إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

من رزق القبول في تصنيفه = المقالة الرابعة من (أحوال الكتب وأنباء من كتب)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من رزق القبول في تصنيفه = المقالة الرابعة من (أحوال الكتب وأنباء من كتب)

    بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
    الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه ومن اتَّبع هداه.
    أمَّا بعد:

    فإنَّ باب التَّصنيف كغيره من أبواب العلم والعمل، أرزاقٌ مقسومة يعطي الله بعضًا ما لا يعطي آخرين، في جودة التَّصنيف وسهولته وقبوله في النَّاس.

    اشتهر بعض العلماء بأنَّه أوتي جودةً في تصنيف الكتب، قيل ذلك في ترجمة أبي عبد الله الحاكم «صاحب المستدرك»، وفي غيره أيضًا، وفي هذا الوقت كتابات شيخنا عبد المحسن العباد ـ حفظه الله ـ، فيها من الحلاوة ما فيها.


    ورُزق بعضهم القبول فيما يكتب:
    فهذه الكتب الستَّة الَّتي قبِلها الناسي واستعملوها حتَّى صارت عماد الدين وقاعدة الملَّة.
    وكتب النَّووي لا يخلو منها بيت، ولا تكاد تجد مسجد من مساجد المسلمين إلَّا وهي تُقرأ فيه أو قد قُرأت.

    وكان المغاربة لا يتسامحون في خلوِّ بيت من تصانيف ابن قتيبة، ويقولون: «البيت الَّذي ليست فيه بيت خرب».
    وتفسير الشَّيخ السَّعدي رحمه الله الموسوم بـ«تيسير الكريم الرَّحمن» يقرأ فيه العلماء وطلاب العلم، ويدرِّسونه في المساجد، لا يكاد مسجدٌ إلَّا وهو يُقرأ فيه.
    ومثله كتاب التَّوحيد للإمام المجدِّد.
    وفي هذا الوقت تداول الناس مؤلَّفات الشَّيخ الألباني وشروح الشيخ ابن عثيمين رحمهما الله بما لم يتناولوا به غيرها من الكتُب.
    أمَّا تنافس العلماء والطُّلاب في كتب ابن تيميَّة فمعلوم ظاهرٌ، يتنافسون في تحصيلها أكثر من تنافس أهل الدُّنيا على الذَّهب والفضَّة، ولله نفوذ بصيرة ابن مري ويقينُه ـ رحمه الله ـ بسنة الله التي أجراها في خلقه إذ كتب إلى تلاميذ شيخ الإسلام بعد وفاته: «ووالله ـ إن شاء الله ـ ليقيمنَّ الله سبحانه لنصر هذا الكلام ونشره، وتدوينه وتفهُّمه، واستخراج مقاصده، واستحسان غرائبه وعجائبه، رجالاً هم إلى الآن في أصلاب آبائهم ...»، قال الشَّيخ بكر أبو زيد في «المدخل إلى آثار شيخ الإسلام»: «وقد بَرَّت يمين ابن مُرِّي ـ بحمد الله ومنَّته ـ».
    فهذا من عجائب أنباء القبول، أنَّ بعض النَّاس تنبذ كتبه في حياته ثم يكتب الله لها بعد مدَّة قبولًا لا يعرف في غيرها.



    ومن عجائب أنبائه أيضًا أن يكتب لها القبول حتَّى تُنتزَع من بين يدي مؤلِّفها:
    ذكر الشَّيخ المهدي البوعبدلِّي رحمه الله في كتابه «الحياة الثَّقافية بالجزائر» (صحيفة/70) ـ ضمن «أعماله الكاملة» ـ أنَّه وجد نسخة من تفسير الثَّعالبي «الجواهر الحسان» عليها استجازة صاحبها تلميذِ الثعالبي، وممَّا كتب فيها المستجيز فيها: «عادة الله في أهل العلم المصنِّفين أن تظهر تصانيفهم بعد وفاتهم على حسب الميراث، وإن لشيخنا هذا ـ يعني الثعالبيَّ ـ في تآليفه لسرًّا بديعًا وأمرًا رفيعًا، لقد ظهرت تآليفه في حياته، وسارت بها الرُّكبان في الآفاق مع وجوده... وربَّما يكون في أثناء بعض تصانيفه والنَّاس يختطفونه من يده ويتتبَّعونه بالنَّسخ حتى ربَّما أدركه النُّسَّاخ قبل أن يستكمل الكرَّاسة فيُنظِرونه..».



    وربَّما كان هذا القبول سببًا من أسباق درِّ الرِّزق على بعض الخلق، ففي ترجمة الفرَّاء يحيى بن زياد إمامِ نحاة الكوفة من «تاريخ بغداد» و«إنباه الرُّواة» أن أبا بُديل الوضَّاحيَّ قال: «أردنا أن نعدَّ الناس الَّذين اجتمعوا لإملاء كتاب «المعاني» فلم يُضبط، قال: فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضيًا، فلم يزل يمليه حتى أتمَّه، وله كتابان فِي المشكل، أحدهما أكبر من الآخر.
    قال: فلمَّا فرغ من إملاء المعاني خزنه الورَّاقون عن النَّاس ليكسبوا به، وقالوا: «لا نُخرجه إلى أحد إلَّا إلى من أراد أن ننسخه له على خمس أوراق بدرهم»، فشكى النَّاس ذلك إلى الفرَّاء، فدعا الورَّاقين فقال لهم في ذلك، فقالوا: «إنَّما صحبناك لننتفع بك، وكلُّ ما صنفته فليس بالنَّاس إليه من الحاجة ما بهم إلى هذا الكتاب، فدعنا نعش به»، قال: «فقاربوهم تنتفعوا وينتفعوا»، فأبوا عليه، فقال: «سأريكم»، وقال للنَّاس: «إني مُمِلٌّ كتاب معانٍ أتمَّ شرحًا، وأبسط قولًا من الَّذي أمليت»، فجلس يُمِلُّ، فأملَّ الحمد في مائة ورقة، فجاء الورَّاقون إليه فقالوا: «نحن نبلغ للنَّاس ما يحبُّون»، فنسخوا كلَّ عشرة أوراق بدرهم».


    وكتاب «المعاني» هذا مطبوعٌ في ثلاثة أجزاء، وهو من أجلِّ هذا النَّوع من كتب التَّفسير، وحسبُك به جلالةً أنَّ البخاريَّ اعتمد عليه في تفسيره اعتمادًا تامًّا، فحيث يذكر معاني الألفاظ فهي في الغالب الأعمِّ من كلام ابن عبَّاس أو مجاهد أو يحيى الفرَّاء، وتفسيرُ البخاري في «صحيحه» من أجود التَّفاسير صحةً وانتقاءً، وكثيرٌ من طلَّاب العلم يغفل عنه مع جلالته، وقد شرحه استقلالًا شيخُنا عبيد بن عبد الله الجابري ـ حفظه الله وعافاه ـ في أربع مجلَّدات.
    ومن لطائف القبول أيضًا أن يروج كتاب مصنِّف مَّا عند الطَّوائف المختلفة، ولا أعلم هذه الصِّفة ذكرت في غير كتب ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ، فقد قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في ترجمته في «الدُّرر الكامنة» (3/402): «وكلُّ تصانيفه مرغوبٌ فيها بين الطَّوائف».
    وأعجب منه قول السُّبكي في «معيد النِّعم» (صحيفة/62): عن عقيدة الطَّحاويِّ: «تلقَّاها علماءُ المذاهب بالقبول، ورضوها عقيدةً»، هذا مع أنَّ فيهم الشَّافعي والمالكيَّ الأشعريَّ، والحنفيَّ الماتريديَّ، والحنبليَّ السَّلفيَّ!!.


    فللقبول شأنٌ عجيب،،،
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو البراء; الساعة 2014-08-23, 10:00 AM.

  • #2
    لله دركم شيخنا ، جزاك الله خيرا على ما خطت يمينك.
    نسأل الله أن يكتب لنا القبول في الدنيا و الآخرة

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا شيخ خالد على المقالة الرابعة من سلسلتك الطيبة المباركة فقد طال انتظاري لها فبارك الله فيكم على إخراجها.
      نسأله تعالى أن يوفقنا للاعتناء بهذه الكتب وإيفاءها حقَّها والله المستعان وعليه التكلان.

      تعليق


      • #4
        جزاك الله خيرا شيخ خالد ووفقك لإتمامها

        تعليق


        • #5
          جزاك الله خيرا أبا البراء على هذه الدرر والفوائد النيرة.

          تعليق


          • #6
            جزاك الله خيرا الشيخ "خالد" ورزقك وإياي القبول في السماء والأرض.

            تعليق


            • #7
              حفظكم الله إخوتي وبارك فيكم، وأسأل الله أن يجيب دعواتكم الطيِّبة، ويمنَّ علينا من واسع فضله.
              وأمَّا هذه:
              لله دركم شيخنا
              ، وأخواتُها من الخطاب العالي فأنا دونه، وهو فوقي، ولكم أجر حسن الظنِّ، وأدب الخطاب.

              تعليق


              • #8
                جزاك الله خيرا أيها الفاضل، مقال ماتع.
                فأنا دونه، وهو فوقي
                أسأل الله تعالى أن يرفع درجاتك في الجنة و أن يزيدك من فضله.

                تعليق


                • #9
                  آمين، بارك الله فيك أخي يوسف.

                  تعليق


                  • #10
                    وددت لو أعلق بجميع ما في نفسي! لكني أكتفي بسؤال الله أن يديمك لنا مفيدا.

                    تعليق


                    • #11
                      جزاك الله خيرا شيخ خالد ونفعنا الله بما تكتب يداك .

                      تعليق


                      • #12
                        حفظكما الله وبارك فيكما.
                        وددت لو أعلق بجميع ما في نفسي! لكني أكتفي بسؤال الله أن يديمك لنا مفيدا
                        هذه تضطرب لها الأفئدة أبا محمَّد.

                        تعليق

                        الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
                        يعمل...
                        X