اتيان الزوجة في دبرها كفرٌ في الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد :
فإنّ من المحزن المؤلم استهانة بعض المسلمين – هداهم الله – بمعصية اتيان أزواجهم في أدبارهنّ مع كون هذا الفعل شنيعاً في الشرع مذموماً في الطبع ،وهو من جملة الكبائر بل من الكفر بالله –كما سيأتي عن حبر هذه الأمة وترجمانها – فنصحاً لهؤلاء المبتلين بهذه الرّذيلة وحماية من التّلطّخ بها كتبت هذه السطور نصحاً للدّين وعامّة المسلمين.
أولاً:قوله تعالى : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) المراد به القبل مكان الولد فحسب، دون الدّبر مكان الغائط والقذر ،ودليل ذلك ما يلي :
1- عن جابر بن عبد الله قال :"كانت اليهود تقول :إذا أتى الرّجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت:( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)"متفق عليه ،قال الحاكم في معرفة علوم الحديث ص20 :"فإنّ الصحابيّ الذي شهد الوحي والتنزيل فأخبر عن آية من القرآن أنّها نزلت في كذا وكذا فإنّه حديث مسند"ا.هـ يعني كأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قاله .
2- قال أبو العبّاس ابن تيمية –رحمه الله – في مجموع الفتاوى(32/267)(والحرث) موضع الزرع والولد إنّما يزرع في الفرج لا في الدّبر (فأتوا حرثكم ) وهو موضع الولد ،(أنّى شئتم) أي من أين شئتم :من قبلها ومن دبرها وعن يمينها وعن شمالها فالله تعالى سمّى النّساء حرثاً وإنّما رخّص في اتيان الحروث والحرث إنّما يكون في الفرج …ا.هـ قال القرطبيّ في تفسيره (3/93 ):" (وحرث) تشبيه ، لأنّهنّ مزدرع الذّريّة ، فلفظ(الحرث) يعطي أنّ الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصّة إذ هو المزدرع –ثم قال – ففرج المرأة كالأرض ، والنّطفة كالبذر ، والولد كالنّبات فالحرث بمعنى المحترث ا.هـ
3- أنّ العلماء اتفقوا على أنّ سبب نزول الآية هو اتيان النساء من جهة الدّبر في القبل.أفاده ابن تيمية –رحمه الله – راجع مجموع الفتاوى (32 /265 )
ثانياً: إليك الأدلّة الدالة على حرمة هذا الفعل الشنيع وأنّه كفر بالله :
1-الأدلّة المتكاثرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم المحرّمة لهذا الفعل وهي تزيد على عشرة أحاديث صرّح بعض أهل العلم بصحّة بعضها كابن تيمية وابن حجر وابن كثير .بينما ذهبت طائفة إلى عدم صحة حديث في الباب كالبخاري والنّسائيّ والبزار والذّهلي(1)،فمن صحّت عنده فليس له المحيص عن القول بها ومن لم تصح عنده فإليه الأدلّة اللاحقة :
2- ما أخرجه عبد الرزاق والنّسائي بإسناد صحيح أنّ رجلاً سأل ابن عباس عن اتيان المرأة في دبرها فقال:"تسألني عن الكفر ".وصححه ابن كثير في تفسيره (1/593 )وفي هذا الأثر أمران :الأول /أنّ له حكم الرفع بالإجماع لأنّ كل أمر وصفه الصحابي بأنّه كفر أو شرك فإنّه مسند بالإجماع . أفاده ابن عبد البر وأقرّه ابن حجر في النّكت على ابن الصلاح (2/530) .الثاني / أنّه صريح في أنّ هذه الفعلة الرذيلة من كبائر المعاصي والذنوب . وإنّي لأظنّ هذا الأثر المروي عن ابن عباس المعدَّ مسنداً كافياً لمن أراد الله هداه .
3-قال محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله –في تفسيره أضواء البيان (1/126 ):"ومما يؤيد أنه لا يجوز اتيان النساء في أدبارهنّ أنّ الله تعالى حرّم الفرج في الحيض لأجل القذر العارض له ،مبيناً أن ذلك القذر هو علّة المنع بقوله (قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) الآية .فمن باب أولى تحريم الدبر للقذرة النّجاسة اللازمة ،ولا ينتقض ذلك بجواز وطء المستحاضة لأنّ دم الإستحاضة ليس في الإستقذار كدم الحيض ولا كنجاسة الدبر، لأنّه دم انفجار العرق فهو كدم الجرح "ا.هـ ونحو هذا قال القرطبي في تفسيره (3/94) وابن تيمية في مجموع الفتاوى (32/ 268). وأخيراً أنبه إلى أنّ القول بحرمة اتيان المرأة في دبرها عليه عامّة المسلمين من الصحابة والتابعين كما أفاده ابن تيمية وقال مرّة :"محرم عند جمهور السلف والخلف "ا.هـ وعلى القول بحرمته ذهب الأئمة الأربعة –رحمهم الله – وما نسب إلى الإمام مالك من القول بجوازه فلا يثبت عنه كما بينه جمع من أصحابه وغيرهم .راجع تفسير القرطبي (3/93 ) وتفسير ابن كثير (1/598 ).
وأيضاً ما نسب إلى الصحابي الجليل عبد الله بن عمر فلا يثبت عنه بل الثابت خلافه فقد روى الدارمي عن أبي الحباب قال قلت لابن عمر :ما تقول في الجواري أنحمض لهنّ؟ قال: وما التحميض ؟فذكر الدبر ،فقال :وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين ؟ قال ابن كثير عقبه :وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك فكل ما ورد عنه مما يحتمل ويحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم ا.هـ وتنبه –أيها القارئ الكريم – أنّ بعضهم نسب القول بالجواز إلى ابن عمر معتمداً على مثل ما روى البخاري أنّ ابن عمر قال لنافع :أتدري فيمن نزلت (نساؤكم حرث لكم …)؟قلت:لا ،قال:نزلت في اتيان النساء في أدبارهنّ " وهذا النسبة إلى ابن عمر بناء على هذا الأثر خطأ لا شك فيه لأنّ قوله : "اتيان النساء في أدبارهنّ" محتمل لكونه من جهة الدبر إلى القبل ومحتمل لكونه إيلاجاً في الدبر و الاحتمال الآخر عن ابن عمر منتفٍ –لما سبق من الرواية الصريحة عنه المحرّمة لهذا الفعل – وأيضاً الآية واضحة الدلالة في أنّ المراد القبل ، ومثله لا يخفى على ابن عمر –رضي الله عنهما – ثم يقال أيضاً (من باب التنزل مع المخالف) لو كان مذهب ابن عمر جواز الإيلاج في الدبر لكان قول ابن عباس مقدّماً ومرجّحاً عليه من أوجه منها :
أ?- أنّ كلام ابن عباس السابق في حكم المسند بالإجماع –كما سبق – وما كان كذلك فهو مقدّم على قول ابن عمر-لو ثبت عنه-.
ب?- أنّ كلام ابن عباس ناقل عن الأصل وما كان ناقلاً عن الأصل فمعه زيادة علم توجب تقديمه على غيره ووجه ذلك/ أنّ للرّجل الإستمتاع بزوجه أينما شاء وكيفما شاء هذا هو الأصل ثمّ جاء أثر ابن عبّاس فنقل عن هذا الأصل بوصفه بالكفر –نسأل الله العافية.
هذا كلّه على فرض أنّ ابن عمر يقول بجواز الإيلاج في الدبر وبين وإدعائه وإثباته عنه خرطُ القتاد.
وختاماً/ إنّي لأدعو من غلبته نفسه وشيطانه على ارتكاب هذه الجريمة الشنيعة بتأويل أو بغير تأويل أن يبادروا مسارعين بالتوبة إلى الرب الرحمن الرحيم ولا يبدّلوا نعمة الله كفراً.
وسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتبه /عبد العزيز بن ريس الريس
المشرف على موقع الإسلام العتيق
www.islamancient.com
5 /11 /1420 هـ
-- ------------------------------------------------------------------------------
(1) راجع مجموع الفتاوى (32/266 )وفتح الباري (8/ 38 –39 )وتفسير ابن كثير (1/591 )
منقول
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد :
فإنّ من المحزن المؤلم استهانة بعض المسلمين – هداهم الله – بمعصية اتيان أزواجهم في أدبارهنّ مع كون هذا الفعل شنيعاً في الشرع مذموماً في الطبع ،وهو من جملة الكبائر بل من الكفر بالله –كما سيأتي عن حبر هذه الأمة وترجمانها – فنصحاً لهؤلاء المبتلين بهذه الرّذيلة وحماية من التّلطّخ بها كتبت هذه السطور نصحاً للدّين وعامّة المسلمين.
أولاً:قوله تعالى : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) المراد به القبل مكان الولد فحسب، دون الدّبر مكان الغائط والقذر ،ودليل ذلك ما يلي :
1- عن جابر بن عبد الله قال :"كانت اليهود تقول :إذا أتى الرّجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت:( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)"متفق عليه ،قال الحاكم في معرفة علوم الحديث ص20 :"فإنّ الصحابيّ الذي شهد الوحي والتنزيل فأخبر عن آية من القرآن أنّها نزلت في كذا وكذا فإنّه حديث مسند"ا.هـ يعني كأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قاله .
2- قال أبو العبّاس ابن تيمية –رحمه الله – في مجموع الفتاوى(32/267)(والحرث) موضع الزرع والولد إنّما يزرع في الفرج لا في الدّبر (فأتوا حرثكم ) وهو موضع الولد ،(أنّى شئتم) أي من أين شئتم :من قبلها ومن دبرها وعن يمينها وعن شمالها فالله تعالى سمّى النّساء حرثاً وإنّما رخّص في اتيان الحروث والحرث إنّما يكون في الفرج …ا.هـ قال القرطبيّ في تفسيره (3/93 ):" (وحرث) تشبيه ، لأنّهنّ مزدرع الذّريّة ، فلفظ(الحرث) يعطي أنّ الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصّة إذ هو المزدرع –ثم قال – ففرج المرأة كالأرض ، والنّطفة كالبذر ، والولد كالنّبات فالحرث بمعنى المحترث ا.هـ
3- أنّ العلماء اتفقوا على أنّ سبب نزول الآية هو اتيان النساء من جهة الدّبر في القبل.أفاده ابن تيمية –رحمه الله – راجع مجموع الفتاوى (32 /265 )
ثانياً: إليك الأدلّة الدالة على حرمة هذا الفعل الشنيع وأنّه كفر بالله :
1-الأدلّة المتكاثرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم المحرّمة لهذا الفعل وهي تزيد على عشرة أحاديث صرّح بعض أهل العلم بصحّة بعضها كابن تيمية وابن حجر وابن كثير .بينما ذهبت طائفة إلى عدم صحة حديث في الباب كالبخاري والنّسائيّ والبزار والذّهلي(1)،فمن صحّت عنده فليس له المحيص عن القول بها ومن لم تصح عنده فإليه الأدلّة اللاحقة :
2- ما أخرجه عبد الرزاق والنّسائي بإسناد صحيح أنّ رجلاً سأل ابن عباس عن اتيان المرأة في دبرها فقال:"تسألني عن الكفر ".وصححه ابن كثير في تفسيره (1/593 )وفي هذا الأثر أمران :الأول /أنّ له حكم الرفع بالإجماع لأنّ كل أمر وصفه الصحابي بأنّه كفر أو شرك فإنّه مسند بالإجماع . أفاده ابن عبد البر وأقرّه ابن حجر في النّكت على ابن الصلاح (2/530) .الثاني / أنّه صريح في أنّ هذه الفعلة الرذيلة من كبائر المعاصي والذنوب . وإنّي لأظنّ هذا الأثر المروي عن ابن عباس المعدَّ مسنداً كافياً لمن أراد الله هداه .
3-قال محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله –في تفسيره أضواء البيان (1/126 ):"ومما يؤيد أنه لا يجوز اتيان النساء في أدبارهنّ أنّ الله تعالى حرّم الفرج في الحيض لأجل القذر العارض له ،مبيناً أن ذلك القذر هو علّة المنع بقوله (قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) الآية .فمن باب أولى تحريم الدبر للقذرة النّجاسة اللازمة ،ولا ينتقض ذلك بجواز وطء المستحاضة لأنّ دم الإستحاضة ليس في الإستقذار كدم الحيض ولا كنجاسة الدبر، لأنّه دم انفجار العرق فهو كدم الجرح "ا.هـ ونحو هذا قال القرطبي في تفسيره (3/94) وابن تيمية في مجموع الفتاوى (32/ 268). وأخيراً أنبه إلى أنّ القول بحرمة اتيان المرأة في دبرها عليه عامّة المسلمين من الصحابة والتابعين كما أفاده ابن تيمية وقال مرّة :"محرم عند جمهور السلف والخلف "ا.هـ وعلى القول بحرمته ذهب الأئمة الأربعة –رحمهم الله – وما نسب إلى الإمام مالك من القول بجوازه فلا يثبت عنه كما بينه جمع من أصحابه وغيرهم .راجع تفسير القرطبي (3/93 ) وتفسير ابن كثير (1/598 ).
وأيضاً ما نسب إلى الصحابي الجليل عبد الله بن عمر فلا يثبت عنه بل الثابت خلافه فقد روى الدارمي عن أبي الحباب قال قلت لابن عمر :ما تقول في الجواري أنحمض لهنّ؟ قال: وما التحميض ؟فذكر الدبر ،فقال :وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين ؟ قال ابن كثير عقبه :وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك فكل ما ورد عنه مما يحتمل ويحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم ا.هـ وتنبه –أيها القارئ الكريم – أنّ بعضهم نسب القول بالجواز إلى ابن عمر معتمداً على مثل ما روى البخاري أنّ ابن عمر قال لنافع :أتدري فيمن نزلت (نساؤكم حرث لكم …)؟قلت:لا ،قال:نزلت في اتيان النساء في أدبارهنّ " وهذا النسبة إلى ابن عمر بناء على هذا الأثر خطأ لا شك فيه لأنّ قوله : "اتيان النساء في أدبارهنّ" محتمل لكونه من جهة الدبر إلى القبل ومحتمل لكونه إيلاجاً في الدبر و الاحتمال الآخر عن ابن عمر منتفٍ –لما سبق من الرواية الصريحة عنه المحرّمة لهذا الفعل – وأيضاً الآية واضحة الدلالة في أنّ المراد القبل ، ومثله لا يخفى على ابن عمر –رضي الله عنهما – ثم يقال أيضاً (من باب التنزل مع المخالف) لو كان مذهب ابن عمر جواز الإيلاج في الدبر لكان قول ابن عباس مقدّماً ومرجّحاً عليه من أوجه منها :
أ?- أنّ كلام ابن عباس السابق في حكم المسند بالإجماع –كما سبق – وما كان كذلك فهو مقدّم على قول ابن عمر-لو ثبت عنه-.
ب?- أنّ كلام ابن عباس ناقل عن الأصل وما كان ناقلاً عن الأصل فمعه زيادة علم توجب تقديمه على غيره ووجه ذلك/ أنّ للرّجل الإستمتاع بزوجه أينما شاء وكيفما شاء هذا هو الأصل ثمّ جاء أثر ابن عبّاس فنقل عن هذا الأصل بوصفه بالكفر –نسأل الله العافية.
هذا كلّه على فرض أنّ ابن عمر يقول بجواز الإيلاج في الدبر وبين وإدعائه وإثباته عنه خرطُ القتاد.
وختاماً/ إنّي لأدعو من غلبته نفسه وشيطانه على ارتكاب هذه الجريمة الشنيعة بتأويل أو بغير تأويل أن يبادروا مسارعين بالتوبة إلى الرب الرحمن الرحيم ولا يبدّلوا نعمة الله كفراً.
وسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتبه /عبد العزيز بن ريس الريس
المشرف على موقع الإسلام العتيق
www.islamancient.com
5 /11 /1420 هـ
-- ------------------------------------------------------------------------------
(1) راجع مجموع الفتاوى (32/266 )وفتح الباري (8/ 38 –39 )وتفسير ابن كثير (1/591 )
منقول
تعليق