قل الحق ، ولا تخشى الخلق! فإن اجتماع النَّاس على الرِّضَى عليك محال ؛ فقل الحق !
قال شيخ الإسلام _ رحمه الله العلام _ في " مجموع الفتاوى " ( 3 \ 232 _ 233 ) : " ومما يجب أن يعلم أنه لا يسوغ فى العقل ولا الدين طلب رضى المخلوقين لوجهين :
أحدهما : أن هذا غير ممكن ؛ كما قال الشافعى _ رضى الله عنه _ : رضى الناس غاية لا تدرك فعليك بالأمر الذى يصلحك فالزمه ودع ما سواه ولا تعانه .
والثانى : أنا مأمورون بأن نتحرى رضى الله ورسوله ، كما قال تعالى : (( والله ورسوله أحق أن يرضوه )).
وعلينا أن نخاف الله فلا نخاف أحدا إلا الله كما قال تعالى : (( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين )) وقال : (( فلا تخشوا الناس واخشون )) ، وقال : (( فإياي فارهبون وإياي فاتقون )) ، فعلينا أن نخاف الله ونتقيه فى النَّاس فلا نظلمهم بقلوبنا ولا جوارحنا ، ونؤدى إليهم حقوقهم بقلوبنا وجوارحنا ، ولا نخافهم فى الله فنترك ما أمر الله به ورسوله خيفة منهم ، ومن لزم هذه الطريقة كانت العاقبة له" .
وتذكر ما قاله العلامة ابن القيم _ رحمه الله _ في " مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" ( 2 \ 300 _ 301 ) : " هذا وقد جرت سنة الله التي لا تبديل لها أنَّ من آثر مرضاة الخلق على مرضاته ؛ أن يسخط عليه من آثر رضاه ، ويخذله من جهته ويجعل محنته على يديه ، فيعود حامده ذاما .
ومن آثر مرضاته ساخطا فلا على مقصوده منهم حصل ولا إلى ثواب مرضاة ربه وصل وهذا أعجز الخلق وأحمقهم!
هذا مع أن رضا الخلق : لا مقدور ولا مأمور ولا مأثور فهو مستحيل ؛ بل لا بد من سخطهم عليك ، فلأن يسخطوا عليك وتفوز برضى الله عنك أحب إليك وأنفع لك من أن يسخطوا عليك والله عنك غير راض .
فإذا كان سخطهم لابد منه على التقديرين فآثر سخطهم الذي ينال به رضى الله فإن هم رضوا عنك بعد هذا وإلا فأهون شيء رضى من لا ينفعك رضاه ولا يضرك سخطه في دينك ولا في إيمانك ولا في آخرتك فإن ضرك في أمر يسير في الدنيا فمضرة سخط الله أعظم وأعظم !
وخاصة العقل : احتمال أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما وتفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما ، فوازن بعقلك ثم انظر أي الأمرين وأيهما خير فآثره ، وأيهما شر فأبعد عنه ، فهذا برهان قطعي ضروري في إيثار رضا الله على رضا الخلق .
هذا مع أنه إذا آثر رضى الله كفاه الله مؤنة غضب الخلق وإذا آثر رضاهم لم يكفوه مؤنة غضب الله عليه ، قال بعض السلف : لمصانعة وجه واحد أيسر عليك من مصانعة وجوه كثيرة إنك إذا صانعت ذلك الوجه الواحد كفاك الوجوه كلها " .
وقال رحمه الله في " الصواعق المرسلة " ( 3 \ 1158 ) : " وأما الجاهل المقلد فلا تعبأ به ولا يسوءك سبه وتكفيره وتضليله فإنه كنباح الكلب فلا تجعل للكلب عندك قدرا أن ترد عليه كلما نبح عليك ودعه يفرح بنابحه وأفرح أنت بما فضلت به عليه من العلم والإيمان والهدى واجعل الإعراض عنه من بعض شكر نعمة الله التي ساقها إليك وأنعم بها عليك".
تعليق