إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ثلاثٌ مُهلكات!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ثلاثٌ مُهلكات!

    بسم الله الرحمن الرحيم


    ثلاثٌ مُهلكات!

    الحمد لله وصلَّى الله وسلَّم على نبيّه، أمّا بعد:
    فإنَّ السائرَ إلى اللهِ تعَالى قَدْ تُعتَرض طريقُه مِنْ قِبَل أعدائه وأعداءِ دعوته، لحكمةٍ يريدها الله عزّوجلّ، وهذا لا ضرَر عليه -إن شاء الله تعالى- ولا ضَير؛ إلَّا الأجر والرِّفعة والخير، سواءٌ قَرُب العدوُّ أمْ بَعُد، ظهَر أمْ خفِي، أعلَن أم أسرَّ، قال عزّوجلّ: ﴿لَن يَضُرُّوكُمۡ إِلَّآ أَذٗىۖ وَإِن يُقَٰاتِلُوكُمۡ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدۡبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ111[آل عمران].
    ولكنْ أنْ يُؤتَى الرجلُ من قِبَل نفسِهِ التي بين جنبَيْهِ؛ فتلك القاصمةُ لظهره، الحالقةُ لدينه، الهادمُة لجهده -نسأل الله العافية-، قال جلّ جلاله: ﴿إِنَّ ٱلنَّفسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيٓۚ إِنَّ رَبِّي غَفُور رَّحِيم ٥٣[يوسف].
    وإنَّ مِنْ أعظمِ ما ترْزَأُ به أنفسُ البَشَر، ثلاثةَ ألفَاظ، جمَعَت أصل كلِّ شرٍّ، وأخذَت بخِطام كلّ بليِّة، وهي: (أَنَا)، و(لِي)، و(عِنْدِي)، كلماتٌ تَهلِك صاحبَها أيَّما هلاكٍ، وتُوردُه كلَّ ملام، وذلك إنْ اسْتُعمِلَت على سبيل المدح لِلذَّات، والتَعالي بالنَّفس، وإبرازِ الكُنْه، لِمبارزة الأخيار.
    وقَدْ نَبَّهَ الإمامُ ابْنُ القيم رحمه الله في كتابه (زاد المعاد) على هذه الألفاظ، وحذَّر مِنْ قُبحها، وسأنقلُ كلامَه بلفظِه علَّنَا نعتبرُ به جميعاً.
    قال رحمه الله: "ولْيحذَرْ كلَّ الحذَر مِنْ طغيان (أنا)، و(لي)، و(عندي)، فإنَّ هذه الألفاظَ الثّلاثة ابتُلي بها إبليسُ، وفرعونُ، وقارون، فـ{أنا خير منه} لإبليس، و{لي ملك مصر} لفرعون، و{إنَّما أُوتيته على علم عندي} لقارون..."، ثمّ قال رحمه الله: "وأحسنُ ما وُضعَت (أنا)؛ في قول العبْدِ: (أنا العبدُ المُذْنِبُ، المُخْطئُ، المُستغْفِر، المُعترِف...) ونحوِه، و(لي)، في قوله: (لِي الذنبُ، ولِي الجُرْم، ولِي المسْكَنة، ولِي الفقْر والذُلُّ)، و(عندي) في قوله: (اغفرْ لي جدِّي، وهزْلي، وخطَئي، وعمْدي، وكلُّ ذلك عندي)"اهـ [زاد المعاد 495/2].
    وقد قصَّ علينا القُرآنُ الكريم قِصَّة إبليس وفرعون وقارون، وفصَّل لنَا حالَهم بعد كِبْرِهم، وعاقبَتهم بَعْد عُتوِّهم، وكيف أَلحقَتْ (أنا) بأصحابها نقيض ما راموا إليه، وحَرمتْ (لي) ناطقَها نعمةً لا تُحصَى عليه، وحمَّلَت (عندي) قائلِيها أوزارَهم وأوزارَ مَنْ تبعَهم إلى يوم القيامة، أجارنا الله من النَّار.
    • وإنَّ مِنْ أهمِّ أسباب اجتناب آثار هذه المُهلكات ستَّة أمور:
    الأوَّل: اللُّجُوء إلى الله، والضَّراعةُ له، والافتقارُ عند بابِه، والمسكنةُ لِجَنَابه، والإقرارُ بالضَّعف بيْن يدَيْه سبحانه.
    وفي هذا يقول ابن القيّم رحمه الله: "فما تخَلَّص أحدٌ مِن شرِّ نفسِه إلَّا بتوفيق الله له؛ كمَا قال تعالى -حَاكيًا عن امرأة العزيز-: ﴿وَمَآ أُبَرِّئُ نَفسِيٓۚ إِنَّ ٱلنَّفسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيٓۚ إِنَّ رَبِّي غَفُور رَّحِيم٥٣[يوسف]". [الروح، ص 226].

    الثَّاني: مراقبةُ اللهِ سبحانه وتعالى في أسمائه وصفاتِه وأفعالِه، ومنْها (الكبيرُ المُتَعال)، و(العزيزُ الجبَّار المُتكبِّر)، ثمَّ الحَذَر مِنْ مُنازعته جلّ جلاله في عِزَّته وكبْريائه.
    فعَنْ أبي سعيدٍ الخُدرِيِّ وأبي هريْرة رضِي الله عنْهما؛ قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "العِزُّ إزارُه، والكبرياءُ رداؤُه، فمَنْ يُنَازعني عذَّبتُه[مسلم، ح(2620)].

    الثَّالث: قراءةُ القرآن العظيم في الخلَوَات مِمَّا يَكْسِرُ الأنفُسَ، ويَشفِي القُلوب، ويُذهب الأدْوَاء الدَّاخِلة على طالب العلْم، قال عزّوجلّ: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحمَة لِّلمُؤۡمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارٗا ٨٢[الإسراء:82].
    قال ابنُ القيّم رحمه الله في كتابِه (مدارج السّالكين)، في سِيَاق ذكرِه ما اشتمَلَت عليه سُورةُ الفَاتحةِ مِنْ شِفاءِ القلوبِ، وعافِية الأبْدان، قال رحمه الله: "ثُمَّ إنَّ القَلبَ يَعرِض له مَرَضَان عظيمان، إنْ لَمْ يتداركهما العبدُ تراميَا بِهِ إلى التَّلف ولا بُدَّ، وهُمَا الرِّياءُ والكِبْر، فدَواءُ الرِّياء بـ{إيَّاك نعْبدُ}، ودواءُ الكِبْر بـ {إيَّاك نَستعِينُ}"، ثمَّ قال: "وكثيراً ما كنتُ أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية -قدَّس الله روحه- يقول: "إيَّاك نعبدُ تدفعُ الرِّياءَ، وإيَّاك نستعينُ تَدفعُ الكِبْرياءَ"". [مدراج السالكين، 62/1].

    الرَّابع: طلَبُ النَّصيحَة مِنْ غيرِه، وقَبولُه لها، ثمَّ العَملُ بها؛ بَلْ والدُّعاءُ للنَّاصحين، لا الدُّعاءُ على الصَّالحين؛ مِمَّنْ يريدُ بالمَنْصُوح خَيْراً -والعياذُ بالله-.
    ففِي سُنَن أبي داود بسنَدٍ صحَّحه الشّيخ الألبَاني رحمه الله، عن عبد الله بنِ عُمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "مَنْ صنَع إليكم معروفاً فكافِئُوه، فإنْ لَمْ تجِدوا ما تكافئُونه؛ فادْعوا له حتَّى ترَوْا أنَّكم قَدْ كافأْتُمُوه"، وأيُّ معروف أعظم من إسداءِ النَّصيحة في الدِّين، قال تعالى: ﴿وَٱلمُؤۡمِنُونَ وَٱلمُؤۡمِنَٰتُ بَعضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلمَعرُوفِ وَيَنهَوۡنَ عَنِ ٱلمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَٰئِكَ سَيَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم ٧١[التوبة].

    الخَامس: تربيةُ النَّفس على التَّواضُع في مَواطِن الإعجاب، وتعويدُها على الهُروب من حبِّ المدْح والثَّنَاء، ورياضتها على مخالفة الهوى؛ كما هو معلومٌ من حال السَّلَف رحمهم الله، وصالحي الخلَف، ورَحِم اللهُ علماءَنا وأشياخَنا وكِبارَنا أحياءً وأمواتاً، فقد ضَرَبوا للنَّاس في هذه البَابَةِ أحسنَ الأمْثَال.

    السَّادس: الاعتبارُ بمَنْ سَبَق، والاتِّعاظُ بمَنْ مَضَى؛ مِمَّنْ جَاء ذِكْرُهم في الوحيَيْن أو أحدِهما؛ كإبليسَ وفرعونَ وقارونَ، وكذا؛ مِمَّنْ تَنَاقَل أهلُ السِيَر خبرَه، أو عايَش أهلُ هذا الزّمَان مصرعَه، فكمْ رجلٌ سقَطَ بسبب قوله: "أنا أعلم هذه البلاد! وأنا الذي علَّم السّنّة العِبَادَ"، ورجلٌ أسقطه قوله: "يَعُودُ لي الفضلُ في محاربة الخوارج وأهل البدع"، وآخر يتنقَّص العلماءَ في ثوْب الاستدراكاتِ العِلْمِيّة؛ ومَرامُه حَمْدُ نفسِه، وغايتُه مَدْحُ قَلَمِه، فَلَمْ يلْبَثْ أنْ جاهَر بمَكنُونِه، وأَظْهرَ ما أَضْمرَ، فصُرِفَ عَنْ الخَيْرِ الذي استَعْمَله اللهُ فيه، قال جلّ جلاله: ﴿سَأَصرِفُ عَنۡ ءَايَٰتِيَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرۡضِ بِغَيرِ ٱلحَقِّ[الأعراف:146]، وقَدْ "كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتعوَّذ بالله مِنْ الحَوْر بَعْدَ الكَوْر"؛ كما في صحيح مسلم (3340)، من حديث عبد بن سرجس رضي الله عنه.

    وختاماً:
    فمَهْما وقع الإطرَاءُ مِن النَّاس؛ فلنْ يعدوَ الصّورةَ الظّاهرةَ للمرْءِ، وأمَّا حقيقةُ الأوعية، وبواطنُ القوَالب؛ فلا يَعلَمها إلَّا الذي يعْلَمُ السرَّ وأخْفى، وكلٌّ بنفسِه أدْرَى، وإنْ أحْسَنَ الجِدالَ وزيَّن الشَّكْوى، ومَنْ اخْتَفَى واتَّقَى فقدْ أفلَح ونجَى، واللهُ المستعان، وإليه الملجأُ والمَنْجى.
    عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "لا أَرَى أحداً يعْملُ بهذه الآية: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقنَٰكُم مِّن ذَكَر وَأُنثَىٰ وَجَعَلنَٰكُمۡ شُعُوبا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ﴾؛ حتّى بلَغ: ﴿إِنَّ أَكرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتقَاكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير ١٣[الحُجُرات]، فيقول الرّجلُ للرّجل: "أنا أكرمُ مِنْك"، فليس أحدٌ أكرمَ مِنْ أحدٍ إلَّا بتقْوى الله"، والأثر في [الأدب المفرد رقم898]، بسند صحّحه الشيخ الألباني رحمه الله.
    وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّه محمّد.

    موقع الإبانة/ بإشراف شيخنا الوالد: أبي عبد الله أزهر سنيقرة حفظه الله
    2017/11/26

  • #2
    جزاكم الله خيرا

    تعليق

    الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
    يعمل...
    X