المجلس السادس والعشرون: في أسباب دخول النار
الحمد لله القوي المتين، الظاهر القاهر المبين، لا يعزب عن سمعه أقل الأنين، ولا يخفى على بصره حركات الجنين، ذل لكبريائه جبابرة السلاطين، وبطل أمام قدرته كيد الكائدين، قضى قضاءه كما شاء على الخاطئين، وسبق اختياره من اختاره من العالمين، فهؤلاء أهل الشمال وهؤلاء أهل اليمين، جرى القدر بذلك قبل عمل العاملين، ولولا هذا التقسيم لبطل جهاد المجاهدين، وما عرف أهل الإيمان من الكافرين، ولا أهل الشك من أهل اليقين، ولولا هذا التقسيم ما امتلأت النار من المجرمين. {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} [السجدة: 13]. تلك يا أخي حكمة الله وهو أحكم الحاكمين، أحمده سبحانه حمد الشاكرين، وأسأله معونة الصابرين، واستجير به من العذاب المهين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى الأمين، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر أول تابع من الرجال على الدين، وعلى عمر القوي في أمر الله فلا يلين، وعلى عثمان زوج ابنتي الرسول ونعم القرين، وعلى علي بحر العلوم الأنزع البطين، وعلى جميع آل بيت الرسول الطاهرين، وعلى سائر أصحابه الطيبين، وعلى أتباعه في دينه إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
إخواني: اعلموا أن لدخول النار أسبابا بينها الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ليحذر الناس منها ويجتنبوها. وهذه الأسباب على نوعين:
النوع الأول: أسباب مكفرة تخرج فاعلها من الإيمان إلى الكفر وتوجب له الخلود في النار.
النوع الثاني: أسباب مفسقة تخرج فاعلها من العدالة إلى الفسق ويستحق بها دخول النار دون الخلود فيها.
فأما النوع الأول فنذكر منه أسبابا:
السبب الأول: الشرك بالله: بأن يجعل لله شريكا في الربوبية أو الألوهية أو الصفات. فمن اعتقد أن مع الله خالقا مشاركا أو منفردا، أو اعتقد أن مع الله إلها يستحق أن يعبد، أو عبد مع الله غيره فصرف شيئا من أنواع العبادة إليه، أو اعتقد أن لأحد من العلم والقدرة والعظمة ونحوها مثل ما لله عز وجل فقد أشرك بالله شركا أكبر واستحق الخلود في النار، قال الله عز وجل: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظلمين من أنصار} [المائدة: 72].
السبب الثاني: الكفر بالله عز وجل أو بملائكته أوكتبه أو رسله أو اليوم الآخر أو قضاء الله وقدره، فمن أنكر شيئا من ذلك تكذيبا أو جحدا أو شك فيه فهو كافر مخلد في النار. قال الله تعالى: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا} [النساء: 150، 151]، وقال تعالى: {إن الله لعن الكفرين وأعد لهم سعيرا * خلدين فيهآ أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا * يوم تقلب وجوههم فى النار يقولون يليتنآ أطعنا الله وأطعنا الرسولا * وقالوا ربنآ إنآ أطعنا سادتنا وكبرآءنا فأضلونا السبيلا * ربنآءاتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا} [الأحزاب: 64 - 68].
السبب الثالث: إنكار فرض شيء من أركان الإسلام الخمسة، فمن أنكر فريضة توحيد الله أو الشهادة لرسوله بالرسالة أو عمومها لجميع الناس أو فريضة الصلوات الخمس أو الزكاة أو صوم رمضان أو الحج فهو كافر لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين، وكذلك من أنكر تحريم الشرك أو قتل النفس التي حرم الله أو تحريم الزنا أو اللواط أو الخمر أو نحوها مما تحريمه ظاهر صريح في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لأنه مكذب لله ورسوله، لكن إن كان قريب عهد بإسلام فأنكر ذلك جهلا لم يكفر حتى يعلم فينكر بعد علمه.
السبب الرابع: الاستهزاء بالله سبحانه أو بدينه أو رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} [التوبة: 64، 65] والاستهزاء هو السخرية وهو من أعظم الاستهانة بالله ودينه ورسوله وأعظم الاحتقار والازدراء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
السبب الخامس: سب الله تعالى أو دينه أو رسوله وهو القدح والعيب وذكرهم بما يقتضي الاستخفاف والانتقاص كاللعن والتقبيح ونحو ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من سب الله أو رسوله فهو كافر ظاهرا وباطنا سواء كان يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلا له أو كان ذاهلا عن اعتقاد. وقال أصحابنا: يكفر سواء كان مازحا أوجادا. وهذا هو الصواب المقطوع به، ونقل عن إسحق بن راهويه: أن المسلمين أجمعوا على أن من سب الله أو سب رسوله أو دفع شيئا مما أنزل الله فهو كافر وإن كان مقرا بما أنزل الله، وقال الشيخ أيضا: والحكم في سب سائر الأنبياء كالحكم في سب نبينا صلى الله عليه وسلم، فمن سب نبيا مسمى باسمه من الأنبياء المعروفين المذكورين في القرآن أو موصوفا بالنبوة بأن يذكر في الحديث أن نبيا فعل أو قال كذا فيسب ذلك الفاعل أو القائل مع علمه أنه نبي فحكمه كما تقدم. اهـ.
وأما سب غير الأنبياء فإن كان الغرض منه سب النبي مثل أن يسب أصحابه يقصد به سب النبي لأن المقارن يقتدي بمن قارنه، ومثل أن يقذف واحدة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا ونحوه فإنه يكفر لأن ذلك قدح في النبي وسب له، قال الله تعالى: {الخبيثت للخبيثين} [النور: 26]. السبب السادس: الحكم بغير ما أنزل الله معتقدا أنه أقرب إلى الحق وأصلح للخلق، أو أنه مساو لحكم الله أو أنه يجوز الحكم به، فهو كافر لقوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44] وكذا لو اعتقد أن حكم غير الله خير من حكم الله أو مساو له أو أنه يجوز الحكم به فهو كافر وإن لم يحكم به لأنه مكذب لقوله تعالى: {ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} [المائدة: 50]، ولما يقتضيه قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}.
السبب السابع: النفاق وهو أن يكون كافرا بقلبه ويظهر للناس أنه مسلم إما بقوله أو بفعله، قال الله تعالى: {إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} [النساء: 145]. وهذا الصنف أعظم مما قبله، ولذلك كانت عقوبة أصحابه أشد، فهم في الدرك الأسفل من النار، وذلك لأن كفرهم جامع بين الكفر والخداع والاستهزاء بالله وآياته ورسوله. قال الله تعالى عنهم: {ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الأخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين ءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون * فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون * وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون * وإذا قيل لهم ءامنوا كمآ ءامن الناس قالوا أنؤمن كمآ آمن السفهآء ألا إنهم هم السفهآء ولكن لا يعلمون * وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلوا إلى شيطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون * الله يستهزىء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون} [البقرة: 8 - 15].
وللنفاق علامات كثيرة منها: الشك فيما أنزل الله وإن كان يظهر للناس أنه مؤمن. قال الله عز وجل: {إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الأخر وارتابت قلوبهم فهم فى ريبهم يترددون} [التوبة: 45] ومنها كراهة حكم الله ورسوله، قال الله تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم ءامنوا بما أنزل إليك ومآ أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا * وإذا قيل لهم تعالوا إلى مآ أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} [النساء: 60، 61]، ومنها كراهة ظهور الإسلام وانتصار أهله والفرح بخذلانهم، قال تعالى: {إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون} [التوبة: 50]، وقال تعالى: {وإذا لقوكم قالوا ءامنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور * إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط} [آل عمران: 119، 120].
ومنها طلب الفتنة بين المسلمين والتفريق بينهم ومحبة ذلك. قال تعالى: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين} [التوبة: 47].
ومنها محبة أعداء الإسلام وأئمة الكفر ومدحهم ونشر آرائهم المخالفة للإسلام. قال الله تعالى: {ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون} [المجادلة: 14].
ومنها لمز المؤمنين وعيبهم في عباداته. قال الله تعالى: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم} [التوبة: 79] فيعيبون المجتهدين في العبادة بالرياء ويعيبون العاجزين بالتقصير.
ومنها الاستكبار عن دعاء المؤمنين احتقارا وشكا. قال الله تعالى: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون} [المنافقون: 5].
ومنها ثقل الصلاة والتكاسل عنها. قال الله تعالى: {إن المنفقين يخدعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلوة قاموا كسالى يرآءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} [النساء: 142]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر»، (الحديث) متفق عليه.
ومنها أذية الله ورسوله. قال الله تعالى: {ومنهم الذين يؤذون النبى} [التوبة: 61]، وقال تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله فى الدنيا والأخرة وأعد لهم عذابا مهينا * والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب: 57، 58].
فهذه طائفة من علامات المنافقين ذكرناها للتحذير منها وتطهير النفس من سلوكها.
اللهم أعذنا من النفاق وارزقنا تحقيق الإيمان على الوجه الذي يرضيك عنا واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين يا رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الحمد لله القوي المتين، الظاهر القاهر المبين، لا يعزب عن سمعه أقل الأنين، ولا يخفى على بصره حركات الجنين، ذل لكبريائه جبابرة السلاطين، وبطل أمام قدرته كيد الكائدين، قضى قضاءه كما شاء على الخاطئين، وسبق اختياره من اختاره من العالمين، فهؤلاء أهل الشمال وهؤلاء أهل اليمين، جرى القدر بذلك قبل عمل العاملين، ولولا هذا التقسيم لبطل جهاد المجاهدين، وما عرف أهل الإيمان من الكافرين، ولا أهل الشك من أهل اليقين، ولولا هذا التقسيم ما امتلأت النار من المجرمين. {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} [السجدة: 13]. تلك يا أخي حكمة الله وهو أحكم الحاكمين، أحمده سبحانه حمد الشاكرين، وأسأله معونة الصابرين، واستجير به من العذاب المهين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى الأمين، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر أول تابع من الرجال على الدين، وعلى عمر القوي في أمر الله فلا يلين، وعلى عثمان زوج ابنتي الرسول ونعم القرين، وعلى علي بحر العلوم الأنزع البطين، وعلى جميع آل بيت الرسول الطاهرين، وعلى سائر أصحابه الطيبين، وعلى أتباعه في دينه إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
إخواني: اعلموا أن لدخول النار أسبابا بينها الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ليحذر الناس منها ويجتنبوها. وهذه الأسباب على نوعين:
النوع الأول: أسباب مكفرة تخرج فاعلها من الإيمان إلى الكفر وتوجب له الخلود في النار.
النوع الثاني: أسباب مفسقة تخرج فاعلها من العدالة إلى الفسق ويستحق بها دخول النار دون الخلود فيها.
فأما النوع الأول فنذكر منه أسبابا:
السبب الأول: الشرك بالله: بأن يجعل لله شريكا في الربوبية أو الألوهية أو الصفات. فمن اعتقد أن مع الله خالقا مشاركا أو منفردا، أو اعتقد أن مع الله إلها يستحق أن يعبد، أو عبد مع الله غيره فصرف شيئا من أنواع العبادة إليه، أو اعتقد أن لأحد من العلم والقدرة والعظمة ونحوها مثل ما لله عز وجل فقد أشرك بالله شركا أكبر واستحق الخلود في النار، قال الله عز وجل: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظلمين من أنصار} [المائدة: 72].
السبب الثاني: الكفر بالله عز وجل أو بملائكته أوكتبه أو رسله أو اليوم الآخر أو قضاء الله وقدره، فمن أنكر شيئا من ذلك تكذيبا أو جحدا أو شك فيه فهو كافر مخلد في النار. قال الله تعالى: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا} [النساء: 150، 151]، وقال تعالى: {إن الله لعن الكفرين وأعد لهم سعيرا * خلدين فيهآ أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا * يوم تقلب وجوههم فى النار يقولون يليتنآ أطعنا الله وأطعنا الرسولا * وقالوا ربنآ إنآ أطعنا سادتنا وكبرآءنا فأضلونا السبيلا * ربنآءاتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا} [الأحزاب: 64 - 68].
السبب الثالث: إنكار فرض شيء من أركان الإسلام الخمسة، فمن أنكر فريضة توحيد الله أو الشهادة لرسوله بالرسالة أو عمومها لجميع الناس أو فريضة الصلوات الخمس أو الزكاة أو صوم رمضان أو الحج فهو كافر لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين، وكذلك من أنكر تحريم الشرك أو قتل النفس التي حرم الله أو تحريم الزنا أو اللواط أو الخمر أو نحوها مما تحريمه ظاهر صريح في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لأنه مكذب لله ورسوله، لكن إن كان قريب عهد بإسلام فأنكر ذلك جهلا لم يكفر حتى يعلم فينكر بعد علمه.
السبب الرابع: الاستهزاء بالله سبحانه أو بدينه أو رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} [التوبة: 64، 65] والاستهزاء هو السخرية وهو من أعظم الاستهانة بالله ودينه ورسوله وأعظم الاحتقار والازدراء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
السبب الخامس: سب الله تعالى أو دينه أو رسوله وهو القدح والعيب وذكرهم بما يقتضي الاستخفاف والانتقاص كاللعن والتقبيح ونحو ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من سب الله أو رسوله فهو كافر ظاهرا وباطنا سواء كان يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلا له أو كان ذاهلا عن اعتقاد. وقال أصحابنا: يكفر سواء كان مازحا أوجادا. وهذا هو الصواب المقطوع به، ونقل عن إسحق بن راهويه: أن المسلمين أجمعوا على أن من سب الله أو سب رسوله أو دفع شيئا مما أنزل الله فهو كافر وإن كان مقرا بما أنزل الله، وقال الشيخ أيضا: والحكم في سب سائر الأنبياء كالحكم في سب نبينا صلى الله عليه وسلم، فمن سب نبيا مسمى باسمه من الأنبياء المعروفين المذكورين في القرآن أو موصوفا بالنبوة بأن يذكر في الحديث أن نبيا فعل أو قال كذا فيسب ذلك الفاعل أو القائل مع علمه أنه نبي فحكمه كما تقدم. اهـ.
وأما سب غير الأنبياء فإن كان الغرض منه سب النبي مثل أن يسب أصحابه يقصد به سب النبي لأن المقارن يقتدي بمن قارنه، ومثل أن يقذف واحدة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا ونحوه فإنه يكفر لأن ذلك قدح في النبي وسب له، قال الله تعالى: {الخبيثت للخبيثين} [النور: 26]. السبب السادس: الحكم بغير ما أنزل الله معتقدا أنه أقرب إلى الحق وأصلح للخلق، أو أنه مساو لحكم الله أو أنه يجوز الحكم به، فهو كافر لقوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44] وكذا لو اعتقد أن حكم غير الله خير من حكم الله أو مساو له أو أنه يجوز الحكم به فهو كافر وإن لم يحكم به لأنه مكذب لقوله تعالى: {ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} [المائدة: 50]، ولما يقتضيه قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}.
السبب السابع: النفاق وهو أن يكون كافرا بقلبه ويظهر للناس أنه مسلم إما بقوله أو بفعله، قال الله تعالى: {إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} [النساء: 145]. وهذا الصنف أعظم مما قبله، ولذلك كانت عقوبة أصحابه أشد، فهم في الدرك الأسفل من النار، وذلك لأن كفرهم جامع بين الكفر والخداع والاستهزاء بالله وآياته ورسوله. قال الله تعالى عنهم: {ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الأخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين ءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون * فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون * وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون * وإذا قيل لهم ءامنوا كمآ ءامن الناس قالوا أنؤمن كمآ آمن السفهآء ألا إنهم هم السفهآء ولكن لا يعلمون * وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلوا إلى شيطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون * الله يستهزىء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون} [البقرة: 8 - 15].
وللنفاق علامات كثيرة منها: الشك فيما أنزل الله وإن كان يظهر للناس أنه مؤمن. قال الله عز وجل: {إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الأخر وارتابت قلوبهم فهم فى ريبهم يترددون} [التوبة: 45] ومنها كراهة حكم الله ورسوله، قال الله تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم ءامنوا بما أنزل إليك ومآ أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا * وإذا قيل لهم تعالوا إلى مآ أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} [النساء: 60، 61]، ومنها كراهة ظهور الإسلام وانتصار أهله والفرح بخذلانهم، قال تعالى: {إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون} [التوبة: 50]، وقال تعالى: {وإذا لقوكم قالوا ءامنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور * إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط} [آل عمران: 119، 120].
ومنها طلب الفتنة بين المسلمين والتفريق بينهم ومحبة ذلك. قال تعالى: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين} [التوبة: 47].
ومنها محبة أعداء الإسلام وأئمة الكفر ومدحهم ونشر آرائهم المخالفة للإسلام. قال الله تعالى: {ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون} [المجادلة: 14].
ومنها لمز المؤمنين وعيبهم في عباداته. قال الله تعالى: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم} [التوبة: 79] فيعيبون المجتهدين في العبادة بالرياء ويعيبون العاجزين بالتقصير.
ومنها الاستكبار عن دعاء المؤمنين احتقارا وشكا. قال الله تعالى: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون} [المنافقون: 5].
ومنها ثقل الصلاة والتكاسل عنها. قال الله تعالى: {إن المنفقين يخدعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلوة قاموا كسالى يرآءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} [النساء: 142]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر»، (الحديث) متفق عليه.
ومنها أذية الله ورسوله. قال الله تعالى: {ومنهم الذين يؤذون النبى} [التوبة: 61]، وقال تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله فى الدنيا والأخرة وأعد لهم عذابا مهينا * والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب: 57، 58].
فهذه طائفة من علامات المنافقين ذكرناها للتحذير منها وتطهير النفس من سلوكها.
اللهم أعذنا من النفاق وارزقنا تحقيق الإيمان على الوجه الذي يرضيك عنا واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين يا رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.