[هل يُعدُّ صغر السنّ عائقًا للصدع بالحقّ والنُصح للخلق]
آثارٌ مرويّٙة ودررٌ سلفيّٙة
الحمدُ للهِ الهٙادِي من استهداهُ ، الواقي من اتّٙقاه، وصلّٙىٰ اللهُ وسلّٙم وبارك علىٰ خير عباد الله، أمّٙا بعد:
روىٰ البُخاري في [كتاب المغازي، باب قول النّٙبي -صلّٙىٰ اللهُ عليهِ وسلّٙم- في ركوعهِ وسجوده من{صحيحهِ، برقم (٤٢٩٤)} ] عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم لِمٙا تدخل هذا الفتىٰ معنا، ولنا أبناء مثلهُ فقال إنه ممن قد علمتم.
قال فدعاهم ذات يوم، ودعاني معهم قال وما رئيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني فقال: ما تقولون ﴿إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون﴾ حتى ختم السورة، فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره، إذا نصرنا وفتح علينا. وقال بعضهم لا ندري، أو لم يقل بعضهم شيئا. فقال لي: يا ابن عباس أكذاك تقول قلت: لا، قال: فما تقول، قلت: هو أجل رسُول الله -صلّٙىٰ اللهُ عليهِ وسلّٙم- أعلمه الله له ﴿إذا جاء نصر الله والفتح﴾ فتح مكة، فذاك علامة أجلك ﴿فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا﴾ قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم.
وفي: [تهذيب السّاري، (479)]
قال الفِربريّ: سمعتُ محمّدَ بنَ أبي حاتمٍ ورّاقَ البُخاريّ يقول: سمعت البخاريّ يقول: أُلهمِتُ حفظ الحديث وأنا في الكّتّاب. قلت: وكم أتىٰ عليك إذ ذاك؟، فقال: عشر سنينٍ، أو أقلّ، ثمّ خرجت من الكُتّاب؛ فجعلتُ أختَلِفُ إلى الدّاخليّ وغيره؛ فقال-يومًا-فيما كان يقرأ للنّاس: سفيان عن أبي الزّبير عن إبراهيم، فقلت: إنّ أبا الزّبير لم يرْوِ عن إبراهيم، فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك؛ فدخل فنظر فيه؛ ثمّ رجع؛ فقال: كيف هو يا غلام؟!، فقلت: هو الزّبير؛ وهو: ابن عديٍّ عن إبراهيم، فأخذ القلم، وأصلح كتابه، وقال لي: صدقت، قال: فقال له إنسانٌ: ابنُ كم حين رددت عليه؟!، فقال: ابن إحدى عشرة سنة.
وفي: [تاريخ بغداد، (٤/٣٠١)]
في ترجمة الإمام أبي بكرٍ محمّد بن القاسم الأنباريّ إنّ الإمام أبا الحسن الدّارقطنيّ: حضره في مجلسٍ أملاه يوم جمعة؛ فصحّف اسمًا أورده في إسناد حديثٍ-إمّا كان (حبّان) فقال: (حيّان)، أو (حيّان) فقال: (حبّان)-؛ قال أبو الحسن: فأعظمتُ أن يُحْمَل عن مثله في فضله وجلالته وَهَمٌ، وهِبْتُه أن أُوْقفه على ذلك، فلمّا انقضىٰ الإملاء تقدَّمتُ إلى الـمُستَملِي، وذكرتُ له وَهَمَه، وعرّفتُه صوابَ القول فيه، وانصرفت.
ثمّ حضرت الجمعة الثّانيةَ مجلسه؛ فقال أبو بكرٍ للمستملي: [عرِّف جماعةَ الحاضرين أنّا صحّفنا الاسم الفلانيّ لـمّا أملينا حديث كذا في الجمعة الماضية، ونبَّهَنا ذلك الشّابّ علىٰ الصّواب، وهو كذا، وعَرِّف ذلك الشّاب أنّا رجعنا إلى الأصــــل فوجدناه كما قال].
وروىٰ ابنُ أبي شيبة في [مصنّفه، (13/145)]
عن أبي مُسلمٍ الخولانيّ؛ قال: أتيتُ مسجد دمشق فإذا حلقةٌ فيها كُهُولٌ من أصحاب محمّدٍ-صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم-، وإذاشابٌّ فيهم، أكحل العين، برّاقُ الثّنايا؛ كلّما اختلفوا في شيءٍ ردّوه إلى الفتى، قال: قلت لجليسٍ لي: مَنْ هذا؟!؛ قالوا: هذا معاذ بن جبل.
وأخرج اللاّلكائيّ في [شرح اعتقاد أهل السّنّة، (1/85)]:
وقال إبراهيم الحربيُّ:إنّ الصّغير إذا أخذ بقول رسول الله-صلّى الله عليه وسلّم-والصّحابةِ والتّابعين فهو كبير، والشّيخُ الكبيرُ إن أخذ بقول أبي حنيفةَ وترك السُّنَن فهو صغير.
وفي [أحكام القرآن، (١/١٨٢)]
يقول ابن العربي: أخبرني محمّد بن قاسمٍ العُثمانيّ-غير مرّةٍ-قال:وصلتُ الفُسْطاط-مرّةً-؛فجئت مجلس الشّيخ أبي الفضل الجوهريّ، وحضرت كلامه على النّاس؛ فكان ممّا قال-في أوّل مجلسٍ جلستُ إليه-: [إنّ النّبيّ-صلّى الله عليه وسلّم- طلّق وظاهر وآلى]؛ فلمّا خرج تَبِعْتُه حتّى بلغتُ معه إلى منزله في جماعة، وجلس معنا في الدِّهْلِيز، وعرَّفهم أمري؛ فإنه رأى إشارة الغربة ولم يَعرف الشّخص قبل ذلك في الواردين عليه؛ فلمّا انفضّ عنه أكثرُهم قال لي: أراك غريبًا!؛ هل لك من كلام؟، قلت: نعم، قال لجلسائه: أفرجوا له عن كلامه، فقاموا وبقِيْتُ وحدي معه؛ فقلت له: حضرتُ المجلس اليوم متبركاً بــــك [قلت: التبرك لا يجوز]؛ وسمعتُك تقول: [آلى رسول الله-صلّى الله عليه وسلّم-]؛ وصــــدَقتَ، [وطــلّق رسول الله-صلّى الله عليه وسلّم-]؛ وصدقت، وقلتَ: [وظاهر رسول الله-صلّى الله عليه وسلّم-]؛ وهذا لم يكن، ولا يصحّ أن يكون؛ لأنّ الظّهار مُنْكَرٌ من القول وزور، وذلك لا يجوز أن يقع من النّبيّ-صلّى الله عليه وسلم-؛ فضمّني إلى نفسه، وقَبَّلَ رأسي، وقال لي: أنا تائبٌ من ذلك؛ جزاك الله عنّي من معلمٍ خيرًا.
ثم انقلبتُ عنه، وبكَّرت إلى مجلسه في اليوم الثّاني؛ فألفيتُه قد سبقني إلى الجامع، وجلس على المنبر؛ فلمّا دخلتُ من باب الجامع ورآني نادى بأعلى صوته: مرحباً بمعلّمي! أفسحوا لمعلّمي!!، فتَطَاوَلَتْ الأعناق إليَّ، وحدّقت الأبصار نحوي، وتبادر النّاسُ إليَّ يرفعونني على الأيدي، ويتدافعونني؛ حتّى بلغتُ المنبر؛ وأنا لَعظيمُ الحياء؛ لا أعرف في أيّ بُقْعَةٍ أنا من الأرض، والجامع غاصٌّ بأهله، وأسال الحياءُ بَدَنِي عرقًا، وأقبل الشّيخ على الخلق؛ فقال لهم: أنامعلّمكم وهذا معلّمي؛ لـمّا كان بالأمس؛ قلت لكم: آلى رسولُ الله-صلّى الله عليه وسلّم-وطلّق وظاهر؛ فما أحدٌ منكم فَقُهَ عنّي ولا ردَّ عليَّ؛ فاتّبعني إلى منزلي وقال لي: كذا وكذا-وأعاد ما جرى بيني وبينه-؛ وأنا تائبٌ عن قولي بالأمس، راجعٌ عنه إلى الحقّ؛ فمن سمعه ممّن حضر فلا يعوِّلُ عليه، ومن غاب فليبلّغه من حضر؛ فجزاه الله خيرًا، وجعل يحفل في الدّعاء، والخلق يؤَمِّنون.
علّٙق ابن العربي قائلًا: فانظروا-رحمكم الله-إلى هذا الدّين المتين، والاعتراف بالعلم لأهله على رؤوس الملإ؛ من رجلٍ ظهرت رياسته، واشتهرت نفاسته؛ لغريبٍ مجهول العين، لا يُعْرَف مَنْ؟، ولا مِنْ أين؟؛ فاقتدوا به ترشدوا.
قال الشوكانيُّ كما في: [أدب الطلب، (٩٠)]
وَمن الْآفَات المانِعَة عَن الرُّجُوع إِلَى الحقّ: أن يكون المتكلّم بِالحقِّ حدث السنّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى من يناظره، أَو قَلِيل العلم، أو الشُّهْرَة فِي النَّاس، وَالآخرُ بعكس ذَلِك؛ فَإِنَّهُ قد تحمله حميّة الجاهِلِيَّة والعصبيّة الشّيطانيّة على التَّمَسُّك بِالبَاطِلِ؛ أَنَفَةً من الرُّجُوع إِلَى قَول من هُوَ أَصْغَر مِنْهُ سنًّا، أَو أقلّ مِنْهُ علمًا، أَو أخْفى شُهْرةً؛ ظنًّا مِنْهُ أَنّ فِي ذَلِك عَلَيْهِ مَا يحطّ مِنْهُ وَينْقص مَا هُوَ فِيهِ!.
وَهَذَا الظَّن فَاسدٌ؛ فَإِنّ الحطّ وَالنَّقْص إِنَّمَا هُوَ فِي التّصميم على البَاطِل، والعلوَّ والشّرفَ فِي الرُّجُوع إِلَى الحقّ بيد مَنْ كَان،َ وعَلى أَيّ وَجهٍ حصل. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
هذّٙبها/ أبُو مُحمّٙد الطّٙرٙابُلُسِيُّ
١٤٤٠/٣/١٠ه
آثارٌ مرويّٙة ودررٌ سلفيّٙة
الحمدُ للهِ الهٙادِي من استهداهُ ، الواقي من اتّٙقاه، وصلّٙىٰ اللهُ وسلّٙم وبارك علىٰ خير عباد الله، أمّٙا بعد:
روىٰ البُخاري في [كتاب المغازي، باب قول النّٙبي -صلّٙىٰ اللهُ عليهِ وسلّٙم- في ركوعهِ وسجوده من{صحيحهِ، برقم (٤٢٩٤)} ] عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم لِمٙا تدخل هذا الفتىٰ معنا، ولنا أبناء مثلهُ فقال إنه ممن قد علمتم.
قال فدعاهم ذات يوم، ودعاني معهم قال وما رئيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني فقال: ما تقولون ﴿إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون﴾ حتى ختم السورة، فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره، إذا نصرنا وفتح علينا. وقال بعضهم لا ندري، أو لم يقل بعضهم شيئا. فقال لي: يا ابن عباس أكذاك تقول قلت: لا، قال: فما تقول، قلت: هو أجل رسُول الله -صلّٙىٰ اللهُ عليهِ وسلّٙم- أعلمه الله له ﴿إذا جاء نصر الله والفتح﴾ فتح مكة، فذاك علامة أجلك ﴿فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا﴾ قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم.
وفي: [تهذيب السّاري، (479)]
قال الفِربريّ: سمعتُ محمّدَ بنَ أبي حاتمٍ ورّاقَ البُخاريّ يقول: سمعت البخاريّ يقول: أُلهمِتُ حفظ الحديث وأنا في الكّتّاب. قلت: وكم أتىٰ عليك إذ ذاك؟، فقال: عشر سنينٍ، أو أقلّ، ثمّ خرجت من الكُتّاب؛ فجعلتُ أختَلِفُ إلى الدّاخليّ وغيره؛ فقال-يومًا-فيما كان يقرأ للنّاس: سفيان عن أبي الزّبير عن إبراهيم، فقلت: إنّ أبا الزّبير لم يرْوِ عن إبراهيم، فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك؛ فدخل فنظر فيه؛ ثمّ رجع؛ فقال: كيف هو يا غلام؟!، فقلت: هو الزّبير؛ وهو: ابن عديٍّ عن إبراهيم، فأخذ القلم، وأصلح كتابه، وقال لي: صدقت، قال: فقال له إنسانٌ: ابنُ كم حين رددت عليه؟!، فقال: ابن إحدى عشرة سنة.
وفي: [تاريخ بغداد، (٤/٣٠١)]
في ترجمة الإمام أبي بكرٍ محمّد بن القاسم الأنباريّ إنّ الإمام أبا الحسن الدّارقطنيّ: حضره في مجلسٍ أملاه يوم جمعة؛ فصحّف اسمًا أورده في إسناد حديثٍ-إمّا كان (حبّان) فقال: (حيّان)، أو (حيّان) فقال: (حبّان)-؛ قال أبو الحسن: فأعظمتُ أن يُحْمَل عن مثله في فضله وجلالته وَهَمٌ، وهِبْتُه أن أُوْقفه على ذلك، فلمّا انقضىٰ الإملاء تقدَّمتُ إلى الـمُستَملِي، وذكرتُ له وَهَمَه، وعرّفتُه صوابَ القول فيه، وانصرفت.
ثمّ حضرت الجمعة الثّانيةَ مجلسه؛ فقال أبو بكرٍ للمستملي: [عرِّف جماعةَ الحاضرين أنّا صحّفنا الاسم الفلانيّ لـمّا أملينا حديث كذا في الجمعة الماضية، ونبَّهَنا ذلك الشّابّ علىٰ الصّواب، وهو كذا، وعَرِّف ذلك الشّاب أنّا رجعنا إلى الأصــــل فوجدناه كما قال].
وروىٰ ابنُ أبي شيبة في [مصنّفه، (13/145)]
عن أبي مُسلمٍ الخولانيّ؛ قال: أتيتُ مسجد دمشق فإذا حلقةٌ فيها كُهُولٌ من أصحاب محمّدٍ-صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم-، وإذاشابٌّ فيهم، أكحل العين، برّاقُ الثّنايا؛ كلّما اختلفوا في شيءٍ ردّوه إلى الفتى، قال: قلت لجليسٍ لي: مَنْ هذا؟!؛ قالوا: هذا معاذ بن جبل.
وأخرج اللاّلكائيّ في [شرح اعتقاد أهل السّنّة، (1/85)]:
وقال إبراهيم الحربيُّ:إنّ الصّغير إذا أخذ بقول رسول الله-صلّى الله عليه وسلّم-والصّحابةِ والتّابعين فهو كبير، والشّيخُ الكبيرُ إن أخذ بقول أبي حنيفةَ وترك السُّنَن فهو صغير.
وفي [أحكام القرآن، (١/١٨٢)]
يقول ابن العربي: أخبرني محمّد بن قاسمٍ العُثمانيّ-غير مرّةٍ-قال:وصلتُ الفُسْطاط-مرّةً-؛فجئت مجلس الشّيخ أبي الفضل الجوهريّ، وحضرت كلامه على النّاس؛ فكان ممّا قال-في أوّل مجلسٍ جلستُ إليه-: [إنّ النّبيّ-صلّى الله عليه وسلّم- طلّق وظاهر وآلى]؛ فلمّا خرج تَبِعْتُه حتّى بلغتُ معه إلى منزله في جماعة، وجلس معنا في الدِّهْلِيز، وعرَّفهم أمري؛ فإنه رأى إشارة الغربة ولم يَعرف الشّخص قبل ذلك في الواردين عليه؛ فلمّا انفضّ عنه أكثرُهم قال لي: أراك غريبًا!؛ هل لك من كلام؟، قلت: نعم، قال لجلسائه: أفرجوا له عن كلامه، فقاموا وبقِيْتُ وحدي معه؛ فقلت له: حضرتُ المجلس اليوم متبركاً بــــك [قلت: التبرك لا يجوز]؛ وسمعتُك تقول: [آلى رسول الله-صلّى الله عليه وسلّم-]؛ وصــــدَقتَ، [وطــلّق رسول الله-صلّى الله عليه وسلّم-]؛ وصدقت، وقلتَ: [وظاهر رسول الله-صلّى الله عليه وسلّم-]؛ وهذا لم يكن، ولا يصحّ أن يكون؛ لأنّ الظّهار مُنْكَرٌ من القول وزور، وذلك لا يجوز أن يقع من النّبيّ-صلّى الله عليه وسلم-؛ فضمّني إلى نفسه، وقَبَّلَ رأسي، وقال لي: أنا تائبٌ من ذلك؛ جزاك الله عنّي من معلمٍ خيرًا.
ثم انقلبتُ عنه، وبكَّرت إلى مجلسه في اليوم الثّاني؛ فألفيتُه قد سبقني إلى الجامع، وجلس على المنبر؛ فلمّا دخلتُ من باب الجامع ورآني نادى بأعلى صوته: مرحباً بمعلّمي! أفسحوا لمعلّمي!!، فتَطَاوَلَتْ الأعناق إليَّ، وحدّقت الأبصار نحوي، وتبادر النّاسُ إليَّ يرفعونني على الأيدي، ويتدافعونني؛ حتّى بلغتُ المنبر؛ وأنا لَعظيمُ الحياء؛ لا أعرف في أيّ بُقْعَةٍ أنا من الأرض، والجامع غاصٌّ بأهله، وأسال الحياءُ بَدَنِي عرقًا، وأقبل الشّيخ على الخلق؛ فقال لهم: أنامعلّمكم وهذا معلّمي؛ لـمّا كان بالأمس؛ قلت لكم: آلى رسولُ الله-صلّى الله عليه وسلّم-وطلّق وظاهر؛ فما أحدٌ منكم فَقُهَ عنّي ولا ردَّ عليَّ؛ فاتّبعني إلى منزلي وقال لي: كذا وكذا-وأعاد ما جرى بيني وبينه-؛ وأنا تائبٌ عن قولي بالأمس، راجعٌ عنه إلى الحقّ؛ فمن سمعه ممّن حضر فلا يعوِّلُ عليه، ومن غاب فليبلّغه من حضر؛ فجزاه الله خيرًا، وجعل يحفل في الدّعاء، والخلق يؤَمِّنون.
علّٙق ابن العربي قائلًا: فانظروا-رحمكم الله-إلى هذا الدّين المتين، والاعتراف بالعلم لأهله على رؤوس الملإ؛ من رجلٍ ظهرت رياسته، واشتهرت نفاسته؛ لغريبٍ مجهول العين، لا يُعْرَف مَنْ؟، ولا مِنْ أين؟؛ فاقتدوا به ترشدوا.
قال الشوكانيُّ كما في: [أدب الطلب، (٩٠)]
وَمن الْآفَات المانِعَة عَن الرُّجُوع إِلَى الحقّ: أن يكون المتكلّم بِالحقِّ حدث السنّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى من يناظره، أَو قَلِيل العلم، أو الشُّهْرَة فِي النَّاس، وَالآخرُ بعكس ذَلِك؛ فَإِنَّهُ قد تحمله حميّة الجاهِلِيَّة والعصبيّة الشّيطانيّة على التَّمَسُّك بِالبَاطِلِ؛ أَنَفَةً من الرُّجُوع إِلَى قَول من هُوَ أَصْغَر مِنْهُ سنًّا، أَو أقلّ مِنْهُ علمًا، أَو أخْفى شُهْرةً؛ ظنًّا مِنْهُ أَنّ فِي ذَلِك عَلَيْهِ مَا يحطّ مِنْهُ وَينْقص مَا هُوَ فِيهِ!.
وَهَذَا الظَّن فَاسدٌ؛ فَإِنّ الحطّ وَالنَّقْص إِنَّمَا هُوَ فِي التّصميم على البَاطِل، والعلوَّ والشّرفَ فِي الرُّجُوع إِلَى الحقّ بيد مَنْ كَان،َ وعَلى أَيّ وَجهٍ حصل. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
هذّٙبها/ أبُو مُحمّٙد الطّٙرٙابُلُسِيُّ
١٤٤٠/٣/١٠ه