إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حديث: اثنتان يكرههما ابن آدم.. (تخريج وشرح)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حديث: اثنتان يكرههما ابن آدم.. (تخريج وشرح)

    <بسملة1>


    حديث: اثنتان يكرههما ابن آدم
    (تخريج وشرح)






    قال النبي صلى الله عليه وسلم: " اثنتان يكرههما ابن آدم: يكره الموت والموت خير للمؤمن من الفتنة، ويكره قلة المال وقلة المال أقل للحساب ".
    إسناد هذا الحديث: حسن
    أخرجه علي بن حجر السعدي في جزء (حديث إسماعيل بن جعفر) (ص 445 رقم: 382) من طريق إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ مرفوعا به، ومن طريقه:
    أحمد في المسند [39/36 رقم: 23626] ، وأبو نعيم الأصبهاني في (معرفة الصحابة) [5/2525 رقم: 6114]، وأبو عمرو الداني في (السنن الواردة في الفتن) [1/236 رقم: 36]، والبغوي في (شرح السنة) [14/267 رقم: 4066] .
    وأخرجه أحمد في مسنده [39/36 رقم: 23625]، وأبو نعيم الأصبهاني في (معرفة الصحابة) [5/2525 رقم: 6114] من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو به.
    وعزاه لسعيد بن منصور، السيوطي ( ) والعجلوني( ) من بَعْدِه، ولكني لم أجده !
    في إسناده : عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ الدراوردي وهو صدوق قال الذهبي: حَدِيْثُهُ لاَ يَنحطُّ عَنْ مرتبَةِ الحَسَنِ. اهـ من سير أعلام النبلاء (8/ 368)
    وعَمرو بن أبي عَمرو مولى المطلب: صدوق، حديثه صالح حسن، ينحط عن الدرجة العليا من الصحيح. كما في ميزان الاعتدال (3/ 282) فحديثه حسنٌ .
    وقد جوَّد المحدث الألباني رحمه الله إسناده كما في (سلسلة الأحاديث الصحيحة) (2/ 452) فقال:
    (وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين. ومحمود بن لبيد صحابي صغير
    وجل روايته عن الصحابة كما قال الحافظ في " التقريب " ومراسيل الصحابة حجة
    كما هو مقرر في علم المصطلح ولذلك رمز له السيوطي بالصحة في " الجامع الصغير "
    وصرح بذلك في " الكبير " (1 / 19 / 2) فقال: " وصُحِّحَ "). انتهى
    وقد صححه الألباني في (صحيح الجامع الصغير وزيادته) (1/ 90) .
    فوائد نفيسة تتعلق بإرسال محمود بن لبيد ( ):
    - محمود يحدث عن رافع، أي أن المعروف عن محمود بن لَبِيد أنه يروي عن رافع بن خدِيج، فمن كان معروفاً بالراوية عن الصحابة قوي الظن بكونه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم .
    - وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن جل رواية محمود بن لَبِيد عن الصحابة كما في التقريب 6561.
    وبتتبع أحاديثه في المسند تبين أن جل الأحاديث التي يرويها عن النبي صلى الله عليه وسلم قد رويت من أوجه أخرى عن بعض الصحابة مما يدل على أنه كان يرسلها.
    - وأثبت الإمام أحمد الإدراك لمحمود بن لبيد دون السماع، وأورد أحاديثه في مسنده، وهي مرسلة في الحقيقة لكنها مسندة عنده بدليل إيراده لها في المسند، وهذا أيضاً يدل على أن مرسل الصحابي عند الإمام أحمد من قبيل المسند.

    شرح الحديث:
    قال الملا علي القاري في (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح) (8/ 3286) شارحا هذا الحديث :
    "(وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ) ، بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: أَنْصَارِيٌّ أَشْهَلِيٌّ، وُلِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَ عَنْهُ أَحَادِيثَ.
    قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَهُ صُحْبَةٌ.
    وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُعْرَفُ لَهُ صُحْبَةٌ، وَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ في التَّابِعِينَ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمْ.
    قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالصَّوَابُ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ فَأَثْبَتَ لَهُ صُحْبَةً، وَكَانَ مَحْمُودٌ أَحَدَ الْعُلَمَاءِ، رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ.
    (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اثْنَتَانِ ") أَيْ: خَصْلَتَانِ (" يَكْرَهُهُمَا ") أَيْ: بِالطَّبْعِ (" ابْنُ آدَمَ ") أَيْ: وَهُمَا خَيْرٌ لَهُ كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (" يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْفِتْنَةِ ") ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْفِتْنَةُ الَّتِي الْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْهَا هِيَ الْوُقُوعُ فِي الشَّرَكِ، أَوْ فِتْنَةٌ يَسْخَطُهَا الْإِنْسَانُ، وَيَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ مَا لَا يَلِيقُ، وَفِي اعْتِقَادِهِ مَا لَا يَجُوزُ.
    وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْفِتْنَةُ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَكُونُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنَ الْعَبْدِ كَالْبَلِيَّةِ وَالْمُصِيبَةِ وَالْقَتْلِ وَالْعَذَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَفْعَالِ الْكَرِيهَةِ.
    قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ تَكُونُ الْفِتْنَةُ فِي الدِّينِ مِثْلَ الِارْتِدَادِ وَإِكْرَاهِ الْغَيْرِ عَلَى الْمَعَاصِي وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ» ".
    قُلْتُ –أي الملا القاري-: وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ قَالَ: «الدُّنْيَا تَدْعُو إِلَى فِتْنَةٍ وَالشَّيْطَانُ يَدْعُو إِلَى خَطِيئَةٍ وَلِقَاءُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الْإِقَامَةِ مَعَهُمَا» .
    (" وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ، وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ ") . أَيْ: وَأَبْعَدُ مِنَ الْعَذَابِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ) : وَكَذَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ. " انتهى
    (فَعِنْدَ حُلُولِ الْفِتَنِ فِي الدِّينِ يَجُوزُ سُؤَالُ الْمَوْتِ، وَلِهَذَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في آخر خلافته لَمَّا رَأَى أَنَّ الْأُمُورَ لَا تَجْتَمِعُ لَهُ ولا يزداد الأمر إلا شدة، فقال: اللَّهُمَّ خُذْنِي إِلَيْكَ، فَقَدْ سَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي.
    وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَمَّا وَقَعَتْ لَهُ تِلْكَ الفتنة وجرى له مع أمير خراسان ما جرى، قال: اللَّهُمَّ تَوَفَّنِي إِلَيْكَ.
    وَفِي الْحَدِيثِ «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَمُرُّ بِالْقَبْرِ- أَيْ فِي زَمَانِ الدَّجَّالِ- فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَكَ» ( ) لِمَا يَرَى مِنَ الْفِتَنِ، وَالزَّلَازِلِ وَالْبَلَابِلِ وَالْأُمُورِ الْهَائِلَةِ الَّتِي هِيَ فِتْنَةٌ لِكُلِّ مَفْتُونٍ)( ).
    وقد وجدت كلاما بديعا للحافظ ابن رجب رحمه الله في شرحه على حديث اختصام الملأ الأعلى أنقله مع تعليقات محقق الكتاب جسم الفهيد الدوسري، فمن بركة العلم نسبة الكلام إلى قائله.
    قال الحافظ ابن رجب في شرحه على حديث اختصام الملأ الأعلى، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم:
    "...اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحبَّ المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون، وأسألك حبك، وحب من يحبك، وحب العمل الَّذِي يبلغني حبك".
    قال رحمه الله ( ) :
    «قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون":
    المقصود بهذا الدعاء سلامة العبد من فتن الدُّنْيَا مدة حياته، فإن قدّر الله عَلَى عباده فتنة قبض عبده إِلَيْهِ قبل وقوعها، وهذا من أم الأدعية فإن المؤمن إذا عاش سليمًا من الفتن ثم قبضه الله قبل وقوعها وحصول الناس فيها كان في ذلك نجاة له من الشر كله، وقد أمر النبي صلّى الله عليه وسلم أصحابه أن يتعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن( )
    وفي حديث آخر: "وجنبنا الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن"( ).
    وكان يخص بعض الفتن العظيمة بالذكر، فكان يتعوَّذ في صلاته من أربع، ويأمر بالتعوذ منها: "أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال"( ).
    ففتنة المحيا يدخل فيها فتنُ الدين والدنيا كلها، كالكفر والبدع والفسوق والعصيان. وفتنة الممات يدخل فيها سوء الخاتمة وفتنة الملكين في القبر، فإن الناس يفتنون في قبورهم مثل أو قريبًا من فتنة الدجال.
    ثم خصَّ فتنة الدجال بالذكر لعظم موقعها، فإنَّه لم يكن في الدُّنْيَا فتنة قبل يوم القيامة أعظم منها، وكلما قرب الزمان من الساعة كثرت الفتن.
    وفي حديث معاوية عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنَّه قال: "إنه لم يبق من الدُّنْيَا إلا بلاء وفتنة" ( ).
    وقد أخبر النبي صلّى الله عليه وسلم عن الفتن التي تكون كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدُّنْيَا ( ).
    وكان أول هذه الفتن ما حدث بعد عمر رضي الله عنه، ونشأ من تلك الفتن قتلُ عثمان رضي الله عنه، وما ترتب عليه من إراقة الدماء وتفرُّق القلوب وظهور فتن الدين كبدع الخوارج المارقين من الدين وإظهارهم ما أظهروا، ثم ظهور بدع أهل القدر والرفض ونحوهم، وهذه هي الفتنة التي تموج كموج البحر المذكورة في حديث حذيفة المشهور حين سأله عنها عمر ( )، وكان حذيفة رضي الله عنه من أكثر الناس سؤالاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن الفتن خوفًا من الوقوع فيها ( ).
    ولما حضره الموت قال: حبيب جاء عَلَى فاقة، لا أفلح من ندم! الحمد لله الَّذِي سبق بي الفتنة! قادتها وعلوجها ( ) ( ).
    وكان موته قبل قتل عثمان رضي الله عنه بنحو من أربعين يومًا، وقيل: بل مات (بعد قتل) عثمان.
    وكان في تلك الأيام رجل من الصحابة نائمًا، فأتاه آتٍ في منامه فَقَالَ له: قم! فاسأل الله أن يعيذك من الفتنة التي أعاذ منها صالح عباده، فقام فتوضأ وصلى، ثم اشتكى ومات (بعد قليل) ( ).
    وقد رُوي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنَّه قال لرجل: "إذا مت أنا وأبو بكر وعمر وعثمان فإن استطعت أن تموت فمت" ( )، وهذا إشارة إِلَى هذه الفتن التي وقعت بمقتل عثمان رضي الله عنه.
    والدعاء بالموت خشية الفتنة في الدين جائزٌ، وقد دعا به الصحابة والصالحون بعدهم، ولما حج عمر رضي الله عنه آخر حجة حجها استلقى بالأبطح ثم رفع يديه وقال: اللهم إنه قد كبرت سني، ورق عظمي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون. ثم رجع إِلَى المدينة فما انسلخ الشهر حتى قتل رضي الله عنه ( ).
    ودعا علي ربه أن يريحه من رعيته حيث سئم منهم فقتل عن قريب.
    ودعت زينب بنت جحش لما جاءها عطاءُ عمر من المال فاستكثرته وقالت: اللهم لا يدركني عطاء عمر بعدها، فماتت قبل العطاء الثاني ( ).
    ولما ضجر عمر بن عبد العزيز من رعيته حيث ثقل عليهم قيامه فيهم بالحق طلب من رجل كان معروفا بإجابة (الدعوة) ( ) أن يدعو له بالموت، فدعا له ولنفسه بالموت فماتا. ودعي طائفة من السَّلف الصالح إِلَى ولاية القضاء، فاستمهلوا ثلاثة أيام فدعوا الله لأنفسهم بالموت فماتوا.
    واطُّلع عَلَى حال بعض الصالحين ومعاملاته التي كانت سرًّا بينه وبين ربه، فسأل الله أن يقبضه إِلَيْهِ خوفًا من فتنة (الاشتهار) ( ) فمات.
    فإن الشهرة بالخير فتنة كما جاء في الحديث: "كفى بالمرء فتنة أن يُشار إِلَيْهِ بالأصابع، فإنها فتنة" ( ).
    كان سفيان الثوري يتمنى الموت كثيرًا فسئل عن ذلك، فَقَالَ: ما يدريني! لعلي أدخل في بدعة، لعلي أدخل فيما لا يحلّ لي، لعلي أدخل في فتنة، أكون قد مت فسبقت هذا.
    واعلم أن الإنسان لا يخلوا من فتنة، قال ابن مسعود: لا يقل أحدكم: أعوذ بالله من الفتن، ولكن ليقل: أعوذ بالله من مضلات الفتن. ثم تلا قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] ( ).
    يشير إِلَى أنَّه لا يستعاذ من المال والولد وهما فتنة.
    وفي المسند أن النبي صلّى الله عليه وسلم أمر أم سلمة أن تقول: "اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن ما أبقيتني" ( ).
    وقد جعل النبي، النساء والأموال فتنة، ففي الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر عَلَى الرجال من النساء" ( ).
    وفيه أيضاً ( ) أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تُبسط عليكم الدُّنْيَا كما بُسطت عَلَى من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم".
    وفي صحيح مسلم ( ) عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "اتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".
    وفي الترمذي ( ) أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال".
    وقد قال الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان: 20] ، فالرجل فتنة للمرأة، والمرأة فتنة للرجل، والغني فتنة للفقير، والفقير فتنة للغني، والفاجر فتنة للبر، والبر فتنة للفاجر، والكافر فتنة للمؤمن، والمؤمن فتنة للكافر قال تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53]، وقال عز وجل: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35]، فجعل كل ما يصيب الإنسان من شر أو خير فتنة، يعني أنَّه محنة يمتحن بها، فإن أصيب بخير امتحن به شكره، وإن أصيب بشر امتحن به صبره.
    وفتنة السراء أشد من فتنة الضراء، قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: بُلينا بفتنة الضراء فصبرنا، وبلينا بفتنة السراء فلم نصبر ( ).
    وقال بعضهم: فتنة الضراء يصبر عليها البر والفاجر، ولا يصبر عَلَى فتنة السراء إلا صديق.
    ولما ابتلي الإمام أحمد بفتنة الضراء صبر ولم يجزع، وقال: كانت زيادة في إيماني.
    فلما ابتلي بفتنة السراء جزع وتمنّى الموت صباحًا ومساء، وخشي أن يكون نقصًا في دينه.
    ثم إن المؤمن لابد أن يفتن بشيء من الفتن المؤلمة الشاقة عليه ليمتحن إيمانه كما قال الله تعالى: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَايُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2، 3]، ولكن الله يلطف بعباده المؤمنين في هذه الفتن، ويصبرهم عليها، ويثيبهم فيها، ولا يلقيهم في فتنة مضلة مهلكة تذهب بدينهم، بل تمر عليهم الفتن وهم فيها في عافية.
    وأخرج ابن أبي الدنيا من حديث ابن عمر مرفوعًا: "إن لله ضنائن ( ) من عباده يغذوهم في رحمته، ويحييهم في عافية، ويتوفاهم إِلَى جنته، أولئك الذين تمر عليهم الفتن كقطع الليل المظلم، وهم (فيها) في عافية" ( ).
    والفتن الصغار التي يُبتلى بها المرء في أهله وماله وولده وجاره تكفِّرها الطاعات من الصلاة والصيام والصدقة كذا جاء في حديث حذيفة.
    ورُوي عنه أن سأل النبي صلّى الله عليه وسلم قال: إن في لساني ذربًا، وإن عامة ذلك عَلَى أهلي. فَقَالَ له: "أين أنت من الاستغفار"؟! ( ).
    وأما الفتن المضلة التي يخشى منها فساد الدين فهي التي يُستعاذ منها، ويسأل الموت قبلها، فمن مات قبل وقوعه في شيء من هذه الفتن فقد حفظه الله وحماه.
    وفي "المسند" عن محمود بن لبيد عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: "اثنتان يكرههما ابن آدم: يكره الموت، والموت خيرٌ للمؤمن من الفتنة، ويكره قلة المال، وقلة المال أقل للحساب"» انتهى
    فاللهم إذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون...
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    وكتب:

    أبو معاذ طارق بن محمد الجزائري
    السبت 5 المحرم 1440 هـ
    الموافق لـ 15 سبتمبر 2018 م
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2018-09-16, 05:43 PM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
يعمل...
X