون بين المسلمين والتي أمر باحترامها النبي الأمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم مقيدة بما لا يخالف شرع رب العالمين؛ بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم:" فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ" رواه البخاري ومسلم، وأنت تعلم أن شرطكم هذا الذي اتفقتم عليه بينكم لا يكون مبيحا لما حرم الله عليكم، ومثله الذي يوضحه: لو أن جماعة من الناس سكنوا بيتا واحدا واتفقوا على أن لا يُخرج أحد منهم سرهم، ولا يخبر بما يقع بينهم، ثم رأى واحد منهم أحدهم يزني بامرأة أو يشرب خمرا أو يقتل شخصا أو غير ذلك من معصية الله سبحانه وتعالى أيجوز له أن يخبر بأمره من يعين على إزالة المنكر الذي وقع فيه، أم يجب عليه أن يستر عنه وقوفا عند الشرط الذي اتفقوا عليه؟ عليكم يا إخواننا أن تعرفوا أحكام شريعة ربنا وأن لا تنظروا إلى المسائل بأعين عوراء ولا تمشوا إليها بأرجل عرجاء.
الثاني: أن إظهار المنكر لمن يعين على إزالته وتغييره وإحلال المعروف مكانه لا ينكر على صاحبه؛ فهو ليس من الخيانة ولا من الغيبة المحرمة، ولذلك من الصور التي استثناها علماؤنا من الغيبة المحرمة من يطلب الإعانة في إزالة المنكر كما قال الشاعر:
القدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر
ومجاهر فسقا ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر
فإن قلت: أن رجل لم يكن قصده إنكار منكر ولا تغييره، وإنما قصد إظهار الشيخ على شيء استحسنه، فحينئذ يكون الأخ قد خالف الشرط في ظاهره وأدى بتقدير الله أن يخرج سركم الذي بين حقيقة ما تنطوي عليه نفوسكم، ولكل أمر حكمه في شريعة الله فلا نترك إنكار ما أنكرناه عليكم بسبب مخالفة الرجل لشرطكم.
- أما قولك بعد ذلك:" ثم ألا ترى يا شيخنا أن فتح باب النقل وتبليغ كلام الناس على مصراعيه قد يسهم في انتشار النميمة! فالناس لا يتقيدون بقيد، وهوى أكثر الخلق في القيل والقال، فإطلاق الكلام من غير تحديد لشروط تضبط هذا الباب سيجر علينا مفاسد عظمى وواقعنا اليوم خير شاهد".
فجوابه: أنه لا يجوز للإنسان أن ينقل كلام من أحد إلى آخر بغرض الإفساد بينهم لأن ذلك من النميمة المحرمة لكن إذا تعلق الأمر بالدين وإفساده على المسلمين فهنا لا يجوز السكوت بزعم الخوف من الوقوع في النميمة ومن الأدلة على ذلك الآتي: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَسَمَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - قَسْمًا فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ. فَأَخْبَرْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِى وَجْهِهِ وَقَالَ:" يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى، لَقَدْ أُوذِىَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ" رواه البخاري ومسلم وفي رواية قال:" وَاللَّهِ لأُخبرن رَسُولَ اللَّهِ فَأَخْبَرْتُهُ". وهناك أدلة أخرى تصب في هذا المعنى ترتها حرصا على الاختصار.
يتبع في المقالة القادمة إن شاء الله تعالى.
والله من وراء القصد وهو يهدي إلى سواء السبيل.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
وكتبه: أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان.
الخميس: 02 ربيع الثاني 1439 هـ
21 / 12 / 2017م
والله إنه ليحز في نفوسنا ويؤسفنا ويحزننا أن نرى إخواننا لنا كانوا على نفس منهجنا، ويجتمعون على الحق والخير معنا، ينقلبون علينا، ويصبحون في شق خلاف شقنا، بل تجدهم يبذلون وسعهم في هدم البناء الذي طالما كانوا يدعون الدفاع عنه، والصمود في وجه أعدائه المتربصين به، وقد يكون هؤلاء من المشايخ المعروفين، أو طلبة العلم المبرزين؛ الذين كان يرجى لهم ومنهم الخير، ويظن فيهم أنهم على الصلاح والبر؛ ولكننا وللأسف الشديد وجدناهم بين عشية وضحاها يتغيرون وينقلبون، بل الصحيح يُظهرون وعلى حقيقتهم يَظهرون؛ ومن هؤلاء الذين ظهر عقوقهم وجحودهم، وانقلابهم وتحولهم، ولعلها ظهرت حقيقتهم وانجلت طويتهم: أبو معاذ محمد مرابط.
كان الرجل إلى عهد قريب يُظهر تعظيمه للعلماء، وثناءه على مشايخنا الفضلاء؛ ثم انقلب رأسا على عقب وانتكس وارتكس؛ فصار يطعن فيهم ويرد عليهم، ويشهر بهم وينتقص من أقدارهم، وسبب هذا الأكبر في نظري أنه لم يعرف قدر نفسه، ولم يتصور حقيقة ذاته، ولم يعلم مقامه اللائق به؛ ولذلك جاوز حده وتعدى طوره؛ فتكلم فيمن لا يمكنه أن يدركهم فقد تجاوزوه بمراحل، بل هم كالجبال الشامخات وهو هباءة لا تطاول حبة رمل، ولكن البصيرة إذا عميت لم ير صاحبها الواضحات الجليات، وانقلبت عليه الحقائق والمفاهيم، ورأى الحق باطلا والباطل حقا، والصدق كذبا والكذب صدقا.
ومن غرائبه التي صار إليها ومواقفه التي فضحه الله بها؛ أن رد على أحد مشايخنا وأساتذتنا وعالم من علمائنا، أقصد الشيخ عبد المجيد جمعة حفظه الله ورعاه، في مقالة ظنها له وهي عليه، واعتقدها نافعته وهي سبيل نزول الوبال عليه، فإنني لما قرأتها وتدبرت في كلماتها ألفيتها زخرفا من القول أراد أن يغر به البقية الباقية من مناصريه، ويخدع بها من لا علم عنده ولا فقه لديه، ولأجل بيان حقيقتها كتبت هذا الذي بين أيديكم نصحا له أولا: والسر بالسر والعلانية بالعلن، ودفاعا عمن نرى أن من حقهم علينا أن ندافع عنهم، وبيانا لشبهاته حتى لا يغتر بها أحد من المسلمين فضلا عن إخواننا السلفيين، وإلى الرسالة وبه سبحانه أستعين فأقول:
اعلم رحمك الله أن مقالته هذه تضمنت أمورا ثلاثة كلها تدينه وتفضحه، وتبين حقيقة أمره الذي صار إليه، وهي:
الأول: اعتداده بنفسه وتعاليه وترفعه.
الثاني: طعوناته في الشيخ جمعة حفظه الله وسوء أدبه معه.
والثالث: انتقاداته للشيخ عبد المجيد جمعة حفظه الله وشبهاته التي أوردها وظنها براهين قوية وأدلة شرعية.
ولعلي بإذن الله سبحانه أبدأ بالأخيرة ثم أعرج بعدها على غيرها:
أولا: انتقاداته للشيخ عبد المجيد جمعة حفظه الله وشبهاته التي أوردها وظنها براهين قوية وأدلة شرعية:
1- الانتقاد الأول وبرهانه عليه: قال مرابط هداه الله:" تعجبت وملكت الدهشة قلبي بعد وقوفي على كلام الشيخ، وقلت لعل الكلام قد انتحل انتحالا، ونسب للشيخ الفاضل كذبا، لأن العادة غالبا تمنع هذا، فكيف يصير كلامي بجملته من جنس الخزعبلات؟! وهل يدخل فيه ما أنشره في نصرة الصحابة والرد على الحزبيين وعلى رأسهم جماعة الحلبي؟ لأن قانون العربية ينسحب عليه، والتعميم والإجمال يربك القارئ ويتعب الصديق قبل العدو، فيضطر الجميع إلى الاستعانة بما يحل مغلقات ألفاظه، فقد قلت مثلا في أواخر تغريداتي: (فضيلة الشيخ أزهر سنيقرة -حفظه الله- هو والدي وشيخي وأستاذي، عرضي دون عرضه، ونصرته فريضة عليّ في السر والعلن، أسأل الله أن يحفظه من كل سوء) وقلت كذلك: (الحلبيون في الجزائر من أخطر أهل البدع، وأشرهم من يتستر ويندس بين السلفيين! لهذا وجب التحذير منهم بأسمائهم، لأن إفسادهم يزداد يوما بعد يوم)، فهل هذه الكلمات من جملة الخزعبلات التي لا ينبغي نشرها؟
هذا من جهة مضمون الكلام!.
قلت: هذا الكلام فيه مغالطات واضحة وتلبيسات مفضوحة وبيانها كالتالي:
أولا: إن القارئ لكلام الشيخ حفظه الله ليعلم علما يقينيا أن قوله ينصب على أباطيلك وترهاتك التي تدخلت بها فيما لا يعنيك وليس من مستواك، تلكم الكلمات التي علم الشيخ من خلالها أنك تفسد بها ولا تصلح وتهدم ولا تبني.
ثانيا: أما تمحلك وادعاؤك أنه يشمل حتى ما تكلمت به مما أصبت فيه فهذا ليس بصحيح لأن التحذير من كلام شخص معين كما هو معلوم - ولو كان عاما - إنما يقصد به ما ضل فيه وجانب الصواب بقوله.
ثالثا: أن هذا هو صنيع العلماء الذي لا يرتضيه أهل الأهواء أنهم يحذرون من كلام المفسد جملة لعلمهم أن عموم الناس لا علم عندهم ولا فقه لديهم فلا يميزون بسبب ذلك بين الحق والباطل والحالي والعاطل فيلتبس عليهم الأمر ويغرهم كل مغتر والأمثلة على أن هذا هو ديدن أهل العلم كثيرة وعديدة ومنها: تحذيرهم من كتب السيد قطب جملة مع ما فيها من آيات بينة وأحاديث صحيحة وكلام قد يكون سديدا وقول ربما كان رشيدا، وتحذيرهم جملة من كلام المتمسلفيين الذي كانوا على الجادة ولعلهم خالفوا أصلا واحدا من أصول أهل السنة فيحذر جملة من السماع لهم والقراءة في كتبهم مع أن نتاجهم قد يكون فيه دعوة إلى توحيد رب العالمين وترغيب في السنة النبي الأمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
رابعا: ماذا تريد بقولك هذا أن يستعمل الشيخ معك منهج الموازنات الذي هو من شر مناهج أهل البدع المعاصرين؟.
2- الانتقاد الثاني وبرهانه عليه: قال هداه الله:" أما من جهة المتكلِّم والمتكلَّم فيه! فلا أشك أبدا أن مرحلة الصدمة كانت مرحلة حتمية اجتازها كل من وقف على كلام الشيخ –وفقه الله- حتى المقتنعون بحكمه! فقد صُدموا أولا قبل أن تتشكل لهم قناعة معيّنة! لعلمهم المسبق بالعلاقة الوطيدة التي تربطني بالشيخ فهي علاقة يعرفها القاصي والداني، ومن ذلك قوله –حفظه الله- في أخيه الصغير مرابط الذي سارت به الركبان، حيث قال عنّي قبل ثلاثة أشهر: (الرجل كما أعرفه من خيرة طلبة العلم الذين جمعوا بين الهمة في الطلب وحسن الأدب وله جهود مشكورة في الدفاع عن السنة وأهلها والرد على أهل الباطل فاسمه مرابط يدل على مسماه فهو في رباط مستمر نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا وما شهدنا إلا بما علمنا والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل!)
فما الذي تغير في هذه المدة الوجيزة؟ أصلح الله شأننا جميعا، وإن من اللطائف أن الشيخ –وفقه الله- مدحني بثمان صفات حميدة ونسخها بثمان صفات مشينة! كما في كلامه الأول حول الخزعبلات! والله المستعان".
التعليق: غيرت فتغير كلامه فيك، وبدلت فتبدل حكمه عليك، وهذه من البديهيات عن أهل السنة والجماعة أن العبرة في كل شخص ما صارت إليه نهاياته لا ما كانت عليه بداياته، ثم الحكم يكون على ما ظهر من الشخص كما صح عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه – أنه قال:" إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ" رواه البخاري رحمه الله رقم 2641. فهل يمكن أن يقول أحدهم لعمر رضي الله عنه حين يبعده بعد أن كان مقربا عنده أين هو تقريبك لي ولماذا تبدلت في معاملتي هذه حجة من ليست له حجة.
ثم إن الشيخ حفظه الله قدم في مقالته التي بعث به إلى صديقك هذا الأمر البديهي عند السني السلفي حيث قال:" لأن الحكم على الرجل بحاضره، وليس بماضيه، والأمور بالخواتيم؛ ولك المثل في الحلبي، والرمضاني، والحجوري، والمأربي، والشريفي، وغيرهم (ولعل القائمة لا زالت مفتوحة)؛ ولهذا قال السلف:" من كان مقتديا فليقتد بمن قد مات فإنَّ الحي لا تؤمن عليه الفتنة".
يا رجل أتريد أن تغالط السلفيين عن دينهم ومنهجهم وقواعدهم وأصولهم؟ لن يكون هذا فما عليك إلا أن تتدارك نفسك قبل أن تلقى حتفك وأظنه وقع.
3- انتقاده الثالث وبرهانه عليه: قال هداه الله وأصلحه:" وأمر في غاية الأهمية لابد أن أبوح به: لقد كان الشيخ جمعة –وفقه الله- يخبر في العديد من المرات -وقد سمعتها منه مشافهة- أنه صبر على (شيخي)! ستّ سنوات كاملة! قبل أن يتكلم فيه! فما الذي زهده في الصبر على الطالب! مع أن الطالب تابع لا متبوع! وهو في الغالب مغرر به تقتضي الحكمة بأن يُصبر عليه أكثر مما يصبر على شيخه! فكيف صبر الشيخ جمعة على أخيه الدكتور ست سنوات ولم يصبر على التلميذ المسكين ستة أشهر على الأقلّ؟!".
التعليق: وهذه مغالطة أخرى يظن المسكين أنه تجديه نفعا، وتكون أكثر تأثيرا على القارئين له وأعظم وقعا، وما هي إلا شبهة واهية وبيان ذلك من وجوه:
الأول: أن الحكمة هي وضع الشيء في موضعه اللائق به، ومعاملة الناس على حسب مراتبهم ومقاماتهم؛ فالصغير يؤمر ويؤدب، والكبير يلام ويعاتب، وأنت صغير فما يليق بك إلا ما كان من الشيخ حفظه الله تجاهك.
الثاني: وهو تابع للأول: أن بعض من يُنصح يُظهر التطامن ويَعِدُ بالخير، أو على الأقل يسكت ولا يظهر الشر، فهذا يُصبر عليه، وينتظر رجوعه أو وقوع اليأس منه، وبعضهم إذا نُصح تعالى وتكبر، وأظهر العناد والشر؛ فهذا يحذر منه لأنه كالميؤوس من رجوعه.
الثالث: أن من أخفى الشر ولم يعلن به يصبر عليه إلى أن يحين أوانه، أما من أظهر الشر وصرح به فلا مجال للسكوت عليه، والإبطاء في فضحه، وبيان انحرافه.
وقد تكون للشيخ وجوه أخرى لا يمكن أن يدركها إلا من لم يحجبه عن رؤيتها هوى يعمي عين بصيرته.
4- انتقاده الرابع وبرهانه عليه: قال أصلحه الله وهداه:" لقد دفعتني الظروف القاهرة إلى كتابة هذا المقال وما يتلوه من مقالات –وأرجو ألا أضطر إليها- وكان عزائي في أمرين مهمين:
أما الأول: فما سُمح به في شريعة الإسلام من دفع التهمة عن العرض وبيان العبد البراءة من القبائح التي تنسب إليه ولم تقترفها يداه! وحجج ذلك في نصوص الوحيين يضيق بسردها المقام! ومن أقواها وأوضحها ما رواه (البخاري 2401 ومسلم 1601) عن أبي هريرة رضي -الله عنه قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجل يتقاضاه فأغلظ له، فهمَّ به أصحابه، فقال:" دعوه فإنّ لصاحب الحقّ مقالا"، فلم تمنع مرتبة النبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبول الحق مع ما فيه من (غلظة! )
أما الأمر الثاني: فإن أهل السنة اتفقت كلمتهم على جواز بيان خطأ العالم ولو بلغ درجة الإمامة! ولا حرج عندهم إذا كان المبيّن طالب علم أو تلميذا! فكيف لو أضيف إلى ذلك أن يكون المتكلم صاحب حق دعته الحاجة لبيان موقفه مما يثار حوله، وقد سئل فضيلة شيخنا العلامة ربيع بن هادي المدخلي –حفظه الله- كما في (الذريعة 2 /592): هل لطالب العلم الردُّ على العالم إذا رأى من خطأ؟ وما هو الأسلوب الأمثل في ذلك؟ فقال -حفظه الله-: (والله له الحق في ذلك بأدب وبشرف، والله إذا كان الحق ظاهرًا للطالب؛ فله ذلك، إذا كان الكبار ما يبيِّنون الحق؛ مثلا بعيدين ما انتبهوا، لهم عذر من الأعذار، وهذا عرف الحق وأن هذا الشيخ الكبير أخطأ، فيبيِّن له خطأه بلطف وبالحجة، بشرط أن لا يتعالى، بشرط أن لا يكون واهمًا مبطلا ويرى نفسه على الحق؛ لأن بعض الناس يرى نفسه على الحق وهو على الباطل، فإذا كان طالب العلم بصيرًا على حقيقة أن هذا قد أخطاء والحق معه؛ فليقدِّم ما عنده من ملاحظة، بالشروط التي ذكرتها) (الذريعة).
التعليق: وهذا تبرير منه للرد على الشيخ حفظه الله والطعن فيه، وهو كعدمه؛ لأنه وضع الدليل في غير موضعه، واحتج بما الحجة فيه عليه، وبيانه كالتالي:
- أما حجته الأولى التي احتج بها على تطاوله على الشيخ حفظه الله، والتي جعلها عزاءه التي يتعزى به؛ فهي: حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي وضعه في غير موضعه، وبيان ذلك من وجوه:
الوجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن لصاحب الحق مقالا" وأنت لست بصاحب حق، بل أنت مبطل في كلامك، مغتر ببعض الشبهات التي عندك، والحق مع من حذر منك وبَيَّن تبدلك وتحولك، ومقالتك هذه التي بين أيدينا من أعظم ما يبيِّن ضعف حجتك وثبوت إدانتك، فضلا عما تبعها وظهر بعدها من أمور شنيعة وتصريحات فظيعة، فاحتجاجك بالحديث في غير محله، واستدلالك به في غير موضعه.
الوجه الثاني: أن في الاحتجاج بهذا الحديث نسبة الظلم إلى الشيخ حفظه الله، وأنك قمت لترفع الظلم عن نفسك، وتظهر براءتك من القبائح التي تنسب إليك؛ فهل ظلمك الشيخ ورماك بما أنت بريء منه؟ الحقيقة أن الشيخ حفظه الله ذكر ما صار فيك، وهو مشهور اليوم عنك: من طعن في أهل السنة وحرب لهم، ومما يؤكد صدق قوله فيك وحكمه عليك طعنك الصريح الواضح في علامة الجزائر وفقيهها، ومفخرة بلادنا وزينتها؛ العلامة محمد علي فركوس حفظه الله، فهل هذا أيضا من القبائح التي نسبت إليك وأنت بريء منها؟.
3- الوجه الثالث: ليس في الحديث جواز إساءة الأدب والتطاول على من هو فوقك وأعلى مرتبة منك، بل فيه جواز عقوبة من تطاول واعتدى إلا إذا تجاوز عنه صاحب الحق وعفى، قال الإمام ابن حجر رحمه الله وهو يعدد فوائد الحديث:" وَأَنَّ مَنْ أَسَاءَ الْأَدَبَ عَلَى الْإِمَامِ كَانَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ" وأنت تطاولت وأسأت الأدب مع الشيخ حفظه الله ورميته بما هو بريء منه.
- أما حجته الثانية التي احتج بها على تطاوله على الشيخ حفظه الله، والتي جعلها عزاءه التي يتعزى به؛ فهو: كلام الشيخ ربيع حفظه الله ورعاه، والذي هو حجة عليه، وليس حجة له، وبيناه من وجوه:
الأول: أن الشيخ ربيعا حفظه الله الذي تحتج به وتأخذ بكلامه أقر الشيخ عبد المجيد حفظه الله على كلامه فيك وأيده على مقالته التي كتبها لبيان حالك، فكلام الشيخ ربيع حفظه الله حجة عليك؛ إذ كيف تأخذ كلامه في الإجمال ولا تأخذه في التفصيل؟ أم أن لك توضيحات على كلام حامل لواء الجرح والتعديل وموقفه.
الثاني: أن الشيخ ربيعا حفظه الله وضع قيودا للرد وأنت خالفتها ولم تحققها وبيانه:
الشرط الأول: أجاز الرد على العالم إذا أخطأ بأدب فخالفت هذا الشرط ولم تتأدب مع الشيخ جمعة حفظه الله كما مر وسيأتي مزيد بيان لذلك إن شاء الله في باب بيان طعوناتك فيه حفظه الله.
الشرط الثاني: اشترط أن يكون الحق ظاهرا للطالب فخالفت حيث خضت في مسائل لم تتضح لك بدليل أنك حكمت على الجميع أنهم لهم أخطاء، وخالفت العلماء في ما تبنوه.
الشرط الثالث: أن ينعدم كلام الكبار في المسألة بسبب من الأسباب كبعدهم فخالفت الشرط حيث تكلمت في أمر تكلم فيه الكبار وعلى رأسهم من مشايخ الجزائر العلامة محمد علي فركوس حفظه الله والشيخ لزهر حفظه الله والشيخ عبد المجيد جمعة حفظه الله والذي أيده مشايخ العلم خارج الجزائر فيما قاله وخطه ببنانه حفظ الله الجميع.
الشرط الرابع: أن يبين له خطأه قال الشيخ حفظه الله "أن يبين له" لا أن يشهر به فخالفت الشرط ورددت على الشيخ في مواقع التواصل ونشرت ذلك في كل مكان.
الشرط الخامس: أن يبين له خطأه بلطف وبحجة وأن لا يتعالى فخالفت الشرط فرددت عليه بسوء أدب كما سيأتي بيانه وبشبهات واهيات وهذه المقالة في بيانها وتأكيد وهائها وبتعالي ظاهر سيأتي الكلام على أدلته.
الشرط السادس: أن لا يكون واهما مبطلا ويرى نفسه على الحق، فخالفت الشرط لأنك واهم ومبطل، وكلامك خير دليل على ذلك، وتمعن في هذه المقالة وفيما كَتَبَ عنك ولك إخوانك لتعلم صدق مخالفتك لهذا الشرط الذي وضعه إمام من أئمة الدين، وفقيه من فقهاء المسلمين.
والخلاصة: أن هذه الحجة عليك لا لك، فاتق الله في نفسك، ولا تظنن أنك بمجرد إيرادك لكلام أئمتنا وعلمائنا ترهبنا، وتنفق شبهاتك علينا.
5- انتقاده الخامس وشبهته فيه: قال هداه الله وأصلحه:" فالشيخ جمعة –حفظه الله- يريد منّي أن أقتنع كما اقتنع هو وأن أقنع غيري بأن الخلاف بينه وبين إخوانه هو خلاف مشروع سببه انحرافات منهجية انتقدها على غيره، وهذا ما لم أقتنع به! بل رأيت ولا زلت أن ما وقع بين المشايخ إنما هو من عمل شياطين الإنس والجن! وأن الأخطاء الثابتة من جميع الأطراف ما كانت لتعالج إلا بالطرق الشرعية ومن أنفعها التحاكم للعلماء.
التعليق: ولي على كلامك هذا ملاحظات هي:
الأولى: تقول:" يريد مني أن أقتنع" "وهذا ما لم أقتنع به! بل رأيت" ما قيمة رأيك مقابل رأي الشيخ حفظه الله تعالى؛ رحم الله أقواما كانوا يقولون:" رأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا" فرأي علمائنا خير من رأينا لأنفسنا، ويا ليتك جعلت رأي الشيخ مقابل رأي من تتعصب لهم، وتقف في صفهم، وتذب بالباطل عنهم؛ فعلى الأقل يقال أنك أخذت برأي من تعتقد رفعته ومكانته ومنزلته، ولكنك للأسف الشديد تقول:" رأيت" ومن أنت حتى ترى رأيا تخالف به من هو أعلم منك وأبصر بالشرع والواقع؟ وسيأتي ما يدل على ضعف علمك وقلة فقهك في الدين ونصوص الوحيين.
الثانية: أخاف من قولك لم أقتنع أن تكون ممن تأثر بضلالة أصحاب لم يقنعني ولم يقم الحجة علي.
الثالثة: أنك تزعم أن الشيخ حفظه الله ذكر أن الخلاف بينه وبين بعض من تذب من المشايخ عنهم وتقف في صفهم هو خلاف منهجي ولكنك تزعم أنه لم يقنعك، فهلا ذكرت هذه المسائل الخلافية وبينت وجهت نظرك، وذكرت رأيك الذي تخالف به من هو قطعا أعلم منك، فحينئذ يتبين للناس أنها أولا: ليست مسائل منهجية. وثانيا: أن كلام الشيخ في نقده لمن تدافع عنهم غير مقنع.
وأنا أقول لك: إن المسائل التي ينتقدها مشايخنا على بعض من تدافع عنهم وتقف في صفهم مسائل منهجية، وقد صرح الشيخ أزهر حفظه الله بها في بعض دروسه قائلا:" وقد نختلف والآن نحن مختلفون، مختلفون في مسألة من المسائل التي بينها علماؤنا وأئمتنا ألا وهي مصاحبة المخالف، مصاحبة المخالفين: منا من يرى أنه لا حرج عليه إذا صاحب المخالف يتأول يتفيهق هو حر فيما يذهب إليه، ونحن نعتقد أنه لا يجوز لنا مصاحبة أمثال هؤلاء" فها هي مسألة من المسائل التي يقع فيها الخلاف بين من تدافع عنهم ومن تقوم في وجههم، فما هو قولك فيها، ورأيك الذي تتبناه في نصوصها وأدلتها؟.
الرابعة: قولك:" بل رأيت ولا زلت أن ما وقع بين المشايخ إنما هو من عمل شياطين الإنس والجن" ألا تعلم يا هذا أن في كلامك هذا طعن صريح في كل المشايخ سواء من تقف في صفهم وتدافع عنهم أو من تقف في وجههم وتتصدى لهم، ثم إذا كنت مصلحا وتريد صلحا فمن هم هؤلاء الشياطين الذين أفسدوا بين المشايخ؟ وما هي طريقتهم التي سلكوها للإفساد بينهم؟ وهل بلغوا من المكر والدهاء وبلغ مشايخنا من السذاجة والغباء بحيث لا يتفطنون لهم ولا يشعرون بمكرهم؟ ثم ألم تسأل نفسك كيف تفطنت لوجودهم وأدركت شرهم ولم يتفطن أحد من المشايخ لهم ولا شعر بمكرهم؟.
الخامسة: أثبتَّ أخطاء لجميع الأطراف فما هو نوعها؟ هل هي أخطاء عقدية؟ أم منهجية؟ أم سلوكية؟ أم ماذا، ثم هل يقر لك الأطراف بها ويعترفون بوجودها؟ أراك واهما فيما تقول.
السادسة: أنك ترى أن الشيخ عبد المجيد جمعة حفظه الله ومن هم على رأيه لم يعالجوا العلاج الشرعي الذي رأيته وتنصحهم به؛ فهل أنت أبصر بالشريعة من هؤلاء العلماء حتى تخبرهم أن طريقهم الذي سلكوه ليس بالطريق الشرعي؟ ثم هل سلك الطريق الشرعي من تدافع عنهم وتتعصب لهم وهل سعوا فيه وهل هم حريصون عليه؟ التفت إليهم واسألهم واسأل عن العلماء الذين يرتضونهم حكما ولا يرضون بهم بدلا؟ حتى يسعى الجميع للجمع بينهم عندهم؟ واسألهم هل يرضون بثناء العلماء المعروفين الذين هم الحكم في كل قضايا السلفيين على الشيخ فركوس والشيخ أزهر والشيخ عبد المجيد حفظهم الله؟.
- ثم قال بعد كلام هداه الله وأصلحه:" ووالله! كم وددت لو أن شيخنا اتصل عليّ واستفسر مني لأوضح له مرادي وأظهر ما قصدته بقولي (شياطين الإنس) وكنت سأذكر له الأسماء التي أعتقد أن دين الله يحتم علينا التحذير من أصحابها والتشهير به".
التعليق: إذا كنت تعلم أسماء شياطين الإنس الذين فرقوا بين مشايخنا وكان الدين يحتم علينا أن نحذر منهم ونشهر بهم فلماذا سكت عليهم ولم تسكت على شيخك وشيخهم؟ أليس الواجب عليك وأنت من اطلعت على خبيئتهم وعرفت فسادهم وإفسادهم أن تفضحهم وتبين للناس شرهم؟ فلماذا لم تفعل؟.
6- انتقاده السادس وشبهاته فيه: قال هداه الله وأصلحه:" قال الشيخ جمعة –وفقه الله-: (كذا قال: «كلام خاص في مجموعة مغلقة» هل صارت الدعوة السلفية صوفية إخوانية؛ لها كلام في العام وكلام في الخاص، أم أن ما نقوله للخواص لا يقال للعامة حتى لا نفتضح).
التعليق: غفر الله لي ولشيخنا جمعة، كيف اعتبر الكلام الخاص دعوة صوفية إخوانية! وقد عُلم من دين الله أنّ ما يقال لخاصّة الناس لا يقال لعامتهم! وأن من المسائل ما لا تطرح إلا على خاصة الخاصة! ومن أصول هذا الباب ما أورده الإمام البخاري رحمه الله في كتاب العلم من صحيحه تحت باب: (باب من خصّ بالعلم قوما دون قوم كراهية ألاّ يفهموا) ثم أورد تحته أثر علي رضي الله عنه: (حدّثوا الناس بما يعرفون أتحبّون أن يكذّب الله ورسوله)، وكذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه كما في (مقدمة مسلم): (ما أنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).
ووالله قد عرفت شيخنا جمعة –وفقه الله- ملتزما بهذا الهدي النبوي، وكان أكثر ما ينكره على الناس نقلهم لكلامه الخاص! بل حفظت منه في مناسبات عديدة قوله وهو يحدّث بأمور خاصة: (المجالس بالأمانة يا إخوان)! وشواهد ذلك سأتركها ربما لوقت لاحق.
فجلّ من لا يخطئ ويسهو عن مسائل مشهورة معلومة!".
التعليق على التعليق: ما هذه المغالطات والتلبيسات فيما تحتج به من كلام علماء الإسلام وأئمته الأعلام، ففرق واسع وبون شاسع بين ما احتججت به وما أنت واقع فيه، لأن الباب الذي احتججت به من كلام الإمام البخاري هو:" باب من خصّ بالعلم قوما دون قوم كراهية ألاّ يفهموا" فخص بالعلم وليس بالباطل! فالسلف كانوا يكرهون التحديث ببعض الحق مخافة أن يفهم على خلاف وجهه ويوضع في غير موضعه كما كَرِهَ الإمام أحمد التَّحْدِيثَ بالْأَحَادِيثِ الَّتِي ظَاهِرُهَا الْخُرُوجُ عَلَى السُّلْطَانِ وَمَالِكٌ بأَحَادِيثِ الصِّفَاتِ ونحو ذلك أما أنتم فتخصون بعض المغرورين بكم بالباطل كالطعن في أهل العلم فهل هذا من ذلك الباب؟ ومما يدل على الفرق الواسع بين ما تفعلونه وما تستدلون به ما علق به صاحبك خالد حمودة - هداه الله وأصلحه وبصره بالحق الذي من أجلك تركه – معلقا على طعنك في الشيخ العلامة محمد علي فركوس حفظه الله:" الخطأ خطأ من كل أحد ولو كان قريبا. والكلام الذي نشر لأخي محمد مرابط في الشيخ فركوس حفظه الله خطأ واضح، عليه أن يتداركه. مع اعتقادي أنه لا يتكلم بمثله علنا، وإنما اعتدى من اعتدى على خصوصيته فنشر كلامه" أليس هذا يا مرابط هو الذي أنكره الشيخ عبد المجيد جمعة حفظه الله عليك وكتب به إلى صاحبك حيث قال:" ويذكّرني هذا الموقف بقول أحدهم، وقد أثنى على زين العابدين بن حنفية، ودافع عنه، وقال:" إخواننا ظلموه". يعني شيخنا الشيخ فركوس وغيره، وقد احتفى به الحلبيون، فنشروه في منتديات "الكل" – وما عليها تدل -، فلما قيل له: ما هذا؟ قال: " قلته في مجلس خاص، والله يهدي من أخرجه" وكأن المشكل فيمن أخرج الكلام، وليس فيمن خرج من فيه.
أقول: والله لا تزيد تصريحاتكم وكلامكم كلام الشيخ عبد المجيد جمعة حفظه الله إلا تأكيدا وتأييدا فهل أنتم مبصرون؟.
فإذا قال خالد: ألم أفسره بقولي:" مع اعتقادي أنه لا يتكلم بمثله علنا." أي أنه لم ينابذ الشيخ ويعلن بالوقيعة فيه، وإنما بدرت منه كلمة في حديثه مع أخ له، وليس هذا كالطعن الصريح العلني، فاعدلوا..."، قلت: زدت الطين بلة؛ إذا فأنتم تستجيزون الطعن في العلماء سرا وتحتجون على باطلكم بالحق الذي لم تفهموه على وجهه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قلة زادكم، وضعف علمكم، وأنكم صغار تناطحون الكبار، فهلا عدتم إلى رشدكم، وتبتم من انحرافكم وزيغكم، وعرفتم قدر أنفسكم قبل أن يفوتكم الأوان وتصيرون إلى الهوان.
ثم أقول لخالد أصلحه الله: أنظر إلى دفاعك عنه ووقوفك بجنبه حتى فيما ظهر بطلانه وعلمت بل أعلنت خطأه فيه، ومع ذلك لم تقل له تب إلى ربك وتحلل ممن طعنت فيه بل إنما قلت: "عليه أن يتداركه" وهي كلمة محتملة لها عدة وجوه.
يا خالد لقد خاب ظني فيك لأنني كنت أراك ممن سيحمل المشعل في الدعوة إلى الله عز وجل ولكن....
ثم بعد كتابتي لهذا الكلام اطلعت البارحة على بيان لمحمد مرابط هداه الله وأصلحه اعترف فيه أنه تكلم بالكلام المنسوب إليه، واستغفر الله منه وتاب من الوقوع فيه، لكن مع ذلك أقول له:
اعلم هداك الله وأصلحك أنك ومع اعترافك واستغفارك فأنت مدان وملوم، ومعاتب ومذموم؛ ليس على شيء وقعت فيه وتبت لله منه، وإنما على طريقتك التي أنت عليها، وفهمك للنصوص على خلاف وجهها، فكونك تعتقد أنه يجوز لك أن تذكر أمثال هذه الأمور الشنيعة مع خواصك أمر شنيع وفظيع، وأشنع منه استدلالك عليه بنصوص الشريعة التي وضعتها في غير موضعها، وأوَّلتها على خلاف تأويلها.
ومما ينبغي لك أن تتنبه له: أن توبتك هذه لا تنفعك ما لم تكن صادقا فيها، وما لم تحقق شروطها؛ وهي معلومة لديك، ولكن أقولها مذكرا لك بها، ومعينا لك على تحقيقها:
الشرط الأول الإخلاص لله تعالى: فينبغي أن يكون الدافع لك للتوبة من ذنبك الإخلاص لله تعالى لا أن تتدارك نفسك بعد أن فُضح أمرك لتحافظ على منزلتك عند السلفيين الذين عُرف تعظيمهم لشيخهم.
الشرط الثاني: أن تندم على ما فعلت من الذنب لا أن تظهر التوبة لغيرك لتحقيق مصلحة من مصالحك وحقيقة الندم كما قرر العلامة محمد بن صالح العثيمين:" بحيث يجد في نفسه حسرة وحزنًا على ما مضى، ويراه أمرًا كبيرًا يجب عليه أن يتخلص منه" ولذلك أقول لك: أنك لم تظهر الندم حقيقة ومما يدل على ذلك في بيانك قولك: إن كلامي الذي نشر ليس هو بالطعن! بل انتقدت موقفا لفضيلة الشيخ الكبير رأيت أنه أجحف في حقي، ولم أبح به، ولم أكتب في العلن شيئا منذ أن أيد حفظه الله كلام الشيخ جمعة" هذا عذر أقبح من ذنب، والتبرير ينافي الندم، بل إن في ضمنه الطعن حيث تصف الشيخ بالإجحاف ما هذه التوبة يا هذا، ثم أقول: لاحظوا التفريق هنا بين السر والعلن والخاص والعام لتعلم انطباق كلام الشيخ جمعة حفظه الله عليه.
الشرط الثالث: أن يقلع عن الذنب وعن الإصرار عليه؛ ومما يتعلق بهذا الشرط كما قرر العلامة العثيمين رحمه الله:" إذا كان الذنب يتعلق بالمخلوقين، فإنه يؤدي إليهم حقوقهم أو يستحلهم منها" وطلب التحلل هو طلب العفو والمسامحة لا أن تقول كما قلت في بيانك:" فأستغفر الله وأتوب إليه، وأنا على يقين أن شيخنا العزيز سيعفو ويصفح عن ابنه الوفي له" ليس هذا هو التحلل إنما هو أن تذهب إليه أو على الأقل أن تراسله وتطلب مسامحته ولا تزال به حتى يسامحك. ومما يدخل تحت هذا الشرط أيضا أن تترك كل ذنب هو من نوعه فلا تصح توبتك من الطعن في الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله حتى تتوب من الطعن في كل عالم سني وهذا هو الذي قرره الإمام ابن القيم رحمه الله حيث قال في مدارج السالكين:" وَالَّذِي عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَصِحُّ مِنْ ذَنْبٍ، مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى آخَرَ مِنْ نَوْعِهِ، وَأَمَّا التَّوْبَةُ مِنْ ذَنْبٍ، مَعَ مُبَاشَرَةِ آخَرَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ، وَلَا هُوَ مِنْ نَوْعِهِ فَتَصِحُّ، كَمَا إِذَا تَابَ مِنَ الرِّبَا، وَلَمْ يَتُبْ مَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ مَثَلًا، فَإِنَّ تَوْبَتَهُ مِنَ الرِّبَا صَحِيحَةٌ، وَأَمَّا إِذَا تَابَ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ، وَلَمْ يَتُبْ مِنْ رِبَا النَّسِيئَةِ وَأَصَرَّ عَلَيْهِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ تَابَ مِنْ تَنَاوُلِ الْحَشِيشَةِ وَأَصَرَّ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ بِالْعَكْسِ فَهَذَا لَا تَصِحُّ تَوْبَتَهُ، وَهُوَ كَمَنْ يَتُوبُ عَنِ الزِّنَا بِامْرَأَةٍ، وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الزِّنَا بِغَيْرِهَا غَيْرَ تَائِبٍ مِنْهَا، أَوْ تَابَ مِنْ شُرْبِ عَصِيرِ الْعِنَبِ الْمُسْكِرِ، وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى شُرْبِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ، فَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَتُبْ مِنَ الذَّنْبِ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ نَوْعٍ مِنْهُ إِلَى نَوْعٍ آخَرَ" فاعلم أخي هداني الله وإياك أنه لا تصح توبتك من الطعن في العلامة محمد علي فركوس حفظه الله حتى تتوب من الطعن في الشيخ الفاضل عبد المجيد جمعة حفظه الله فإن قلت أنك لم تطعن فيه مع بروزه وظهوره فسيأتي بيان ذلك من قولك إن شاء الله.
الشرط الرابع: العزم على أن لا تعود في المستقبل بأن يكون في قلبك عزم مؤكد ألا تعود إلى هذه المعصية التي تبت منها، فينبغي عليك أن تعزم على تركك للطعن في علماء السنة في السر والعلن في الخلوة والجلوة وإلا لم تنفعك توبتك هذه التي أظهرتها.
7- انتقاده السابع: قال هداه الله وأصلحه:" قال الشيخ جمعة –وفقه الله-: (وقوله: «وقد أساء بعضهم فهمه» وكأن الرجل يتكلم بالرموز، أم صرنا نحن زنوجا لا نفهم؟".
التعليق: ليس كذلك شيخنا –وفقك الله- فليس من الضرورة أن يكون الكلام بغير العربية حتى لا يفهم! فهذا كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقد نزل بلسان عربي مبين وقد أساء أقوام فهمه! فكيف بكلام مرابط!
بل ها أنت شيخنا وفي وقت قريب جدا قلت للشباب في المدينة: لم تفهموا كلامي؟ بعدما نقلوا عنك كلاما مطولا في التحذير من فلان وفلان! فهل تكلمتم يومها يا شيخنا العزيز بالرموز؟! أم صار السامعون حينها زنوجا؟!
التعليق على التعليق: إن كلام الشيخ حفظه الله واضح، ومراده جلي، وهو يقصد به كما هو ظاهر منه أن كلامك بيِّن معلوم، والطعن منه واضح مفهوم، فلماذا تزعم أنه لم يفهم عنك ولم يعلم مرادك؟ ولذلك قال ما قال حفظه الله: لأن العلة في عدم فهم كلامك إما أن تكون فيك كونك تتكلم برموز غير مفهومة، وإشارات ليست بمعلومة، ومن هنا أبن لنا عن مرادك من كلامك، وأظهر لنا رموزك لنفهم عنك، وإما أن تكون العلة فينا - من بَلَّغ ومن بُلِّغ - حيث صرنا لا نفهم كلامك العربي المبين فنكون زنوجا حينئذ؟ هذا هو معنى كلام الشيخ حفظه الله وهو معنى بارز مفهوم غرضه منه أنه فهم هو كما فهم غيره مرادك، وعلم قصدك، لأن كلامك بين واضح فلماذا التهرب؟.
أما استدلالك بكلام الله سبحانه وأنه – مع وضوحه وبيانه - وُجد من لم يفهمه على وجهه، وأوَّله على غير مراد الله منه، فما هو قصدك به، وما غرضك منه؟ ألم تعلم أن هؤلاء الذين أوَّلوا كلام الله على خلاف مراد الله منه هم أهل الأهواء؟ وأن الهوى هو السبب في كلامهم وسوء تأويلهم؟ فهل تظن أن الشيخ حفظه الله من أهل الأهواء ولذلك فهم كلامك على خلاف قصدك وأوّله على عكس مرادك؟ إما أنك تستدل بما ليس بدليل أو تعتقد في الشيخ حفظه الله مثل هذه الأباطيل.
ثم سلمنا لك أن السامعين لك فهموا غير مرادك فلماذا تفرق بين السر والعلن أنت وصاحبك؟.
8- انتقاده الثامن وبرهانه عليه: قال الشيخ جمعة –وفقه الله-: (وقوله: «وخان أمانة المجموعة مَن نقله إليكم» هل أصبح كشف مثل هذا الكلام من الخيانة، أم واجب تبليغ الأمانة تبليغه؟ فما أسهل التهم).
التعليق: قد مرّ بنا قول الناقل وأن قصده كان حسنا –على حسب ظاهر كلامه- فهو لم ينقل كلامي للشيخ جمعة بنيّة التبليغ! أو الإنكار! بل بنيّة الإشادة بموقفي والثناء على كلامي! وجوابه عندي مصور قد أضطر لنشره.
ثم كيف لا نحكم على فعلته بالخيانة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال كما في الحديث الذي رواه (الترمذي 1352): (المسلمون على شروطهم)! اللهم إلا إذا كان الشيخ جمعة على قول أهل الظاهر في اعتبار الحظر هو الأصل في الشروط والعقود إلا ما ثبت في الشرع! وهو قول مرجوح يعارضه قول جماهير الأئمة في أن الأصل في الشروط الجواز إلا ما ثبت في نصوص الوحيين بطلانه!
فالرجل وافق على شروط المجموعة ثم خالفها وهو نفسه اعتذر عن خطئه! مع العلم أنني وضعت شروط المجموعة قبل ظهور هذه الفتنة بزمن طويل، وأكدت على هذا الشرط عندما رأيت من نقل كلام عضو من طلبة العلم وفيه ما فيه من الخلل في العبارة والأخطاء الكتابية، وقد رأينا شيوخنا يلقون الدروس وعندما تفرغ وتجهز للطباعة يدخلون عليها التعديلات ويصححون ما يرونه ملائما للكتابة لا للخطابة، فالشرط لم أضعه ابتداء للكتم والتستّر! بل لتقييد الأعضاء بقيود الشرع، فالكاتب هو صاحب الكلمة وهو الأحق بنشرها.
التعليق على التعليق: في هذا الكلام مغالطات وأخطاء شنيعات وبيانها من وجهين:
الأول: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم:" المسلمون على شروطهم" صحيح معمول به ما لم يؤدي إلى إقرار منكر والسكوت على شر، لأن الشروط التي تكون بين المسلمين والتي أمر باحترامها النبي الأمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم مقيدة بما لا يخالف شرع رب العالمين؛ بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم:" فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ" رواه البخاري ومسلم، وأنت تعلم أن شرطكم هذا الذي اتفقتم عليه بينكم لا يكون مبيحا لما حرم الله عليكم، ومثله الذي يوضحه: لو أن جماعة من الناس سكنوا بيتا واحدا واتفقوا على أن لا يُخرج أحد منهم سرهم، ولا يخبر بما يقع بينهم، ثم رأى واحد منهم أحدهم يزني بامرأة أو يشرب خمرا أو يقتل شخصا أو غير ذلك من معصية الله سبحانه وتعالى أيجوز له أن يخبر بأمره من يعين على إزالة المنكر الذي وقع فيه، أم يجب عليه أن يستر عنه وقوفا عند الشرط الذي اتفقوا عليه؟ عليكم يا إخواننا أن تعرفوا أحكام شريعة ربنا وأن لا تنظروا إلى المسائل بأعين عوراء ولا تمشوا إليها بأرجل عرجاء.
الثاني: أن إظهار المنكر لمن يعين على إزالته وتغييره وإحلال المعروف مكانه لا ينكر على صاحبه؛ فهو ليس من الخيانة ولا من الغيبة المحرمة، ولذلك من الصور التي استثناها علماؤنا من الغيبة المحرمة من يطلب الإعانة في إزالة المنكر كما قال الشاعر:
القدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر
ومجاهر فسقا ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر
فإن قلت: أن رجل لم يكن قصده إنكار منكر ولا تغييره، وإنما قصد إظهار الشيخ على شيء استحسنه، فحينئذ يكون الأخ قد خالف الشرط في ظاهره وأدى بتقدير الله أن يخرج سركم الذي بين حقيقة ما تنطوي عليه نفوسكم، ولكل أمر حكمه في شريعة الله فلا نترك إنكار ما أنكرناه عليكم بسبب مخالفة الرجل لشرطكم.
- أما قولك بعد ذلك:" ثم ألا ترى يا شيخنا أن فتح باب النقل وتبليغ كلام الناس على مصراعيه قد يسهم في انتشار النميمة! فالناس لا يتقيدون بقيد، وهوى أكثر الخلق في القيل والقال، فإطلاق الكلام من غير تحديد لشروط تضبط هذا الباب سيجر علينا مفاسد عظمى وواقعنا اليوم خير شاهد".
فجوابه: أنه لا يجوز للإنسان أن ينقل كلام من أحد إلى آخر بغرض الإفساد بينهم لأن ذلك من النميمة المحرمة لكن إذا تعلق الأمر بالدين وإفساده على المسلمين فهنا لا يجوز السكوت بزعم الخوف من الوقوع في النميمة ومن الأدلة على ذلك الآتي: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَسَمَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - قَسْمًا فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ. فَأَخْبَرْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِى وَجْهِهِ وَقَالَ:" يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى، لَقَدْ أُوذِىَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ" رواه البخاري ومسلم وفي رواية قال:" وَاللَّهِ لأُخبرن رَسُولَ اللَّهِ فَأَخْبَرْتُهُ". وهناك أدلة أخرى تصب في هذا المعنى ترتها حرصا على الاختصار.
يتبع في المقالة القادمة إن شاء الله تعالى.
والله من وراء القصد وهو يهدي إلى سواء السبيل.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
وكتبه: أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان.
الخميس: 02 ربيع الثاني 1439 هـ
21 / 12 / 2017م
تعليق