إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

اللقاءات السلفية السطائفية: خصائص شهر شعبان للشيخ الدكتور طلعت زهران السكندري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللقاءات السلفية السطائفية: خصائص شهر شعبان للشيخ الدكتور طلعت زهران السكندري

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
    ضمن اللقاءات السلفية السطائفية
    كلمة عبر الهاتف للشيخ الدكتور: طلعت زهران السكندري -حفظه الله تعالى-
    بعنوان: خصائص شهر شعبان
    التاريخ: ليلةُ السبت 11 شعبان 1436هـ
    لتحميل الصوتية
    تنبيه:
    كان تسجيل الصوتية رديئا نوعا ما، و قد نشر الشيخ -حفظه الله تعالى- تفريغا للصوتية على صفحته في الفايسبوك وقد آثرت نقله كما هو حتى تعم الفائدة والله الموفق
    التفريغ:


    فيما يلي المحاضرة التي أُلقيت عبر الهاتف لإخواننا في الجزائر، حفظهم الله، وسدد خطاهم:
    خصائص (فضائل) شهر شعبان
    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، وجعل الله صدق محبته واتباع سنته أصدق دليل، وأنصع بينة على التمييز بين أهل صراطه المستقيم وبين الضالين عنه، فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى من تبعهم بإحسان واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
    وبعد:
    ذكر النبي ﷺ خصيصتين أو وظيفتين من وظائف شهر شعبان في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمد والنسائي وأبو داودَ عن أسامةَ بن زيدٍ رضي الله عنهما: «قلتُ للنبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما لي أراكَ تصومُ في شهرِ شعبانَ ما لا تصومُ في غيرِهِ من الشهورِ - يعني خَلَا رمضان -؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «هذا شهرٌ يَغْفُلُ عنه أكثرُ النَّاسِ بينَ رجبٍ ورمضانَ، تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى اللهِ جَلَّ وعَلَا؛ فأنا أحبُّ أنْ يُرْفَعَ عملي فيه وأنا صائمٌ».
    شهر شعبان، ويسمى أيضا العجلان لسرعة انقضائه، يقعُ بينَ رجبٍ، وهو شهرٌ مِنَ الأشهرِ الحُرُمِ، وشهرُ رمضان شهرُ القرآنِ، والقيامِ والذكرِ، والصيامِ.
    وسُمِّيَ شعبانَ لأنَّهُم كانوا يتشعبونَ فيه في أمرِ الغزوِ والبحث عن الماء.
    أقول ذكر في الحديث الآنف خصيصتان:
    1- الغفلة عنه: «شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان» يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه فصار مغفولا عنه وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه؛ لأنه شهر حرام وليس كذلك...
    وفي قوله: «يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان» إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن قد يكون غيره أفضل منه إما مطلقا أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس فيشتغلون بالمشهور عنه ويفوتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم.
    وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة وأن ذلك محبوب لله -عز وجل- كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة ويقولون: هي ساعة غفلة...
    ولهذا المعنى كان النبي ﷺ يريد أن يؤخر العشاء إلى نصف الليل، وإنما علل ترك ذلك لخشية المشقة على الناس ولما خرج على أصحابه وهم ينتظرونه لصلاة العشاء قال لهم: «ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم» وفي هذا إشارة إلى فضيلة التفرد بذكر الله في وقت من الأوقات لا يوجد فيه ذاكر له، ولهذا ورد في فضل الذكر في الأسواق؛ لأنها موطن الغفلة بين أهل الغفلة.
    وفي حديث أبي ذر المرفوع: «ثلاثة يحبهم الله قوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به فوضعوا رؤوسهم، فقام أحدهم يتملقني ويتلو آياتي، وقوم كانوا في سرية فانهزموا فتقدم أحدهم فلقي العدو فصبر حتى قتل، وذكر أيضا قوما جاءهم سائل فسألهم فلم يعطوه فانفرد أحدهم حتى أعطاه سرا» فهؤلاء الثلاثة انفردوا عن رفقتهم بمعاملة الله سرا بينهم وبينه فأحبهم الله فكذلك من يذكر الله في غفلة الناس أو من يصوم في أيام غفلة الناس عن الصيام.
    وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد:
    منها: أنه يكون أخفى، وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل لا سيما الصيام، فإنه سر بين العبد وربه ولهذا قيل: إنه ليس فيه رياء
    ومنها: أنه أشق على النفوس: وأفضل الأعمال أشقها على النفوس وسبب ذلك أن النفوس تتأسى بما تشاهد من أحوال أبناء الجنس، فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم فسهلت الطاعات وإذا كثرت الغفلات وأهلها تأسى بهم عموم الناس فيشق على نفوس المستيقظين طاعاتهم لقلة من يقتدون بهم فيها، ولهذا المعنى قال النبي صلى الله عليه وسلم «للعامل منهم أجر خمسين منكم إنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون»
    وقال: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء» وفي رواية قيل: «ومن الغرباء: قال الذين يصلحون إذا فسد الناس» وفي صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العباد في الهرج كالهجرة إلي» وخرجه الإمام أحمد ولفظه : «العباد في الفتنة كالهجرة إلي» وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم ولا يرجعون إلى دين فيكون حالهم شبيها بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويعبد ربه ويتبع مراضيه ويجتنب مساخطه كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنا به متبعا لأوامره مجتنبا لنواهيه ومنها أن المفرد بالطاعة من أهل المعاصي والغفلة قد يدفع البلاء عن الناس كلهم ...قال بعض السلف : ذاكر الله في الغافلين كمثل الذي يحمي الفئة المنهزمة ولولا من يذكر الله في غفلة الناس لهلك الناس
    لولا الذين لهم ورد يصلونا ... وآخرون لهم سرد يصومونا
    لدكدكت أرضكم من تحتكم سحرا ... لأنكم قوم سوء ما تطيعونا
    وقد قيل في تأويل قوله تعالى: ﴿ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض﴾ أنه يدخل فيها دفعة عن العصاة بأهل الطاعة
    2- وهو شهر ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين -عز وجل- فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم
    المقصود: العَرْضُ السَّنَوِيُّ على ربِّ العِزَّةِ بأعمالِ خَلْقِهِ -جَلَّ وعَلَا- في شهرِ شعبان كما أخبرَ خليلُ الرَّحمنِ محمدٌ ﷺ... وإذا كانَ عملُهُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو العملُ الذي تتشرفُ به الإنسانيةُ، وتفخرُ به البشريةُ، والذي لا تجدُ فيه هَفوة مِنَ الهَفوَاتِ، ومَعَ ذلكَ يُحِبُّ مع تمامِ عملِهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنْ يرفعَ هذا العملُ العظيمُ إلى اللهِ وهو صائمٌ، فكيف بِمَنْ عملُهُ بجوارِ عملِ نبيِّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم كَحَبَّةٍ من رَمْلٍ في صحراءَ متراميةِ... أو كقطرةٍ في بحرٍ أو أقل؟
    3- الصيام: فكان يصوم من شعبان ما لا يصوم من غيره من الشهور وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان» زاد البخاري في رواية: «كان يصوم شعبان كله» ولمسلم في رواية : «كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلا» وفي رواية النسائي عن عائشة قالت: «كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصوم شعبان كان يصله برمضان» وعنها وعن أم سلمة قالتا: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلا قليلا بل كان يصومه كله» وعن أم سلمة قالت : «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان» وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره: أن النبي ﷺ لم يستكمل صيام شعبان وإنما كان يصوم أكثره، ويشهد له ما في صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «ما علمته -تعني النبي ﷺ- صام شهرا كله إلا رمضان» وفي رواية له أيضا عنها قالت: «ما رأيته صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان»
    وكان إذا فاته من نوافله قضاه كما كان يقضي ما فاته من سنن الصلاة، وما فاته من قيام الليل بالنهار فكان إذا دخل شعبان وعليه بقية من صيام تطوع لم يصمه قضاه في شعبان حتى يستكمل نوافله قبل دخول رمضان، فكانت عائشة حينئذ تغتنم قضاءه لنوافله فتقضي ما عليها من فرض رمضان حينئذ لفطرها فيه بالحيض، وكانت في غيره من الشهور مشتغلة بالنبي فإن المرأة لا تصوم وبعلها شاهد إلا بإذنه، فمن دخل عليه شعبان وقد بقي عليه من نوافل صيامه في العام استحب له قضاؤها فيه حتى يكمل نوافل صيامه بين الرمضانين، ومن كان عليه شيء من قضاء رمضان وجب عليه قضاؤه مع القدرة، ولا يجوز له تأخيره إلى ما بعد رمضان آخر لغير ضرورة
    فإن قيل: فكيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص شعبان بصيام التطوع فيه مع أنه قال: «أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم»؟
    فالجواب: أن جماعة من الناس أجابوا عن ذلك بأجوبة غير قوية لاعتقادهم أن صيام المحرم والأشهر الحرم أفضل من شعبان كما صرح به الشافعية وغيرهم، والأظهر خلاف ذلك، وأن صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم، فظهر بهذا أفضل التطوع ما كان قريبا من رمضان قبله وبعده وذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها فيلتحق بالفرائض في الفضل وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، أفضل من صيام ما بعد منه ويكون قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد رمضان المحرم» محمولا على التطوع المطلق بالصيام، فأما ما قبل رمضان وبعده فإن يلتحق في الفضل كما أن قوله في تمام الحديث: «وأفضل الصلاة بعد المكتوبة: قيام الليل» إنما أريد به تفضيل قيام الليل على التطوع المطلق دون السنن الرواتب عند جمهور العلماء خلافا لبعض الشافعية.
    وقد قيل: في صوم شعبان معنى آخر: أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة بل قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط، ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن.
    4- نصف شعبان
    خَرَّج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان» وصححه الترمذي وغيره، واختلف العلماء في صحة هذا الحديث ثم في العمل به: فأما تصحيحه فصححه غير واحد، منهم: الترمذي، وابن حبان، والحاكم، والطحاوي، وابن عبد البر.
    وتكلم فيه غيرهم وقالوا: هو حديث منكر منهم عبد الرحمن بن المهدي، والإمام أحمد، وأبوزرعة الرازي، والأثرم، وقال الإمام أحمد: لم يرو العلاء حديثا أنكر منه ورده بحديث: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم أويومين» فإن مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين، وقال الأثرم الأحاديث كلها تخالفه يشير إلى أحاديث صيام النبي شعبان كله ووصله برمضان ونهيه عن التقدم على رمضان بيومين، فصار الحديث حينئذ شاذا مخالفا للأحاديث الصحيحة، وقال الطحاوي هو منسوخ، وحكى الإجماع على ترك العمل به، وأكثر العلماء على أنه لا يعمل به، وقد أخذ آخرون منهم الشافعي وأصحابه ونهوا عن ابتداء التطوع بالصيام بعد نصف شعبان لمن ليس له عادة،
    فعن جماعةٍ مِنَ الأصحابِ -رضوان الله عليهم جميعًا- مِنْ طُرُقٍ شَتَّى يَشُدُّ بعضُها بعضًا: عن أبي بكرٍ وأبي هريرةً و عبدِ اللهِ بن عمرو وأبي ثعلبةَ الخُشَنِي ومعاذِ بن جبل وعوفِ بن مالكٍ وعائشةَ -رضوان الله عليهم جميعًا- عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «يَطَّلِعُ اللهُ تبارك وتعالى إلى خلقِهِ ليلةَ النِّصفِ مِنْ شعبان فيغفرُ لجميعِ خلقِهِ إلا لمشركٍ أو مُشاحن». وهذا الحديثُ حديثٌ صحيحٌ بمجموعِ طُرُقِهِ لا شكَ في ذلك ولا ريبَ فيه.
    فأمَّا طريقُ عائشةَ - رضوان الله عليها - فقد أخرجَهُ الترمذي وابنُ ماجه في قصةٍ في آخرها ذكرت ما ذكرَ الرسولُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إنَّ الله يغفر في ليلةِ النصفِ من شعبان لأكثرَ من عددِ شعرِ غنم كَلْب». وكلب: قبيلة مغنمةٌ كثيرةُ الأغنام..وهو حديثٌ ضعيف؛ لأنَّ فيه حجاج بن أرطئة وهو مدلسٌ معروفٌ وقد عنعنه.
    وأمَّا طريقُ أبي ثعلبةَ الخُشَنِي عن الرسولِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّه قال: «يَطَّلِعُ اللهُ - جَلَّت قدرتُهُ - إلى خلقِهِ في ليلةِ النصفِ من شعبان, فيغفرُ للمؤمنينَ, ويُملي للكفرينَ, ويدعُ - أي: يترك - أهلَ الحقدِ بحقدِهِم حتى يدعُوهُ». البيهقي والطبرانيُ.
    وفي الحديث الذي تكاثرت طُرُقُهُ حتى صارت به إلى جَادَّةِ الصِّحَةِ - بلا ريبٍ ولا شك -: «يَطَّلِعُ اللهُ تبارك وتعالى إلى خلقِهِ في ليلةِ النصفِ من شعبان فيغفرُ لجميعِ خلقِهِ إلا لمُشركٍ أو مُشاحن». والحديثان كما ترى يكادان ينطبقان معنى, يغفرُ اللهُ ربُّ العالمين لجميع خلقِهِ إلا لمشركٍ أو مُشاحن, فيغفر للمؤمنين, ويدعُ - بالإِمْلَاءِ - الكافرينَ فيما هم عليه من كفرٍ وشرك, ويدعُ أهلَ الحقدِ بحقدهم حتى يدعوه.
    ففي (صحيح مسلم) أنَّ الله جَلَّتْ قدرتُهُ كما روى أبو هريرةَ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «يُفَتِّحُ أبوابَ الجنةِ في كل اثنين وخميس، فيغفرُ اللهُ ربُّ العالمين للمؤمنين إلا رجلًا كانت بينه وبين أخِيهِ شحناءُ -كانت بينه وبين أخيه بغضاءُ- فيقول اللهُ جَلَّ وعَلَا: أَنْظِرَا -أي: أَجِّلَا،، أي: دَعَا، أي اتركا- هذين حتى يصطلِحَا» فلا ينعمانِ بالغفرانِ الذي يلحقُ غيرَ المشاحنين في كل اثنين وخميس، إذ تُفَتَّحُ أبواب الجنة، وإذ تَهُبُّ نسماتُ نفحاتِ، رحماتِ اللهِ ربِّ العالمين.
    إنَّ العلماءَ -رحمةُ الله عليهم- يصيرونَ في جملتِهِم إلى ما رواه ابنُ أبي شامةَ عن أبي بكر بن العربي المالكي -رحمةُ الله عليه- سواءٌ في (العارضة) أو في (الأحكام) يقول: إنَّه لم يصح في ليلة النصف من شعبان حديثٌ يساوي سَمَاعَهُ. يقولُ: إنَّه لم يصح في ليلةِ النصفِ من شعبان حديثٌ يساوي سماعه.
    وأمَّا الشيخُ الإمامُ -رحمه الله- فإنَّه في (السلسلة الصحيحة) بعد ما تَتَبَّعَ مستقرئًا طُرُقَ الحديثِ فأربت على ثماني طُرُق، نظرَ فيها وبحثَ فيها مستقصيًا مستقرئًا حتى خَلُصَ في المنتهى إلى قولِهِ -رحمه الله-: ومِنْ هذا الاستقصاءِ نعلمُ أنَّ الذين قالوا من أهلِ العلمِ بأنَّه لم يصح في ليلةِ النصفِ حديثٌ إنَّما أوتوا من عدمِ بذلِ الجهد في استقصاءِ الطُرُقِ وتَتَبُّعِهَا
    أما حديثَ عليٍّ -رضوان الله عليه- يرفعُهُ إلى النبيِّ صلى الله عليه: «إذا كانت ليلةُ النصفِ من شعبان فقوموا ليلَهَا، وصوموا نهارَهَا». فهذا حديثٌ موضوع، في سندِهِ ابن أبي سَبْرَةَ، قال فيه الإمامان أحمدُ وابنُ معينٍ -رحمهما الله جلَّ وعَلَا-: كان يضعُ الحديث -يعني: ابن أبي سَبْرَةَ-.
    فلا يغفرُ اللهُ ربُّ العالمين في ليلةِ النصفِ -مع عمومِ المغفرةِ لجميعِ أهلِ الأرضِ- لا يغفرُ لمشركٍ ولا لمشاحن، مَنْ عندَهُ البغضاءُ في قلبِهِ، ومَنْ انطوى صدرُهُ على الغِلِّ والحقدِ والحسدِ فهذا بِمَبْعَدَةٍ عن المغفرةِ.
    وفي (صحيح سنن ابنِ ماجه) عن عبدِ الله بن عمرو - رضي الله عنهما -: «قيل للنبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من أفضلُ الناس؟ فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: كلُّ مَخْمُومِ القلبِ صدوقِ اللسانِ -كلُّ مخمومِ القلب صدوق اللسان هذا أفضلُ الناس-، فقالوا: يا رسولَ اللهِ صدوق اللسان عرفناه، فما مخمومُ القلب؟ قال النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: هو التَّقِيُّ النَّقِيُّ الذي لا إثمَ فيه ولا بغي ولا غِلَّ فيه ولا حسد».
    هذا ما صحَّ في هذه الليلةِ لا ما يذهبُ إليه الشيعةُ والمتصوفةُ، إذ يجتمعونَ في المساجدِ في ليلةِ النصفِ في صلاةِ المغربِ، يقومُ قائمُهُم بعدَ الصلاةِ يُصَلُّونَ ما يُسَمَّى بصلاةِ الرَّغَائِبِ! وهي في ليلةِ النصف! وفي أولِ رَجَب! وهي صلاةٌ أَلْفِيَّةٌ ويُصَلُّونَ مِئَةَ ركعةٍ، كلُّ ركعةٍ تُصَلَّى بسورةِ الإخلاص عَشْرًا عَشْرًا فهذه ألفٌ فهي صلاةٌ ألفية، لم يَتَّبِعْهَا ولم يأخذ بها ولم يفعلْهَا خيرُ البَرِيَّةِ ولا أحدٌ من أصحابِهِ رضوان الله عليهم، وإنَّما هي عملٌ مُحْدَثٌ مُبْتَدَعٌ!
    وأخرج الطُّرْطُوشِيُّ - رحمه الله - في كتاب (الحوادث والبدع) أنَّه سَمِعَ من أبي محمدٍ المقدسي رحمه الله -الإمام- قال: إنَّ أولَ ما أُحدثت صلاةُ الرَّغَائِبِ التي تُصلَّى في أول رَجَب وفي النصفِ من شعبان أول ما أحدثت في أول سنةِ أربعٍ وثمانيينَ وأربعمائةٍ من هجرةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، - قال - قَدِمَ علينا ببيتِ المقدسِ رَجُلٌ يُقال له (ابنُ أبي الحمراء) فدخلَ المسجدَ الأقصى، وكانَ حسنَ الصوتِ؛ فصلَّى بعدَ صلاةِ المغربِ فائتمَ به رجلٌ وأَحْرَمَ بعد ذلك وراءَهُ ثانٍ، فما فرغَ مِنَ الصلاةِ حتى كانت جماعةً عظيمة، ثم جاءَ مِنَ السَّنَةِ التي تلت فصلَّى كما صلَّى في السَّنَةِ الفائِتَةِ، ثم استطابت عندنا في بيتِ المقدسِ تلكَ الصلاةِ، يُصَلِّيهَا النَّاسُ في مساجدِهِم، ويصلونها في دُورِهِم وفي بيوتِهِم. فهذا أول العهد بإحداثِ تلك البدعة في القرنِ الخامسِ من هجرةِ النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبعد القرونِ الثلاثةِ المُفَضَّلَةِ، وما لم يكن يومئذٍ دِينًا فلنْ يكونَ في يومٍ مِنَ الأيامِ دِينًا.
    وأمَّا الدعاءُ الذي يُنسبُ إلى عبدِ اللهِ بن مسعودٍ -رضي الله عنه وأرضاه- فهو منه بريءٌ، وهو منه بَرَاء هذا الدعاءُ الذي يأخذُ به النَّاسُ في ليلةِ النصفِ من شعبان، يحسبونَ تَبَعًا للشيعةِ وللضُّلَالِ أنَّ ليلةَ النصفِ من شعبان هي التي أنزلَ اللهُ ربُّ العالمينَ فيها قوله: ﴿حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾[الدخان :1- 2], ثم يقولُ ربُّنا تبارك وتعالى ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ*فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ[الدخان: 3- 4]؛ فيقفُ الواقفُ في مسجدٍ اللهمَّ! يا ذا المنِّ و لا يمن عليه، ويا ذا الفضل! ولا يُتَفَضَّلُ عليه إن كنت قد كتبتني عندك في أمِّ الكتابِ شَقِيًّا أو مطرودًا أو محرومًا فامحُ ذلك وأثبت غيره!
    فإنَّ العبادةَ الجليلةَ التي يحرصُ عليها المرءُ في ليلةِ النصفِ وفي كُلِّ ليالِي العامِ -بل في كُلِّ لحظةٍ من لحظاتِ العُمُرِ الذي أعطَاهُ اللهُ ربُّ العالمينَ هبةً لعبدٍ مِنْ عبادِهِ في دنياه- يحرصُ الإنسانُ على أنْ يكونَ مُبَرَّءًا مِنَ الشركِ مُنَزَّهًا عنه؛ لأنَّ اللهَ جَلَّتْ قدرتُهُ قد مضتْ مشيئتُهُ بأنْ لا يغفرَ أنْ يُشْرَكَ به، فلا يغفرُ اللهُ ربُّ العالمينَ من هذا الدِّيوَانِ شيئًا ولو كانَ يسيرًا بتصفيةِ القلبِ مما يَعْلَقُ به من الشوائبِ وما يجرُّ إليه الشركُ مِنْ تلك المادةِ القذرةِ بالحَمْئَةِ المسنونةِ من تلك الشحناءِ بالبغضاءِ بالغِلِّ بالحسدِ.
    5- هديه التوسط:
    ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم» وفيهما عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم إذا صام حتى يقول القائل: لا والله لا يفطر ويفطر إذا فطر حتى يقول القائل: لا والله لا يصوم» وفيهما عن أنس أنه سُئل عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائما إلا رأيته ولا مفطرا إلا رأيته ولا من الليل قائما إلا رأيته ولا نائما إلا رأيته» ولمسلم عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى يقال : قد صام قد صام ويفطر حتى يقال : قد أفطر قد أفطر»
    ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أتصوم النهار وتقوم الليل؟ قال: نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأمس النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني
    »
    وفيهما عن أنس: «أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال بعضهم: لا أتزوج النساء وقال بعضهم: لا آكل اللحم وقال بعضهم: لا أنام على فراش فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب وقال: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني» وفي المسند وسنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها أن عثمان بن مظعون أراد التبتل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أترغب عن سنتي ؟ قال: لا والله ولكن سنتك أريد، قال: فإني أنام وأصلي وأصوم وأفطر وأنكح النساء فاتق الله يا عثمان فإن لأهلك عليك حقا وإن لضيفك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا فصم وافطر وصل ونم»
    وفي صحيح البخاري أن سلمان زار أبا الدرداء وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بينهما فرأى أم الدرداء متبذلة فقال : ما شأنك متبذلة ؟ فقالت : إن أخاك أبا الدرداء لا حاجة له في الدنيا فلما جاء أبو الدرداء قرب له طعاما قال له : كل فقال إني صائم فقال : ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم فقال له سلمان : نم ثم ذهب ليقوم فقال له : نم فلما كان من آخر الليل قال سلمان : قم الآن فقاما فصليا فقال سلمان : إن لنفسك عليك حقا وإن لضيفك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال : صدق سلمان» وفي رواية في غير الصحيح قال: «ثكلت سلمان أمه لقد أشبع من العلم» وهكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمروبن العاص لما كان يصوم الدهر فنهاه وأمره أن يصوم صوم داود يصوم يوما ويفطر يوما وقال له : لا أفضل من ذلك وقد ورد النهي عن صيام الدهر والتشديد فيه وهذا كله يدل على أن أفضل الصيام أن لا يستدام بل يعاقب بينه وبين الفطر
    وكان النبي صلى الله عليه وسلم: [يتوسط في إعطاء نفسه حقها ويعدل فيها غاية العدل فيصوم ويفطر ويقوم وينام وينكح النساء ويأكل ما يجد من الطيبات كالحلواء والعسل ولحم الدجاج وتارة يجوع يربط على بطنه الحجر وقال : عرض علي ربي أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت : لا يا رب ولكن أجوع يوما وأشبع يوما فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك] فاختار لنفسه أفضل الأحوال ليجمع بين مقامي الشكر والصبر والرضا ومنها ما أشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم :«تكلفوا من العمل ما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا» وقال صلى الله عليه وسلم : «أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل»
    فمن عمل عملا يقوى عليه بدنه في طول عمره في قوته وضعفه استقام سيره ومن حمل ما لا يطيق فإنه قد يحدث له مرض يمنعه من العمل بالكلية وقد يسأم ويضجر فيقطع العمل فيصير كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.
    التعديل الأخير تم بواسطة إدارة الإبانة السلفية; الساعة 2023-02-21, 07:48 PM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
يعمل...
X