إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

نشأة البلاغة في التراث القديم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نشأة البلاغة في التراث القديم

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

    نشأة البلاغة في التراث القديم

    صحيحٌ أنهم يقولون أن البلاغة هي :
    (المعنى الجميل في اللفظ الجميل والتركيب الجميل)
    .ولكن الشاعر والأديب وإن عنى نفسه بتصيد المعاني ، ولكنه يتصيدها من أجل أن يصوغها في لفظ جميل وتركيب جميل . فاللفظ والتركيب أو صياغة المعاني إنما هي في الصورة التي يخرج بها هذا المعنى ، في ذلك اللفظ أو التركيب .


    كيف كانت نشأة البلاغة في التراث القديم؟

    بدأ اهتمام العرب بالبيان والفصاحة، وبالبلاغة باعتبارها فنا يقوم عليه الأدب الرفيع، منذ زمن قديم، حيث لم يكن هذا الأمر مقصورا على جهود العرب الذين عاشوا بعد قيام الدولة الاسلامية كما قد يتبادر إلى أذهان بعضهم. ويمكننا أن نلاحظ احتفال عرب الجاهلية بالبلاغة في صور مختلفة ومتباينة، منها، على سبيل المثال، عقدهم للأسواق الأدبية في عكاظ، وغيره من أماكن تجمعهم المشهورة. فقد كانوا يتناشدون الأشعار، ويتسابقون في ذلك الأمر بأن يحتكموا إلى ذوي الخبرة والدُّربة منهم، وذوي القدرة على تمييز جيد الشعر من رديئه. ومن أشهر أولئك النقاد النابغة الذبياني الذي كانت تضرب له قبة حمراء في سوق عكاظ فيأتيه الشعراء من كل أنحاء جزيرة العرب بغية عرض أشعارهم عليه ليقرر هو في شأنها فيقدم هذا الشاعر ويؤخر ذاك


    . ولهذا السبب فقد كان الشاعر الجاهلي يمنح قصيدته قدراً عالياً من العناية، ويهتم اهتماما كبيرا بتجويد أسلوبه فيها وتحسينه ليصل بها إلى المكانة أو الدرجة التي تمكنه من نيل رضا النابغة أو الظفر بمدحه وتقريظه لأن في ذلك شرفاً له ولقبيلته على حد سواء. وقد تطور الأمر بعد ذلك بأن أصبح الشاعر يحتل مكانة خاصة في مجتمعه، ويجد من الاحترام والتقدير ما لا ينعم به غيره من أبناء القبيلة التي ينتمي إليها.
    ولم يكن غريبا، وقتئذ، أن تعقد القبيلة مظاهر الفرح والابتهاج كلما خرج من بين أبنائها شاعر؛ ذلك لأن الشاعر هو الشخص المنوط به أمر الدفاع عن القبيلة في مجابهة الخصوم والأعداء، وهو الرجل الذي تعتمد عليه القبيلة ليرفع من شأنها بين سائر القبائل إما بتعداد مآثرها وحصر مناقبها، وإما بذكر أيامها التي انتصرت فيها على منافسيها.
    ومن صور اهتمام عرب الجاهلية بالبيان والبلاغة أنهم كانوا يمدحون اللسان في أشعارهم.
    وطبيعيّ أن نرى العرب الذين عاشوا في صدر الاسلام، وفي العصور التالية له يفعلون ما فعله أسلافهم في الميل الى الكلام الفصيح البين، وفي العمل على إعلاء شأن كل من يظهر منهم نجاحاً أو تفوقاً في هذا الميدان، وطبعيٌّ أيضا أن نراهم ينوهون بكل هذا في كلامهم المنظوم. استمع الى شاعرهم يقول:

    (أرى الناس في الأخلاق أهل تخلّقوأخبارهم شتى فعُرفٌ ومُنكرُقريباً تدانيهم إذا ما رأيتهم ومختلفاً ما بينهم حين تَخبُرُفلا تحمدنَّ الدهر ظاهر صفحةمن المرء ما لم تبلُ ما ليس يظهرُفما المرءُ إلا الأصغران: لسانه ومعقوله والجسم خلقٌ مُصوَّرُوما الزّينُ في ثوب تراه وإنمايزينُ الفتى مخبوره حين يُخبر)ُ.ومن الشعراء الاسلاميين الذين عبروا عن هذه الفكرة كعب بن سعد الغنوى الذي مدح رجلا أديباً بقوله:
    (حبيب الى الزّوّار غِشيان بيتهجميل المحيا شبَّ وهو أديبُإذا ما تراءاه الرّجالُ تحفّظوافلم تنطق العوراء وهو قريبُ)
    وإذا كان مدح اللسان قد وجد حظاً وافراً في شعر العرب الجاهليين والاسلاميين على حد سواء، فإن هذا المدح قد عرف طريقه الى كلامهم المنثور أيضا.


    فقد وردت في كتب التاريخ والأدب عبارات وأحاديث تمجد اللسان، وترفع من قدر أهل الفصاحة والبيان. من ذلك ما أورده الجاحظ في «البيان والتبيين» أن أعرابياً مدح رجلا برِّقة اللسان فقال:«كان والله لسانه أرقَّ من ورقة، وألين من سَرَقة.
    السَّرَقُ بالتحريك: شقائق من جيّد الحرير أو أبيضه
    . ونسب إلى العباس بن عبدالمطلب أنه قال للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، فيم الجمال؟ قال: في اللسان. وقال رجل لخالد بن صفوان: مالي إذا رأيتكم تتذاكرون الأخبار، وتتدارسون الآثار، وتتناشدون الأشعار، وقع عليّ النوم؟ فقال له خالد: لأنك حمار في مسلاخ إنسان. «المسلاخ: الجلد».
    ومما ذكره الجاحظ أيضا أنه قد قيل لأعرابي: ما الجمال؟ قال: طول القامة، وضخم الهامة، ورحب الشِّدق، وبعد الصوت. ومعلوم أن رحابة الشدق تعني سعة الفم، وأن قوة الصوت وبعده لا يكونان في الرجل إلا إذا كان واثقاً من نفسه، وأن الثقة بالنفس تعتمد، فيما تعتمد، على عمق الفكر والثقافة أو على غزارة العلم والأدب.
    ويجدر بنا أن نذكر في هذا المكان أن من العبارات التي تنسب إلى صاحب المنطق «أرسطو» قوله: حدُّ الانسان الحي الناطق المبين.
    وزاد من مكانة الشاعر في البيئات العربية المختلفة أنه كان دائم السعي إلى الحط من قدر أعداء قومه إما بهجائهم والخوض في أعراضهم، وإما بذكر مثالبهم ومواطن ضعفهم وقصورهم. وتجدر الاشارة إلى القول بأن العرب كانوا يخافون الهجاء، وكانوا يتحاشون الشعراء الذين اشتهروا به أمثال الحطيئة وبشار وغيرهما. يدلنا على ذلك قول شاعرهم في هذا الخصوص:

    وجرحُ السيف تدمله فيبرا ويبقى الدّهر ما جرح اللسانُ

    يتضح لنا مما تقدم أن من عوامل نشأة البلاغة العربية أن العرب جبلوا على حب الفصاحة والبيان واللسن، وأنهم فتنوا بتذوق الأسلوب ونقده، فكانت لهم في الجاهلية آراء نقدية كانت هي، بصرف النظر عن طبيعتها وحجمها، الأساس الأول الذي اعتمد عليه النقد الأدبي عند العرب. وبدهي أن يكون النقد الأدبي الأساس لعلم البلاغة الذي تبلورت أصوله واتضحت معالمه بعد ذلك .


    منقول
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
يعمل...
X