المجلس العاشر: في آداب الصيام الواجبة
الحمد لله الذي أرشد الخلق إلى أكمل الاداب، وفتح لهم من خزائن رحمته وجوده كل باب، أنار بصائر المؤمنين فأدركوا الحقائق وطلبوا الثواب، وأعمى بصائر المعرضين عن طاعته فصار بينهم وبين نوره حجاب، هدى أولئك بفضله ورحمته وأضل الآخرين بعدله وحكمته، إن في ذلك لذكرى لأولى الألباب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك العزيز الوهاب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بأجل العبادات وأكمل الآداب، صلى الله عليه وعلى جميع الال والأصحاب، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب، وسلم تسليما.
إخواني: اعلموا أن للصيام آدابا كثيرة لا يتم إلا بها ولا يكمل إلا بالقيام بها وهي على قسمين: آداب واجبة لا بد للصائم من مراعاتها والمحافظة عليها، وآداب مستحبة ينبغي أن يراعيها ويحافظ عليها.
فمن الآداب الواجبة أن يقوم الصائم بما أوجب الله عليه من العبادات القولية والفعلية ومن أهمها الصلاة المفروضة التي هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، فتجب مراعاتها بالمحافظة عليها والقيام بأركانها وواجباتها وشروطها، فيؤديها في وقتها مع الجماعة في المساجد، فإن ذلك من التقوى التي من أجلها شرع الصيام وفرض على الأمة، وإضاعة الصلاة مناف للتقوى وموجب للعقوبة. قال الله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوت فسوف يلقون غيا الشهوت فسوف يلقون غيا * إلا من تاب وءامن وعمل صلحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا} [مريم: 59، 60].
ومن الصائمين من يتهاون بصلاة الجماعة مع وجوبها عليه. وقد أمر الله بها في كتابه فقال: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلوة فلتقم طآئفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا} (يعني: أتموا صلاتهم) فليكونوا من ورآئكم ولتأت طآئفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} [النساء: 102].
فأمر الله بالصلاة مع الجماعة في حال القتال والخوف. ففي حال الطمأنينة والأمن أولى. وعن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رجلا أعمى قال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد. فرخص له. فلما ولى دعاه وقال هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال نعم قال فأجب»، رواه مسلم. فلم يرخص له النبي صلى الله عليه وسلم في ترك الجماعة مع أنه رجل أعمى وليس له قائد، وتارك الجماعة مع إضاعته الواجب قد حرم نفسه خيرا كثيرا من مضاعفة الحسنات، فإن صلاة الجماعة مضاعفة كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة».
وفوت المصالح الاجتماعية التي تحصل للمسلمين باجتماعهم على الصلاة من غرس المحبة والألفة وتعليم الجاهل ومساعدة المحتاج وغير ذلك.
وبترك الجماعة يعرض نفسه للعقوبة ومشابهة المنافقين، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا. ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار». وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات، حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى، قال: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق. ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف. ومن الصائمين من يتجاوز بالأمر فينام عن الصلاة في وقتها. وهذا من أعظم المنكرات وأشد الإضاعة للصلوات حتى قال كثير من العلماء: إن من أخر الصلاة عن وقتها بدون عذر شرعي لم تقبل وإن صلى مئة مرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»، رواه مسلم. والصلاة بعد وقتها ليس عليها أمر النبي صلى الله عليه وسلم فتكون مردودة غير مقبولة.
ومن الآداب الواجبة: أن يجتنب الصائم جميع ما حرم الله ورسوله من الأقوال والأفعال، فيجتنب الكذب وهو الإخبار بخلاف الواقع، وأعظمه الكذب على الله ورسوله كأن ينسب إلى الله أو إلى رسوله تحليل حرام أو تحريم حلال بلا علم. قال الله تعالى: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلل وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون * متع قليل ولهم عذاب أليم} [النحل: 116، 117]، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار». وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب فقال: «إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا»، متفق عليه.
ويجتنب الغيبة، وهي ذكرك أخاك بما يكره في غيبته، سواء ذكرته بما يكره في خلقته كالأعرج والأعور والأعمى على سبيل العيب والذم، أو بما يكره في خلقه كالأحمق والسفيه والفاسق ونحوه. وسواء كان فيه ما تقول أم لم يكن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الغيبة فقال: «هي ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته»، رواه مسلم. ولقد نهى الله عن الغيبة في القرآن وشبهها بأبشع صورة؛ شبهها بالرجل يأكل لحم أخيه ميتا، فقال تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه} [الحجرات: 12]. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر ليلة المعراج بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فقال: «من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم»، رواه أبو داود.
ويجتنب النميمة وهي نقل كلام شخص في شخص إليه ليفسد بينهما، وهي من كبائر الذنوب. قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة نمام»، متفق عليه. وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير (أي في أمر شاق عليهما)، أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة». والنميمة فساد للفرد والمجتمع وتفريق بين المسلمين، وإلقاء للعداوة بينهم {ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشآء بنميم} [القلم: 10، 11] فمن نم إليك نم فيك فاحذره.
ويجتنب الغش في جميع المعاملات من بيع وإجارة وصناعة ورهن وغيرها، وفي جميع المناصحات والمشورات فإن الغش من كبائر الذنوب، وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله فقال صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا». وفي لفظ: «من غش فليس مني»، رواه مسلم. والغش خديعة وضياع للأمانة وفقد للثقة بين الناس، وكل كسب من الغش فإنه كسب خبيث حرام لا يزيد صاحبه إلا بعدا من الله.
ويجتنب المعازف وهي آلات اللهو بجميع أنواعها كالعود والربابة والقانون والكمنجة والبيانو والكمان وغيرها فإن هذه حرام. وتزداد تحريما وإثما إذا اقترنت بالغناء بأصوات جميلة وأغان مثيرة قال الله تعالى: {ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين} [لقمان: 6]. وقد صح عن ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية فقال: والله الذي لا إله غيره هو الغناء. وصح أيضا عن ابن عباس وابن عمر وذكره ابن كثير عن جابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد وقال الحسن: نزلت هذه الاية في الغناء والمزامير. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من المعازف وقرنها بالزنا فقال صلى الله عليه وسلم: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف»، رواه البخاري. فالحر الفرج والمراد به الزنا ومعنى يستحلون أي يفعلونها فعل المستحل لها بدون مبالاة، وقد وقع هذا في زمننا فكان من الناس من يستعمل هذه المعازف أو يستمعها كأنها شيء حلال، وهذا مما نجح فيه أعداء الإسلام بكيدهم للمسلمين حتى صدوهم عن ذكر الله ومهام دينهم ودنياهم، وأصبح كثير منهم يستمعون إلى ذلك أكثر مما يستمعون إلى قراءة القرآن والأحاديث وكلام أهل العلم المتضمن لبيان أحكام الشريعة وحكمها. فاحذورا أيها المسلمون نواقض الصوم ونواقصه، وصونوه عن قول الزور والعمل به. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». وقال جابر رضي الله عنه: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع عنك أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة،ولا يكن يوم صومك ويوم فطرك سواء.
اللهم احفظ علينا ديننا. وكف جوارحنا عما يغضبك. واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله الذي أرشد الخلق إلى أكمل الاداب، وفتح لهم من خزائن رحمته وجوده كل باب، أنار بصائر المؤمنين فأدركوا الحقائق وطلبوا الثواب، وأعمى بصائر المعرضين عن طاعته فصار بينهم وبين نوره حجاب، هدى أولئك بفضله ورحمته وأضل الآخرين بعدله وحكمته، إن في ذلك لذكرى لأولى الألباب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك العزيز الوهاب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بأجل العبادات وأكمل الآداب، صلى الله عليه وعلى جميع الال والأصحاب، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب، وسلم تسليما.
إخواني: اعلموا أن للصيام آدابا كثيرة لا يتم إلا بها ولا يكمل إلا بالقيام بها وهي على قسمين: آداب واجبة لا بد للصائم من مراعاتها والمحافظة عليها، وآداب مستحبة ينبغي أن يراعيها ويحافظ عليها.
فمن الآداب الواجبة أن يقوم الصائم بما أوجب الله عليه من العبادات القولية والفعلية ومن أهمها الصلاة المفروضة التي هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، فتجب مراعاتها بالمحافظة عليها والقيام بأركانها وواجباتها وشروطها، فيؤديها في وقتها مع الجماعة في المساجد، فإن ذلك من التقوى التي من أجلها شرع الصيام وفرض على الأمة، وإضاعة الصلاة مناف للتقوى وموجب للعقوبة. قال الله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوت فسوف يلقون غيا الشهوت فسوف يلقون غيا * إلا من تاب وءامن وعمل صلحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا} [مريم: 59، 60].
ومن الصائمين من يتهاون بصلاة الجماعة مع وجوبها عليه. وقد أمر الله بها في كتابه فقال: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلوة فلتقم طآئفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا} (يعني: أتموا صلاتهم) فليكونوا من ورآئكم ولتأت طآئفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} [النساء: 102].
فأمر الله بالصلاة مع الجماعة في حال القتال والخوف. ففي حال الطمأنينة والأمن أولى. وعن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رجلا أعمى قال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد. فرخص له. فلما ولى دعاه وقال هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال نعم قال فأجب»، رواه مسلم. فلم يرخص له النبي صلى الله عليه وسلم في ترك الجماعة مع أنه رجل أعمى وليس له قائد، وتارك الجماعة مع إضاعته الواجب قد حرم نفسه خيرا كثيرا من مضاعفة الحسنات، فإن صلاة الجماعة مضاعفة كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة».
وفوت المصالح الاجتماعية التي تحصل للمسلمين باجتماعهم على الصلاة من غرس المحبة والألفة وتعليم الجاهل ومساعدة المحتاج وغير ذلك.
وبترك الجماعة يعرض نفسه للعقوبة ومشابهة المنافقين، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا. ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار». وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات، حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى، قال: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق. ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف. ومن الصائمين من يتجاوز بالأمر فينام عن الصلاة في وقتها. وهذا من أعظم المنكرات وأشد الإضاعة للصلوات حتى قال كثير من العلماء: إن من أخر الصلاة عن وقتها بدون عذر شرعي لم تقبل وإن صلى مئة مرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»، رواه مسلم. والصلاة بعد وقتها ليس عليها أمر النبي صلى الله عليه وسلم فتكون مردودة غير مقبولة.
ومن الآداب الواجبة: أن يجتنب الصائم جميع ما حرم الله ورسوله من الأقوال والأفعال، فيجتنب الكذب وهو الإخبار بخلاف الواقع، وأعظمه الكذب على الله ورسوله كأن ينسب إلى الله أو إلى رسوله تحليل حرام أو تحريم حلال بلا علم. قال الله تعالى: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلل وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون * متع قليل ولهم عذاب أليم} [النحل: 116، 117]، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار». وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب فقال: «إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا»، متفق عليه.
ويجتنب الغيبة، وهي ذكرك أخاك بما يكره في غيبته، سواء ذكرته بما يكره في خلقته كالأعرج والأعور والأعمى على سبيل العيب والذم، أو بما يكره في خلقه كالأحمق والسفيه والفاسق ونحوه. وسواء كان فيه ما تقول أم لم يكن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الغيبة فقال: «هي ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته»، رواه مسلم. ولقد نهى الله عن الغيبة في القرآن وشبهها بأبشع صورة؛ شبهها بالرجل يأكل لحم أخيه ميتا، فقال تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه} [الحجرات: 12]. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر ليلة المعراج بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فقال: «من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم»، رواه أبو داود.
ويجتنب النميمة وهي نقل كلام شخص في شخص إليه ليفسد بينهما، وهي من كبائر الذنوب. قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة نمام»، متفق عليه. وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير (أي في أمر شاق عليهما)، أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة». والنميمة فساد للفرد والمجتمع وتفريق بين المسلمين، وإلقاء للعداوة بينهم {ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشآء بنميم} [القلم: 10، 11] فمن نم إليك نم فيك فاحذره.
ويجتنب الغش في جميع المعاملات من بيع وإجارة وصناعة ورهن وغيرها، وفي جميع المناصحات والمشورات فإن الغش من كبائر الذنوب، وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله فقال صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا». وفي لفظ: «من غش فليس مني»، رواه مسلم. والغش خديعة وضياع للأمانة وفقد للثقة بين الناس، وكل كسب من الغش فإنه كسب خبيث حرام لا يزيد صاحبه إلا بعدا من الله.
ويجتنب المعازف وهي آلات اللهو بجميع أنواعها كالعود والربابة والقانون والكمنجة والبيانو والكمان وغيرها فإن هذه حرام. وتزداد تحريما وإثما إذا اقترنت بالغناء بأصوات جميلة وأغان مثيرة قال الله تعالى: {ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين} [لقمان: 6]. وقد صح عن ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية فقال: والله الذي لا إله غيره هو الغناء. وصح أيضا عن ابن عباس وابن عمر وذكره ابن كثير عن جابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد وقال الحسن: نزلت هذه الاية في الغناء والمزامير. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من المعازف وقرنها بالزنا فقال صلى الله عليه وسلم: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف»، رواه البخاري. فالحر الفرج والمراد به الزنا ومعنى يستحلون أي يفعلونها فعل المستحل لها بدون مبالاة، وقد وقع هذا في زمننا فكان من الناس من يستعمل هذه المعازف أو يستمعها كأنها شيء حلال، وهذا مما نجح فيه أعداء الإسلام بكيدهم للمسلمين حتى صدوهم عن ذكر الله ومهام دينهم ودنياهم، وأصبح كثير منهم يستمعون إلى ذلك أكثر مما يستمعون إلى قراءة القرآن والأحاديث وكلام أهل العلم المتضمن لبيان أحكام الشريعة وحكمها. فاحذورا أيها المسلمون نواقض الصوم ونواقصه، وصونوه عن قول الزور والعمل به. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». وقال جابر رضي الله عنه: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع عنك أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة،ولا يكن يوم صومك ويوم فطرك سواء.
اللهم احفظ علينا ديننا. وكف جوارحنا عما يغضبك. واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.