بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى في سورة "الحاقة":
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ}{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ}
{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ}{سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ}
{وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ} {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً}
الآيات من: 5 إلى 10
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ}{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ}
{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ}{سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ}
{وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ} {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً}
الآيات من: 5 إلى 10
ولقد بين العلاّمة (الشّنقيطيّ) –رحمه الله- في سياق تفسيره لتلك الآيات الكريمة، نقطة مهمّة عن المناسبة بين (نوع العقوبة) و(الأمة التي وقعت عليها تلك العقوبة) حيث قال:
"نَصَّ تَعَالَى -هُنَا- أَنَّ فِرْعَوْنَ وَمَنْ قَبْلَهُ، وَالْمُؤْتَفِكَاتِ جَاءُو بِالْخَاطِئَةِ، وَهِيَ: {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ}
وَكَذَلِكَ عَادٌ وَثَمُودُ كَذَّبُوا بِالْقَارِعَةِ.
فَالْجَمِيعُ اشْتَرَكَ فِي الْخَاطِئَةِ، وَهِيَ: عِصْيَانُ الرَّسُولِ
{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ}
وَلَكِنَّهُ قَد أَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً.
وَنَوَّعَ فِي أَخْذِهِمْ ذَلِكَ:
- فَأَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَ نُوحٍ،
- وَأَخَذَ ثَمُودَ بِالصَّيْحَةِ،
- وَعَادًا بِرِيحٍ،
- وَقَوْمَ لُوطٍ بِقَلْبِ قُرَاهُمْ،
- كَمَا أَخَذَ جَيْشَ أَبْرَهَةَ بِطَيْرٍ أَبَابِيلَ،
فَهَلْ فِي ذَلِكَ مُنَاسَبَةٌ بَيْنَ كُلِّ أُمَّةٍ وَعُقُوبَتِهَا؟
أَمْ أَنَّهُ لِلتَّنْوِيعِ فِي الْعُقُوبَةِ; لِبَيَانِ قُدْرَتِهِ تَعَالَى، وَتَنْكِيلِهِ بِالْعُصَاةِ لِرُسُلِ اللَّهِ؟
الْوَاقِعُ أَنَّ أَيَّ نَوْعٍ مِنَ (الْعُقُوبَةِ) فِيهِ آيَةٌ عَلَى (الْقُدْرَةِ)! وَفِيهِ تَنْكِيلٌ بِمَنْ وَقَعَ بِهِمْ! وَلَكِنَّ تَخْصِيصَ كُلِّ أُمَّةٍ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهَا يُثِيرُ تَسَاؤُلًا، وَلَعَلَّ مِمَّا يُشِيرُ إِلَيْهِ الْقُرْآنُ إِشَارَةً خَفِيفَةً هُوَ الْآتِي:
أَمَّا فِرْعَوْنُ:
فَقَدْ كَانَ يَقُولُ:
{أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51]
فَلَمَّا كَانَ يَتَطَاوَلُ بِهَا؛ جَعَلَ اللَّهُ هَلَاكَهُ فِيهَا، أَيْ: فِي جِنْسِهَا.
"نَصَّ تَعَالَى -هُنَا- أَنَّ فِرْعَوْنَ وَمَنْ قَبْلَهُ، وَالْمُؤْتَفِكَاتِ جَاءُو بِالْخَاطِئَةِ، وَهِيَ: {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ}
وَكَذَلِكَ عَادٌ وَثَمُودُ كَذَّبُوا بِالْقَارِعَةِ.
فَالْجَمِيعُ اشْتَرَكَ فِي الْخَاطِئَةِ، وَهِيَ: عِصْيَانُ الرَّسُولِ
{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ}
وَلَكِنَّهُ قَد أَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً.
وَنَوَّعَ فِي أَخْذِهِمْ ذَلِكَ:
- فَأَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَ نُوحٍ،
- وَأَخَذَ ثَمُودَ بِالصَّيْحَةِ،
- وَعَادًا بِرِيحٍ،
- وَقَوْمَ لُوطٍ بِقَلْبِ قُرَاهُمْ،
- كَمَا أَخَذَ جَيْشَ أَبْرَهَةَ بِطَيْرٍ أَبَابِيلَ،
فَهَلْ فِي ذَلِكَ مُنَاسَبَةٌ بَيْنَ كُلِّ أُمَّةٍ وَعُقُوبَتِهَا؟
أَمْ أَنَّهُ لِلتَّنْوِيعِ فِي الْعُقُوبَةِ; لِبَيَانِ قُدْرَتِهِ تَعَالَى، وَتَنْكِيلِهِ بِالْعُصَاةِ لِرُسُلِ اللَّهِ؟
الْوَاقِعُ أَنَّ أَيَّ نَوْعٍ مِنَ (الْعُقُوبَةِ) فِيهِ آيَةٌ عَلَى (الْقُدْرَةِ)! وَفِيهِ تَنْكِيلٌ بِمَنْ وَقَعَ بِهِمْ! وَلَكِنَّ تَخْصِيصَ كُلِّ أُمَّةٍ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهَا يُثِيرُ تَسَاؤُلًا، وَلَعَلَّ مِمَّا يُشِيرُ إِلَيْهِ الْقُرْآنُ إِشَارَةً خَفِيفَةً هُوَ الْآتِي:
أَمَّا فِرْعَوْنُ:
فَقَدْ كَانَ يَقُولُ:
{أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51]
فَلَمَّا كَانَ يَتَطَاوَلُ بِهَا؛ جَعَلَ اللَّهُ هَلَاكَهُ فِيهَا، أَيْ: فِي جِنْسِهَا.
وَأَمَّا قَوْمُ نُوحٍ:
فَلَمَّا يَئِسَ مِنْهُمْ بَعْدَ (أَلْفِ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا)، وَأَصْبَحُوا لَا يَلِدُونَ إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا، فَلَزِمَ تَطْهِيرُ الْأَرْضِ مِنْهُمْ، وَلَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ إِلَّا (الطُّوفَانُ)!
فَلَمَّا يَئِسَ مِنْهُمْ بَعْدَ (أَلْفِ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا)، وَأَصْبَحُوا لَا يَلِدُونَ إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا، فَلَزِمَ تَطْهِيرُ الْأَرْضِ مِنْهُمْ، وَلَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ إِلَّا (الطُّوفَانُ)!
وَأَمَّا ثَمُودُ:
فَأُخِذُوا بِالصَّيْحَةِ الطَّاغِيَةِ، لِأَنَّهُمْ نَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ، فَلَمَّا كَانَ (نِدَاؤُهُمْ صَاحِبَهُمْ) سَبَبًا فِي عَقْرِ النَّاقَةِ، كَانَ هَلَاكُهُمْ (بِالصَّيْحَةِ) الطَّاغِيَةِ.
فَأُخِذُوا بِالصَّيْحَةِ الطَّاغِيَةِ، لِأَنَّهُمْ نَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ، فَلَمَّا كَانَ (نِدَاؤُهُمْ صَاحِبَهُمْ) سَبَبًا فِي عَقْرِ النَّاقَةِ، كَانَ هَلَاكُهُمْ (بِالصَّيْحَةِ) الطَّاغِيَةِ.
وَأَمَّا عَادٌ:
فَلِطُغْيَانِهِمْ بِقُوَّتِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ:
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ}{ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ}{الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ}
[الفجر، 6و7و8]
وَسَوَاءٌ عِمَادُ بُيُوتِهِمْ وَقُصُورِهِمْ، فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ طُولِ أَجْسَامِهِمْ، وَوَفْرَةِ أَمْوَالِهِمْ، وَتَوَافُرِ الْقُوَّةِ عِنْدَهُمْ، فَأُخِذُوا (بِالرِّيحِ)! وَهُوَ أَرَقُّ وَأَلْطَفُ مَا يَكُونُ، مِمَّا لَمْ يَكُونُوا يَتَوَقَّعُونَ مِنْهُ أَيَّةَ مَضَرَّةٍ وَلَا شِدَّةٍ.
فَلِطُغْيَانِهِمْ بِقُوَّتِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ:
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ}{ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ}{الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ}
[الفجر، 6و7و8]
وَسَوَاءٌ عِمَادُ بُيُوتِهِمْ وَقُصُورِهِمْ، فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ طُولِ أَجْسَامِهِمْ، وَوَفْرَةِ أَمْوَالِهِمْ، وَتَوَافُرِ الْقُوَّةِ عِنْدَهُمْ، فَأُخِذُوا (بِالرِّيحِ)! وَهُوَ أَرَقُّ وَأَلْطَفُ مَا يَكُونُ، مِمَّا لَمْ يَكُونُوا يَتَوَقَّعُونَ مِنْهُ أَيَّةَ مَضَرَّةٍ وَلَا شِدَّةٍ.
وَكَذَلِكَ جَيْشُ أَبَرْهَةَ:
لَمَّا جَاءَ مُدْلٍ بِعَدَدِهِ وَعُدَّتِهِ، وَجَاءَ مَعَهُ بِالْفِيلِ أَقْوَى الْحَيَوَانَاتِ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَضْعَفَ الْمَخْلُوقَاتِ: الطُّيُورَ! {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ}{ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ}
[سورة الفيل: 3و4] .
لَمَّا جَاءَ مُدْلٍ بِعَدَدِهِ وَعُدَّتِهِ، وَجَاءَ مَعَهُ بِالْفِيلِ أَقْوَى الْحَيَوَانَاتِ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَضْعَفَ الْمَخْلُوقَاتِ: الطُّيُورَ! {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ}{ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ}
[سورة الفيل: 3و4] .
أَمَّا قَوْمُ لُوطٍ:
فَلِكَوْنِهِمْ قَلَبُوا الْأَوْضَاعَ بِإِتْيَانِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ، فَكَانَ الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ: (قَلَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قُرَاهُمْ)!
وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى
وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ تَخْوِيفًا لِقُرَيْشٍ!" ا.هـ
،،،
من كتاب: [أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن]
فَلِكَوْنِهِمْ قَلَبُوا الْأَوْضَاعَ بِإِتْيَانِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ، فَكَانَ الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ: (قَلَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قُرَاهُمْ)!
وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى
وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ تَخْوِيفًا لِقُرَيْشٍ!" ا.هـ
،،،
من كتاب: [أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن]