تَبْيِينُ الغَلَطِ في دَعوَى الإِجْمَاع عَلَى أنَّ «الذَّات» اسمٌ مِن أسْمَاِء الله الحُسْــنَى
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد وقفت على مقطعٍ للدكتور عبد المجيد جمعة -أصلحه الله- يقرِّر فيه كلامًا باطلًا، يقول فيه: (ولذلك كان بابُ الصِّفات أوسَعُ مِن باب الأسماء، وأسماءُ الله هي حُسنَى، فلا يجوز للمرء أن يُسمِّيَ الله -عزَّ وجلَّ- اسمًا لم يَثبُت في الكتاب ولا في السُّنَّة.
وأيضًا نُضِيفُ مصدرًا آخرَ وهو: إجماع سلف الأمَّة، فإذا أجمع السَّلف على صفةٍ، أو على اسمٍ مِن أسماءِ الله -عزَّ وجلَّ- فيرى على أنَّ الإجماع حجَّةٌ.
مثاله: اسمُ (الذَّات) لم يرد في الكتاب ولا في السُّنَّة، وكمقتضى إثبات الأسماء والصِّفات هو إثبات الذَّات؛ لأنَّ الأسماء والصِّفات قائمةٌ بالذَّات المقدَّسة).
الملاحظات إجمالًا:
أوَّلًا: زعم الدكتور عبد المجيد أن الأسماء والصِّفات قد تَثبُت بمجرَّد الإجماع دون النَّصِّ على ذلك في كتابِ الله تعالى وسُنَّة نبيِّه ﷺ، وهذا خلافُ ما يقرِّره علماؤنا في بابِ الأسماءِ والصِّفاتِ، وأنَّها لا تَثبُت إلَّا بالكِتاب والسُّنَّة.
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: (لا يُوصَف الله إلَّا بما وصَفَ به نفسَه، أو وَصفَه به رسوله، لا يُتجَاوزُ القرآنَ والحديثَ).
فهذا نصٌّ مِنْ إمامِ أهل السُّنَّةِ والجماعة أحمد بن حنبل على أنَّه لا يُتجاوَزُ القرآن والحديث في إثباتِ الصِّفات وكذلك الأسماء؛ لأنَّ بابهما واحدٌ، فكلاهما مِن جهةِ الإثبات تَوقِيفيٌّ!
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (4/2) وهو يحكي سبيلَ السَّلف ومذهبَهم: (فمِن سبيلهم في الاعتقاد: «الإيمان بصفاتِ الله تعالى وأسمائه» التي وصف بها نفسه وسمَّى بها نفسَه في كتابِه وتنزيلِه، أو على لسانِ رسوله مِن غير زيادةٍ عليها ولا نقص منها ولا تجاوز لها)اهـ.
وقد سئل العلامة صالح الفوزان حفظه الله تعالى: (سماحة الشيخ أحسن الله إليكم، البعض يقول بأنَّ هناك صفاتٌ تَثبُت بالإجماع المجرَّد، وليس لها دليل على ثبوتها مِن الكتاب والسُّنَّة، بل دليلها الإجماع فقط، فهل هذا صحيح؟
فأجاب حفظه الله تعالى:(لا، هذا ماهو بصحيح، ولا أحد قال هذا من أهل العلم المعتبَرين، الصِّفات ما تَثبُت إلَّا مِن الكتاب أو السُّنَّة، فالله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ﷺ، ومَن وصف الله بغير ما في الكتاب والسُّنَّةِ؛ فقد قال على الله بغير علمٍ).
وعليه؛ فالإجماع إنْ كان يَستَند إلى نصٍّ ظاهرٍ مِن كتابٍ أو سُنَّةٍ فالعمدة على الكتابِ والسُّنَّة، ويكون الإجماع حينئذ مؤكِّدًا لهما، لا مستقلًّا بالإثبات.
وأمَّا الاعتماد على الإجماع فقط وليس في الكتاب أو السنة ما يدل على هذا الإجماع؛ فإنَّه لا تَثبُت به الأسماء والصِّفات، ولا وجودَ لمثالٍ يؤيِّد هذا كما سيأتي بيانه.
ثانيا: زعمه أنَّ الذَّات مِن أسماء الله تعالى، وهذا قولٌ بِدعيٌّ لم يقل به أحد من أهل العلم المعتبرين، بل لم أجد أحدًا نصَّ على ذلك غير الدكتور جمعة!
وإنَّما أهل العلم ولا سيَّما المحقِّقين منهم، كشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، يَنُصَّانِ في مواضعَ كثيرة مِن كتبهما أنَّ الذَّات ليس اسمًا لله تعالى وإنَّما يُطلَق على الله مِن باب الإخبار عن الله تعالى.
ثالثًا:أمَّا ما ادعاه مِن حكاية الإجماع على أنَّ الذَّات مِن أسماء الله تعالى، فهذه دعوى عريضة، وإثباتُ ذلك دونَه خرطُ القتاد، بل قد نصَّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (9/300) وهو ينقل كلام عامَّة النُّظَّار أنَّهم يُطلِقون على الله ما لا نص في إطلاقه ولا إجماع وذكر مثالًا على ذلك: لفظ «القديم» و«الذَّات» ونحو ذلك، فالذَّات بنص كلام شيخ الإسلام أنَّه لا إجماع في إطلاقه على الله تعالى، فكيف يقال إنَّ الذات اسم بالإجماع وإن لم يرد هذا اللفظ في الكتاب والسُّنَّة؟!
ثم بيَّن شيخ الإسلام رحمه الله أنَّ هذه الألفاظ تُطلَق مِن باب الإخبار للحاجة إلى ذلك، لا مِن باب الأسماء، وهو ما قرَّره تلميذه ابن القيم رحمه الله في كتابه الفذِّ «بدائع الفوائد».
فبهذا يتبيَّن لكل عاقل لبيب أنَّه لا قائل بأنَّ (الذَّات) مِن أسماء الله فضلا عن نقل الإجماع على ذلك!
ويؤكد ذلك ويؤيده عدَّة أوجهٍ، منها:
الأوَّلُ: أنَّ أسماء الله حسنى بالغةٌ في الحسن كماله، وكلمة (ذات) ليس فيها حسن في ذاتها، فلا يكون مِن الأسماء الحسنى.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لمَّا بيَّن أنَّه يجوز إطلاق «قديم» و«موجود» و«ذات» مِن باب الإخبار للحاجة، قال رحمه الله (9/300): (وإن كان لا يُدعَى بمثل هذه الأسماء التي ليس فيها ما يدلُّ على المدح، كقول القائل: «يا شيء» إذْ كان هذا لفظًا يعمُّ كلَّ موجودٍ، وكذلك لفظ «ذات» و«موجود» ونحو ذلك) اهـ.
وفي مجموع الفتاوى (6/ 142) لمَّا بيَّن أنَّ الله لا يدعى إلَّا بالأسماء الحسنى قال: (وأما الإخبار عنه: فلا يكون باسم سيِّئٍ؛ لكن قد يكون باسمٍ حسنٍ أو باسمٍ ليس بسيِّئٍ وإن لم يُحكَم بحُسنه، مثل: اسمِ «شيء» و«ذات» و«موجود»؛ إذا أريد به الثابت ... وكذلك «المريد» و«المتكلِّم»؛ فإنَّ الإرادة والكلام تنقسم إلى محمود ومذموم، فليس ذلك مِن الأسماء الحسنى، بخلاف: «الحكيم» و«الرَّحيم» ونحو ذلك فإنَّ ذلك لا يكون إلا محمودًا)اهـ باختصار.
الثَّاني: أنَّ الأسماء الحسنى أعلامٌ وأوصاف، فكلُّ اسم يتضمَّن صفةً لله تعالى، فما هي الصِّفة التي تضمنها اسم (الذَّات) يا دكتور؟!
الثَّالث: أنَّ الأسماء الحسنى يدعى بها كما قرَّره شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله -وقد سبقت الإشارة إلى بعضه-، فيقال: «يا الله» و«يا رحمن» ... إلخ، فهل يصح أن يقال: «يا ذات»؟
الجواب: قال ابن القيِّم رحمه الله في بدائع الفوائد (1/ 164) وهو يتكلَّم على المراتب التي تندرج تحت إحصاء الأسماء الحسنى قال: (المرتبة الثالثة: دعاؤه بها كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأسماء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}.
وهو مرتبتان:
إحداهما: دعاء ثناء وعبادة.
والثاني: دعاء طلب ومسألة.
فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وكذلك لا يسأل إلا بها، فلا يقال: «يا موجود» أو «يا شيء» أو «يا ذات اغفر لي وارحمني»، بل يُسأَل في كلِّ مطلوبٍ باسمٍ يكون مقتضيا لذلك المطلوب، فيكون السائل متوسِّلا إليه بذلك الاسم)اهـ.
فإذا تبين ذلك علم أن «ذات» ليس اسمًا لله تعالى.
الرَّابع: أن التَّعبيد يكون بالأسماء الحسنى فيقال: «عبد الله» و«عبد الرحمن» و«عبد الرحيم» ... إلخ، ولا يقال عبد الذَّات! فهذا دليل على أنَّه ليس مِن أسماء الله.
رابعًا وأخيرا: أنَّه تناقض واضطرب فبينما زعم أنَّ الذَّات مِن أسماء الله بالإجماع، إذ ينقض نفسه بنفسه فيقول: مقتضى إثبات الأسماء والصِّفات إثبات الذَّات؛ لأنَّ الأسماء والصِّفات قائمةٌ بالذَّات المقدَّسة!!!
فهو هنا أقرَّ على نفسه مِن حيث لا يدري أنَّ «الذَّات» ليس اسمًا لله تعالى، وإنَّما المراد بإطلاق الذَّات، أي: التي لها أسماء ولها صفات قائمة بها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب: أبو معاذ طارق سرايش
الخميس 17 ربيع الآخر 1447 هـ
الموافق لـ 09 أكتوبر 2025 م
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد وقفت على مقطعٍ للدكتور عبد المجيد جمعة -أصلحه الله- يقرِّر فيه كلامًا باطلًا، يقول فيه: (ولذلك كان بابُ الصِّفات أوسَعُ مِن باب الأسماء، وأسماءُ الله هي حُسنَى، فلا يجوز للمرء أن يُسمِّيَ الله -عزَّ وجلَّ- اسمًا لم يَثبُت في الكتاب ولا في السُّنَّة.
وأيضًا نُضِيفُ مصدرًا آخرَ وهو: إجماع سلف الأمَّة، فإذا أجمع السَّلف على صفةٍ، أو على اسمٍ مِن أسماءِ الله -عزَّ وجلَّ- فيرى على أنَّ الإجماع حجَّةٌ.
مثاله: اسمُ (الذَّات) لم يرد في الكتاب ولا في السُّنَّة، وكمقتضى إثبات الأسماء والصِّفات هو إثبات الذَّات؛ لأنَّ الأسماء والصِّفات قائمةٌ بالذَّات المقدَّسة).
الملاحظات إجمالًا:
- زعمه أنَّ الأسماء قد تَثبُت بمجرَّد الإجماع، دون النَّصِّ على ذلك في كتابِ الله وسُنَّةِ رسول الله ﷺ.
- زعمه أنَّ (الذَّات) مِن أسماء الله تعالى.
- ادعاؤه الإجماع على أنَّ الذَّات مِن أسماء الله تعالى.
- تناقضه واضطرابه فهو يقرِّر أنَّه اسمٌ مِن أسماء الله، ثم يقول إنَّ مقتضى إثبات الأسماء والصِّفات هو إثبات الذَّات.
أوَّلًا: زعم الدكتور عبد المجيد أن الأسماء والصِّفات قد تَثبُت بمجرَّد الإجماع دون النَّصِّ على ذلك في كتابِ الله تعالى وسُنَّة نبيِّه ﷺ، وهذا خلافُ ما يقرِّره علماؤنا في بابِ الأسماءِ والصِّفاتِ، وأنَّها لا تَثبُت إلَّا بالكِتاب والسُّنَّة.
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: (لا يُوصَف الله إلَّا بما وصَفَ به نفسَه، أو وَصفَه به رسوله، لا يُتجَاوزُ القرآنَ والحديثَ).
فهذا نصٌّ مِنْ إمامِ أهل السُّنَّةِ والجماعة أحمد بن حنبل على أنَّه لا يُتجاوَزُ القرآن والحديث في إثباتِ الصِّفات وكذلك الأسماء؛ لأنَّ بابهما واحدٌ، فكلاهما مِن جهةِ الإثبات تَوقِيفيٌّ!
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (4/2) وهو يحكي سبيلَ السَّلف ومذهبَهم: (فمِن سبيلهم في الاعتقاد: «الإيمان بصفاتِ الله تعالى وأسمائه» التي وصف بها نفسه وسمَّى بها نفسَه في كتابِه وتنزيلِه، أو على لسانِ رسوله مِن غير زيادةٍ عليها ولا نقص منها ولا تجاوز لها)اهـ.
وقد سئل العلامة صالح الفوزان حفظه الله تعالى: (سماحة الشيخ أحسن الله إليكم، البعض يقول بأنَّ هناك صفاتٌ تَثبُت بالإجماع المجرَّد، وليس لها دليل على ثبوتها مِن الكتاب والسُّنَّة، بل دليلها الإجماع فقط، فهل هذا صحيح؟
فأجاب حفظه الله تعالى:(لا، هذا ماهو بصحيح، ولا أحد قال هذا من أهل العلم المعتبَرين، الصِّفات ما تَثبُت إلَّا مِن الكتاب أو السُّنَّة، فالله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ﷺ، ومَن وصف الله بغير ما في الكتاب والسُّنَّةِ؛ فقد قال على الله بغير علمٍ).
وعليه؛ فالإجماع إنْ كان يَستَند إلى نصٍّ ظاهرٍ مِن كتابٍ أو سُنَّةٍ فالعمدة على الكتابِ والسُّنَّة، ويكون الإجماع حينئذ مؤكِّدًا لهما، لا مستقلًّا بالإثبات.
وأمَّا الاعتماد على الإجماع فقط وليس في الكتاب أو السنة ما يدل على هذا الإجماع؛ فإنَّه لا تَثبُت به الأسماء والصِّفات، ولا وجودَ لمثالٍ يؤيِّد هذا كما سيأتي بيانه.
ثانيا: زعمه أنَّ الذَّات مِن أسماء الله تعالى، وهذا قولٌ بِدعيٌّ لم يقل به أحد من أهل العلم المعتبرين، بل لم أجد أحدًا نصَّ على ذلك غير الدكتور جمعة!
وإنَّما أهل العلم ولا سيَّما المحقِّقين منهم، كشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، يَنُصَّانِ في مواضعَ كثيرة مِن كتبهما أنَّ الذَّات ليس اسمًا لله تعالى وإنَّما يُطلَق على الله مِن باب الإخبار عن الله تعالى.
ثالثًا:أمَّا ما ادعاه مِن حكاية الإجماع على أنَّ الذَّات مِن أسماء الله تعالى، فهذه دعوى عريضة، وإثباتُ ذلك دونَه خرطُ القتاد، بل قد نصَّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (9/300) وهو ينقل كلام عامَّة النُّظَّار أنَّهم يُطلِقون على الله ما لا نص في إطلاقه ولا إجماع وذكر مثالًا على ذلك: لفظ «القديم» و«الذَّات» ونحو ذلك، فالذَّات بنص كلام شيخ الإسلام أنَّه لا إجماع في إطلاقه على الله تعالى، فكيف يقال إنَّ الذات اسم بالإجماع وإن لم يرد هذا اللفظ في الكتاب والسُّنَّة؟!
ثم بيَّن شيخ الإسلام رحمه الله أنَّ هذه الألفاظ تُطلَق مِن باب الإخبار للحاجة إلى ذلك، لا مِن باب الأسماء، وهو ما قرَّره تلميذه ابن القيم رحمه الله في كتابه الفذِّ «بدائع الفوائد».
فبهذا يتبيَّن لكل عاقل لبيب أنَّه لا قائل بأنَّ (الذَّات) مِن أسماء الله فضلا عن نقل الإجماع على ذلك!
ويؤكد ذلك ويؤيده عدَّة أوجهٍ، منها:
الأوَّلُ: أنَّ أسماء الله حسنى بالغةٌ في الحسن كماله، وكلمة (ذات) ليس فيها حسن في ذاتها، فلا يكون مِن الأسماء الحسنى.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لمَّا بيَّن أنَّه يجوز إطلاق «قديم» و«موجود» و«ذات» مِن باب الإخبار للحاجة، قال رحمه الله (9/300): (وإن كان لا يُدعَى بمثل هذه الأسماء التي ليس فيها ما يدلُّ على المدح، كقول القائل: «يا شيء» إذْ كان هذا لفظًا يعمُّ كلَّ موجودٍ، وكذلك لفظ «ذات» و«موجود» ونحو ذلك) اهـ.
وفي مجموع الفتاوى (6/ 142) لمَّا بيَّن أنَّ الله لا يدعى إلَّا بالأسماء الحسنى قال: (وأما الإخبار عنه: فلا يكون باسم سيِّئٍ؛ لكن قد يكون باسمٍ حسنٍ أو باسمٍ ليس بسيِّئٍ وإن لم يُحكَم بحُسنه، مثل: اسمِ «شيء» و«ذات» و«موجود»؛ إذا أريد به الثابت ... وكذلك «المريد» و«المتكلِّم»؛ فإنَّ الإرادة والكلام تنقسم إلى محمود ومذموم، فليس ذلك مِن الأسماء الحسنى، بخلاف: «الحكيم» و«الرَّحيم» ونحو ذلك فإنَّ ذلك لا يكون إلا محمودًا)اهـ باختصار.
الثَّاني: أنَّ الأسماء الحسنى أعلامٌ وأوصاف، فكلُّ اسم يتضمَّن صفةً لله تعالى، فما هي الصِّفة التي تضمنها اسم (الذَّات) يا دكتور؟!
الثَّالث: أنَّ الأسماء الحسنى يدعى بها كما قرَّره شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله -وقد سبقت الإشارة إلى بعضه-، فيقال: «يا الله» و«يا رحمن» ... إلخ، فهل يصح أن يقال: «يا ذات»؟
الجواب: قال ابن القيِّم رحمه الله في بدائع الفوائد (1/ 164) وهو يتكلَّم على المراتب التي تندرج تحت إحصاء الأسماء الحسنى قال: (المرتبة الثالثة: دعاؤه بها كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأسماء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}.
وهو مرتبتان:
إحداهما: دعاء ثناء وعبادة.
والثاني: دعاء طلب ومسألة.
فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وكذلك لا يسأل إلا بها، فلا يقال: «يا موجود» أو «يا شيء» أو «يا ذات اغفر لي وارحمني»، بل يُسأَل في كلِّ مطلوبٍ باسمٍ يكون مقتضيا لذلك المطلوب، فيكون السائل متوسِّلا إليه بذلك الاسم)اهـ.
فإذا تبين ذلك علم أن «ذات» ليس اسمًا لله تعالى.
الرَّابع: أن التَّعبيد يكون بالأسماء الحسنى فيقال: «عبد الله» و«عبد الرحمن» و«عبد الرحيم» ... إلخ، ولا يقال عبد الذَّات! فهذا دليل على أنَّه ليس مِن أسماء الله.
رابعًا وأخيرا: أنَّه تناقض واضطرب فبينما زعم أنَّ الذَّات مِن أسماء الله بالإجماع، إذ ينقض نفسه بنفسه فيقول: مقتضى إثبات الأسماء والصِّفات إثبات الذَّات؛ لأنَّ الأسماء والصِّفات قائمةٌ بالذَّات المقدَّسة!!!
فهو هنا أقرَّ على نفسه مِن حيث لا يدري أنَّ «الذَّات» ليس اسمًا لله تعالى، وإنَّما المراد بإطلاق الذَّات، أي: التي لها أسماء ولها صفات قائمة بها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب: أبو معاذ طارق سرايش
الخميس 17 ربيع الآخر 1447 هـ
الموافق لـ 09 أكتوبر 2025 م
تعليق