بسم الله الرحمن الرحيم
المختصر النفيس
من كتاب إمتاع الجليس شرح عقائد الإيمان للإمام ابن باديس
لشيخنا العلامة:
أبي عبد المعز محمد علي فركوس
حفظه الله تعالى
المختصر النفيس
من كتاب إمتاع الجليس شرح عقائد الإيمان للإمام ابن باديس
لشيخنا العلامة:
أبي عبد المعز محمد علي فركوس
حفظه الله تعالى
إن الحمد لله نحمده، و نستعينه و نستغفره، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا، و من سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل لله و من يضلل فلا هادي له.
و أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله.
أما بعد، فإن من أجلّ أبواب الوحيد وأعظمها قدرا توحيد الأسماء والصفات، لارتباطه بالله عز وجل في ذاته وأسمائه وصفاته، إذ كمال الذات بأسمائها الحسنى وصفاتها العليا، وقد وصف الله تعالى نفسه في كتابه العزيز وعلى لسان نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بأكمل الأوصاف كما يليق بجلاله وعظمتها سبحانه، ليعرِّف العبد بربه، حتى إذا عرفه وحّده وأنس به، واستحى من قربه، وعبده كأنه يراه، لذلك كان أنفع العلوم علم التوحيد، ومنه علم الأسماء والصفات؛ لأن شرف العلم بشرف المعلوم، فالعلم بأسماء الله وصفاته أشرف العلوم.
وإن ممن خدم هذا العلم العظيمَ الشيخ عبد الحميد ابن باديس رحمه الله تعالى، وبين مذهب السلف في أسماء الله تعالى وصفاته، وقد استقى رحمه الله منابع استدلاله من المصدر القرآني واتخذه وسيلة للكشف عن حقيقة المعرفة بالله تعالى، فألف كتاب "العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية".
وقد خدم علم هذا الإمام ومصنفاته شيخنا العلامة محمد علي فركوس حفظه الله تعالى تحقيقا وتعليقا وشرحا، ومنه خدمة هذا الكتاب بالشرح والتعليق في كتاب ماتع سماه : "إمتاع الجليس شرح عقائد الإيمان للإمام ابن باديس ومنهجه في تقرير أسماء الله وصفاته" فجزاه الله خيرا.
وهذه مذكرة على شرح الشيخ محمد فركوس حفظه الله تعالى لهذا الكتاب نسأل الله تعالى أن ينفعنا بها.
عقائد الإيمان
[الوجود والقدم والبقاء]
الوجود
الله تعالى موجود لذاته، لم يسبِق وجودَه عدم، ووجوده من ذاته لذاته، لا من سبب خارج، ولا لعلة خارجة.
وهذه من العبارات التي أحدثها الفلاسفة؛ لكن معناها ثابت صحيح :
قال الله تعالى {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد 3].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي هريرة : "اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء".
وقد أجمع السلف على هذا.
أنواع الوجود
1 _ ما يجب وجوده لذاته : وهو الله تعالى، فهو الموجود الأول الأزلي الغني عما سواه.
2 _ ما يمتنع وجوده لذاته : وهو المحال، كالجمع بين الضدين، كالبياض والسواد في محل واحد، أو بين النقيضين، ككون الشيء موجودا ومعدوما في آن واحد.
3 _ ما يكون لذاته جائز الوجود والعدم –الممكن-: وهو المفتقر إلى سبب مؤثر فيه خارج عن ذاته، كالعالَم وسائر أجزائه.
تنبيه مهم
وجود الله تعالى الواجب لذاته، ووجود غيره من الكائنات وإن اتفقا في التسمية فإنهما لا يتماثلان في الأعيان، فوجود الله تعالى ليس كوجود غيره، فهو سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى 11]، و{وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص 4].
القديم
يطلق اسم القديم على الله تعالى من باب الإخبار - باب الإخبار أوسع من باب الأسماء والصفات -، ولا يدخل في أسماء الله تعالى ولا صفاته؛ لم يرد نص من الشرع على صحيته، ويغني عنه اسم الله تعالى "الأول" الوارد في النصوص الشرعية
ومعناه : هو الذي لم يسبق وجودَه وجودٌ، وهو المتقدم على غيره.
الباقي
البقاء صفة ذاتية خاصة بالله تعالى، ومعناها: الدائم الموصوف بالبقاء الذي لا نهاية لوجوده ولا يستولي عليه فناء، فهو الذي لا يلحق وجوده عدم، فلا نهاية لوجوده.
ومن أدلة صفة البقاء قوله تعالى { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن 27].
مهم
اختلف العلماء في عد الباقي من أسماء الله تعالى؛ وسبب ذلك راجع إلى الحكم على الروايات التي سردت أسماء الله تعالى الحسنى.
[سبق وجوده لكل موجود]
فهو سبحانه الموجود الذي سبق وجوده كل موجود، فكل ما سواه تعالى محدث مخلوق، كائن بعد أن لم يكن، وما كان وجود إلا بموجده الخالق له، فكان الله تعالى بجميع صفاته العلى وما كان شيء قبله ولا معه، ثم أوجد المخلوقات من العدم.
من أدلة ذلك :
1 _ من القرآن :
قال الله تعالى {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد 3].
وقال عز وجل {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان 2].
2 _ من السنة :
قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي هريرة : "اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كان الله ولم يكن شيء قبله" رواه البخاري عن عمران بن حصين.
[غناؤه عن كل موجود]
لله تعالى الغنى التام المطلق من كل وجه، لا يعتريه نقص ولا يلحقه عيب لكماله سبحانه وتعالى، وغناه ثابت لذاته لا لأمر أوجب ذلك.
والخلق فقراء محتاجون إلى ربهم بالذات من غير علة، أما ما يذكر من علل الحاجة سواء كانت من الإمكان أو الحدوث و الاحتياج فإنما هي أدلة على الافتقار وليست عللا.
أدلة كمال غنى الله تعالى :
1 _ من القرآن :
قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر 15].
وقال عز وجل {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} [الأنعام 14].
وقال تعالى{وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد 38].
وقال تعالى{فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد 24].
2 _ من السنة :
روى مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال : "يا عبادي كلكم جائع، إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار، إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي، فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد، ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر".
فمن غنى الله تعالى أن لو أعطى الأولين والآخرين من الثقلين ما سألوه مجتمعين ما نقص من ملكه شيء.
ومن غناه أن لا يزيده شيء من طاعة المخلوقات، ولا ينقصه شيء من فجور الفجار.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "قال الله عز وجل : يد الله ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، وقال : أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض، فإنه لم يغض ما في يده، وكان عرشه على الماء" متفق عليه.
فمن غناه أن ملك الله تعالى ما ينقصه شيء مما ينفقه على الخلق.
تعليق