المجلس الخامس والعشرون: في وصف النار
ـ أعاذنا الله منها ـ
الحمد لله الحي القيوم، الباقي وغيره لا يدوم، رفع السماء وزينها بالنجوم، وأمسك الأرض بجبال في التخوم، صور بقدرته هذه الجسوم، ثم أماتها ومحا الرسوم، ثم ينفخ في الصور فإذا الميت يقوم، ففريق إلى دار النعيم وفريق إلى نار السموم، تفتح أبوابها في وجوههم لكل باب منهم جزء مقسوم، وتوصد عليهم في عمد ممددة فيها للهموم والغموم، يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم فما منهم مرحوم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من للنجاة يروم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي فتح الله بدينه الفرس والروم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ما هطلت الغيوم، وسلم تسليما.
إخواني: لقد حذرنا الله تعالى في كتابه من النار وأخبرنا عن أنواع عذابها بما تتفطر منه الأكباد وتتفجر منه القلوب، حذرنا منها وأخبرنا عن أنواع عذابها رحمة بنا لنزداد حذرا وخوفا، فاسمعوا ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أنواع عذابها لعلكم تذكرون. وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون. قال الله تعالى: {واتقوا النار التى أعدت للكافرين} [آل عمران: 131]، {إنآ أعتدنا للكافرين سلاسل وأغللا وسعيرا} [الإنسان: 4]، وقال تعالى: {إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها} [الكهف: 29]، وقال تعالى مخاطبا إبليس: {إلا من اتبعك من الغاوين * وإن جهنم لموعدهم أجمعين * لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم} [الحجر: 42 - 44]، وقال تعالى: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جآءوها فتحت أبوابها} [الزمر: 71]، وقال تعالى: {وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير * تكاد تميز من الغيظ} [الملك: 6 - 8]، وقال تعالى: {يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم} [العنكبوت: 55]، وقال تعالى: {لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يعباد فاتقون} [الزمر: 16]، وقال تعالى: {وأصحاب الشمال مآ أصحاب الشمال * فى سموم وحميم * وظل من يحموم * لا بارد ولا كريم} [الواقعة: 41 - 44]، وقال تعالى: {وقالوا لا تنفروا فى الحر قل نار جهنم أشد حرا} [التوبة: 81]، وقال تعالى: {ومآ أدراك ما هيه * نار حامية} [القارعة: 10، 11]، وقال تعالى: {إن المجرمين فى ضلال وسعر * يوم يسحبون فى النار على وجوههم ذوقوا مس سقر} [القمر: 47، 48]، وقال تعالى: {ومآ أدراك ما سقر * لا تبقى ولا تذر * لواحة للبشر} [المدثر: 27 - 29]، وقال تعالى: {يأيها الذينءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله مآ أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم: 6]، وقال تعالى: {إنها ترمى بشرر كالقصر بشرر كالقصر * كأنه جمالة صفر} [المرسلات: 32، 33]، وقال تعالى: {وترى المجرمين يومئذ مقرنين فى الأصفاد * سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار} [إبراهيم: 49، 50]، وقال تعالى: {إذ الأغلال فى أعناقهم والسلاسل يسحبون * فى الحميم ثم فى النار يسجرون} [غافر: 71،72]، وقال تعالى: {فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم * يصهر به ما فى بطونهم والجلود * ولهم مقامع من حديد * كلمآ أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق} [الحج: 19 - 22]، وقال تعالى: {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب} [النساء: 15]، وقال تعالى: {إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم * كالمهل يغلى فى البطون * كغلى الحميم} [الدخان: 43 - 46]، وقال في تلك الشجرة: {إنها شجرة تخرج فى أصل الجحيم * طلعها كأنه رءوس الشياطين} [الصافات: 64، 65]، وقال تعالى: {ثم إنكم أيها الضآلون المكذبون * لآكلون من شجر من زقوم * فمالئون منها البطون * فشاربون عليه من الحميم * فشاربون شرب الهيم * هذا نزلهم يوم الدين} [الواقعة: 51 - 56]، وقال تعالى: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب وسآءت مرتفقا} [الكهف: 29]، وقال تعالى: {وسقوا مآء حميما فقطع أمعآءهم} [محمد: 15]، وقال تعالى: {ويسقى من مآء صديد * يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورآئه عذاب غليظ} [إبراهيم: 16، 17]، وقال تعالى: {إن المجرمين فى عذاب جهنم خالدون * لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون * وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين * ونادوا يمالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون} [الزخرف: 74 - 77]، وقال تعالى: {مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا جهنم} [الإسراء: 97]، وقال تعالى: {إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا * إلا طريق جهنم خالدين فيهآ أبدا وكان ذلك على الله يسيرا} [النساء: 168، 169]، وقال تعالى: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا فى شك مريب} [الأحزاب: 64، 65]، وقال تعالى: {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خلدين فيهآ أبدا} [الجن: 23]، وقال تعالى: {ومآ أدراك ما الحطمة * نار الله الموقدة * التى تطلع على الأفئدة * إنها عليهم مؤصدة * فى عمد ممددة} [الهمزة: 5 - 9].
والآيات في وصف النار وأنواع عذابها الأليم الدائم كثيرة.
أما الأحاديث فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يؤتى بالنار يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها»، رواه مسلم. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ناركم هذه ما يوقد بنو آدم جزء واحد من سبعين جزءا من نار جهنم، قالوا: يا رسول الله إنها لكافية قال: إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها». وعنه رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا وجبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا حجر أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفا (يعني سبعين سنة) فالان حين انتهى إلى قعرها»، رواه مسلم.
وقال عتبة بن غزوان رضي الله عنه وهو يخطب: «لقد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاما ما يدرك لها قعرا والله لتملأن أفعجبتم؟»، رواه مسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم»، رواه النسائي والترمذي وابن ماجة (1). وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا»، رواه مسلم وللبخاري نحوه.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط هل مر بك نعيم قط؟ فيقول لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك من شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما رأيت بؤسا ولا مر بي من شدة قط»، رواه مسلم. يعني أن أهل النار ينسون كل نعيم مر بهم في الدنيا، وأهل الجنة ينسون كل بؤس مر بهم في الدنيا.
وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت تفتدي به؟ فيقول: نعم، قال: فيقول: قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي»، رواه أحمد ورواه البخاري ومسلم بنحوه. وروى ابن مردويه عن يعلي بن منية وهو ابن أمية، ومنية أمه قال: «ينشيء الله لأهل النار سحابة فإذا أشرفت عليهم ناداهم: يا أهل النار أي شيء تطلبون وما الذي تسألون فيذكرون بها سحائب الدنيا والماء الذي كان ينزل عليهم، فيقولون: نسأل يا رب الشراب فيمطرهم أغلالا، تزيد في أغلالهم وسلاسل تزيد في سلاسلهم وجمرا يلهب النار عليهم».
وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر. ومن مات مدمن الخمر سقاه الله من نهر الغوطة. قيل: وما نهر الغوطة؟ قال: نهر يجري من فروج المومسات يؤذي أهل النار ريح فروجهن»، رواه أحمد (2).
وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن على الله عهدا لمن شرب المسكرات ليسقيه من طينة الخبال. قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار أو عصارة أهل النار». وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقال لليهود والنصارى ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا ربنا فأسقنا فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا، فيتساقطون في النار». قال الحسن: ما ظنك بقوم قاموا على أقدامهم خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة ولم يشربوا فيها شربة حتى انقطعت أعناقهم عطشا واحترقت أجوافهم جوعا، ثم انصرف بهم إلى النار فيسقون من عين آنية قد آن حرها واشتد نضجها.
وقال ابن الجوزي رحمه الله في وصف النار: دار قد خص أهلها بالبعاد، وحرموا لذة المنى والإسعاد، بدلت وضاءة وجوههم بالسواد، وضربوا بمقامع أقوى من الأطواد، عليها ملائكة غلاظ شداد، لو رأيتهم في الحميم يسرحون، وعلى الزمهرير يطرحون، فحزنهم دائم فما يفرحون، مقامهم محتوم فما يبرحون، أبد الآباد، عليها ملائكة غلاظ شداد، يبكون على تضييع أوقات الشباب، وكلما جاد البكاء زاد، عليها ملائكة غلاظ شداد، يا حسرتهم لغضب الخالق، يا محنتهم لعظم البوائق، يا فضيحتهم بين الخلائق، على رؤوس الأشهاد، أين كسبهم للحطام، أين سعيهم في الاثام، كأنه كان أضغاث أحلام، ثم أحرقت تلك الأجسام، وكلما أحرقت تعاد، عليها ملائكة غلاظ شداد.
اللهم نجنا من النار، وأعذنا من دار الخزي والبوار، وأسكنا برحمتك دار المتقين الأبرار، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدا وعلى آله وصحبه أجمعين.
-----------------------
(1) وأخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما.
(2) صححه الحاكم وأقره الذهبي.
ـ أعاذنا الله منها ـ
الحمد لله الحي القيوم، الباقي وغيره لا يدوم، رفع السماء وزينها بالنجوم، وأمسك الأرض بجبال في التخوم، صور بقدرته هذه الجسوم، ثم أماتها ومحا الرسوم، ثم ينفخ في الصور فإذا الميت يقوم، ففريق إلى دار النعيم وفريق إلى نار السموم، تفتح أبوابها في وجوههم لكل باب منهم جزء مقسوم، وتوصد عليهم في عمد ممددة فيها للهموم والغموم، يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم فما منهم مرحوم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من للنجاة يروم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي فتح الله بدينه الفرس والروم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ما هطلت الغيوم، وسلم تسليما.
إخواني: لقد حذرنا الله تعالى في كتابه من النار وأخبرنا عن أنواع عذابها بما تتفطر منه الأكباد وتتفجر منه القلوب، حذرنا منها وأخبرنا عن أنواع عذابها رحمة بنا لنزداد حذرا وخوفا، فاسمعوا ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أنواع عذابها لعلكم تذكرون. وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون. قال الله تعالى: {واتقوا النار التى أعدت للكافرين} [آل عمران: 131]، {إنآ أعتدنا للكافرين سلاسل وأغللا وسعيرا} [الإنسان: 4]، وقال تعالى: {إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها} [الكهف: 29]، وقال تعالى مخاطبا إبليس: {إلا من اتبعك من الغاوين * وإن جهنم لموعدهم أجمعين * لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم} [الحجر: 42 - 44]، وقال تعالى: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جآءوها فتحت أبوابها} [الزمر: 71]، وقال تعالى: {وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير * تكاد تميز من الغيظ} [الملك: 6 - 8]، وقال تعالى: {يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم} [العنكبوت: 55]، وقال تعالى: {لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يعباد فاتقون} [الزمر: 16]، وقال تعالى: {وأصحاب الشمال مآ أصحاب الشمال * فى سموم وحميم * وظل من يحموم * لا بارد ولا كريم} [الواقعة: 41 - 44]، وقال تعالى: {وقالوا لا تنفروا فى الحر قل نار جهنم أشد حرا} [التوبة: 81]، وقال تعالى: {ومآ أدراك ما هيه * نار حامية} [القارعة: 10، 11]، وقال تعالى: {إن المجرمين فى ضلال وسعر * يوم يسحبون فى النار على وجوههم ذوقوا مس سقر} [القمر: 47، 48]، وقال تعالى: {ومآ أدراك ما سقر * لا تبقى ولا تذر * لواحة للبشر} [المدثر: 27 - 29]، وقال تعالى: {يأيها الذينءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله مآ أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم: 6]، وقال تعالى: {إنها ترمى بشرر كالقصر بشرر كالقصر * كأنه جمالة صفر} [المرسلات: 32، 33]، وقال تعالى: {وترى المجرمين يومئذ مقرنين فى الأصفاد * سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار} [إبراهيم: 49، 50]، وقال تعالى: {إذ الأغلال فى أعناقهم والسلاسل يسحبون * فى الحميم ثم فى النار يسجرون} [غافر: 71،72]، وقال تعالى: {فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم * يصهر به ما فى بطونهم والجلود * ولهم مقامع من حديد * كلمآ أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق} [الحج: 19 - 22]، وقال تعالى: {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب} [النساء: 15]، وقال تعالى: {إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم * كالمهل يغلى فى البطون * كغلى الحميم} [الدخان: 43 - 46]، وقال في تلك الشجرة: {إنها شجرة تخرج فى أصل الجحيم * طلعها كأنه رءوس الشياطين} [الصافات: 64، 65]، وقال تعالى: {ثم إنكم أيها الضآلون المكذبون * لآكلون من شجر من زقوم * فمالئون منها البطون * فشاربون عليه من الحميم * فشاربون شرب الهيم * هذا نزلهم يوم الدين} [الواقعة: 51 - 56]، وقال تعالى: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب وسآءت مرتفقا} [الكهف: 29]، وقال تعالى: {وسقوا مآء حميما فقطع أمعآءهم} [محمد: 15]، وقال تعالى: {ويسقى من مآء صديد * يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورآئه عذاب غليظ} [إبراهيم: 16، 17]، وقال تعالى: {إن المجرمين فى عذاب جهنم خالدون * لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون * وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين * ونادوا يمالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون} [الزخرف: 74 - 77]، وقال تعالى: {مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا جهنم} [الإسراء: 97]، وقال تعالى: {إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا * إلا طريق جهنم خالدين فيهآ أبدا وكان ذلك على الله يسيرا} [النساء: 168، 169]، وقال تعالى: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا فى شك مريب} [الأحزاب: 64، 65]، وقال تعالى: {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خلدين فيهآ أبدا} [الجن: 23]، وقال تعالى: {ومآ أدراك ما الحطمة * نار الله الموقدة * التى تطلع على الأفئدة * إنها عليهم مؤصدة * فى عمد ممددة} [الهمزة: 5 - 9].
والآيات في وصف النار وأنواع عذابها الأليم الدائم كثيرة.
أما الأحاديث فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يؤتى بالنار يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها»، رواه مسلم. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ناركم هذه ما يوقد بنو آدم جزء واحد من سبعين جزءا من نار جهنم، قالوا: يا رسول الله إنها لكافية قال: إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها». وعنه رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا وجبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا حجر أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفا (يعني سبعين سنة) فالان حين انتهى إلى قعرها»، رواه مسلم.
وقال عتبة بن غزوان رضي الله عنه وهو يخطب: «لقد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاما ما يدرك لها قعرا والله لتملأن أفعجبتم؟»، رواه مسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم»، رواه النسائي والترمذي وابن ماجة (1). وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا»، رواه مسلم وللبخاري نحوه.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط هل مر بك نعيم قط؟ فيقول لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك من شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما رأيت بؤسا ولا مر بي من شدة قط»، رواه مسلم. يعني أن أهل النار ينسون كل نعيم مر بهم في الدنيا، وأهل الجنة ينسون كل بؤس مر بهم في الدنيا.
وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت تفتدي به؟ فيقول: نعم، قال: فيقول: قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي»، رواه أحمد ورواه البخاري ومسلم بنحوه. وروى ابن مردويه عن يعلي بن منية وهو ابن أمية، ومنية أمه قال: «ينشيء الله لأهل النار سحابة فإذا أشرفت عليهم ناداهم: يا أهل النار أي شيء تطلبون وما الذي تسألون فيذكرون بها سحائب الدنيا والماء الذي كان ينزل عليهم، فيقولون: نسأل يا رب الشراب فيمطرهم أغلالا، تزيد في أغلالهم وسلاسل تزيد في سلاسلهم وجمرا يلهب النار عليهم».
وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر. ومن مات مدمن الخمر سقاه الله من نهر الغوطة. قيل: وما نهر الغوطة؟ قال: نهر يجري من فروج المومسات يؤذي أهل النار ريح فروجهن»، رواه أحمد (2).
وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن على الله عهدا لمن شرب المسكرات ليسقيه من طينة الخبال. قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار أو عصارة أهل النار». وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقال لليهود والنصارى ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا ربنا فأسقنا فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا، فيتساقطون في النار». قال الحسن: ما ظنك بقوم قاموا على أقدامهم خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة ولم يشربوا فيها شربة حتى انقطعت أعناقهم عطشا واحترقت أجوافهم جوعا، ثم انصرف بهم إلى النار فيسقون من عين آنية قد آن حرها واشتد نضجها.
وقال ابن الجوزي رحمه الله في وصف النار: دار قد خص أهلها بالبعاد، وحرموا لذة المنى والإسعاد، بدلت وضاءة وجوههم بالسواد، وضربوا بمقامع أقوى من الأطواد، عليها ملائكة غلاظ شداد، لو رأيتهم في الحميم يسرحون، وعلى الزمهرير يطرحون، فحزنهم دائم فما يفرحون، مقامهم محتوم فما يبرحون، أبد الآباد، عليها ملائكة غلاظ شداد، يبكون على تضييع أوقات الشباب، وكلما جاد البكاء زاد، عليها ملائكة غلاظ شداد، يا حسرتهم لغضب الخالق، يا محنتهم لعظم البوائق، يا فضيحتهم بين الخلائق، على رؤوس الأشهاد، أين كسبهم للحطام، أين سعيهم في الاثام، كأنه كان أضغاث أحلام، ثم أحرقت تلك الأجسام، وكلما أحرقت تعاد، عليها ملائكة غلاظ شداد.
اللهم نجنا من النار، وأعذنا من دار الخزي والبوار، وأسكنا برحمتك دار المتقين الأبرار، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدا وعلى آله وصحبه أجمعين.
-----------------------
(1) وأخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما.
(2) صححه الحاكم وأقره الذهبي.