إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المجلس الحادي عشر: في آداب الصيام المستحبة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المجلس الحادي عشر: في آداب الصيام المستحبة

    المجلس الحادي عشر: في آداب الصيام المستحبة

    الحمد لله مبلغ الراجي فوق مأموله، ومعطي السائل زيادة على مسؤوله، أحمده على نيل الهدى وحصوله، وأقر بوحدانيته إقرار عارف بالدليل وأصوله، وأصلي وأسلم على نبينا محمد عبده ورسوله، وعلى صاحبه أبي بكر الملازم له في ترحاله وحلوله، وعلى عمر حامي الإسلام بعزم لا يخاف من فلوله، وعلى عثمان الصابر على البلاء حين نزوله، وعلى علي بن أبي طالب الذي أرهب الأعداء بشجاعته قبل نضوله، وعلى جميع آله وأصحابه الذين حازوا قصب السبق في فروع الدين وأصوله، ما تردد النسيم بين جنوبه وشماله وغربه وقبوله.

    إخواني: هذا المجلس في بيان القسم الثاني من آداب الصوم وهي الآداب المستحبة، فمنها:

    السحور وهو الأكل في آخر الليل سمي بذلك لأنه يقع في السحر فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم به فقال: «تسحروا فإن في السحور بركة»، متفق عليه. وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر». وأثنى صلى الله عليه وسلم على سحور التمر فقال: «نعم سحور المؤمن التمر»، رواه أبو داود. (1) وقال صلى الله عليه وسلم: «السحور كله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين» رواه أحمد وقال المنذري: إسناده قوي. (2) وينبغي للمتسحر أن ينوي بسحوره امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بفعله، ليكون سحوره عبادة، وأن ينوي به التقوي على الصيام ليكون له به أجر. والسنة تأخير السحور ما لم يخش طلوع الفجر لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فعن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت تسحرا فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فصلى، قلنا لأنس: كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية، رواه البخاري. وعن عائشة رضي الله عنها أن بلالا كان يؤذن بليل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر»، رواه البخاري. وتأخير السحور أرفق بالصائم وأسلم من النوم عن صلاة الفجر. وللصائم أن يأكل ويشرب ولو بعد السحور ونية الصيام حتى يتيقن طلوع الفجر لقوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة: 183]. ويحكم بطلوع الفجر إما بمشاهدته في الأفق أو بخبر موثوق به بأذان أو غيره، فإذا طلع الفجر أمسك وينوي بقلبه ولا يتلفظ بالنية لأن التلفظ بها بدعة.
    ومن آداب الصيام المستحبة تعجيل الفطور إذا تحقق غروب الشمس بمشاهدتها أو غلب على ظنه الغروب بخبر موثوق به بأذان أو غيره، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»، متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: «إن أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا»، رواه أحمد والترمذي (3). والسنة أن يفطر على رطب، فإن عدم فتمر، فإن عدم فماء، لقول أنس رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء»، رواه أحمد وأبو داود والترمذي (4). فإن لم يجد رطبا ولا تمرا ولا ماء أفطر على ما تيسر من طعام أو شراب حلال. فإن لم يجد شيئا نوى الإفطار بقلبه ولا يمص إصبعه أو يجمع ريقه ويبلعه كما يفعل بعض العوام.

    وينبغي أن يدعو عند فطره بما أحب، ففي سنن ابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد». قال في الزوائد: إسناده صحيح (5)، وروى أبو داود عن معاذ بن زهرة مرسلا مرفوعا: كان إذا أفطر يقول: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت (6). وله من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر يقول:
    «ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله». (7) ومن آداب الصيام المستحبة كثرة القراءة والذكر والدعاء والصلاة والصدقة. وفي صحيح ابن خزيمة وابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين»، ورواه أحمد والترمذي. (8) وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن. فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة. وكان جوده صلى الله عليه وسلم يجمع أنواع الجود كلها من بذل العلم والنفس والمال لله عز وجل في إظهار دينه وهداية عباده وإيصال النفع إليهم بكل طريق من تعليم جاهلهم وقضاء حوائجهم وإطعام جائعهم. وكان جوده يتضاعف في رمضان لشرف وقته ومضاعفة أجره وإعانة العابدين فيه على عبادتهم والجمع بين الصيام وإطعام الطعام وهما من أسباب دخول الجنة.

    وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أصبح منكم اليوم صائما؟ فقال أبو بكر: أنا. قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبو بكر: أنا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرأ إلا دخل الجنة».

    ومن آداب الصيام المستحبة أن يستحضر الصائم قدر نعمة الله عليه بالصيام حيث وفقه له ويسره عليه حتى أتم يومه وأكمل شهره، فإن كثيرا من الناس حرموا الصيام إما بموتهم قبل بلوغه أو بعجزهم عنه أو بضلالهم وإعراضهم عن القيام به، فليحمد الصائم ربه على نعمة الصيام التي هي سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات ورفعة الدرجات في دار النعيم بجوار الرب الكريم.

    إخواني: تأدبوا بآداب الصيام، وتخلوا عن أسباب الغضب والانتقام، وتحلوا بأوصاف السلف الكرام، فإنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها من الطاعة واجتناب الآثام.

    قال ابن رجب رحمه الله: الصائمون على طبقتين: إحداهما: من ترك طعامه وشرابه وشهوته لله تعالى يرجو عنده عوض ذلك في الجنة، فهذا قد تاجر مع الله وعامله والله لا يضيع أجر من أحسن عملا ولا يخيب معه من عامله، بل يربح أعظم الربح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل: «إنك لن تدع شيئا اتقاء الله إلا آتاك الله خيرا منه» أخرجه الإمام أحمد. (9) فهذا الصائم يعطى في الجنة ما شاء من طعام وشراب ونساء. قال الله تعالى: {كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم فى الأيام الخالية} [الحاقة: 24].
    قال مجاهد وغيره: نزلت في الصائمين. وفي حديث عبدالرحمن بن سمرة الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم في منامه قال: «ورأيت رجلا من أمتي يلهث عطشا كلما دنا من حوض منع وطرد فجاءه صيام رمضان فسقاه وأرواه»، خرجه الطبراني. (10) يا قوم ألا خاطب في هذا الشهر إلى الرحمن؟ ألا راغب فيما أعد الله للطائعين في الجنان؟

    من يرد ملك الجنان ... فليدع عنه التواني
    وليقم في ظلمة الليل ... إلى نور القرآن
    وليصل صوما بصوم ... إن هذا العيش فان
    إنما العيش جوار الله ... في دار الأمان

    الطبقة الثانية من الصائمين: من يصوم في الدنيا عما سوى الله فيحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى ويذكر الموت والبلى ويريد الاخرة فيترك زينة الدنيا، فهذا عيد فطره يوم لقاء ربه وفرحته برؤيته.

    من صام بأمر الله عن شهواته في الدنيا أدركها غدا في الجنة، ومن صام عما سوى الله فعيده يوم لقائه: {من كان يرجو لقآء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم} [العنكبوت: 5].
    يا معشر التائبين صوموا اليوم عن شهوات الهوى لتدركوا عيد الفطر يوم اللقاء.

    اللهم جمل بواطننا بالإخلاص لك، وحسن أعمالنا باتباع رسولك والتأدب بآدابه، اللهم أيقظنا من الغفلات، ونجنا من الدركات، وكفر عنا الذنوب والسيئات، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


    -------------------------
    (1) إسناده حسن وله شواهد يصل بها إلى درجة الصحة.
    (2) الجملة الأولى منه لها شاهد في الصحيحين.
    (3) إسناده ضعيف وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
    (4) إسناده حسن جدا.
    (5) ضعفه بعضهم وسبب اختلافهم في صحته اختلافهم في تعيين أحد رواته لكن له شواهد في إجابة دعوة الصائم مطلقا فالحديث بذلك حسن.
    (6) معاذ بن زهرة تابعي وثقه ابن حبان فالحديث ضعيف لإرساله لكن له شاهد ربما يقوى به.
    (7) إسناده حسن.
    (8) فيه ضعف ولبعضه شواهد.
    (9) صحيح.
    (10) ضعيف الإسناد لكن قال ابن القيم بعد أن ساقه بتمامه في المسألة العاشرة من كتاب (الروح) سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يعظم أمر هذا الحديث وقال -يعني شيخ الإسلام- أصول السنة تشهد له وهو من أحسن الأحاديث. اهـ.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
يعمل...
X