إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

خلاصة في الحكم بغير التنزيل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خلاصة في الحكم بغير التنزيل

    بسم الله الرحمن الرحيم


    خلاصة في الحكم بغير التّنزيل


    أمّا أهل الغلوّ فقد جعلو الحكم بغير ما أنزل الله مناقضا للمقصود الأعظم من إرسال الرّسّل وإنزال الكتب وشرع الشّرائع، وجعلوه منافيا للتّوحيد مضادّا للرّسالات.
    وجعلوا شرك التّشريع أخبث أنواع الشّرك، وسمّوه شرك القصور، وعظّموه على الشّرك الذي جاءت الرّسّل لدحضه، والذي سمّوه شرك القبور.
    وشبهة المغفّلين منهم في ذلك؛ أنّ التّوحيد لا يكون إلّا بالتّحاكم والطّاعة لا تكون إلّا به! فهو مفتاح كلّ شيء وسبيل كلّ خير!
    وهذا من الفهم المنكوس والحكم المقلوب، فمتى كانت الوسيلة أعظم من المقصود؟! ومتى كانت الرّشاء والدّلاء أعظم من الماء؟!
    فإنّ التّحاكم إلى الشّرع المنزّل هو وسيلة لتحقيق مقاصد التّشريع وليس هو مقصدا في نفسه؛ إلّا بالقدر الذي يكون فيه عبوديّة.
    وأمّا غير المغفّلين فهم أصحاب الأغراض الذين أخذوا طريقة الخوارج، وقعّدوا لها القواعد ونظّروا لها النّظريات حتّى تنطلي على أولئك المغفّلين، ليصلوا بهم إلى مصادمة حكّام المسلمين الذين يقفون في طريق وصولهم إلى السّلطة.
    وإلّا فإنّ أهل البدع كلّهم يحكمون بغير ما أنزل الله في بدعهم، والمتعصّبون لأخطاء مذاهبهم وأئمّتهم يحكّمون أيضا بغير ما أنزل الله، وأهل المعاصي يحكمون بغير ما أنزل الله فيها(1).
    ومع ذلك تجد هؤلاء الغلاة في حاكميّة الله يترضّون على أئمّة الكفر؛ من الرّافضة والزّنادقة كالخميني والتّرابي وأضرابهم، لتعلم علم اليقين أنّ المراد وصولهم إلى السّلطة فمن أعانهم للوصول فهو المسلم؛ ولو كان رافضيّا يلعن الصّحابة ويطعن في عرض النّبيّ صلى الله عليه وسلم كدولة المجوس -إيران- أو كان علمانيّا يسمح بانتكاسة الفطر(2)؛ كدولة الخرافيّين -تركيا-، أمّا من وقف في وجوههم فهو الكافر ولو كان داعيا للكتاب والسّنّة، محكّما لهما كدولة السّنّة والتّوحيد -السّعودية-، وهم بذلك جمعوا بين الغلوّ والجفاء.
    وأمّا أهل الاعتدال فقد حكموا بما حكم به الله على من لم يحكم بالتّنزيل، فقالوا كما قال الله تعالى: ﴿وَمَن لَّمۡ يَحكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓئكَ هُمُ ٱلكَـٰفِرُونَ﴾، وفسّروه كما فسّره بحر العلم وحبر الأمّة وترجمان القرآن؛ ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله ابن عبّاس رضي الله عنهما حيث قال: إنّه ليس بالكفرِ الذي يَذهبون إليه، إنّه ليس كفرًا يَنقلُ عن الملَّةِ، كفرٌ دونَ كفرٌ(3).
    ووافقه في هذا التّابعيان الجليلان؛ عطاء بن أبي رباح وطاووس بن كيسان رحمهما الله، وهذا التّفسير هو ما يدلّ له مجموع الشّريعة وما تقتضيه لغة الآية الكريمة(4) وتشهد له العقول الصّحيحة.
    فإنّ الحكم بغير التّنزيل يشترك فيه أهل المعاصي وأهل البدع وأهل التّأويل الفاسد وأهل التّعصّب البارد، وأهل القضاء الجائركلّهم بدون تمييز في النّصّ الكريم، فإن حمل على الكفر الأكبر كان فساده ظاهرا، وإن ميّزوا بين طائفة وطائفة أخرى دون دليل كان تحكّما غير مقبول. فكان تفسيرها بما فسّرها به حبر الأمّة أولى شرعا وعقلا.
    وهذا هو ما اتّفق عليه علماء أهل السّنّة في هذا العصر، الذي انتشر فيه الحكم بغير ما أنزل الله في عامّة بلدان المسلمين.
    ومنه؛ فالحكم بغير ما أنزل الله كبيرة من كبائر الذّنوب وهو دركات حتّى يصل إلى الكفر الأكبر شأنه شأن جميع المعاصي، فإنّ مستحلّه كافر كفرا أكبر، والذي يسوّيه بالشّريعة أو يُفضّله عليها، أو يزعم أنّه هو حكم الله عالما بحكم الله. فهؤلاء كلّهم كفّار حتّى ولو حكموا بما أنزل الله.
    ومن اعتقد أنّ الحكم بغير ما أنزل الله محرّم وأنّ حكم الله أفضل، ولكنّه حكم بغير التّنزيل لشهوة أو مصلحة عاجلة أو لعادة مستحكمة أو لعجز أو لعناد أو غير ذلك من الأغراض الدّنيويّة، مع اعترافه بالتّقصير في حقّ الله جل وعلا، فهذا لا يكفر بمجرّد الحكم.


    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) مع علم هؤلاء الطّوائف بحكم الله غالبا، أمّا الحكّام فعامّتهم جهلة؛ خاصّة في زمننا هذا، والله المستعان.
    (
    2)الذي يسمونه الشذوذ.
    (
    3) السلسلة الصحيحة (113/6).
    (
    4) التّحليل اللّغوي الأصوليّ:
    مَن: اسم شرط عامّ لكلّ من صدق عليه جملة فعل الشرط، وهي "لم يحكم بما أنزل الله". فيعمّ كلّ حاكم سلطانا أو أميرا أو أبا أو معلّما لا يختصّ بحكّام العرب.
    لم يحكم: الزّمن والمصدر في الفعل نكرتان وقعتا في سياق النّفي فتعمّان:
    - الزمن: يعمّ كلّ زمن حكم فيه؛ في سِلم أو حرب، في سعة أو شدّة في ليل أو نهار .
    - المصدر: يعمّ كلّ حكم، وقع حكما في الدّماء أو الأموال أو الأعراض، حكما عامّا أو خاصّا في عظيم أو حقير.
    بما أنزل الله: ما اسم موصول عامّ لكلّ من صدقت عليه صلته؛ فيعمّ كلّ ما أنزله الله من الأحكام؛ في العقائد والعبادات والمعاملات والجنايات والأخلاق والآداب.
    فأولئك: الفّاء ربط للجواب وقد دلّت بالإيماء والتّنبيه على أنّ عدم الحكم بما أنزل الله علّة للكفر؛ حيث أنّ ترتيب الحكم على وصف بصيغة الجزاء يفيد العِلّيّة.
    الكافرون: اسم فاعل سبقته أل الموصولة ومعناه الذين كفروا:
    الذين: تعمّ كّل موصوف بصلتها.
    كفروا: زمان ومصدر نكرتان في سياق الإثبات فيكونان مطلقين، وإطلاق الكفر يعني أنّه يدلّ على أحد أفراده، فهو صالح لنوعي الكفر أكبره وأصغره على سبيل البدل. ويرجع تحديده إلى عرف المتكلّم، والذي أخبر عن عُرفه ترجمان القرآن بأنّه كفر دون كفر.
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2023-10-15, 10:15 AM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
يعمل...
X