إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ثلاثة إجماعات غفل عنها الناس فانقسموا إلى أحزاب وجماعات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ثلاثة إجماعات غفل عنها الناس فانقسموا إلى أحزاب وجماعات

    بسم الله الرحمن الرحيم

    لا شك أن الإجماع من الأدلة التي لا يجوز مخالفتها، ويعتبر مخالف الإجماع عاصيا لله ورسوله، لقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }[النساء:115]، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" رواه أحمد في مسنده.
    ومن الإجماعات التي غفل عنها الناس وخالفها أهل الأهواء والبدع - من حيث يدرون أو لا يدرون-، ونتج عن ذلك الفتن والقلاقل والقتل وغيرها من الدواهي التي مزقت الأمة وأردتها إلى هوة سحيقة إلا ما شاء الله :
    - الإجماع على اتباع منهج السلف.
    - الإجماع على تفسير قوله تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }[ المائدة: 44].
    - الإجماع على تحريم الخروج على الحكام المسلمين.
    وهذا غيض من فيض من أقوال الأئمة الذين نقلوا لنا الإجماع على هذه الأمور الثلاثة:
    1- الإجماع على اتباع منهج السلف:
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لايكون إلا حقاً. مجموع الفتاوى: 4/149
    2- الإجماع على تفسير قوله تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }[ المائدة: 44]:
    قال ابن عبد البر : "وقد ضلَّت جماعة من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة في هذا الباب... واحتجوا من كتاب الله بآيات ليست على ظاهرها مثل قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}... وروي عن ابن عباس في قول الله عز وجلَّ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قال ليس بكفر ينقل عن الملة ولكنه كفر دون كفر" التمهيد: 17/16
    وقال: "وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْجَوْرَ فِي الْحُكْمِ مِنَ الْكَبَائِرِ لِمَنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ عَالِمًا بِهِ رُوِيَتْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ شَدِيدَةٌ عَنِ السَّلَفِ..." التمهيد: 5/74.
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ اللهُ: "وإذا كان من قول السلف: إن الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق، فكذلك في قولهم: إنه يكون فيه إيمان وكفر ليس هو الكفر الذي ينقل عن الملة؛ كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قالوا: كفروا كفرا لا ينقل عن الملة، وقد اتبعهم على ذلك أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة". مجموع الفتاوى: 7/312.
    3 - الإجماع على تحريم الخروج على الحكام المسلمين.
    قال محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله:
    لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم، أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر، لقيتهم كراتٍ قرنًا بعد قرن ،ثم قرنًا بعد قرن ،أدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ست وأربعين سنة، أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين ،والبصرة أربع مرات في سنين ذوي عدد، الحجاز ستة أعوام ، ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدثي أهل خراسان ...فما رأيت واحدًا منهم يختلف في هذه الأشياء ... وذكر: وألا ننازع الأمر أهله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :"ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، وطاعة ولاة الأمر ولزوم جماعتهم؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم" ،ثم أكد في قوله:" {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} : وألا يرى السيف على أمة محمد." شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" للالكائي: 1/193
    وقال الإمام أحمد بن حنبل-رحمه الله- :
    " هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بعروقها المعروفين بها المقتدي بهم فيها من لدن أصحاب النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا، وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عَنْ منهج السنة وسبيل الحق... إلى أن قال بعد ذكر جملة من العقائد: والجهاد ماض قائم مع الأئمة بروا أو فجروا لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، والجمعة والعيدان والحج مع السلطان وإن لم يكونوا بررة عدولا أتقياء، ودفع الصدقات والخراج والإعشار والفيء والغنائم إلى الأمراء عدلوا فيها أم جاروا، والانقياد إلى من ولاه اللَّه أمركم لا تنزع يدًا من طاعته ولا تخرج عليه بسيفك حتى يجعل اللَّه لك فرجًا ومخرجًا، ولا تخرج عَلَى السلطان وتسمع وتطيع ولا تنكث بيعة، فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للجماعة، وإن أمرك السلطان بأمر هو لله معصية فليس لك أن تطيعه ألبته، وليس لك أن تخرج عليه ولا تمنعه حقه."طبقات الحنابلة: لابن أبي يعلى: 1/24-26.
    قال الحافظ ابن حجر:
    "وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ السُّلْطَانِ الْمُتَغَلِّبِ وَالْجِهَادِ مَعَهُ وَأَنَّ طَاعَتَهُ خَيْرٌ مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ وَتَسْكِينِ الدَّهْمَاءِ" فتح الباري: ج13 ص: 7
    وقال الإمام النووي: "وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين ، وإن كانوا فسقة ظالمين ...
    قال العلماء : وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن ، وإراقة الدماء ، وفساد ذات البين ، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه . " شرح النووي على صحيح مسلم: ج 12 ص 229
    هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد القادر شكيمة; الساعة 2019-02-27, 06:23 PM.

  • #2
    جزاك الله خيرا أستاذنا عبد القادر وبارك فيك.

    إلتفاتة قيمة و مقال مفيد - نفع الله بك - وجعله في ميزان حسناتك .

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرًا و بارك فيك أخي عبد القادر.
      لا شك أن هذه الفِتن و القَلاقل التي أصابت الأمّة الإسلامية، من أهم أسبابها عدمُ الأخذ بنصائح العُلماء و توجِيهاتهم حفظهم الله.

      تعليق


      • #4
        جزاك الله خيرا أخي الأستاذ العزيز عبد القادر ، زدنا من مثل هذه الدرر اللوامع.

        تعليق


        • #5
          سررت بدعائكم إخوتي جابر وشعبان وفؤاد جزاكم الله خيرا
          التعديل الأخير تم بواسطة عبد القادر شكيمة; الساعة 2015-09-14, 01:40 PM.

          تعليق


          • #6
            أعتذر على التكرار
            التعديل الأخير تم بواسطة عبد القادر شكيمة; الساعة 2015-09-14, 02:16 PM.

            تعليق


            • #7
              يرفع في وجوه المتظاهرين والخوراج المارقين

              تعليق


              • #8
                جزاك الله خيرا شيخنا على هذه الدرر

                تعليق


                • #9
                  جزاك الله خيرا وبارك فيك اخي عبد القادر وأخذ بناصيتك إلى البر والهدى، ولعل مخالف الإجماع قد يكفر بمخالفته على ما ذكر شيخ الاسلام والمعلمي وغيرهما، بارك الله في أنفاسك أخي وزادك من فضله.

                  تعليق


                  • #10
                    ما شاء الله، مقال طيب أخي الفاضل الحبيب عبد القادر ولا بأس بتوضيح نقطةٍ ذكرها الأخ الفاضل المهداوي وفقه الله:
                    قال الزركشي [المنثور في القواعد فقه الشافعي ( 2/ 204) ]: أطلق كثير من أئمتنا القول بتكفير جاحد المجمع عليه . قال النووي: وليس على إطلاقه بل من جحد مجمعا عليه فيه نص وهو من أمور الإسلام الظاهرة التي يشترك في معرفتها الخواص والعوام كالصلاة والزكاة ونحوه فهو كافر، ومن جحد مجمعا عليه لا يعرفه إلا الخواص كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب وغيره من الحوادث المجمع عليها فليس بكافر .

                    قال : ومن جحد مجمعا عليه ظاهرا لا نص فيه ففي الحكم بتكفيره خلاف, ونقل الرافعي في باب حد الخمر عن الإمام أنه لم يستحسن إطلاق القول بتكفير مستحل الإجماع. وقال : كيف نكفر من خالف الإجماع ونحن لا نكفر من رد أصل الإجماع، وإنما نبدعه ونضلله، وأول ما ذكره الأصحاب على ما إذا صدق المجمعين على أن التحريم ثابت في الشرع ثم حلله " فإنه " يكون " ردا " للشرع .

                    وقال ابن دقيق العيد: أطلق بعضهم أن مخالف الإجماع يكفر، والحق أن المسائل الإجماعية تارة يصحبها التواتر عن صاحب الشرع كوجوب الخمس وقد لا يصحبها، فالأول يكفر جاحده لمخالفته التواتر لا " لمخالفته " الإجماع ، قال : وقد وقع في هذا الزمان ممن يدعي الحذق في المعقولات ويميل إلى الفلسفة فظن أن المخالفة في حدوث العالم من قبيل مخالفة الإجماع، وأخذ من قول من قال: إنه لا يكفر مخالف الإجماع أنه لا يكفر المخالف في هذه المسألة وهذا الكلام ساقط بمرة ، لأن حدوث العالم مما اجتمع فيه الإجماع والتواتر بالنقل عن صاحب الشرع فيكفر المخالف بسبب مخالفة النقل المتواتر لا بسبب مخالفة الإجماع. اهـ.

                    وقد كنت مرة تناقشت مع بعض المشايخ ممن له عناية كبيرة بقضايا ومسائل الإجماع، وله بعض المقالات في ذلك، ولا بأس بذكر اسمه وهو الشيخ عبد القادر الجنيد حيث نقل إجماعا في عدم جواز المسح على الخفين إلا إذا سترا الكعبين.
                    قال: ذهب الأئمة الأربعة إلى أنه لايجوز المسح على الخفين إلا إذا سترا الكعبين. ذكره ابن جُزي المالكي.
                    ونقله ابن تيمية إجماعًا، وأقرّه ابن قاسم فقال:
                    كلما ﻳﻠﺒﺲ ﺗﺤﺖ اﻟﻜﻌﺒﻴﻦ ﻓﻼ ﻳﺠﻮﺯ اﻟﻤﺴﺢ ﻋﻠﻴﻪ،ﻗﺎﻝ ﺷﻴﺦ اﻹﺳﻼﻡ:ﺑﺎﺗﻔﺎﻕ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ.

                    فهنا بدأ الإشكال ولم أخرج مع الشيح حفظه الله بفائدة تسمح لي بالإقتصار على الإجماع المذكور بحجة أنّ معي أحاديث مخالفة لهذا الإجماع [المزعوم] وكان نقاشي مع الشيخ في ما يلي:
                    1- هل ينعقد الإجماع وقد خالفه أحد أعلام الأمة الأوزاعي..وبعض المتأخرين عنه كالمقدسي صاحب "المغني" وابن حازم صاحب "المحلى"؟
                    2- هل ينعقد الإجماع عند من صح عنده حديث المغيرة في المسح على الجوربين [والنعلين]، وكذا ورد مثله أو قريب منه عن ابن عباس، وأثر أبي ظبيان؟ ولا شك أن النعل لا يكون إلا تحت الكعب مع ذلك مَسح عليها أحد الخلفاء الرلشدين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بل خلعهما بعد مسحهما وصلى.. وهذا الأثر مختلف في صحته اختلافا كبيرا وقد ضعفه جمع من أهل العلم المتقدمين وصححه بعضهم مثل الألباني رحمه الله..
                    وقد ذكر ابن حجر في الفتح أن بعض الصحابة مسحوا على نعالهم وصلوا..
                    ولا يزال هذا الإشكال راسخا في الذهن ولم ألتفت إلى الإجماع مع وجود نص صريح عندي وهو أحاديث المسح على النعال.

                    ويمكن تلخيص الإشكال في سؤال واحد:
                    إذا اصطدم إجماع مع حديث أو أثر مختلف في صحته فأيهما يقدم؟ خاصة إذا كان هذا الحديث أو الأثر قد ورد عن أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بالأخذ بسنتهم..

                    وجزاكم الله خيرا إخواني الأحبة على هذه المواضيع القيمة المفيدة
                    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عائشة محمد عواد; الساعة 2019-03-01, 09:20 AM.

                    تعليق


                    • #11
                      جزاك الله خير

                      تعليق


                      • #12
                        بسم الله الرحمن الرحيم


                        الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:
                        جزى الله خيرا أبا عائشة وبارك فيه، وإني أستسمح سلفا الشيخ الفاضل عبد القادر شكيمة حفظه الله ووفقه أن أتقدم بين يديه بإيراد كلمة مختصرة متضمنة تعليقا وبيانا على كلام أبي عائشة محمد عواد وفقه الله تعالى.
                        قال شيخ الاسلام رحمه الله تعالى: ومن ادعى إجماعا يخالف نص الرسول من غير نص يكون موافقا لما يدعيه، واعتقد جواز مخالفة أهل الإجماع للرسول برأيهم، وأن الإجماع ينسخ النص كما تقوله طائفة من أهل الكلام والرأي، فهذا من جنس هؤلاء.
                        وأما إن كان يعتقد أن الإجماع يدل على نص لم يبلغنا يكون ناسخا للأول، فهذا وإن كان لم يقل قولا سديدا فهو مجتهد في ذلك، يبين له فساد ما قاله، كمن عارض حديثا صحيحا بحديث ضعيف اعتقد صحته، فإن قوله وإن لم يكن حقا يبين له ضعفه وذلك بأن يبين له عدم الإجماع المخالف للنص، أو يبين له أنه لم تجتمع الأمة على مخالفة نص إلا ومعها نص معلوم يعلمون أنه الناسخ للأول، فدعوى تعارض النص والإجماع باطلة، ويبين له أن مثل هذا لا يجوز، فإن النصوص معلومة محفوظة، والأمة مأمورة بتتبعها واتباعها، وأما ثبوت الإجماع على خلافها بغير نص فهذا لا يمكن العلم بأن كل واحد من علماء المسلمين خالف ذلك النص.(1)
                        قال مقيده عفا الله عنه:
                        معنى كلام الشيخ رحمه الله أن أهل السنة لا يعتقدون أن الإجماع ينعقد بمحض الرأي، كما يعتقده أهل الكلام والرأي، ونبه على أن الإجماع عند أهل السنة لا ينعقد إلا بوجود النص المعلوم الذي بينه الله تعالى لعباده في شريعته وأمرهم أن يتبعوه ويعملوا به، وإن جهله بعضهم، وسيأتي بيان ذلك بحول الله وقوته، وكذلك بين رحمه الله أن لا تعارض بين النص والإجماع وأن دعوى التعارض باطلة، كما نبه رحمة الله عليه أن النصوص المحفوظة لا يستطاع الجزم بعدم العمل بها من طرف بعض أئمة الاسلام والسنة، أو آحادهم، وفي هذا المعنى جاء قول الإمام أحمد رحمه الله تعالى وغيره من السلف: (من ادعى الإجماع فقد كذب) وفي بيان ما تقدم من كلامه رحمه الله أن الإجماع لا ينعقد ولا يبنى إلا على نصوص معلومة عندهم يقول الحكمي رحمه الله تعالى في لاميته:
                        ويعرف النسخ من ألفاظ ناسخه *** أو من تأخره أو قول من نقلوا
                        أو كان في العمل الإجماع خالفه *** يقال لو لم يرو نسخا لما عدلوا
                        قال مقيده عفا الله عنه:
                        فتأمل رحمك الله قول الحكمي رحمه الله تعالى:
                        ............................ *** يقال لو لم يرو نسخا لما عدلوا
                        وهذا قد أورده رحمه الله تعالى بعد قوله:
                        ومن خصائص هذا الدين ليس له *** من غيره ناسخ إليه ينتقل
                        بل إن بعض نصوص فيه ناسخة *** لبعضها وبذاك الآخر العمل
                        والنسخ فاعلمه في القرآن منه كما *** في سنة المصطفى منها له تصل
                        أو كان في العمل الإجماع خالفه *** ........................ .....الخ
                        ففي هذا يبين رحمه الله تعالى: أن نصوص الكتاب والسنة ينسخ بعضها بعضا، فنصوص القرآن تنسخ بالقرآن ونصوص السنة تنسخ بالسنة وتنسخ السنة بالقرآن والقرآن بالسنة على الصحيح وهكذا، ثم بين كيف يتم التعرف على وقوع النسخ فذكر أربعة أمور في قوله رحمه الله:
                        ويعرف النسخ من ألفاظ ناسخه *** أو من تأخره أو قول من نقلوا
                        أو كان في العمل الإجماع خالفه *** يقال لو لم يرو نسخا لما عدلوا
                        فليس الإجماع هو الناسخ كما علمت وإنما تمت معرفة الناسخ من المنسوخ من النصوص بإجماع الأمة عليه.
                        قال الشيخ الوالد الإمام زيد بن هادي المدخلي رحمه الله تعالى في شرحه على لامية الناسخ والمنسوخ:
                        الأمر الرابع: ما يدل على وجود الناسخ وهو الإجماع.
                        فإذا أجمع الصحابة أو علماء أي عصر من العصور على ترك حكم كان في أول الاسلام أو على تغييره دل إجماعهم على نسخ ذلك الحكم، وإن لم نعلم الناسخ لحديث: (لا تجتمع أمتي على ضلالة).
                        ومثاله: حديث معاوية في قتل شارب الخمر في الرابعة، قال الترمذي رحمه الله بعد كلام طويل في نقله عدم العمل به، قال: ( والعمل على هذا عند عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافا في القديم والحديث)، يعني أنه لم يقض أحد بقتله، ولا فعله النبي صلى الله عليه وسلم.(2)
                        قال مقيده عفا الله عنه:
                        فلك أن تتأمل قوله رحمه الله: (على ترك حكم كان في أول الاسلام أو على تغييره دل إجماعهم على نسخ ذلك الحكم)، ففي قوله هذا اعتبار للتاريخ، وكذا قوله: (ولا فعله النبي صلى الله عليه وسلم) فيه مراعاة السنة، وأما قوله رحمه الله تعالى: (وإن لم نعلمه) لا يستفاد منه أن غيره لا يعلمه، ولا أدل على ذلك من مثاله الذي مثل به فمستند الإجماع على نصوص معلومة، من ذلك ما رواه البخاري في صحيحه: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوما، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر أن يؤتى به.
                        فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله. (6780).
                        قال الحافظ في الفتح:
                        وفيه ما يدل على نسخ الأمر الوارد بقتل شارب الخمر إذا تكرر منه إلى الرابعة أو الخامسة، فقد ذكر ابن عبد البر: أنه أتي به أكثر من خمسين مرة.(3)
                        وقال رحمه الله:
                        ووقع عند النسائي من طريق محمد ابن إسحاق عن ابن المنكدر عن جابر: فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل منا قد شرب في الرابعة فلم يقتله.
                        وأخرجه من وجه آخر عن محمد بن إسحاق بلفظ: (فإن عاد في الرابعة فاضربوا عنقه) فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مرات، فرأى المسلمون أن الحد وقع وأن القتل قد رفع.
                        قال الشافعي بعد تخريجه: هذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم علمته، وذكره أيضا عن أبي الزبير مرسلا، وقال: أحاديث القتل منسوخة.(4)
                        قال مقيده عفا الله عنه:
                        هذا وليزداد الأمر وضوحا فليعلم أن الإجماع نوعان قطعي وظني، ومن العلماء من قسمه إلى عملي ونظري وجعل العملي مرادف القطعي، وجعل النظري يشمل القطعي والظني، كما فعل الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله في كتابه النفيس (مبادئ الأصول) راجعه تستفد.(5)
                        قال شيخ الاسلام رحمه الله تعالى:
                        والإجماع نوعان:
                        قطعي: فهذا لا سبيل إلى أن يعلم إجماع قطعي على خلاف النص.(6)
                        قال مقيده عفا الله عنه:
                        وفي هذا النوع من الإجماع وما تقدم نقله قبله يقول الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى:
                        واعلم أن الأمة لا يمكن أن تجمع على خلاف دليل صحيح صريح غير منسوخ، فإنها لا تجمع إلا على حق، وإذا رأيت إجماعا تظنه مخالفا لذلك، فانظر فإما أن يكون الدليل غير صحيح، أو غير صريح، أو منسوخا، أو في المسألة خلاف لم تعلمه.(7)
                        ثم قال شيخ الاسلام رحمه الله في بيان النوع الثاني:
                        وأما الظني: فهو الإجماع الإقراري الاستقرائي، بأن يستقرئ أقوال العلماء فلا يجد في ذلك خلافا، أو يشتهر القول في القرآن ولا يعلم أحدا أنكره، فهذا الإجماع وإن جاز الاحتجاج به، فلا يجوز أن تدفع النصوص المعلومة به، لأن هذا حجة ظنية لا يجزم الانسان بصحتها، فإنه لا يجزم بانتفاء المخالف، وحيث قطع بانتفاء المخالف فالإجماع قطعي.(8)
                        قال مقيده عفا الله عنه:
                        فيتبين من كلام شيخ الاسلام رحمه الله تعالى: أن الإجماع نوعان وأن الفرق بينهما هو القطع بانتفاء المخالف أو عدمه.
                        وبناءا على هذا يقال: ما كان ينبغي لأبي عائشة وفقه الله وسدده أن يعبر على إجماع نقله شيخ الاسلام وغيره بـ: (مزعوم)، وكان الأحرى به أن يعبر بـ: (ظني) ليوافق بذلك أئمة الاسلام والسنة. والله أعلم
                        ولعل جواب الإشكال الذي أورده أبو عائشة وفقه الله تعالى، وهو قوله: ويمكن تلخيص الإشكال في سؤال واحد:
                        إذا اصطدم إجماع مع حديث أو أثر مختلف في صحته فأيهما يقدم؟ خاصة إذا كان هذا الحديث أو الأثر قد ورد عن أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بالأخذ بسنتهم..
                        في كلام شيخ الاسلام رحمه الله تعالى حيث قال:
                        وحيث قطع بانتفاء المخالف فالإجماع قطعي. وأما إذا كان يظن عدمه ولا يقطع به فهو حجة ظنية، والظني لا يدفع به النص المعلوم، لكن يحتج به ويقدم على ما هو دونه بالظن، ويقدم عليه الظن الذي هو أقوى منه، فمتى كان ظنه لدلالة النص أقوى من ظنه بثبوت الإجماع قدم دلالة النص، ومتى كان ظنه للإجماع أقوى قدم هذا، والمصيب في نفس الأمر واحد.
                        وإن كان قد نقل له في المسألة فروع ولم يتعين صحته، فهذا يوجب له ألا يظن الإجماع إن لم يظن بطلان ذلك النقل، وإلا فمتى جوز أن يكون ناقل النزاع صادقا، وجوز أن يكون كاذبا يبقى شاكا في ثبوت الإجماع، ومع الشك لا يكون معه علم ولا ظن بالإجماع، ولا تدفع الأدلة الشرعية بهذا المشتبه، مع أن هذا لا يكون، فلا يكون ـ قط ـ إجماع يجب اتباعه مع معارضته لنص آخر لا مخالف له، ولا يكون ـ قط ـ نص يجب اتباعه وليس في الأمة قائل به، بل قد يخفى القائل به على كثير من الناس. قال الترمذي: كل حديث في كتابي قد عمل به بعض أهل العلم إلا حديثين: حديث الجمع وقتل الشارب.
                        ومع هذا فكلا الحديثين قد عمل به طائفة، وحديث الجمع قد عمل به أحمد وغيره.
                        ـ ولكن من ثبت عنده نص ولم يعلم قائلا به، وهو لا يدري أجمع على نقيضه أم لا ؟ فهو بمنزلة من رأى دليلا عارضه آخر وهو بعد لم يعلم رجحان أحدهما، فهذا يقف إلى أن يتبين له رجحان هذا أو هذا، فلا يقول قولا بلا علم ولا يتبع نصا مع ......(*) ظن نسخه وعدم نسخه عنده سواء، لما عارضه عنده من نص آخر أو ظن إجماع، ولا عاما ظن تخصيصه وعدم تخصيصه عنده سواء، فلابد أن يكون الدليل سالما من المعارض المقاوم فيغلب على ظنه نفي المعارض المقاوم وإلا وقف.
                        وأيضا فمن ظن أن مثل هذا الإجماع يحتج به في خلاف النص إن لم يترجح عنده ثبوت الإجماع، أو يكون معه نص آخر ينسخ الأول وما يظنه من الإجماع معه.
                        وأكثر مسائل أهل المدينة التي يحتجون فيها بالعمل يكون معهم فيها نص، فالنص الذي معه العمل مقدم على الآخر، وهذا هو الصحيح في مذهب أحمد وغيره، كتقديم حديث عثمان: (لا ينكح المحرم) على حديث بن عباس وأمثال ذلك.
                        وأما رد النص بمجرد العمل فهذا باطل عند جماهير العلماء، وقد تنازع الناس في مخالف الإجماع هل يكفر؟ على قولين.
                        والتحقيق أن الإجماع المعلوم يكفر مخالفه كما يكفر مخالف النص بتركه، لكن هذا لا يكون إلا فيما علم ثبوت النص به، وأما العلم بثبوت الإجماع في مسألة لا نص فيها فهذا لا يقع، وأما غير المعلوم فيمتنع تكفيره.
                        وحينئذ فالإجماع مع النص دليلان كالكتاب والسنة.
                        وتنازعوا في الإجماع: هل هو حجة قطعية أو ظنية؟ والتحقيق أن قطعيه قطعي وظنه ظني. والله أعلم.(9)
                        قال مقيده عفا الله عنه:
                        وجوابا على قول أبي عائشة: 1- هل ينعقد الإجماع وقد خالفه أحد أعلام الأمة الأوزاعي..وبعض المتأخرين عنه كالمقدسي صاحب "المغني" وابن حزم صاحب "المحلى"؟
                        يقال: اعلم رحمك الله أن هذا مما ورد فيه الخلاف بين أهل العلم قال الشيخ الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى:
                        للإجماع شروط منها:
                        1ـ أن يثبت بطريق صحيح، بأن يكون إما مشهورا بين العلماء أو ناقله ثقة واسع الاطلاع.
                        2ـ أن لا يسبقه خلاف مستقر، فإن سبقه ذلك فلا إجماع، وإنما يمنع من حدوث الخلاف، هذا هو القول الراجح لقوة مأخذه.
                        فهذا الذي رجه الشيخ العثيمين رحمه الله كما ترى.
                        ثم قال رحمه الله: وقيل: لا يشترط ذلك فيصح أن ينعقد في العصر الثاني على أحد الأقوال السابقة، ويكون حجة على من بعده.(10) والله أعلم
                        و جوابا على قوله وفقه الله: 2- هل ينعقد الإجماع عند من صح عنده حديث المغيرة في المسح على الجوربين [والنعلين]، وكذا ورد مثله أو قريب منه عن ابن عباس، وأثر أبي ظبيان؟ ولا شك أن النعل لا يكون إلا تحت الكعب مع ذلك مَسح عليها أحد الخلفاء الرلشدين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بل خلعهما بعد مسحهما وصلى.. وهذا الأثر مختلف في صحته اختلافا كبيرا وقد ضعفه جمع من أهل العلم المتقدمين وصححه بعضهم مثل الألباني رحمه الله..
                        وقد ذكر ابن حجر في الفتح أن بعض الصحابة مسحوا على نعالهم وصلوا..
                        يقال: إذا صح الحديث وعلم العمل به، فهو مقدم على دعوى الإجماع كما تقدم في كلام شيخ الاسلام رحمه الله تعالى.
                        ولكن يعكر على هذا ما قاله صاحب (تحفة الأحوذي) المباركفوري رحمه الله:
                        قال الطيبي: معنى قوله: (والنعلين) هو أن يكون قد لبس النعلين فوق الجوربين، وكذا قال الخطابي في المعالم.
                        قلت هذا المعنى هو الظاهر، قال الطحاوي في (شرح مشكل الآثار) في باب المسح على النعلين: مسح على نعلين تحتهما جوربان، وكان قاصدا بمسحه ذلك إلى جوربيه لا نعليه، وجورباه لو كانا عليه بلا نعلين جاز له أن يمسح عليهما، فكان مسحه ذلك مسحا أراد به الجوربين، فأتى ذلك على الجوربين والنعلين، فكان مسحه على الجوربين هو الذي تطهر به، ومسحه على النعلين فضل. انتهى كلام الطحاوي.
                        ثم قال: وكذا قول أبي الوليد: إن معنى الحديث: أنه مسح على جوربين منعلين، لا أنه جورب على انفراد، ونعل على انفراد. انتهى، فبعيد.(11)
                        وما قاله بن قدامة رحمه الله تعالى:
                        مسألة، قال: (وإن كان يثبت بالنعل مسح، فإذا خلع النعل انتقضت الطهارة). يعني أن الجورب إذا لم يثبت بنفسه، وثبت بلبس النعل، أبيح المسح عليه، وتنتقض الطهارة بخلع النعل، لأن ثبوت الجورب أحد شرطي جواز المسح، وإنما حصل بلبس النعل، فإذا خلعها زال الشرط، فبطلت الطهارة، كما لو ظهر القدم. والأصل في هذا حديث المغيرة.
                        وقوله: (مسح على الجوربين والنعلين). قال القاضي: ويمسح على الجورب والنعل، كما جاء الحديث، والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما مسح على سيور النعل التي على ظاهر القدم، فأما أسفله وعقبه فلا يسن مسحه من الخف، فكذلك من النعل.(12)
                        فهذا يدل القارئ اللبيب والأخ الفاضل الحبيب أن شيخ الاسلام رحمه الله تعالى رجل عظيم القدر كثير العلم واسع الاطلاع صاحب علم وذكاء، وفهم وزكاء، فلا يتبادر إلى الذهن أبدا جهل شيخ الاسلام رحمه الله تعالى بما نقله بن قدامة الحنبلي وهو رحمه الله من أكابر محققي المذهب الحنبلي ومن أعلمهم بمذهب الإمام أحمد وبأقوال أئمة الحنابلة من بعده.
                        وعلى هذا فلعلنا نوجه نقله للإجماع على عدم جوازه إذا كان النعل على القدم مفردا، كما تقدم نقله. والله أعلم.
                        وختاما يقال:
                        هذا علم مزجي البضاعة قد *** أدى إليه فرفوا إن يك خلل
                        فما كان فيه من حق وصواب فمن الله وحد وما كان في من خطأ وخلل فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
                        وكتب: العبد الفقير إلى عفو ربه المعترف بتقصيره وعظيم ذنبه أبو عبد الرحمن عمر مكي التيهرتي غفر الله له ولوالديه وللمسلمين.
                        وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.


                        (1): مجموع الفتاوى ط دار الوفاء دار بن حزم ج 19 ص 144 ـ 145.
                        (2): بغية أولي الرسوخ للشيخ زيد المدخلي ط الميراث ص 43 ـ 44.
                        (3): فتح الباري للحافظ بن حجر ط الرسالة ج 21 ص 447.
                        (4): المصدر السابق ج 21 ص 450.
                        (5): الفتح المأمول شرح مبادئ الأصول للشيخ العلامة محمد علي فركوس حفظه الله. ص 132.
                        (6): المجموع ج 21 ص 145.
                        (7): شرح الأصول من علم الأصول ص 256.
                        (8): المجموع ج 21 ص 145.
                        (*): قال المحقق: بياض بالأصل.
                        (9): المجموع ج 21 ص 145ـ146.
                        (10): شرح الأصول من علم الأصول ص 258.
                        (11): تحفة الأحوذي الرسالة ج 2 ص 421.
                        (12): المغني ط عالم الكتب ج 1 ص 375.
                        التعديل الأخير تم بواسطة مكي المهداوي; الساعة 2019-03-02, 03:12 PM.

                        تعليق


                        • #13
                          ما شاء الله الحمد لله
                          بارك الله فيك أخي مكي، وشكرا على تنبيهك على قولي إجماع مزعوم

                          تعليق

                          الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
                          يعمل...
                          X