نصيحـــة
قال فضيلة الشيخ أبي عبد الله أزهر سنيقرة -حفظه الله-:
نصيحةٌ أختِمُ بها هذا المجلس إن شاء الله تبارك وتعالى ونحن في هذا الشّهر الطّيب المبارك في شهر شعبان الذي كان يعرف في الزمن الأول بشهر القرّاء رمضان شهر القرآن لأنه فيه أنزل وشعبان شهر القُرّاء لأن القُرّاء يشمرون فيه على سواعد الجِدِّ مُراجعةً لمحفوظهم واجتهاداً في تلاوته تقرباً إلى الله جل وعلا، كما أنّهم يتهيؤون بالصِّيامِ اقتداءً بنبيّهم عليه الصّلاة والسَّلام يتهيؤون كذلك بالإكثار من تلاوةِ القُرآن والإقبالِ على هذه التَّلاوة حتّى كان بعضهم يعني يُوقف مجالس العلم كالإمام مالك ويقبل على كتابِ الله تبارك وتعالى وغيرهم من الأئمة في هذا البابِ، وهذا الشَّهر كذلك خصّه الله تبارك وتعالى بأن جعل فيه ليلةً هي من أعظم الليالي عند الله حتى قال فيها نبيّ الله ﷺ « إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».
[ هذا الحديث الذي رواه الإمام أبو داود وهو صحيح صحّحه الشيخ الألباني رحمة الله عليه].
يغفر لجميع خلقه إلا لمشرك والشرك هو الظلم الكبير العظيم وهو الذنب الذي لا يغفره الله تبارك وتعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾[النساء].
والثاني «المشاحن» وإن عرَّفهُ من عرَّفَه من السّلف بأنّه صاحبُ البدعة وبأنَّه من أبغض أصحاب رسول الله هذه بعضُ تعريفاتِ الأئمة للفظةِ «المشاحن»، وهو كذلك الذي له خُصومةٌ مع أحدٍ من المسلمين، الخصومة التي ليست بحقٍ لأنَّ الخصومة على ضربين؛ قد تكون لدُنيا اختلفت معه في دنيا وحسابات وما إلى ذلك هذا إن كان ذلك لا يجوز لك هجره أكثر من ثلاث، وقد تكون لدِينٍ يخالفُ أصلًا من أصولِ دينك يدعو إليه يُظهر انحرافه به ويُنصحُ في هذا ويُبَيَّنُ له الحقُ في هذا ويكابر ويعاند، هذا حقُّهُ الهجر ولا يُرفع عنه هذا الحكم حتى يتوبَ إلى الله تبارك وتعالى.
فمن كانت له بينه وبين أحدٍ خصومةٌ في الدِّينِ بوجهِ حقٍّ هذا مُستثنى، لأنه في الحقيقة لا يُعتبر مشاحنًا، يُعتبر ملتزمًا بأصلٍ من الأصول وهو أصل عظيمٌ أصلُ الولاء والبراءِ، أن نوالي أهل الحقِّ وأن نعادي أهل الباطل، ولكنَّ المشاحنة التي تكون على مسائل حتّى وإن كانت في الدّين مسائلٌ هكذا لا تستوجب مثل هذا، والجميعُ يدَّعي أنّه على الحقِّ وأنه على هذه السَّلفِيّة التي يتمسَّحُ بها كل أحد ولكن أين الذي يلتزمُ أصُولها ومنهجها إلا القليل نسألُ الله أن يجعلنا منهم، أن تلتزمها هذا هو المطلوبُ وأن تسير على نهج أهلِها، أهلُها يرفعون الكبير ويضعون الصَّغير، السّلفيُّ يرجعُ لكبارِه ويلتزمُ حدَّهُ والعلماء قالوا وكـرّروا وأعادوا هذه الأحكام، يا إخوان ليست لكل أحدٍ، الأصاغرُ ليس لهم أن يحكموا على الغير، اتركوا هذا الأمر لكباركم ارجعوا إلى كباركم حتى يبقى دائما هذا الأصلُ محفوظًا في الجماعة السّلفية، لأنّهم إذا رجعوا إلى الكبار فالكبار علماء وحكماء ما عندهم طيشُ الصغار، ما عندهم من ينشرُ منشورًا يكتبُ فيه بالبنط الغليظ " يا فاسق "وهو يدّعي أنّه ينافحُ عن الحقِّ ويدافع عن المنهج ويصول ويجول ضد هؤلاء ويرمي عليهم الألقاب بعد ذلك، أهكذا تعلمت من علمائك طريقة نصحهم!
والله أقولها والله بعض هؤلاء لا يريدون ولا يحبُّون اجتماعا، رأيتم السّلفين جميعًا الصَّادقين يفرحُون بالاجتماع والإخوةُ الآن منذُ أشهرٍ يرسِلُون، والله من الدّاخل ومن الخارج " اجتمعوا ولا تفرّقوا" ونحنُ نقول والله هذه دعوتُنا وهذه غايتنا دائما وأبدا أن نبقى مجتمعين محافظين على هذه الجماعة، لأنّنا نستشعرُ عِظَم المسؤولية والأمانة عند الله تبارك وتعالى أولا، إنّها عظيمةٌ يا إخوان، وهذا نصيحةٌ نصحنا إيّاها في يوم من الأيام أحد أئمتنا وعلمائنا الشيخُ العثيمين -رحمة الله تبارك وتعالى عليه- قال "حتّى وإن اختلفتم فيما بينكم فلا تظهروا هذا الخلاف لأن هذا يؤدي إلى الفرقة بين الشّباب" العلماء يعلمون أن الشباب فيهم متعصبة فيهم في داخله نزعةٌ حزبية يحِبُّ أحدا يجعلهُ هُو الإمام هُو الواحد الأوحد لا غيره ولا مثيل له، فيأتي أحدهم يقول هذه الدّعوة ناصرها فلانٌ، هذه الجماعة فضَحها فلانٌ وحده في الميدان لا شريك له وليس معه أحد، يصورون هذا في أذهان النّاس، وسبحان الله العظيم! أليس هذا من التّلبيس والتّدليس على الأمّة، بعضُهم ما عُرِف بسلفيّته إلا في الأزمنة المتأخرة وجعلوه هو الإمام الأعظم والعالم الأوحد، وهذا دائما إذا بقى في الأمة يبقى فيها الشَّرُ دائما وأبدا ننصح إخواننا إجتنبوا هذا إجتنبوا الغُلُوَ إجتنبوا التَّعصُّبَ، وقُلتها وأقولها وأكـرّرها لا تتركوا أنفسكم وإخوانكم من تقديسٍ إلى تقديسٍ، نخرجُ من تقديس ونقعُ في تقديسٍ آخر لا تتغيَّرُ فيه إلا الأسماءُ، التقديسُ تقديسٌ، والتقديسُ مذمومٌ مهما كانت هذه الأسماء لو قدَّست أئمةَ الدُّنيَا في أيَّامهم الإمام مالك لقلنا لك أنّك مخطئٌ لأنّ مالكًا يقولُ: «كلٌ يؤخَذُ من قوله ويُرَدُّ إلا صاحبَ هذا القبرِ» مشيرا إلى قبر رسول الله ﷺ نسألُ الله تبارك وتعالى أن يردّنا إليه ردًّا جميلا.
حتى لا أطيلَ على إخواني وأن يوفِّقَ الجميعَ وصدّقوني يا إخواني والله ما عندي ميلٌ لأيِّ طائفَة، أنا أرى أنَّ هؤلاءِ المتنازعِين والمتناحرين فيما بينهم أخطؤُوا في معالجةِ هذا الأمر بهذه الطّريقة، المعالجة خطأ، لا شكّ فيهم مصيبٌ ومخطئٌ والمخطئُ يرجعُ إلى المُصيب هذا هو الواجبُ يُعرَّف بخطئهِ ويتوب إلى ربّه تبارك وتعالى، فهلمُّوا إجلسوا لإخوانكم عندكم مشايخكم الحمد لله اجلبوا هؤلاء النّاس اللذين قلتم أنّهم رأسٌ فيه في التمييع ورأسٌ في التخذيل واجلبوهم إذا كانوا يدّعون السّلفية، السِّلفيُّ لا يستنكفُ أن يجلس لسلفيٍّ آخر أو لشيخٍ من مشايخ السّلفيّة، اجلبوهم لمشايخكم ولإخوانكم ولطلبتكم المعروفين المبرّزين وتحلُّ هذه المشاكل وتُرفَعُ هذه الفتنُ والقلاقلُ أشغلتم الدُّنيا، مشايخٌ من خارج البلد يرسلوا ويرسلوا هؤلاء الشبابُ لا يعرفونهم يرسلوا للمشايخ، اتقوا الله في أنفسكم اتقوا الله في أنفسكم، ونحن والله منذ بداية هذا الأمر لا ناقةَ لنا فيه ولا جمل، نقولُ لإخواننا جميعا وأنا والحمد لله ما عندي لا خلاف ولا مشكل مع أي واحدٍ من إخواني من المشايخ الله يعلمُ بحبي لهم وتقديري لجهودهم ولكن لا يعني هذا أنّني أُوافقهم في كل ما يقولون ويرَونَ، قد نختلف فيما بيننا وهذا أمرٌ عاديٌ، نختلفُ في زيدٍ من النَّاس، مثلا هو يزكيه أنا لا أرى تزكيته، لا أرى أنه يستحقُّ تزكيةً لا أرى أنه يُذكرُ لأنّه ليس أهلا أن يُذكرَ، إذا ذُكرَ اغترَّ بنفسه وإذا اغتر بنفسه أفسد وإذا أفسد فرّق وشتّت هذه الجماعة.
أنا أقصّ عليكم قصّةً أختمُ بها، هذه وقعت لنا في زمن سابق أيامَ الشّيخ العثيمين -رحمةُ الله تبارك وتعالى عليه- وهذه في الحقيقة والله حادثةٌ لا أنساها أبدًا وكنّا حضرنا دورته الصّيفية التي كان يعقدها بجامعه وكان أحد الإخوة الطّيبين في السّفارة السّعودية حينها أخٌ سلفِيّ، وقدّمنا له طلبًا لحضورِ هذه الدورة وكان كذلك السّفيرُ حينها رجلًا طيبًا نحسبهُ الله حسيبهُ فشفعَ لنا عند السّفير حتى يعطينا تأشيرةً لحضور الدّورة يعني تأشيرة زيارة أو عمرة، فما كان من السفير جزاه الله خيرا إلا أن كتب في التأشير لحضور دورة الشيخ العثيمين هكذا مكتوبة في التأشيرة، [ كزيارة عائلية تجارية زيارة رجال الأعمل] هذه خاصة زيارة لحضور دورة الشيخ العثيمين ذهبنا بها لمدة شهرين أظن ذهبنا بها، أنا في المطار يسألني شرطيُّ الحدود يقول لي : ما قرابتك بالشيخ العثيمين؟، ظنّ أنه تأشيرة زيارة للشيخ خاصة، فقلت له : قُل والدِي قُل ما تحب، رحمة الله عليه.
لمّا حضرنا الدّورة ونحنُ مع الشّيخ جاءتنا فكرة قلنا نطيب بها خاطر السّفير جزاه الله خيرا أكرمنا نكرمه، فطلبنا من الشيخ قلنا له يا شيخ ممكن تكتب لنا كلمةً تشكر فيها السّفير، فلما أخبرناه أنه منجنا التأشيرة لحضور دورتك أعجبه هذا الأمر، أنظروا للشيخ رحمة الله عليه أولا قال : « أمهلوني أُجيبكم غداً » لم يجبنا ليس عنده التسرع، يكتب كلمة فيها شكر وثناء وتشجيع لهذا السّفير على هذا الخير، من الغد لمّا إلتقيناه -رحمة الله عليه- قال : يا أبنائي أعتذر لا أستطيع أن أكتب هذه التزكية أو الشكر، قال : لأن أمثال هؤلاء قد يستغلون مثل هذه الشهادات والإعترافات لأمور أخرى وأنا لا أحب أن أكون طرفا فيها، وهو لا يعرف هذا السّفير وما تكلم فيه ولا طعنه ولا زكّاه، الشاهِدُ؛ هو شكره فيما بيننا وبينه، قال : جزاه الله خيرا على هذه الكلمة، ولكن يكتب شهادة وتُستغل تزكيةً ويطير بها الناس أنت أو غيرك فهذا لا يفعله أمثالُ هؤلاء الأئمة، يعني هذا تحرزهم رحمة الله تعالى عليه وعلى سائر علمائنا .
نسأل الله أن يوفّقنا لما يحبه ويرضاه، سبحانك اللهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، وبارك الله فيكم.
مُفرّغةٌ من مجلس ختام شرح أصول السّنة للإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله-
لفضيلة الشيخ: أزهر سنيقرة
-حفظه الله-
لفضيلة الشيخ: أزهر سنيقرة
-حفظه الله-
فرّغها بتصرّف يسير: أبو أنس محمّـد بن عمّار الشّلفيّ
-غفر الله له ولوالديه ولمشايخه-
-غفر الله له ولوالديه ولمشايخه-
تعليق