إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الوقفات العشر مع رسالة الفاروق عمر إلى مدمن الخمر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الوقفات العشر مع رسالة الفاروق عمر إلى مدمن الخمر

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الوقفات العشر

    مع رسالة الفاروق عمر إلى مدمن الخمر


    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
    أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
    أما بعد، فإن الغاية الأسمى التي يحققها العبد وهي التي خلق لأجلها هي : عبادة الله تعالى مخلصا له الدين، يقول الله سبحانه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة 21]، وقال سبحانه {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات 56]، فالله تعالى ما خلق الخلق إلا لأجل تحقيق العباده له وحده لا شريك {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء 36]، وتحقيق عبادة الله عز وجل تكون بفعل أوامره وترك نواهيه، وهذه هي حقيقة التقوى التي أمر الله تعالى بها وعلق بها الفلاح والرحمة {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة 189]، {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات 10].
    وحقيقة التقوى كما عرفها طلق بن حبيب فيما رواه ابن أبي شيبة الإيمان عن عاصم، قال : قلنا لطلق بن حبيب : صف لنا التقوى فقال : "التقوى عمل بطاعة الله رجاء رحمة الله على نور من الله، والتقوى ترك معصية الله مخافة الله على نور من الله" والأثر صححه الإمام الألباني رحمه الله في تخريجه لكتاب الإيمان لابن أبي شيبة (99).
    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين (1/513): "التقوى اسم مأخوذ من الوقاية؛ وهو أن يتخذ الإنسان ما يقيه من عذاب الله. والذي يقيك من عذاب الله هو فعل أوامر الله، واجتناب نواهيه".
    إلا أن الناس يتفاوتون في تحقيق تقوى الله تعالى، ويتفاوتون في تحقيق العبودية لله تعالى، فيتفاوتون في تحقيق كمال الإيمان ونقصانه، إذ أن الإيمان يزيد بالطاعة، بفعل الأوامر وترك المنهيات، وينقص بفعل المنهيات وترك الأوامر.
    ومن أعظم ما يشكل خطرا على إيمان العبد بعد الشرك بالله تعالى الذي ينقضه، هو كبائر الذنوب والموبقات، ومن ذلكم تعاطي الخمر والمخدرات، التي هي من رجس الشيطان قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة].
    روى الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الخمر أم الخبائث فمن شربها لم تقبل منه صلاته أربعين يوما، فإن مات وهي في بطنه مات ميتة جاهلية" حسنه الإمام الألباني رحمه الله في الصحيحة (1853).
    فإنه لخطر عظيم على المرء أن يتعاطى هذه المحرمات من الخمور والمخدرات، فإنها تفسد على صاحبها دينه ودنياه وأخراه وتخدش في إيمانه، روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد".
    وإنه ليوجد من ابتلي بها من عباد الله من إخواننا المؤمنين، جرفتهم أودية الشهوات إلى مستنقعات الموبقات، وفي هذا المقام يعمل جانب الأخوة الإيمانية، والحقوق الإسلامية من واجب النصح والأخذ باليد، رجاء نقل من غرق في وحلها إلى بر الأمان، فإن الدين النصيحة كما روى مسلم وغيره من أصحاب السنن عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الدين النصيحة" قلنا : لمن؟ قال : "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
    وكانت النصيحة للمسلمين مما يبايع عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لعظمها وشرفها وحسن عاقبتها على المسلمين، روى الشيخان عن جرير بن عبد الله، قال : "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم".
    ولا شك أن الصحابة هم أهل التأسي والاقتداء، قال ابن مسعود رضي الله عنه : "من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا وأقومها هديا وأحسنها حالا، قوما اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم" رواه بن عبد البر في جامع بيان العلم.
    ولا شك أن أفضل الصحابة الخلفاء الراشدون الأربعة، ومن بينهم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فعن ابن عمر قال :"كانوا يقولون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم :"خير الناس أبو بكر وعمر" أخرجه البخاري.
    وقد جاء الحث على الاقتداء به من النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال : "اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر" رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود وصححه الإمام الألباني رحمه الله كما في الصحيحة (1832).
    وإن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب أورع الأمثلة وسطر أفضل المواقف في النصح للمسلمين، ومن بينهم شارب الخمر، فقد وقعت منه رضي الله عنه قصة عظيمة يحسن بنا الوقوف عليه، اقتداء واعتبارا واتعاظا، رضي الله عنه وأرضاه.
    كان رجل من أهل الشام ذو بأس، وكان يفد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففقده عمر فقال : ما فعل فلان بن فلان؟ فقالوا : يا أمير المؤمنين، يتابع في هذا الشراب. قال : فدعا عمر كاتبه، فقال : "اكتب من عمر بن الخطاب إلى فلان ابن فلان، سلام عليك،أما بعد،فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير". ثم قال لأصحابه : ادعوا الله لأخيكم أن يقبل بقلبه، وأن يتوب الله عليه. فلما بلغ الرجل كتاب عمر جعل يقرؤه ويردده، ويقول : غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، قد حذرني عقوبته ووعدني أن يغفر لي.
    ورواه الحافظ أبو نعيم من حديث جعفر بن برقان، وزاد : "فلم يزل يرددها على نفسه، ثم بكى ثم نزع فأحسن النزع، فلما بلغ عمر رضي الله عنه خبره قال : هكذا فاصنعوا، إذا رأيتم أخاكم زل زلة فسددوه ووفقوه، وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه" [القصة أوردها القرطبي (في الجامع لأحكام القرآن) وابن كثير (في تفسير القرآن العظيم)].
    الوقفة الأولى : أن المؤمن يألف ويؤلف.
    حيث إن عمر رضي الله عنه كان يجالس أصحابه، ويجالس رعيته، ويأتيه الوفود والزوار، فيستقبلهم ويحسن إليهم، وهذا من حسن عشرة عمر رضي الله عنه لأصحابه.
    وهذا من حسن تربية النبي صلي الله عليه وسلم لأصحابه، حيث زرع هذا الخلق فيهم قولا وعملا.
    أما من قوله صلى الله عليه وسلم ما رواه الطبراني في الأوسط عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف، ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس" حسنه الإمام الألباني رحمه الله في الصحيحة (426).
    ومن فعله صلوات الله وسلامه عليه، تجد الأمر العظيم والمثل الجميل، فكان يجالس أصحابه وينبسط معهم، يزوره مريضهم، ويقضي حاجة مكروبهم، ويمشي في شأن محتاجهم، يواسي مصابهم، فكان الإمام والقدوة الرحيم بأمته صلوات الله وسلامه عليه.
    الوقفة الثانية : تفقد الأصحاب والأحباب.
    حيث أن عمر رضي الله عنه، انتبه إلى غياب الرجل الذي كان يفد إليه، فسأل عنه متفقدا، وهذا من حسن عشرته رضي الله عنه.
    ونظير هذا تجده في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فهو القدوة والأسوة، روى النسائي في السنن عن قرة بن إياس قال : كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره، فيقعده بين يديه، فهلك فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه، فحزن عليه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "مالي لا أرى فلانا؟" قالوا : يا رسول الله، بنيه الذي رأيته هلك، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بنيه، فأخبره أنه هلك، فعزاه عليه، ثم قال : "يا فلان، أيما كان أحب إليك أن تمتع به عمرك، أو لا تأتي غدا إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك"، قال : يا نبي الله، بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي لهو أحب إلي، قال : "فذاك لك" صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن النسائي (2087).
    وروى أبو داوود عن أبي هريرة، أن امرأة سوداء -أو رجلا- كان يقم المسجد، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه، فقيل : مات، فقال : "ألا آذنتموني به؟" قال : "دلوني على قبره؟" فدلوه فصلى عليه. صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (3203).
    روى ابن ماجه وغيره عن أبي هريرة أنه لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة، وهو جنب، فانسل، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاء قال : أين كنت يا أبا هريرة؟ قال يا رسول الله : لقيتني وأنا جنب، فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المؤمن لا ينجس". صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (1933).
    الوقفة الثالثة : عدم الاغترار والعجب بالنفس.
    تأمل أخي في حال الرجل، فقد كان ذا بأس، وذا مكانة، يجالس الفضلاء والأخيار من الناس، لكن مع ذلك ابتلاه الله تعالى بهذه المعصية.
    فالمؤمن لا يأمن البلاء على نفسه، فلا يغتر ولا يعجب بحاله وصلاحه وتقواه، فهذا الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، روى البيهقي في الشعب عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو لم تكونوا تذنبون خشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك العجب العجب" حسنه الإمام الإمام الألباني رحمه الله في الصحيحة (685).
    بل كان خليل الرحمن إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلوات وأزكى التسليم، لا يأمن البلاء على نفسه، قال الله تعالى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم 35].
    وفي هذا كان إبراهيم التيميّ يقصُّ ويقول في قَصَصه : "من يأمن من البلاء بعد خليل الله إبراهيم، حين يقول : ربّ {اجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ}".
    وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء، روى الشيخان –واللفظ للبخاري- عن أبي هريرة : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء".
    الوقفة الرابعة : خطر شرب الخمر والإدمان عليه وتعاطي المخدرات عامة.
    إن الإسلام دين كامل، وما جاء في شريعتنا من أمر أو نهي ما كان إلا عن حكمة، فكان من ضروريات هذا الدين : حفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ النفس، وحفظ المال، وحفظ النسب، والخمر يأتي على كل هذه الضروريات بالفساد، لذلك كان أم الخبائث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الخمر أم الخبائث" –تقدم تخريجه-.
    وإن الشرع جاء بالزجر والنهي عن الخمر وما يذهب عقل المرء، مبينا خطره وضرره على صاحبه، ومن ذلكم :
    أن الخمر سبب الغواية، روى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي ليلة أسري به بإيلياء بقدحين من خمر ولبن، فنظر إليهما، ثم أخذ اللبن، فقال جبريل : الحمد لله الذي هداك للفطرة، ولو أخذت الخمر غوت أمتك".
    أن شرب الخمر والإدمان عليه يقدح في إيمان صاحبه، روى الشيخان عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن".
    أن شارب الخمر مشبه بعابد الوثن، قال النبي صلى الله عليه وسلم : "شارب الخمر كعابد الوثن وشارب الخمر كعابد اللات والعزى" أخرجه البخاري في التاريخ الكبير صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (5861).
    أن شرب الخمر من أسباب الحرمان من الجنة، روى ابن ماجه عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يدخل الجنة، مدمن خمر" صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجة (3439).
    أن شرب الخمر في الدنيا سبب لحرمانها في الآخرة، روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من شرب الخمر في الدنيا، ثم لم يتب منها، حرمها في الآخرة"، ولأبي داود وغيره عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ومن مات وهو يشرب الخمر يدمنها لم يشربها في الآخرة" صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (4550).
    والجزاء من جنس العمل، فكما أن من شربها في الدنيا حرمها في الآخرة، فإن من تركها لله في الدنيا سقاه الله منها ي الآخرة، روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من سره أن يسقيه الله الخمر في الآخرة فليتركها في الدنيا" حسنه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح التغريب والترهيب (2065).
    أن شرب الخمر سبب لأبشع صور العذاب في الآخرة، روى البيهقي في السنن عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من شرب مسكرا بخست صلاته أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال" قيل : وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال : "صديد أهل النار" صححه الإمام الألباني رحمه الله في الصحيحة (2039).
    واعلم أن الخمر محرمة، حتى لو غير أو بدل اسمها، فليست العبرة بالأسماء وإنما العبرة بحقائق الأمور، روى النسائي في السنن وأحمد في المسند عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها" صححه الإمام الإلباني رحمه الله كما في الصحيحة (90)، ولأبي داود وغيره عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام" صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (4550).
    فالعبرة بمخامرة العقل وغيابه، كما قال عمر رضي الله عنه على منبر النبي صلى الله عليه وسلم : "أما بعد، أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة من : العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل" رواه الشيخان.
    فمثل هذه النواهي والزواجر، لتدفع بالمؤمن إلى الإقلاع عن هذه الموبقات والفرار منها.
    الوقفة الخامسة : أداء حق النصيحة للمؤمن.
    إن عمر رضي الله عنه ما إن سمع بخر الرجل، بادر وسارع إلى أداء حق من حقوق الأخوة الإيمانية، وهو حق النصيحة للمسلمين، وفي مثل هذا جاء المدح من الله تعالى {يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران 114].
    فإن المؤمن للمؤمن كالمرآة، يبصره عيوبه، ينصح له ويقومه، يقول الله النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه" حسنه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سن أبي داود (4918)، وفي هذا يقول أبو هريرة رضي الله عنه : "إذا رأى فيها عيبا أصلحه" أخرجه البخاري في الأدب المفرد وحسنه الإمام الألباني (238).
    وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي أيوب الأنصاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن للمسلم على أخيه ست خصال واجبة، إن ترك منها شيئا فقد ترك حقا واجبا لأخيه عليه : يسلم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، ويشمته إذا عطس، ويعوده إذا مرض، ويحضره إذا مات، وينصحه إذا استنصحه" صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب (2157).
    فالواجب على المؤمن إن رأى من أخيه التقصير والانكباب على معصية الله تعالى، كالإدمان على الخمر أو غيره من المخدرات، أن يؤدي له حقه، ويبذل له النصيحة، كما صنع عمر رضي الله عنه.
    الوقفة السادسة : آداب النصيحة.
    إذا تقرر أن النصيحة حق واجب للمؤمن على أخيه المؤمن، فاعلم أن للنصيحة آدابا ينبغي على الناصح أن يسلكها في نصحه لغيره، ومن ذلكم ما نستنبطه من فعل عمر رضي الله عنه :
    أولا : التحقق من وقوع المنصوح له في المنكر حقا، حيث إن عمر رضي الله عنه ما قدم النصح إلا لما علم يقينا أن الرحل واقع في هذه المعصية.
    ثانيا : التلطف مع المنصوح له ولين الكلام له، وعدم ازدرائه أو الحط منه، فضلا عن تعييره، ويظهر هذا من عدة جوانب :
    1 _ توليه القيام بواجب النصح بنفسه، مع كونه أمير المؤمنين.
    2 _ مخاطبته للرجل باسمه.
    3 _ سلامه عليه.
    4 _ حسن العبارة والأسلوب.
    5 _ الحكمة في اختيار العبارات والألفاظ.
    ثالثا : لا أبلغ في الزجر والوعظ من كتاب الله تعالى ومن كلام الله تعالى، فإن النفوس الصادقة لتقشعر لسماع كلام ربها، ثم تلين إلى الخير وفعل الطاعات {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر 23].
    الوقفة السابعة : إتباع النصيحة بالدعاء الصالح.
    من كمال أداء النصيحة على أحسن وجه مطلوب، إتباعها بدعاء صالح للمنصوح له، في ظهر الغيب، فإن دعوة المسلم لأخيه مستجابة، روى مسلم عن أم الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به : آمين ولك بمثل".
    والدعاء بالصلاح للمنصوح له، دليل على صدق الناصح لأخيه المسلم، يرجوا من ذلك صلاحه وهدايته.
    وعلى هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، يتعهد أصحابه الدعاء لهم خاصة، وللأمة عامة، كدعائه لجرير بن عبد الله : "اللهم ثبته، واجعله هاديا مهديا" رواه الشيخان، وكدعائه لأنس : "اللهم أكثر ماله، وولده، وبارك له فيما أعطيته" رواه الشيخان، وغيرها كثير.
    بل إن النبي صلى الله عليه سلم ادخر دعوته لأمته، لتكون شفاعة لهم يوم القيامة، روى الشيخان عن أبي هريرة –واللفظ لمسلم- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا"، وهذا من كمال شفقته ورحمته بأمته صلوات الله وسلامه عليه.
    وعمر ابن الخطاب رضي الله عنه، من حسن نصحه وصدقه، أتبع نصيحته بالدعاء للرجل بأن يفتح الله قلبه وأن يتوب الله عليه، وهذا أبلغ ما يكون في صدق النصيحة وإخلاصها، فلا مصلحة دنيوية يرجوها عمر من الرجل، إلا أن أن يهدي الله تعالى قلبه، وأن يتوب عليه، وهذا أبلغ ما يكون من تحقيق الأخوة والمحبة الإيمانية فـ "لا يؤمن أحدكم، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " رواه الشيخان.
    الوقفة الثامنة : حسن تدبر السلف لكتاب الله تعالى.
    بعد أن وصل كتاب عمر رضي الله عنه إلى الرجل، وفيه من كلام الله تعال قوله {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر 3]، فقه كلام الله تعالى وتدبره وتأثر به، فأخذ يردده ويبكي، وذلك المؤمن، يقول الله تعالى {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)}، ويقول الله تعالى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر 23].
    فالرجل لما كان عالما فقه قوله الله تعالى، "{غَافِرِ الذَّنْبِ} للمذنبين {وَقَابِلِ التَّوْبِ} من التائبين، {شَدِيدِ الْعِقَابِ} على من تجرأ على الذنوب ولم يتب منها، {ذِي الطَّوْلِ} أي: التفضل والإحسان الشامل" [تفسير السعدي 698].
    الوقفة التاسعة : سرعة الاستجابة لأمر الله تعالى وقبول النصيحة.
    إن الرجل ما إن بلغه كتاب عمر رضي الله عنه، قرأ ما فيه من كلام الله تعالى، فانزجر وتاعظ به، وذلك قلب المؤمن التقي، {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف 201]، قال العلامة السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن (ص 291) : "ولما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان، الذي لا يزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين، وأن المتقي إذا أحس بذنب، ومسه طائف من الشيطان، فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب - تذكر من أي باب أُتِيَ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكر ما أوجب اللّه عليه، وما عليه من لوازم الإيمان، فأبصر واستغفر اللّه تعالى، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة، فرد شيطانه خاسئا حسيرا، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه".
    وهكذا كان الأولون من الصحابة والتابعين من سلف هذه الأمة رضي الله عنهم، لذلك نالوا الخيرية من هذه الأمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" رواه الشيخان عن عبد الله بن مسعود، وبمثل هذه المواقف كانوا خير الناس، فالمعهود عن الصحابة ومن خلفهم من التابعين سرعة الاستجابة للحق، والانكفاف عما نهوا عنه.
    ومن ذلكم ما رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه، قال : كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي : "ألا إن الخمر قد حرمت" قال : فقال لي أبو طلحة : اخرج، فأهرقها، فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة.
    ولمسلم عن أنس بن مالك، قال : كنت أسقي أبا طلحة، وأبا دجانة، ومعاذ بن جبل في رهط من الأنصار، فدخل علينا داخل، فقال : "حدث خبر نزل تحريم الخمر"، فأكفأناها يومئذ وإنها لخليط ال بسر والتمر.
    تأمل عبد الله، الخمر بين أيديهم يحتسونها، وكانت حلالا لم تحرم بعد، فما إن جاء أمر الله تعالى بتحريمها حتى أكفأها الصحابة، لم يتوانوا ولم يتأخروا ولم يسوفوا، بل حتى لم يفكروا، استجابة سريعة لأمر الله تعالى، وهذا يكون من أهل النفوس الصادقة، ومن أصحاب القلوب التي ملأت إيمانا، وأشربت من تقوى الله تعالى.
    فليكن للمؤمنين ممن ابتلوا بهذه الخمور والمخردات عبرة وأسوة في من سبق من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يدخل عليك الشطان بتسويفه، فـ {مَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان 34].
    الوقفة العاشرة : لا تكون عونا للشيطان على أخيك.
    إن المؤمن لا يفرح بمعصية أخيه أو انحرافه، أو يجعل ذلك بابا للتشفي أو السخرية منه، وإنما يكره ما يقع منه من ذنوب ومعاص، مع محبة الخير والصلاح له، فيكون عونا له على الشيطان وعلى نفسه الأمارة بالسوء، وعلى رفقاء السوء.
    لذلك من فقه عمر رضي الله عنه أن أرشد لمثل هذا، فبعد أن بلغه صلاح الرجل، بين هذا المسلك، بأن لو زل مؤمن من المؤمنين فالواجب القيام بتصويبه وتسديده وتقويمه، بالنصح والدعاء، فيكون عونا له.
    وما عمر إلا خريج من مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسكران، فأمر بضربه. فمن الصحابة من يضربه بيده ومنهم من يضربه بنعله ومنهم من يضربه بثوبه، فلما انصرف قال رجل : ما له أخزاه الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم" رواه البخاري عن أبي هريرة.
    ولأحمد في المسند عن عبد الله بن مسعود، قال : إني لأذكر أول رجل قطعه، أتي بسارق ، فأمر بقطعه، وكأنما أسف وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : قالوا : يا رسول الله، كأنك كرهت قطعه؟ قال : "وما يمنعني، لا تكونوا عونا للشيطان على أخيكم" حسنه الإمام الألباني رحمه الله في الصحيحة (1638).
    فلا تكن عونا للشيطان على المؤمن، بل كن عونا لأخيك المؤمن على الشيطان.


    وإن مما يجدر التنبيه عليه في هذا المقام، خطب عظيم وأمر خطير، وهو تسرب المخدرات بشتى ألوانها وأنواعها في أوساط أبناء المسلمين، من فلذات أكبادهم، حتى وصل إلى المؤسسات التربوية حيث يتعلم أبناؤنا، ووراء هذا الفعل طائفة من المجرمين، ممن يحاولون إفساد أبناء المسلمين، فإنا نحذر هؤلاء ونذكرهم بما ثبت من الوعيد الشديد في ذلك.
    فقد روى البيهقي في السنن عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : "كل مخمر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب مسكرا بخست صلاته أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال" قيل : وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال : "صديد أهل النار، ومن سقاه صغيرا لا يعرف حلاله من حرامه كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال"صححه الإمام الألباني رحمه الله في الصحيحة (2039).
    نسأل الله تعالى أن يهدي شباب الأمة ويردهم إليه ردا جميلا، وأن يعافي مبتلاهم، ويصلح حالهم.
    سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أحمعين.
    كتبه : أبو البراء يوسف صفصاف.
    الأربعاء 18 ذو القعدة 1444
    الموافق لـ 07 جوان 2023


    رابط تحميل الملف وورد : https://www.gulf-up.com/62ejwob6s2l2
    رابط تمحيل الملف مصور : https://www.gulf-up.com/ynt3c96vprdm
    رسالة الفاروق عمر إلى مدمن الخمر.docx
    رسالة الفاروق عمر إلى مدمن الخمر.pdf
    الملفات المرفقة
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2023-07-17, 02:45 PM.

  • #2
    جزاك الله خيرا اخي الفاضل يوسف وبارك فيك

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا ، نفعتنا بهذا المقال بارك الله فيك

      تعليق

      الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
      يعمل...
      X