المجلس السابع والعشرون: في النوع الثاني من أسباب دخول النار
الحمد لله الذي أنشأ الخلائق بقدرته، وأظهر فيهم عجائب حكمته، ودل بآياته على ثبوت وحدانيته، قضى على العاصي بالعقوبة لمخالفته، ثم دعا إلى التوبة ومن عليه بقبول توبته، فأجيبوا داعي الله وسابقوا إلى جنته، يغفر لكم ذنوبكم ويؤتكم كفلين من رحمته، أحمده على جلال نعوته وكمال صفته، وأشكره على توفيقه وسوابغ نعمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث إلى جميع بريته، بشيرا للمؤمنين بجنته، ونذيرا للكافرين بناره وسطوته، صلى الله عليه وعلى أبي بكر خليفته في أمته، وعلى عمر المشهور بقوته على الكافرين وشدته، وعلى عثمان القاضي نحبه في محنته، وعلى علي ابن عمه وزوج ابنته، وعلى سائر آله وأصحابه ومن تبعه في سنته، وسلم تسليما.
إخواني: سبق في الدرس الماضي ذكر عدة أسباب من النوع الأول من أسباب دخول النار الموجبة للخلود فيها، وها نحن في هذا الدرس نذكر بمعونة الله عدة أسباب من النوع الثاني، وهي الأسباب التي يستحق فاعلها دخول النار دون الخلود فيها.
السبب الأول: عقوق الوالدين وهما الأم والأب، وعقوقهما أن يقطع ما يجب لهما من بر وصلة أو يسيء إليهما بالقول أو الفعل. قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالولدين إحسنا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهمآ أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا} [الإسراء: 23، 24] وقال تعالى: {أن اشكر لى ولولديك إلى المصير} [لقمان: 14]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة مدمن الخمر والعاق لوالديه والديوث الذي يقر الخبث في أهله»، رواه أحمد والنسائي (1).
السبب الثاني: قطيعة الرحم وهي أن يقاطع الرجل قرابته فيمنع ما يجب لهم من حقوق بدنية أو مالية. ففي الصحيحين عن جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة قاطع». قال سفيان: يعني قاطع رحم. وفيهما أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرحم قامت فقالت لله عز وجل: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرؤوا إن شئتم: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} [محمد: 22، 23].
ومن المؤسف أن كثيرا من المسلمين اليوم غفلوا عن القيام بحق الوالدين والأرحام وقطعوا حبل الوصل، وحجة بعضهم أن أقاربه لا يصلونه. وهذه الحجة لا تنفع لأنه لو كان لا يصل إلا من وصله لم تكن صلته لله وإنما هي مكافأة كما في صحيح البخاري عن عبدالله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الواصل بالمكافأ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها». وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عليهم ويجهلون علي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل (2) ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك»، رواه مسلم.
وإذا وصل رحمه وهم يقطعونه فإن له العاقبة الحميدة وسيعودون فيصلونه كما وصلهم إن أراد الله بهم خيرا.
السبب الثالث: أكل الربا. قال تعالى: {يأيها الذينءامنوا لا تأكلوا الربا أضعفا مضعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون * واتقوا النار التى أعدت للكافرين * وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون} [آل عمران: 130 - 132]، وقد توعد الله تعالى من عاد إلى الربا بعد أن بلغته موعظة الله وتحذيره توعده بالخلود في النار، فقال سبحانه: {الذين يأكلون الربوا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربوا وأحل الله البيع وحرم الربوا فمن جآءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحب النار هم فيها خلدون} [البقرة: 275].
السبب الرابع: أكل مال اليتامى ذكورا كانوا أم إناثا، والتلاعب به. قال تعالى: {إن الذين يأكلون أمول اليتمى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} [النساء: 10]. واليتيم هو الذي مات أبوه قبل أن يبلغ.
السبب الخامس: شهادة الزور فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لن تزول قدم شاهد الزور حتى يوجب الله له النار»، رواه ابن ماجه والحاكم وقال: صحيح الإسناد (3). وشهادة الزور أن يشهد بما لا يعلم أو يشهد بما يعلم أن الواقع خلافه لأن الشهادة لا تجوز إلا بما علمه الشاهد. وفي الحديث قال لرجل: «ترى الشمس؟ قال: نعم، قال على مثلها فاشهد أو دع».
السبب السادس: الرشوة في الحكم، فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الراشي والمرتشي في النار»، رواه الطبراني ورواته ثقات معروفون، قاله في الترغيب والترهيب قال في النهاية: الراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل والمرتشي الاخذ. فأما ما يعطى توصلا إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه. اهـ.
السبب السابع: اليمين الغموس فعن الحارث بن مالك رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في الحج بين الجمرتين وهو يقول: «من اقتطع مال أخيه بيمين فاجرة فليتبوأ مقعده من النار ليبلغ شاهدكم غائبكم (مرتين أو ثلاثا)»، رواه أحمد والحاكم وصححه. وسميت غموسا لأنها تغمس الحالف بها في الإثم ثم تغمسه في النار. ولا فرق بين أن يحلف كاذبا على ما ادعاه فيحكم له به أو يحلف كاذبا على ما أنكره فيحكم ببراءته منه.
السبب الثامن: القضاء بين الناس بغير علم أو بجور وميل لحديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق وقضى به. ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار. ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار»، رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة (4).
السبب التاسع: الغش للرعية وعدم النصح لهم بحيث يتصرف تصرفا ليس في مصلحتهم ولا مصلحة العمل لحديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد يسترعيه الله على رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة»، متفق عليه. وهذا يعم رعاية الرجل في أهله والسلطان في سلطانه وغيرهم لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «كلكم راع ومسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته»، متفق عليه.
السبب العاشر: تصوير ما فيه روح من إنسان أو حيوان فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا فتعذبه في جهنم»، رواه مسلم. وفي رواية للبخاري: «من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا». فأما تصوير الأشجار والنبات والثمرات ونحوها مما يخلقه الله من الأجسام النامية فلا بأس به على قول جمهور العلماء. ومنهم من منع ذلك لما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل: «ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعيرة».
السبب الحادي عشر: ما ثبت في الصحيحين عن حارثة بن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر»، فالعتل الشديد الغليظ الذي لا يلين للحق ولا للخلق، والجواظ الشحيح البخيل فهو جماع مناع، والمستكبر هو الذي يرد الحق ولا يتواضع للخلق فهو يرى نفسه أعلى من الناس ويرى رأيه أصوب من الحق.
السبب الثاني عشر: استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب للرجال والنساء. ففي الصحيحين من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم». وفي رواية لمسلم: «إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم».
فاحذروا إخواني أسباب دخول النار، واعملوا الأسباب التي تبعدكم عنها لتفوزوا في دار القرار، واعلموا أن الدنيا متاع قليل سريعة الزوال والانهيار، واسألوا ربكم الثبات على الحق إلى الممات، وأن يحشركم مع الذين أنعم الله عليهم من المؤمنين والمؤمنات.
اللهم ثبتنا على الحق وتوفنا عليه، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
_________
(1) له طرق يقوى بها.
(2) تسفهم: تدخل في أفواههم. والمل: الرماد الحار.
(3) هذا تساهل من الحاكم رحمه الله والصواب أنه ضعيف الإسناد جدا، لكن روى الإمام أحمد ما يؤيده بسند رواته ثقات غير أن تابعيه لم يسم.
(4) قال في بلوغ المرام: أخرجه الأربعة وصححه الحاكم.
الحمد لله الذي أنشأ الخلائق بقدرته، وأظهر فيهم عجائب حكمته، ودل بآياته على ثبوت وحدانيته، قضى على العاصي بالعقوبة لمخالفته، ثم دعا إلى التوبة ومن عليه بقبول توبته، فأجيبوا داعي الله وسابقوا إلى جنته، يغفر لكم ذنوبكم ويؤتكم كفلين من رحمته، أحمده على جلال نعوته وكمال صفته، وأشكره على توفيقه وسوابغ نعمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث إلى جميع بريته، بشيرا للمؤمنين بجنته، ونذيرا للكافرين بناره وسطوته، صلى الله عليه وعلى أبي بكر خليفته في أمته، وعلى عمر المشهور بقوته على الكافرين وشدته، وعلى عثمان القاضي نحبه في محنته، وعلى علي ابن عمه وزوج ابنته، وعلى سائر آله وأصحابه ومن تبعه في سنته، وسلم تسليما.
إخواني: سبق في الدرس الماضي ذكر عدة أسباب من النوع الأول من أسباب دخول النار الموجبة للخلود فيها، وها نحن في هذا الدرس نذكر بمعونة الله عدة أسباب من النوع الثاني، وهي الأسباب التي يستحق فاعلها دخول النار دون الخلود فيها.
السبب الأول: عقوق الوالدين وهما الأم والأب، وعقوقهما أن يقطع ما يجب لهما من بر وصلة أو يسيء إليهما بالقول أو الفعل. قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالولدين إحسنا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهمآ أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا} [الإسراء: 23، 24] وقال تعالى: {أن اشكر لى ولولديك إلى المصير} [لقمان: 14]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة مدمن الخمر والعاق لوالديه والديوث الذي يقر الخبث في أهله»، رواه أحمد والنسائي (1).
السبب الثاني: قطيعة الرحم وهي أن يقاطع الرجل قرابته فيمنع ما يجب لهم من حقوق بدنية أو مالية. ففي الصحيحين عن جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة قاطع». قال سفيان: يعني قاطع رحم. وفيهما أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرحم قامت فقالت لله عز وجل: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرؤوا إن شئتم: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} [محمد: 22، 23].
ومن المؤسف أن كثيرا من المسلمين اليوم غفلوا عن القيام بحق الوالدين والأرحام وقطعوا حبل الوصل، وحجة بعضهم أن أقاربه لا يصلونه. وهذه الحجة لا تنفع لأنه لو كان لا يصل إلا من وصله لم تكن صلته لله وإنما هي مكافأة كما في صحيح البخاري عن عبدالله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الواصل بالمكافأ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها». وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عليهم ويجهلون علي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل (2) ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك»، رواه مسلم.
وإذا وصل رحمه وهم يقطعونه فإن له العاقبة الحميدة وسيعودون فيصلونه كما وصلهم إن أراد الله بهم خيرا.
السبب الثالث: أكل الربا. قال تعالى: {يأيها الذينءامنوا لا تأكلوا الربا أضعفا مضعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون * واتقوا النار التى أعدت للكافرين * وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون} [آل عمران: 130 - 132]، وقد توعد الله تعالى من عاد إلى الربا بعد أن بلغته موعظة الله وتحذيره توعده بالخلود في النار، فقال سبحانه: {الذين يأكلون الربوا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربوا وأحل الله البيع وحرم الربوا فمن جآءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحب النار هم فيها خلدون} [البقرة: 275].
السبب الرابع: أكل مال اليتامى ذكورا كانوا أم إناثا، والتلاعب به. قال تعالى: {إن الذين يأكلون أمول اليتمى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} [النساء: 10]. واليتيم هو الذي مات أبوه قبل أن يبلغ.
السبب الخامس: شهادة الزور فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لن تزول قدم شاهد الزور حتى يوجب الله له النار»، رواه ابن ماجه والحاكم وقال: صحيح الإسناد (3). وشهادة الزور أن يشهد بما لا يعلم أو يشهد بما يعلم أن الواقع خلافه لأن الشهادة لا تجوز إلا بما علمه الشاهد. وفي الحديث قال لرجل: «ترى الشمس؟ قال: نعم، قال على مثلها فاشهد أو دع».
السبب السادس: الرشوة في الحكم، فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الراشي والمرتشي في النار»، رواه الطبراني ورواته ثقات معروفون، قاله في الترغيب والترهيب قال في النهاية: الراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل والمرتشي الاخذ. فأما ما يعطى توصلا إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه. اهـ.
السبب السابع: اليمين الغموس فعن الحارث بن مالك رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في الحج بين الجمرتين وهو يقول: «من اقتطع مال أخيه بيمين فاجرة فليتبوأ مقعده من النار ليبلغ شاهدكم غائبكم (مرتين أو ثلاثا)»، رواه أحمد والحاكم وصححه. وسميت غموسا لأنها تغمس الحالف بها في الإثم ثم تغمسه في النار. ولا فرق بين أن يحلف كاذبا على ما ادعاه فيحكم له به أو يحلف كاذبا على ما أنكره فيحكم ببراءته منه.
السبب الثامن: القضاء بين الناس بغير علم أو بجور وميل لحديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق وقضى به. ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار. ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار»، رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة (4).
السبب التاسع: الغش للرعية وعدم النصح لهم بحيث يتصرف تصرفا ليس في مصلحتهم ولا مصلحة العمل لحديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد يسترعيه الله على رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة»، متفق عليه. وهذا يعم رعاية الرجل في أهله والسلطان في سلطانه وغيرهم لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «كلكم راع ومسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته»، متفق عليه.
السبب العاشر: تصوير ما فيه روح من إنسان أو حيوان فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا فتعذبه في جهنم»، رواه مسلم. وفي رواية للبخاري: «من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا». فأما تصوير الأشجار والنبات والثمرات ونحوها مما يخلقه الله من الأجسام النامية فلا بأس به على قول جمهور العلماء. ومنهم من منع ذلك لما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل: «ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعيرة».
السبب الحادي عشر: ما ثبت في الصحيحين عن حارثة بن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر»، فالعتل الشديد الغليظ الذي لا يلين للحق ولا للخلق، والجواظ الشحيح البخيل فهو جماع مناع، والمستكبر هو الذي يرد الحق ولا يتواضع للخلق فهو يرى نفسه أعلى من الناس ويرى رأيه أصوب من الحق.
السبب الثاني عشر: استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب للرجال والنساء. ففي الصحيحين من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم». وفي رواية لمسلم: «إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم».
فاحذروا إخواني أسباب دخول النار، واعملوا الأسباب التي تبعدكم عنها لتفوزوا في دار القرار، واعلموا أن الدنيا متاع قليل سريعة الزوال والانهيار، واسألوا ربكم الثبات على الحق إلى الممات، وأن يحشركم مع الذين أنعم الله عليهم من المؤمنين والمؤمنات.
اللهم ثبتنا على الحق وتوفنا عليه، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
_________
(1) له طرق يقوى بها.
(2) تسفهم: تدخل في أفواههم. والمل: الرماد الحار.
(3) هذا تساهل من الحاكم رحمه الله والصواب أنه ضعيف الإسناد جدا، لكن روى الإمام أحمد ما يؤيده بسند رواته ثقات غير أن تابعيه لم يسم.
(4) قال في بلوغ المرام: أخرجه الأربعة وصححه الحاكم.