إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الإحالة على من ملئ علمًا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإحالة على من ملئ علمًا

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الإحالة على من مُلئ علمًا

    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
    أما بعد:
    فقد أرشد الله تعالى عباده بسؤال أهل العلم وأحال عليهم ونصح بهم؛ فقال الله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}[النحل: 43].
    قال العلامة السعدي رحمه الله في ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 519): ((وأن البشر لا طاقة لهم بتلقي الوحي من الملائكة {قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا} فإن حصل معكم شك وعدم علم بحالة الرسل المتقدمين {فاسألوا أهل الذكر} من الكتب السالفة كأهل التوراة والإنجيل يخبرونكم بما عندهم من العلم وأنهم كلهم بشر من جنس المرسل إليهم.
    وهذه الآية وإن كان سببها خاصا بالسؤال عن حالة الرسل المتقدمين لأهل الذكر وهم أهل العلم فإنها عامة في كل مسألة من مسائل الدين أصوله وفروعه إذا لم يكن عند الإنسان علم منها أن يسأل من يعلمها ففيه الأمر بالتعلم والسؤال لأهل العلم ولم يؤمر بسؤالهم إلا لأنه يجب عليهم التعليم والإجابة عما علموه.
    وفي تخصيص السؤال بأهل الذكر والعلم نهي عن سؤال المعروف بالجهل وعدم العلم ونهي له أن يتصدى لذلك)) اهـ.

    لهذا من أحال على الجهّال كان غاشًّا، ويزداد الأمر سوءا إن كانت الإحالة في نازلة من النّوازل التي تجتاح الأمّة.
    إذا من أحال فليحل على ملئ، وهذا من النصيحة لعامة المسلمين، وهذا ما حث عليه ربنا عز وجل، وأرشد إليه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.
    قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((شرح العقيدة السفارينية)) (1/ 311): ((والدليل على ذلك أن الله أحال على سؤال أهل العلم في مسالة من مسائل الدين التي يجب فيها الجزم، فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[الأنبياء: 7]، وواضح إننا نسألهم لنأخذ بقولهم، ومعلوم أن الإيمان بان الرسل رجال هو من العقيدة، ومع ذلك أحالنا الله فيه إلى أهل العلم.
    وقال تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}[يونس: 94] وإنما يسألهم ليرجع إليهم، وإذا كان هذا الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ولم يشك، فنحن إذا شككنا في شيء من أمور الدين فنرجع إلى الذين يقرؤون الكتاب، أي إلى أهل العلم لنأخذ بما يقولون. وهذا عام يشمل مسائل العقيدة، ثمّ إنّنا لو ألزمنا العامّيّ بترك التّقليد والتزام الأخذ بالاجتهاد)) اهـ.

    وهذه بعض الصور من إحالة النّبيّ عليه الصلاة والسلام على مليئ:
    عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتاه بين أبي بكر، وعمر، وعبد الله يصلّي، فافتتح النّساء فسحلها، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «من أحبّ أن يقرأ القرآن غضّا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أمّ عبد». أخرجه ابن ماجه في ((السنن)) (رقم: 4194) وأحمد في ((المسند)) (رقم: 4255 و 4340) وابن حبان في ((صحيحه)) (رقم: 7067) وأبو يعلى الموصلي في ((المسند)) (رقم: 5058 و 5059) والطيالسي في ((المسند)) (رقم: 332) والبزار في ((المسند)) (رقم: 1543 و 1564 و 1831) وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (رقم: 30136) وفي ((المسند)) (رقم: 398) والشاشي في ((المسند)) (رقم: 908) والطبراني في ((المعجم الكبير)) (رقم: 8414 و 8415 و 8462 و 8463 و 8464 و 8465) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (رقم: 2880) وفي ((الدعوات الكبير)) (رقم: 232)، وصححه الألباني.
    وجاءت رواية بلفظ: ((رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد)). هذه الرواية أودعها العلامة الألباني رحمه الله في ((الصحيحة)) (رقم: 1225).
    وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرحم أمّتي بأمّتي أبو بكر، وأشدّهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أُبيّ، ولكلّ أمّة أمين؛ وأمين هذه الأمّة أبو عبيدة بن الجرّاح)). أخرجه الترمذي في ((الجامع)) (رقم: 3790 و 3791) وابن ماجه في ((السنن)) (رقم: 154) وأحمد في ((المسند)) (رقم: 12904 و 13990) وابن حبان في ((صحيحه)) (رقم: 7131 و 7137 و 7252) والحاكم في ((المستدرك على الصحيحين)) (رقم: 5784) والنسائي في ((السنن الكبرى)) (رقم: 8185 و 8229) والطيالسي في ((المسند)) (رقم: 2210) والبزار في ((المسند)) (رقم: 6786 و 6787) والطحاوي في ((مشكل الآثار)) (رقم: 808) والطبراني في ((المعجم الصغير)) (رقم: 556) والبغوي في ((شرح السنة)) (رقم: 3930) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (رقم: 12186 و 12188) وفي ((معرفة السنن والآثار)) (رقم: 12515) والضياء في ((لأحاديث المختارة)) (رقم: 2240 و 2241 و 2242 و 2568)، وصححه الألباني ومحققو مسند الإمام أحمد. وقال صاحب كتاب ((تراجعات الألباني)): ((وهذا حديث ضعفه الشيخ رحمه الله ثم حسنه لغيره)) اهـ.

    وهذه سنّة سلفنا الكرام قولا وعملا، وأذكر بعض ما جاء عنهم من التّطبيق العمليّ لهذا السّنّة التي لم يحسن تطبيقها من يشار إليه البنان، وغشّ الأتباع فوقع في الهوان.
    - عن شريح بن هانئ، قال: أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفّين، فقالت: عليك بابن أبي طالب، فسله فإنّه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه.
    فقال: «جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيّام ولياليهنّ للمسافر، ويوما وليلة للمقيم»، قال: وكان سفيان، إذا ذكر عمرا، أثنى عليه. أخرجه مسلم (رقم: 276).

    - وعن علي بن عبد الله البارقي قال: استفتتني امرأة بمكّة، فقلت لها: هذا عبد الله بن عمر عليك به فاستفتيه، فاندفعت نحوه؛ فاتبعتها أسمع ما تقول، فقالت: أفتني عن الجبن؟ فقال: وما الجبن؟ قالت: شيء نصنعه من اللّبن كذا وكذا ويجبنون الأنفحة، فقال عبد الله: ما يصنع المسلمون وأهل الكتاب فَكُلِيهِ؛ وما لم يصنعوه فلا تأكليه"، قالت: يا عبد الله أفتني عن الجراد؟ قال: ذكي كله، قالت: يا عبد الله أفتني عن الذهب، قال: يكره للرجال، قالت: فأفتِني عن الحَرير؟ قال: نهى عنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير)) (13، 14/52) (رقم: 13676)، قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد ومنبع الفوائد)) (5/ 43): رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، خلا شيخه وهو ثقة.

    - وعن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطّاب، قال: لمّا نشأت فأردت أن أطلب العلم فجعلت آتي أشياخ آل عمر رجلا رجلا فأقول ما سمعت من سالم؟ فكلّما أتيت رجلا منهم قال: عليك بابن شهاب؛ فإنّ ابن شهاب كان يلزمه، قال: وابن شهاب بالشّام حينئذ، قال: فلزمت نافعا؛ فجعل الله في ذلك خيرا كثيرا. أخرجه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (2/ 388) وابن أبي خيثمة في ((التاريخ الكبير)) (رقم: 2698) والفسوي في ((المعرفة والتاريخ)) (1/ 638) وابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (8/ 73) وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (55/ 315 و 61/ 431).

    - وقال أبو جعفر بن جرير: ولم يكن أحد يدفع عكرمة عن التّقدم في العلم بالفقه والقرآن وتأويله وكثرة الرواية للآثار، وأنّه كان عالما بمولاه وفي تقريظ جلة أصحاب بن عباس إيّاه ووصفهم له بالتّقدم في العلم وأمرهم الناس بالأخذ عنه. ذكره ابن حجر في ((فتح الباري)) (1/ 429).

    - وعن موسى بن أبي سلمة قال: قدمت المدينة فأتيت مالك بن أنس فقلت: أني قدمت لأحمل عنك العلم، وعمن تأمر به، قال: عليك بابن أبي الزناد. أخرجه أبو زرعة الرازي كما في ((سؤالات البرذعي)) (2/ 425 - 426) والخطيب البغدادي في ((تاريخ بغداد)) (11/ 494).

    - ويحيى بن عبدويه، صاحب شعبة، كان ببغداد، روى عن جعفر بن كزال، وعبد الله بن أحمد، أثنى عليه أحمد بن حنبل، وأمر ابنه بالاخذ عنه. ذكره الذهبي في ((ميزان الاعتدال)) (4/ 394).

    - وقال عثمان بن زائدة: قلت لسفيان الثوري: ممن نسمع؟ قال: عليك بابن عيينة، وزائدة. ذكره الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (8/ 462).

    - وقال محمد بن عبد الوهاب - وهو من المكثرين عن جعفر -: قال لي أحمد بن حنبل: أين تريد؟ فقلت: الكوفة، فقال: عليك بابن عون -يعني: جعفر بن عون.
    ذكره الذهبي في ((تاريخ الإسلام)) (5/ 44) وفي ((سير أعلام النبلاء)) (9/ 440).

    - وكان ورقاء بن عمر بن كليب اليشكري الكوفي يكنى أبا بشر، نزل المدائن؛ روى عن عمرو بن دينار وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم وأبي الزناد في آخرين، روى عنه ابن المبارك وشعبة ويزيد بن هارون وأبو نعيم وآخرون، قال شعبة لأبي داود الطيالسي: عليك به فإنك لا تلقى بعده مثله حتى ترجع. ذكره العراقي في ((طرح التثريب في شرح التقريب)) (1/ 121).
    هذا صنيع الرجال المنصفين والعلماء المحققين والمشايخ الناصحين، والغاشون يحيلون على الجاهلين وأصاغر العلم وأهل البدع والأهواء.
    هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    ـــــــــــــــــــــــــ
    كتبه
    عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
    طرابلس الغرب: يوم الأربعاء 4 ذي القعدة سنة 1444 هـ
    الموافق 24 مايو 2023 ف
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2023-05-24, 02:30 PM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
يعمل...
X