إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بعض الفوائد المستخرجة من ترجمة الذهبي لهشام الدستوائي -رحمهما الله-

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بعض الفوائد المستخرجة من ترجمة الذهبي لهشام الدستوائي -رحمهما الله-

    إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
    أما بعد:
    عند مطالعتي لترجمة الحافظ الحجة، أبي بكر هشام بن أبي عبد الله سنبر البصري، المعروف بـ(الدستوائي)، في كتاب "سير أعلم النبلاء"(1)، وجدت فيها تعليقات مفيدة للحافظ الذهبي –رحمه الله-، أحببت أن أنسقها على شكل فوائد، وأن أضع لها عناوين تقرب معنى محتواها، والله الموفق.
    الفائدة الأولى: هضمهم لأنفسهم –رحمهم الله-:
    قالَ عون بن عمارة: سمعت هشاما الدَّستُوائِيَّ يقول: «والله ما أستطيع أن أقول إنّي ذهبتُ يومًا قطّ أطلبُ الحديثَ، أريد به وجه الله -عز وجل-».
    قُلْتُ -أي الذهبي-: «وَاللهِ وَلاَ أَنَا...»(2).
    لو كان إلا هذا لكفى، فكيف وقد قال فيه أمير المؤمنين في الحديث ما قال، فعن أميةَ بنَ خالد أنه قال: سمعت شعبة يَقُولُ: «مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَقُولُ إِنَّهُ طَلَبَ الحديثَ يُرِيد به اللهَ، إِلا هِشَامَ صَاحِبَ الدَّسْتُوَائِي، وَكَانَ يَقُولُ: لَيْتَنَا نَنْجُو من هذا الحَدِيثِ كَفَافاً، لاَ لَنَا وَلاَ عَلَيْنَا».
    ثم قال شعبة: «إِذَا كَانَ هِشَامٌ يَقُوْلُ هَذَا، فَكَيْفَ نَحْنُ؟!»(3).
    فائدة: بل قال شعبة نفسه –رحمه الله-: «ما شيء أخوف عندي من أن يدخلني النار من الحديث»(4).
    الفائدة الثانية: تقسيم الذهبي –رحمه الله- لمن روى العلم:
    قال الذهبي –رحمه الله- في تعليقه على قول هشام الدستوائي –رحمه الله- السابق: «والله ما أستطيع أن أقول أني ذهبت...».
    فقال: «... فقد كان السلف يطلبون العلم لله، فنبلوا، وصاروا أئمة يقتدى بهم، وطلبه قوم منهم أولا لا لله، وحصلوه، ثم استفاقوا، وحاسبوا أنفسهم، فجرهم العلم إِلى الإخلاص في أثناء الطريق، كما قال مجاهد، وغيره: «طَلَبْنَا هَذَا العِلْمَ، وَمَا لَنَا فِيهِ كَبِيْرُ نِيَّةٍ، ثُمَّ رَزَقَ اللهُ النِّيَّةَ بَعْدُ».
    وبعضهم يقول: «طَلَبْنَا هَذَا العِلْمَ لِغَيْرِ اللهِ، فَأَبَى أَنْ يَكُونَ إِلاَّ للهِ»، فهذا أيضا حسن، ثم نشروه بنية صالحة.
    وَقَوْمٌ طَلَبُوْهُ بِنِيَّةٍ فَاسِدَةٍ لأَجْلِ الدُّنْيَا، وَلِيُثْنَى عَلَيْهِم، فَلَهُم مَا نَوَوْا. قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((مَنْ غَزَا يَنْوِي عِقَالاً، فَلَهُ مَا نَوَى))(5).
    وَترَى هَذَا الضَّربَ لَمْ يَسْتَضِيْؤُوا بِنُوْرِ العِلْمِ، وَلاَ لَهُم وَقْعٌ فِي النُّفُوْسِ، وَلاَ لِعِلْمِهِم كَبِيْرُ نَتِيجَةٍ مِنَ العَمَلِ، وَإِنَّمَا العَالِمُ مَنْ يَخشَى اللهَ -تَعَالَى-.
    وَقَوْمٌ نَالُوا العِلْمَ، وولوا بِهِ المَنَاصِبَ، فَظَلَمُوا، وَتَرَكُوا التَّقَيُّدَ بِالعِلْمِ، وَرَكِبُوا الكَبَائِرَ وَالفَوَاحِشَ، فَتَبّاً لَهُم، فَمَا هَؤُلاَءِ بِعُلَمَاءَ!
    وَبَعْضُهُم لَمْ يَتَّقِ اللهَ فِي عِلْمِهِ، بَلْ رَكِبَ الحِيَلَ، وَأَفْتَى بِالرُّخَصِ، وَرَوَى الشَّاذَّ مِنَ الأَخْبَارِ.
    وَبَعْضُهُم اجْتَرَأَ عَلَى اللهِ، وَوَضَعَ الأَحَادِيْثَ، فَهَتَكَهُ اللهُ، وَذَهَبَ عِلْمُهُ، وَصَارَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ.
    وَهَؤُلاَءِ الأَقسَامُ كُلُّهُم رَوَوْا مِنَ العِلْمِ شَيْئاً كَبِيْراً، وَتَضَلَّعُوا مِنْهُ فِي الجُمْلَةِ، فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِم خَلْفٌ باَنَ نَقْصُهُم فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ.
    وَتَلاَهُم قَوْمٌ انْتَمَوْا إِلَى العِلْمِ فِي الظَّاهِرِ، وَلَمْ يُتْقِنُوا مِنْهُ سِوَى نَزْرٍ يَسِيرٍ، أَوْهَمُوا بِهِ أَنَّهُم عُلَمَاءُ فُضَلاَءُ، وَلَمْ يَدُرْ فِي أَذهَانِهِم قَطُّ أَنَّهُم يَتَقَرَّبُوْنَ بِهِ إِلَى اللهِ؛ لأَنَّهُم مَا رَأَوْا شَيْخاً يُقْتَدَى بِهِ فِي العِلْمِ، فَصَارُوا هَمَجاً رَعَاعاً، غَايَةُ المُدَرِّسِ مِنْهُم أَنْ يُحَصِّلَ كُتُباً مُثَمَّنَةً، يَخْزُنُهَا، وَيَنْظُرُ فِيْهَا يَوْماً مَا، فَيُصَحِّفُ مَا يُوْرِدُهُ، وَلاَ يُقَرِّرُهُ.
    فَنَسْأَلُ اللهَ النَّجَاةَ وَالعَفْوَ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُم: «مَا أَنَا عَالِمٌ، وَلاَ رَأَيتُ عَالِماً».(6).
    الفائدة الثالثة: تواضع الذهبي –رحمه الله-:
    ورد ذلك في تعليقه على قول الحافظ بن معين، قال الحافظ مُحَمَّدُ بنُ البَرْقِيِّ: قُلْتُ لِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: «أَرَأَيتَ مَنْ يُرْمَى بِالقَدَرِ، يُكْتَبُ حَدِيْثُه؟»
    قَالَ: «نَعَمْ، قَدْ كَانَ قَتَادَةُ، وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَعَبْدُ الوَارِثِ ... - وَذَكَرَ جَمَاعَةً - يَقُوْلُوْنَ بِالقَدَرِ، وَهُم ثِقَاتٌ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُم، مَا لَمْ يَدْعُوا إِلَى شَيْءٍ».
    قُلْتُ –أي الذهبي-: «هَذِهِ مَسْأَلَةٌ كَبِيْرَةٌ، وَهِيَ: القَدَرِيُّ، وَالمُعْتَزِلِيُّ، وَالجَهْمِيُّ، وَالرَّافِضِيُّ، إِذَا عُلِمَ صِدْقُهُ فِي الحَدِيْثِ وَتَقْوَاهُ، وَلَمْ يَكُنْ دَاعِياً إِلَى بِدْعَتِهِ، فَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ العُلَمَاءِ قَبُولُ رِوَايَتِهِ، وَالعَمَل بِحَدِيْثِهِ، وَتَرَدَّدُوا فِي الدَّاعِيَةِ، هَلْ يُؤْخَذُ عَنْهُ؟
    فَذَهَبَ كَثِيْرٌ مِنَ الحُفَّاظِ إِلَى تَجَنُّبِ حَدِيْثِهِ، وَهُجْرَانِهِ.
    وَقَالَ بَعْضُهُم: إِذَا عَلِمْنَا صِدْقَهُ، وَكَانَ دَاعِيَةً، وَوَجَدْنَا عِنْدَهُ سُنَّةً تَفَرَّدَ بِهَا، فَكَيْفَ يَسُوغُ لَنَا تَرْكُ تِلْكَ السُّنَّةِ؟
    فَجَمِيْعُ تَصَرُّفَاتِ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ، تُؤْذِنُ بِأَنَّ المُبتَدِعَ إِذَا لَمْ تُبِحْ بِدعَتُه خُرُوْجَه مِنْ دَائِرَةِ الإِسْلاَمِ، وَلَمْ تُبِحْ دَمَهُ، فَإِنَّ قَبُولَ مَا رَوَاهُ سَائِغٌ.
    وَهَذِهِ المَسْأَلَةُ لَمْ تَتَبَرْهَنْ لِي كَمَا يَنْبَغِي، وَالَّذِي اتَّضَحَ لِي مِنْهَا: أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي بِدعَةٍ، وَلَمْ يُعَدَّ مِنْ رُؤُوْسِهَا، وَلاَ أَمْعَنَ فِيْهَا، يُقْبَلُ حَدِيْثُه، كَمَا مَثَّلَ الحَافِظُ أَبُو زَكَرِيَّا بِأُوْلَئِكَ المَذْكُوْرِيْنَ، وَحَدِيْثُهُم فِي كُتُبِ الإِسْلاَمِ لِصِدْقِهِم وَحِفْظِهِم»(7).اهـ
    والله أعلم.
    ==========
    (1) (7/149) طبعة: مؤسسة الرسالة.
    (2) (7/152).
    (3) (7/150)
    (4) (7/213).
    (5) قال المحقق: أخرجه أحمد (5/315)، والدارمي (2/208)، والنسائي (6/24)، من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا، بلفظ: ((من غزا في سبيل الله، لم ينوإلا عقالا، فله ما نوى)). وفي سنده يحي بن الوليد بن عبادة بن الصامت، لم يوثقه غير بن حبان، وباقي رجاله ثقات.
    (6) (7/152).
    (7) (7/153-154).
    التعديل الأخير تم بواسطة ضيف; الساعة 2012-10-30, 10:20 PM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
يعمل...
X