إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بُشرَى لمن فَاتَهُ صيامُ ستَّة أيَّام من شوال  لفضيلة الشيخ د. أبي حذيفة محمد طالبي - حفظه الله -

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بُشرَى لمن فَاتَهُ صيامُ ستَّة أيَّام من شوال  لفضيلة الشيخ د. أبي حذيفة محمد طالبي - حفظه الله -

    بسم الله الرحمن الرحيم


    بُشرَى لمن فَاتَهُ صيامُ ستَّة أيَّام من شوال



    الحمد لله الملك الدَّيَّان، والصَّلاة والسَّلام الأتمَّان الأكملان، على المبعوثِ رحمةً للإنس والجانِّ، صلَّى الله عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعَهم بإحسان، إلى يوم لقاء الرَّحيم الرَّحمن، أمَّا بعدُ:
    فبعدَ انقضاء شهر رمضان من كلِّ عامٍ، يَشرعُ كثيرٌ من الحريصين على اغتنام فضيلة وأجر وثواب الصِّيام، على إتباعه بستٍّ من شوٌال، عسَى أن يكونوا ممَّن يُنادَى من باب الرَّيَّان، وعملاً منهم بحديث أبي أيُّوب الأنصاري رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (( من صام رمضان ثُمَّ أتْبعَهُ ستًّا من شوَّال كان كصيام الدَّهر)) رواه مسلم، قال ابن قُدامة في المُغني (١٧٦/٣): " صوم ستَّة أيَّام من شوَّال مستحبٌّ عند كثيرٍ من أهل العلم". انتهى، لكنْ لمَّا كان بعضُ الحريصين من أولئك الأخيار، قد تفوتُه أيَّام من رمضان لعذر شرعيٍّ؛ كمرضٍ، أو نفاسٍ، أو سفرٍ، أو نحو ذلك، ولا يستطيع قضاءَها إلاَّ في آخر أيَّام شوَّال، أو بعده، بحيثُ لا يبقى له متَّسعٌ لصيام السِّتِّ من شوَّال، فتجده حينئذٍ يتساءلُ :
    هل لِمَنْ كان عليه قضاءٌ من رمضان أن يقدِّم صيام السِّتَّة من شوَّال قبل القضاء؟
    فنُجيبه بعونِ الله :
    - لا يُشرع لك ذلك على الرَّاجح؛ لأنَّ القضاءَ واجبٌ، وصيامَ الستِّ نفلٌ، ولا ينبغي لك أن تقدِّم النَّفل على الواجب بغير دليل شرعيٍّ، فالواجبُ عليك الأَوْلى بك أن تبدأ به وتسارع إليه، وهو أحقُّ بالقضاء والمبادرة إليه من النَّفل، ولا أدلَّ على ذلك من قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم (( فديْنُ الله أحقُّ بالقضاء)) رواه مسلم، وفي رواية (( اقضُوا اللهَ فالله أحقُّ بالوفاء)) رواه البخاري.
    -فيقول: إنَّني إذا فعلتُ ما ذكرتَ لي أنَّه الرَّاجح، فاتَني الأجرُ والثَّوابُ والفضيلة، ولهذا أنا سأقدِّم صيامَ السِّتِّ من شوَّال على القضاء وإن كان مرجوحًا؛ تحصيلاً لثوابِ صيام الدَّهر، فهل إذا فعلتُ ذلك أُدْرِكُ ما قد يفوتُني من الأجر والثَّواب والفضيلة؟
    الجواب:
    -قولان لأهل العلم، والأرجح منهما أنَّك لا تحصِّل ذلك وهذا يعودُ لأمرين:
    الأوَّل: أنَّ من قدَّم صيام النَّفل وعليه قضاءٌ، لا يصدُقُ عليه أنَّه صامَ رمضان، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: (( من صام رمضان))، ولاحظْ هنا أنَّه قيَّده بقيدٍ مهمٍّ، وهو أن يكون صيامُ النَّفل بعد إتمام صيام رمضان، وهذا على ظاهره يشمل الأداء والقضاء.
    الثَّاني: أنَّ الإتباع لا يكون إلا بعد الفراغ من صوم رمضان أداءً وهذا لا خلاف فيه، أو قضاءً؛ لأنَّ دينَ الله أحقٌّ بالقضاء والوفاء.
    فإن قال: إذًا تفوتني فضيلةُ وأجرُ وثوابُ صيام السِّتِّ بعد رمضان، فهل لي من مخرجٍ؟
    الجواب:
    نعم هناك مخرجان:
    القول الأوَّل: لقد أفتى جمعٌ من أهل العلم بجواز تقديم السِّتِّ من شوَّال، لمن خشي فوات الشَّهر، ثمَّ يأتي بالقضاء بعد ذلك، وحجَّتُهم فيما ذهبُوا إليه؛ أنَّ القضاء موسَّعٌ يجوز فيه التَّراخي، بخلاف صيام السِّتِّ فإنَّه مضيَّق؛ يفوت بانتهاء عدَّة شوَّال، فيفوت معه الفضل والأجر والثَّواب، واستدلوا بفعلِ عائشة رضي الله عنها الذي ظاهره إقرار النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لها على ذلك، حيثُ قالت (( كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ)) متَّفق عليه، وممَّن أخذ بهذا القول وأفتَى به شيخُنا العلاَّمة محمد علي فركوس حفظه الله تعالى، حيثُ قال في فتاوى الصِّيام معلِّقًا على حديث عائشة رضي الله عنها، "قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: « وفي الحديث دلالةٌ على جوازِ تأخيرِ قضاءِ رمضان مُطلقًا، سواءٌ كان لعُذْرٍ أو لغير عُذرٍ؛ لأنَّ الزيادة كما بيَّنَّاه مُدْرَجةٌ، فلو لم تكن مرفوعةً لَكان الجوازُ مُقيَّدًا بالضَّرورة؛ لأنَّ للحديث حُكْمَ الرَّفع؛ لأنَّ الظَّاهر اطِّلاعُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على ذلك، مع توفُّر دواعي أزواجه على السُّؤال منه عن أمر الشَّرع؛ فلولا أنَّ ذلك كان جائزًا لم تُواظِبْ عائشةُ عليه».
    قلتُ -القائل شيخنا فركوس-: إنَّما جاز تأخيرُها للقضاء مع انتفاء الشَّكِّ في حرصها على عدم التَّفويت على نفسها رضي الله عنها لفضائلِ صيام النَّفل أثناءَ السَّنَة " انتهى.
    القول الثَّاني: وإليه ذهب بعضُ أهل العلم، ورأَوْا في المسألة وجهًا آخر، وهو إمكانيَّة إدراك فضيلة وأجر صيام السِّتِّ من شوال الواردة في حديث أبي أيوب رضي الله عنه، ولو صامَها المسلم في غير شوَّال، والمهمُّ عندهم أن تكون بعد إتمام عدَّة أيَّام رمضان أداءً أو قضاءً، وممَّن ذهبَ لهذا وقال به العلاَّمة ابن العربيِّ المالكيِّ رحمه الله تعالى.
    قلتُ: وبعد نظرٍ وتأمُّلٍ في أدلَّة الفريقين، ظهر لي والله تعالى أعلم، أنَّ ما ذهبَ إليه أصحاب القول الثَّاني هو الأرجحُ ويوضِّح ذلك البيان الآتي:
    -اعلم أخي المسلم أنَّ فضل الله واسعٌ، وخزائنه لا تنفدُ، فمَنْ فاته صيام ستٍّ من شوَّال لعذر شرعيٍّ فقضاها في شهر آخر غير شوَّال، فإنَّه يُرجَى أن يُكتب له أجرها، بدليل ما رواه النَّسائي في السُّنن الكبرى (٢٨٧٤)، عن ثوبان رضي الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( جعل الله الحسنة بعشر فشهر بعشرة أشهر وستَّة أيَّام بعد الفطر تمام السَّنَة)) وصحَّحه الألباني في الإرواء (١٠٧/٤)، وفي رواية أخرى عند ابن ماجة (١٣٩٢)، قال صلى الله عليه وسلم (( من صام ستَّة أيَّام بعد الفطر كان تمام السَّنَة))، فحمل العلماء ذكر شوَّال في حديث أبي أيُّوب رضي الله عنه على باب التَّمثيل لعموم حديث ثوبان رضي الله عنه لا على باب التَّخصيص له، والقاعدة في هذا معروفةٌ عند الأُصوليين، قال العلاَّمة ابن العربي رحمه الله تعالى في تفسيره لسورة الأعراف، وتعليقه على حديث ثوبان رضي الله عنه: " وذلك الدَّهر، ولو كانت من غير شوَّال لكان الحكم فيها كذلك، وإنَّما أشار النَّبيُّ صلى الله عليه وسلمبذكر شوَّال لا على طريق التَّعيين؛ لوجوب مساواة غيرها لها في ذلك، وإنَّما ذكر شوَّال على معنى التَّمثيل، وهذا من بديع النَّظر فاعلَمُوه" انتهى.
    وأمَّا ما استدلَّ به أصحاب القول الأوَّل من فعل عائشة رضي الله عنها فقد وجَّهه الشَّيخ العلاَّمة ابن باز رحمه الله تعالى في فتاوى نور على الدَّرب بقوله " ليس في عملها حجَّة لتقديم السِّتِّ من شوَّال على قضاء رمضان؛ لأنَّها تُؤخِّر صيام رمضان من أجل شُغلها برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأَوْلَى وأَوْلَى أن تُؤخِّر السِّتَّ من شوَّال ثمَّ لو فَعلتْ وقدَّمتِ السِّتَّ من شوَّال، فليس فِعلها حجَّة فيما يخالف ظاهر النُّصوص " انتهى.
    وإذَا تقرَّر ما تقدَّم، كان الأخذُ بهذا القول أحوط، وأبرأ للذِّمَّة، وأسرع في المبادرة بقضاء الفرض، وممَّا يستأنسُ به في هذه المسألة ما جاء في الأثر عن أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه أنَّه قال فِي وَصِيَّتِهِ لِعُمَرِ رضي الله عنه: ((وَاعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ حَقًّا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ، وَحَقًّا بِالنَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّافِلَةَ حَتَّى تُؤَدِّيَ الْفَرِيضَةَ))، وهذا الأثر بغضِّ النَّظر عمَّن أخرجه ورواه، وعن كونه مرفوعًا أو موقوفًا، وعمَّن صحَّحه أو ضعَّفه، وإن كنت قد سمعتُ الشَّيخ الألباني يصحِّحه موقوفًا، فإنَّ له معنيين:
    الأوَّل/ أنَّ الواجب على المسلم ترك التَّنفُّل حتَّى يُتمِّم فرائضه الفائتة عليه؛ لأنَّه لو فعل ذلك لم يقبل منه تنفُّله.
    الثَّاني/ أنَّ المقصود منه عدم تحصيل الثَّواب المرجوِّ من النَّافلة، إلاَّ إذا أدَّى الفريضةَ كاملة كما شرعها الله، وإلاَّ جَبَرت نافلتُه النَّقص الواقع في فريضتة.
    والمعنى الثَّاني هو الذي رجَّحه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.
    وعلى كلا المعنيين فإنَّ هذا الأثر يؤيِّد القول الرَّاجح.
    ومن هنا أزفُّ هذه البُشرى لمن حبَسه قضاء ما عليه من رمضان، عن صيام السِّتِّ من شوال، ولم يتمكَّن من ذلك لعذر شرعيٍّ، كالحيض، والنِّفاس، والسَّفر، وأراد تحصيلَ أجر وثواب وفضيلة صيام الدَّهر، نقول له: عليك أن تصوم ستَّة أيَّام بعد شوَّال، فإنَّك سينال تلك الفضيلة، وذلك الأجر والثَّواب، بفضلٍ ومنَّةٍ من ذي الجلال والإكرام الكريم الوهَّاب.
    وفي الختام أُنبِّه إخوتي في الله على أنَّ من ليس له عذرٌ شرعيٌّ، وأخَّر صيام السِّتِّ إلى ما بعد شوَّال، فإنَّه قد يدرك ما تقدَّم من الفضيلة والأجر والثَّواب، لظاهر حديث ثوبان رضي الله عنه لكنَّنا لا ننصحه بهذا التَّأخير؛ لأنَّ ذلك ليس حال السَّبَّاقين إلى الخيراتِ، والمنافسين في الدَّرجاتِ، والمبادرين لنيل محبَّة ربِّ الأرض والسَّماواتِ، والدَّليل على ما ذكرتُه ما يأتي:
    -١/قال الله تعالى: {سارعوا إلى مغفرة من ربكم}وقال أيضًا:{سابقوا إلى مغفرة من ربكم}ويقول: {فاستبقوا الخيرات}.
    -٢/قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( احرص على ما ينفعك)) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم لرجلٍ وهو يَعِظُه (( اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هِرَمِك، وصِحَّتَك قبل سِقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك)) رواه الحاكم في مستدركه (٧٨٤٦)، والبيهقي في الشُّعب (١٠٢٤٨) وصحَّحه الألباني في صحيح التَّرغيب والتَّرهيب.
    -٣/جاء في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى (( وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُه عليه ولا يزالُ عبدي يتقرَّب إليَّ بالنَّوافل حتَّى أحبَّه)) رواه البخاري، والله تعالى أعلى وأعلم.
    هذا جهدُ المقلِّ، وحاصلُ ما وُفِّقتُ لكتابته في هذه البُشرى، فإن أصبت فالفضل لله وحده، وإن أخطأت فمن نفسي والشَّيطان، وإنِّي لأستغفر الله وأتوب إليه إنَّه هو الغفور الرَّحيم، اللَّهم يا حيُّ يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام، ارزقني حبَّك، وحبَّ مَنْ يحبُّك، وحبَّ عملٍ يقرِّبني إلى حبِّك، وآخرُ دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين. ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العليُّ العظيم.

    كتبه أخوكم ومحبُّكم في الله
    أبو حذيفة محمَّد بن سعد طالبي
    وادي سوف / الجزائر
    في يوم الإثنين ٩ شوال ١٤٤١ هجري الموافق ١ جوان ٢٠٢٠ ميلادي
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2022-05-10, 06:36 AM.

  • #2
    جزاك الله خيرا أخي الشيخ محمد على هذه الفائدة الطيبة، وعلى هذه المقالة العلمية المتميزة.

    تعليق


    • #3
      بارك الله فيكم ونفع بكم مشايخنا

      تعليق


      • #4
        جزى الله أخانا أبا حذيفة خيرا ووفقه لما يحب ويرضى

        تعليق


        • #5
          جزاكم الله خيرا ، وفتح عليكم

          تعليق


          • #6
            جزاك الله خيرا أخي على نقلك، وبارك الله في الشيخ محمد طالبي، ووفقه الله لكل خير
            اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
            وسيم بن أحمد قاسيمي -غفر الله له-

            تعليق


            • #7
              يرفع للأهمية

              تعليق


              • #8
                جزاك الله خيراً أخي محمد، وحفظ الله الشيخ محمد طالبي .

                تعليق


                • #9
                  حفظك الله شيخنا الفاضل أبا حذيفة محمد بن سعد طالبي ومتعك الله بصحة والعافية

                  تعليق


                  • #10
                    برفع للحاجة

                    تعليق

                    الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
                    يعمل...
                    X