تغريد
«التّحذيرُ من النِّـفاقِ والكذِب»
[ومن سعى في الإفساد والتّفريق بالكذب]
قال فضيلة الشيخ أزهر سنيقرة حفظه الله : ❞ النِّفاقُ الأصغرُ والذي قال فيه النَّبيُّ صلّى الله عليه وعلى اله وسلّم «آيةُ المُنافِقِ ثلاثٌ: إذا حدَّثَ كذَبَ، وإذا وعَدَ أخلَفَ، وإذا ائْتُمِنَ خان»[1] . هذه من صفات المنافقين يعني من كذب في حديثه لا يُقال هذا منافق نفاقا اعتقاديّا، ومن أخلف وعده لا يقال فيه ولكن يقال أنّهُ وقع في خصلة من خصال النّفاق وهذا الوصف فيه التّرهيب من مثل هذه الأخلاق الذّميمة نسأل الله العفو والعافية.
الذي يكذب في الحديث على إخوانه يكذبُ لأغراضٍ شتّى من أقبحها وأشدّها أنّه يكذب لإفساد ذات البين أو لإسقاط الآخرين وإلصاق التُّهم بهم، يكذب الكذب الصّريح، ولهذا حتّى لا نقع ولا يقع المسلم في هذه المعصية التي هي خصلة من خصال المنافقين، عليه أن يتحرّى كل الأسباب التي تجنّبه هذا الأمر أن يكون مع الصّادقين إمتثالا لأمر الله تبارك وتعالى ألا يحدّث بكل ما يسمع ينقل الإشاعات وهذا يوقعه في الكذب مصداقًا لقول النبي ﷺ « كفى بالمرء كذبًا أن يحدّث بكلّ ما سمع» أيّ شيء يسمعه يذيعه وينشره، وهذا الذي يقع بين السّلفيين في هذه الأيام! فتح الإشاعات على مصراعيه، بل أقول فتح باب الكذب على مصراعيه! وتُهم وأباطيل يكذبُ على إخوانه من غير ما حياء ولا خجل، فلان جلس مع فلان يعني وربما لو سألته يقول له يقول أنّه هذا ما حتى في المنام ما جلست معه، فلان من بطانة فلان أحدهم يقول على أحد ِ الإخوة أنّه من بطانتي وأنا لا أذكر أنّي أعرفه، سبحان ربي العظيم! ، وفلانٌ من بطانته وأنا لم أره منذ عشرِ سنواتٍ، (يعني بالاك بطانة بالخيال) يتخيّلني وأتخيّله أو في المنام (واش هاد الكذب!!!) لأجل الفجور في الخصومة ! ثم أمثال هؤلاء يُنصّبون دعاةً ويُزَكّون! كيف يُزكّى من عُرف بالكذب بين النّاس! هذه بليّةٌ عظيمةٌ والله بليّةٌ عظيمةٌ، تجعل الشّر يستفحِلُ فيه هذه الأمّة يفرّق جماعتها ويمزّق صفّها، علينا أن نتقي الله جلّ وعلا في أنفسنا أن نكون صادقين، سبحان ربي عظيم! النّبيّ صلى الله عليه وعلى اله وسلم أجاز لنا الكذب في الحالات المعلومة منها لأجل إصلاح ذات البين، وهؤلاء يكذبون لأجل إفساد ذات البين، والله شر والله شر، كيف لا يُحَذَّرُ من أمثال هؤلاء كيف يُسكَت على أمثال هؤلاء؟! وفي المقابل هذا كيف يُزكّى أمثال هؤلاء؟! هذه شهاداتٌ نُسأل عنها يوم القيامة بين يدي ربّنا تبارك وتعالى.
إذن فأهلُ السُنّة والجماعة يفرّقون بين الكفر الاعتقاديّ والعمليّ وكذا يفرقون بين النّفاق الاعتقاديّ والنّفاق العمليّ، وأهل السنّة والجماعة كذلك يفرقون بين النّوع وبين الأعيان يعني في الحكم على الآخرين فقد يُحكَم على النّوع بالكفر أو بالنِّفاق ولكن لا يُحكم على المعيّن؛ يعني عند التّعيين فلانٌ كافرٌ أو فلانٌ منافقٌ، فهذا ليس من اعتقادهم، وها هنا كلامٌ لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تبارك وتعالى عليه يشير إلى مسألة في هذا الباب وهي مسألة ما قد يعتري أو يُبتلى به المؤمن من مثل هذه الأمور من شعبِ النِّفاق ثمّ يتوب الله جلّ وعلا عليه.
قال عليه رحمة الله :
«وَكَثِيرًا مَا تَعْرِضُ لِلْمُؤْمِنِ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ النِّفَاقِ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ وَقَدْ يَرِدُ عَلَى قَلْبِهِ بَعْضُ مَا يُوجِبُ النِّفَاقَ، وَيَدْفَعُهُ اللَّهُ عَنْهُ، وَالْمُؤْمِنُ يُبْتَلَى بِوَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ وَبِوَسَاوِسِ الْكُفْرِ الَّتِي يَضِيقُ بِهَا صَدْرُهُ، كَمَا {قَالَتْ الصَّحَابَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَحَدَنَا لَيَجِدُ فِي نَفْسِهِ مَا لَئِنْ يَخِرُّ مِنْ السَّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. فَقَالَ: ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ} وَفِي رِوَايَةٍ: {مَا يَتَعَاظَمُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ ...» اهـ .
يعني الشّيطان من عمله ومن وسوسته واللهُ تبارك وتعالى يدفعُ عنّا شرّه بفضله وكرمه.
وصف النّبي ﷺ هذا بقوله «ذاك صريح الايمان» يعني دفعه لهذا الشرِ والوساوس التي يجدها في قلبه هذا صريح الايمان، بمعنى هذا هو الايمانُ الخالصُ الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمن، ومثل ما قيل في الكفر يُقال في النِّفاق الاعتقاديّ يناقض أصل الإيمان ويكون صاحبه منافقًا خالصًا ويكون كافرا، والنّفاق العمليّ هذا كما أنّ من وقع في الكفر العمليّ لا يَكفُر به كذا من وقع في النّفاق العملي لا يكفر به، وكما قيل في الكفر كفرٌ خفيٌ وكفرٌ جليٌ، يقال كذلك في النّفاق .
ولهذا وجب على المؤمن أن يكون مجانبًا لخصال النّفاق كلّها التي حذّرنا منها نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام، تلك الخصال الثّلاث وفي الحديث الآخر الخصال الأربع زاد عليها« اذا خاصم فجر » هذه من خصال المنافقين، أي؛ يفجرون في الخصومة نسأل الله جلّ وعلا العفو والعافية، وهذه كلُّها من النّفاق العمليّ، ولهذا كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم جميعا و أرضاهم يخافون النِّفاق على أنفسهم كما روى هذا ابن أبي مُلَيكة رحمة الله عليه قال : «أدركت ثلاثين من أصحاب النّبيّ ﷺ كلّهم يخافُ النّفاق على نفسه... » اهـ
بل أن ّ عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه فاروق هذه الأمّة يقول لحذيفة رضي الله تعالى عنه -وحذيفة قد أطلعه النّبي ﷺ بأسماء المنافقين كان يأتيه بعد وفاة رسول الله ﷺ- فيقول «أنشدك الله هل سمّاني رسول الله ﷺ مع من سمّى من المنافقين؟، يقول حُذيفة: اللهمّ لا ولا أُزكي بعدك أحدا».
اللهم لا ولا ازكي بعدك أحدا! ، التّزكيةُ ما كانت عند القوم بالصّورة التي عليها النّاس اليوم يزكون كلّ من هبّ ودبّ ويشهدون هذه الشّهادات أحيانا على مجاهيل وأحيانا على كذّابين بعضهم يقول عن بعضهم أنا لا أعرفه ثمّ بعد ذلك يُزكيه تزكيةً تجعل النّاس يغترون به وينخدعون بشرّه نسأل الله تبارك وتعالى العفو والعافية.
وفي ختام هذا المبحث ولأهميّته وخطورته يجدُر بنا أن نلخص شيئا من ضوابطه سماها أهل العلم "ضوابط في التّكفير" كما عنون لهذا الشّيخ رسلان حفظه الله تبارك وتعالى في شرحه لأصول السّنة، وذكر فيها جملة من هذه الضّوابط التي سنجملها في الدرس القادم بحول الله تبارك وتعالى وقوته، لينتفع بها أبناؤنا وإخواننا خاصة هذه المسألة قد زلّت فيها أقدام الكثير وضلّ بها الكثير وقعوا في التّكفير الشّنيع كفّروا المسلمين ، بناءً على ذلك استباحوا أنفسهم وأموالهم وهذا لا شكّ ولا ريب من أعظم الشّر والبلاء في هذه الأيام نسأل الله تبارك وتعالى أن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يجنّبنا هذه الشّرور كلّها إنّّه سميعٌ مجيبٌ.
وسبحانك اللّهم وبحمدك أشهد ان لا اله إلا أنت أستغفرك وأتوب اليك.❝
- [مُسْتَلَّة من التّعليق على رسالة أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى]
فرّغها أبو أنس محمّد بن عمّار الشّلفيّ
غفر الله له ولوالديه
_________[1] رواه مسلم في مقدمة الصحيح 5
[2] مجموع الفتاوى لابن تيمة 7 / 282
[3]ذكرها فضيلة الشيخ محمد سعيد رسلان في شرحه لأصول السنة للإمام أحمد في المجلد الأول من الصفحة 1102 إلى غاية 1105 .
تعليق