﷽
إتحاف أهل الإسلام
بشرعيّة إفراد الخميس عن الاثنين بالصّيام
إتحاف أهل الإسلام
بشرعيّة إفراد الخميس عن الاثنين بالصّيام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فقد شرع صيام النفل لرفعة الدرجات وتكثير للحسنات وتكفير للسيئات وجبر الخلل الواقع فيما أفترض من الصيام.
ومما يستحب صيامه يوم الخميس، وبعض أهل العلم يقيد هذا الاستحباب بقرنه مع صيام يوم الاثنين، ومن العلماء لم يشترط له أي شرط يخص اقترنه بأي يوم.
وهذه تحفة لأهل الإسلام بينت فيها شرعية إفراد يوم الخميس بالصيام، دعمتها بنصوص شرعية تدلل على جواز هذا الافراد، وحليتها بفتوى للعلامة ابن باز رحمه الله يبين فيها عدم اشتراط الجمع بين صيام الاثنين والخميس.
أولا: جاءت أحاديث صريحة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صام يوم الخميس بمفرده:
عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، يوم الاثنين من أول الشهر، والخميس الذي يليه، ثم الخميس الذي يليه). أخرجه النسائي في ((السنن)) (رقم: 2414) وفي ((السنن الكبرى)) (رقم: 2734 و 2735) وأحمد في ((المسند)) (رقم: 5643) والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (رقم: 3568) في ((فضائل الأوقات)) (رقم: 300)، وصححه الألباني.
وعن هنيدة الخزاعي، قال: دخلت على أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها، سمعتها تقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، أول اثنين من الشهر، ثم الخميس، ثم الخميس الذي يليه). أخرجه النسائي في ((السنن)) (رقم: 2415) وفي ((السنن الكبرى)) (رقم: 2736) والبيهقي في ((فضائل الأوقات)) (رقم: 301)، وصححه الألباني.وفي رواية من طريق هنيدة أيضًا بلفظ: (أربع لم يكن يدعهن النبي صلى الله عليه وسلم: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، وركعتين قبل الغداة). أخرجها النسائي في ((السنن)) (رقم: 2416) وفي ((السنن الكبرى)) (رقم: 2737) وأحمد في ((المسند)) (رقم: 26459) وأبو يعلى الموصلي في ((المسند)) (رقم: 7048 و 7049) وابن حبان في ((صحيحه)) (رقم: 6422) والطبراني في ((المعجم الكبير)) (رقم: 354) وفي ((المعجم الأوسط)) (رقم: 7831) والخطيب البغدادي في ((تاريخ مدينة السلام)) (10/152 و 10/341 و 14/332)، وضعفها الألباني. وقال محققو المسند حاشية (44/ 59): حديث ضعيف، دون قوله: والركعتين قبل الغداة، فصحيح.
وفي رواية عن هنيدة بن خالد، عن امرأته، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم عاشوراء، وتسعا من ذي الحجة، وثلاثة أيام من الشهر أول اثنين من الشهر وخميسين). أخرجها النسائي في ((السنن)) (رقم: 2372 و 2417) وفي ((السنن الكبرى)) (رقم: 2693 و 2738) وأبو داود في ((السنن)) (رقم: 2437) وأحمد في ((المسند)) (رقم: 22334 و 26468 و 27376) والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (رقم: 3478) وفي ((فضائل الأوقات)) (رقم: 175)، وصححها الألباني.
يفهم من هذه الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام يصوم يوم الخميس بمفرده في الأسبوع الثاني من الشهر عند الصيام ثلاثة أيام من كل شهر في بعض الأحيان.
ثانيا: صيام ثلاثة أيّام من كلّ الشّهر:
عن معاذة العدوية، أنها سألت عائشة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كلّ شهر ثلاثة أيّام؟
قالت: (نعم).
فقلت لها: من أي أيام الشهر كان يصوم؟
قالت: (لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم). أخرجه مسلم (رقم: 1160).
يفهم من حديث عائشة رضي الله عنها مشروعية إفراد الخميس بالصيام في ثلاثة أسابيع وإن لم يصم معها يوم الاثنين.
ثالثا: صيام يوم وفطر يوم:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحب الصيام إلى الله، صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله، صلاة داود عليه السلام، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوما، ويفطر يوما)). متفق عليه.
هذا الحديث حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يبين أن من صادف صيامه صام يوم الأحد والثلاثاء والخميس، لم يكن فيها يوم الاثنين.
رابعا: التّرغيب في المسارعة لصيام ثلاثة أيّام من أوّل الشّهر:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصوم ثلاثة أيام من غرة كل هلال). أخرجه أحمد في ((المسند)) (رقم: 3860) والنسائي في ((السنن)) (رقم: 2368) وفي ((السنن الكبرى)) (رقم: 2689) والترمذي في ((الجامع)) (رقم: 742) وفي ((الشمائل المحمدية)) (رقم: 304) والطيالسي في ((المسند)) (رقم: 358) ومن طريقه أبو داود في ((السنن)) (رقم: 2450) وابن خزيمة في ((صحيحه)) (رقم: 2129) وابن حبان في ((صحيحه)) (رقم: 3641) والنسائي في ((السنن الكبرى)) (رقم: 2771) والبزار في ((المسند)) (رقم: 1818) والبيهقي في ((السنن الكبير)) (رقم: 8513) وفي ((فضائل الأوقات)) (رقم: 296) وأخرجه ابن حبان في ((صحيحه)) (رقم: 3645) وابن أبي شيبة في ((المسند)) (رقم: 349) وأبو يعلى الموصلي في ((المسند)) (رقم: 5305) والشاشي في ((المسند)) (رقم: 637) وتمام في ((الفوائد)) (رقم: 522) والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (رقم: 3564) وفي ((فضائل الأوقات)) (رقم: 281). قال الترمذي في ((الجامع)) (ص: 184): ((حديث حسن غريب))، وحسنه الألباني.
إذا كان أول الشهر يوم الثلاثاء أو الأربعاء أو الخميس فهذا يبين أن ثلاثة الأيام من غرة الشهر ليس من ضمنها يوم الاثنين إلا إن كان صيم قبلها.
خامسا: التّرغيب في صيام أيّام البيض:
عن جرير بن عبد الله البجليّ رضي الله عنه، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر، وأيام البيض صبيحة ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة)). أخرجه النسائي في ((السنن)) (رقم: 2420) وفي ((السنن الكبرى)) (رقم: 2741) وأبو يعلى الموصلي في ((المسند)) (رقم: 7504) والطبري في ((تهذيب الآثار مسند عمر)) (رقم: 539 و 540) والطبراني في ((المعجم الكبير)) (رقم: 2391 و 2499 و 2500) وفي ((المعجم الأوسط)) (رقم: 7550) وفي ((المعجم الصغير)) (رقم: 913) وأبو نعيم في ((حلية الأولياء وطبقات الأصفياء)) (8/388) والشجري في ((الأمالي)) (رقم: 1864) والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (رقم: 3570)، وحسنه الألباني.
كذلك إذا كان أول أيام البيض يوم الثلاثاء أو الأربعاء أو الخميس فهذا يبين أن ثلاثة الأيام البيض ليس من ضمنها يوم الاثنين إلا إن كان صيم قبلها.
سادسا: الأعمال تعرض في يوم الخميس.
عن مولى أسامة بن زيد، أنه انطلق مع أسامة إلى وادي القرى في طلب مال له، فكان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس، فقال له مولاه: لم تصوم يوم الاثنين ويوم الخميس، وأنت شيخ كبير؟، فقال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس، وسئل عن ذلك، فقال: ((إن أعمال العباد تعرض يوم الاثنين ويوم الخميس)). أخرجه أبوداود في ((السنن)) (رقم: 2436) والنسائي في ((السنن)) (رقم: 2358) وأحمد في ((المسند)) (رقم: 21744 و 21753 و 21781 و 21816) والطيالسي في ((المسند)) (رقم: 666) وابن خزيمة في ((صحيحه)) (رقم: 2119) والدارمي في ((المسند)) (رقم: 1791) والبزار في ((المسند)) (رقم: 2617) والطبراني في ((المعجم الكبير)) (رقم: 409) وأبو نعيم في ((حلية الأولياء وطبقات الأصفياء)) (9/ 18)، وحسنه الألباني.
فإذا كان عرض الأعمال في يوم الخميس لهذا استحب صيامه الخميس من كل أسبوع وليس استحباب صيامه مرتبطا بصيام يوم الاثنين الذي قبله، كما أن هذا ينسحب على استحباب صيام يوم الاثنين لعرض الأعمال فيه أيضا وليس مرتبطًا بيوم الخميس الذي بعده.
ومما ذكر يتبين لك أنه لا حرج في صيام يوم الخميس مستقلا عن يوم الاثنين.
وأختم بفتوى للعلامة ابن باز رحمه الله يبين فيها لا تلازم من صيام أحد اليومين - الاثنين والخميس - مع الآخَر.
فقد سئل رحمه الله كما في ((مجموع فتاواه)) (15/ 386-397): الأخ م. ع. ع. من المدينة المنورة يقول في سؤاله: سماحة الشيخ أنا لا أستطيع صيام يوم الخميس لأسباب خاصة، فهل يكفي أن أصوم يوم الاثنين من كل أسبوع، أم لا بد من صيامهما معا؟
فأجاب رحمه الله:
لا حرج في صوم أحد اليومين المذكورين دون الآخر، وصيامهما سنّة وليس بواجب، فمن صامهما أو أحدهما فهو على خير عظيم، ولا يجب الجمع بينهما، بل ذلك مستحب؛ للأحاديث الصّحيحة الواردة في ذلك عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم. والله وليّ التّوفيق. انتهى كلامه.
هذا والله أعلم، وبالله التّوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
كتبه
عزّالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم السبت 2 ذي الحجة سنة 1445 هـ
الموافق لـ: 8 يونيو سنة 2024 ف
عزّالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم السبت 2 ذي الحجة سنة 1445 هـ
الموافق لـ: 8 يونيو سنة 2024 ف