إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المجلس الثالث عشر: في آداب قراءة القرآن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المجلس الثالث عشر: في آداب قراءة القرآن

    المجلس الثالث عشر: في آداب قراءة القرآن

    الحمد لله الذي لشرعه يخضع من يعبد، ولعظمته يخشع من يركع ويسجد، ولطيب مناجاته يسهر المتهجد ولا يرقد، ولطلب ثوابه يبذل المجاهد نفسه ويجهد، يتكلم سبحانه بكلام يجل أن يشابه كلام المخلوقين ويبعد، ومن كلامه كتابه المنزل على نبيه أحمد، نقرؤه ليلا ونهارا ونردد، فلا يخلق عن كثرة الترداد ولا يمل ولا يفند، أحمده حمد من يرجو الوقوف على بابه غير مشرد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من أخلص لله وتعبد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي قام بواجب العبادة وتزود، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر الصديق الذي ملأ قلوب مبغضيه قرحات تنفد، وعلى عمر الذي لم يزل يقوي الإسلام ويعضد، وعلى عثمان الذي جاءته الشهادة فلم يتردد، وعلى علي الذي ينسف زرع الكفر بسيفه ويحصد، وعلى سائر آله وأصحابه صلاة مستمرة على الزمان المؤبد، وسلم تسليما.

    إخواني: إن هذا القرآن الذي بين أيديكم تتلونه وتسمعونه وتحفظونه وتكتبونه هو كلام ربكم رب العالمين، وإله الأولين والآخرين، وهو حبله المتين، وصراطه المستقيم، وهو الذكر المبارك والنور المبين، تكلم الله به حقيقة على الوصف الذي يليق بجلاله وعظمته، وألقاه على جبريل الأمين أحد الملائكة الكرام المقربين، فنزل به على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين، وصفه الله بأوصاف عظيمة لتعظموه وتحترموه فقال تعالى: {شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} [البقرة: 185] {ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم الحكيم} [آل عمران: 58] {يأيها الناس قد جآءكم برهان من ربكم وأنزلنآ إليكم نورا مبينا} [النساء: 174] {قد جآءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} [المائدة: 15، 16] {وما كان هذا القرءان أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العلمين} [يونس: 37] {يأيها الناس قد جآءتكم موعظة من ربكم وشفآء لما فى الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} [يونس: 57] {كتاب أحكمت ءاياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} [هود: 1] {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحفظون} [الحجر: 9] {ولقد ءاتيناك سبعا من المثاني والقرءان العظيم * لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين} [الحجر: 87، 88] {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} [النحل: 15] {إن هذا القرءان يهدي للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا * وأن الذين لا يؤمنون بالأخرة أعتدنا لهم عذابا أليما} [الإسراء: 9، 10] {وننزل من القرءان ما هو شفآء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} [الإسراء: 82] {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءان لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} [الإسراء: 88] {مآ أنزلنا عليك القرءان لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى * تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى} [طه: 2 - 4] {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} [الفرقان: 1] {وإنه لتنزيل رب العلمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربى مبين * وإنه لفى زبر الأولين * أو لم يكن لهم ءاية أن يعلمه علماء بنى إسرءيل} [الشعراء: 192 - 197] {وما تنزلت به الشياطين * وما ينبغى لهم وما يستطيعون} [الشعراء: 210، 211] {بل هو ءايات بينات فى صدور الذين أوتوا العلم} [العنكبوت: 49] {إن هو إلا ذكر وقرءان مبين * لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين} [يس: 69، 70] {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا ءاياته وليتذكر أولو الألباب} [ص: 29] {قل هو نبأ عظيم} [ص: 67] {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدى به من يشآء ومن يضلل الله فما له من هاد} [الزمر: 23] {إن الذين كفروا بالذكر لما جآءهم وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [فصلت: 41، 42] {وكذلك أوحينآ إليك روحا من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشآء من عبادنا} [الشورى: 52] {وإنه فى أم الكتب لدينا لعلى حكيم} [الزخرف: 4] {هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون} [الجاثية: 20] {والقرءان المجيد} [ق: 1] {فلا أقسم بموقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون عظيم * إنه لقرءان كريم * فى كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون * تنزيل من رب العالمين} [الواقعة: 75 - 80] {لو أنزلنا هذا القرءان على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون} [الحشر: 21]
    وقال تعالى عن الجن: {إنا سمعنا قرءانا عجبا * يهدي إلى الرشد} [الجن: 1، 2] وقال تعالى: {بل هو قرءان مجيد * فى لوح محفوظ} [البروج: 21، 22].
    فهذه الأوصاف العظيمة الكثيرة التي نقلناها وغيرها مما لم ننقله تدل كلها على عظمة هذا القرآن ووجوب تعظيمه والتأدب عند تلاوته والبعد حال قراءته عن الهزء واللعب.

    فمن آداب التلاوة إخلاص النية لله تعالى فيها لأن تلاوة القرآن من العبادات الجليلة، كما سبق بيان فضلها، وقد قال الله تعالى {فادعوا الله مخلصين له الدين} [غافر: 14]، وقال: {فاعبد الله مخلصا له الدين} [الزمر: 2].

    وقال تعالى: {ومآ أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفآء}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اقرؤوا القرآن وابتغوا به وجه الله عز وجل من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه»، رواه أحمد (1). ومعنى يتعجلونه يطلبون به أجر الدنيا.

    ومن آدابها: أن يقرأ بقلب حاضر يتدبر ما يقرأ ويتفهم معانيه ويخشع عند ذلك قلبه ويستحضر بأن الله يخاطبه فيه هذا القرآن لأن القرآن كلام الله عز وجل.

    ومن آدابها: أن يقرأ على طهارة لأن هذا من تعظيم كلام الله عز وجل، ولا يقرأ القرآن وهو جنب حتى يغتسل إن قدر على الماء أو يتيمم إن كان عاجزا عن استعمال الماء لمرض أو عدم. وللجنب أن يذكر الله ويدعوه بما يوافق القرآن إذا لم يقصد القرآن، مثل أن يقول: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، أو يقول: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

    ومن آدابها: أن لا يقرأ القرآن في الأماكن المستقذرة أو في مجمع لا ينصت فيه لقراءته لأن قراءته في مثل ذلك إهانة له. ولا يجوز أن يقرأ القرآن في بيت الخلاء ونحوه مما أعد للتبول أو التغوط لأنه لا يليق بالقرآن الكريم.

    ومن آدابها: أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند إرادة القراءة لقوله تعالى: {فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطن الرجيم} [النحل: 98] ولئلا يصده الشيطان عن القراءة أو كمالها. وأما البسملة فإن كان ابتداء قراءته من أثناء السورة فلا يبسمل، وإن كان من أول السورة فليبسمل إلا في سورة التوبة فإنه ليس في أولها بسملة. لأن الصحابة رضي الله عنهم أشكل عليهم حين كتابة المصحف هل هي سورة مستقلة أو بقية الأنفال ففصلوا بينهما بدون بسملة وهذا الاجتهاد هو المطابق للواقع بلا ريب إذ لو كانت البسملة قد نزلت في أولها لبقيت محفوظة بحفظ الله عز وجل لقوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9].

    ومن آدابها: أن يحسن صوته بالقرآن ويترنم به، لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أذن الله لشيء (أي ما استمع لشيء) كما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به». وفيهما عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه صلى الله عليه وسلم. لكن إن كان حول القارئ أحد يتأذى بجهره في قراءته كالنائم والمصلي ونحوهما فإنه لا يجهر جهرا يشوش عليه أو يؤذيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض في القرآن»، رواه مالك في الموطأ. وقال ابن عبدالبر: وهو حديث صحيح.

    ومن آدابها: أن يرتل القرآن ترتيلا لقوله تعالى: {ورتل القرءان ترتيلا} [المزمل: 4] فيقرأه بتمهل بدون سرعة لأن ذلك أعون على تدبر معانيه وتقويم حروفه وألفاظه. وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كانت مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم، وسئلت أم سلمة رضي الله عنها عنها عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كان يقطع قراءته آية آية، بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم الرحيم * مالك يوم الدين، رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لا تنثروه نثر الرمل ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة. ولا بأس بالسرعة التي ليس فيها إخلال باللفظ بإسقاط بعض الحروف أو إدغام ما لا يصح إدغامه. فإن كان فيها إخلال باللفظ فهي حرام لأنها تغيير للقرآن.

    ومن آدابها: أن يسجد إذا مر بآية سجدة وهو على وضوء في أي وقت كان من ليل أو نهار، فيكبر للسجود ويقول: سبحان ربي الأعلى، ويدعو، ثم يرفع من السجود بدون تكبير ولا سلام، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون السجود في أثناء الصلاة فإنه يكبر إذا سجد وإذا قام، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع ويحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، رواه مسلم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في كل رفع وخفض وقيام وقعود، رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه. وهذا يعم سجود الصلاة وسجود التلاوة في الصلاة.

    هذه بعض آداب القراءة، فتأدبوا بها واحرصوا عليها وابتغوا بها من فضل الله.

    اللهم اجعلنا من المعظمين لحرماتك، الفائزين بهباتك، الوارثين لجناتك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    --------------------------------
    (1) إسناده حسن.
    التعديل الأخير تم بواسطة أم ياسمين السلفية; الساعة 2016-06-19, 04:38 PM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
يعمل...
X