إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حقيقة التجديد والمجددين الفاضحة لدعاوى المدعين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حقيقة التجديد والمجددين الفاضحة لدعاوى المدعين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    حقيقة التّجديد والمجدّدين
    الفاضحة لدعاوى المدّعين


    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
    اعلم رحمك الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة دينها، ويدعوها إلى ما دعاها إليه نبيها صلى الله عليه وسلم؛ روى أبو داود وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:" إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا" وصحح سنده العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم599، فهو أمر مقطوع به، متيقن من وقوعه وحصوله؛ لأن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يتخلف، ولذلك لا تجد مسلما مؤمنا بالله ورسوله يشك فيه أو يتوقف، ثم الناس بعد ذلك قد يعلمون شخص هذا المجدد وقد يجهلونه، إذ ليس لهم طريق إلى معرفته إلا بتعيين العلماء له؛ لأنهم أعرف الناس به، وبالأوصاف التي يجب أن تتوفر فيه، ومن يستحق أن يطلق هذا اللقب عليه، وهؤلاء العلماء قد يأتي عنهم تسمية من يعتقدونه المقصود بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور، وقد لا يأتي ذلك عنهم، فمن عيَّنُوه بناء على علمهم به، وبدعوته، ودرجة تأثيره، وآثاره التي كانت ثمرة جهوده؛ فلا ينبغي مخالفتهم فيه، لأنهم أجدر بمعرفته من غيرهم، وإن سكتوا ولم يعيِّنُوا شخصا منهم في زمن من الأزمان وجب على غيرهم أن يسكتوا تبعا لهم، لأن هؤلاء الغير أولى بالجهل به وعدم معرفة عَيْنِهِ منهم.
    ثم اعلم رحمك الله أن العالم الذي يُطلق عليه أهل العلم هذا اللقب، ويصفونه بهذا الوصف؛ لابد أن يكون مميزا في علمه، ودعوته، وآثاره التي تثمرها دعوته؛ وإلا فالعلماء كثيرون، والنوابغ منهم في كل عصر موجودون، وثناءات العلماء على بعضهم البعض كثيرة، وتزكياتهم لمن بَرَّزَ منهم وفيرة ومشهورة؛ ولكنهم قلّما يصفون عالما منهم بالمجدد ويطلقون هذا الوصف عليه، لأنها منزلة رفيعة لا ينالها إلا من هو خليق لها، جدير بها، ولأن تفسير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعيين المقصود به في العصور من بعده أمر عظيم، ومرتقى صعب، يخاف منه المخلصون، ويحذر ارتقاءه الصادقون، ومن أولى بهذا التورع من علماء السنة، وفقهاء الملة، ولذلك تجد كلماتهم في هذا الباب محدودة، وتصريحاتهم فيه معدودة، بعكس الجهلة المتعالمين، وأهل الجرأة المجازفين.
    ومن هنا نعلم عظيم جرم من يتجرأ على تعيين المجدد في عصر من العصور وهو ليس من أهل العلم الراسخين ولا من المحققين المبرزين.
    ولأجل بيان طريقة أهل العلم في تعيين المجدد، ومن يطلقون عليه هذا الوصف المحدد؛ اخترت عالما من علماء الأمة وصفه العلماء بهذا الوصف، ولقبوه بهذا اللقب؛ وهو الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وسأذكر تبعا لكلماتهم التي جاء فيها وصفه بهذا الوصف ما ذكروه من مميزاته وخصائصه، وما قام به من دعوة لم يقم بها غيره، وما أثمرته دعوته من خير لم تثمرها دعوات من سواه، وغيرها من الأمور التي كانت سببا في الألقاب التي لقبوه بها، ومنها المجدد الذي خصوه به، ولم يطلقوه على كثير من العلماء الذين عاصروه، أو تقدموه، ممن أثنوا عليهم ومدحوهم، فإلى البيان والله المستعان:
    - وصف العلماء له بالإمام وشيخ الإسلام والمجدد لملة النبي عليه الصلاة والسلام وغير ذلك من الأوصاف العظام:
    اعلم رحمك الله أنه قد أجمع علماء السنة -ولله الحمد والمنة- على الثناء على الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ومدحه، ووصفه بالأوصاف التي تدل على فضله، وعلوِّ منزلته وقدره، وأنه بلغ المنازلَ العاليةَ في العلم، والرُّتَبَ السَّامِيَةَ في حسن المعرفة والفهم؛ وسأقتصر في هذه المقدمة على ذكر بعض الأوصاف التي أطلقها عليه شراح كتابه القيم الذي هو أفضل كتبه وأعظمها، والذي نفع الله به خلاقا كثيرا في مشارق الأرض ومغاربها؛ أقصد: "كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد" وإليكم الأوصاف التي ذكرت في مقدمات شروحات كتاب التوحيد:
    ومجموع ما نخلص إليه من الأوصاف التي أطلقها العلماء عليه في مقدمات شروحاتهم على كتابه رحمه الله الآتي:
    1- الشيخ الإمام[1].
    2- شيخ الإسلام[2].
    3- خلف السلف الكرام[3].
    4- المتبع لهدي سيد الأنام[4].
    5- قامع البدع المشيعة والأمور الشركية الشنيعة[5].
    6- محيي السنن المحمدية والأحكام الشرعية[6].
    7- المجدد لدين الإسلام[7] ولقد حدد العلامة الفوزان حفظه الله ورعاه العصر الذي كان مجددا فيه رحمه الله فقال:" والمجدد لدين الله في القرن الثاني عشر من هجرة المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وكذا فعل العلامة أحمد بن يحيى النجمي -رحمه الله تعالى- حيث قال:" الذي جدد الله به عقيدة التوحيد في نجد في القرن الثاني عشر الهجري".
    8- علم الأئمة الأعلام[8].
    9- إمام الدعوة السلفية في نجد وغيرها[9].
    10- هو الإمام العلامة[10].
    11- المجاهد الصابر[11].
    12- الداعي إلى الله على بصيرة[12].
    قلت: هذه بعض كلمات علماء السنة وفقهاء الملة في الإمام المجدد، لكن ما هي الأمور التي استوجبت مثل هذه الأوصاف التي أطلقوها عليه، والثناءات التي قالوها فيه؟
    اعلم -رحمك الله- أن الموجبات لمثل هذه الكلمات كثيرة، والدواعي لهذه الأوصاف غزيرة؛ أذكر بإذن الله في هذه المقالة بعضها، حتى يعلم القاصي والداني كيف يُصدر علماؤنا أحكامهم، وعلى أي أساس يبنون أقوالهم التي تُؤْثَرُ عنهم؛ وسيكون ذلك ببيان مميِّزات هذا الإمام التي تميَّزَ بها عن غيره، وفاق فيها كل من سواه؛ فإلى البيان والله المستعان:
    فمن مُمَيِّزاتِه أنَّه من شدَّة متابعته للنبي صلى الله عليه وسلم شابهه في دعوته من عدة وجوه: في أصلها، والوسائل التي استخدمها، والطرائق التي سلكها -رحمه الله-، والنتائج التي ترتبت عليها:
    1- مشابهته للنبي صلى الله عليه وسلم في دعوته:

    اعلم -رحمك الله- أن الإمام المجدد قد أحيا الله به عباده، وردهم بدعوته إلى دين الله الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم، وأعظم ما تميز به وشابه النبي صلى الله عليه وسلم فيه: دعوته التي قام بها، ودعا الناس إليها، ومشابهته للنبي صلى الله عليه وسلم فيها كانت من وجوه عدة، نسوق بعضها مما ذكره العلماء عنه في ترجمته، وعند كلامهم على مآثره وآثاره، وهي:
    أولا: تفرده بنشر علم التوحيد ودعاؤه إلى عبادة الله وحده وإخلاص الدين له، معتمدا في ذلك كله على كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه:

    - قال الشيخعبد الهادي محمد بن عبد الهادي البكري العجيلي في مقدمة كتابه "تحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد" ج1 ص6-7:"هو الإمام المجدد لدين الإسلام، علم الأئمة الأعلام، المتفرد في زمانه بنشر علم التوحيد، المؤيد بتأييد الله المبدئ المعيد، الذي شاع علمه واشتهر، وملأ الأرض صيته وانتشر، كان بروزه إلى الوجود في العيينة محلة آبائه والجدود، سنة خمس عشرة بعد المائة والألف، نشأ بها في طاعة الله تعالى، ورحل في طلب العلم الشريف، وجد واجتهد، ونال ما طلب وقصد ودعا إلى الله تعالى، وانتقل إلى الدرعية واستقر به القرار في محروس تلك الديار، وهو يدعو الناس إلى عبادة الله بالإخلاص وأن لا يشرك بالله شيئًا، ولم تزل دعوته تهرول في آفاق الأرض وتجري، وتبكر في جميع الأقطار وتسري وكانت وفاته يوم الاثنين في شهر شوال سنة ست بعد المائتين والألف فكان عمره قريبا من ثنتين وتسعين سنة، رحمه الله تعالى".
    - قال العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله في مقدمة كتابه "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" ص13-14:" دعا أهل نجد إلى توحيد رب العالمين الذي هو أساس الإيمان والإسلام ونهاهم عن عبادة الأشجار والأحجار والقبور والطواغيت والأوثان".
    قلت: وهذه هي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، بل ودعوة كل نبي بعثه الله سبحانه من لدن نوح عليه الصلاة والسلام وإلى نبينا صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى:" وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)" سورة النحل.
    - قال العلامة عبد الحميد بن باديس رحمه الله كما في "الشهاب" المجلد 5 الجزء6 ص42:" هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب يدعو إليها، وهذه هي عقيدتنا، وهي مبنية على توحيد الله عز وجل، خالصة من كل شائبة، منزهة عن كل بدعة، فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعو إليها، وهي التي تنجينا مما نحن فيه من إحن وأوصاب".
    فشابه –رحمه الله- في دعوته -التي انبرى لها وتميز دون سائر علماء عصره بالصدع بها- سائر الأنبياء والمرسلين إذ دعوتهم واحدة وطريقتهم متحدة الدعوة إلى عبادة الله وحده دون كل من سواه، والتي ضيعها الناس في زمنه، بل وفي أزمنة عديدة قبله، ولذلك وصف بالمجدد لدعوة التوحيد لأنه حقيقة جددها بعد أن اندرست عند الناس معالمُها.
    ثانيا: قام بنهي الناس عن كل ما يضاد توحيد رب العالمين فينقضه من أصله أو ينقصه عن كماله الواجب تحقيقه:

    ومن ذلك: نهيه عن الإيمان بالسحرة والمنجمين والكهان، ومن كان على شاكلتهم وفي حكمهم؛ كما هو ظاهر من دعوته، وذكره أئمة الملة من بعده:
    - قال العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله وهو يعدد ما قام به الإمام المجدد في مقدمة كتابه "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" ص13-14:ونهاهم .... وعن الإيمان بالسحرة والمنجمين والكهان".
    قلت: وهذه الأمور مما يناقض أصل الدين، وتوحيد رب العالمين المقتضي من المسلمين إفراده بربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته؛ ومن ذلك أنه المنفرد بعلم الغيب وحده لا شريك له، وهو ما جاء به الأنبياء جميعا، وبالغوا في الدعوة إليه والجهاد دونه، واتباعا لهم وقياما بدعوتهم التي تنكبها الناس رَكَّزَ الإمام على التوحيد في دعوته دون كل من عاصره، بل ودون كثير ممن تقدمه، حتى أحيا الله به أمة كانت غارقة في أوحال الشرك بكل صوره، كبيره قبل صغيره، والعياذ بالله.
    ثالثا: أنه استمر –رحمه الله- طوال حياته في الدعوة إلى تصحيح العقيدة وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له:

    اعلم -رحمك الله- أن من الأمور التي شابه فيها الإمام المجدد النبي صلى الله عليه وسلم استمراره في الدعوة إلى توحيد الله وإخلاص الدين له طوال حياته إلى أن لقي ربه سبحانه:
    - قال الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في كتابه "الملخص في شرح كتاب التوحيد" ص7:"... فأدرك علماً غزيراً أهَّله للقيام بدعوته المباركة، في وقت انتشرت فيه البدع والخرافات، والتبرك بالقبور والأشجار والأحجار، فقام -رحمه الله- بالدعوة إلى تصحيح العقيدة وإخلاص العبادة لله وحده..." إلى أن قال رحمه الله:"...وقد بقي الشيخ طيلة حياته معلماً؛ وداعياً إلى الله تعالى آمراً بالمعروف، وناهياً عن المنكر، إلى أن توفي في الدرعية قرب مدينة الرياض سنة 1206هـ[13].
    قلت: وهذا الذي فعله نبينا صلى الله عليه وسلم، بل وكل نبي جاء قبله وتقدمه؛ أنهم دعوا إلى التوحيد والعقائد الصحيحة طوال حياتهم إلى أن انتقلوا إلى ربهم صلوات الله وسلامه عليهم؛ فلم يترك الإمام المجدد -رحمه الله- الدعوة إلى توحيد الله وإخلاص الدين له إلى أن فارق الحياة رحمه الله ورضي عنه.
    رابعا: حرصه على تجديد الدعوة إلى دين الله سبحانه وبيانه وتجليته وذلك برده إلى صفائه ونقاوته حيث كان ممن نفى عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين:

    ثم اعلم -رحمك الله- أن من أعظم مميزاته التي امتاز بها عن كل من سواه، والتي كانت سببا في اطلاق وصف التجديد عليه؛ اجتهاده -رحمه الله- في تنقية الدين مما نسب إليه، وأضيف إلى تعاليمه، مما يناقضه ويخرجه عن حقيقته، فكان -رحمه الله- من العلماء الذين أثنى النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ومدحهم بمتابعته، والحرص على حفظ دينه كما أُنزل عليه، وبلغه لأمته صلوات الله وسلامه عليه؛ وهو الأمر الذي قَلَّ من يقوم به، ويصبر عليه بسبب الأذى والحرب التي تعلن على أهله:
    - قال العلامة الفوزان حفظه الله في مقدمة كتابه " إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" ج1 ص6:" ولكن الله سبحانه قد تكفل بحفظ هذا الدين بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على يد العلماء المصلحين والدعاة المجددين، الذين يبعثهم الله على رأس كل مائة سنة، كما في الحديث، فبقي للحق أنصاره وللدين حماته، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى وهم على ذلك".
    ولهذا يقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في مقدمة كتابه: الرد على الجهمية: "الحمد لله الذي جعل في وقت كل فترة من الرسل بقايا من أهل العلم؛ ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ويدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، فكم من ضال قد هدوه، وكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم".
    ومن هؤلاء الذين وصفهم الإمام أحمد بهذه الأوصاف العظيمة؟ شيخ الإسلام الإمام المجدد الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فقد وقف موقفاً عظيماً، من مواقف هؤلاء الأئمة في مواجهة التغيرات التي حدثت في مجتمعه:
    - من انحراف في العقيدة.
    - وانقسام في الحكم.
    - واستشراء للعادات الجاهلية في الحاضرة والبادية:
    - شرك في العبادة.
    - ومخالفات للشرع في الحكم بين الناس.
    - ورواج لسوق الشعوذة والسحر.
    - وتعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    رغم كثرة وجود العلماء فيهم؛ المتبحرين في مسائل الفقه الفرعية، لكن العبرة ليست بوجود العلماء ووفرتهم دون أن يكون لهم أثر فعال في الإصلاح، فبنوا إسرائيل هلكوا وفيهم العلماء، فما لم يقم علماؤهم بما أوجب الله عليهم من النصح والإصلاح تسلط عليهم الشيطان. قال- تعالى-:" وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63)" سورة المائدة".
    - قال الإمام المجدد محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في "دفاع عن الحديث النبوي" في الرد على جهالات البوطي ص99:".أورد البوطي رواية ابن عساكر السابقة عن بلال محتجا بها على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مخالفته - بزعم البوطي - الإجماع القائل بمشروعية زيارة قبره عليه الصلاة والسلام وهي فرية على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى حمل رايتها الشيخ الأخنائي والسبكي وغيرهما قديما وزيني دحلان وأمثاله في محاربته لمجدد دعوة التوحيد محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه ومن تبعهم عليها من المتقدمين والمتأخرين ومنهم البوطي المسكين".
    قلت: وإذا لاحظت ما قام الإمام المجدد به وجدته لا يخرج عن دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد دعا إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قام -رحمه الله- بمواجهة التغيرات التي حدثت في أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدلت الدين، وشوهت صورته التي أنزله عليها رب العالمين، ودعا إليها النبي الأمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، حتى عاد كما كان عليه قبيل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان غرضه إحياء دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم انبرى إلى إصلاح الأوضاع المنحرفة والمحدثات الكثيرة عكس دعوات من كان في زمنه من أهل العلم الذين لم يشتغلوا بما اشتغل به، ولا دعوا إلى ما دعا الناس إليه.
    فبعد أن جمع -رحمه الله- بين العلم العظيم بما جاء في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والمعرفة بما عليه أهل زمنه من المخالفات الحقيقية لدين الإسلام الذي بعث به النبي عليه الصلاة والسلام؛ انبرى وحيدا، وبدأ الدعوة إلى ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم منفردا، فكان ممن تحقق فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم:" بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ" رواه مسلم من حديث أبي هريرة. فكما بدأ الإسلام بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم غريبا فإنه عاد على يدي الإمام المجدد غريبا كما بدأ، وكما حوربت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في بدايتها، حوربت دعوة الإمام المجدد رحمه الله تعالى لما أعلن بها:
    - قال العلامة الفوزان حفظه الله في مقدمة كتابه " إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" ج1 ص6:" حفظ الشيخ محمد القرآن صغيراً، وقرأ الفقه والتفسير والحديث على أبيه وعلماء بلده، حتى ألم بما عندهم في وقت يسير، مع التروي والمناقشة والتدقيق، حتى أعجب به والده ومشايخه وزملاؤه.
    ثم تطلع إلى المزيد من العلم فأقبل على كتاب الله، وتفسيره قراءة وتدبراً واستنباطاً، وعلى سنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسيرته، واستنتج منهما الاستنتاجات العجيبة، وقد دوَّن هذه الاستنباطات المفيدة في كتبه ورسائله وفتاويه، وعكف على كتب الشيخين: شيخ الإسلام ابن تيمية. والشيخ الإمام ابن القيم، خصوصاً كتب العقيدة.
    ثم علت به همته وطموحاته فسافر إلى علماء الحرمين وعلماء الأحساء وعلماء البصرة في العراق، والتقى بهم، وأخذ عنهم علماً غزيراً في الفقه والحديث وعلومه، حتى تضلع بالعلم، وأخذه عن كل من تمكن من الالتقاء به من علماء عصره، ومطالعة كتب من تقدمهم من الأئمة المحققين، ودراسة التفسير والحديث دراسة فاحصة مدققة.
    وعندما نظر إلى واقع أهل عصره وجد البون شاسعاً بين هذا الواقع وبين ما دل عليه الكتاب والسنة، وما كان عليه أئمة السلف الصالح في الاعتقاد والمنهج.
    فالعلماء في وقته في الغالب مشغولون بدراسة الفقه وعقائد علماء الكلام المخالفة لاعتقاد السلف، دون تمييز بين الصحيح والسقيم.
    والعامة منهمكون في البدع والخرافات والشركيات ودعاء الأموات، دون أن يهب أحد من العلماء-فيما نعلم- لإصلاح هذا الواقع الأليم، والمرتع الوخيم.
    عند ذلك لم يسع الشيخ محمداً رحمه السكوت:
    - عن التغيير والإنكار.
    - والدعوة إلى الإصلاح.
    - والعودة إلى كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    - وتصفية العقيدة الإسلامية مما علق بها، وغيّر وجهها وبهجتها، وعكَّر صفوها ونظرتها".
    - قال العلامة عبد الحميد بن باديس –رحمه الله- "آثار ابن باديس" ج2 ص236:" وهي حركة إصلاح في الإسلام ترجع إلى العلامة النجدي العظيم محمد بن عبد الوهاب الذي عاش في بداءة القرن الثامن عشر.
    وترمي إلى تطهير الإسلام من جميع البدع والخرافات التي لصقت به مع مر الزمن، والسمو به عن عبادة الأولياء".
    خامسا: ومن مميزاته التي امتاز بها عن غيره وكانت من أسباب وصفه بما وصف به: عظيم صبره على ما انبرى له من الدعوة إلى الله سبحانه والطرائق الحكيمة التي استعملها في بيان الحق للخلق:

    ومن الأمور التي اتبع فيها الإمام المجدد النبي صلى الله عليه وسلم صبره على الدعوة إلى توحيد رب العالمين، واجتهاده في نشرها بالحكمة والموعظة الحسنة كما كان عليه النبي الأمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، مع ما أصابه في ذلك من الأذى من مثل ما أصاب قدوته وأسوته نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم:
    - قال حفيد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب الشيخ العلامة سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله في مقدمة شرحه المسمى "تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد" ج1 ص105-106:" شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ـ أحسن اللّه له المآب، وضاعف له الثواب ـ، فدعا إلى اللّه ليلاً ونهارًا، وسرًا وجهارًا، وقام بأمر اللّه في الدعوة إليه، وما حابى أحدًا فيه ولا دارى، فعظم على الأكثرين وأنفوا استكبارًا، ولم يثنه ذلك عن أمر اللّه حتى قيض اللّه له أعوانًا وأنصارًا، فرفعوا ألويته وأعلامه حتى انتشرت في الخافقين انتشارًا[14].
    - قال العلامة الفوزان حفظه الله في مقدمة كتابه " إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" ج1 ص6:"فعزم على القيام بالدعوة إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وباشر الدعوة في بلدة- حريملاء- التي استقر بها والده، ثم طورد منها ثم ذهب إلى العيينة ولم يستقر فيها فذهب إلى الدرعية فوجد فيها القبول والترحيب على يد أميرها: محمد بن سعود رحمه الله "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)" سورة الطلاق من الآية 2 والآية 3[15].
    بل حاولوا قتله واغتياله كما حصل لقدوته من قبله صلوات الله وسلامه عليه:
    - قال الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ في كتابه "مشاهير علماء نجد" في ترجمته للإمام المجدد ص24:" وكان في البلدة موال لإحدى القبيلتين يسمون آل حمين كثر تعديهم وفسقهم فأراد الشيخ -رحمه الله- أن يمنعوا عن الفساد وينفذ فيهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلما علم هؤلاء الموالي المفسدون بذلك هموا أن يفتكوا بالشيخ ويقتلوه سراً بالليل، فجاءوا إليه وتسوروا عليه الجدار فعلم الناس بهم فصاحوا فيهم فهربوا فلم يطمئن الشيخ بعد هذه الحادثة إلى الإقامة في بلدة حريملاء، فانتقل منها إلى بلدة العيينة فتلقاه أميرها عثمان بن حمد بن معمر بالقبول والمناصرة وأكرمه غاية الإكرام، وألزم الخاصة والعامة أن يمتثلوا أمره ويقبلوا قوله...".
    سادسا: ومن مميزاته التي امتاز بها عن غيره وكانت من أسباب وصفه بما وصف به: النتائج الجليلة التي أثمرتها دعوته وحققتها جهوده:

    اعلم -رحمك الله- أن دعوة الإمام المجدد -رحمه الله- قد آتت أكلها، وأثمرت شجرتُها أطيبَ ثمارها وأفضلها، ومن تلكم الثمار التي أشار إليها علماؤنا الكبار، ونبه إليها أئمتنا الأخيار، وشابهت فيها دعوةُ الإمام، دعوةَ النبي عليه الصلاة والسلام؛ الآتي:
    الثمرة الأولى: رجوع الناس بدعوته إلى حقيقة دين الإسلام:

    ومن أعظم ما أثمرته دعوة الإمام المجدد -رحمه الله- أن ردَّ الله النَّاسَ جميعَهم على اختلاف مراتبهم ومستوياتهم بدعوته –بلسانه أو ببنانه- إلى حقيقة دين الإسلام الذي بعث به النبي عليه الصلاة والسلام، بعد أن كانوا جاهلين بها، متنكبين لطريقها:
    - قال العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله في مقدمة كتابه "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" ص13-14:"ودان بالإسلام أكثر أهل تلك البلاد، الحاضر منهم والباد وانتشرت دعوته ومؤلفاته في الآفاق، حتى أقر له بالفضل من كان من أهل الشقاق، إلا من استحوذ عليه الشيطان، وكره إليه الإيمان، فأصر على العناد والطغيان. وقد أصبح أهل جزيرة العرب بدعوته، كما قال قتادة -رحمه الله- عن حال أول هذه الأمة: "إن المسلمين لما قالوا: "لا إله إلا الله" أنكر ذلك المشركون وكبرت عليهم، وضاق بها إبليس وجنوده، فأبى الله إلا أن يمضيها ويظهرها، ويفلجها وينصرها على من ناوأها، إنها كلمة من خاصم بها فلج، ومن قاتل بها نصر، إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة التي يقطعها الراكب في ليال قلائل، ويسير من الدهر في فئام من الناس، لا يعرفونها ولا يقرون بها.
    وقد شرح الله صدور كثير من العلماء لدعوته، وسروا واستبشروا بطلعته، وأثنوا عليه نثرا ونظما".
    قلت: انظر كيف شبه العلامة عبد الرحمن بن حسن -رحمه الله- واقع دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بواقع دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لتعلم العلة التي استوجبت وصفهم له بمجدد دعوة التوحيد في القرن الثاني عشر.
    وكذلك فعل العلامة صالح آل الشيخ حفظه الله:
    - قال العلامة صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله في "التمهيد لشرح كتاب التوحيد" ص7:" ... الإمام المصلح المجدد شيخ الإسلام والمسلمين، محمد بن عبد الوهاب، وهو-رحمه الله- غني عن التعريف؛ لما جعل الله -جل وعلا- لدعوته من أثر ظاهر النفع في جميع أنحاء الأرض: شرقا وغربا، جنوبا وشمالا، ولا غرو في ذلك فإن دعوته-رحمه الله- إحياء لدعوة محمد بن عبد الله -عليه أفضل الصلاة والسلام-.
    - قال العلامة تقي الدين الهلالي المغربي رحمه الله في كتابه "الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة" ص47:" وقد تبين لأكثر الناس بطلان تلك الدعوى، وعلموا علم اليقين أن محمد بن عبد الوهاب من كبار المصلحين الذين فتح الله بدعوتهم عيونا عميا وآذانا صما، وأنه أحيى العمل بكتاب الله وسنة رسوله في جزيرة العرب بعدما كاد يندثر".
    الثمرة الثانية: انتشارها في أصقاع الدنيا:

    من الثمار الطيبة التي أثمرتها دعوة الإمام المجدد -رحمه الله- انتشارها في مشارق الأرض ومغاربها، بعد أن بدأت غريبة أكثر الناس محارب لها، مبغض ومعارض لصاحبها، وهذا هو ما وقع لدعوة نبينا صلى الله عليه وسلم كما تقدم نقل حديث النبي صلى الله عليه وسلم:" بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ":
    - قال حفيد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب الشيخ العلامة سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله في مقدمة شرحه المسمى "تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد" ج1 ص105-106:" ... وقام بأمر اللّه في الدعوة إليه، وما حابى أحدًا فيه ولا دارى، فعظم على الأكثرين وأنفوا استكبارًا، ولم يثنه ذلك عن أمر اللّه حتى قيض اللّه له أعوانًا وأنصارًا، فرفعوا ألويته وأعلامه حتى انتشرت في الخافقين انتشارًا[16].
    - قال العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله في مقدمة كتابه "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" ص13-14:" ... وانتشرت دعوته ومؤلفاته في الآفاق، حتى أقر له بالفضل من كان من أهل الشقاق".
    - قال العلامة الفوزان حفظه الله في مقدمة كتابه " إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" ج1 ص6:" إنه لما وقف هذا الإمام من مجتمعه المنحرف موقف الصدق والنصيحة؛ خلص هذا المجتمع مما وقع فيه من أسباب هلاكه، مع أنه رجل واحد، ولكن كما قيل:
    والنَّاسُ ألْفٌ مِنْهُمْ كوَاحدٍ ... ووَاحِدٌ كالألْفِ إنْ أمرٌ عَنَا[17]
    وهكذا سنة الله لا تتغير، فالأمة لا تنهض من كبوتها ولا تستيقظ من رقدتها إلاّ بتوفيق الله ثم بجهود علمائها المخلصين ودعاتها الناصحين، ورحم الله الإمام مالكاً حيث يقول: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلاَّ ما أصلح أولها".
    وما امتازت هذه الأمة على غيرها من الأمم إلا بقيامها بالإصلاح والدعوة إلى الله:" كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" سورة آل عمران من الآية 110،" وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)" سورة آل عمران" اهـ.
    قلت: فكانت نتائج دعوته مشابهة لنتائج دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم من كلام العلامة عبد الرحمن بن حسن رحمه الله وما ذلك إلا لأنه -رحمه الله- اقتدى بنبيه صلى الله عليه وسلم في دعوته حذو القذة بالقذة، وهذه من عظيم ما أوتيه من الحكمة في الدعوة، بعكس كثير ممن كان في زمنه ومن قبله وممن جاء بعده ولم يسلك طريقه فلم تثمر دعواتهم ما أثمرته دعوته.
    الثمرة الثالثة: أثمرت دعوته إبطال البدع والضلالات، والمخترعات في دين الله والمحدثات، ونفى الله بها شبهات المشبهين، وجهالات المعاندين:

    - قال العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله في مقدمة كتابه "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" ص13-14:" فأبطل الله بدعوته كل بدعة وضلالة يدعو إليها كل شيطان.
    - قال حفيد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب الشيخ العلامة سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله في مقدمة شرحه المسمى "تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد" ج1 ص105-106:" ولم يزل الحال على ما وصفنا لك من الأمور العِظام[18] منتشرًا في أهل البلدان المنتسبين إلى الإسلام، المارقين منه كما تمرق الرمية من السهام، إلى أن أراد اللّه إزالة تلك الظلمات، وكشف البدع والضلالات، ونفي الشبهات والجهالات[19].
    - قال العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله في مقدمة كتابه "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" ص13-14:" وأدحض به شبه المعارضين من أهل الشرك والعناد".
    الثمرة الرابعة: وهي من أعظم ثمار دعوته -رحمه الله- هدم القباب والأضرحة وإبطال كل ما يعبد من دون الله:

    وهذه من أعظم ثمار دعوته أن وفقه الله -مستعينا بأولي الأمر بعد أن علمهم وبين حقيقة دعوة الإسلام لهم- لهدم القباب والأضرحة وإبطال عبادة الأشجار والأحجار التي كانت منتشرة في زمنهم:
    - قال الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ في كتابه "مشاهير علماء نجد" في ترجمته للإمام المجدد ص25:" وكان في العيينة وما حولها كثير من القباب والأوثان والمشاهد المشادة على قبور الصحابة والأولياء وبها كثير من الأشجار والأحجار التي يعظمونها ويذبحون لها كقبة زيد بن الخطاب في الجبيلة، وشجرة قريوه وشجرة أبي دجانة والذيبي، فأخذ الشيخ -رحمه الله- يقرر للأمير عثمان توحيد العبادة ويفسر له معنى لا اله إلا الله وما اشتملت عليه وتضمنته من نفي واثبات، ومضى يبين له الإسلام الصحيح قبل ظهور الشرك وتسرب البدع ويطلب منه محو الأوثان وقطع الأشجار وهدم القباب وإزالة المشاهد فأجابه الأمير عثمان إلى ذلك فخرج الشيخ -رحمه الله تعالى- وخرج معه الأمير عثمان -عفا الله عنه- وخرج معهما رجال كثيرون من جند عثمان فأتوا إلى تلك الأماكن المذكورة فقطعوا الأشجار وهدموا المشاهد والقباب وكان الشيخ-رحمه الله- هو الذي تولى هدم قبة زيد ابن الخطاب بيده فلم يبق بعد ذلك وثن في هذه البلاد التي تحت ولاية عثمان ابن معمر".
    - قال العلامة محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله في "آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي" ج1 ص124:" ونحن نعمل في طريق الإصلاح الأقلام، وهم يعملون فيها الأقدام، وهم يُعملون في الأضرحة المعاول، ونحن نعمل في بانيها المقاول".
    الثمرة الخامسة: قيام الجهاد في سبيل الله ولإعلاء كلمة الله سبحانه:

    ومما أثمرته دعوته -رحمه الله- أن رفع الله بها علم الجهاد من جديد، بعد أن اندثر بسبب أهل الجهل بالتوحيد، فنصره الله ومن أيَّده، على كل من ناوأه وحاربه، وانتشرت دعوته في البلاد، وعرفها الحاضر والباد:
    - قال العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله في مقدمة كتابه "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" ص13-14:" وأقام الله به علم الجهاد".
    والتي كان من نتائجها مع الدعوة التي قام الإمام المجدد بها:
    الثمرة السادسة: قيام دولة التوحيد:

    ومما أثمرته دعوة الإمام المجدد -رحمه الله- وجهوده العظيمة: دولة تقوم على توحيد الله سبحانه وطاعته، والسير على هدي نبيه صلوات الله وسلامه عليه، وهو الأمر الذي وقع للنبي صلى الله عليه وسلم من قبله:
    - قال العلامة الفوزان حفظه الله في مقدمة كتابه " إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" ج1 ص6:"وكان من أعظم ثمارها: قيام دولة التّوحيد، وتحكيم الشريعة الغراء، التي توالت- ولا تزال- ولله الحمد على هذه البلاد مهما عارضها من معوقات واعترض في طريقها من عقبات:" فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ" سورة الرعد من الآية 17[20].
    - قال العلامة الدكتور محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله في مقدمته على كتاب "محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه" لمسعود الندوي ص9:" لا يخفى أن الإمام الرباني الأواب محمد بن عبد الوهاب قام بدعوة حنيفية جددت عهد الرسول الكريم والأصحاب، وأسس دولة ذكَّرت الناس بدولة الخلفاء الراشدين وقهرت الشياطين، وأحيت ما اندثر من علوم كتاب الله وسنة النبي الكريم".
    أقول: فلما كانت دعوة الإمام المجدد -رحمه الله- مطابقة لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم كانت نتائجها مشابهة لنتائج دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم، واثمرت كمثل ثمارها، وهذا مما يدل على شدة متابعته واقتدائه بالنبي صلى الله عليه وسلم في شأنه كله.
    2- مشابهته للنبي صلى الله عليه وسلم في الوسائل التي استخدمها في دعوته:

    ومن مميزاته التي تميز بها عن غيره من أهل العلم الذين عاصروه، ونبغوا في شتى العلوم في وقته: شدة اقتدائه بالرسول صلى الله عليه وسلم ومتابعته له؛ حيث دعا الناس إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من توحيد الله، وإخلاص الدين له سبحانه، والعمل بشرعه الذي أنزله على نبيه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ثم من عجيب أمره أنه اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء حتى في الوسائل التي اتخذها، والطرق التي اتبعها وسلكها؛ فدعا إلى الله وإلى توحيده بوسائل متنوعة وهي:
    بالدعوة باللسان، والكتابة بالبنان، والمجادلة بالحسن والإحسان، والجهاد بالسيف والسنان، وإعداد الدعاة إلى الله الذين انتشروا في مختلف البلاد للدعوة إليه، وبث الخير الذي أحيا الإمام المجدد ذكره، وبإرسال الرسائل العلمية التي يدعو الناس بها، ويرشدهم إلى ما فيه صلاحهم، ويرد بها على شبهات الكثير منهم.
    فاتَّبَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم في دعوته التي دعا إليها، بل اتَّبَعَ سائر الأنبياء والمرسلين؛ لأن دعوة الأنبياء جميعا كانت إلى توحيد الله سبحانه وإخلاص الدين له، وحرب كل ما يضاد التوحيد من الشرك صغيره وكبيره، والبدع على اختلاف أشكالها وأنواعها، وهذا كما تقدم مما تميز به عن كثير من علماء عصره وما قبل عصره، ولذلك أثمرت دعوته الثمار الطيبة التي لم تثمرها دعوة غيره.
    واتَّبَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم في الوسائل التي استعملها في دعوته، والطرائق التي سلكها في نشره للعلم الذي يدين الله به، ومن تلكم الوسائل:
    الوسيلة الأولى: الدعوة باللسان بالحكمة والموعظة والجدال بالتي هي أحسن:

    ومن المعلوم أن هذه من أعظم وسائل النبي عليه الصلاة والسلام في الدعوة إلى الإسلام، والتي قام بها أحسن وأكمل قيام؛ تحقيقا لما أمره الله به، وحضه عليه، ورغبه فيه:
    قال الله تعالى:" ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)" سورة النحل.
    كما أن دعوة الإمام المجدد كانت مبنية على العلم المأخوذِ من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهما الوحي الذي أوحى الله به إلى نبيه، ودعا إليه صلوات الله وسلامه عليه:
    قال تعالى:" قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)" سورة يوسف.
    والبصيرة هي العلم، وهذه من مميزاته -رحمه الله- التي تميز بها عن غيره، ومن نظر في كتبه، ورسائله، وما دَوَّنَهُ -رحمه الله- بيده، وبَثَّهُ من العلم في أمَّة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، رآها لا تخرج عن آية من كتاب الله، أو حديث من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وعن فَهْمٍ لهما مأخوذٍ من سلف هذه الأمة الصالحين، وعلمائها المعتبرين، فهكذا كان علمه مؤصلا، وبفهم الأسلاف متصلا، ولأجل ذلك نفع الله غاية النفع به، ووضع له القبول في أمة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإذا أردت أن تعلم حقيقة علمه الذي كان يدعو الناس به، فهذا مثال يقرب لك حقيقة الحال:
    قال رحمه الله في أول الثلاثة الأصول:
    اعْلمْ رَحِمَكَ اللهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا تَعَلُّمُ أَرْبَع مَسَائِلَ:
    المسألة الأُولَى: الْعِلْمُ: وَهُوَ مَعْرِفَةُ اللهِ، وَمَعْرِفَةُ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلامِ بالأَدِلَّةِ.
    المسألة الثَّانِيَةُ: الْعَمَلُ بِهِ.
    المسألة الثَّالِثَةُ: الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ.
    المسألة الرَّابِعَةُ: الصَّبْرُ عَلَى الأَذَى فِيهِ. وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: بسم الله الرحمن الرحيم:" وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)" سورة العصر كاملة.
    قَالَ الشَّافِعيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: لَوْ مَا أَنْزَلَ اللهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ إِلا هَذِهِ السُّورَةَ لَكَفَتْهُمْ.
    وَقَالَ البُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: بَابٌ: العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالْعَمَلِ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ "(محمد: من الآية 19)، فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ (قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ )" اهـ.
    قلت:
    - فذكر في هذه الجمل المسائل الأربعة التي يجب على المسلم أن يتعلمها، ثم دلَّلَ عليها، ولم يكن -رحمه الله- مبتكرا لها، وإنما هو متبع لمن تقدمه في ذكرها، وتنبيه الناس إليها لأهميتها، وممن ذكرها من العلماء قبله: الإمام ابن القيم رحمه الله، والذي سماها بمراتب جهاد النفس الأربعة حيث قال في "زاد المعاد" ج3 ص9:" فَجِهَادُ النَّفْسِ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ أَيْضًا:
    إِحْدَاهَا: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى تَعَلُّمِ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ الَّذِي لَا فَلَاحَ لَهَا وَلَا سَعَادَةَ فِي مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا إِلَّا بِهِ، وَمَتَى فَاتَهَا عِلْمُهُ شَقِيَتْ فِي الدَّارَيْنِ.
    الثَّانِيَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْعِلْمِ بِلَا عَمَلٍ إِنْ لَمْ يَضُرَّهَا لَمْ يَنْفَعْهَا.
    الثَّالِثَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، وَتَعْلِيمِهِ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ، وَإِلَّا كَانَ مِنَ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْهُدَى وَالْبَيِّنَاتِ، وَلَا يَنْفَعُهُ عِلْمُهُ، وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
    الرَّابِعَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مَشَاقِّ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ وَأَذَى الْخَلْقِ، وَيَتَحَمَّلُ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلَّهِ" انتهى المقصود من كلامه.
    - ثم بعد أن بين المسائل الأربعة والتي اقتدى فيها بمن تقدمه، فضلا عن الدليل الذي هو عمدته؛ ذكر كلام الإمام الشافعي -رحمه الله- في بيان فضل هذه السورة التي احتج بها، وأن حجة الله قائمة على الخلق بنزولها وبلوغها.
    - ثم نَبَّهَ إلى الدليل على تقديم العلم على سائر المسائل الأخرى، واستند إلى إمام من أئمة الدين ذكر قوله ودليله الذي استدل به.
    ومن هنا نعلم أن علم الإمام المجدد كان –كما تقدم- مؤصلا، وبفهم من تقدمه للأدلة الشرعية متصلا، فدعوته هي تجديد للدين الحق الذي كان عليه السلف الصالحون، والأئمة المُتَّبَعُون، مِمَّا اندثر العملُ به في زمنه، بل وقبل زمنه بفترة غير وجيزة.
    ومِمَّا يَدُلُّ على أن دعوته كانت مبنية على الكتاب والسنة مصنفاته التي صنفها كما تقدم، ومما قيل في أحدها وهو "كتاب التوحيد" الآتي:
    - قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله تعالى ورعاه في كتابه "إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" ج1 ص12 وما بعدها:" ولذلك جعل الشيخ موضوع هذا الكتاب الذي نحن بصدد شرحه في توحيد الألوهية، وقسمه إلى أبواب، وأورد في كل باب ما يشهد له من الآيات والأحاديث، فهو مبني على الكتاب والسنة: قال الله، قال رسوله، كما قال الشاعر:
    العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس خلف فيه
    ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين النصوص وبين رأي فقيه
    ولم يورد الشيخ -رحمه الله- في هذا الكتاب إلاَّ ما صح من الأحاديث، أو كان حسن الإسناد، أو هو ضعيف الإسناد وله شواهد تقوّيه. أو هو داخل تحت أصل عام يشهد له الكتاب والسنة، مما ترجم له الشيخ في أبواب الكتاب.
    ثم إن الشيخ -رحمه الله- يذكر في آخر كل باب ما يستفاد من الآيات والأحاديث التي أوردها فيه من مسائل العقيدة؛ مما يعتبر فقهاً لنصوص الباب، بحيث يخرج القارئ بحصيلة علمية جيدة من كل باب.
    إن هذا الكتاب مبني على الكتاب والسنة، ولم يبنَ على قواعد المنطق ومصطلحات المتكلمين التي خطؤها أكثر من صوابها؛ إن كان فيها صواب. فالقرآن الكريم كله في التّوحيد، لأنه إما أمر بعبادة الله وترك عبادة ما سواه. وإما بيان لجزاء الموحدين، وعقاب المشركين في الآخرة. وإما بيان لنصر الله للموحدين وعقوبته للمشركين في الدنيا. وإما أمر بالطاعة ونهي عن المعصية وذلك من حقوق التّوحيد ومكملاته. وإما أمر بموالاة الموحدين والبراءة من المشركين. وذلك من لوازم التّوحيد. وإما خبر عن الله وأسمائه وصفاته. وذلك مما يوجب محبته والخوف منه ورجاء ما عنده-فالقرآن الكريم- كما يقول العلامة ابن القيم كله توحيد".
    - وقال العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله تعالى ورعاه في كتاب نفسه "إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" ج1 ص12:" ومن هذه الكتب هذا الكتاب الذي بين أيدينا، وهو:
    (كتاب التّوحيد الذي هو حق الله على العبيد)
    تأليف شيخ الإسلام المجدد في القرن الثاني عشر من الهجرة النبوية. الشيخ: محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-.
    وهذا الكتاب من أنفس الكتب المؤلَّفة في باب التّوحيد؛ لأنه مبني على الكتاب والسنة، بحيث إنه رحمه الله، يورد في كل باب من أبوابه آيات من القرآن وأحاديث من السنة الصحيحة السند أو المعنى، وكلام أهل العلم الأئمة؛ الذين بَيَّنوا معاني هذه الآيات وهذه الأحاديث، فعل هذا في كل باب من أبواب الكتاب.
    فلم يكن هذا الكتاب قولاً لفلان أو فلان، أو أنه كلام من عند المؤلف، وإنما هو كلام الله وكلام رسول الله، وكلام أئمة هذه الأمة من الصحابة والتابعين وغيرهم من الأئمة المقتدى بهم.
    فتأتي أهمية هذا الكتاب من هذه الناحية؛ أنه مبني على الكتاب والسنة من الآيات والأحاديث، فلا يقال: إن هذا كلام فلان، أو كلام ابن عبد الوهاب، بل يقال: هذا كلام الله وكلام رسول الله، وكلام أئمة الإسلام.
    وهكذا ينبغي أن يكون التأليف" اهـ.
    - قال العلامة عبد الحميد بن باديس رحمه الله كما في "آثار ابن باديس" ج5 ص282-283:" أَفَتُعَدُّ الدعوة إلى الكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة، وطرحَ البدع والضلالات، واجتناب المرديات والمهلكات، نشرا للوهابية؟ فأئمة الإسلام كلهم وهابيون، ما ضرنا إذا دعونا إلى ما دعا إليه جميع أئمة الإسلام".
    بل سبق غيره في عصره إلى الدعوة إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف الصالح:
    - قال العلامة عبد الحميد بن باديس رحمه الله كما في "الشهاب" ج10 الجزء6 ص261:" سبق الشيخ ابن عبد الوهاب في هذا العصر غيره إلى الدعوة إلى الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح من الأمة، وإلى محاربة البدع والضلالات، فصار كل من دعا إلى هذا يقال عنه وهابي".
    فهذه هي طريقته الحكيمة التي سلكها في دعوته، وهي طريقة المحدثين من أهل السنة الذين تقدموه؛ بناؤها على الأدلة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة بإذن الله تعالى.
    الوسيلة الثانية: التأليف والتصنيف:

    ومن أعظم الوسائل التي سلكها في دعوته، واعتنى بها في بيان الحق الذي يدعو إليه: التأليف والتصنيف؛ وهذا الأمر ممَّا برَّز فيه، وفاق به أقرانه من معاصريه، بل وشيوخه وشيوخ شيوخه، بل أَلَّفَ مؤلفات لم يسبق إليها، ولم يوجد فيما تقدم مثيلٌ لها؛ غالبها في بيان أساس الدين الذي بعث به سيد الأنبياء والمرسلين، والذي تنكب الناس طريقه، وصاروا بما أحدثوه على خلافه، مع ظنهم بل واعتقادهم أن ما هم عليه هو الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، والدين الذي من اتبعه وتعبد الله به سلم وغنم، ولهذا لما كانت دعوته ومصنفاته -التي ابتكرها، وأحسن تصنيفها، بأن جعلها مبنية على كتاب الله وسنة رسول الله وعلى أقوال السلف الصالحين وأئمة الدين المعتبرين- سببا في رَدِّ النَّاسِ إلى دين الله الذي كانوا في زمنه على جهل كبير به، استحق أن يلقبه العلماء بالمجدد، ويطلقون عليه الألقاب التي تدل على حقيقة ما تميّز به وتفرد.
    وهذه بعض مميزات كتبه عليه رحمة الله:
    - فمن مميزاتها: أنها مبنية على الأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم:
    - قال العلامة حامد بن محمد بن حسن بن محسن في مقدمة كتابه المسمى "فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد" ص16:" وصنف رحمه الله التصانيف في بيان التوحيد الذي أرسلت به الرسل وأنزلت به الكتب لأجله، وبيان دين سيد المرسلين الذي بعث به صلى الله عليه وسلم، مستدلاً في ذلك بالآيات القرآنية والسنن النبوية".
    وتقدم ذكر هذا والحمد لله.
    - ومن مميزاتها: أن سلك في تصنيف بعضها طريقة إمام المحدثين الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه:
    - قال العلامة صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله في "التمهيد لشرح كتاب التوحيد" ص8:" وقد شبه بعض العلماء هذا الكتاب بأنه قطعة من صحيح البخاري -رحمه الله- وهذا ظاهر، ذلك أن الشيخ -رحمه الله- نَسَج كتابه هذا نَسْج الإمام البخاري صحيحه من جهة أن التراجم التي يعقدها، تحتوي على آية وحديث -غالبا- والحديث والآية على الترجمة، وما بعدها مفسِّرٌ لها، وكذلك ما يسوقه -رحمه الله- من كلام أهل العلم من الصحابة، أو التابعين، أو أئمة الإسلام، هو نسق طريقة الإمام أبي عبد الله البخاري -رحمه الله - فإنه يسوق أقوال أهل العلم في بيان المعاني".
    - قال العلامة عبد المحسن العباد –حفظه الله- في كتابه "منهج شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في التأليف":" كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، هو أهمُّ وأوسع كتب الشيخ -رحمه الله- في العقيدة، وقد اشتمل على ستة وستين باباً، أوَّلها: باب فضل التوحيد وما يُكفِّرُ من الذنوب، وآخرها: باب ما جاء في قول الله تعالى:" وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" الآية، وقبل الباب الأول ترجم بكتاب التوحيد، وأورد فيه خمس آيات وحديثاً وأثراً، وهذه الآيات هي قول الله عزَّ وجلَّ:" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)"، وقوله:" وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ"، وقوله:" وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا"، وقوله:" وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا"، وقوله:" قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا" الآيات، وعقَّب الآيات من سورة الأنعام بأثر ابن مسعود بشأنها، ثم أورد حديث معاذ بن جبل المتفق على صحته في بيان حق الله على العباد وحق العباد على الله، ومن منهجه في تأليفه:
    - أنَّ الكتابَ من أوَّله إلى آخره يسوق فيه الشيخ الإمام آيات وأحاديث وآثاراً عن سلف هذه الأمَّة، من الصحابة ومن بعدهم مِمَّن سار على نهجهم وطريقتهم، وصنيعه هذا شبيه بصنيع الإمام البخاري -رحمه الله- في كتابه الجامع الصحيح، وعلى الأخصِّ كتاب التوحيد الذي هو آخر الكتب في صحيح البخاري، فإنَّ طريقةَ البخاري في ذلك أنَّه يورد آيات وأحاديث وآثاراً، وقد بلغت أبواب كتاب التوحيد من صحيح البخاري ثمانية وخمسين باباً، أوَّلها: باب ما جاء في دعاء النَّبيِّ أمَّته إلى توحيد الله تبارك وتعالى، وقد أورد فيه حديث معاذ بن جبل في بيان حقِّ الله على العباد وحق العباد على الله، وعدة أبواب كتاب التوحيد عند الإمام البخاري وأبواب التوحيد عند الإمام محمد بن عبد الوهاب متقاربة، وهي في الصحيح ثمانية وخمسون، وعند الإمام محمد بن عبد الوهاب ستة وستون.
    - أنَّه عند إيراده الآيات والأحاديث والآثار يقدِّم الآيات ثم الأحاديث ثم الآثار، إلاَّ إذا كان الأثر متعلِّقاً بآية أو بحديث، فإنَّه يقدِّمه من أجل ذلك التعلق.
    - هذا الكتاب مشتمل على الآيات والأحاديث والآثار، وبذلك علا قدرُ الكتاب وارتفعت منزلته، وليس للشيخ -رحمه الله- فيه كلام إلاَّ ما يورده في آخر كلِّ باب من مسائل مستنبطة من الآيات والأحاديث والآثار، وهي تدلُّ على قوة فهم الشيخ -رحمه الله- ودقَّة استنباطه، وفيها شحذ أذهان طلاَّب العلم في معرفة المواضع التي استنبطت منها هذه المسائل"[21] اهـ.
    قلت: فكتاب التوحيد ألفه على طريقة المحدثين وكذلك جملة من كتبه الأخرى مثل:
    "أصول الإيمان" و"فضل الإسلام" و"مجموع في أحاديث الأحكام" والذي "بلغت الأحاديث المرفوعة والموقوفة فيه حوالي 4600 أربعة آلاف وستمائة حديث، هذا عدا الآثار الأخرى من أقوال التابعين وفتاوى الأئمة المجتهدين"[22] وغيرها.
    - ومن مميزاتها: أن منها ما ابْتَكَرَ التَّأْلِيفَ فيه، فلم يسبقه إلى مثله أحد من العلماء قبله:
    - قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم النجدي رحمه الله في "حاشية كتاب التوحيد" ص7:"فإن (كتاب التوحيد) الذي ألفه شيخ الإسلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب أجزل الله له الأجر والثواب، ليس له نظير في الوجود، قد وضح فيه التوحيد الذي أوجبه الله على عباده وخلقهم لأجله، ولأجله أرسل رسله، وأنزل كتبه، وذكر ما ينافيه من الشرك الأكبر، أو ينافي كماله الواجب من الشرك الأصغر والبدع، وما يقرب من ذلك أو يوصل إليه".
    - وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم النجدي رحمه الله أيضا في "حاشية كتاب التوحيد" ص7:" فصار بديعا في معناه لم يسبق إليه، علما للموحدين وحجة على الملحدين، واشتهر أي اشتهار، وعكف عليه الطلبة، وصار الغالب يحفظه عن ظهر قلب، وعم النفع به.
    - قال العلامة أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله في كتابه "الشرح الموجز الممهد لتوحيد الخالق الممجد" ص5-6:"فإن التوحيد هو قاعدة الإسلام التي عليها يبنى... ولما كان من أحسن ما ألف فيه كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، الذي جدد الله به عقيدة التوحيد في نجد في القرن الثاني عشر الهجري، وهو يحتوي على ستة وستين بابا".
    - قال الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الحمدان رحمه الله في كتابه "الدر النضيد على أبواب التوحيد" في مقدمته ص5:"فإن "كتاب التوحيد" الذي ألَّفه الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد ابن عبدالوهاب رحمه الله ورضي عنه، كتاب بديع الوضع، عظيم النفع، لم أرَ من سبقه إلى مثاله أو نسج في تأليفه على منواله، فكل باب منه قاعدة من القواعد ينبني عليها كثير من الفوائد، وأكثر أهل زمانه قد وقعوا في الشرك الأكبر والأصغر، واعتقدوه ديناً فلا يُتاب منه ولا يُستغفر، فألّفه عن خبرة منه ومشاهدة للواقع، فكان لذاك الداء كالدواء النافع، فرحمه الله ورضي عنه.
    قلت: بل ذكر العلامة صالح آل الشيخ إجماع العلماء على أنه لم يصنف في موضوع كتاب التوحيد مثله:
    - قال العلامة صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله في "التمهيد لشرح كتاب التوحيد" ص7-8:" وكتاب التوحيد- الذي نحن بصدد شرحه - كتاب عظيم جدا، أجمع علماء التوحيد، على أنه لم يصنف في الإسلام في موضوعه مثله، فهو كتاب وحيد وفريد في بابه، لم ينسج على منواله مثله؛ لأن المؤلف -رحمه الله- طرق في هذا الكتاب مسائل توحيد العبادة، وما يضاد ذلك التوحيد، من أصله، أو يضاد كماله، فامتاز الكتاب بسياق أبواب توحيد العبادة مفصلة، مُدَلَّلَةً، وعلى هذا النحو، بتفصيل، وترتيب، وتبويب لمسائل التوحيد، لم يوجد من سبق الشيخ إلى ذلك، فحاجة طلاب العلم إليه، وإلى معرفة معانيه ماسة؛ لما اشتمل عليه من الآيات، والأحاديث، والفوائد.
    - ومن مميزاتها: كثرة عنايته بالمعتقد فكثير من كتبه إن لم نقل أن أكثرها في تقرير العقيدة والتوحيد الذي هو حق الله على العبيد وهي على طريقة المحدثين كما تقدم بيانه:
    لقد تنوعت مؤلفات الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، لكنه في العموم اعتنى –رحمه الله- بأربع نواح من نواحي الدين الإسلامي والعلوم الشرعية وهي: التفسير والفقه والعقيدة والسيرة. وإن كانت عنايته بجانب التوحيد أكبر وبناحية العقيدة أعظم.
    فمن مؤلفاته في العقيدة والتوحيد:
    1- كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد. وهو أكبر كتبه وأعظمها وأكثرها عائدة وفائدة.
    2- الثلاثة الأصول. الرسالة المعروفة.
    3- الأصول الثلاثة. التي ألفها للصغار.
    4- تلقين العقيدة للعوام. وهي في مضمون الثلاثة الأصول.
    5- كشف الشبهات.
    6- القواعد الأربعة.
    7- المفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد.
    8- فضل الإسلام.
    9- أصول الإيمان.
    10- أصول الدين الإسلامي مع قواعده الأربع (على شكل سؤال وجواب).
    11- كتاب الجواهر المضية (اشتمل على عدة رسائل منها: المسائل الخمس الواجبة معرفتها، ورسالة في النفاق بقسميه وصفات المنافقين، ورسالة في كلمة لا إله إلا الله، ورسالة أخرى في الشهادتين وبعثة محمّد –صلّى الله عليه وسلّم- ودلائل رسالته، وغيرها كثير).
    12- الرسالة المفيدة (وقد تضمنت بيان أنواع التوحيد وأنواع الشرك وأنواع الكفر وأنواع النفاق).
    13- مسائل الجاهلية التي خالف فيها النبي صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية.
    14- رسالة في الرد على الرافضة.
    ومن مؤلفاته في الحديث:
    1- على رأسها "كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد".
    2- أحاديث في الفتن والحوادث.
    3- أصول الإيمان.
    4- فضل الإسلام.
    5- فضل القرآن.
    6- مجموع في أحاديث الأحكام.
    مؤلفات الشيخ في الفقه ونحوه:
    1- أحكام الصلاة (أو المسمى بشروط الصلاة وأركانها وواجباتها).
    2- آداب المشي إلى الصلاة.
    3- أربع قواعد تدور الأحكام عليها.
    4- الطهارة.
    5- الكبائر.
    6- فتاوى ومسائل.
    7- مبحث الاجتهاد والخلاف.
    8- مختصر الإنصاف والشرح الكبير.
    9- مختصر زاد المعاد.
    10- مجموع في أحاديث الأحكام.
    مؤلفات الشيخ في السيرة:
    1- بعض فوائد صلح الحديبية.
    2- مختصر زاد المعاد لابن القيم رحمه الله.
    3- مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (اختصر فيها سيرة ابن هشام رحمه الله).
    مؤلفات الشيخ في التفسير:
    1- تفسير آيات من القرآن العظيم.
    2- مختصر تفسير سورة الأنفال.
    3- تفسير سورة الفاتحة.
    ومما يجدر التنبيه عليه: أن التقسيم المتقدم لمؤلفات شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب إنما هو باعتبار فنون العلم، وقد تقسم مؤلفاته باعتبارات أخرى مثل:
    1- باعتبار استقلالية التأليف من عدمه:
    فمن مؤلفات الشيخ ما يعتبر تلخيصا لكتب غيره كمختصر الإنصاف والشرح الكبير في الفقه، ومختصر زاد المعاد وغيرهما. وأما غالب كتبه فهي تأليف محض للشيخ رحمه الله ابتدعها وأحدث التأليف فيها.
    2- باعتبار تنوع وسيلة الدعوة على حسب اختلاف المدعوين أو أحوالهم النفسية ومستوياتهم العلمية:
    فمن مؤلفات الشيخ ما هي علمية في أسلوب تأليفها، ومنها ما هي وعظية في طريقة جمعها، فمن الأول كتاب التوحيد والقواعد الأربعة والثلاثة الأصول وغيرها. ومن الثانية فضل الإسلام وفضل القرآن وغيرها.
    ومن مؤلفات الشيخ ما وجه للكبار ومنها ما قصد به الصغار فالأول كالثلاثة الأصول والثاني كالأصول الثلاثة.
    3- تقسيمها باعتبار من يوجه له الخطاب ويؤلف من أجله الكتاب:
    فمن مؤلفات الإمام ما ألفه لسائر المسلمين ومختلف أبناء الملة والدين وحتى للمخالفين والمعاندين، ومن مؤلفاته ما هو موجه لفرد من الأفراد أو جماعة من الجماعات وهي المعروفة برسائل الشيخ الشخصية وهذه فيها من العلم النافع الشيء الكثير.
    الوسيلة الثالثة: عرض الدعوة على الأمراء والملوك:

    وهذه من الوسائل النافعة، ذات النتائج العظيمة والمصالح الواسعة، وهي من السبل التي اتبع الإمام المجدد فيها النبي الأكرم والرسول المعظم صلى الله عليه وسلم؛ فمعلوم من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحيح سنته مرسلاته التي راسل بها الملوك والسلاطين في زمنه، يدعوهم إلى الإسلام، ويعرض عليهم دين الملك العلام، كما أنه كان يعرض نفسه على القبائل في المواسم طلبا لمن ينصر الله به دينه، ويعلي كلمته؛ فكان الأنصار أسعد الناس بهذه الفضيلة، وأولاهم بهذه المنزلة؛ وكذلك فعل الإمام المجدد -رحمه الله- حيث عرض دعوته على الملوك والأمراء في زمنه، فكان أسعد الناس بالاستجابة له الملك محمد بن سعود -رحمه الله- الذي أيده على دعوته، فنصر الله بهما الدين، ونشر باجتماعهما دعوة سيد الأنبياء والمرسلين.
    - قال العلامة الفوزان حفظه الله في مقدمة كتابه " إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" ج1 ص6:" فعزم على القيام بالدعوة إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وباشر الدعوة في بلدة- حريملاء- التي استقر بها والده، ثم طورد منها ثم ذهب إلى العيينة ولم يستقر فيها فذهب إلى الدرعية فوجد فيها القبول والترحيب على يد أميرها: محمد بن سعود رحمه الله "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)" سورة الطلاق من الآية 2 والآية 3.
    فواصل الشيخ رحمه الله عمله في الدعوة إلى الله، وراسل علماء البلدان وأمراءها يدعوهم إلى الله، ويبين لهم ما هم واقعون فيه من مخالفات، وألف الكتب، وأجاب عن استشكالات من التبس عليهم الحق بالباطل؛ فاستجاب لدعوة الشيخ من كان رائده الحق، وعاند من كان دافعه التعصب للباطل، فلم ير الشيخ رحمه الله بداً من جهاد هؤلاء بالحجة واللسان من قبله وبالسيف والسنان من قبل ولاة الأمر من آل سعود أثابهم الله".
    - قال الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ في كتابه "مشاهير علماء نجد" في ترجمته للإمام المجدد ص30:" فأخذ الشيخ -رحمه الله- يكاتب الناس وهو مقيم في الدرعية وعلى الأخص الرؤساء والعلماء يوضح لهم معنى الإسلام وحقيقة التوحيد ويحضهم على إتباع شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويأمرهم بنبذ البدع والإشراك والإقلاع عن أخذ الرشا وأكل السحت وأخذ يزيل ما وقع في نفوسهم وقام بها من الشبهات وذلك عن طريق المراسلات والمكاتبات، فمنهم من قبل من الشيخ ودان له بدعوة الإسلام الصحيح والدين فثاب إلى الرشد وهجر البدع وتخلى عن عبادة الأوثان والأصنام ومنهم من استكبر وأبى وألب وعادى وأفتى بحل دم الشيخ ودم إخوانه الموحدين وأنصاره ووجوب غزوهم في أرضهم وعقر دارهم".
    - قال العلامة عبد الحميد بن باديس رحمه الله في "آثار العلامة ابن باديس" ج2 ص236:" وابن سعود يعتنق معتقدات الوهابية، وهي حركة إصلاح في الإسلام ترجع إلى العلامة النجدي العظيم محمد بن عبد الوهاب الذي عاش في بداءة القرن الثامن عشر".
    الوسيلة الرابعة: إعداد الدعاة إلى الله الذين انتشروا في أصقاع البلاد للدعوة إلى دينه وتوحيده:

    فمن الثمار التي أثمرتها جهوده بفضل الله سبحانه بروز كثير من العلماء والأئمة الذين دعوا الناس إلى دين الله على ما كان عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف رضي الله عنهم، وهذه كانت من أعظم الوسائل التي استعملها الإمام المجدد وأدت إلى انتشار دعوته واستمرارها من بعده:
    - قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في كتابه "الملخص في شرح كتاب التوحيد" ص7:" وقد تخرج على يده عدد كبير من العلماء وأئمة الدعوة. أجزل الله له الأجر والثواب، وجعل الجنة مثواه".
    - قال الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ في كتابه "مشاهير علماء نجد" في ترجمته للإمام المجدد ص32:" فقد أخذ عنه -رحمه الله- العلم عدد كثير نذكر في هذه الترجمة المختصرة بعض أعيانهم وهم:
    أبناؤه الأربعة: الشيخ عبد الله، والشيخ حسين، والشيخ علي، والشيخ إبراهيم، وحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن، والشيخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر، والشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين، والشيخ عبد الرحمن بن نامي، والشيخ عبد الرحمن بن خميس الفرضي، والشيخ عبد العزيز "أبا" حسين الوهبي التميمي، والشيخ حسن بن عيدان، والشيخ عبد العزيز بن سويلم، والشيخ حمد بن راشد العريني، والشيخ محمد بن سلطان العوسجي، وأخذ عنه غير هؤلاء خلق كثير تولوا مناصب القضاء، والإفتاء، والتدريس، وقاموا بواجب العلم، ونشر دعوة الإسلام والتوحيد في زمنهم-رحمهم الله-.
    الوسيلة الخامسة: الرد على شبهات المشبهين وبيان حقيقة دين رب العالمين الذي تنكبه الناس في زمنه رحمه الله:

    وهذه من أعظم الوسائل التي سلكها واعتنى -رحمه الله- بها وهي: الرد على كل ملبس يريد أن يشوه دعوة الحق التي انبرى لها، فكتب في ذلك مصنفات، وراسل الناس بجملة من الرسائل والمكاتبات:
    - قال الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ في كتابه "مشاهير علماء نجد" في ترجمته للإمام المجدد ص30:" فأخذ الشيخ -رحمه الله- يكاتب الناس وهو مقيم في الدرعية وعلى الأخص الرؤساء والعلماء يوضح لهم معنى الإسلام وحقيقة التوحيد ويحضهم على إتباع شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويأمرهم بنبذ البدع والإشراك والإقلاع عن أخذ الرشا وأكل السحت وأخذ يزيل ما وقع في نفوسهم وقام بها من الشبهات وذلك عن طريق المراسلات والمكاتبات، فمنهم من قبل من الشيخ ودان له بدعوة الإسلام الصحيح والدين فثاب إلى الرشد وهجر البدع وتخلى عن عبادة الأوثان والأصنام ومنهم من استكبر وأبى وألب وعادى وأفتى بحل دم الشيخ ودم إخوانه الموحدين وأنصاره ووجوب غزوهم في أرضهم وعقر دارهم" اهـ.
    قلت: ومن مصنفاته النفيسة في رد شبهات الملبسة رسالته العظيمة "كشف الشبهات" والتي رد فيها جملة شبهات أثارها المخالفون لدعوة نبينا صلى الله عليه وسلم التي كان الإمام المجدد داعيا إليها مجتهدا في نشرها.
    الوسيلة السادسة: رفع راية الجهاد في وجوه أهل الشقاق والعناد:

    وهذه الوسيلة من أعظم الوسائل التي اتخذها، وقام الإمام المجدد أحسن قيام بها؛ حيث اتَّبَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ولم يخالف سنته صلى الله عليه وسلم فيها؛ لا في غايتها، ولا في طريقتها، ولا في دوافعها ودواعيها، ولذلك أثمرت ثمارها، وحققت مقاصدها، بحمد الله ونعمته على عباده الذين رفعوا راية الجهاد في سبيله؛ وإلى البيان والله المستعان:
    أولا: كانت الغاية من إعلان الجهاد في سبيل الله: هو إعلاء كلمة التوحيد، وتطهير البلاد من الشرك والتنديد، ورد الناس إلى دين الإسلام الذي بعث به النبي عليه الصلاة والسلام.
    ثانيا: أن الإمام -رحمه الله- لم يعلن الجهاد في سبيله إلا على من حاربه، وحارب دين الله الذي يدعو إليه، وناصر الشرك الذي كان الناس عليه.
    ثالثا: أن الإمام المجدد -رحمه الله- لم يجاهد إلا تحت راية إمام مسلم، وحاكم ينصر دين النبي صلى الله عليه وسلم، فكان متبعا للنبي في قتاله، عاملا بوصيته الثابتة عنه؛ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:" إِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَلَ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ" رواه البخاري ومسلم وغيرهما. ومن درس سيرته رحمه الله علم أنه لم يكن ممن يفتات على الولاة والسلاطين فيقوم بما هو من مسؤولياتهم ويدخل تحت ولايتهم ولذلك لم يقم بهدم القباب إلا بإذن ولاة الأمر وبإعانة منهم وتحت سلطانهم ورعايتهم كما تقدم.
    - قال الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ في كتابه "مشاهير علماء نجد" في ترجمته للإمام المجدد ص30-31:" فأخذ الشيخ -رحمه الله- يكاتب الناس وهو مقيم في الدرعية وعلى الأخص الرؤساء والعلماء يوضح لهم معنى الإسلام وحقيقة التوحيد ويحضهم على إتباع شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويأمرهم بنبذ البدع والإشراك والإقلاع عن أخذ الرشا وأكل السحت وأخذ يزيل ما وقع في نفوسهم وقام بها من الشبهات وذلك عن طريق المراسلات والمكاتبات، فمنهم من قبل من الشيخ ودان له بدعوة الإسلام الصحيح والدين فثاب إلى الرشد وهجر البدع وتخلى عن عبادة الأوثان والأصنام ومنهم من استكبر وأبى وألب وعادى وأفتى بحل دم الشيخ ودم إخوانه الموحدين وأنصاره ووجوب غزوهم في أرضهم وعقر دارهم.
    فعند ذلك أمر الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالجهاد دفاعاً عن النفس والأهل والمال، ورداً لعادية الشرك وطغيان الضلال، فحينئذ شمر الإمام محمد بن سعود ابن محمد بن مقرن عن ساعد الجد ولبى نداء الواجب واستجاب لداعي الجهاد فحمل علم الإسلام ورفع راية التوحيد فأخذ يغزو أنصار الشرك ويجاهد أحزاب الضلال إحدى وعشرين سنة فما ضعف ولا استكان فأعز الله به الدين وأظهر به دعوة الإسلام والتوحيد فأبصر أهل نجد طريق الخير والرشد، ورجعوا عن الغي ودخلوا في دين الله أفواجا، فأصبحوا بفضل الله ثم بفضل هذه الدعوة والجهاد المقدس بعد أن كانوا أحزابا متفرقين وأعداء متقاطعين إخوانا متآلفين تجمعهم كلمة لا اله إلا الله محمد رسول الله تحت راية الإسلام الصحيح ولواء التوحيد المطهر، فصاروا بعد ذلك مضرب المثل والوفاء والاستقامة والدين وبعد ذلك استأثر الله بالإمام المجاهد العظيم محمد بن سعود بن محمد بن مقرن فتوفاه سنة ألف ومائة وتسع وسبعين من الهجرة فقام بعده في الإمامة وخلفه في مؤازرة الشيخ محمد ومناصرته ابنه الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود فسار سير والده في الدفاع عن الإسلام وحماية الدعوة ومتابعة الجهاد والغزو، ففتح الله عليه الرياض وخرج منه ابن دواس هاربا خائفا لا يلوي على أحد فدخله الإمام عبد العزيز واستولى عليه رحمه الله وملكه وذلك سنة ألف ومائة وسبع وثمانين من الهجرة، وبعد هذا الفتح دانت له نجد كلها واتسع ملكه إلى ما ورائها فملك الأحساء والقطيف و الزبارة وملك تهامة وما يليها من اليمن والحجاز ما عدا الحرمين الشريفين، فأقام العدل رحمه الله تعالى في ربوع هذه الولايات كلها وأقر الأمن فيها ورجع بأهلها إلى الإسلام الصحيح الذي يأمر بعبودية الله وحده وينهي نهياً باتاً عن اتخاذ الوسائط والشفعاء".
    - قال العلامة الفوزان حفظه الله في مقدمة كتابه " إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" ج1 ص6:"فكتب الله له النصر، ولدعوته الامتداد والانتشار؛ نتيجة لجهاد الإمامين: محمد بن عبد الوهاب، ومحمد بن سعود- هذا بالحجة واللسان، وهذا بالسيف والسنان، وهكذا إذا اجتمع كتاب الله وسيف الجهاد انتصر الحق واندحر الباطل، قال تعالى:" لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)" سورة الحديد.
    ولقد صدق الشاعر حيث يقول:
    فَمَا هُوَ إِلاَّ الْوَحْيُ أَوْ حَدُّ مُرْهَفٍ ... تُمِيلُ ظُبَاهُ أَخْدعَيْ كُلِّ مَائِلِ
    فَهَذَا دَوَاءُ الدَّاءِ مِنْ كُلِّ عَالِمٍ ... وهَذَا دَواءُ الدَّاءِ من كلّ جَاهِلِ[23]
    وما هي إلا فترة وجيزة حتى دانت العباد والبلاد لدعوة الحق، واستقامت فيها عقيدة التّوحيد، وامتد خيرها عبر الزمان والمكان إلى البلاد البعيدة والأجيال اللاحقة، فلا يزال صداها يتردد، وخيرها يتجدد" اهـ.
    والخلاصة:

    أن الإمام المجدد -رحمه الله- إنما أطلق عليه لقب المجدد لأنه كان كما تقدم مميزا في علمه، ودعوته، وآثاره التي أثمترها دعوته:
    1- فكان مميزا في علمه الذي لم يخرج عن كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف الصالحين والعلماء المعتبرين، فكان يتبع ولا يبتدع ويقتدي ولا يبتدي، وحياته كلها دليل على شدة متابعته للنبي صلى الله عليه وسلم ليس في جملتها وإنما حتى في تفاصيلها؛ ومن أمثلة هذه المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم أنه لما لقي الأمير محمد بن سعود -رحمه الله- وبين له "حقيقة الإسلام والإيمان وأخبره ببطلان ما عليه أهل نجد من عبادة الأوثان والأصنام والأشجار قال له: يا شيخ لا شك عندي أن ما دعوت إليه أنه دين الله الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه وأن ما عليه اليوم أهل نجد من هذه العبادات الباطلة هو كما ذكرت نفس ما كان عليه المشركون الأولون من الكفر بالله والإشراك فأبشر بنصرتك وحمايتك والقيام بدعوتك، ولكن أريد أن أشترط عليك شرطين نحن إذا قمنا بنصرتك وجاهدنا معك ودان أهل نجد بالإسلام وقبلوا دعوة التوحيد أخاف أن ترتحل عنا وتستبدل بنا غيرنا، والثاني أن لي على أهل الدرعية قانونا آخذه منهم وقت حصاد الثمار، وأخاف أن تقول لا تأخذ منهم شيئاً. فقال الشيخ أما الشرط الأول فابسط يدك أعاهدك الدم بالدم والهدم بالهدم"[24] قلت فحتى هذه الكلمة التي قالها الإمام المجدد للإمام ابن سعود وهي "الدم بالدم والهدم بالهدم" فقد كان مقتديا فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم، إذ شابهت هذه الواقعة واقعة جرت للنبي صلى الله عليه وسلم فأجاب فيها نبينا صلى الله عليه وسلم بهذا الجواب الذي قاله الإمام محمد بن عبد الوهاب وهو مما يدل على شدة متابعته له واقتدائه به، والواقعة هي: ما رواه الطبراني في المعجم الكبير: عَنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، قَالَ: وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الْعَقَبَةِ أَبُو الْهَيْثَمِ بن التَّيْهَانِ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ حِبَالا، وَالْحِبَالُ: الْحَلِفُ، وَالْمَوَاثِيقُ، فَلَعَلَّنَا نَقْطَعُهَا، ثُمَّ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ وَقَدْ قَطَعْنَا الْحِبَالَ، وَحَارَبْنَا النَّاسَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ، وَقَالَ:" الدَّمُ الدَّمُ، الْهَدْمُ الْهَدْمُ"، فَلَمَّا رَضِيَ أَبُو الْهَيْثَمِ بِمَا رَجَعَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ قَوْلِهِ أَقْبَلَ عَلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ، هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَشْهَدُ أَنَّهُ لَصَادِقٌ، وَإِنَّهُ الْيَوْمَ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَأَمْنِهِ وَبَيْنَ ظَهْرَيْ قَوْمِهِ وَعَشِيرَتِهِ، فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنْ تُخْرِجُوهُ بَرَتْكُمُ الْعَرَبُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ طَابَتْ أَنْفُسُكُمْ بِالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَذَهَابِ الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ، فَادْعُوهُ إِلَى أَرْضِكُمْ، فَإِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا، وَإِنْ خِفْتُمْ خِذْلانًا فَمَنَ الآنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَبِلْنَا عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ مَا أَعْطَانَا، وَقَدْ أَعْطَيْنَاكَ مِنْ أَنْفُسِنَا الَّذِي سَأَلْتَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَخَلِّ بَيْنَنَا يَا أَبَا الْهَيْثَمِ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلْنُبَايعْهُ، فَقَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ بَايَعَ، ثُمَّ تَبَايَعُوا كُلُّهُمْ، وَصَاحَ الشَّيْطَانُ مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَذِهِ الْخَزْرَجُ، وَالأَوْسُ تُحَالِفُ مُحَمَّدًا عَلَى قِتَالِكُمْ، فَفَزِعُوا عِنْدَ ذَلِكَ وَرَاعَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لا يَرُعْكُمْ هَذَا الصَّوْتُ، فَإِنَّمَا هُوَ عَدُوُّ اللَّهِ إِبْلِيسُ، لَيْسَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ مِمَّنْ تَخَافُونَ"، وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَرَخَ بِالشَّيْطَانِ، فَقَالَ:" يَا ابْنَ أَرَبٍ، هَذَا عَمَلُكَ فَسَأَفْرُغُ لَكَ"[25].
    ثم اعلم -رحمك الله- أن هذه الواقعة ليست هي الواقعة الوحيدة التي وقعت للإمام المجدد وكان فيها شبها لما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم بل لها مثيلات وهذا من عجيب أمر دعوته -رحمه الله- ومنها على سبيل التمثيل لا الحصر:
    - قال الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ في كتابه "مشاهير علماء نجد" في ترجمته للإمام المجدد ص25-26:" وبعد هذا أتت امرأة إلى الشيخ واعترفت عنده بما يوجب الرجم وتكرر منها الاعتراف والإقرار، فسأل عنها فوجدها صحيحة القوى كاملة العقل، فلقنها الشيخ الإكراه فأقرت واعترفت فأمر عليها فرجمت، فلما حصل ذلك وشاع وتناقلته الأخبار انزعج ولاة السوء من المترفين وعلماء الضلال وهالهم محو ما ألفوه من المعابد والأوثان وإقامة ما عطلوه من الحدود الشرعية فشنعوا على الشيخ ورموه بالزور والبهتان ففند أقوالهم وأدحض حججهم بأدلة قاطعة من السنة والقرآن".
    وهذه الواقعة تدل على أمور يجدر التنبيه عليها:
    الأول: كثرة الوقائع التي وقعت للإمام المجدد وتشابهها مع وقائع وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم.
    الثاني: تصرفه فيها بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لا يخرم منها شيئا، ولا يحدث في التعامل معها أمرا، وهذا مما يدل على شدة اقتدائه بنبينا صلى الله عليه وسلم ومتابعته له.
    الثالث: انتشار دعوته واستجابة الناس لها، وتبدّل حالهم بسببها؛ من شرك كانوا عليه إلى توحيد صاروا إليه، ومن بدعة إلى سنة، ومن معصية إلى إقبال وطاعة؛ حتى وصل الأمر بأن تعرض المرأة نفسها على الإمام ليطهرها، كما وقع للغامدية في زمن نبينا عليه الصلاة والسلام، ولو لا قوة الإيمان، واليقين فيما عند ربنا الرحمن؛ لما تعرضت مثل هذه المرأة للهلاك طيبة به نفسها، راضية بقضاء الله على مثلها، فهذه ثمار هذه الدعوة المباركة، ولذلك وصفه علماؤنا بالمجدد لدعوة نبينا صلى الله عليه وسلم.
    2- وكان مميزا في دعوته، إذ لم يخرج فيها عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم التي تنكبها من كان في زمنه، لجهلهم بها، وعدم معرفتهم بحقيقتها، بل لم يخرج عن دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم حتى في وسائلها، وقد تقدم ذكرها والكلام عليها، وهذه من حكمته في دعوته، فكل تلكم الوسائل التي استخدمها لو أمعنت النظر فيها لوجدتها هي: وسائل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي طرق النبي عليه الصلاة والسلام، من الدعوة باللسان، والجهاد بالسيف والسنان، وإعداد دعاة يبعثهم في بقاع الأرض للدعوة إلى الله وتوحيده، وغيرها مما تقدم ذكره، إلا أن طريقة التأليف لم تكن من طرق رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يكن كاتبا، ولكنه استعملها من خلال غيره، فكان له أصحاب عرفوا بكتبة الوحي، والذين كتبوا أساس دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم وهو القرآن الكريم، زيادة على حفظهم له في صدورهم، مع السنة التي أذن لبعضهم أن يدون بعضها، ويكتب جملة منها، مع ما كان معروفا عنه من مراسلة الملوك والأمراء والرؤساء في زمنه عليه الصلاة والسلام يبعث إليهم بهذه الدعوة المباركة.
    فإذا نظرت إلى وسائل الإمام المجدد -عليه رحمة الله تعالى- التي سلكها واتخذها وجدتها هي وسائل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو رجل –كما تقدم- متبع غير مبتدع، فالإمام المجدد -عليه رحمة الله تعالى- كان رجلا متبعا في دعوته وفي الوسائل والطرائق التي يسلكها ولذلك نفع الله به نفعا عظيما عليه رحمة الله تعالى.
    3- كما كان مميزا في الآثار التي أثمرتها دعوته، وأنتجها جدُّه واجتهادُه بعد توفيق الله له، كما تقدم بيانها والتنصيص عليها.
    فإذا علم هذا عرفنا طريقة أهل العلم في تعيين المجدد، ومن يستحق أن يلقب بهذا اللقب المحدد، فليس كل من برَّزَ في علم من العلوم، أو فن من الفنون، أو فاق أقرانه وتفوق على معاصريه في شيء من علوم الدين، يستحق أن يُعَدَّ من المجددين، وإنما يُنظر إلى علومه ودعوته وما هي آثاره في الدعوة إلى الله، وفي أهل زمنه الذين انبرى لدعوتهم إلى الله؛ وهل كان سببا في إحياء الدعوة ولو إلى جانب من جوانبها التي أمات الناس ذكرها، والعمل بها، واستبدلوها بما يخالفها ويناقضها، وهل تبدلت حياةُ الناس أو نظرةُ الكثير منهم ومعارفُهم وفهومُهم بسبب ما قام به واجتهد فيه؟ فهذه بعض معالم التجديد التي يحكم من خلالها علماؤنا، ويؤسس عليها أقوالهم وأحكامهم أئمتنا.
    تنبيهات:
    التنبيه الأول:

    كل هذه الضوابط التي تقدم ذكرها، والشروط التي تَمَّ التركيز في البحث عليها، لا تخرج عن كلام علماء الإسلام، وشراح حديث نبينا الكرام، الذين تعرضوا للكلام على الحديث المتقدم، ببيان بعض ما يستنبط منه ويفهم؛ وإليك البيان والله المستعان:
    1- أوصاف المجدد التي يتميز بها عن غيره والتي تجعله مجددا دونهم، ومنها يعلم معنى التجديد:

    - فمن مميزاته والدلائل عليه والشروط التي يجب أن تتوفر فيه: أنه لا تنقضي المائة إلا وهو عالم مشهور بين أقرانه وأهل زمنه يشار -بالعلم والنبوغ فيه- إليه:
    - قال ابن الأثير في "جامع الأصول" ج11 ص321:" لكن الذي ينبغي أن يكون المبعوث على رأس المائة: رجلاً مشهوراً معروفاً، مشاراً إليه في كل فن من هذه الفنون، فإذا حُمِلَ تأويل الحديث على هذا الوجه كان أولى، وأبعدَ من التهمة، وأشبه بالحكمة".
    - قال العظيم آبادي في "عون المعبود" ج11 ص386:" (تَنْبِيهٌ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ رَأْسِ الْمِائَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ آخِرُهَا".
    - قال العظيم آبادي في "عون المعبود" ج11 ص386-387:" قَالَ فِي "مَجْمَعِ الْبِحَارِ": وَالْمُرَادُ مَنِ انْقَضَتِ الْمِائَةُ وَهُوَ حَيٌّ عَالِمٌ مَشْهُورٌ. انْتَهَى
    وَقَالَ الطِّيبِيُّ:" الْمُرَادُ بِالْبَعْثِ مَنِ انْقَضَتِ الْمِائَةُ وَهُوَ حَيٌّ عَالِمٌ يُشَارُ إِلَيْهِ" كَذَا فِي مُقَدِّمَةِ "فَتْحِ الْقَدِيرِ" لِلْمُنَاوِيِّ وَخُلَاصَةِ الْأَثَرِ لِلْمُحِبِّيِّ.
    وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قَصِيدَتِهِ فِي الْمُجَدِّدِينَ:
    وَالشَّرْطُ فِي ذَلِكَ أَنْ تَمْضِيَ الْمِائَةْ وَهُوَ عَلَى حَيَاتِهِ بَيْنَ الْفِئَةْ
    يُشَارُ بِالْعِلْمِ إِلَى مَقَامِهِ وَيَنْشُرُ السُّنَّةَ فِي كَلَامِهِ
    وَقَالَ في "مرقاة الصعود" نقلا عن بن الْأَثِيرِ: وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ مَنِ انْقَضَتِ الْمِائَةُ وَهُوَ حَيٌّ مَعْلُومٌ مَشْهُورٌ مُشَارٌ إِلَيْهِ. انْتَهَى....
    إلى أن قال في ج11 ص390-391:" ثُمَّ رَأَيْتُ الطِّيبِيَّ قَالَ الْمُرَادُ بِالْبَعْثِ مَنِ انْقَضَتِ الْمِائَةُ وَهُوَ حَيٌّ عَالِمٌ مَشْهُورٌ مُشَارٌ إِلَيْهِ.
    - قال العظيم آبادي في "عون المعبود" ج11 ص389-390:" ثُمَّ اعْلَمْ أن بن الْأَثِيرِ وَالطِّيبِيَّ وَغَيْرَهُمَا زَعَمُوا أَنَّ الْمُجَدِّدَ هُوَ الَّذِي انْقَضَتِ الْمِائَةُ وَهُوَ حَيٌّ مَعْلُومٌ مَشْهُورٌ مشار إليه فجعلوا حَيَاةَ الْمُجَدِّدِ وَبَقَاءَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمِائَةِ شَرْطًا لَهُ فَعَلَى هَذَا مَنْ كَانَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ أَيْ آخِرِهَا وَوُجِدَ فِيهِ جَمِيعُ أَوْصَافِ الْمُجَدِّدِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمِائَةِ بَلْ تُوُفِّيَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الْمَوْجُودَةِ قَبْلَ الْمِائَةِ الْآتِيَةِ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ مَثَلًا لَا يَكُونُ مُجَدِّدًا لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِي عَلَى هَذَا الِاشْتِرَاطِ دَلِيلٌ".
    - قال العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله ورعاه في شرحه على سنن أبي داود (المكتبة الشملة):" المجددون يتميزون ويبرزون ويتقدمون ويتفوقون على غيرهم، ويشار إليهم بالبنان بتفوقهم".
    تنبيه مهم: وقيد برأس المائة وهو آخرها دون أولها وأوسطها لأن آخرها هو مظنة انْخِرَامِ عُلَمَائِهِ غَالِبًا وَظُهُورُ الْبِدَعِ وَخُرُوجِ الدَّجَّالِينَ[26].
    - ومن مميزاته والدلائل عليه والشروط التي يجب أن تتوفر فيه:تأهله للتصدي لنفع الأنام وانتصابه لنشر العلم بين الخاص والعام:
    - قال العظيم آبادي في "عون المعبود" ج11 ص390:" وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ "فَتْحِ الْقَدِيرِ":.... أَنَّ الْبَعْثَ وَهُوَ الْإِرْسَالُ .... وَمَعْنَى إِرْسَالُ الْعَالِمِ تَأَهُّلُهُ لِلتَّصَدِّي لِنَفْعِ الْأَنَامِ وَانْتِصَابِهِ لِنَشْرِ الْأَحْكَامِ.
    - ومن مميزاته والدلائل عليه والشروط التي يجب أن تتوفر فيه:
    - أولا: أن يكون متميزا عن غيرهبارزا في فنه باذلا للعلم مفيدا لغيره:
    - قال العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله ورعاه في شرحه على سنن أبي داود (المكتبة الشملة):" المجددون يتميزون ويبرزون ويتقدمون ويتفوقون على غيرهم، ويشار إليهم بالبنان بتفوقهم، ويرجع الناس إليهم لكثرة علمهم وبذلهم العلم وإفادتهم لغيرهم، ومعلوم أنهم في كل زمان قليلون، وإن كان المشتغلون بالعلم كثيرين، فإن التميز على الغير لا يتحقق لكل أحد...فالذين يتميزون قليلون بالنسبة لغيرهم، وإن كان الخير كثيراً، والمشتغلون بالعلم كثيرين، ولكن الذين لهم تميز على غيرهم ليسوا بكثيرين".
    - ثانيا: أن يكون عالما يَظهرُ العِلْمُ على يديه ويكثر، ويعمُّ الأمَّة في زمنه وينتشر، ويقوم ببيان السنة ونصرة أهلها، وتمييز البدعة عنها وإذلال أهلها:
    - قال العظيم آبادي في "عون المعبود" ج11 ص386:" (مَنْ يُجَدِّدْ) مَفْعُولُ يَبْعَثُ (لَهَا) أَيْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ (دِينَهَا) أَيْ يُبَيِّنَ السُّنَّةَ مِنَ الْبِدْعَةِ وَيُكْثِرُ الْعِلْمَ وَيَنْصُرُ أَهْلَهُ وَيَكْسِرُ أَهْلَ الْبِدْعَةِ وَيُذِلَّهُمْ قَالُوا وَلَا يَكُونُ إِلَّا عَالِمًا بِالْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ".
    - قال العظيم آبادي في "عون المعبود" ج11 ص391:" وَقَالَ فِيهِ (أي في "مجالس الأبرار" المتقدم ذكره): وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ الْمُجَدِّدُ إِلَّا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ مِمَّنْ عَاصَرَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِقَرَائِنِ أَحْوَالِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِعِلْمِهِ إِذِ الْمُجَدِّدُ لِلدِّينِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ نَاصِرًا لِلسُّنَّةِ قَامِعًا لِلْبِدْعَةِ وَأَنْ يَعُمَّ عِلْمُهُ أَهْلَ زَمَانِهِ وَإِنَّمَا كَانَ التَّجْدِيدُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ لِانْخِرَامِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ غَالِبًا وَانْدِرَاسِ السُّنَنِ وَظُهُورِ الْبِدَعِ فَيُحْتَاجُ حِينَئِذٍ إِلَى تَجْدِيدِ الدِّينِ فَيَأْتِي اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْخَلْقِ بِعِوَضٍ مِنَ السَّلَفِ إما واحدا أو متعددا. انتهى.
    وقال القاري فِي "الْمِرْقَاةِ": أَيْ يُبَيِّنُ السُّنَّةَ مِنَ الْبِدْعَةِ وَيُكْثِرُ الْعِلْمَ وَيُعِزُّ أَهْلَهُ وَيَقْمَعُ الْبِدْعَةَ وَيَكْسِرُ أَهْلَهَا. انتهى.
    - قال العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله ورعاه في شرحه على سنن أبي داود (المكتبة الشاملة):" وأورد أبو داود بعد ذلك باباً في قرن المائة، يعني ما جاءت به السنة من بيان أن الدين يكون تجديده على رأس كل مائة سنة، وأن الله يهيئ لهذه الأمة من يجدد لها دينها، وذلك ببيان الحق، ودفع الباطل، ونصر الحق وأهله، والدفاع عن السنة وأهلها. وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) أي: أن الله يهيئ العلماء والولاة الذين يقومون بإظهار الحق ونشره وبيانه، ودحض الباطل والقضاء عليه.
    - ثالثا: ليس يبين السنة ويقمع البدعة وفقط بل يحيي ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة ويميت البدع المنتشرة:
    - قال العظيم آبادي في "عون المعبود" ج11 ص386:" وَقَالَ الْعَلْقَمِيُّ فِي شَرْحِهِ: مَعْنَى التَّجْدِيدِ إِحْيَاءُ مَا انْدَرَسَ مِنَ الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَمْرُ بِمُقْتَضَاهُمَا.....
    - قال العظيم آبادي في "عون المعبود" ج11 ص391:" قَدْ عَرَفْتَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ التَّجْدِيدِ إِحْيَاءُ مَا اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما وَإِمَاتَةُ مَا ظَهَرَ مِنَ الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ قَالَ فِي "مَجَالِسِ الْأَبْرَارِ": وَالْمُرَادُ مِنْ تَجْدِيدِ الدِّينِ لِلْأُمَّةِ إِحْيَاءُ مَا انْدَرَسَ مِنَ الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَمْرُ بِمُقْتَضَاهُمَا".
    - قال العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله ورعاه في شرحه على سنن أبي داود (المكتبة الشاملة):" والمقصود بذلك تجديد ما اندرس من الدين، وإلا فإن الدين وافٍ وكامل، فالمقصود تجديد ما اندرس منه بسبب ما حصل من فتن وضلالات وانحراف عن الجادة، فيهيئ الله من أهل العلم من يقوم ببيان الحق ونصرته والذب عنه، ومن يقوم ببيان الباطل والتحذير منه وبيان ضرره وخطره، وهذا من فضل الله عز وجل على هذه الأمة أن يهيئ لها من يقوم بنصرة الدين، فلا يمضي قرن من القرون إلا ويهيئ الله من يقوم بنصرة الدين، وهذا يدل على أن الأرض لا تخلو لله من قائم بحجته، وأن هذا الدين منصور وأهله منصورون، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله)".
    - ومن مميزاته والدلائل عليه والشروط التي يجب أن تتوفر فيه:أن يكون عالما بالكتاب والسنة، سالما من الانحراف في العقيدة منزها عن مخالفة السنة والعدول عنها متمسكا بها داعيا إليها:
    - قال العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله ورعاه في شرحه على سنن أبي داود (المكتبة الشاملة):" ولا شك أن المجددين موجودون، وهم على علم بالكتاب والسنة، وعلى بصيرة بالحق والهدى، وليس عندهم انحراف في العقيدة ولا في مخالفة السنة والعدول عنها، فهم متمسكون بها وداعون إليها.
    - قلت: ومما يدل على أن العلماء كانوا يعتمدون هذه الأوصاف لِعَدِّ العالم من المجددين لدين النبي الأمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم الآتي:
    - قال العظيم آبادي في "عون المعبود" ج11 ص387:" وَمِنْ طَرِيقِ أَبَى سَعِيدٍ الْفِرْيَابِيِّ قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِنَّ اللَّهَ يُقَيِّضُ لِلنَّاسِ فِي كُلِّ رَأْسِ مِائَةٍ مَنْ يُعَلِّمُ الناس السنن وينفي عن النبي الْكَذِبَ فَنَظَرْنَا فَإِذَا فِي رَأْسِ الْمِائَةِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَفِي رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ الشَّافِعِيُّ....
    - قال العظيم آبادي في "عون المعبود" ج11 ص388:" قَالَ وَقَالَ الْحَاكِمُ سَمِعْتُ أَبَا الْوَلِيدِ حَسَّانَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهَ يَقُولُ غَيْرَ مَرَّةٍ سَمِعْتُ شَيْخًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ لِأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْحٍ يَقُولُ أَبْشِرْ أَيُّهَا الْقَاضِي فَإِنَّ اللَّهَ مَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ فَأَظْهَرَ كُلَّ سُنَّةٍ وَأَمَاتَ كُلَّ بِدْعَةٍ وَمَنَّ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ بِالشَّافِعِيِّ حَتَّى أَظْهَرَ السُّنَّةَ وَأَخْفَى الْبِدْعَةَ، ومَنَّ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ الثَّلَاثمِائَةِ بِكَ[27].
    - تنبيه مهم: وكل ما تقدم هي شروط في المجدد لابد من اجتماعها، والعلم والشهرة لا تكفي لوحدها:
    - قال العظيم آبادي في "عون المعبود" ج11 ص391-392:" فَظَهَرَ أَنَّ الْمُجَدِّدَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَنْ كَانَ عَالِمًا بِالْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ مَنْ كَانَ عَزْمُهُ وَهِمَّتُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِحْيَاءَ السُّنَنِ وَنَشْرَهَا وَنَصْرَ صَاحِبِهَا، وَإِمَاتَةَ الْبِدَعِ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ وَمَحْوَهَا وَكَسْرَ أَهْلِهَا؛ بِاللِّسَانِ أَوْ تَصْنِيفِ الْكُتُبِ وَالتَّدْرِيسِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَمَنْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ مُجَدِّدًا الْبَتَّةَ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْعُلُومِ، مَشْهُورًا بَيْنَ النَّاسِ مَرْجِعًا لَهُمْ.
    - قال العظيم آبادي في "عون المعبود" ج11 ص391:" وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ قَدْ كَانَ قُبَيْلَ كُلِّ مِائَةٍ أَيْضًا مَنْ يُصَحِّحُ وَيَقُومُ بِأَمْرِ الدِّينِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَنِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَهُوَ حَيٌّ عَالِمٌ مُشَارٌ إِلَيْهِ.
    وَلَمَّا كَانَ رُبَّمَا يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ مِنْ تَخْصِيصِ الْبَعْثِ بِرَأْسِ الْقَرْنِ أَنَّ الْعَالِمَ بِالْحُجَّةِ لَا يُوجَدُ إِلَّا عِنْدَهُ أَرْدَفَ ذَلِكَ بِمَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ الْمَبْعُوثِ عَلَى الرَّأْسِ وَأَنَّ تَخْصِيصَ الرَّأْسِ إِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةُ انْخِرَامِ عُلَمَائِهِ غَالِبًا وَظُهُورُ الْبِدَعِ وَخُرُوجِ الدَّجَّالِينَ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
    وخلاصة الشروط التي اشترطوها وركزوا عليها هي:
    الشرط الأول: أن تنقضي المدَّة وهي رأس المائة السنة[28] أي آخرها وهو حي موجود وعالم مشهور يشار إليه بالبنان ويعرف قدره علماء الإسلام.
    الشرط الثاني: أن يحيي الدعوة للكتاب والسنة والعمل بهما ويجتهد في ذلك غاية الاجتهاد ويبذل فيه قصارى ما يستطيعه بين العباد.
    الشرط الثالث: أن ينصر السنة وأهلها ويقمع البدعة وذويها.
    الشرط الرابع: أن يكون عالما بالكتاب والسنة، سالما من الانحراف في العقيدة منزها عن مخالفة السنة والعدول عنها متمسكا بها داعيا إليها.
    2- كيف يعلم المجدد في عصر من العصور ومن يعينه وعلى ماذا يكون اعتماده:

    - قال العظيم آبادي في "عون المعبود" ج11 ص391:" قَالَ فِي مَجَالِسِ الْأَبْرَارِ وَالْمُرَادُ مِنْ تَجْدِيدِ الدِّينِ لِلْأُمَّةِ إِحْيَاءُ مَا انْدَرَسَ مِنَ الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَمْرَ بِمُقْتَضَاهُمَا وَقَالَ فِيهِ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ الْمُجَدِّدُ إِلَّا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ مِمَّنْ عَاصَرَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِقَرَائِنِ أَحْوَالِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِعِلْمِهِ إِذِ الْمُجَدِّدُ لِلدِّينِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ ...".
    فائدة جليلة:وليس كل من وصف بالتجديد -ولو من أهل العلم- يكون مجددا؛ ما لم تتوفر فيه الشروط المعتبرة، والأوصاف الظاهرة، ومما يدل على هذا أن كثيرا ممن عُدُّوا من المجددين، وعُيِّنُوا من قبل بعض الشراح والمصنفين -في المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين- لا يمكن أن يكونوا منهم مع مكانتهم في العلم أو شهرتهم، ولهذا الغلط في تعيين لمجدد أسباب عدة كالموافقة في المذهب والمشرب، أو الميل والهوى، أو التسامح الذي لا يخفى:
    - قال ابن الأثير في "جامع الأصول" ج11 ص320:" (من يجدِّدُ لها دينَها) قد تكلَّم العلماءُ في تأويل هذا الحديث، كُلُّ واحد في زمانه، وأشاروا إلى القائم الذي يجدِّد للناس دينَهم على رأس كلِّ مائةِ سنةٍ، وكأنَّ كل قائل قد مال إلى مذهبه وحمل تأويل الحديث عليه، والأولى أن يحمل الحديث على العموم".
    - قال العظيم آبادي في "عون المعبود" ج11 ص391-392:" فَظَهَرَ أَنَّ الْمُجَدِّدَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَنْ كَانَ عَالِمًا بِالْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ مَنْ كَانَ عَزْمُهُ وَهِمَّتُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِحْيَاءَ السُّنَنِ وَنَشْرَهَا وَنَصْرَ صَاحِبِهَا وَإِمَاتَةَ الْبِدَعَ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ وَمَحْوَهَا كَسْرَ أَهْلِهَا بِاللِّسَانِ أَوْ تَصْنِيفِ الْكُتُبِ وَالتَّدْرِيسِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَمَنْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ مُجَدِّدًا الْبَتَّةَ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْعُلُومِ مَشْهُورًا بَيْنَ النَّاسِ مَرْجِعًا لَهُمْ.
    فَالْعَجَبُ كُلَّ الْعَجَبِ مِنْ صَاحِبِ جَامِعِ الْأُصُولِ أَنَّهُ عَدَّ أَبَا جَعْفَرٍ الْإِمَامِيَّ الشِّيعِيَّ، وَالْمُرْتَضَى أَخَا الرِّضَا الْإِمَامِيَّ الشِّيعِيَّ، مِنَ الْمُجَدِّدِينَ حَيْثُ قَالَ الْحَدِيثُ إِشَارَةً إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَكَابِرِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةٍ فَفِي رَأْسِ الْأُولَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَنْ قَالَ وَعَلَى الثَّالِثَةِ تَقْتَدِرُ وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ الْحَنَفِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْإِمَامِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَعَلَى الرابعة القادر بالله وأبو حامد الإسفرائيني وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدٌ الْخُوَارِزْمِيُّ الْحَنَفِيُّ وَالْمُرْتَضَى أَخُو الرِّضَا الْإِمَامِيُّ... إِلَخْ.
    وَقَدْ ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدٌ طَاهِرُ فِي "مَجْمَعِ الْبِحَارِ" وَلَمْ يَتَعَرَّضْ بِذِكْرِ مسامحته ولم ينبه على خطائه.
    وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ عَدَّهُمَا مِنَ الْمُجَدِّدِينَ خَطَأٌ فَاحِشٌ وَغَلَطٌ بَيِّنٌ لِأَنَّ عُلَمَاءَ الشِّيعَةِ وَإِنْ وَصَلُوا إِلَى مَرْتَبَةِ الِاجْتِهَادِ وَبَلَغُوا أَقْصَى مَرَاتِبَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعُلُومِ وَاشْتَهَرُوا غَايَةَ الِاشْتِهَارِ لَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَأْهِلُونَ الْمُجَدِّدِيَّةَ.
    كَيْفَ وَهُمْ يُخَرِّبُونَ الدِّينَ فَكَيْفَ يُجَدِّدُونَ وَيُمِيتُونَ السُّنَنَ فَكَيْفَ يُحْيُونَهَا وَيُرَوِّجُونَ الْبِدَعَ فَكَيْفَ يَمْحُونَهَا وَلَيْسُوا إِلَّا مِنَ الْغَالِينَ الْمُبْطِلِينَ الْجَاهِلِينَ وَجُلُّ صِنَاعَتِهِمُ التَّحْرِيفُ وَالِانْتِحَالُ وَالتَّأْوِيلُ لَا تَجْدِيدُ الدِّينِ وَلَا إِحْيَاءُ مَا انْدَرَسَ مِنَ الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، هَدَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ.
    - قال العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله ورعاه في شرحه على سنن أبي داود (المكتبة الشاملة):" وليس كل من يُدعى أنه من المجددين يسلم له، وبعضهم لا شك أنه مسلم به مثل عمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى، والشافعي على رأس المائة الثانية، ولكن لا يسلم بكل من يُدعى أنه من المجددين، فإن بعض الناس يذكر مجددين على مشربه وعلى طريقته ولو كانوا من أهل البدع والانحراف، أو كانوا معروفين بعدم التوفيق للحق في باب أسماء الله وصفاته، وذلك من المشتغلين بعلم الكلام، فمثلاً أبو الأعلى المودودي له كتاب اسمه (المجددون في الإسلام) وجعل من المجددين الجويني و الرازي و الباقلاني! فهؤلاء هم المجددون عنده، ولم يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ولا ابن القيم ولا الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مع أنه لم يذكر المجددين في كل سنة، فقد ذكر المجددين في رأس المائة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، ثم انتقل إلى التاسعة والعاشرة والحادية عشرة والثانية عشرةَ والثالثة عشرة، ولا شك أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه مجدد في زمانه، وقد نفع الله به، وأظهر الله الحق على يديه، ولا تزال آثار دعوته ونصحه وتجديده لما درس من الدين موجودة، وقد مضى على موته أكثر من مائتين سنة. فالشيخ محمد بن عبد الوهاب وقبله شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم من أعلام الهدى، ومن أئمة الهدى، وممن أظهر الله بهم الحق، وقمع بهم البدع، ولا تزال آثارهم ماثلة وموجودة نراها ونشاهدها في تلك المؤلفات الواسعة التي فيها بيان الحق وتوضيحه، وقمع الباطل ودحضه. هذا ولا مانع من وجود أكثر من مجدد في رأس كل مائة سنة".
    - قال العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله ورعاه في شرحه على سنن أبي داود (المكتبة الشملة):" وأما من يقول: إن مجدد القرن الماضي هو حسن البنا و سيد قطب فهذا غير صحيح. وليس كل من أحيا سنة من السنن قد اندثرت ونسيت يعد مجدداً؛ لأنه قد يوجد في بلد من البلدان سنن اندثرت فيحييها عالم، ولا يقال: إنه هو المجدد الذي ينطبق عليه الحديث؛ لأن المجدد لا يكون مجدداً لمسألة واحدة أو لقضية واحدة اندثرت، وإنما المقصود أن يتميز بكثرة النفع وكثرة الخير والتبصير بالحق والهدى والتحذير من طرق ومسالك الردى".
    قلت: ومن نظر إلى هذه الشروط المتقدمة والتي ذكرها علماء الأمة وجدها متوفرة في الإمام المجدد كلها:
    فلم تنقضي المائة الثانية عشر إلا وهو عالم مشهور يشار إليه بالبنان إذ توفي رحمه الله في الدرعية سنة 1206 هجرية.
    كما أحيا الله به الدعوة للكتاب والسنة والعمل بهما واجتهد في ذلك غاية الاجتهاد وبذل فيه قصارى ما يستطيعه بين العباد.
    وهو من أعظم من نصر السنة وأهلها وقمع البدعة وذويها.
    وقد كان –كما لا يخفى- عالما بالكتاب والسنة، سالما من الانحراف في العقيدة، منزها عن مخالفة السنة والعدول عنها، متمسكا بها داعيا إليها.
    التنبيه الثاني:

    لعل الله -سبحانه وتعالى- يوفق للكلام على الأسباب والدواعي التي جعلت الإمام العلامة عبد العزيز بن باز -رحمه الله- وغيره يصفون الإمام الألباني -رحمه الله- بمجدد هذ العصر؛ بالكلام على علمه، ودعوته، وآثاره في إحياء الدعوة السلفية، وتقريب السنة من الأمة الإسلامية، وحربه للبدع والمحدثات، وخدمته لسنة خير البريات، وأثره على أهل السنة خصوصا، والأمة الإسلامية عموما، مع كثرة المبرزين في زمنه من أهل العلم، وكثرة عائدة دعوتهم على الناس بحسن العمل والفهم، إلا أنه اختير دونهم، وأفرد بهذا اللقب مع كثرتهم ونبوغهم وتميُّزهم.
    فالشروط السابقة كلها متوفرة فيه بارزة فيما علم عنه من حياته وآثاره:
    قال العلامة ربيع حفظه الله في مكالمة له مع الإمام الألباني رحمه الله منشورة ومشهورة: "ويا شيخنا، أنت والله.. أنا أدافع عنك أكثر مما أدافع عن نفسي ورب السماء والأرض ..." إلى أن قال:"... نعتبركم إمام السلفية".
    فقال الإمام الألباني رحمه الله:" الله يبارك فيك والله يحفظك هذا حسن ظن منك، وما أنا إلا طالب علم، وننشد الحق حيثما كان.
    فقال الشيخ ربيع حفظه الله: يا شيخ بارك الله فيكم لا يعرف الفضل إلا ذووه.
    فأجابه الإمام الألباني رحمه الله: هذا صحيح، وجزاك الله خيرا، وبارك فيك.
    فقال الشيخ ربيع حفظه الله: (الناس جميعا تفقهوا) في كتبكم، وعرفوا المنهج السلفي والاستقامة والتمسك بالكتاب والسنة والاعتدال إلى آخره بكتبكم.
    فأجاب الإمام الألباني رحمه الله بكل تواضع: ذلك الفضل من الله، إذا كان شيء من هذا فكله فضل من الله تبارك وتعالى، "وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ" سورة النحل من الآية 53.
    فهذه المكالمة تدل على إمامته وعظيم تأثيره في أهل زمنه وتجديده لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء فيها ذكر الشيخ العلامة ربيع حفظه الله لبعض الشروط المتقدمة.
    ولأجل توفر الشروط فيه رحمه الله صرح الشيخ ابن باز بأنه مجدد هذا العصر، وكذلك فعل العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله فعده مجددا لهذا العصر مع العلامة ابن باز والعلامة ابن عثيمين رحم الله الجميع:
    - قال العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله ورعاه في شرحه على سنن أبي داود (المكتبة الشملة):" المجددون يتميزون ويبرزون ويتقدمون ويتفوقون على غيرهم، ويشار إليهم بالبنان بتفوقهم، ويرجع الناس إليهم لكثرة علمهم وبذلهم العلم وإفادتهم لغيرهم، ومعلوم أنهم في كل زمان قليلون، وإن كان المشتغلون بالعلم كثيرين، فإن التميز على الغير لا يتحقق لكل أحد، فمثلاً شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه متميز في هذا الزمان عن غيره، ولا يبارى ولا يجارى في اشتغاله بالعلم والنصح وبذل العلم ونشره والحرص على الدعوة وهداية الخلق ودلالتهم على الصراط المستقيم، وكما تميز الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه في هذا الزمان تميز كذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمة الله عليه، والشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله عليه، فالذين يتميزون قليلون بالنسبة لغيرهم، وإن كان الخير كثيراً، والمشتغلون بالعلم كثيرين، ولكن الذين لهم تميز على غيرهم ليسوا بكثيرين. فهؤلاء الأئمة الثلاثة: ابن باز و ابن عثيمين و الألباني رحمهم الله يعتبرون مجددي هذا القرن، فهم خير من نعلم، وأعلم من نعلم من الموجودين في هذا الزمان، وقد ماتوا قبل سنتين رحمهم الله.
    التنبيه الثالث:

    لعله قد اتضح لكل منصف من خلال هذه المقالة عظيم جرم أولئك الجهلة والمجاهيل الذين أجمعوا على وصف المقدَّس فركوس بهذا الوصف، وتلقيبهم له بهذا اللقب؛ حيث تقدموا بين يدي علماء الأمة، وفقهاء الملة، كما تجرؤوا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدخلوا في معانيه ما يستحيل دخوله فيه، فالمقدَّس فركوس من أبعد الناس أن يكون من هؤلاء المجدِّدين، لأنه لا يملك المؤهلات التي تؤهله لهذه المنزلة الرفيعة، والمكانة السامية، فإن شكك مشكك في هذا الأمر قلنا له:
    أين هو تميزه؟ وما هي دعوته التي أقامها وأحيا الأمة بها؟ وأين آثاره التي تميز بها، وأحدث تغييرا في الدعوة السنية السلفية والأمة الإسلامية ببثه لها؟.
    وهذه إطلالة سريعة تفضح هؤلاء الجهلة والمجاهيل في وصفهم لمقدَّسهم بالمجدد، بل وتفضحه هو نفسه إذ أقرهم على وصفهم، وقَبِلَ هذه الجرأة العظيمة منهم:
    أولا: ما هي علومه التي تميز بها وفاق أقرانه فيها؟ أليس هو الضعيف في أعظم العلوم وأساسها؛ علم التوحيد والعقيدة، والأدلة على هذا الضعف كثيرة منها:
    - مخالفته للأصول السنية السلفية كمثل قوله بجواز الإنكار العلني على الحكام.
    - اعتماده على تعريفات الأشاعرة في بعض أمور العقيدة وهذه طامة عظيمة وفاقرة كبيرة.
    - عدم ضبطه لمسائل المعتقد ولذلك قد يمر عليه الخطأ العظيم في العقيدة ولا يتنبه له كمثل نقله لكلام ابن القيم رحمه الله:" والإلهية التي دعت الرسل أممهم إلى توحيد الرب بها هي العبادة والتأليه، ومن لوازمها: توحيد الربوبية الذى أقر به المشركون، فاحتج الله عليهم به، فإنه يلزم من الإقرار به الإقرار بتوحيد الإلهية". فجعل بدل قول ابن القيم رحمه الله "أقر به المشركون" لفظ "أمر به المشركون".
    وهذا الخطأ الذي وقع فيه وإن كان سببه نقله عن صاحب كتاب "الشرك في القديم والحديث" فهو صاحب الخطأ والوهم الأصلي، وهو دليل على السرقة قطعا؛ فهو نقلٌ للكلام بأخطائه، وهذا يدل على ضعفه في جانب العقيدة؛ إذ يشتمل المنقولُ على خلل عقدي، ففرق بين "أُمر" و"أقر"؛ فالأول يدل على أن الله أمر المشركين بتوحيد الربوبية ودعاهم إليه، والثاني يدل على أنهم أقروا به ولم ينكروه، والثاني هو: معتقد أهل الحق، والذي دل عليه كتاب الله ويقرره أهل السنة والجماعة.
    ولذلك صدق العلامة ربيع -حفظه الله- إذ وصفه بالضعف، وقال فيما مضى من الزمن وهو يتكلم عليه: كفاه عناية بالأصول عليه أن يعتني بالعقيدة والمنهج، وهذه الكلمات تدل على معرفة الشيخ ربيع –حفظه الله ورعاه- به وبالخلل الذي عنده.
    فائدة:مما أفادني به والدنا[29] وشيخنا أزهر سنيقرة حفظه الله أنه وفي زيارة من زياراته للعلامة ربيع -حفظه الله ورعاه- قدم له فيها ثلاث رسائل للمجدد (المزعوم)[30] وقال له: هذه هدايا الدكتور إليك فأخذ يقرأ عناوينها واحدا تلو الآخر ويقول: أصول أصول أصول ماذا سيأتي بجديد في الأصول؟" مشيرا إلى أنه ينبغي لأمثاله أن يركز على مسائل العقيدة والمنهج.
    أقول: وأنى له ذلك؟ ففاقد الشيء لا يعطيه.
    ثانيا: ما هي آثاره التي تميَّز بها عن غيره، ونفع الله بها أمَّة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وأحدثت تغييرا واضحا في الدعوة السلفية، والأمة الإسلامية؟
    فهل في كتبه ومصنفاته كتاب عَمَّ النفعُ به، واحتاج الناس إليه بحيث لا يمكنهم أن يستغنوا عنه؛ كمثل "كتاب التوحيد" للإمام المجدد الذي لم يسبق لمثله، ولا يستغني أحد من المسلمين عن مضمونه؟ فلو خلت المكتبة الإسلامية من كتب المقدس كلها لم يكن لذلك كبير أثر على طلبة العلم فضلا عن الأمة جميعها.
    وهل يمكنك أن تجد في كتب المقدَّس كتابا يمكن أن تنطبق عليه بعض هذه الأوصاف، فضلا عن كلها؟ اعلم أنك لن تجد لذلك سبيلا، وكيف يمكن ذلك والغالب عليها أنها مسروقة ومنتحلة، فأنى لها أن تكون بديعة مبتكرة، جديدة غير مسبوقة، تحيي الدعوة للسنة، وتنفع -بالعلم الذي حوته- الأمة؟.
    ثم هل يمكنك أن تجد فيها العناية بالعقيدة السلفية، وكتب دعوة التوحيد السنية، كما هو ديدن علمائنا وأئمتنا؟ أقول: لا وجود لهذا البتة، فهو ذو قطيعة عجيبة مع كتب أئمتنا، وانقطاع مريب عن مصنفات سلفنا، إذ لم يعرف عنه أنه اعتنى بشرح كتب أئمة الدعوة ككتب الإمام المجدد رحمه الله، ولا كتب من تقدمه مثل "الواسطية" و"التدمرية" و"الحموية" و"الطحاوية" فضلا عن كتب الأسلاف كـ"الإبانة" و"الشريعة" و"أصول السنة" وغيرها كثير.
    بل إن فَنَّهُ الذي يُزعم أنه تميز فيه، وفاق أقرانه في المعرفة به وضبطه، وهو: "أصول الفقه" لن تجد له فيه كتابا مبتكرا، ولو مصنفا صغيرا مختصرا، ولو أنه اعتنى بفنه، وحاول كتابة شيء ولو مختصر على طريقة أهل الحديث فيه، لنفع الله به، ولكان مما يمكن أن يقال قد جاء بما لم يسبق إليه، ولكن أنى لسارق لعلوم غيره أن يفعل، والسرقة هي طريقته والسطو عنده هو المعول؟
    ثالثا: ما هي آثار دعوته التي قام بها؟ هل كان سببا في معرفة أهل بلده -على الأقل- بدعوة التوحيد واستقامتهم عليها ورجوعهم إليها وتركهم للشرك الذي عَمّ البلاد وشاع فيها؟ ثم حتى من استقام على المنهج السلفي واتَّبَعَ الطريقَ السُنِّيَّ هل كان هو السبب فيه والدافع إليه؟ مما هو معلوم عند كل مطلع على حال الدعوة السلفية في الجزائر أن المؤثر الأكبر في معرفة أهلها للدعوة السلفية والاستقامة عليها هم علماء السنة -ولله الحمد والمنة- وعلى رأسهم الإمام الألباني رحمه الله، وعلماء المملكة رحم الله أمواتهم وحفظ الأحياء منهم؛ من أمثال العلامة ابن باز والعلامة العثيمين رحمهما الله والعلامة ربيع حفظه الله وغيرهم، بل حتى مشايخ الدعوة السلفية في الجزائر الذين كان لهم فيها بالغ الأثر، فهم ثمرة دعوة هؤلاء العلماء لأنهم إما درسوا في بلد التوحيد وأخذوا عنهم، أو تربوا على كتب وأشرطة ومجالس هؤلاء الأئمة المتقدم ذكرهم، وكم كان يردد الشيخ الوالد أزهر -حفظه الله ورعاه- ذكر أثر أشرطة الإمام الألباني في الشباب الجزائري، وأن الشريط كان إذا وصل إليهم، تداولوه فيما بينهم، وحاولوا الاستفادة منه جهدهم، ولو مع رداءة التسجيل أحيانا، إلا أنهم كانوا يحرصون على سماعها، وحسن الإفادة منها، فأين هي آثار دعوة المقدَّس؟ لم يكن له كبير أثر، فغالب من كان يَفِدُ عليه ليستفيد منه هم سلفيون أصالة، عارفون بالمنهج وأصوله وعقائده قبل اللقاء به أصلا.
    ولم يكن له تأثير يذكر في التسعينيات ولا ما بعدها، وكانت مجالسه كما هو معلوم لمن رآها قليلٌ حاضروها، أكثر السلفيين –بما فيهم غالب المتعصبة له اليوم- لم يطرقوها، ثم بعد تزكية الشيخ ربيع -حفظه الله- له بدأ عددهم يتكاثر، وزاد عدد الحاضرين له في الفتنة الأخيرة أكثر وأكثر، فكان من البديهي أن تظهر آثار دعوته فيهم لكثرة وفودهم عليه، ورجوعهم إليه، وثقتهم به، وأخذهم عنه، ولكنها لما ظهرت لم تكن كآثار علماء السنة التي تعود بالصلاح على العباد والبلاد، وإنما كانت على عكس ذلك تماما إذ لما أثر هو في بعضهم أفسدهم، ومن طريق السنة أخرجهم، وعلى العلماء الذين كانوا سبب هدايتهم ومعرفتهم بالسلفية قَلَبَهُم وأَلَّبهم، وأزال مكانتهم من قلوبهم، وعن إخوانهم من السلفيين السنيين عزلهم، وصيرهم حزبا جديدا منفصلا عن أهل السنة يتعصبون له، ويغلون فيه، ويقدسونه، حتى صاروا مسخا، وكأنهم لم يعرفوا السلفية أصلا؛ وبيانه:
    فهل من عرف السلفية وتربى عليها يترك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لقائل كائنا من كان؟
    وهل من عرف السلفية وتربى عليها ينتقص من قدر العلماء، ويطعن فيهم، ويتكالب هو وأضرابه عليهم؟ وطعوناتهم كثيرة وهي متنامية متزايدة.
    وهل من عرف السلفية وتربى عليها يرضى بطعونات المقدَّس في علماء السنة الذين عرف السلفية على أيديهم، واستقام عليها –بعد فضل الله- بدعوتهم وتفانيهم؟؛ كطعنه الصريح الواضح في الإمام الألباني رحمه الله، وكذلك في الشيخ ربيع حفظه الله، بل وفي علماء الأمة قاطبة إذ وصفهم بترك اتخاذ الكتاب والسنة ميزانا للقبول والرد، وأنهم خالفوا مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله، وغيرها كثير مما هو مذكور في المقالات السابقة، فبعد أن كان أتباعُه أهلَ غيرة على علمائهم وأئمتهم، صاروا -ومن أجله- يرضون الكلام فيهم والطعن في أعراضهم.
    وهل من عرف السلفية وتربى عليها يطعن في حكام المسلمين بما فيهم ولاة أرض الحرمين، ويسبهم، ويرميهم بما يوغر الصدور عليهم، أو على الأقل يسكت على السَّابِّينَ ويواليهم لمجرد موافقتهم له في التعصب للمقدَّس والغلو في القائد الرأس.
    وهل وهل وهل .....
    ثم اعلم -رحمك الله- أن العلماء منازل؛ فمنهم العالم الذي نبغ في علمه وبرَّز في دعوته، ومنهم -مع هذا- من فاق أقرانه وبزَّ أضرابه، ومنهم -مع ذلك أيضا- من صار –لرسوخه في العلم- إماما يقتدى به، ورأسا في العلم يرجع إليه ويقدم على غيره، وهم درجات كثيرة لا يعلمها إلا الله كما قال الله تعالى:" وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ" سورة يوسف من الآية 76، ولكن ومع كثرتهم وتفاوت مراتبهم ونبوغ الكثير منهم إلا أنك قلَّما تجد العلماء يصفون واحدا من هؤلاء بالمجدد، لعلو هذه المرتبة وسمو هذه المنزلة كما تقدم، أو لعدم توفر الشروط في بعضهم ولو كان أجل مما وصف بها فلتعلم.
    والسؤال الذي ينبغي أن يطرح: ما هي الدرجة المناسبة للمقدَّس فركوس من تلكم الدرجات الكثيرة؟ وهل أدرك أولاها فضلا أن يصل إلى أقصاها؟
    الجواب يعرف مما تقدم.
    فلا هو نبغ في علمه وبرّز في دعوته.
    فضلا أن يكون مع هذا ممن فاق أقرانه، وبزّ أضرابه؛ إذ ومع مقارنة يسيرة له مع غيره، وفي فنه الذي يُزعم تميزه فيه، ترى البون شاسعا، والفرق واسعا، وعلى سبيل المثال: لو قورن نتاجه بنتاج الدكتور الباحسين لما وجدته شيئا يذكر، ولا له قدر معتبر، ومما بيَّن المقدَّس فركوسا على حقيقته، وأظهر للمتابعين في هذه الفتنة حجمه ومكانته: ردود شيخنا الدكتور عبد المجيد جمعة -حفظه الله ورعاه-، والتي لم يستطع المقدَّس وأعوانه معه أن يردُّوا عليها، ولا أن يدفعوا الأدلة التي أوردها الشيخ جمعة -حفظه الله- فيها، فكانت نتيجة ردوده عليه أن عراه، وأظهر حقيقة مستواه، وعَلِمْنَا من خلال تلكم الردود وغيرها أننا كنا مخدوعين خديعة كبيرة فيه، يصح معها أن يقال عن المقدَّس فركوس أنه خدعة العصر، والله المستعان.
    فضلا أن يكون مع هذا كله من أهل الرسوخ في العلم الذين بلغوا درجة الإمامة في الدين ممن يرجع إليهم ويقدم قولهم على غيرهم.
    - هذا وإذا حاكمنا المقدس –زيادة على ما تقدم- إلى الشروط التي ذكرها علماؤنا، والمستنبطة من حديث نبينا؛ لجزمنا باستحالة ما يُدعى فيه، ويُوصف به، من التجديد الذي هو من أبعد الناس عنه، وبيانه:
    الشرط الأول: أن تنقضي المدة وهو عالم مشهور يشار إليه: من المعلوم أن المقدس وإن زُعم اليوم أنه من العلماء –وهو الأمر الذي تبيَّن بالأدلَّة عدم صحته- فهو قطعا لم يكن كذلك قبل أربع وأربعين سنة؛ يعني عند انقضاء المائة الرابعة عشر، حيث كان عمره عند انقضائها ستة وعشرين سنة، فهو من مواليد 1374 هـ كما هو مذكور في موقعه، بل مما هو معلوم عنه ومذكور في ترجمته أنه كان لا يزال طالبا في تلكم الفترة حيث رجع إلى بلده سنة 1402 هـ، فهو قطعا ليس من المجددين بدليل ما فهمه الشراح والعلماء من حديث نبينا صلى الله عليه وسلم.
    الشرط الثاني: أن يحيي الدعوة للكتاب والسنة والعمل بهما، ويجتهد في ذلك غاية الاجتهاد ويبذل فيه قصارى ما يستطيعه بين العباد: فهل يمكن أن ينطبق هذا الوصف عليه؟ لا يمكن قطعا وقد تقدم ما يدل على هذا قريبا.
    الشرط الثالث: أن ينصر السنة وأهلها ويقمع البدعة وذويها؛ وهذا الشرط لم يتوفر فيه، ولا يمكن لأحد أن يجادل في استحالة تحققه فيمن نتحدث عنه، وبخاصة في هذه الأيام الأخيرة؛ وبيانه:
    - كيف يكون ناصرا للسنة وأهلها ولم يعلم عنه العناية بكتبها، ولا تدريس متونها؛ ولو كتابا مختصرا كالأربعين النووية مثلا، بعكس علماء السنة ومشايخها الذين يعتنون بها: حفظا، وتفقها، وتعليما، ودعوة؛ وانظر إليهم وإلى واقعهم تعلم ذلك من صنيعهم، وعلى سبيل المثال الشيخ العلامة عبد المحسن العباد -حفظه الله- وعنايته بالكتب الستة، شرحا لها، وبيانا لمعانيها، وهذا بالنسبة للسنة وأما بالنسبة لأهلها فقد نالهم من المقدَّس ما نالهم؛ من مخالفة لهم، وطعن فيهم، وتقليل من قدرهم، وتأليب للغوغاء عليهم، وعلى رأسهم إمام عصره في الحديث الإمام الألباني رحمه الله، فهل يمكن أن يقال عنه: نصر السنة وأهلها؟.
    - وكيف يكون قامعا للبدعة وأهلها وهو لم يعرف بالردود عليهم، ولا التحذير منهم ومن ضلالاتهم، والموجود منه كلمات على استحياء، ومناوشات لبعضهم ليس فيها غَناء، فإن شكك مشكك في هذا رَدَّ عليه تَاريخُ شيخه وواقعه:
    - أما تاريخه فيقال: أين هي ردوده على أهل البدع وتحذيره منهم، فأين كلامه في خوارج التسعينيات ورؤوسهم الذين كثر شرهم مثل عباسي مدني وعلي بلحاج، وأين هو تحذيره من المنحرفين عن السلفية كالعيد شريفي والمغراوي وعلي حسن عبد الحميد والرمضاني ومحمد الحاج عيسى الذي أثنى عليه ثناء عطرا وأشاد بجهوده في مناقشته لرسالته مع أن ما قاله فيه لا علاقة له بالرسالة، وغيرهم كثير، ثم ألم يكن معروفا بالإحالة على الشيخ عبد المجيد -حفظه الله- وغيره في هذه المسائل، وكذلك ألم يصرح بلسانه في مرات عديدة أنه كان عند الفتن يهمش نفسه، وأنه كان يتفادى اللقاء بعلي بلحاج ساكنِ حَيِّه، فأين هي صلابته المزعومة في محاربة البدع وأهلها؟ فالدارس لتاريخه لا يرى إلا فرارا من مواجهتها، وخوفا من ألسنة معتقديها.
    - وأما واقعه فيقال: الآن وفي خضم هذه الفتنة وهو يعتقد انحراف مشايخنا فأين هي ردوده عليهم، ومقارعته لحججهم؟ ألم يختبأ وراء أتباعه في مراحل هذه الفتنة؟ واعْتَبِر في ذلك بردود الشيخ عبد المجيد جمعة -حفظه الله- عليه والتي لم يستطع الرد عليها، واستتر من وراء بعض أتباعه الضعفاء في الجواب عنها، فهل يقال عن مثل هذا أنه قامع للبدعة؟ هذه تقال في علمائنا ومشايخنا -حفظهم الله- كمثل العلامة ربيع سيف السلفية المسلول، على كل دخيل ومدخول، وكذلك غيره من علمائنا الفحول، الذين يستطيع أحدنا بأدنى جهد بيان هذه الخصلة فيهم والتدليل عليها. ثم كيف يكون قامعا للبدعة والمبتدعة وهو يعمل مع الكثير منهم، ويخالطهم في محل عملهم، ويناقش الرسائل معهم، بل ويثني الثناء العطر على بعضهم، ثم مع هذ كله يطعن في العلامة سليمان الرحيلي -حفظه الله- لأنه حاضر في بلد -بطلب من ولاة أمره- محاضرة نشر فيها السنة وقرر أصولها، والله أنه زمن الغرائب والعجائب.
    الشرط الرابع: أن يكون عالما بالكتاب والسنة، سالما من الانحراف في العقيدة منزها عن مخالفة السنة والعدول عنها متمسكا بها داعيا إليها: وهذه كلها منتفية عنه؛ فالعلم بالكتاب السنة أظهرته سرقاته العلمية، والانحراف في العقيدة لا يمكن تزيهه عنها وما الإنكار العلني وسنة التدافع والتعريفات الأشعرية وغيرها كثير منا ببعيد، أما مخالفة السنة وعدم تعظيمها والعدول عنها وعدم التمسك بها فكثيرة جدا كحديث عياض في الإنكار على السلاطين وأحاديث سفر المرأة وغيرها مما انتقده عليه السلفيون وفضحه به السنيون والله المستعان.
    وزيادة على هذا كله لم يوجد من علمائنا من وصف المقدس بهذا الوصف، وإنما فعل ذلك جملة جهلة ومجاهيل أجمعوا على تلقيبه بلقب –أجزم أو أكاد- أنهم لا يعرفون حقيقته، ولا شروطه، ولا طريقة العلماء في إطلاقه، قد يقول القائل: لكنه –وهو العالم- أيدهم ووافق قولهم!.
    وجوابه أن يقال: هذا من عجائبه، ومن أدلة تعاظمه في نفسه، وطلبه للرياسة التي كانت سبب هلاكه، وفرق كبير بين العلماء والأدعياء، فهذا الألباني رحمه الله الذي وصفه العلماء بالمجدد يقول لبعض مادحيه والدموع تسابقه: أحلف يمينا أنكم مغشوشون، بينما يقول المقدس لمن وصفه بالمجدد:" متقولش هكذا فهي توغر صدورهم ولا يتحملونها ولا نسيت ياك الجزائر تتنكر لأبنائها".
    ولكن كما قال الشاعر:
    ألم تر أن السيف ينقُصُ قدرُه ... إذا قيل إن السيفَ أمضى من العَصا
    وقد يقول قائل: وما في ذاك؟ أليس الحافظ السيوطي –رحمه الله- قد ادعى في نفسه أنه مجدد عصره؟، حيث قال:
    وَهَذِهِ تَاسِعَةُ الْمِئِينَ قَدْ أَتَتْ وَلَا يُخْلَفُ مَا الْهَادِي وَعَدْ
    وَقَدْ رَجَوْتُ أَنَّنِي الْمُجَدِّدُ فِيهَا فَفَضْلُ اللَّهِ لَيْسَ يُجْحَدُ
    والجواب من وجوه:
    الأول: أين الثرى من الثريا؟ فأين فركوس من الحافظ السيوطي –رحمه وعفا عنه- في نتاجه وصنوف الفنون التي خدمها أثناء حياته؟ فهو كما قيل:" إمام مكثر بلغت كتبه المئات" وهي مصنفات مبتكرة، وفي فنون متعددة، حتي أن منها ما أَبدع فيه حتى لا يكاد يستغني الطالب بل والمجتهد عنه، مثل كتاب "تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي" في المصطلح، ومن قرأ أسماء مؤلفاته أيقن من صحة ما يذكر عنه، وهذا على عكس نتاج الدكتور الذي تقدم ذكر حقيقته.
    الثاني: أن كثيرا من علماء عصر السيوطي انتقدوه على ادعائه، وردوا عليه قوله، بل وامتحنوه بأسئلة طرحوها عليه ليبنوا أنه لا يمكن أن يكون الشخص الذي يدعيه؛ فاعتذر بكثرة الأشغال عن جوابهم، فظهر لهم عجزه، وبطلان ادعائه[31]، واستنانا بهم واتباعا لهم: أعرض هذا الامتحان على المقدَّس إن كان يريد أن يبرهن على صحة ادعائه وصدق زعمه وهو امتحان سهل: أن يرد على الشيخ عبد المجيد جمعة –حفظه الله- بنفسه دون الاستعانة بغيره، وإن كانت استعانته بهم لا تزيده إلا ضعفا لأن الضعيف لا يزيد الضعيف إلا ضعفا، وهذا الامتحان ليس ليثبت لنا أنه المجدد فإن هذا دونه خرط القتاد، وإنما ليثبت لنا إلمامه بفنه الذي يزعم النبوغ فيه، والتميز عن أقرانه في ضبطه والإحاطة به، ولا أظنه يفعل لأنه يخشى إن فعل أن يفضح أكثر وأكثر، فَقَلَمُ شيخنا عبد المجيد سيال، وضبطه لهذا الفن أظهرته الوقائع والأحوال، زيادة على الثناء عليه به الذي صدر من فحول العلم من الرجال.
    الثالث: أنه لو كان للمقدس مثل علوم السيوطي ومصنفاته المتنوعة والتي ملأت أصقاع الدنيا في زمنه حتى قال هو نفسه عنها في "طرز العمامة في التفرقة بين المقامة والقمامة" وهو يرد على من أنكر عليه ادعاءه أنه مجدد عصره ص687[32]:" فهل ملَكٌ من السماء للمبعوثين قبلي في المئين الثمانية المتقدمة من أولئك الفئة؟ أم علموا ذلك هم والناس بغزارة علومهم واتساعهم، ورسوخِ قدمهم وطول باعهم، وسعة دائرتهم واطلاعهم، وانتشار علومهم في الأمصار، وسير تصانيفهم إلى الأقطار، كما وقع لي ذلك فضلا من العزيز الغفار؟ فليس في الإسلام قُطر إلا وقد وصلت تصانيفي إليه، ولا مصر إلا وتجد شيئا من كتبي لديه، ووصلت إليَّ من علماء الأمصار المطالعات والرسائل، ما بين راغب في تأليفي وطالب لجواب ما بعث به من الفتاوى والمسائل" لأمكن أن نعذره في ادعائه، حتى ولو لم نوافقه على زعمه، ولقلنا أنه من فرط تبحره، وكثرة نتاجه؛ ادعى هذا في نفسه، أما والحال ظاهرة، والفاقة له قاهرة؛ لا يمكننا أن نعذره، بل يلزمنا أن نلومه لنوقظه، ونرد عليه لنبصره بحقيقته، فإن أردت يا طالب الحق أن تعلم فقره وفاقته فانظر إلى الخانات في موقعه، والتي رُتبت تحتها كتبه، فهي خانات ستة، تدل على أنه في العلم والنتاج مجزى البضاعة، وهي: 1- "توجيهات سلفية" تحتها جملة رسائل صغيرة. 2- "ليتفقهوا في الدين" تحتها بعض الرسائل الصغيرة في الغالب في مسائل فقهية مفردة. 3- "كتب الأصول" وتحتها خمسة كتب غالبها تحقيقات. 4- "فقه الطهارة" وتحتها رسالتان صغيرتان. 5- "فقه الصيام" وتحتها ثمانية رسائل صغيرة. 6- خانة "كتب أخرى" وتحتها كتب قليلة غالبها في شرح كتاب "العقائد الإسلامية" لابن باديس رحمه الله. فمن رجع لتلكم الخانات علم مقدار علم المقدس مع ما تقدم بيانه من حقيقة هذه المؤلفات وأنها مملوءة بالسرقات والله المستعان.
    ثم كيف يقاس السارق على المسروق؛ أي: فركوس الذي شكا الناس من سرقاته بالسيوطي الذي شكا سطو أهل زمنه على مصنفاته، ومع هذا يحمل المقدَّس -كما هي عادته- على أهل بلده الذين يتنكرون لكل جزائري في زعمه، الكلام الباطل الذي يكثر من ترداده، وإلا فأهل الجزائر أهل وفاء -والحمد لله- وهم يثنون على كل من أحسن إليهم، وقدم ولو بعض الخير لهم، وها هم يثنون على مشايخهم ويذبون –عرفانا منهم بجميلهم- على أعراضهم، أما أنت فحق لمن عرف حالك، أن يتبرأ سريعا منك، حتى لا يُطعن في دينه وعقله ومروءته.
    فإذا كان الأمر على ما وصفت لكم، ونظرته أعينكم، والذي أجو أن تكون قد استوعبته قلوبكم، فهل يمكن أن يكون مثله من المجددين؟ والله إن زعم هذه المرتبة له لمن المضحكات المبكيات لا يقول بها ويعتقدها ويتجرأ عليها إلا الرويبضات.
    هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع أثره إلى يوم الدين.
    وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
    وكتبه: أبو عبد السلام عبد الصمد بن الحسين سليمان
    في يوم: السبت 06 ذو القعدة 1444هـ
    27 ماي 2023م


    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    [1]- ذكر هذا الوصف كل من:- العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله في مقدمة كتابه "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" ص13. - الشيخ عبد الهادي محمد بن عبد الهادي البكري العجيلي في مقدمة كتابه "تحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد" ج1 ص6. - العلامة الشيخ حمد بن علي بن عتيق رحمه الله في كتابه "إبطال التنديد باختصار شرح كتاب التوحيد" ص13. - العلامة الفوزان حفظه الله في مقدمة كتابه " إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" ج1 ص6 و8. - الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله ورعاه في كتابه "التمهيد لشرح كتاب التوحيد" في مقدمة شرحه. - الشيخ عبد الله الدويش رحمه الله في كتابه "التوضيح المفيد لمسائل كتاب التوحيد" في مقدمته ص7. - الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الحمدان رحمه الله في كتابه "الدر النضيد على أبواب التوحيد" في مقدمته.
    [2]- ذكر هذا الوصف واللقب كل من: - العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله في مقدمة كتابه "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" ص13. - الشيخ العلامة حامد بن محمد بن حسن بن محسن في مقدمة كتابه المسمى "فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد" ص16 و17. - الشيخ عبد الهادي محمد بن عبد الهادي البكري العجيلي في مقدمة كتابه "تحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد" ج1 ص6. - الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في كتابه "الملخص في شرح كتاب التوحيد" ص5. - العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في مقدمة كتابه "القول السديد شرح كتاب التوحيد" ص31. - العلامة الفوزان حفظه الله في مقدمة كتابه " إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" ج1 ص6 و18. - الشيخ عبد الله الدويش رحمه الله في كتابه "التوضيح المفيد لمسائل كتاب التوحيد" في مقدمته ص7. - الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الحمدان رحمه الله في كتابه "الدر النضيد على أبواب التوحيد" في مقدمته. - الشيخ عبد الرحمن بن قاسم النجدي رحمه الله في "حاشية كتاب التوحيد" ص7. - العلامة أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله في كتابه "الشرح الموجز الممهد لتوحيد الخالق الممجد" ص5-6.
    [3]- ذكر هذا الوصف واللقب: الشيخ العلامة حامد بن محمد بن حسن بن محسن في مقدمة كتابه المسمى "فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد" ص16.
    [4]- ذكر هذا الوصف واللقب: الشيخ العلامة حامد بن محمد بن حسن بن محسن في مقدمة كتابه المسمى "فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد" ص16.
    [5]- ذكر هذا الوصف واللقب: الشيخ العلامة حامد بن محمد بن حسن بن محسن في مقدمة كتابه المسمى "فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد" ص16.
    [6]- ذكر هذا الوصف واللقب: الشيخ العلامة حامد بن محمد بن حسن بن محسن في مقدمة كتابه المسمى "فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد" ص16.
    [7]- ذكر هذا الوصف واللقب كل من: - الشيخ عبد الهادي محمد بن عبد الهادي البكري العجيلي في مقدمة كتابه "تحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد" ج1 ص6. - العلامة الفوزان حفظه الله في مقدمة كتابه " إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" ج1 ص6 و8 و18. - الشيخ عبد الله الدويش رحمه الله في كتابه "التوضيح المفيد لمسائل كتاب التوحيد" في مقدمته ص7. - الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الحمدان رحمه الله في كتابه "الدر النضيد على أبواب التوحيد" في مقدمته. - العلامة أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله في كتابه "الشرح الموجز الممهد لتوحيد الخالق الممجد" ص5-6.
    [8]- ذكر هذا الوصف ولقبه بهذا اللقب: - الشيخ عبد الهادي محمد بن عبد الهادي البكري العجيلي في مقدمة كتابه "تحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد" ج1 ص6.
    [9]- ذكر هذا الوصف ولقبه بهذا اللقب:- الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في كتابه "الملخص في شرح كتاب التوحيد" ص7.
    [10]- ذكر هذا الوصف ولقبه بهذا اللقب: العلامة الفوزان حفظه الله في مقدمة كتابه " إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" ج1 ص8.
    [11]- ذكر هذا الوصف ولقبه بهذا اللقب: العلامة الفوزان حفظه الله في مقدمة كتابه " إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" ج1 ص8.
    [12]- ذكر هذا الوصف ولقبه بهذا اللقب: العلامة الفوزان حفظه الله في مقدمة كتابه " إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" ج1 ص8.
    [13]- قاله: الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في كتابه "الملخص في شرح كتاب التوحيد" ص7.
    [14]- قاله حفيد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب الشيخ العلامة سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله في مقدمة شرحه المسمى "تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد" ج1 ص105-106. وقال نحوه أو قريبا منه الشيخ العلامة حامد بن محمد بن حسن بن محسن في مقدمة كتابه المسمى "فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد" ص16.
    [15]- قاله: العلامة الفوزان حفظه الله في مقدمة كتابه " إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" ج1 ص6.
    [16]- قاله حفيد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب الشيخ العلامة سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله في مقدمة شرحه المسمى "تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد" ج1 ص105-106. وقال نحوه أو قريبا منه الشيخ العلامة حامد بن محمد بن حسن بن محسن في مقدمة كتابه المسمى "فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد" ص16.
    [17]- القائل هو: أَبُو بكر مُحَمَّد بن دُرَيْد الأزدي. ومثله قول الآخر:
    وَما النَّاسُ إِلَّا وَاحِدٌ كقَبِيلَةٍ ... يُعَدُّ وألْفُ لَا يُعَدُّ بواحِدِ
    ومثله أيضا قول البحتري:
    وَلمْ أرَ مِثْلَ النَّاسِ لَمَّا تَفاوَتُوا بخَيرٍ إِلَى أنْ عُدَّ أَلْفٌ بوَاحِدِ
    [18]- يقصد ما تقدم من كلامه وهو: وكيف لا يميز مَن له بصيرة بين دين "أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ" [التّوبة، من الآية: 109], وارتفع بناؤه على طاعة الرحمن، والعمل بما يرضاه في السر والإعلان، وبين دينٍ "أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ" [التّوبة، من الآية: 109] ، بصاحبه في النار، أسس على عبادة الأصنام والأوثان، والالتجاء إلى الصالحين وغيرهم من الإنس والجان، عند الشدائد والأحزان، وصرف مخ العبادة لغير الملك الديان، ورجا النفع والعطاء والمنع مِمَّن لا يملك لنفسه نفعًا، ولا ضرا فضلاً عن غيره من نوع الإنسان، ودعوى التصرف في الملك لصالح رميم في التراب والأكفان.
    قد عجز عن دفع ما حل به من أمر الله، فكيف يدفع عمَّن دعاه من بعيد الأوطان؟! أو فاسق يشاهدون فسقه وفجوره فهو أبعد الناس من الرحمن، أو ساحر يريهم من سحره ما يحير به الأذهان، فيظن المخذولون أنّها كرامة من الله، وإنّما هي من مخاريق الشيطان، تبًا لهم سدوا على أنفسهم باب العلم والإيمان، وفتحوا عليها باب الجهل والكفران. قابلوا خبر الله بالتكذيب، وأمره بالعصيان.
    أخبر بأن الهدى والنور في كتابه، فقالوا: كان ذاك فيما مضى من الزمان، وأمرهم باتباع ما "أُنْزِلَ" إليهم "مِنْ" ربهم، ولا يتبعوا "مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاء" [الأعراف، من الآية: 3] ، فقالوا: لا بد لنا من ولي غير القرآن.
    إن جئتهم بكتاب الله قالوا:" حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ" [المائدة، من الآية: 104] أهل الزمان، أو جئتهم بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قالوا: خالفها الشيخ فلان، وهو أعلم منا ومنكم، فاعتبروا يا أولي الإيمان. عمدوا إلى قبور الأنبياء والصالحين، فبنوا عليها البنيان، ونقشوا سقوفها والحيطان، وحلوها بالغالي من الأثمان، وألبسوها ألوان الستور الحسان، وجعلوا لها السدنة والخدام، فِعْل عباد الأوثان والصلبان، وذبحوا ونذروا لِمَن فيها، وقربّوا لهم القربان، وقالوا:" هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا" [يونس، من الآية: 18] في كشف الكروب وغفران الذنوب ودخول الجنان.
    فبالله صِفْ لي شرك المشركين، هل هو بعينه إلا هذا كما نطق به القرآن في سورة يونس، والزمر، وغيرهما من محكمات الفرقان.
    1- إن غرّك أنّ الأكثر عليه، فقد حكم الله بأنهم {أَضَلُّ سَبِيلاً} ، [الفرقان، من الآية: 144] ، من الأنعام، إذ استبدلوا الشرك بالتوحيد، والضلال بالهدى، والكفر بالإسلام، نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه فهو السلام.
    2- أو غرّك أنّ بعض مَنْ تعظمه قد رأى شيئًا من هذا أو قاله، فالخطأ جائز على مَنْ سوى الرسول من الأنام. فعليك بالرجوع إلى العصمة الذي لا سبيل إلى تطرق الخطأ إليه، وهو كلام ذي الجلال والإكرام، وسنة رسوله ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ، مع ما قاله العلماء الأعلام، الذين نطقوا بكلمة التوحيد وحققوها بالأعمال والكلام.
    [19]- قاله حفيد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب الشيخ العلامة سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله في مقدمة شرحه المسمى "تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد" ج1 ص105-106. وقال قريبا منه الشيخ العلامة حامد بن محمد بن حسن بن محسن في مقدمة كتابه المسمى "فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد" ص16.
    [20]- قاله: العلامة الفوزان حفظه الله في مقدمة كتابه " إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" ج1 ص6.
    [21]- وهنا يجدر التنبيه على أن الإمام البخاري لم يركز في كتاب التوحيد على توحيد الألوهية خاصة كما فعل الإمام المجدد وإن كان الإمام المجدد أيضا قد بوب أبوابا في الربوبية والأسماء والصفات إلا انه ركز على الألوهية بخلاف الإمام البخاري وهذا حتى لا يقال قد سبق البخاريُّ الإمامَ المجددَ في هذا الموضوع على عكس ما يقرره علماؤنا حتى ذكر بعضهم إجماع العلماء على أنه لم يسبق في تصنيف مثله كما تراه في المقالة.
    [22]- انظر مقدمة المحققان د. خليل بن إبراهيم ملا خاطر ود. محمود بن أحمد الطحان على "المجموع" ص 2.
    [23]- والقول لأبي تمام.
    [24]- قاله: الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ في كتابه "مشاهير علماء نجد" في ترجمته للإمام المجدد ص28-29.
    [25]- وصحح العلامة الألباني رحمه الله رواية قريبة من هذه في تخريجه لـ"فقه السيرة" للغزالي ص115 عن كعب بن مالك وفيها:" قال: فاعترض القول -والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم- أبو الهيثم بن التيهان حليف بني عبد الأشهل فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالا وإنا قاطعوها -وهي العهود- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك وأظهرك الله عز وجل أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" بل الدم الدم والهدم الهدم أنتم مني وأنا منكم أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم".
    [26]- قال العظيم آبادي رحمه الله في "عون المعبود" ج11 ص390-391:" وَمَا قَالَ بَعْضُ السَّادَاتِ الْأَعَاظِمِ إِنَّ قَيْدَ الرَّأْسِ اتِّفَاقِيٌّ وَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْعَثُ فِي كُلِّ مِائَةٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَوَّلِ الْمِائَةِ أَوْ وَسَطِهَا أو آخرها واختاره لَيْسَ بِظَاهِرٍ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَيْدَ احْتِرَازِيٌّ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَدَّ كَثِيرٌ مِنَ الْأَكَابِرِ الَّذِينَ كَانُوا فِي وَسَطِ الْمِائَةِ مِنَ الْمُجَدِّدِينَ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الْمُجَدِّدِ الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ.
    فَفِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ قَدْ يَكُونُ فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْمُجَدِّدِ عَلَى رَأْسِهَا نَعَمْ لَوْ ثَبَتَ كَوْنُ قَيْدِ الرَّأْسِ اتِّفَاقِيًّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ لَكَانَ دَائِرَةُ الْمُجَدِّدِيَّةِ أَوْسَعَ وَلَدَخَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَكَابِرِ الْمَشْهُورِينَ الْمُسْتَجْمِعِينَ لِصِفَاتِ الْمُجَدِّدِيَّةِ فِي الْمُجَدِّدِينَ كَالْإِمَامِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ومسلم النيسابوري وأبي داود السجستاني وغيرهم مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى.
    وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْقَدِيرِ تَحْتَ قَوْلِهِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ أَيْ أَوَّلِهِ وَرَأْسُ الشَّيْءِ أَعْلَاهُ وَرَأْسُ الشَّهْرِ أَوَّلُهُ
    ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُنَا تَنْبِيهٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى حَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ إِنَّمَا يُقَرِّرُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَبْعُوثَ عَلَى رَأْسِ الْقَرْنِ يَكُونُ مَوْتُهُ عَلَى رَأْسِهِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنَ الْحَدِيثِ إِنَّمَا هو هُوَ أَنَّ الْبَعْثَ وَهُوَ الْإِرْسَالُ يَكُونُ عَلَى رَأْسِ الْقَرْنِ أَيْ أَوَّلِهِ وَمَعْنَى إِرْسَالُ الْعَالِمِ تَأَهُّلُهُ لِلتَّصَدِّي لِنَفْعِ الْأَنَامِ وَانْتِصَابِهِ لِنَشْرِ الْأَحْكَامِ وَمَوْتِهِ عَلَى رَأْسِ الْقَرْنِ أَخْذٌ لَا بَعْثٌ فَتَدَبَّرْ
    ثُمَّ رَأَيْتُ الطِّيبِيَّ قَالَ الْمُرَادُ بِالْبَعْثِ مَنِ انْقَضَتِ الْمِائَةُ وَهُوَ حَيٌّ عَالِمٌ مَشْهُورٌ مُشَارٌ إِلَيْهِ
    وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ قَدْ كَانَ قُبَيْلَ كُلِّ مِائَةٍ أَيْضًا مَنْ يُصَحِّحُ وَيَقُومُ بِأَمْرِ الدِّينِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَنِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَهُوَ حَيٌّ عَالِمٌ مُشَارٌ إِلَيْهِ
    وَلَمَّا كَانَ رُبَّمَا يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ مِنْ تَخْصِيصِ الْبَعْثِ بِرَأْسِ الْقَرْنِ أَنَّ الْعَالِمَ بِالْحُجَّةِ لَا يُوجَدُ إِلَّا عِنْدَهُ أَرْدَفَ ذَلِكَ بِمَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ الْمَبْعُوثِ عَلَى الرَّأْسِ وَأَنَّ تَخْصِيصَ الرَّأْسِ إِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةُ انْخِرَامِ عُلَمَائِهِ غَالِبًا وَظُهُورُ الْبِدَعِ وَخُرُوجِ الدَّجَّالِينَ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
    [27]- قال الإمام الذهبي رحمه الله في "سير أعلام النبلاء" ج11 ص124:" وَقَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ حَسَّانَ بنَ مُحَمَّد يَقُوْلُ: كُنَّا فِي مَجْلِس ابْن سُرَيْج سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ، فَقَامَ إِلَيْهِ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فَقَالَ: أَبْشِرْ أَيُّهَا القَاضِي، فَإِنَّ اللهَ يبعثُ عَلَى رَأْسِ كُلّ مائَة سَنَةٍ مَنْ يجدِّد - يَعْنِي: لِلأُمَّة - أَمر دِينهَا، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى بعثَ عَلَى رَأْس المائَة عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَبَعَثَ عَلَى رَأْس المائَتَيْنِ مُحَمَّد بن إِدْرِيْسَ الشَّافِعِيّ، وَبعثَكَ عَلَى رَأْس الثَّلاَثمائَة، ثُمَّ أَنشَأَ يَقُوْلُ:
    اثْنَانِ قَدْ ذَهَبَا فَبُورِكَ فِيْهِمَا *** عُمَرُ الخَلِيْفَةُ ثُمَّ حلفُ السُّؤْدُدِ
    الشَّافِعِيّ الأَلْمَعِيُّ مُحَمَّدٌّ*** إِرْثُ النُّبُوَّةِ وَابْنُ عَمِّ مُحَمَّدِ
    أَبْشِرْ أَبَا العَبَّاسِ إِنَّكَ ثَالثٌ* **مِنْ بَعْدِهِمْ سُقْياً لتُرْبَةِ أَحْمَدِ
    قَالَ:فصَاح أَبُو العَبَّاسِ، وَبَكَى، وَقَالَ:لَقَدْ نعَى إِلَيَّ نَفْسِي.
    قَالَ حَسَّانُ الفَقِيْه:فَمَاتَ القَاضِي أَبُو العَبَّاسِ تِلْكَ السّنَة.
    [28]- وقد اختلفوا في رأس المائة السنة هل هي أولها أو آخرها والذي رجحه الكثيرون أنه آخرها:
    قال العظيم آبادي في "عون المعبود" ج11 ص386:" (عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ) أَيِ انْتِهَائِهِ أَوِ ابْتِدَائِهِ.....
    (تَنْبِيهٌ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ رَأْسِ الْمِائَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ آخِرُهَا....
    وقال في ج11 ص387 وما بعدها:" وَالدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِرَأْسِ الْمِائَةِ هُوَ آخِرُهَا لَا أَوَّلُهَا أَنَّ الزُّهْرِيَّ وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَغَيْرَهَمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِنَ الْمُجَدِّدِينَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الْأُولَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ تُوُفِّيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَةٍ وَلَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَمُدَّةُ خِلَافَتِهِ سَنَتَانِ وَنِصْفٌ وَتُوُفِّيَ الشَّافِعِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً.
    قَالَ الحافظ بن حجر في "توالي التأسيس": قال أبو بكر الْبَزَّارُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْمَيْمُونِيَّ يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَجَرَى ذِكْرُ الشَّافِعِيِّ فَرَأَيْتُ أَحْمَدَ يَرْفَعُهُ وَقَالَ روي عن النبي يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُقَيِّضُ فِي رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ قَالَ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي رَأْسِ الْمِائَةِ الْأُولَى وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الشَّافِعِيُّ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الْأُخْرَى وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِذَا سُئِلْتُ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَا أعرف فيها خبرا قلت فيها بقول الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ إِمَامٌ عَالِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ. وَقَدْ روي عن النبي أَنَّهُ قَالَ عَالِمُ قُرَيْشٍ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عِلْمًا.
    وَذَكَرَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ اللَّهَ يُقَيِّضُ فِي رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ قَالَ أَحْمَدُ فَكَانَ فِي الْمِائَةِ الْأُولَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَفِي الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ الشَّافِعِيُّ.
    وَمِنْ طَرِيقِ أَبَى سَعِيدٍ الْفِرْيَابِيِّ قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِنَّ اللَّهَ يُقَيِّضُ لِلنَّاسِ فِي كُلِّ رَأْسِ مِائَةٍ مَنْ يُعَلِّمُ الناس السنن وينفي عن النبي الْكَذِبَ فَنَظَرْنَا فَإِذَا فِي رَأْسِ الْمِائَةِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَفِي رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ الشَّافِعِيُّ.
    وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْهَرَوِيِّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْقَرَّابُ حدثنا أبو يحيى الساجي بني جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَاسِينَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ يُرْوَى فِي الحديث عن النبي أَنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ فِي رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُبَيِّنُ لَهُمْ أَمْرَ دِينِهُمْ وَإِنِّي نَظَرْتُ فِي مِائَةِ سَنَةٍ فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ مِنْ آل رسول الله وَهُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَفِي رَأْسِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشافعي.
    وقال بن عَدِيٍّ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ يَقُولُ سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ كَانَ فِي الْمِائَةِ الْأُولَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَفِي الثَّانِيَةِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ.
    وَقَدْ سَبَقَ أَحْمَدُ وَمَنْ تَابَعَهُ إِلَى عَدِّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْمِائَةِ الْأُولَى الزُّهْرِيُّ فَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ عَقِبَ رِوَايَتِهِ عَنْ عَمِّهِ عَنْ سَعِيدِ بن أبي أيوب للحديث المذكور قال بن أخي بن وَهْبٍ قَالَ عَمِّي عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فَلَمَّا كَانَ فِي رَأْسِ الْمِائَةِ مَنَّ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ بِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
    قَالَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ كَانَ مَشْهُورًا فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ فَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِلسَّنَدِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّهُ قَوِيٌّ لِثِقَةِ رِجَالِهِ.
    قَالَ وَقَالَ الْحَاكِمُ سَمِعْتُ أَبَا الْوَلِيدِ حَسَّانَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهَ يَقُولُ غَيْرَ مَرَّةٍ سَمِعْتُ شَيْخًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ لِأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْحٍ يَقُولُ أَبْشِرْ أَيُّهَا الْقَاضِي فَإِنَّ اللَّهَ مَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ فَأَظْهَرَ كُلَّ سُنَّةٍ وَأَمَاتَ كُلَّ بِدْعَةٍ وَمَنَّ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ بِالشَّافِعِيِّ حَتَّى أَظْهَرَ السُّنَّةَ وَأَخْفَى الْبِدْعَةَ مَنَّ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ الثَّلَاثمِائَةِ بِكَ. انْتَهَى
    قُلْتُ: فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ مِنْ رَأْسِ الْمِائَةِ آخِرَهَا بَلْ كَانَ الْمُرَادُ أَوَّلَهَا لَمَا عَدُّوا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنَ الْمُجَدِّدِينَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الْأُولَى وَلَا الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وِلَادَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الْأُولَى فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُجَدِّدًا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وِلَادَةُ الشَّافِعِيِّ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ كَوْنُهُ مُجَدِّدًا عَلَيْهِ.
    فَإِنْ قُلْتَ الظَّاهِرُ مِنْ رَأْسِ الْمِائَةِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ هُوَ أَوَّلُهَا لَا آخِرُهَا فَكَيْفَ يُرَادُ آخِرُهَا قُلْتُ كَلَّا بَلْ جَاءَ فِي اللُّغَةِ رَأْسُ الشَّيْءِ بِمَعْنَى آخِرُهُ أَيْضًا.
    قَالَ فِي تَاجِ الْعَرُوسِ رَأْسُ الشَّيْءِ طَرَفُهُ وَقِيلَ آخِرُهُ. انْتَهَى
    قلت: وعليه حديث بن عمر أريتكم لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فَإِنَّهُ لَا مِرْيَةَ فِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ رَأْسِ الْمِائَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ آخِرُ الْمِائَةِ.
    قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي تَفْسِيرِ رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ أَيْ عِنْدَ انْتِهَاءِ مِائَةِ سَنَةٍ. انْتَهَى.
    وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الرَّأْسُ مَجَازٌ عَنْ آخِرِ السَّنَةِ وَتَسْمِيَتُهُ رَأْسًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَبْدَأٌ لِسَنَةٍ أُخْرَى. انْتَهَى.
    وَعَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ:" بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةٍ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةٍ" الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ.
    قَالَ فِي "مَجْمَعِ الْبِحَارِ": تَوَفَّاهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ أَيْ آخِرِهِ، وَرَأْسُ آيَةٍ آخِرُهَا. انْتَهَى.
    وَفِيهِ نَقْلًا عَنِ الْكِرْمَانِيِّ وَقِيلَ إِنَّهُ (أَيْ أَبُو الطُّفَيْلِ) مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ وَهِيَ رَأْسُ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ مَقَالَتِهِ. انْتَهَى.
    فَإِذَنْ ظَهَرَ حَقَّ الظُّهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ رَأْسِ كُلِّ مِائَةٍ آخِرُ كُلِّ مِائَةٍ.
    ثُمَّ اعْلَمْ أن بن الْأَثِيرِ وَالطِّيبِيَّ وَغَيْرَهُمَا زَعَمُوا أَنَّ الْمُجَدِّدَ هُوَ الَّذِي انْقَضَتِ الْمِائَةُ وَهُوَ حَيٌّ مَعْلُومٌ مَشْهُورٌ مشار إليه فجعلوا حَيَاةَ الْمُجَدِّدِ وَبَقَاءَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمِائَةِ شَرْطًا لَهُ فَعَلَى هَذَا مَنْ كَانَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ أَيْ آخِرِهَا وَوُجِدَ فِيهِ جَمِيعُ أَوْصَافِ الْمُجَدِّدِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمِائَةِ بَلْ تُوُفِّيَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الْمَوْجُودَةِ قَبْلَ الْمِائَةِ الْآتِيَةِ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ مَثَلًا لَا يَكُونُ مُجَدِّدًا لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِي عَلَى هَذَا الِاشْتِرَاطِ دَلِيلٌ.
    وَمَا قَالَ بَعْضُ السَّادَاتِ الْأَعَاظِمِ إِنَّ قَيْدَ الرَّأْسِ اتِّفَاقِيٌّ وَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْعَثُ فِي كُلِّ مِائَةٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَوَّلِ الْمِائَةِ أَوْ وَسَطِهَا أو آخرها واختاره لَيْسَ بِظَاهِرٍ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَيْدَ احْتِرَازِيٌّ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَدَّ كَثِيرٌ مِنَ الْأَكَابِرِ الَّذِينَ كَانُوا فِي وَسَطِ الْمِائَةِ مِنَ الْمُجَدِّدِينَ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الْمُجَدِّدِ الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ.
    فَفِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ قَدْ يَكُونُ فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْمُجَدِّدِ عَلَى رَأْسِهَا نَعَمْ لَوْ ثَبَتَ كَوْنُ قَيْدِ الرَّأْسِ اتِّفَاقِيًّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ لَكَانَ دَائِرَةُ الْمُجَدِّدِيَّةِ أَوْسَعَ وَلَدَخَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَكَابِرِ الْمَشْهُورِينَ الْمُسْتَجْمِعِينَ لِصِفَاتِ الْمُجَدِّدِيَّةِ فِي الْمُجَدِّدِينَ كَالْإِمَامِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ومسلم النيسابوري وأبي داود السجستاني وغيرهم مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى.
    وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْقَدِيرِ تَحْتَ قَوْلِهِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ أَيْ أَوَّلِهِ وَرَأْسُ الشَّيْءِ أَعْلَاهُ وَرَأْسُ الشَّهْرِ أَوَّلُهُ
    ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُنَا تَنْبِيهٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى حَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ إِنَّمَا يُقَرِّرُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَبْعُوثَ عَلَى رَأْسِ الْقَرْنِ يَكُونُ مَوْتُهُ عَلَى رَأْسِهِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنَ الْحَدِيثِ إِنَّمَا هو هُوَ أَنَّ الْبَعْثَ وَهُوَ الْإِرْسَالُ يَكُونُ عَلَى رَأْسِ الْقَرْنِ أَيْ أَوَّلِهِ وَمَعْنَى إِرْسَالُ الْعَالِمِ تَأَهُّلُهُ لِلتَّصَدِّي لِنَفْعِ الْأَنَامِ وَانْتِصَابِهِ لِنَشْرِ الْأَحْكَامِ وَمَوْتِهِ عَلَى رَأْسِ الْقَرْنِ أَخْذٌ لَا بَعْثٌ فَتَدَبَّرْ
    ثُمَّ رَأَيْتُ الطِّيبِيَّ قَالَ الْمُرَادُ بِالْبَعْثِ مَنِ انْقَضَتِ الْمِائَةُ وَهُوَ حَيٌّ عَالِمٌ مَشْهُورٌ مُشَارٌ إِلَيْهِ
    وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ قَدْ كَانَ قُبَيْلَ كُلِّ مِائَةٍ أَيْضًا مَنْ يُصَحِّحُ وَيَقُومُ بِأَمْرِ الدِّينِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَنِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَهُوَ حَيٌّ عَالِمٌ مُشَارٌ إِلَيْهِ
    وَلَمَّا كَانَ رُبَّمَا يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ مِنْ تَخْصِيصِ الْبَعْثِ بِرَأْسِ الْقَرْنِ أَنَّ الْعَالِمَ بِالْحُجَّةِ لَا يُوجَدُ إِلَّا عِنْدَهُ أَرْدَفَ ذَلِكَ بِمَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ الْمَبْعُوثِ عَلَى الرَّأْسِ وَأَنَّ تَخْصِيصَ الرَّأْسِ إِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةُ انْخِرَامِ عُلَمَائِهِ غَالِبًا وَظُهُورُ الْبِدَعِ وَخُرُوجِ الدَّجَّالِينَ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
    [29]- وهذه اللفظة منكرة عند كثير من الصعافقة لا يرضونها وينكرون على قائلها مع أن الدليل يدل عليها فمن علمك وأرشدك وبخاصة إذا كان يكبرك في السن فهو لك كمثل الوالد فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:" إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ أُعَلِّمُكُمْ إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا". وَأَمَرَ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ وَنَهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ وَنَهَى أَنْ يَسْتَطِيبَ الرَّجُلُ بِيَمِينِهِ. رواه أبو داود وابن ماجه واللفظ له وغيرهما وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في التعليقات الحسان رقم 1437 وفي غيره.
    [30]- منها: الإنارة شرح كتاب الإشارة وفتح المأمول في شرح مبادئ الأصول ولعل معها آخر لم يذكر الشيخ أزهر عنوانه.
    [31]- قال المناوي رحمه الله في "فيض القدير" ج1 ص11:" وأومأ المصنف هنا وصرح في عدة تآليفه بأنه المجدد على رأس المئة التاسعة. قال في بعضها:" قد أقامنا الله في منصب الاجتهاد لنبين للناس ما أدى إليه اجتهادنا تجديدا للدين" هذه عبارة. وقال في موضع آخر:" ما جاء بعد السبكي مثلي وفي آخر الناس يدعون اجتهادا واحدا وأنا أدعي ثلاثا" إلى غير ذلك، وقد قامت عليه في زمنه بذلك القيامة، ولم تسلم له في عصره هامة، وطلبوا أن يناظروه فامتنع، وقال: لا أناظر إلا من هو مجتهد مثلي، وليس في العصر مجتهد إلا أنا" كما حكاه هو عن نفسه، وكتبوا له حيث تدعي الاجتهاد فعليك الإثبات ليكون الجواب على قدر الدعوى فتكون صاحب مذهب خامس فلم يجبهم. قال العلامة الشهاب بن حجر الهيتمي: لما ادعى الجلال ذلك قام عليه معاصروه، ورموه عن قوس واحد، وكتبوا له سؤالا فيه مسائل أطلق الأصحاب فيها وجهين وطلبوا منه إن كان عنده أدنى مراتب الاجتهاد -وهو اجتهاد الفتوى- فليتكلم على الراجح من تلك الأوجه بدليل، على قواعد المجتهدين، فرد السؤال من غير كتابة عليه، واعتذر بأن له اشتغالا يمنعه في النظر في ذلك. قال الشهاب الرملي: فتأمل صعوبة هذه المرتبة أعني اجتهاد الفتوى الذي هو أدنى مراتب الاجتهاد يظهر لك أن مدعيها فضلا عن مدعي الاجتهاد المطلق في حيرة من أمره (و)فساد في فكره وأنه ممن ركب متن عمياء وخبط خبط عشواء.....
    إلى أن قال ج1 ص:" وقال فقيه العصر شيخ الإفتاء والتدريس في القرن العاشر شيخنا الشمس الرملي عن والده شيخ الإسلام أبي العباس الرملي أنه وقف على ثمانية عشر سؤالا فقهية سأل عنها الجلال من مسائل الخلاف المنقولة فأجاب عن نحو شطرها من كلام قوم من المتأخرين كالزركشي واعتذر عن الباقي بأن الترجيح لا يقدم عليه إلا جاهل أو فاسق. قال الشمس: فتأملت فإذا أكثرها من المنقول المفروغ منه، فقلت سبحان الله رجل ادعى الاجتهاد وخفى عليه ذلك؟ فأجبت عن ثلاثة عشر منها في مجلس واحد بكلام متين من كلام المتقدمين، وبت على عزم إكمالها فضعفت تلك الليلة، فعددت ذلك كرامة للمؤلف وليس حكايتي لذلك من قبل الغض منه، ولا الطعن عليه، بل حذرا أن يقلده بعض الأغبياء فيما اختاره، وجعله مذهبه، سيما ما خالف فيه الأئمة الأربعة اغترارا بدعواه، هذا مع اعتقادي مزيد جلالته، وفرض سعة اطلاعه، ورسوخ قدمه، وتمكنه من العلوم الشرعية وآلاتها، وأما الاجتهاد فدونه خرط القتاد.
    هذا يقال عن السيوطي فما بالك بمن دونه بمراحل مثل المقدس.
    [32]- كتاب "شرح مقامات جلال الدين السيوطي" للأستاذ سمير محمود الدروبي طبعة الأولى مؤسسة الرسالة.


    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2023-07-17, 03:08 PM.

  • #2
    جزاك الله خيرا أخي الفاضل عبد الصمد

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا وبارك فيك أخي الفاضل عبد الصمد

      تعليق


      • #4
        جزاك الله خيرا وبارك فيك اخي الفاضل عبد الصمد

        تعليق


        • #5
          جزاكم اللّه خيرا و بارك فيكم أخي عبد الصّمد .

          تعليق


          • #6
            جزاك الله خيرا وبارك فيك

            تعليق


            • #7
              جزاك الله خيرا أخي الفاضل عبد الصمد

              تعليق


              • #8
                وإياكم إخواني الكرام جميعا وبارك الله فيكم وأجزل مثوبتكم

                تعليق

                الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
                يعمل...
                X