يسر إخوانكم المشرفين على قناة حلق مسجد القدس
أن يقدموا لكم هذه المادة الصوتية المفرغة
أَبْوَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْإِمَامَةِ
بَاب فَضْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي جَمَاعَةٍ
بَاب فَضْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي جَمَاعَةٍ
هذا من باب ذكر العام ثم الخاص ، باب فضل صلاة الجماعة عموما ، بالنسبة لكل الصلوات ، هذه الصلاة التي ظهر لنا بأدلة الكتاب و السنة و الإجماع و النظر أنها واجبة على الأعيان ، ممن تجب عليهم حتى نخرج النساء و نخرج أصحاب الأعذار ، و من هؤلاء من لا يستطيع حضورها لأجل مرض أو لأجل سفر و هذا مما رخص له بتركها .
ثم ذكر فضلها و الرد على من جعل أحاديث فضلها دليل على عدم وجوبها ، ثم أتبع هذا بفضل الصلاة العظيمة المشهودة عند الله تبارك و تعالى ، وهي صلاة الفجر ، التي هي أثقل الصلاة على المنافقين بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى أله و سلم ، وبدأنا بالحديث الأول و هو حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
قال الإمام البخاري :
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَفْضُلُ صَلاَةُ الجَمِيعِ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ، بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا، وَتَجْتَمِعُ مَلاَئِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]
شرح الحديث :
- [ أبو اليمان ] شيخ الإمام البخاري و هو الحكم بن نافع ؛
- [ أخبرنا شعيب ] شعيب بن أبي حمزة رحمة الله عليه ؛
- [ عن الزهري ] الزهري الإمام محمد بن مسلم الزهري رحمة الله تبارك و تعالى عليه ، إمام من أئمة التابعين الكبار ؛
- [ أخبرني سعيد بن المسيب و أبو سلمة بن عبد الرحمن ، أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال : سَمِعْت رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُول ] قول الراوي سمعت ، هذه عند علماء الحديث ، تعتبر أقوى ألفاظ التحمل المعروفة ( حدثنا و أخبرنا و قال و عن .. ) ، أقواها على الإطلاق قوله سمعت ، معناها سمع منه مباشرة ؛
- [ يقول : تفضل صلاة الجميع صلاة أحدكم ] المقصود بصلاة الجميع ، صلاة الجماعة لأن هذا الواجب فيها ، أن الجميع يصلونها صلاة واحدة وراء إمام واحد في مسجدهم ، وما بنيت المساجد و ما أمر الله تبارك و تعالى و أذن بإقامتها و بنائها إلا لأجل هذا الأمر العظيم ، و هذا دليل على عظمة هذه الصلاة و عظيم شأنها عند الله تبارك و تعالى ، الله عز و جل خصص لها مكانا من دون سائر بقاع الأرض ، هو خاص بها ، هذا المكان زاده الله عز وجل على تشريفه و تعظيما بأن نسبه إليه ، فيسمى بيت الله ، ونسبة الشيء إلى الله تبارك و تعالى إذا كان مما هو منفصل عنه ، و هذه النسبة نسبة تشريف و تعظيم عند العلماء ؛
- [تفضل صلاة الجميع صلاة أحدكم وحده ] هذه الرواية فيها زيادة هذا اللفظ الذي فيه زيادة الفائدة ، و القاعدة المستمرة معنا مع صنيع هذا الإمام ، في هذا الكتاب العظيم أنه يتميز بتكرار إعادة ذكر الحديث أو إخراجه في مواطن عدة ، ومن أعز الفوائد في هذا التكرار ، أنه لا يكرر حديثا من أحاديثه من دون زيادة فائدة ، سواء كانت أو تعلقت بسند أو تعلقت متن ، و هذا الإستقراء و التتبع لمن نذر نفسه و تفرغ لهذا الصحيح ،و قضى سنوات من عمره في دراسته و شرحه حتى أخرج للأمة كتابا عظيما ، شرحا على هذا الكتاب العظيم ... الذي شهد له به الأئمة الأعلام و العلماء الأفذاذ بأنه لا فتح بعد الفتح ، فلا يوجد شرح أفضل منه .هذا معرفة لقدر و إعطاء الصدارة لهذا الكتاب " فتح الباري للحافظ ابن حجر " و لو كتب الله تبارك و تعالى طول عمر للحافظ ابن رجب الحمبلي - عليه رحمة الله – و أتم شرحه العظيم المبارك على صحيح البخاري ما كان ليدانيه لا الفتح لابن حجر و لا غيره من شروح الصحيح ، هذا الكتاب العظيم الذي ألفه هذا الإمام السلفي الذي جمع في طياته فوائد عظيمة عزيزة ، لا تكاد تجدها في غير هذا الكتاب ، فرحمة الله تبارك عليهم أجمعين ، على المصنف صاحب الصحيح ، و على شراح كتابه من الأئمة الأعلام من أمثال هاذين الإمامين ؛
- [صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءاً] الجزء و الدرجة بمعنى واحد ؛
- [وتجمتع ملائكة الليل و ملائكة النهار فِي صلاة الفجر] هذا فيه إثبات مسألة من المسائل الإيمانية العقدية ، مسألة تحت ركن من أركان الإيمان ... الإيمان بالملائكة ، ومما يجب علينا أن نؤمن به أن الملائكة موكّلة بوظائف عدها ، الله تبارك و تعالى وكّل كل طائفة من ملائكته بأعمال و أعمالهم عظيمة ، لا يعلم عظمها إلا العظيم المتعال تبارك و تعالى ، من ملائكة الرحمن تبارك و تعالى ملائكة موكلة بحفظ العباد ... ملائكة موكلة بكتابة أعمال العباد ، يكتبون أعمالهم و ما صدر عنهم ، هذه الملائكة الموكلة بهذا الأمر تتعاقب علينا ، بمعنى الأول يأتي منها في وقت من أوقات اليوم وهو وقت صلاة الفجر ليبقى ملازما لنا ، قائم بوظيفته التي كلفه الله جل و علا بها أتّم القيام إلى صلاة العصر ، ثم يأتي أخوه الثاني ( الأخوة هنا ليست أخوة في النسب و إنما قصد بها الشيخ أخوة الجنس كأن نقول مثلا هذا الكتاب أخ لهذا ، أجاب حفظه الله تعالى عن سؤال السائل فيما معناه بعد نهاية المجلس ) ، الملك الثاني الموكل بنا لكل واحد منا ويصعد الأول إلى ربه تبارك و تعالى ، و يبقى هذا الثاني في وظيفته و على عمله حتى صلاة الفجر ، و هكذا منذ أن يأمر الله تبارك و تعالى لهذه الملائكة بعبد من عباده ، و هذا هو عملهم حتى يلقى ربه تبارك و تعالى ، و هذه المسائل المتعلقة بالغيب واجب علينا أن نؤمن بها ، إيمانا يقينيا و لا نشك في ذلك قدر أنملة ، و الشك نوع من أنواع الكفر بما أوجب الله تبارك و تعالى الإيمان به ، و هذا مما أوجب .
يتعجب ربما أحدنا بالنظر إلى عدد البشر ، منذ أن خلق الله آدم إلى أن يرث الأرض و من عليها ، يقول : هذه الملائكة كم هو عددها ، حتى تقوم بهذه الأعمال كلها !؟ .. مع العلم هذه طائفة من الملائكة و ليست كل الملائكة ، لا بد أن ترجع إلى نصوص الوحي في هذا الباب ، لتعلم علم اليقين أن هذا العدد الهائل الذي لا يعلمه إلا الله تبارك و تعالى ، يكفي أن تأخذ صورة عنه حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ، في وصف بيت العزة الذي في السماء ، و الذي هو بالنسبة لأهل السماء كالبيت الحرام بالنسبة لمؤمني أهل الأرض في التعظيم له و العبادة عنده طاعة لله عزّ وجل ، أن هذا البيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يدخلون هذا البيت يوميا و من دخله لا يرجع إليه إلى يوم القيامة ، و العمل على هذا مستمر منذ أن خلق الله تبارك و تعالى بيت العزة و خلق الملائكة ، و خلق هؤلاء قبل خلق بني آدم بكثير .
هذه الأمور الغيبية يا إخوان دائما و أبدا لا ينبغي لك ، أن تفكر في إعمال عقلك فيها ، تعمل عقلك تدبرا : نعم .. تفكرا في عظيم خلق ربك : نعم ، أما من حيث الإيمان و التصديق ، الواجب أن تعمل قلبك فقط ، و تؤمن الإيمان الجازم أن هذا حق و إنه و الله { إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } [الذاريات: 23] ، كما قال ربنا تبارك و تعالى .فالحديث فيه إثبات لطائفة من ملائكته الموكلة بوظيفة من هذه الوظائف ؛
- [في صلاة الفجر] هذا الإختيار فيه زيادة فضيلة ، وفيه زيادة تشريف لهذه الصلاة بالذات ، ومحافظة المؤمن على هذه الصلاة في الجماعة ينال بها شهادة عظيمة عند الله تبارك و تعالى ، تصور يا عبد الله .. يا مؤمن .. يا موفق لمثل هاتين الصلاتين : أنك منذ أن أكرمك الله تبارك و تعالى بعبادته ، ملكين من ملائكة الرحمن يشهدان لك عند الله أنهم أتوك و أنت في صلاة وتركوك و أنت في صلاة ، تصور هذا العمر و كل واحد فينا على حسب عمره ، الملك يشهد عند الله .أتيناهم بنص حديث رسول الله :" فيقولون: تركناهم وهم يصلُّون، وأتيناهم وهم يُصلُّون " أيّ فضل هذا ، نسأله تبارك و تعالى أن لا يحرمنا و أن يوفقنا لمثل هذه الخيرات .
هذا فيه أول فائدة نستفيدها و من أجلها أخرج الإمام البخاري هذا الحديث عند هذه الترجمة ، فضل هذه الصلاة ... فضل الصلاة في تعاقب الملائكة علينا فيها ؛
- [ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}] فضل آخر ذكره بعد ذلك أبو هريرة رضي الله عنه ، وهذا يسمى في الحديث : إدراج ، يعني زيادة تكون في المتن ، ليست من قول النبي عليه الصلاة و السلام إنما من قول الصحابي الراوي ، هذا يسمى في علم الحديث : إدراج ، فقول أبي هريرة : فاقرؤوا إن شئتم : {إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} من هذا القبيل في معناه دليل الحديث ، و قرآن الفجر المقصود به صلاة الفجر ، وما نسبت القراءة إلى هذه الصلاة إلا للقراءة فيها كما ذكر ذلك أهل العلم ، لكن في الحقيقة هذا ليس قويا .. أقوى منه ما ذكره بعضهم بأن السنة في قراءة الفجر ، أنها من الصلاة التي كان النبي صلى الله عليه و على آله و سلم يطيل فيها بالقراءة أكثر من غيرها ، جاء هذا مجملا و مفصلا .. مجملا ما جاء في الصحيح من حديث أبي برزة رضي الله عنه أنه : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصُّبْحَ وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلِيسَهُ ، وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ " آية في صلاة الفجر ، وجاءت أحاديث أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرا بالطور ، و جاء بسورة ق و غيرها أحاديث كثيرة في هذا الباب ، هناك رسالة لبحث أحد الأساتذة سماه : الأحاديث النبوية في القراءة في صلاة الفجر .بحث خاص بهذه المسألة ، لأن ما روي فيه من الأحاديث خاصة في صلاة الفجر لم يروى في غيره من الصلوات الأخرى . فلما كان النبي عليه الصلاة و السلام يطيل في قراءة القرآن ، الله تبارك و تعالى وصف هذه الصلاة بأنها قرآن {إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} .
فوائد الحديث :
1 – فيه دليل على فضل صلاة الجماعة ، وقد مر معنا هذا على اختلاف الروايات التي أكثرها بذكر الخمس و العشرين و حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في ذكر السبع و العشرين درجة ، هناك من أئمة شراح الحديث ابن بطال عليه رحمة الله يذكر أن فارق الروايتين ، في الدرجتين الزائدتين هما في اجتماع الملائكة في هاتين الصلاتين الفجر و العصر ، فلأجلهما زيدت هاتين الدرجتين . هذا قوله و اجتهاده رحمه الله و هو من جهة له وجه لا شك في ذلك و لا ريب .
2- فيه دليل على أن الملائكة الحفظة يجتمعون في صلاة الفجر و في صلاة العصر ؛
3- فيه دليل على ما ترجم له الإمام البخاري عليه رحمة الله من الفضل العظيم لصلاة الفجر ؛
4- فيه دليل على أن المقصود بقرآن الفجر هي صلاة الفجر ، و هذا الحديث أخرجه كذلك البخاري في كتاب التفسير لأجل هذه الفائدة .
تعليق