<بسملة1>
الفتحُ المبين
في وجه الاستدلال بآية الشورىٰ عند أئمة السُّنّة السلفيين وبيان يوكلُ إليهِ أمر المسلمين
الفتحُ المبين
في وجه الاستدلال بآية الشورىٰ عند أئمة السُّنّة السلفيين وبيان يوكلُ إليهِ أمر المسلمين
الحمدُ للهِ حمدًا حمدًا، والصّلاةُ والسّلامُ علىٰ نبيِّنا مُحمّد، وعلىٰ آلهِ وصحبهِ وسلّم، أمّا بعد:
فلقد رأيتُ بعضًا من السلفيين من الإخوة المقلدين -هداهم الله للعلم والهدىٰ- يستدل بآية سورة الشورىٰ وهي قولهُ سبحانهُ وتعالىٰ:﴿والّذين استجابُوا لربِّهم وأقامُوا الصّلاة وأمرهم شُورىٰ بينهم ومما رزقناهُم ينفقون﴾[الشورىٰ: (٣٥)] بجواز المجالس -الّتي سموها بمجالس الشورىٰ- دون علم ولاة الأمر بحجةِ أنّ العلماء من ولاة الأمر مستندين لقول الله تعالىٰ:﴿وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلىٰ أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم...﴾ الآية، [النساء:٨٣] ، وهذا خلاف مراد الله في الآية كما بيّن ذلك أكثر المفسرين.
ومراده سبحانهُ كما قال بعض المفسرين أنه إذا جاء علىٰ النّاس شيءٌ عظيم أفشوه بينهم ولو تركوه للنبي -صلّىٰ اللهُ عليهِ وسلّم- وكبار أصحابه ذوي العقل الراجح ومن أُوكِل إليهم أمرُ السريا والجُيوش لعلمهُ من كان فطنًا منهم ذا خبرة لحلِهِ وبيانهِ للنّاس.
وليس في الآية ما يدلُّ علىٰ منازعة الأمر أهله وهم الملوك والأمراء ولو كانٙ المنازع لهُم من العلماء فإن ذلك من الافتيات عليهم.
وقد فسّر مكحول قول الله تعالىٰ:﴿وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل﴾ فقال: هم أهل الآية الّتي قبلها وتلىٰ قولهُ تعالىٰ:﴿وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به...﴾ الآية، والمقصود أنهم ولاة أمر المسلمين كما سيأتي.
فالعلماء يبلغون الأمر الحكيم والرأي الرشيد للأمير وهو بيده فعلهُ أو تركهُ.
والأمراء مقدمون علىٰ العلماء فقد قال سبحانهُ وتعالىٰ:﴿إنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلىٰ أهلها وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكمُوا بالعدل إن الله نعمّا يعظكم به إن الله كان سميعًا بصيرًا﴾ الآية، [النساء:(٥٨)]
قال الطبراني في: [تفسيره] وذكره ابنُ كثيرٍ في:[تفسيره] والقُرطبيُّ في:[جامعهِ] قال بعضهم: ولاة أمر المسلمين وقال زيد بن أسلم نزلت في ولاة أمر المسلمين وقال شهر بن حوشب نزلت في ولاة الأمر خاصة.
وأمّا عن قولهِ تعالىٰ:﴿وأمرهم شورىٰ بينهم﴾ فأكثرُ المُفسِّرين علىٰ أنً النّبِيّ -صلّىٰ اللهُ عليهِ وسلّم- هو من كان يشاورُ أصحابهِ ليشيرُوا عليهِ، ذلك لتطيبِ قُلوبِهم، والاستئناس بآرائهم.
قال الإمامُ ابن كثير في: [تفسيره] وقولهُ ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ أي: لَا يُبرِمُونَ أمرًا حتَّى يَتشَاوَرُوا فيهِ، لِيتَساعَدُوا بِآرَائِهِم فِي مِثلِ الْحُروب وَمَا جَرَىٰ مَجراها كما قَال تَعَالَىٰ: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ [آلِ عمران: ١٥٩] ولهذا كان عليه الصلاة و السلام يُشَاوِرهم فِي الْحرُوبِ وَنَحوهَا لِيُطَيِّبَ بِذَلِكَ قُلُوبَهُمْ.
وقال الإمامُ القُرطبيّ في: [الجامع] فَمَدَحَ اللَّهُ الْمُشَاوَرَةَ فِي الْأُمُورِ بِمَدح الْقَوْمِ الَّذِينَ كَانُوا يَمْتَثِلُونَ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صلّىٰ اللهُ عليهِ وسلّم- يُشَاوِرُ أَصْحَابَهُ فِي الْآرَاءِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَصَالِحَ الْحُرُوب..إلخ.
وقال الإمامُ الشوكانِيُّ في: [فتح القدير] وقَدْ كانَ رَسُولُ الله - صَلّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يُشاوِرُ أصْحابَهُ في أُمُورِه، وأمَرَه الله - سُبْحانَهُ - بِذَلِكَ فَقالَ ﴿وشاوِرْهم في الأمْرِ﴾.
وقال العلّامةُ السِّعدي في: [تيسير الكريم الرّٙحمـٰن] قولهُ: ﴿وَأَمْرُهُمْ﴾ الديني والدنيوي .....وذلك كالرأي في الغزو والجهاد، وتولية الموظفين لإمارة أو قضاء، أو غيره.
قلتُ: فإذا علمنا أن الجهاد لا يكُون إلا باستنفار ولاةِ الأمر والقتال تحت رايته وأن تولية الموظفين والأمراء بيده انتهينا إلىٰ أن المقصود بذلك ولاة الأمر من الحكام.
ومن ذلك أنّ النّبيّ -صلّىٰ اللهُ عليهِ وسلّم- جمع أصحابهُ لمّا اجتمع أصحابُ الأحزاب لقتل المسلمين وشاورهُم فأشار عليهِ سلمان الفارسي -رضي اللهُ عنهُ- بحفر الخندق.
فدل ذلك علىٰ أنّ النّبِي هو من يطلب المشاورة منهم وهو الّذي يختار من يجلس إليهِ من أصحابهِ لذلك فوليُّ الأمر لهُ الحقّ في اختيار من يشاور من العُلماء والأمراء ولهُ أن يستبعد من يشاء ويُقرّب من يشاء فالأمرُ بيده.
ولو ضبطنا ذلِك بما أوردناه من النصوص عِلِمنا وانتهينا إلىٰ أنّ ما لهِج بهِ لسان عبد الواحد ولو ألصقهُ بالكِبار غير مشروع وهو في الحقيقة فعلٌ فاسدٌ ممنوع.
ذلِك لأنّهُ:
أولًا: بدون علم السُّلطان
وثانيًا: بالتدخُل الخفي في أمور بعض البُلدان.
وثالثًا: لأنّ السُّلطان فِي بلادِ التّوحيد قد جعل لنفسهِ مجلسًا وجمع فيهِ بعضًا من العلماء والأمراء ليشاورهم وهو ما يُعرف بـ[مجلس الشورىٰ].
ولا مجلس غير هذا المجلس المُوكل أمره للسلطان ولو جمع من العلماء ما جمع فإنّ ذلك يعتبر من الافتيات عليهِ والتدخل الغير مشروع في الأمور الموكلةِ إليه.
وبالله التّوفيق، وصلّىٰ اللهُ وسلّم علىٰ نبيِّنا مُحمّد وعلىٰ آلهِ وصحبهِ أجمعين.
كتبهُ/
أبُو مُحمّد الطّرابُلُسِيُّ
اليوم: ١/ ٦/ ١٤٤٠هـ
أبُو مُحمّد الطّرابُلُسِيُّ
اليوم: ١/ ٦/ ١٤٤٠هـ