إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الفتن و أساليب النجاة منها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفتن و أساليب النجاة منها

    <بسملة1>




    الفتن و أساليب النجاة منها


    إنَّ الحمد للّه ، نحمده و نستعينه و نستغفره ، و نعوذ باللّه من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده اللّه فلا مضِّل له ، و من يُضلل فلا هاديَ له ، و أشهد أن لا إلـه إلّا اللّه وحده لا شريك له ، و أشهد أنَّ محمدًا عبده و رسوله ، صلَّى اللّه و سلَّم عليه ، و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين ، أمّا بعد :
    فإنَّ الناظر بعين الحق في حال النّاس في زماننا هذا ، يتبيّن له صدق نبيُّنا صلَّى اللّه و سلَّم من ظهور الفتن الّتي تدع الحليم حيرانًا ، و هي تموج تموج البحر ، بسببها يبدل الرجل دينه .
    و لقد حذّرنا النبي صلَّى اللّه عليه و سلَّم أشدَّ التحذير ، فقد فصلها ووضحها وحذّر منها وبيّن علاماتها وكيفية المخرج منها ، فعن عبد الرحمن بن عبدٍ أنّه قال : دخلتُ المسجدَ فإذا عبدُاللهِ بنُ عمرو بنُ العاصِ جالسٌ في ظلِّ الكعبةِ ، و الناسُ مجتمعون عليهِ ، فأتيتهم ، فجلستُ إليهِ ، فقال : « كنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللّه عليه و سلَّم في سفرٍ ، فنزلنا منزلًا ، فمنا من يصلحُ خباءَه ، ومنا من ينتضل ُ، ومنا من هو في جشرِه ، إذ نادى منادي رسولِ اللهِ صلَّى اللّه عليه و سلَّم : « الصلاةُ جامعةٌ » ، فاجتمعنا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللّه عليه و سلَّم ، فقال « إنَّهُ لم يكن نبيٌّ قبلي إلا كان حقًّا عليهِ أن يَدُلَّ أُمَّتَه على خيرِ ما يُعلمُه لهم، ويُنذرهم شرَّ ما يُعلِّمُه لهم . وإنَّ أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها . وسيُصيبُ آخرها بلاءٌ وأمورٌ تنكرونها . وتجيءُ فتنةٌ فيُرقِّقُ بعضها بعضها . وتجيءُ الفتنةُ فيقول المؤمنُ: هذه مهلكتي . ثم تنكشفُ . وتجيءُ الفتنةُ فيقول المؤمنُ : هذه هذه . فمن أحبَّ أن يزحزحَ عن النارِ ويدخلَ الجنة َ، فلتأتِه منيَّتُه وهو يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ ، فدنوتُ منهُ فقلتُ : « أنشدكَ اللهَ ! آنت سمعتَ هذا من رسولِ اللهِ صلَّى اللّه عليه و سلَّم ؟ فأهوى إلى أذنيهِ وقلبِه بيديهِ . و قال : « سمعتْهُ أذنايَ ووعاهُ قلبي » ، فقلتُ لهُ : « هذا ابنُ عمك معاويةُ يأمرنا أن نأكلَ أموالنا بيننا بالباطلِ ، ونقتلَ أنفسنا ، واللهُ يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوْا لَا تَأْكُلُوْا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوْا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكًمْ رَحِيمًا } ، قال : فسكت ساعةً ثم قال : « أَطِعْهُ في طاعةِ اللهِ ، واعصِه في معصيةِ اللهِ »(1).
    فالنبي صلَّى اللّه عليه و سلَّم لم يمتْ حتّى تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغُ عنها إلّا هالك.
    و من أعظم الفتن الَّتي حذّرنا منها النبي صلَّى اللّه عليه و سلَّم هي فتنة '' المسيح الدجال " لقوله صلَّى اللّه عليه و سلَّم : « بينَ خَلْقِ آدمَ إلى قيامِ الساعَةِ أمرٌ أكبرُ مِنَ الدَّجالِ »(2) ، فقد وصفه وصفًا دقيقًا ، و أرشدنا إلى طريق النجاة من فتنته العظيمة ، فعن النواس بن سمعان رضي اللّه عنه قال : « ذَكَرَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ الدَّجَّالَ ذاتَ غداةٍ ، فخفَّضَ فيهِ ورفَّعَ حتَّى ظننَّاهُ في طائفةِ النَّخلِ ، فلمَّا رُحنا قال فانصَرفنا مِن عندِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ثمَّ رجَعنا إليه فعرفَ ذلك في وجوهِنا ، فقالَ : « ما شأنُكُم ؟ » قال : « قُلنا : يا رسولَ اللَّهِ ذَكَرتَ الدَّجَّالَ الغداةَ فخفَّضتَ ، ورفَّعتَ حتَّى ظننَّاهُ في طائفةِ النَّخلِ » ، قال : « غيرُ الدَّجَّالِ أخوَفُ لي عليكُم إن يخرُجْ وأَنا فيكُم ، فأَنا حَجيجُهُ دونَكُم ، وإن يخرُج ولستُ فيكُم فامرؤٌ حجيجُ نفسِهِ ، واللَّهُ خَليفتي على كلِّ مسلمٍ إنَّهُ شابٌّ قططٌ ، عَينُهُ قائمةٌ شبيه بعبدِ العزَّى بنِ قطنٍ ، فَمن رآهُ منكُم فليَقرأْ فواتحَ سورةِ أصحاب الكَهْفِ » قال : « يخرُجُ ما بينَ الشَّامِ والعِراقِ ، فعاثَ يمينًا وَ شمالًا ، يا عبادَ اللَّهِ فاثبُتوا.... »(3).
    و عن أنس رضي اللّه عنه قال : قال النبي صلَّى اللّه عليه و سلَّم : « ما بُعِثَ نبيٌّ إلا أنذرَ أُمَّتَه الأعورَ الكذابَ، ألا إنَّهُ أعورُ، وإنَّ ربَّكم ليس بأعورَ، وإنَّ بين عينيه مكتوبٌ كافرٌ »(4).
    و عن أمّ شريك رضي اللّه عنه أنَّ النبي صلَّى اللّه عليه و سلَّم قال : « لَيفرنَّ الناسُ من الدجالِ في الجبالِ » قالتْ أُمُّ شريكٍ : « يا رسولَ اللهِ ! فأين العربُ يومئذٍ؟ » قال : « هم قليلٌ »(5).
    و كان النبي صلَّى اللّه عليه و سلَّم يستعيذ من فتنة المسيح الدجال ، فعن عائشة رضي اللّه عنها أنَّ رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و سلَّم كان يدعو في الصلاة : « اللَّهمَّ إني أعوذُ بك من عذابِ القبرِ، وفتنةِ النارِ، وفتنةِ القبرِ، وعذابِ القبرِ، وشرِّ فتنةِ المسيحِ الدجالِ، وشرِّ فتنةِ الغِنى، وشرِّ فتنةِ الفقرِ . اللَّهمَّ اغسل خطايايَ بماءِ الثلجِ والبَرَدِ، ونَقِّ قلبي من الخطايا كما نقَّيتَ الثوبَ الأبيضَ من الدَّنسِ . اللَّهمَّ إني أعوذُ بك من الكسلِ والهَرَمِ والمغرمِ والمأثمِ »(6).
    و من أشد أنواع الفتن " ظهور الشرك '' ، و لقد أخبرنا النبي صلِّى اللّه عليه و سلِّم بأنّه واقع في الأمة ، فعن ثوبان رضي اللّه عنه أنَّ النبي صلى اللّه عليه و سلَّم قال : « لا تقومُ الساعةُ حتى تلْحقَ قبائلُ من أمَّتي بالمشركينَ، و حتى تُعبدَ الأوثانُ، وإنَّه سيكونُ في أمَّتي ثلاثونَ كذَّابًا، كلُّهم يزعمُ أنَّه نبيٌّ، وأنا خاتمُ النبيينَ لا نبيَّ بعدي »(7).
    و قد أصبحت مظاهر الشرك واضحة جلية ، من بناء المشاهد على القبور ، و طلب الدعاء من الموتى ، و الذبح لغير اللّه و ما إلى ذلك ، و مشركو زماننا أشّد كفرًا من مشركي الجاهلية كما قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه اللّه في كتابه " القواعد الأربع " : [ القاعدة الرابعة : أنَّ مشركي زماننا أغلظ شركًا من الأوّلين ، لأنّ الأوّلين يشركون في الرَّخاء ، و يُخلصون في الشّدة ، و مشركو زماننا شركُهم دائِمًا في الرَّخاء و الشّدة ، و الدّليل قوله تعالى : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }(8).
    و قد حذرنا صلَّى اللّه عليه و سلَّم من فتنة القبور ، لقوله صلَّى اللّه عليه و سلَّم : « عنةُ اللهِ على اليهودِ والنصارى، اتَّخذوا قبورَ أنبيائِهم مساجدَ ، يُحذِّر ما صنعُوا »(9).
    و انتشرت ظاهرة يندى لها الجبين خاصةً في أوساط شبابنا و هي " تعليق التميمة " و هي شرك بالله ، فقد حذرنا من ذلك النبي صلَّى اللّه عليه و سلَّم : « من علَّقَ تميمةً فقد أشركَ »(10).
    إنَّ الأمة في زماننا هذا بحاجة لمعرفة عقيدتها الصحيحة ، الخالية من أي تحريف و تزييف ، حتى لا ينزلق المؤمن في مستنقعات البدع و أوحال الشرك ، قال حذيفة رضي اللّه عنه : « كان الناس يسألون رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و سلَّم عن الخير ، و كنتُ أسأله عن الشر مخافةً أن يُدركني »(11).
    و كذلك أخبرنا و علّمنا صلَّى اللّه عليه و سلَّم أسباب الخلاص و النجاة من الفتن ، و لعلّي أذكر بعضها مستعينًا باللّه ، فخذ رعاك اللّه أسباب النجاة :
    1/ عدم الوحشة بقلة السالكين : فلقد بيّن اللّه تعالى ، أنّ أكثر الناس على ضلال و منحرفون عن المنهج ، لقوله تعالى : { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }(12) ، و قد أخبرنا صلَّى اللّه عليه و سلَّم بقلة أتباع الأنبياء لقوله صلَّى اللّه عليه و سلَّم : « عُرِضَتْ عليَّ الأُممُ، فرأيتُ النبيَّ ومَعهُ الرَّهْطُ، والنبيَّ ومعهُ الرجُلَ والرَّجُلانِ، والنبيَّ وليسَ مَعهُ أحَدٌ، إذْ رُفِعَ لِي سَوادٌ عظيمٌ، فظنَنْتُ أنَّهمْ أُمَّتِي، فقِيلَ لِي: هذا مُوسى وقومُهُ، ولكِنِ انْظُرِ إلى الأُفُقِ، فإذا سَوادٌ عظيمٌ، فقِيلَ لِِي: انْظرْ إلى الأُفقِ الآخَرِ، فإذا سوادٌ عظيمٌ، فقِيلَ لِي: هذه أُمَّتُكَ، ومَعهمْ سَبعونَ ألْفًا يَدخُلُونَ الجنةَ بِغيرِ حِسابٍ ولا عذابٍ، هُمُ الذينَ لا يَرقُونَ، ولا يَسترقُونَ، ولا يَتطيَّرُونَ، ولا يَكتَوُونَ، وعلى ربِّهمْ يَتوكَّلُونَ »(13).
    2/ الإخلاص في طلب الثبات : من أحب أمرًا و أراده ، بذل قصارى جهده في تحصيله ، فكل من صدَقَ اللّه ، صدقه الله ، فعن سهل بن حنف رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و سلَّم قال : « من سأل اللهَ الشهادةَ صادقًا من قلبِه بلَّغَه اللهُ منازلَ الشُّهداءِ وإن مات على فراشِه »(14).
    3/ معرفة الله أمان من الوقوع في الفتن : فمن كان بالله أعرف كان منه أقرب ، قال الحافظ ابن رجب رحمه اللّه : [ كان الصحابة رضي اللّه عنهم و من بعدهم من السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق ، و يشتد قلقهم و جزعهم منه ، فالمؤمن يخاف على نفسه من الشرك الأصغر ، و يخاف أن يغلب عنه ذلك عليه عند الخاتمة فيخرجه إلى النفاق الأكبر ، كما أنّ دسائس السوء توجبُ سوء الخاتمة ](15).
    4/ التعوذ من الفتن :
    إنّ العبد محتاج إلى دعاء الله في كل وقت ، فعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنه أنّه سمع رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و سلَّم يقول : « إنَّ قلوبَ بَني آدمَ كلَّها بينَ إصبَعينِ من أصابعِ الرَّحمنِ كقَلبِ واحِدٍ . يصرِفُهُ حيثُ يشاءُ » ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللّه عليه و سلَّم : « اللَّهمَّ مُصرِّفَ القلوبِ صرِّف قلوبَنا على طاعتِكَ »(16).
    5/ مصاحبة أهل الصلاح و مجالستهم : من أعظم ما يعين على الثبات هو التأسي بالصالحين ، لقوله صلَّى اللَّه عليه و سلَّم : « المرءُ على دينِ خليلِهِ، فلينظُر أحدُكم من يخالِلُ »(17) ، و وصف ابن القيم رحمه اللّه شيخه ابن تيمية رحمه اللّه : [ و كنا إذا اشتد بنا الخوف ، و ساءت منا الطنون ، و ضاقت بنا الأرض ، أتيناه فما هو إلّا أن نراه ، و نسمع كلامه ، فيذهب ذلك كله ](18).
    و ختاماً :

    فليحذر المسلم من الوقوع في الفتن فإنها تأكل الأخضر واليابس، وذلك بالعمل بما ذكرناه وهو الأخذ بالسبل المذكورة.

    نسأل الله تعالى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، ويصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، ويرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله علينا فنضل ويجعلنا للمتقين إماماً.

    وصلى الله عليه وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

    والحمد لله رب العالمين



    (1) أخرجه مسلم تحت رقم 1844.
    (2) صححه الألباني رحمه الله في « صحيح الجامع » تحت رقم 5588.
    (3) صححه الألباني رحمه الله في « صحيح الترمذي » تحت رقم 2240.

    (4) أخرجه البخاري تحت رقم 7131 واللفظ له ، و مسلم تحت رقم 2933.
    (5) أخرجه مسلم تحت رقم 2945.
    (6) أخرجه البخاري تحت رقم 6377 ، و مسلم تحت رقم 589.
    (7) صححه الألباني رحمه الله في « صحيح الجامع » تحت رقم 7418.
    (8) سورة العنكبوت الآية 65.
    (9) أخرجه تحت رقم 4443.
    (10) أخرجه الألباني في « السلسلة الصحيحة أخرجه الألباني في « السلسلة الصحيحة » 1/889.
    (11) أخرجه البخاري تحت رقم 7084 ، و مسلم تحت رقم 1847.
    (12) سورة يوسف الآية 103.
    (13) أخرجه البخاري تحت رقم 6541 ، و مسلم تحت رقم 220 باختلاف يسير.
    (14) أخرجه الألباني في « السلسلة الصحيحة 6/122.
    (15) جامع العلوم و الحكم صفحة116-117.
    (16) أخرجه مسلم تحت رقم 2654.
    (17) حديث حسن ، أخرجه الألباني في « تخريج مشكاة المصابيح » 4/442 و أبو داود تحت رقم 4833 ، و الترمذي تحت رقم 2387 ، و أحمد 8398 واللفظ له.
    (18) الوابل الصيب صفحة 110.
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2018-09-22, 12:06 PM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
يعمل...
X