إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

توجيه نفيسٌ من شيخ الإسلام ابن تيمية لقوله تعالى: "إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • توجيه نفيسٌ من شيخ الإسلام ابن تيمية لقوله تعالى: "إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى"

    الحمد لله رب العالمين و بعد: فقد جاء في عدد من الآيات القرآنية، ذكر الاستواء على العرش معطوفًا على خلق السموات والأرض بحرف (ثم)، من ذلك قوله تعالى في سورة الأعراف: ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ)[الأعراف:54]، وكذا قوله تعالى في سورة يونس: [ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) [يونس:3]، وغير ذلك من الآيات، ولا يخفى بأن (ثم) تفيد في عطفها الترتيب مع التراخي، ومن هنا قد يُفهم من ظاهر الآية بأن الاستواء على العرش لم يكن إلا بعد خلق السموات والأرض، ولم يحصل قبل ذلك .
    مع العلم بأن العرش كان مخلوقًا وموجودًا قبل خلق السموات والأرض، كما دلت عليه الدلائل الكثيرة، ومنها قوله تعالى في سورة هود:[ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ] .
    ومنها ما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء » .
    فالحديث نصَّ على أن العرش كان مخلوقًا قبل هذا التقدير الذي كان قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وظاهر آية الأعراف السابقة وأمثالها، يُفهم منه عدم الاستواء عليه كلَّ هذه المدَّة إلا بعد خلق السموات والأرض، كما تُفيده (ثم) العاطفة .
    غير أنَّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قد أفاد بأن الاستواء على العرش جائزٌ وقوعه في بعض الأزمنة قبل خلق السموات والأرض، وأنه حين خلق السموات والأرض كان عاليًا عليه، و لم يكن مستويًا عليه، ثم لما فرغ من خلق هذا العالم استوى عليه .
    وهذا كلامه رحمه الله وغفر له من « مجموع الفتاوى » (5/568-569) حيث قال: « فإن قيل: فإذا كان إنما استوى على العرش بعد أن خلق السموات والأرض في ستة أيام، فقبل ذلك لم يكن على العرش؟ قيل: الاستواء علو خاص فكل مستو على شيء عال عليه وليس كل عال على شيء مستو عليه، ولهذا لا يقال لكل ما كان عاليا على غيره: إنه مستوٍ عليه و استوى عليه، ولكن كل ما قيل فيه إنه استوى على غيره فإنه عالٍ عليه .
    و الذي أخبر الله أنه كان بعد خلق السماوات والأرض: الاستواء لا مطلق العلو، مع أنه يجوز أنه كان مستويا عليه قبل خلق السماوات و الأرض لما كان عرشه على الماء، ثم لما خلق هذا العالم كان عاليا عليه ولم يكن مستويا عليه، فلما خلق هذا العالم استوى عليه، فالأصل أن علوه على المخلوقات وصف لازم له كما أن عظمته وكبرياءه وقدرته كذلك، وأما الاستواء فهو فعل يفعله سبحانه وتعالى بمشيئته وقدرته ولهذا قال فيه [ ثم استوى]...»انتهى .
    ** فوائد من كلام شيخ الإسلام رحمه الله **

    ** نستفيد من كلام شيخ الإسلام رحمه الله عدة فوائد مهمة، منها:
    الفائدة الأولى: تقسيم علوِّ الله تعالى على خلقه إلى قسمين: علوٌّ عام وعلوٌّ خاص .
    أما العلو العام: فهو صفة ذاتية لله تعالى لم يزل ولا يزال متصفًا بها قبل خلق المخلوقات ومنها العرش، وبعد خلقهم .
    وأما العلو الخاص: فهو الاستواء على العرش، فاستواء الله تعالى على عرشه يعتبر علوًا خاصًا يختص بالعرش، دون سائر المخلوقات .
    وهذ ما يُفيده قول شيخ الإسلام:« الاستواء علو خاص فكل مستو على شيء عال عليه وليس كل عال على شيء مستو عليه، ولهذا لا يقال لكل ما كان عاليا على غيره: إنه مستوٍ عليه و استوى عليه، ولكن كل ما قيل فيه إنه استوى على غيره فإنه عالٍ عليه » .
    الفائدة الثانية: نستفيد من كلام شيخ الإسلام كذلك بأن العلو العام صفة ذاتية لم يزل سبحانه وتعالى ولا يزال موصوفا بها لا تنفك عنه .
    بخلاف العلو الخاص الذي هو الاستواء على العرش فإنه صفة فعلية متعلقة بمشيئة الله، كسائر الصفات الفعلية، إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها .
    يُستفاد هذا من قول شيخ الإسلام:« فالأصل أن علوه على المخلوقات وصف لازم له كما أن عظمته وكبرياءه وقدرته كذلك، وأما الاستواء فهو فعل يفعله سبحانه وتعالى بمشيئته وقدرته ولهذا قال فيه [ ثم استوى] » .
    الفائدة الثالثة: أنه لا يمكن الاستدلال بالأدلة الدالة على علوه تعالى المطلق على جميع المخلوقات، على استوائه على عرشه، بينما يمكن الاستدلال بأدلة الاستواء على العرش على علوه سبحانه وتعالى على خلقه ، يُستفاد هذا من قول شيخ الإسلام رحمه الله:« ولهذا لا يقال لكل ما كان عاليا على غيره: إنه مستوٍ عليه و استوى عليه، ولكن كل ما قيل فيه إنه استوى على غيره فإنه عالٍ عليه »انتهى، وذلك لأن العرش أعلى المخلوقات، ولهذا نجد العلماء يجعلون من أدلة العلو الاستواء على العرش كما تراه في كتب العقائد كالواسطية لشيخ الإسلام والقصيدة النونية و الصواعق المرسلة واجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم والقواعد المثلى للعثيمين وشرح الطحاوية لابن أبي العز.. ونحوها من كتب العقائد والله أعلم .
    ** فوائد متفرقة حول الموضوع **

    ** في حقيقة الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض **

    وفي هذا خلافٌ معروف بين العلماء، فمن قائلٍ: بأنها كأيامنا هذه، ومن قائلٍ: بأنها كأيام الله التي مقدار الواحد منها كألف سنة مما يعده العباد .
    قال الإمام ابن كثير رحمه الله في « البداية والنهاية »(1/22-23):« اختلف المفسرون في مقدار هذه الستة الأيام على قولين.
    فالجمهور على أنها كأيامنا هذه.
    وعن ابن عباس، ومجاهد والضحاك، وكعب الأحبار: أن كل يوم منها كألف سنة مما تعدون.
    رواهن ابن جرير وابن أبي حاتم واختار هذا القول الامام أحمد بن حنبل في كتابه الذي رد فيه على الجهمية، وابن جرير وطائفة من المتأخرين والله أعلم »انتهى .
    ** ونصر ابن الجوزي في « زاد المسير» (2/127) القول الثاني، بل ادعى عدم الخلاف في المسألة، واستبعد أن تكون الأيام الستة كأيام الدنيا من وجهين على فرض وجود من قال به، فقال:« ومعنى قوله: [فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ] أي: في مقدار ذلك، لأن اليوم يعرف بطلوع الشمس وغروبها، ولم تكن الشمس حينئذ، قال ابن عباس: مقدار كل يوم من تلك الأيام ألف سنة، وبه قال كعب، ومجاهد، والضحاك، ولا نعلم خلافاً في ذلك.
    و لو قال قائل: إنها كأيام الدنيا، كان قوله بعيداً من وجهين: أحدهما: خلاف الآثار، والثاني: أن الذي يتوهمه المتوهِّم من الإِبطاء في ستة آلاف سنة، يتوهمه في ستة أيام عند تصفح قوله:[ إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ] ».
    ** وممن ذهب إلى القول بأن الأيام الستة هي كأيامنا هذه، العلامة العثيمين رحمه الله، واحتج على ذلك بأمرين:
    الأول: أن الأيام الستة التي خُلق فيها هذا العالم جاءت مطلقة غير مُبيَّنة ولا مُحدَّدة في النصوص الشرعية، فوجب حملها على المتعارف عليه عندنا .
    الثاني: تسمية هذه الأيام الستة في الأحاديث، وهي الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس و الجمعة، وهذه إنما هي أيامنا .
    وهاك كلام العلامة العثيمين رحمه الله بلفظه من تفسيره لسورة الحديد [الآية الرابعة]، قال رحمه الله:« وخلقها الله عز وجل في ستة أيام، والأيام أطلقها الله - عز وجل - ولم يبين أن اليوم خمسين ألف سنة، أو أقل، أو أكثر، وإذا أطلق يحمل على المعروف المعهود وهي أيامنا هذه، وقد جاء في الحديث أنها الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس و الجمعة »انتهى .
    ** وقد يُقال: لا يُجزم بمقدار الأيام الستة لعدم وجود دليل صريح من الكتاب و السنة يجب المصير إليه يدل على ذلك، فيكون هذا قولًا ثالثًا في المسألة .
    وإليه مال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في « درء تعارض العقل والنقل »(1/123) حيث قال:« قال تعالى: [وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ] وخلق ذلك في مدة غير مقدار حركة الشمس والقمر، كما أخبر أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام.
    والشمس والقمر هما من السماوات والأرض، وحركتهما بعد خلقهما، والزمان المقدر بحركتهما ـ وهو الليل والنهار التابعان لحركتهما ـ إنما حدث بعد خلقهما، وقد أخبر الله أن خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، فتلك الأيام مدة وزمان مُقدَّر بحركة أخرى غير حركة الشمس والقمر »انتهى .
    وهذا القول- أعني: عدم الجزم بمقدار الأيام الستة لكونها وردت مطلقة- قد أشار إليه العلامة العثيمين رحمه الله في كلامه السابق إلا أنه جعل عدم النص على مقدار هذه الأيام وتحديدها موجبًا لحملها على المتعارف عند الناس، وهي أيامنا هذه، فقال رحمه الله:« وخلقها الله عز وجل في ستة أيام، والأيام أطلقها الله - عز وجل - ولم يبين أن اليوم خمسين ألف سنة، أو أقل، أو أكثر، وإذا أطلق يحمل على المعروف المعهود وهي أيامنا هذه »انتهى، والعلم عند الله تعالى .
    ** ما هي الحكمة في خلق العالم في ستة أيام مع قدرة الله على قوله له كن
    فيكون؟ **.
    ذكر أهل العلم من المفسرين وغيرهم بعض الحكم في ذلك، استوعب ابن الجوزي أكثرها في « زاد المسير» (2/127) فقال:« فإن قيل:
    فهلاَّ خلقها في لحظة، فإنه قادر؟ فعنه خمسة أجوبة: أحدها: أنه أراد أن يوقع في كل يوم أمراً تستعظمه الملائكة ومن يشاهده، ذكره ابن الأنباري.
    و الثاني: أن التثبُّت في تمهيد ما خُلق لآدم وذرّيّته قبل وجوده، أبلغُ في تعظيمه عند الملائكة.
    و الثالث: أن التعجيل أبلغ في القدرة، والتثبيت أبلغ في الحكمة، فأراد إظهار حكمته في ذلك، كما يظهر قدرته في قول:( كُنْ فَيَكُونُ ).
    والرابع: أنه علَّم عباده التثبُّت، فإذا تثبَّت من لا يزلُّ، كان ذو الزَّلل أولى بالتثبُّت. والخامس: أن ذلك الإمهال في خلق شيء بعد شيء، أبعد من أن يُظن أن ذلك وقع بالطبع أو بالاتفاق »انتهى .
    و ذكر الماوردي في تفسيره بعض الحكم زيادة على ما ذكره ابن الجوزي، منها:
    ** أن ذلك ترتب على الأيام: الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، وهي ستة أيام فأخرج الخلق فيها .
    ** وقيل: ليعلمنا بذلك الحساب كله من ستة ومنه يتفرع سائر العدد.. »انتهى .
    آخر المراد والله أعلم و أعلى وأحكم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
    التعديل الأخير تم بواسطة إبراهيم بويران; الساعة 2015-06-25, 06:49 PM.

  • #2
    جزاكم الله خيرا على هذه الفوائد

    تعليق


    • #3
      و إياك أخي أمين

      تعليق


      • #4
        موفق كعادتك أخي ابراهيم
        والله انها لدرة نفيسة من درر هذا المنتدى،أسال اله الكريم ان يثقل بها موازينك
        واصل اخي ابراهيم

        تعليق


        • #5
          بورك فيك اخي إبراهيم على هذه الفائدة العزيزة وقد أتطفل على موضوعك وفي صفحتك بهذه الفائدة من الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله- حيث قال في شرح الواسطية ص386 ط ابن الجوزي :"إذا قلنا: استوى على العرش؛ بمعنى: علا؛ فها هنا سؤال, وهو: إن الله خلق السماوات, ثم استوى على العرش؛ فهل يستلزم أنه قبل ذلك ليس عالياً؟
          فالجواب: لا يستلزم ذلك؛ لأن الاستواء على العرش أخص من مطلق العلو؛ لأن الاستواء على العرش علو خاص به، والعلو شامل على جميع المخلوقات؛ فعلوه عز وجل ثابت له أزلاً وابداً, لم يزل عالياً على كل شيء قبل أن يخلق العرش, ولا يلزم من عدم استوائه على العرش عدم علوه، بل هو عال, ثم بعد خلق السماوات والأرض علا علواً خاصاً على العرش.
          فإن قلت: نفهم من الآية الكريمة أنه حين خلق السماوات والأرض ليس مستوياً على العرش, لكن قبل خلق السماوات والأرض, هل هو مستو على العرش أولاً؟فالجواب: الله أعلم بذلك".
          و محل الفائدة ان الشيخ يقول بالتوقف وهذا قد لا يعارض كلام شيخ الإسلام لأن الجواز لا يعني الوقوع و التوقف من الشيخ لعدم ورود الدليل و من عنده زيادة يتحفنا بها و الله أعلم.

          تعليق


          • #6
            جزاك الله خيرا.

            تعليق


            • #7
              وأنتم جزاكم الله خيرا إخواني الأفاضل صديق و سليم والأخ عبد الله وبارك الله فيكم .
              أحسنت أخي عبد الله فيما نقلته عن العلامة العثيمين، و قد كان ذلك هو منطلقي لبحث المسألة، وفقنا الله وإياكم جميعا لما فيه رضاه .

              تعليق


              • #8
                بارك الله فيكم شيخ ابراهيم .

                تعليق

                الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
                يعمل...
                X