إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

صفات الراسخين في العلم ولزوم غرزهم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صفات الراسخين في العلم ولزوم غرزهم

    <بسملة1>



    الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين،وعلى آله وصحبه أجمعين،أما بعد:
    فإن مما يعتني به طالب العلم أن يتصف بصفات الراسخين ،ويهتم بذلك،حتى يدرك العلا،وكلما علت همته،وقويت عزيمته حرص على السير في طريق أولئك الأخيار،وركب سفينتهم،وسلك سبيلهم،وتخلق بأخلاقهم،وفي هذه الكلمة عرض لصفات الراسخين في العلم،أسأل الله تبارك وتعالى أن يفتح علينا الرسوخ في العلم إنه جواد كريم.


    لقد ذكر الله تعالى صفات الراسخين في العلم في كتابه الكريم فقال:( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9))

    فتضمنت الآية ذكر حال الراسخين في العلم بأمور:

    1-الراسخ في العلم متمكن من علمه،عنده علم رسخ في قلبه وتمكن من نفسه،فيتكلم في العلم بعمق وفهم وإدراك وبصيرة،لا بثقافة وسطحية،والرسوخ يتضمن العلم وزيادة قال العلامة ابن عثيمين استنباطا لفوائد الآية:(فضيلة الرسوخ في العلم،وهو الثبات فيه والتعمق فيه،حتى يصل إلى حذوره،لقوله:والراسخون في العلم يقولون آمنا به،ضد الرسوخ في العلم السطحية في العلم،وما أكثر السطحية اليوم فينا،أكثر الناس اليوم علومهم سطحية،ولهذا تجدهم إّذا ألفوا أو كتبوا يكثرون من النقول،بسبب أنه ليس عندهم حصيلة علمية،فيجعل نفسه في حل من الكلام،وأما أهل العلم حقا فتجدهم يتكلمون بالعلم من صدورهم بدون نقل،ولهذا عباراتهم أحيانا تخالف عبارات العلماء الآخرين،ومن أوضح ما يكون كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم،تجد أنهما يتكلمان عن علم راسخ،وأمثالهما كثير).تفسير القرآن ج2ص29

    ويتفرع على هذه الفائدة أنه ينبغي على طلبة العلم أن يعتنوا بالرسوخ الذي يكون فيهم ملكات قوية تحمع المثيل إلى مثيله،والنظير إلى نظيره،وتجعله يقيس ما لم ينص على ما نص عليه،قال الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-:(أنه ينبغي للإنسان أن يحرص أن يكون راسخا في العلم،لا جامعا كثيرا منها،لأن العبرة بالرسوخ في العلم،لأن الإنسان إذا كان عنده الرسوخ في العلم صار عنده ملكة يستطيع أن يقرب العلم بعضه من بعض،ويقيس ما لم ينص عليه على ما نص عليه،ويكون العلم لديه كالطبيعة الراسخة) تفسير القرآن ج2 ص29.
    تأملوا معاشر الإخوة كيف وصف الشيخ حال الملكة والرسوخ بأنها تصير طبيعة في الشخص يتكلم في العلم بكل أريحية وانشراح وتأصيل وتقعيد وتفريع لأنه تمكن من العلم تمكنا بالغا والله المستعان،وانظروا إلى بالغ الضرر حينما ينتشر العلم على سبيل الثقافة والسطحية لا على سبيل الرسوخ وأنه يؤدي إلى الفوضى والشدود في الآراء والأقوال،ولهذا من وصايا الشيخ-رحمه الله التي يكررها على طلابه فيقول:(ومن ثم كنت أقول دائما لطلاب العلم:احرصوا على قواعد العلم وضوابط العلم،وذلك لان الجزئيات لا حصر لها،كل يوم يخرج على الناس معاملة جديدة أو حدث جديد في العبادات لا يمكن للإنسان أن يحكم عليها حكما صحيحا إلا إذا كان عنده حكما صحيحا إلا إذا كان عنده قواعد وأصول يلحق هذه الجزئيات بأصولها وقواعدها،أما أن يأخذ العلم مسألة مسألة،فهو كالذي يلقط الجراد من الصحراء يتعب ولم يملأ الكيس،لكن الإنسان الذي يحرص على القواعد هذا الذي بإذن الله يدرك العلم)تقسير القرآن ج3ص553.

    2-من علامة الراسخ أنه يؤمن بالمحكم والمتشابه وأنه كله من عند الله،بل يرجع المتشابهات إلى المحكمات قال العلامة ابن السعدي-رحمه الله-:(ولهذا وصف الله الراسخين في العلم بأنهم يؤمنون بمحكم الآيات ومتشابهها, ويردون المتشابه المحتمل للمحكم الصريح, فيؤمنون بهما جميعا, وينزلون النصوص الشرعية منازلها, ويعلمون أنها كلها من عند الله, وأنها كلها حق, وإذا ورد عليهم منها ما ظاهره التعارض اتهموا أفهامهم, وعلموا أنها حق لا يتناقض; لأنه كله من عند الله, ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) المواهب الربانية من الآيات القرآنية ص19،فلا تعجبوا معاشر الإخوة بعد ذلك أن تروا العالم الرباني يثبت في زمن الفتن وكثرة المتشابهات التي يرجعها إلى المحكمات،وأما صغير العلم فيضطرب ويتخبط إذا لم يحكم هذا الأمر ويرجع إلى الراسخين.


    3-من صفات الراسخين أنهم يتضرعون إلى الله أن يعافيهم من طرق الزائغين،وهم في ذلك معترفين لله بالفضل والنعمة والمن بأن هداهم واصطفاهم،طالبين منه تبارك وتعالى أن يهب لهم من لدنه رحمة تدفع المرهوب وتجلب لهم المرغوب مؤمنين بالبعث بعد الموت،وبالجمع في اليوم الذي لا ريب فيه الذي يرسخ فيهم اليقين للتزود بالعمل الصالح قال ابن السعدي-رحمه الله-وهو يعدد صفات الراسخين :( الرابعة: أنهم سألوا الله العفو والعافية مما ابتلي به الزائغون المنحرفون، الخامسة: اعترافهم بمنة الله عليهم بالهداية وذلك قوله {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} السادسة: أنهم مع هذا سألوه رحمته المتضمنة حصول كل خير واندفاع كل شر، وتوسلوا إليه باسمه الوهاب، السابعة: أنه أخبر عن إيمانهم وإيقانهم بيوم القيامة وخوفهم منه، وهذا هو الموجب للعمل الرادع عن الزلل) تفسير ابن السعدي ص121

    4-من صفات الراسخين في العلم أنهم يعتنون أيما اعتناء بطهارة قلوبهم وسلامتها من الزيغ،وقد قابل الله بين الذين في قلوبهم الزيغ قد أحاط بهم من كل جانب أورثهم انحرافا في اتباع المتشابه لأغراض خسيسة ومقاصد دنيئة وبين الراسخين الذين طهرت قلوبهم وسلمت أفئدتهم من الزيغ،بل هي طاهرة نقية من كل مرض وخبث،فمن العلم العظيم المبارك الذي يعتني به طالب العلم علم يتعلق بطهارة قلبه ونقائه من هذه الدسائس،ولقد كان الشيخ العلامة ابن عثيمين كثير اللهج بهذا العلم،حيث كان يوصي طلابه والعامة من الناس في مجالس بيت الله الحرام مرارا بهذا الأمر وهو مراقبة القلب وما يدخل عليه من أمراض فإن المرء لا يزال متهاونا بمعرفة مرض قلبه حتى ينطوي على الدسائس التي تخرج عليه يوما ما فتهلكه،ومن المنظومات الجميلة في هذا الباب ما نظمه الإمام سليمان بن سحمان في هذا الموضوع بعنوان منظومة في علامات صحة القلب،ومن ضمن ما قاله:
    فللقلب السليم إذا تزكى علامات هنالك للكمال
    وذكرها -رحمه الله- ثم قال:
    فست مشاهد للقلب منها علامات عن الداء العضال
    ويشهد منة الرحمان يوما بما أسدى عليه من لافضال
    ويشهد منه تقصيرا وعجزا بحق الله في كل الخلال
    فقلب ليس يشهدها سقيم ومنكوس لفعل الخير قالي

    5-من صفات الراسخين في العلم علمهم باليوم الآخر وما يكون فيه من أهوال وأخطار وعظائم،فيحملهم على ترك متاع الدنيا والركون إليها،ويحملهم على الإستعداد ليوم اللقاء،فقوة علمهم الذي أخذوه من براهين اليوم الآخر المتنوعة التي ذكرها الله في كتابه في غير ما آية أورثت لهم اليقين الذي به يعرفون حقيقة الدنيا ويصبرون به على ما في هذه الحياة قال الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله:(إنَّ من العلوم الضرورية للعبد في هذه الحياة ؛ علم الآخرة ، علم الجزاء والحساب ، علم الوقوف بين يدي الله جل في علاه ، وما يكون في ذلك اليوم من أهوالٍ وأحوال وأمور ينبغي على العبد أن يكون على علم بها ودراية ليعد لذلك اليوم عدته وليهيئ له عمله ، ولئلا يندم في موطن لا ينفع فيه الندم {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ}[البقرة:197].) من خطبة بعنوان تطاير الصحف
    فلا تغفلوا معاشر الإخوان هذا العلم المبارك واجتهدوا في تحصيله،وتنميته في قلوبكم في معرفة براهينه وأدلته بالتدبر لكلام الله تبارك وتعالى

    6-من صفات الربانيين أنهم يربون الناس على شريعة الله بالعلم والدعوة والعبادة والإخلاص لا أن يتعلقوا به ويتعصبوا لهم ولأقوالهم قال الشيخ العلامة ابن عثيمين-رحمه الله- وهو يعدد فوائد قوله تعالى:(ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون):(الإشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يكون معلما ربانيا،لقوله:(ولكن كونوا ربانيين) أما ما يحصل من بعض الناس وهو أن يكون معلما لا ربانيا،فإن علمه قاصر جدا،لأن فائدة العلم وثمرته هي العمل والتأدب بآداب العلم،فإذا كان الرجل بملأ أدمغة الطلاب علما ولكن ليس سلوكا وأخلاقا وأعمالا وعبادة،فإن تعليمه ناقص جدا)تفسير القرآن ج2ص260

    7-من صفاتهم أنهم يعظمون النصوص الشرعية،ولا يتركونها لمصالح مزعومة لا أساس لها من الصحة،كما هو حال الأدعياء الذين يقدمون مصالحهم الشخصية على حساب دين الله تبارك وتعالى،قال العلامة ابن السعدي-رحمه الله-:(ومن صفاتهم التي وصفهم الله بها: أنهم يدورون مع الحق أينما كان,ويطلبون الحقائق حيثما كانت, ولهذا وصف الله الراسخين من أهل الكتاب يؤمنون بما أنزل الله على جميع أنبيائه, ولا يحملهم الهوى على تكذيب بعض الأنبياء وبعض الحق فقال تعالى:(لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) النساء المواهب الربانية ص19

    هذه بعض صفات أولئك الأخيار،تجعل المرء -بإذن الله- عارفا بقدر نفسه عالما بقدر أهل الرسوخ في العلم،تهديه هذه المعالم لسلوك دربهم والتمسك بطريقهم،ولزوم غرزهم،جعلنا أجمعين من الموفقين السائرين على طريق الراسخين إنه سميع مجيب
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2018-01-22, 10:13 AM.

  • #2
    في لقاء الجمعة السادس عشر الذي يعقده الشيخ الفاضل د عبد الله البخاري -جفظه الله-سئل كيف يكون الطالب راسخا في العلم د39:
    قال السائل،هو سؤال يعني قصير في ورقة صغيرة،لكنه الجواب عليه يحتاج إلى طول وطول شوف السؤال:كيف يكون الطالب راسخا في العلم؟هذا هو السؤال،كيف يكون راسخا في العلم؟إذا كنت تريد أن تكون راسخا الجواب مطول جدا،لكن أختصر لك في نقاط،إذا أردت أن تكون راسخا في العلم لا بد أن تعرف-بارك الله فيك-أن طلب العلم عبادة وأن تستحضر هذا وتجعله بين عينيك حتى تقوم بهذه العبادة على وجهها الصحيح،واضح؟وأس الأمر الإخلاص لله جل وعلا في طلب العلم،لو جمعت جميع علوم الآلة وغيرها من العلوم ولم تكن مخلصا لله،ما نفعك ولا رسّخك ذلك في العلم،لأن الفاقد للشرط الأساس والركن المهم في هذا الباب ثم الاجتهاد في الطلب،الاجتهاد في طلب العلم وهذا يتمثل في أمور:

    أولها التدرج في طلب العلم

    ثانيا:التدرج أو يسبق هذا طبعا لا أسوقها على نسق الترتيب لكن بعضها يقدم بعضها يؤخر،التدرج في الفن الواحد.

    ثالثا:التدرج في الفنون ولا يغيب عنك ضرورة العمل بالعلم لأن العلم يراد للعمل كما أن العمل يراد للنجاة –بارك الله فيك-ولتعلم أنك ما تتعلم إلا لترفع الجهل عن نفسك فتعبد الله على بصيرة ،وتنذر عشيرتك الأقربين ،وتبين الحق للخلق بما أتاك الله من علم شيئا فشيئا وتستن في هذا السبيل وهو :

    رابعا في طريق الطلب والتحصيل بطريقة علماء السنة،فلن تكون راسخا في السنة والعلم إذا خرجت عن سننهم وطريقتهم في التعلم والتعليم،فهمتم هذا –بارك الله فيكم-وإلا فالرسوخ في العلم منزلة عليا،نسأل الله بمنه وكرمه أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين.
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو الحسن نسيم; الساعة 2016-01-25, 09:09 PM.

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا أخي نسيم - وفقك الله ونفع بك -

      تعليق


      • #4
        جزاك الله خيرا اخونا الفاضل أبو الحسن
        وبارك فيك و نفع بك وبما تقدم .

        تعليق


        • #5
          بارك الله فيكما،سررت بمروركما وتشجيعكما،نسأل الله أن يجعلنا جميعا من الراسخين في العلم المتمكنين فيه إن ربنا لسميع الدعاء.

          تعليق


          • #6
            جزاك الله خيرًا أخي نسيم على ما تكتبه، وفقك الله لمزيد من المقالات النافعة.

            تعليق


            • #7
              جزاك الله خير الجزاء، جمع طيِّب موفَّق، أسأل الله تعالى أن يزيدك علمًا وعملًا، وأن ينفع بك إخوانك أيُّها الأخ الفاضل، آمين..

              تعليق


              • #8
                بارك الله فيكما على المرور،أسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضى.

                تعليق

                الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
                يعمل...
                X