إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الصراع بين الرُّقَّاع و المُخرِّقين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الصراع بين الرُّقَّاع و المُخرِّقين

    بـــسم الله الرحمن الرحيـــم

    بعد تمام عملنا الفريد ، في ذلك المكان البعيد ، و الزّمهرير الشّديد ، و الإحتباء فوق الحديد .
    جلسنا حول حُفَيرةٍ صغيرة فيها نارٌ تلتهب ، تُظِلُّها أيادٍ تضطرب ، و عن يمينها جمرٌ يتَّقِد ،تربّع فوقه إبريقٌ يرتعد ، و قد خرجت الرّغوة من فيه ، و أعلن النّكير عمّا هو فيه .
    فامتدت يدُ صاحبنا لتُغيثَه من لفح النّار ، فانفرج إبِطُه عن خَرْقٍ كالغار ،فوضعه قُدّامه ، و رَصَف الكؤوس أمامه .
    ناداه المُكلَّفُ بالأعمال ، و عاتبه على الإهمال ، و ثيابه على تلك الحال ، فقال و هو خجلان ، إنّني من كثرة الرَّتْق تَعبان ، و في هذا الأمر حيران .
    فوثب إلى الخاطر في الواقع ، قولهم : اتّسع الخرق على الرّاقع .
    ثُمّ بدا لي أن الخُروق لا تحدُث بنفسها ، بل لا بُدّ لها من مُحدث .
    فتذكّرت حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [[ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ]] رواه البخاري (2697) ومسلم (1718)
    و جد النّبع صافيا ، فولج فيه حافيا ، و اضطربت فيه رجلاه ، و عبثت بطينه يُمناه .
    فأحاله كالحمإ المسنون و اللّبإ المدفون ، لا يروق لوارد شربه و لا لناظر شكله .
    و تذكّرت الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه (1978) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولفظه : [[ لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ ]]
    نعم لا بُدّ لكل خَرْقٍ من مُحدِثٍ .
    ثُمّ تذكّرتُ أنّ إحداث الخَرْقِ أمرٌ أخبر به الصّادق المصدوق صلوات الله عليه و سلامه ، فقد جاء عن النُّعْمَان بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [[ مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا ]] رواه البخاري (2493).
    هما صنفان أهل عُلوٍّ و أهل سَفال ، أرباب حق و أصحاب مُحال ، امتطوا سفينة الفوز و النّجاة ، خشبها السُّنة و شراعها الآيات ، تجري بهم في بحر من الظلمات ، أمواجه الشرك و الشّهوات .
    فرغب الأسفلون عن مكانهم ، و كاشفوا الآخرين بعَدائهم ، و راموا تخريق البدن و تمزيق الشراع ، فتدافع الأعلون من كل قاع ، ليُطفئوا فورة هؤلاء الأشياع
    و هذا هو الصِّراع بين أهل الحقِّ و أهل الباطل ، قومٌ يُخَرِّقون و قوم يُرَقِّعون .
    ثُمّ انجلت لي حقيقة و هي :
    مادام أصحاب المَخايِطِ و الخيوط البيض ، يُعمِلون أناملهم لِرَتق الخروق ، بكل قوة و عزيمة دون كلال أو ملل ، فإن الثّوب لاخوف عليه .
    المُخَرِّقون بأيديهم المَشَارِطُ و المُدَى يتتبعون بها محاسن الثّوب و مَقاتِل المَثوب .
    المعاصي مِشرط ، البدع مُدْيةٌ ، الشرك و الكفر سُيوف و رِماح ، و كُلها مُشرَعةٌ و مُعدَّة لتمزيق هذا السِّترِ الحصين و إحالته إلى أسمال بالية لا تَستر عورة و لا تَردُّ نظرةً
    الرَّاتقون أهلُ الحق في صراعهم مع المُخرِّقين أهل الباطل .
    هم حماة الثغُور و بُناة السّور ، و عُمّار الدُّور و ثلجُ الصّدور ، هم مفاتيح الخير مغاليق الشّرّ ، هم الأصداف في أكنافها الدُّر .
    فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ: [[إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ ]] .حسنه الألباني صحيح الجامع : (2223)
    و لذا فكثرة الرُّقَّاع و الرَّاتقين حائلة ــ بفضل الله تعالى ــ دون اتِّساع الخرق .
    فاجتهد أخي ألا تكون من المُخرِّقين و المُحدِثين و أصحاب السّفينة الأسفلين ، و كثِّر سواد الخيَّاطين و البحَّارة الأَعْلَين .
    فقلت : و أين يقعُ خَرُق إبط صاحبنا من شَقْصِ إصْرِ دينِنا .
    أبو عاصم مصطفى بن محمد
    السُّلمي
    تبلبالة ضحى يوم الإثنين الثاني و العشرين ربيع الثاني 1437 هـ

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عاصم مصطفى السُّلمي; الساعة 2016-04-05, 10:30 AM.

  • #2
    فاجتهد أخي ألا تكون من المُخرِّقين و المُحدِثين و أصحاب السّفينة الأسفلين ، و كثِّر سواد الخيَّاطين و البحَّارة الأَعْلَين .

    تعليق

    الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
    يعمل...
    X