إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فتح رب البرية بتهذيب وتقريب شرح العلامة الفوزان على المنظومة الحائية...[ الجزء الخامس].

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فتح رب البرية بتهذيب وتقريب شرح العلامة الفوزان على المنظومة الحائية...[ الجزء الخامس].

    فتح رب البرية بتهذيب وتقريب شرح العلامة الفوزان على المنظومة الحائية .

    [الجزء الخامس]


    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:

    [الإيمان بالقدر]

    وبالقدر المقدور أيقن فإنه ... دعامة عقد الدين والدين أفيح.


    المفردات:

    المقدور: أي من الله عز وجل.
    أيقن: آمن به واعتقد.
    دعامة: ركن.
    أفيح: الأفيح هو المكان الواسع.

    قول أهل السنة والجماعة:

    يقولون كل شيء فهو بقضاء الله وقدره، ومنها أفعال العباد، فهي مخلوقة لله، وهي فعل العبد باختياره ومشيئته؛ لأن العبد له مشيئة وله اختيار، ولكنه لا يستقل عن اللهكما تقوله القدرية، وليس مجبرا كما تقوله الجبرية، بل هو يفعل الأشياء باختياره ومحض إرادته، ولذلك يثاب على فعل الخير، ويعاقب على فعل الشر.


    قول أهل البدع:

    خالف في القضاء والقدر طائفتان متناقضتان: القدرية والجبرية.

    1-القدرية: الذين ينفون القدر سموا بالقدرية.
    وأول من قال ذلك: عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، واعتزلا مجلس الحسن البصري.
    فالقدرية الذين نفوا القدر هم المعتزلة، وقالوا: إن العبد يخلق فعل نفسه، وإن الأمر أنف: لم يقدره الله، فأفعال العباد هم الذين يوجدونها استقلالا، ليس لله فيها إرادة ولا مشيئة، ولذلك سموا بالقدرية.

    2-قابلتهم فرقة الجبرية: وهم أتباع الجهم بن صفوان، فقالوا: العبد ليس له اختيار ولا مشيئة، وإنما هو مجبور على ما يحصل منه بدون اختياره، فهم كالآلة بيد من يحركها، وكالريشة في الهواء، وهو كالميت بيد من يحركها، وكالريشة في الهواء، وهو كالميت بين يدي الغاسل، وكالجنازة على النعش، فالعبد مجبور على أفعاله وتصرفاته، إنما هو آلة تحرك.
    فالجبرية غلوا في إثبات إرادة الله ومشيئته، ونفوا مشيئة العبد وإرادته.
    والمعتزلة على النقيض غلوا في إثبات مشيئة العبد وإرادته ونفوا مشيئة الله جل وعلا.

    الرد عليهم:

    يقول الله تبارك وتعالى: " لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين"
    قوله: "لمن شاء منكم": هذا رد على الجبرية الدين ينفوم مشيئة العبد، فدل على أن العبد يستقيم بمشيئته.
    ثم قال: "وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين": هذا رد على القدرية الذين يقولون: إن مشيئة العبد مستقلة، والعبد يفعل استقلالا، فالآية رد على الطائفتين.
    وفي الآية: إثبات مذهب أهل السنة والجماعة: أن الطاعات والمعاصي هي فعل العباد، وهي قضاء الله وقدره، قدرها عليهم وفعلوها باختيارهم ومشيئتهم وإراتهم.

    وتترتب على مذهب الجبرية والقدرية عدة أمور:
    1-يلزم على مذهب القدرية إثبات خالقِين مع الله، وهذا شرك في الربوبية، ولهذا سموا مجوس هذا الأمة.
    2-ويلزم على مذهب الجبرية: وصف الله بالظلم، وأنه يعذب العباد على شيء لم يفعلوه، بل فعله هو.
    3-ويلزم عليه: تعطيل الأسباب، وأن يقال: مادام إنه قضاء وقدر فأنا أجلس والمقدرسيكون، فهذا من سلبيات مذهب الجبرية.
    4-ويلزم على مذهب المعتزلة -كما سبق أيضا--: الشرك في الربوبية.
    5-ويلزم على مذهبهم محظور كبير، وهو: وهو تعجيز الله جل وعلا، وأنه يكون في ملكه مالا يريد ولا يشاء، وهذا وصف لله جل وعلا بالعجز، وهذا خطر عظيم.
    فكلا المذهبين باطل ويلزم عليه محاذير كبيرة، وأما مذهب أهل السنة والجماعة فهو الوسط وهو العدل في كل شيء.

    الفوائد:

    1-الإيمان بالقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان. وهو الإيمان بعلم الله وتقديره الأشياء قبل كونها، وبأفعال الله جل وعلا وإرادته ومشيئته وخلقه وإيجاده.

    2-الإيمان بالقضاء والقدر واجب وفرض على المؤمن، لأنه ركن من أركان الإيمان الستة، ولأنه إيمان بقدرة الله جلا وعلا ولهذا قالوا: "القدر قدرة الله، فمن جحده فقد جحد قدرة جل وعلا". وفي بعض العبارات:"القدر سر الله في خلقه".

    3-معنى القضاء والقدر:
    القدر هو تقدير الله جل وعلا للأشياء وإرادته لها وإيجادها في وقتها. هذا معنى القدر، وكذلك معنى القضاء.
    وغالبا يأتي التعبير بالقضاء والقدر، ولا فرق بينهما، إلا أن القضاء أعم من القدر، لأن القضاء يأتي بمعنى القدر؛ بمعنى أن الله قدر الأشياء وقضاها، ويأتي بمعنى الفصل بين الناس والحكم بينهم فيما اختلفوا فيه: "إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون". فالقضاء أعم من القدر، فبينهما عموم وخصوص.

    4-الإيمان بالقضاء والقدر يتضمن الإيمان بأربعة مراتب:

    الأولى: الإيمان بأن الله علم ما كان وما يكون بعلمه الأزلي لذي هو موصوف به أزلا وأبدا.
    فعلم الله شمل لما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، كله داخل في علم الله جل وعلا الشامل المحيط بكل شيء: بالماضي والحاضر والمستقبل.
    قال الله تعالى: " وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين"
    وقال تعالى: " ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الارض ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا هو أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا".
    وقال تعالى: " يعلم ما يسرون وما يعلنون". وقال تعالى: "والله عليم بذات الصدور" وقال تعالى: " إن الله لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء".

    الثانية:
    أن تؤمن وتعتقد أن الله كتب في اللوح المحفوظ كل شيء، واللوح المحفوظ: لوح مخلوق لا يعلم كيفيته وسعته إلا الله جل وعلا فهو عنده سبحانه نؤمن به، ونؤمن بالكتابة.
    وفي الحديث: "أول ما خلق الله القلم،ثم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال اكتب ما يكون وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة" فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة.
    وفي الحديث: " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والارض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء".
    ويدل على هاتين الدرجتين (العلم، الكتابة) قوله تعالى: " ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها"، نبرأها: يعني نوجدها ونخلقها، فدل على أن كل ما يجري من المصائب أنه مكتوب في اللوح المحفوظ.

    الثالثة:
    مرتبة المشيئة والإرادة: كل شيء يقع فهو بمشيئة الله وإرادته، فلا يكون في ملكه عز وجل مالا يشاؤه ولا يريده. كما في قوله تعالى: " فعلا لما يريد"، وقوله: "إن الله يفعل ما يشاء"، وقوله: "وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين". وقوله: "ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد".
    فكل شيء يحدث قد شاءه الله وأراده وأوجده، بعدها علمه وكتبه في اللوح المحفوظ.

    الرابعة: الخلق والإيجاد: قال تعالى: " الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل" وقال تعالى: " والله خلقكم وما تعملون".
    وكما في قوله تعالى:" من قبل أن نبرأها"، أي: نخلقها ونوجدها، فدلت هذه الآية على مرتبة الكتابة ومرتبة الخلق والإيجاد ومرتبة المشيئة والإرادة.
    هذه مراتب القضاء والقدر. من جحد واحدة منها لم يكن مؤمنا بالقضاء والقدر.

    5-البحث في القضاء والقدر لا يجوز أن يتعدى فيه ما جاء في النصوص من الكتاب والسنة، والتعمق فيه يفضي إلى الضلال والحيرة؛ لأنه سر الله في خلقه، فأنت حين تتعمق وتبحث فيه لن تصل إلى نتيجة؛ لأنك تبحث عن شيء أسره الله جل وعلا عن خلقه، وحسبك أن تؤمن به، فما تعمق أحد ووصل إلى نتيجة، بل وصل إلى الحيرة والاضطراب؛ ولذلك حسبك أن تتمشى مع النصوص الواردة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في إثبات القدر والإيمان به، ويكفيك هذا.

    6- جاء في الحديث: "أول ما خلق الله القلم،ثم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال اكتب ما يكون وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة" فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة.
    وفي الحديث: " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والارض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء".
    فأيهما أسبق: العرش أم القلم؟

    1-قال قوم: العرش أسبق من القلم.
    2-وقال قوم: القلم أسبق من العرش.
    3-وقوم فصلوا، فقال ابن القيم:

    والناس مختلفون في القلم الذي ... كتب القضاء به من الديان
    هل كان قبل العرش أو هو بعده؟ ... قولان عند أبي العلا الهمذاني
    والحق أن العرش قبل لأنه ... قبل الكتابة كان ذا أركان
    وكتابة القلم الشريف تعقبت ... إيجاده من غير فصل زمان.

    فالكتابة مقارنة لوجود القلم، حينما خلقه الله فقال له: اكتب، وأما من حيث الوجود فالعرش أسبق.
    وهذا هو القول الصحيح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والارض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء"، قدرها قبل الكتابة ثم كتبها، فالكتابة مقارنة لوجود القلم، ووجود القلم متأخر عن وجود العرش، والعرش أسبق.
    وهذه مسألة استطرادية، لكن لابد من معرفتها، لأنها تدخل في مرتبة الكتابة، وهي الكتابة العامة الشاملة التي كتب فيها كل شيء.

    7-قد يسأل سائل فيقول: أليس الله يأمر الملك الموكل بالأجنة أن يكتب الرزق والأجل والشقاوة والسعادة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد".
    الجواب: هذه الكتابة تفصيل للكتابة السابقة، وهي مأخوذة من الكتابة السابقة التي في اللوح المحفوظ.
    وجاء أيضا في ليلة القدر: أن الله يقدر ما يجري في السنة من حياة أو موت، أوجدب أو خصب، أو رخص الأسعار أو غلاء الأسعار، أو الحروب وغير ذلك، هذا كله في ليلة القدر، ولذلك سميت بليلة القدر، لأنه يقدر فيها ما يدري في السنة: " فيها يفرق كل أمر حكيم".
    فالجواب عن ذلك كما سبق: أن الكتابة في ليلة القدر مأخوذة من الكتابة العامة في اللوح المحفوظ، فلا تنافي ولا تعارض بين الأدلة.

    8-لا تنافي بين الإيمان بالقضاء والقدر وفعل الأسباب. إنما يقول هذا الجبرية. لكن الأسباب لا تستقل بإيجاد النتيجة، إنما المسبب هو الله جل وعلا ردا على القدرية. فلا نغلو في إثبات الأسباب كالقدرية، ولا نغلو في نفي تأثيرها، كما تقوله الجبرية، فاتخاذ الأسباب أمر مطلوب، كما قال تعالى: "فبتغوا عند الله الرزق" وقال: " وابتغوا من فضل الله"، والله أمر بالصلاة والصيام وأمر بالطاعات، وهذا من فعل الأسباب، ونهى عن أسباب الشر، كالكفر والمعاصي والفسوق.
    فليس معنى الإيمان بالقضاء والقدر أن تعطل الأسباب، بل تمضي في طلبها مع الإيمان بأنه إن كان الله كتب لك شيئا سيأتيك، ولكن لا يأتي لك شيء وأنت جالس، لابد أن تفعل السبب، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قدر الله وما شاء فعل". فإنك تفعل السبب فإن حصلت النتيجة فالحمد لله، وإن لم تحصل النتيجة فإنك ترضى وتسلم أن الله ما كتب لك شيئا. فهذا الحديث واضح في فعل الأسباب.

    9- توجد مسألة ذكرها أهل العلم وهي مسألة الاحتجاج بالقدر، وذلك أن موسى عليه السلام لما لقي أبا البشرية آدم عليه السلام لامه وقال له: " لم أخرجتنا من الجنة" فقال: " أنت موسى كليم الله، بكم وجدت هذا مكتوبا علي في اللوح المحفوظ" فقال موسى ما معناه: إن الله قد كتب ذلك علي في اللوح المحفوظ.
    فالجبرية أخذوا هذا، وقالوا: هذا دليل للجبرية أن آدم حج موسى بأن ما حصل منه ليس باختياره، وإنما هو فعل الله جل وعلا.
    ولكنهم لم يفهموا الحديث، فموسى لم يلم آدم على القضاء والقدر، وإنما لامه على إخراجهم من الجنة فقال: " لم أخرجتنا ونفسك من الجنة" فاحتج عليه آدم بالقضاء والقدر، والاحتجاج بالقضاء والقدر على المصائب جائز، لأنه يسهلها على الانسان، فلا يجزع ولا يسخط، فموسى لم يسأله عن القضاء والقدر، لم يقل: لماذا قدر الله عليك كذا؟ وإنما قال لم أخرجتنا؟ فالسؤال منصب على المصيبة التي ترتبت على ما حصل من آدم من الأكل من الشجرة. وموسى لم يلمه على الذنب؟ لم يقل له لماذا أكلت من الشجرة؟ لأنه تاب من ذلك فتاب الله عليه، والتائب لا يلام على ما حصل منه بعد التوبة، وإنما لامه على الإخراج من الجنة، وهذه مصيبة أصابت آدم وذريته.
    فآدم احتج على موسى عليه السلام بالقضاء والقدر، والاحتجاج بالقضاء والقدر على المصائب مشروع؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قدر الله وما شاء فعل".
    فيحتج بالقضاء والقدر على المصيبة، لأنه ليس لك فيها اختيار، وإنما هي فعل الله.
    أما المعصية فإنها فعلك أنت فلا تحتج بالقضاء والقدر.
    ولهذا قال العلماء: "يحتج بالقضاء والقدر على المصائب، ولا يحتج به على المعائب". وهذا هو الفصل في هذه المسالة العظيمة.

    10- فوائد الإيمان بالقضاء والقدر:
    1-استكمال أركان الإيمان.
    2-أن الإيمان بالقضاء والقدر يبعث على القوة والشجاعة والإقدام في سبيل الخير.
    3- أن الإيمان بالقضاء والقدر يهون على المسلم المصائب التي تجري عليه، أما الذي لا يؤمن بالقضاء والقدر فإنه يجزع ويتسخط، ويحصل منه ما يحصل.

    11- الآن نسمع كثيرا عما يسمى بالانتحار، وأنه انتشر من أهل الملل الأخرى، ما سببه؟
    الجواب: سببه عدم الإيمان بالقضاء والقدر، إذا تضايق الواحد منهم نحر نفسه والعياذ بالله؛ لأنه لا يؤمن بالقضاء والقدر، فلا يقول: هذا شيء مقدر علي، والفرج قريب إن شاء الله ويحسن الظن بالله عز وجل "فإن مع اليسر يسرا" "ألا إن نصر الله قريب"، فالذي ينتحر ويقتل نفسه لا يؤمن بالقضاء والقدر؛ لأنه لا يتحمل الشدائد والمصائب.

    يتبع ...

    أبو أمامة أسامة بن الساسي لعمارة
    عين الكبيرة . سطيف . الجزائر.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
يعمل...
X