إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مهلا يا دعاة التقديس (الحلقة الأولى)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [متجدد] مهلا يا دعاة التقديس (الحلقة الأولى)

    بسم الله الرحمن الرحيم

    مهلا يا دعاة التّقديس!
    (الحلقة الأولى)
    ــ . ــ




    الحمد لله وكفى، والصّلاة والسّلام على النّبيّ المصطفى، وآله وصحابته الكرام الشّرفا؛
    أمّا بعد:
    فقد رأيتم ورأينا من طاغوت التعصب والتقديس ما أذهل أهل العقول وحيّرهم، ولم نكن قبل هذا نتخيل أن يصدر مثل عن السلفيين، حتى فاجأنا هولاء القوم بالعجب العجاب من كلمات المدح الغالي والتقديس والشطط ما صرنا نستحيي أن نذكره لقبحه.
    وهذا ما دفعني لكتابة هذه الاعتراضات العلمية ليعلم هؤلاء أن شيخهم يخطئ؛ وهذا حال كلّ البشر، ليس فيهم معصوم؛ إلا الأنبياء بما عصمهم الله.
    وحقيقة هذه الاعتراضات المأخوذة من كتاب (فتح المأمول)، أني وقفت على بعضها لما درست الكتاب سابقا.
    فبعثت بأكثر ما وقفت عليه مستشكلا مع بعض الأسئلة له في سنة 2006 أو 2007 - خانتني الذاكرة –، وبعث هو يريد مقابلتي مع الشخص الذي سلّمه الملاحظات إذ ذاك، ثمّ أخبرني أنّه عزف عن مقابلي ولم أدر ما السّبب؟!
    ولكني فوجئت بعد ذلك لما خرج الإصدار الثاني من الكتاب أنّه اختار بعض تلك الاستشكالات والأسئلة وسمّاني معترضا ووصفني بالجهل المركّب مع أنّني إنّما كنّت أسأل وأستوضح في أدب واحترام.
    وآلمني ذلك كثيرا، وهو مع ذلك أعرض عن الإجابة عن أكثرها.
    فشرعت في كتابة جميع المؤاخذات على الكتاب، فكتبت كثيرا منها قارب المائة في بضعة أيّام ثمّ تركت ذلك، وقد كنت نويت أن أرسلها إليه.
    ومضت الأيام ونسيت الورقات وكان مقامه إذ ذاك ودرجته منعتني أن أبديَ أيّ رَدّة فعل بعد ذلك.
    واليوم دعت الحاجة إلى كسر حاجز الغلوّ وإسقاط هالة التّقديس عنه.
    وسأشرع -إن شاء الله- في بيان المؤاخذات على شكل حلقات متتابعة لبيان الحقيقة لعل بعض هؤلاء المغيّبين يترك التّقديس.

    ملاحظة:
    * هناك أمور يمكن التجاوز عنها ولكني ذكرت كل دقيقة وجليلة.
    * طبعة الكتاب التي اعتمدت عليها سابقا هي الطبعة الثانية والآن أنا أعتمد على الطبعة السادسة 2015 دار العواصم.
    * ستكون هذه الاعتراضات على شكل حلقات إن شاء الله.
    * الحلقة الأولى فيها 121 اعتراض مأخوذة من 34 صفحة الأولى من الشرح أي من صفحة 67 إلى 100.
    * الطابع العام على الشرح ضعف في التعابير وعدم الترابط وكثرة التناقضات اللفظية وانعدام الدّقة العلمية كما سترونه، مع تشبع ببعض الفقرات من الكتب أو لنقل من المكتبة الشاملة.
    ــــــ . ــــــ
    الحلقة الأولى:
    ==========




    قال الدّكتور -هداه الله-: "لعلَّ عدول المُصنِّف مِنْ لفظِ: «علم» إلى «معرفة» يُفسَّرُ باختياره للتفريق بينهما مِنْ ناحيةِ أنَّ معنى «العلم» محصورٌ بالتصديق على وجهِ القطع، أمَّا «المعرفة» فسبيلُها الظّنُّ، فضلًا عن شمولها لليقين، وهو مذهبُ بعض الأصوليِّين؛ لِيَخْرُجَ مِنَ الحدِّ: عِلْمُ الله تعالى؛ لأنَّ عِلْمَه تعالى لا يُوصَفُ بأنّه مأخوذٌ مِنَ الأدلَّة لكونه أزليًّا غيرَ مُكْتَسَبٍ، ولأنَّ عِلْمَه تعالى قطعيٌّ، وَسِعَ كُلَّ شيءٍ، وأحاطَ بكُلِّ شيءٍ عِلْمًا، وأحصى كُلَّ شيءٍ عدَدًا، بخلافِ عِلْمِ المُحْدَثِين فإنّه مُكْتَسَبٌ مِنَ الأدلَّة؛ لذلك لا يُوصَفُ اللهُ تعالى بكونه عارفًا، ولا يُضافُ إلى الله تعالى إلَّا العلمُ لا المعرفة؛ لأنَّ المعرفة تَسْتدعي سَبْقَ جهلٍ بالمعروف.
    وفيه مَنْ لا يُفرِّقُ بينهما؛ إذ قد يُرادُ بلفظِ المعرفة: العلمُ الذي يكون معلومُه مُعيَّنًا خاصًّا، وبالعلمِ الذي هو قسيمُ المعرفة: ما يكون المعلومُ به كُلِّيًّا عامًّا، وقد يُرادُ بلفظِ المعرفة: ما يكون معلومُه الشّيءَ بعَيْنِه، وإِنْ كان لفظُ العلمِ يَتناوَلُ النّوعين في الأصل
    ". [ص67]

    الاعتراضات:
    1- قوله: "أنَّ معنى «العلم» محصورٌ بالتّصديق على وجهِ القطع" ليس في العلم معنى التّصديق مطلقا لا في اللّغة ولا الأصول؛ بل العلم محصور في الإدراك على وجه القطع. (وإن كنت لا أرى حاجة لكلمة محصور).
    2- قوله: "أمَّا «المعرفة» فسبيلُها الظنُّ" ليس سبيل المعرفة هو الظّنّ؛ بل سبيل المعرفة مطلق الإدراك الشّامل للظّنّ واليقين معا.
    3- قوله: "أمَّا «المعرفة» فسبيلُها الظنُّ، فضلًا عن شمولها لليقين" وهذا التّعبير من التّناقض العجيب الذي تمجّه القرائح العربية، فهو حصر المعرفة في الظّنّ أوّلا -فلا تشمل اليقين- ثمّ جعلها شاملة لليقين على سبيل الأولويّة، فإنّك لو قلت: الوحي يشمل السّنّة فضلا على شموله للقرآن لكان تعبيرا مستقيما يدلّ على شمول الوحي للقرآن على سبيل الأولويّة، وشموله للسّنّة على سبيل التّبعيّة.
    4- قوله: "وهو مذهبُ بعض الأصوليِّين" بل هو مذهب أكثر العلماء -أيّ الفرق بين العلم والمعرفة- وعبارة الدّكتور توحي بقلّة قائليه.
    5- قوله: "ولأنَّ عِلْمَه تعالى قطعيٌّ" هذا تناقض لأنّه جعل المعرفة شاملة لليقين، وجعل المخرج لعلم الله تعالى كونه قطعيّا.
    6- قوله: "ولأنَّ عِلْمَه تعالى قطعيٌّ" لا يكون مخرجا لعلم الله من الحدّ، ولكن المخرج؛ كما قال هو بعدها "لأنَّ المعرفة تَسْتدعي سَبْقَ جهلٍ بالمعروف" وهو ما ذكره العلماء في عدم وصف الله بالعارف؛ لأنّ المعرفة يسبقها الجهل.
    7- قوله: "وفيه مَنْ لا يُفرِّقُ بينهما؛ إذ قد يُرادُ ..." تناقض مؤصَّل، فقد فسر قول من لا يفرِّق بينهما بالتّفريق بينهما، فقوله "إذ قد يُرادُ …" كلّها فروق.

    * * *



    قال الدّكتور -هداه الله-: "جمعُ قاعدةٍ، وهي: «كُلُّ قضيَّةٍ كُلِّيَّةٍ تدخل تحتها جزئيَّاتٌ كثيرةٌ»، والأَوْلى تقييدُ القاعدةِ بلفظةِ: «عامَّة» أو «كُلِّيَّة»؛ ذلك لأنَّ القاعدة الأصولية تنبني عليها الفروعُ التشريعية، فلا تَثْبُتُ إلَّا مِنْ دليلٍ، وهي دلائلُ الفقهِ الإجماليةُ، وهي راجعةٌ إلى: استقراءِ نصوصِ الكتاب والسنَّة الصحيحة، وإجماعِ السَّلَفِ الصالح والآثارِ المَرْوِيَّة عنهم، وإلى اللغة العربية وعلومِها، وإلى الفطرة السَّوِيَّة والعقل السليم؛ فلا يدخل في عِلْمِ الأصول الدليلُ التفصيليُّ للأحكام الجزئية في عِلْمِ الفقه والخلاف. وعليه؛ فإنَّ موضوعَ عِلْمِ أصولِ الفقه هو: «الأدلَّةُ الشرعية ومَراتِبُها وأحوالُهَا».[ص68]

    الاعتراضات:
    8- قوله: "والأَوْلى تقييدُ القاعدةِ بلفظةِ: عامَّة أو كُلِّيَّة، ذلك لأنَّ القاعدة الأصوليّة تنبني عليها الفروعُ التشريعية، فلا تَثْبُتُ إلَّا مِنْ دليلٍ" فيه ثلاث جمل ركّبها تركيبا غريبا عن لساننا العربي، فالجملة الأولى معلّلة بالثّانية والثانية معلّلة بالثّالثة، فإن ارتضينا تعليل الأولى بالثّانية كانت الثّالثة غير مرتبطة بالكلام وكانت الفاء غريبة في موضعها. إن ارتضينا تعليل الثانية بالثالثة كانت الأولى قبلهما غير مرتبطة، وكانت كلمة "لأن" غريبة في موضعها.
    9- قوله: "... فلا يدخل في عِلْمِ الأصول الدليلُ التّفصيليُّ ..." الفاء لا يوجد كلام قبلها تربطه بما بعدها.
    10- قوله: "فلا يدخل في عِلْمِ الأصول الدليلُ التفصيليُّ ..." هذا بإطلاق خطأ وسيردّ الدكتور على نفسه قريبا جدا، والدليل التفصيلي داخل في علم الأصول من جهة اعتباره ككلّ في عملية الاستنباط، ومن جهة التمثيل به كآحاد في هذا العلم، والصحيح أن يقال فلا يدخل في عِلْمِ الأصول تتبع آحاد الأدلة التفصيليّة الجزئية للأحكام الفقهية.
    11- قوله: "وعليه؛ فإنَّ موضوعَ عِلْمِ أصولِ الفقه هو: «الأدلَّةُ الشرعية ومَراتِبُها وأحوالُهَا»" هذا كلام ناقص؛ بل موضوع عِلْمِ أصولِ الفقه هو الأدلَّةُ الشرعية ومَراتِبُها وأحوالُهَا وكيفية استنباط الأحكام الجزئية منها على وجه الإجمال.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "استعمل المُصنِّفُ لَفْظَ: «يُعْرَفُ» في الحدِّ، وهو تَكرارٌ لِلَفْظِ «المعرفة»، ويُسْتَحْسَنُ -عند العُلَماء- صَوْنُ الحدودِ عن التَّكرار. ويمكن أَنْ يُقال: «.. التي يُتوصَّلُ بها إلى استفادةِ أحكام الأفعال مِنْ أدلَّة الأحكام»".[ص68]

    الاعتراضات:
    12- قوله: "ويُسْتَحْسَنُ -عند العُلَماء- صَوْنُ الحدودِ عن التَّكرار" التّكرار الذي يستحسن العلماء تركه هو "الدور" وهو تكرار لفظ المحدود في حده، وليس الأمر هنا كذلك.
    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "والمُرادُ به: الأحكامُ التي تقتضي عملًا أو فعلًا مِنْ أفعال المكلَّفين، وهي: عَمَلُ القلب: كوجوب النيَّة، وعَمَلُ اللسان: كالقراءة والذِّكْر، وعَمَلُ الجوارح: كالعبادات البدنية والجهاد.
    ويَلْزَمُ مِنْ هذا القيدِ: خروجُ الأحكام الاعتقادية: كالعلم بوحدانية الله، وأنه يُرى في الآخرة، وأنَّ البعث حقٌّ، والرسولَ حقٌّ، والاحترازُ مِنَ الأخلاقية: كالصدق والسخاء والوفاء، والأحكامِ النظرية: كالعلم بأنَّ القياس حُجَّةٌ؛ فهذه الأحكام لا تتعلَّق بكيفية عَمَلٍ.
    هذا، والعُلَماءُ يُقيِّدون الأحكامَ بصفةِ: «الشرعية» لتَخْرُجَ منها: الأحكامُ العقلية، مثل: «الكُلُّ أَعْظَمُ مِنَ الجزء»، و«الواحدُ نصفُ الاثنين»، والأحكامُ اللغوية مثل: «الفاعلُ مرفوعٌ»، و«المفعولُ منصوبٌ»، والأحكامُ الحِسِّية: ﻛـ «النارُ مُحْرِقةٌ» و«الماءُ باردٌ»، والأحكامُ العاديَّة: كسقوطِ المطر بعد الرعد
    ".[ص68-69]

    الاعتراضات:
    13- قوله: "والمُرادُ به: الأحكامُ التي تقتضي عملًا أو فعلًا مِنْ أفعال المكلَّفين" هذا التّعبير ليس صوابا؛ بل الصواب الأحكامُ التي تتعلّق بفعل مِنْ أفعال المكلَّفين. فإن الاقتضاء يوسع القضيّة، فالأحكام العقدية -مثلا- تقتضي أفعالا من المكلّفين، كالتعلم والتعليم والولاء والبراء وغيرها.
    14- قوله: "عملًا أو فعلًا" لا فرق بين العمل والفعل ولا وجه للعطف بينهما هنا بأو.
    15- قوله: "عَمَلُ القلب: كوجوب النيَّة" النية هي عمل القلب وليس وجوبها.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "الجارُّ والمجرورُ متعلِّقان بالفعل «تُستفادُ»، وكيفيةُ استفادةِ الأحكامِ ناشئةٌ عن معرفة القواعد المُكْتَسَبةِ منها، ويخرج مِنْ ذلك المعرفةُ أو العلمُ الذي لا يتوقَّف على دليلٍ: كعلم الله وعلمِ رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم وعلمِ جبريل؛ فهي غيرُ مُكْتَسَبةٍ ولا ناشئةٍ مِنَ الأدلَّة، كذلك العلمُ الحاصل للمُقلِّد؛ فهو يعلم أنها حكمُ الله مِنْ غير معرفتها مِنْ دليلٍ".[ص69]

    الاعتراضات:
    16- قوله: "وكيفيةُ استفادةِ الأحكامِ ناشئةٌ عن معرفة القواعد" هذا التعبير خطأ، فالكيفية لا تنشأ بل تعرف فهي موجودة قبل وجود القواعد وإنما جاءت القواعد معبرة عن الكيفيات، فالصحابة رضوان الله عليهم استنبطوا الأحكام بكيفية الاستفادة المكتسبة عندهم سليقة، ثم قعد العلماء القواعد لتعبر عن هذه الكيفيّات، والتعبير الصحيح ومعرفة كيفيةُ استفادةِ الأحكامِ تنضبط بمعرفة القواعد.
    17- قوله: "وكيفيةُ استفادةِ الأحكامِ ناشئةٌ عن معرفة القواعد المُكْتَسَبةِ منها" منها ضمير يعود على مجهول!!
    18- قوله: "ويخرج مِنْ ذلك" الصحيح ويخرج بهذا.
    19- قوله: "فهي غيرُ مُكْتَسَبةٍ" هذا التعبير يوهم تسوية بين علم الخالق الذي هو صفته الذاتية غير المخلوقة ولا المكتسبة وبين علم المخلوق المكتسب المسبوق بالعدم ثم الجهل، فعلم الأنبياء والملائكة مكتسب من عند الله، ناشئ عن خطاب الله ووحيه، سبقه جهل.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "والمقصودُ بأدلَّةِ الأحكامِ هو: الأدلَّةُ التفصيلية الجزئية على حادثةٍ معيَّنةٍ في مُقابِل الأدلَّة الإجمالية الكُلِّيَّة كقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ﴾[البقرة: ٤٣؛ وغيرها]: هو دليلٌ جزئيٌّ على حادثةٍ مُعيَّنةٍ، وهي الصلاة، وحكمُها الوجوبُ استنادًا إلى قاعدةِ: «الأَمْرُ يُفِيدُ الوُجُوبَ»، وهي دليلٌ إجماليٌّ كُلِّيٌّ. وقولِه تعالى: ﴿وَلَا تَقرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ﴾[الإسراء: ٣٢]: دليلٌ تفصيليٌّ على حادثةِ قربانِ الزِّنا، وحكمُها التحريمُ اعتمادًا على قاعدةِ: «النَّهْيُ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ»، وهي دليلٌ إجماليٌّ كُلِّيٌّ".[ص69]

    الاعتراضات:
    20- قوله: "والمقصودُ بأدلَّةِ الأحكامِ هو: الأدلَّةُ التفصيلية الجزئية على حادثةٍ معيَّنةٍ" فيه تناقض -كما في المؤاخذة العاشرة- وأدخل الأدلة الجزئية في أصول الفقه.
    21- قوله: "الأدلَّةُ التفصيلية الجزئية على حادثةٍ معيَّنةٍ...كقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ﴾ هو دليلٌ جزئيٌّ على حادثةٍ مُعيَّنةٍ، وهي الصلاة" هذا خطأ فالأدلة التفصيلية أدلة على الأحكام لا على الحوادث، فـ ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ﴾ دليلٌ جزئيٌّ على وجوب الصلاة لا على الصلاة.
    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "والمَعْنيُّ ﺑ «الجوارح الباطنة»: هو القلبُ فقط، بأعماله مِن نيَّةٍ وإخلاصٍ وتصديقٍ وتَقْوَى وخشيةٍ ونحوِ ذلك، وغُلِّب عليه الجمعُ مِن باب المُشاكَلة، أو لكونه المتصرِّفَ في الجوارح كُلِّها، بخلافِ الجوارح الظاهرةِ التي يكتسب بها الحسناتِ أو يرتكب بها السَّيِّئاتِ؛ فلا يقتصرُ على عضوٍ واحدٍ، بل هو شاملٌ لكُلِّ عضوٍ عاملٍ في الجسدِ كاليد والرِّجْل ونحوِهما".[ص70]

    الاعتراضات:
    22- قوله: "...فلا يقتصرُ على عضوٍ واحدٍ، بل هو شاملٌ لكُلِّ عضوٍ..." والأقرب أن يقال: فلا يقتصرُ فيها على عضوٍ واحدٍ، فالجمع شاملٌ لكُلِّ عضوٍ...

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: و«مقتضى طَلَبِ اللهِ وإذنِه» هو حُكْمُه المُتعلِّقُ بفعلِ المكلَّف، ويُشْترَطُ في التكليفِ بالفعل: أَنْ يكون معلومًا للمأمور ليُتصوَّرَ قَصْدُه إليه، وأَنْ يكون معلومًا كونُه مأمورًا به مِن جهةِ الله تعالى، حتَّى يُتصوَّر فيه قَصْدُ الامتثالِ والطاعة؛ إذ لا تُمْكِنُ نيَّةُ التقرُّبِ إلى الله تعالى إلَّا بعد معرفةِ أنَّ الأمرَ المتقرَّبَ به إليه أمرٌ منه عزَّ وجلَّ.[ص70]

    الاعتراضات:
    23- قوله: "ويُشْترَطُ في التكليفِ بالفعل..." هذا إقحام لها في هذا الموضع وكان الأولى بالدّكتور أن يتحدّث عن العبوديّة الحاصلة للعبد بفعل ما أمر بفعله وترك ما أمر بتركه، وكيفيّة تأثيرها عليه.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "سيأتي تفصيلُه لقوله: «أَنْ يكون مُطيعًا في جميعِ أفعالِه»، المُتمثِّل في طَلَبِ الفعل والتركِ والإذن، وهذا البابُ يُمْكِنُ الاستغناءُ عنه؛ لأنه تقريرٌ للمحكوم فيه، وهو فعلُ المكلَّف به، الذي أعادَهُ في مُقْتَضَياتِ الحُكْمِ".[ص71]

    الاعتراضات:
    24- قوله: "سيأتي تفصيلُه لقوله: «أَنْ يكون مُطيعًا في جميعِ أفعالِه»" ليس هذا ما أتى تفصيله بل أتى تفصيل الطلب بنوعيه والإذن دون التفصيل في تحقيق الطاعة المقصود لصاحب المتن.
    25- قوله: "سيأتي تفصيلُه لقوله: «أَنْ يكون مُطيعًا في جميعِ أفعالِه»، المُتمثِّل في طَلَبِ الفعل والتركِ والإذن" التعبير خطأ، فما هو التفصيل المتمثل في طلب الفعل والترك والإذن؟ فليس المطيع ولا الأفعال.
    26- قوله: "وهذا البابُ يُمْكِنُ الاستغناءُ عنه" هذا باب قيم في الكتاب ولا يمكن الاستغناء عنه، فهو الباب الذي يبين حقيقة المراد من تعلم أصول الفقه ومعرفة أحكام الله.
    27- قوله: "وهذا البابُ يُمْكِنُ الاستغناءُ عنه؛ لأنه تقريرٌ للمحكوم فيه" وهذا باب ليس تقريرا للمحكوم فيه بل هو تقرير لحقيقة العبودية الناشئة عن التزام أحكام الله.
    28- قوله: "وهو فعلُ المكلَّف به" التعبير خطأ، فالمكلف به هو الفعل وهو أراد فعل المكلف، فينبغي حذف "به".
    29- قوله: "الذي أعادَهُ في مُقْتَضَياتِ الحُكْمِ" هذا باب لم يعد في مقتضيات الحكم ولا بعده ولا قبله.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: أحكام الله تعالى على قسمين:
    أحكامٌ اعتقاديةٌ: تُبْحَثُ في علمِ العقائد.
    وأحكامٌ عمليةٌ: وهي الحُكمُ الشرعيُّ الفرعيُّ المعرَّف ﺑ «خطاب الله المُتعلِّق بأفعال المكلَّفين على جهةِ الاقتضاء أو التخيير أو الوضع»، وعُرِّف -أيضًا- بأنه: «خطاب الله المُتعلِّقُ بالمكلَّف مِنْ حيث إنه مُكلَّفٌ
    ».[ص72]

    الاعتراضات:
    30- قوله: "أحكام الله تعالى على قسمين" كان الأولى تقييد الأحكام بالشرعية، لأن أحكام الله تنقسم إلى أحكام شرعية وأحكام قدرية.
    31- قوله: "أحكامٌ اعتقاديةٌ: تُبْحَثُ في علمِ العقائد" هذا هو الدور –التكرار كما عبر عنه الدكتور– الذي لا يستحسنه العلماء في الحدود.
    32- قوله: "وهي الحُكمُ الشرعيُّ الفرعيُّ" التعبير الصحيح هو الحُكمُ الشرعيُّ العملي، لأن الأحكام الشرعية تنقسم إلى عملية واعتقادية أما التقسيم إلى فروع وأصول ففيه خلط عند معتمديه.
    *- قوله: "«خطاب الله المُتعلِّقُ بالمكلَّف مِنْ حيث إنه مُكلَّفٌ»" لعله سقط والصواب المتعلق بفعل المكلف.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "واختيارُ الإفرادِ في إطلاقِ لفظِ: «المكلَّف» أَبْلَغُ مِنْ حيث شُمولُه لخصوصيَّات الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم وخصوصيةِ أحَدِ الصحابة؛ ذلك لأنَّ الجمع قد لا يَشْمَلُ الأحكامَ الخاصَّة، ولأنَّ نَفْيَ الفردِ يَسْتَلْزِمُ نفيَ الجمع، ونفي الجمعِ لا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الفردِ على ما تَقرَّرَ في موضعه.
    ويخرج مِنْ ذِكْرِه لِلَفْظِ: «المكلَّف»: الصبيُّ بالأصالة، والمجنونُ بعارضٍ قَهريٍّ قويٍّ وهو الجنون، والناسي -حالَ نسيانه- بعارضٍ ضروريٍّ خفيفٍ، والنائمُ حالَ نومِه بعارضٍ طبيعيٍّ، والسكرانُ بعارضٍ اختياريٍّ، والمُكْرَهُ بعارضٍ أجنبيٍّ، وغيرُهم
    ".[ص72]

    الاعتراضات:
    33- قوله: "واختيارُ الإفرادِ في إطلاقِ لفظِ: «المكلَّف» أَبْلَغُ مِنْ حيث شُمولُه لخصوصيَّات الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم وخصوصيةِ أحَدِ الصحابة" هذا من التكلف، فإن لفظ المكلف لفظ عام كما تقرر وهو في معنى المكلفين دون نقصان.
    34- قوله: "ذلك لأنَّ الجمع قد لا يَشْمَلُ الأحكامَ الخاصَّة" هذه مغالطة، ليس النبي صلى الله عليه وسلم خارجا عن اسم المكلفين ولا آحاد الصحابة!!
    35 - قوله: "ولأنَّ نَفْيَ الفردِ يَسْتَلْزِمُ نفيَ الجمع، ونفي الجمعِ لا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الفردِ على ما تَقرَّرَ في موضعه" لا نفي هنا وليس هذا موضعه، بل هو مقحم هنا.
    36 – قوله: "ويخرج مِنْ ذِكْرِه لِلَفْظِ: «المكلَّف»: الصبيُّ بالأصالة، والمجنونُ بعارضٍ قَهريٍّ قويٍّ ..." كثير من عبارات الدّكتور المنقولة عن العلماء (دون عزو) مثل هذه العبارة تحتاج إلى شرح؛ لأنّ هذا الشّرح موجّه للمبتدئين.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: وقولُه: إنَّ حُكْمَ اللهِ تَعَلَّقَ بفعلِ المكلَّف: يَخرُجُ منه كُلُّ ما لا يتعلَّق بالأفعال، ومِنْ ذلك:
    ـ ما يتعلَّق بذات الله تعالى، كقوله عزَّ وجلَّ: ﴿شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ﴾ [آل عمران: ١٨].
    ـ وما يتعلَّق بصفته، كقوله سبحانه: ﴿ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلحَيُّ ٱلقَيُّومُ﴾ [البقرة: ٢٥٥؛ آل عمران: ٢].
    ـ وما يتعلَّق بفعله عزَّ وجلَّ، مثل قوله تعالى: ﴿ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ﴾ [الرعد: ١٦؛ الزُّمَر: ٦٢].
    ـ وما يتعلَّق بذات المكلَّفين، نحو قوله تعالى: ﴿وَلَقَدۡ خَلَقنَٰكُمۡ ثُمَّ صَوَّرۡنَٰكُمۡ﴾ [الأعراف: ١١].
    ـ وما يتعلَّق بالجمادات، كقوله تعالى: ﴿وَيَوۡمَ نُسَيِّرُ ٱلجِبَالَ﴾ [الكهف: ٤٧].
    فهذه الأمورُ المُتقدِّمةُ ليسَتْ أحكامًا عمليةً، مع أنها مِنْ خطاب الله تعالى وكلامِه في القرآن الكريم؛ لعدَمِ تعلُّقها بفعلِ المكلَّف.
    هذا، وحقيقٌ بالتنبيه أنَّ خطاب اللهِ المُتعلِّقَ بفعل المكلَّف ينبغي أَنْ يكون تَعلُّقُه به مِنْ حيث إنه مُكلَّفٌ به؛ ليَخْرُجَ خطابُ اللهِ المُتعلِّقُ بفعلِ المكلَّف لا مِنْ حيث إنه مُكلَّفٌ به، كقوله تعالى: ﴿يَعلَمُونَ مَا تَفعَلُونَ ١٢﴾[الانفطار]، فهو خطابٌ مِنَ الله تعالى، تَعلَّقَ بفعل المكلَّف لا مِنْ حيث إنه مُكلَّفٌ، ولكِنْ مِنْ حيث إنَّ الحَفَظَة يعلمون، وهو ما يُسمَّى ﺑـ: «خطاب التكوين»، [انظر الفتوى رقم:
    (٩٢٧)الموسومة ﺑ: «في إخراج خطاب التكوين مِنْ تعريف الحكم الشرعي»].[ص73]

    الاعتراضات:
    37- قوله: "وقولُه: إنَّ حُكْمَ اللهِ تَعَلَّقَ بفعلِ المكلَّف" هذا ليس كلام صاحب المتن ولا في معناه القريب بل قال رحمه الله: "كُلُّ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ المُكَلَّفِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ اللهِ تَعَالَى"، وهو معنى جليل أغفل الشارح -هداه الله- الإشارة إليه.
    38- قوله: "يَخرُجُ منه كُلُّ ما لا يتعلَّق بالأفعال، ومِنْ ذلك: ما يتعلَّق بذات الله تعالى..." هذا تفصيل لخطاب الله وليس لأحكام الله.
    39- قوله: "﴿يَعلَمُونَ مَا تَفعَلُونَ﴾ ... وهو ما يُسمَّى ﺑـ: «خطاب التكوين»" وهذا خطأ واضح، والعلماء صرحوا بأن خطاب التكوين هو الخطاب الذي يكوِّن به ربنا المخلوقات كقول الله تعالى للشيء: "كن"، والأعجب تسويد فتوى بهذا (بعضها من كلام التفتزاني) وبها مؤاخذات في العقيدة ستأتينا في المؤاخذات -إن شاء الله-.
    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: في هذه العبارةِ احترازٌ مِمَّا ليس للاقتضاء أو التخيير أو الوضع، كالخطاب المتعلِّق بفعل المكلَّف للعبرة والعِظَةِ والإعلام، مثل قوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعمَلُونَ ٩٦﴾ [الصافَّات].
    يُلاحَظُ أنَّ المُصنِّفَ أعادَ ذِكْرَ الحُكْمِ الاقتضائيِّ بعد أَنْ تَناوَلهُ في الباب الأوَّل، وأضافَ إليه الحُكْمَ الوضعيَّ؛ فكان البابُ الثاني أَوْسَعَ مِنَ الباب الأوَّل ومُحْتوِيًا له، والأَلْيَقُ تقديمُ الكُلِّيِّ على الجزئيِّ، انتقالًا مِنَ العامِّ إلى الخاصِّ، كما هو معهودٌ في الترتيب التسلسليِّ العلميِّ، ولو أُدْرِجَ البابُ الأوَّلُ مع الثاني لَكانَ أَنْسَبَ
    .[ص74]

    الاعتراضات:
    40- قوله: "في هذه العبارةِ احترازٌ مِمَّا ليس للاقتضاء أو التخيير أو الوضع، كالخطاب المتعلِّق بفعل المكلَّف للعبرة والعِظَةِ والإعلام" لا زال الدكتور يخلط في هذا الموضع، فصاحب المتن يتكلم عن الأحكام لا عن خطابات المولى جل وعلا.
    41- قوله: "يُلاحَظُ أنَّ المُصنِّفَ أعادَ..." هذا تجن على صاحب المتن فإنه قد أبدع في الترتيب والإفادة مع الاختصار والإحكام، فقد رَقَم بابه الأول في مقتضى العبودية بجريان أفعال المكلفين على وفق الأحكام الإلهية، ثم بين أن الفعل يكونا مطلوب الفعل أو الترك أو مخيرا بين فعله وتركه.
    ثم جاء في بابه الثاني مبينا أن كل فعل من أفعال المكلفين التي بينها أولا قد تعلق به حكم من أحكام الله ثم قسم هذه الأحكام.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: لَمَّا كان «الأمرُ» هو: الطلبَ والاستدعاء والاقتضاء، وهو يدخل فيه طَلَبُ الفعلِ وطَلَبُ الترك؛ عَلِمْنا أنَّ الأمرَ أَصْلٌ والنهيَ فرعٌ عنه، ﻓ «مَا يَثْبُتُ مِنْ مَسَائِلَ وَقَوَاعِدَ فِي الأَصْلِ يَثْبُتُ فِي فَرْعِهِ»؛ فإذا تَقعَّد مَثَلًا أنَّ: «الأَمْرَ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِلَوَازِمِهِ»؛ تَقَعَّدَ مِثْله أنَّ: «النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَمَّا لَا يَتِمُّ اجْتِنَابُهُ إِلَّا بِهِ»، وسيأتي مَزيدُ بيانٍ لهذا في قاعدتَيِ الأمر والنهي.[ص74].

    المؤاخذات:
    42- قوله: "لَمَّا كان «الأمرُ» هو: الطلبَ والاستدعاء …" هذه الفقرة محشورة هنا ولا تشرح المتن.
    43- قوله: "لَمَّا كان «الأمرُ» هو: الطلبَ والاستدعاء والاقتضاء وهو يدخل فيه طَلَبُ الفعلِ وطَلَبُ الترك" هذا كلام غير مضبوط، فالأمر طلب الفعل على وجه الاستعلاء لا مطلق الطلب، فلا يدخل فيه طلب الترك.
    44- قوله: "عَلِمْنا أنَّ الأمرَ أَصْلٌ والنهيَ فرعٌ عنه..." هذا كلام فضفاض، لا يصح بإطلاق فإن الأمر والنهي ضدان، وليسا أصلا وفرعا وإن لوحظ ذلك في المعنى.
    45- قوله: "فإذا تَقعَّد مَثَلًا أنَّ: «الأَمْرَ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِلَوَازِمِهِ»؛ تَقَعَّدَ مِثْله أنَّ: «النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَمَّا لَا يَتِمُّ اجْتِنَابُهُ إِلَّا بِهِ»" هاتان القاعدتان ليستا متماثلتان، فالأَمْرَ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِلَوَازِمِهِ لكن النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ ليس نَهْيا عن لوازمه.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: وهو الجزمُ المقتضي للوعيد على الترك، وهو الإيجابُ، أي: يُثابُ فاعِلُه امتثالًا ويَسْتَحِقُّ تارِكُه العقابَ، ويُعرَّفُ -أيضًا- بأنه: «ما ذُمَّ تارِكُه شرعًا مُطْلَقًا»، نحو قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ﴾ [البقرة: ٤٣]، وقولِه تعالى: ﴿وَٱعبُدُواْ ٱللَّهَ﴾ [النساء: ٣٦]، وقولِه تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ﴾ [البقرة: ١٩٩]، وقولِه تعالى: ﴿فَمَا ٱستَمتَعتُم بِهِۦ مِنهُنَّ فَ‍َٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [النساء: ٢٤].[ص75]

    الاعتراضات:
    44- قوله: "أي: يُثابُ فاعِلُه امتثالًا" جملة التفسير هذه لم تفسر شيئا موجودا قبلها، وقد تكرر نفس الشيء في تعليقه على جميع الأحكام التكليفية، وكان الأولى أن يجعل بدلها كلمة "وهو الذي".

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: إِنْ لم يكن اقتضاءُ التركِ مع الجزم فهو الكراهة، أي: يُثابُ تارِكُه ولا يُعاقَبُ فاعِلُه، ومثالُه: قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى المَسْجِدِ؛ فَلَا يُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعِهِ؛ فَإنَّهُ فِي صَلَاةٍ»...
    ويَصْرِفُه إلى الكراهة ما ثَبَتَ في الصحيح: أنه صلَّى الله عليه وسلَّم «شَبَّك بَيْنَ أَصَابِعِهِ» في المسجد، ...
    وذلك يُفيدُ عَدَمَ التحريمِ ولا يمنع الكراهةَ لكونه فَعَلَه نادرًا،...
    [انظر الفتوى رقم: (٩٢٩)الموسومة ﺑ: «في صحَّةِ صارِفِ النهي عن التشبيك إلى الكراهة»].
    ويجدر التنبيهُ إلى أنه قد يُطْلَقُ لفظُ: «المكروه» على «المحرَّم»، وخاصَّةً في كلام السلف.[ص76]


    الاعتراضات:
    46- قوله: "ويَصْرِفُه إلى الكراهة ما ثَبَتَ في الصحيح" علة النهي عن التشبيك كونه في صلاة وليس كونه في المسجد كما قد صرح به الحديث الصحيح، وهو ما سمعت العلماء يقولون به، وللدكتور فتوى لرد هذا مستدلا بكلام الشوكاني وحديث ضعيف لا ينبغي الاعتراض به على الحديث الصحيح.
    47- قوله: "ويجدر التنبيهُ إلى أنه قد يُطْلَقُ لفظُ: «المكروه» على «المحرَّم»، وخاصَّةً في كلام السلف" تنبيه منقوص، والواجب أن يذكر ما ورد من هذا الاستعمال في كلام الله ورسوله أولا.
    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "وهو ما خَيَّر الشارعُ المكلَّفَ بين فِعْلِه وتَرْكِه؛ فلا حَرَجَ في فِعْلِه أو تركِه، أي: أنه غيرُ مُقْترِنٍ بذَمِّ فاعِلِه أو تارِكِه ولا مَدْحِه، مثالُه: قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم حين سُئِل عن الوضوء مِنْ لحم الغنم: «إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ».[ص77]

    الاعتراضات:
    48- قوله: "غيرُ مُقْترِنٍ بذَمِّ فاعِلِه أو تارِكِه ولا مَدْحِه، مثالُه: قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم حين سُئِل عن الوضوء مِنْ لحم الغنم: «إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ»" ليس هذا مثالا للمباح لأن العبادة أقل أحوالها الاستحباب، هذا من جهة ومن جهة أخرى فتجديد الوضوء يكره لغير حاجة، فإن دعت إليه حاجة كان مستحبا.
    في تحفة الأحوذي: «...إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَتَوَضَّأْ وَلَوْلَا أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ مُسْتَحَب لَمَا أَذِنَ فِيهِ لِأَنَّهُ إِسْرَافٌ وَتَضْيِيعٌ لِلْمَاءِ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ» (220/1)
    وتخيير النبي صلى الله عليه وسلم هنا لرد الوجوب، لا لإثبات الإباحة، وقد يعفى عن التعبير بالإباحة في فتوى لكن لا يعفى عن ذلك في شرح لأصول الفقه.
    والتخيير يأتي لعدة معان: كالتهديد كقوله تعالى: ﴿فَمَن شَآءَ فَليُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَليَكفُرۡ‌﴾
    ويأتي لإباحة الاختيار لا لإباحة المختار كقوله تعالى: ﴿كَفَّـٰرَتُهُۥۤ إِطعَامُ عَشَرَةِ مَسَـٰكِينَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطعِمُونَ أَهلِيكُمۡ أَوۡ كِسوَتُهُمۡ أَوۡ تَحرِيرُ رَقَبَةِِ‌﴾

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "هذا تعريفٌ لمُطْلَقِ الحكم، مثل: إثباتِ الطلوع للقمر، ونفيِ الظلمة عن الشمس.
    أمَّا حقيقتُه:
    ـ فإمَّا أَنْ تكون لغويةً بمعنى القضاءِ والمنع، ومنه قِيلَ للقضاء: حكمٌ؛ لأنه يمنع مِنْ غيرِ المقضيِّ به.
    ـ وإمَّا أَنْ تكون عُرْفيةً، وهي ما عُرِفَتْ نسبةُ إثباتِ أمرٍ لأمرٍ أو نفيِه عنه بالعادة، مثل: «الماءُ مُرْوٍ».
    ـ وإمَّا أَنْ تكون عقليةً، وهي ما عُرِفَتْ فيه هذه النسبةُ بالعقل، مثل: «الكُلُّ أكبرُ مِنَ الجزء».
    ـ وإمَّا أَنْ تكون هذه الحقيقةُ أصوليةً، وهي خطابُ الله تعالى.
    ـ وإمَّا أَنْ تكون فقهيةً، وهي أثَرُ خطابِ الله وهو الحكم
    ".[ص77]

    الاعتراضات:
    49- قوله: "هذا تعريفٌ لمُطْلَقِ الحكم، مثل: إثباتِ الطلوع للقمر، ونفيِ الظلمة عن الشمس" كان الأولى والصحيح التمثيل بـمثل: "طلع القمر"، "ليس في الشمس ظلمة".
    50- قوله: "أمَّا حقيقتُه..." هنا خلط بين الحقائق والأقسام.
    51- قوله: "فإمَّا أَنْ تكون لغويةً بمعنى القضاءِ والمنع" الحُكمُ لغة بمعنى المنع وكلمة القضاء مقحمة ولا تستقيم في السياق.
    52- هذه الفقرة كلها مأخوذة من مذكرة الشنقيطي لكنها محورة فأتت شوهاء.
    53- قوله: "وإمَّا أَنْ تكون فقهيةً، وهي أثَرُ خطابِ الله وهو الحكم" هذا مثل قولنا "الماء سائل شفاف عديم الطعم والرائحة وهو الماء".
    تحتاج إلى صياغة تؤلف بين أجزائها.
    54- قوله: "وإمَّا أَنْ تكون هذه الحقيقةُ أصوليةً" ليس في اصطلاح العلماء ما يسمى بالحقيقة الأصولية، بل يعبرون عن مثل هذا بالحقيقة العرفية الخاصة.
    55- ما عرفه عند الأصوليين والفقهاء هو الحكم الشرعي وليس مطلق الحكم.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "والمُصنِّفُ، وإِنِ اعتبر اصطلاحَ الفُقَهاءِ في التفريق بين الحكم والدليل لاختلافهما في الاعتبار، إلَّا أنه أضافَ فَرْقًا فيما له صيغتان فقط ـ كما تَقَدَّمَ ـ. هذا مِنْ حيث اعتبارُ التفريق، أمَّا مِنْ حيث الإطلاقُ فقَدْ دَرَجَ المُصنِّفُ على منهج الأصوليِّين في جَعْلِ خطاب الله تعالى نَفْسِه هو الحُكْمَ، كما نصَّ عليه صراحةً في قوله: «وَحُكْمُ اللهِ هُوَ طَلَبُهُ أَوْ إِذْنُهُ أَوْ وَضْعُهُ»، ثمَّ سَمَّى الإيجابَ حُكمًا".[ص79]

    الاعتراضات:
    56- قوله: "والمُصنِّفُ، وإِنِ اعتبر اصطلاحَ الفُقَهاءِ في التفريق بين الحكم والدليل" المصنف لم يعتبر اصطلاح الفقهاء بل جرى على طريقة الأصوليين وجعل الخطاب هو نفسه الحكم، كما صرح الشارح في آخر الفقرة.
    57- قوله: "لاختلافهما في الاعتبار" الضمير راجع للدليل والحكم، ولكن لا أدري ماهو الاعتبار الذي اختلف فيه الدليل والحكم، لكن الذين اختلف اعتبارهما هم الأصوليون والفقهاء.
    58- قوله: "إلَّا أنه أضافَ فَرْقًا فيما له صيغتان فقط كما تَقَدَّمَ هذا مِنْ حيث اعتبارُ التفريق" هذه مثل قول الشّاعر:
    (محكوكة العينين معطاء القفا ... كأنما قدت على متن الصفا)
    (تمشي على متن شراك أعجفا ... كأنما تنشر فيه مصحفا).
    وقصتهما في المزهر للسيوطي.



    59 - قوله: "أمَّا مِنْ حيث الإطلاقُ فقَدْ دَرَجَ المُصنِّفُ على منهج الأصوليِّين ..." ناقض كلامه الأول.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "المُباحُ المجرَّدُ لا تكليفَ فيه ولا طَلَبَ، ولا يدخل في أقسام التكليف إلَّا مِنْ باب المُسامَحة وإكمالِ القسمة؛ إذ التكليفُ هو: «الخطابُ بأمرٍ أو نهيٍ»، ويَشْمَلُه التكليفُ إذا ما عُرِّف التكليفُ بأنه «إلزامُ مقتضى خطابِ الشرع».[ص79-80]

    الاعتراضات:
    60- قوله: "ويَشْمَلُه التكليفُ إذا ما عُرِّف التكليفُ بأنه «إلزامُ مقتضى خطابِ الشرع»" هذا ليس كلاما سديدا فإن المباح لا إلزام فيه.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "ومعنى «الوضعِ» أي: أنَّ الله شَرَعَ أمورًا سُمِّيَتْ أسبابًا وشروطًا ومَوانِعَ تُعْرَف عند وجودها أحكامُ الشرعِ مِنْ إثباتٍ أو نفيٍ؛ فالأحكامُ تُوجَدُ بوجود الأسباب والشروط، وتنتفي لوجودِ الموانع وانتفاءِ الأسباب والشروط، فقولُه: «جَعْلُه الشيءَ…» في مَعْنَى الإخبارِ أنَّ الله تعالى جَعَلَ هذه الأمورَ، وأخبرنا بوجودِ أحكامِه أو انتفائها عند وجودِ تلك الأمورِ أو انتفائها".[ص80]

    الاعتراضات:
    61- قوله: "ومعنى «الوضعِ» أي" الجمع بين كلمة "معنى" وكلمة "أي" جمع عجيب غريب، والعبارة الصّحيحة في بعض كتب الأصول "أما معنى الوضع، فهو أن الشرع وضع، أي:شرع أمورا سميت...".
    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "و«السبب»: هو وصفٌ ظاهرٌ مُنْضبِطٌ جَعَلَهُ الشارعُ علامةً مُؤثِّرةً في وجود الحكم لا بذاتها، [انظر الفتوى رقم: (٩٥٠)الموسومة ﺑ: «في فاعليةِ السببِ بعد ورودِ الشرع»]، ورَبَط وجودَ الحكمِ بوجوده، وعدَمَ الحكمِ بعدَمِه، سواءٌ أكان مُناسِبًا لتشريعِ الحكمِ مُناسَبةً ظاهرةً أم لم يكن كذلك، فإِنْ كان الأَوَّل سُمِّي: سببًا كما سُمِّي عِلَّةً -أيضًا- وإِنْ لم يكن له مُناسَبةٌ ظاهرةٌ سُمِّي سببًا فقط ولم يُسَمَّ عِلَّةً، فبينهما عمومٌ وخصوصٌ مُطلقٌ؛ إذِ السببُ أعَمُّ مُطلقًا مِنَ العِلَّة؛ حيث إِنَّ كُلَّ عِلَّةٍ سببٌ، وليس كُلُّ‏ سببٍ عِلَّةً، والمُصنِّفُ اقتصر على التمثيل بالسبب فقط، ومثالُه بالعِلَّة: كالسرقة للقطع، والزِّنَا للجلد، والسُّكْر للحدِّ".[ص80]

    الاعتراضات:
    62- قوله: "لا بذاتها، [انظر الفتوى رقم: (٩٥٠)الموسومة ﺑ: «في فاعليةِ السببِ بعد ورودِ الشرع»]" الفتوى خارجة عن محل السؤال، وجواب السؤال موجود لكنه كلمة عابرة لا يكاد يفطن لها المبتدئ، وكان حريا بالدكتور أن يشرح كلمة لا بذاتها هنا للاحتياج لذلك.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: يخرج منه الشرطُ؛ إذ لا يَلْزَمُ مِنْ وجودِه وجودٌ ولا عدَمٌ، إنما يُؤثِّرُ عدَمُه في الحكم: كالطهارة فلا يَلْزَمُ مِنْ وجودِها وجوبُ الصلاة، ويخرج المانعُ -أيضًا- لأنه يَلْزَمُ مِنْ وجوده العدمُ.[ص80-81]

    الاعتراضات:
    63- قوله: "كالطهارة فلا يَلْزَمُ مِنْ وجودِها وجوبُ الصلاة" الطهارة لا علاقة لها بالوجوب، والصحيح أن يقول كالطهارة فلا يَلْزَمُ مِنْ وجودِها صحة الصلاة ولا فسادها.
    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "أي: لذاتِ السبب، ويخرج منه ما لو قارَنَ السببَ فقدانُ الشرط أو وجودُ مانعٍ: كالنِّصَاب قبل تمام الحَوْلِ، فلا تجب عليه الزكاةُ، لا لأنَّ ذات السبب لم تُوجَدْ، بل هي موجودةٌ لكِنِ انتفى الشرطُ وهو حَوَلانُ الحول، وكذلك إذا مَلَكَ النِّصابَ وحالَ الحولُ عليه، لكنَّ وجود الدَّينِ على المالكِ يمنع الحكمَ. وعدَمُ وجودِ الحكم في الحالتين لم يكن لذاتِ السبب وإنما لأمرٍ خارجٍ عنه وهو: انتفاءُ الشرط في المثال الأَوَّل، أو وجودُ المانع كما في المثال الثاني.
    وكذلك قد يخرج منه ما لو خَلَفَ السببَ سببٌ آخَرُ، فإنه -في هذه الحال- لا يَلْزَمُ مِنْ عدَمِه العدمُ، لكِنْ لا لذاتِ السبب، بل لأمرٍ آخَرَ خارجٍ عن ذاتِه، وهو وجودُ سببٍ آخَرَ يخلفه، مثل الزِّنَا للبِكْرِ؛ فإنه لا يَلْزَمُ مِنْ عدَمِه عدَمُ المسبَّب وهو الجَلْدُ؛ لجوازِ ثبوته بالقذف، وكالرِّدَّة: لا يَلْزَمُ مِنْ عدَمِها عدَمُ المسبَّبِ وهو القتلُ؛ لجوازِ ثبوته بجنايةِ القتل العَمْدِ العدوان؛ فالسببُ في هذه الحالِ لم يَلْزَمْ مِنْ عدَمِه العدمُ، لكِنْ لا لذاته بل لأمرٍ خارجٍ عنه، وهو كونُ سببٍ آخَرَ خَلَفَه
    ".[ص81]

    الاعتراضات:
    64- قوله: "أي: لذاتِ السبب..." في تعريف السبب قال: "لا لذاته"، وهنا قال لذاته، وكلاهما صحيح لكن الطالب يدخل في دوامة، وكان حريا بالدكتور بيان المعنيين وعدم تناقضهما بيانا شافيا.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "دخول الوقت: أي: دخول الوقت شرطُ وجوبٍ، والأمرُ بالصلاة عند دخول الوقت شرطٌ لصِحَّتِه لِتَعَلُّقِه بخطاب التكليف -كزوال الشمس لوجوب الظهر، وغروبِها لوجوب المغرب- فهو سببٌ لوجوب الصلاة، وهو شرطٌ لوجوبها، لكونه مِنْ خطاب الوضع، وليس شرطًا لصِحَّتها؛ لأنه ليس مِنْ خطاب التكليف. ومثل بلوغِ النِّصاب؛ فيَلْزَمُ مِنْ وجودِه وجوبُ الزكاة ومِنْ عدَمِ البلوغِ عدَمُ الزكاة".[ص81-82]

    الاعتراضات:
    65- قوله: "دخول الوقت شرطُ وجوبٍ" المصنف جعل دخول الوقت سببا وهو الصحيح، والدكتور خالف دون تنبيه، وهو مخطئ في مخالفته.
    فشرط الوجوب لا يلزم من وجوده شيء كحَوَلان الحول في الزكاة ويلزم من عدمه العدم، وهو مخالف للسبب كدخول الوقت فهو مؤثر بوجوده وعدمه.
    والفقرة كلها خلط وخبط.
    66- قوله: "والأمرُ بالصلاة عند دخول الوقت شرطٌ لصِحَّتِه لِتَعَلُّقِه بخطاب التكليف" خلط فالأمر بالصلاة حكم تكليفي وليس شرط صحة.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "لذات الشرط، وفيه احترازٌ مِنْ مُقارَنةِ وجود الشرط لوجود السبب فيَلْزَمُ منه الوجودُ، أو مُقارَنةِ وجود الشرط لقيام المانعِ فيَلْزَمُ عدَمُ الوجود، مثل تمام الحول في الزكاة: يَلْزَمُ مِنْ عدَمِه عدَمُ وجوبِ الزكاة، ولا يَلْزَمُ مِنْ وجودِه وجوبُ الزكاةِ لاحتمالِ عدَمِ النِّصاب، ولا يَلْزَمُ عدَمُ وجوبها لاحتمالِ بلوغِ المالِ النِّصابَ، ولو قارَنَ وجودَه وجودُ السبب فإنه يَلْزَمُ وجوبُ الزكاة، لكِنْ لا لذاته بل لذاتِ السبب، ولو قارَنَ وجودَه قيامُ المانعِ -الذي هو الدَّيْنُ- فإنه يَلْزَمُ عدَمُ وجوبِ الزكاةِ لكِنْ لا لذاتِ الشرط وإنما لذاتِ المانع، [انظر الفرق بين السبب والشرط في الفتوى رقم: (٩٦٥)الموسومة ﺑ: «في اعتبار الشرط الشرعيِّ بأنواعه»].[ص82]

    الاعتراضات:
    67- قوله: "انظر الفرق بين السبب والشرط في الفتوى" الفتوى فيها إشكالات سيأتينا بيانها إن شاء الله، مع وصفه لي بالجهل المركب لشيء لم أقله، أصلح الله الدكتور.
    ولترى كلاما دقيقا من كلام العلماء على الحقيقة، انظر كلاما للشيخ محمد خضر حسين في الفرق بينهما، نقله مشهور في تحقيقه للموافقات (299/1).

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "والشرط على أقسامٍ منها:
    الشرط اللغوي: وهو الذي يظهر فيه معنى الشرط بأدواته مثل «إِنْ» وما في معناها، و«لو» و«إذا»، كقوله: إِنْ دخَلْتِ الدارَ فأنتِ طالقٌ.
    والشرط العقلي: كالحياة للعلم.
    والشرط العادي: كالغذاء مع الحياة.
    والشرط الشرعي: كالطهارة للصلاة.
    وهذا الأخير هو المقصودُ في هذا المَقام، وهو قسمان: شرطُ وجوبٍ كالزوال لصلاة الظهر، وشرطُ صِحَّةٍ كالوضوء للصلاة؛ فالأوَّلُ مِنْ خطاب الوضع، وشرطُ الصحَّة مِنْ خطاب التكليف، وهو وجهُ الفرقِ بينهما، [انظر الفرق بين شرطِ الصحَّة وشرطِ الوجوب في الفتوى رقم:
    (٩٦٥)الموسومة ﺑ: «في اعتبار الشرط الشرعيِّ بأنواعه»].[ص83]

    الاعتراضات:
    68- قوله: "وهو قسمان..." في الفتوى جعله ثلاثة وجعله هنا قسمان، فأي القولين يعتقد.
    69- قوله: "شرطُ وجوبٍ كالزوال لصلاة الظهر" فيه تناقض، يجعله هنا شرط وجوب وفي الفتوى جعله شرطا وجعله سببا مع إثباته الفرق بين الشرط والسبب.
    70- قوله: "فالأوَّلُ مِنْ خطاب الوضع، وشرطُ الصحَّة مِنْ خطاب التكليف" شرط الصحة من الخطابين معا خطاب الوضع وخطاب التكليف.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "والمُصنِّفُ كما جَعَلَ الحُكْمَ التكليفيَّ عَلَمًا على نَفْسِ خطاب الشارعِ الذي يَطْلُبُ مِنَ المكلَّف فِعْلَ شيءٍ أو الكفَّ عنه أو يُخيِّرُه بينهما، لم يختلف عنه في الحكم الوضعيِّ، حيث إنَّ الحكم فيه -أيضًا- علَمٌ على نَفْسِ خطاب الشارع الذي يجعل الشيءَ سببًا أو شرطًا أو مانعًا، أو يجعلُ الفعلَ صحيحًا أو فاسدًا، وما إلى ذلك مِمَّا يندرج تحت خطاب الوضع وهو منهجُ الأصوليِّين -كما تقدَّم (انظر: الرابط)- بخلاف الفُقَهاء، فالحكمُ -عندهم- هو أثَرُ خطابِ الله المُتعلِّقِ بفعلِ المكلَّف، مثالُه: أنَّ الشارع جَعَلَ دُلوكَ الشمسِ سببًا لوجوب الصلاة بقوله تعالى: ﴿أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمسِ﴾ [الإسراء: ٧٨]؛ فهذا هو الحكمُ الوضعيُّ عند الأصوليِّين، بينما سببيةُ الدلوكِ الثابتةُ له بهذا الخطابِ هي الحكمُ الوضعيُّ عند الفُقَهاء، وكذلك وَضْعُ الشارعِ الطهارةَ شرطًا لصِحَّةِ الصلاةِ بقوله تعالى: ﴿إِذَا قُمتمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغسِلُواْ﴾ [المائدة: ٦]؛ فهو الحكمُ الوضعيُّ عند الأصوليِّين والمُصنِّف، أمَّا شرطيةُ الطهارةِ الثابتةُ بهذا الخطابِ فهي الحكمُ الوضعيُّ عند الفُقَهاء، وهكذا القولُ بالنسبة لبقيَّةِ الأحكام الوضعية.
    وحَرِيٌّ بالتنبيه: أنَّ الخلاف في إطلاق الحكم الشرعيِّ بين الأصوليِّين والفُقَهاء خلافٌ لفظيٌّ لا أثَرَ له؛ لكونه يرجع إلى بيانِ المُراد مِنَ الحكم الشرعيِّ والنظرِ إليه، ولا يخفى أنَّ الخطاب وما يَترتَّبُ عليه مُتلازِمان
    ".[ص85]

    الاعتراضات:
    71- قوله: "والمُصنِّفُ كما جَعَلَ الحُكْمَ التكليفيَّ عَلَمًا على نَفْسِ خطاب الشارعِ" ليس هذا قول المصنف في صريح كلامه، بل هو مخالف لما يفهم مما سطره المصنف في إملائه.
    72- قوله: "وهو منهجُ الأصوليِّين" هذا القول يوحي باتفاق الأصوليين على كون الخطاب هو نفسه الحكم، وهذا خطأ فبعض الأصوليين جعل الحكم هو نفس الخطاب وبعضهم جعل الحكم هو مقتضى الخطاب.
    73- قوله: "خلافٌ لفظيٌّ لا أثَرَ له" ليس كونه لا أثر له يجعله خلافا لفظيا، فربما كان الخلاف معنويا ولم يترتب عليه أثر كالاختلاف في سبب تحريم شيء ما، فإنه لا يترتب عليه أثر إذا المختلفان يقولان بالحرمة في نهاية المطاف.
    74- قوله: "الخلاف في إطلاق الحكم الشرعيِّ بين الأصوليِّين والفُقَهاء خلافٌ لفظيٌّ" فيه مجازفة وعدم دقة.
    75- قوله: "ولا يخفى أنَّ الخطاب وما يَترتَّبُ عليه مُتلازِمان" المتلازمان لا يكون الخلاف بينهما لفظيا.
    76- قوله: "خلافٌ لفظيٌّ لا أثَرَ له؛ لكونه يرجع إلى بيانِ المُراد مِنَ الحكم الشرعيِّ والنظرِ إليه" الخلاف في بيان المراد من الحكم الشرعي لفظي لأنه يرجع إلى بيان المراد من الحكم الشرعي.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "هذه الأوصافُ الثلاثةُ مِنَ السببيةِ والشرطيةِ والمانعيةِ الثابتةُ للحكم الوضعيِّ تكون سابقةً للحكم التكليفيِّ، بخلافِ الصحَّة والفساد والرُّخصة والعزيمة؛ فإنها تكون أثرًا لاحقًا للحكم التكليفيِّ".[ص86]

    الاعتراضات:
    77- قوله: "هذه الأوصافُ الثلاثةُ مِنَ السببيةِ والشرطيةِ والمانعيةِ الثابتةُ للحكم الوضعيِّ تكون سابقةً للحكم التكليفيِّ" كان على الشارح بيان الاعتبار الذي أخذ به وإلا فقد يكون العكس إذا اعتبرنا التشريع فالحكم التكليفي يكون في تشريعه سابقا للحكم الوضعي.
    78- قوله: "فإنها تكون أثرًا لاحقًا للحكم التكليفيِّ" بل تكون صفات للحكم لا آثارا له، وتكون مصاحبة له لا لاحقة فإن الحكم إما يقع صحيحا أو فاسدا أو يقع عزيمة أو رخصة.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "ويَلْزَمُ عِلْمُه به ودخولُه تحت قدرته؛ إذ لا يصحُّ التكليفُ بالمستحيل أو بما فيه حَرَجٌ ومَشَقَّةٌ، كما هو معهودٌ مِنْ نصوص التشريع".[ص87]

    الاعتراضات:
    79- قوله: "ويَلْزَمُ عِلْمُه به ودخولُه تحت قدرته..." هذا من جملة تعليقات الشارح التي تشوش على الطالب معرفة مراد المصنف، لكونها في المكان غير المناسب.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "ومَثَّل المُصنِّفُ فيما يُطالَبُ بتحصيله بشرطَيِ الطهارةِ واستقبالِ القِبْلة، ولو أضافَ مثالًا للسبب لَكان مُطابِقًا للصورة الأولى، حيث مَثَّل لها بالسبب والشرط، ومثالُه: إحضارُ شاهدَيْن شرطٌ في صِحَّة النكاح، والسرقةُ عِلَّةُ قَطْعِ اليد.
    والأَنْسَبُ -عندي- تغييرُ عبارةِ: «يُطالَبُ بتحصيله» إلى: «يُطالَبُ بتحصيلِ ما يتمكَّنُ مِنِ امتثالِه بالطاعة ..»؛ ذلك لأنَّ السرقة ـ مثلًا ـ عِلَّةُ القطع، والزِّنَا عِلَّةُ الرَّجْمِ إِنْ وُجِدَ مَحَلُّها وهو الإحصان، والقَذْفُ عِلَّةُ الجلد، وهذه العِلَلُ والأسباب لا تكون مطلوبةَ التحصيل، بل هي واجبةُ الترك، اللَّهمَّ إلَّا إذا قِيلَ: إنَّ تحصيلها يكون بالترك
    ".[ص87-88]

    الاعتراضات:
    80-قوله: "ومثالُه: إحضارُ شاهدَيْن شرطٌ في صِحَّة النكاح" ومثاله أي السبب، ولكن المثال شيء آخر.
    81- قوله: "ولو أضافَ مثالًا للسبب لَكان مُطابِقًا للصورة الأولى" الشارح لم يدرك مقصود المصنف في أنه جعل السبب وشرط الوجوب معا وفرق بينهما وبين شرط الصحة.
    82- قوله: "والأَنْسَبُ -عندي- تغييرُ عبارةِ..." لا وجه لهذا التغيير كما مر.
    83- قوله: "«يُطالَبُ بتحصيلِ ما يتمكَّنُ مِنِ امتثالِه بالطاعة»" إن سلمنا بسلامة هذه العبارة من جهة المعنى، فإنها قد أخرجت ما أراد إدخاله إخراجا أكيدا، وهو تناقض من الشارح.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "كصلاة الظهر في قوله تعالى: ﴿أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمسِ﴾ [الإسراء: ٧٨]؛ فهي مُتعلِّقةٌ بالحكم التكليفيِّ مِنْ جهةِ أنَّ خطاب اللهِ تَعَلَّقَ بفعل المكلَّف ودَخَلَ تحت عِلْمِه وقدرتِه، ويَتعلَّقُ بالحكم الوضعيِّ مِنْ جهةِ كونِ خطابِ الله تَعَلَّقَ بجعلِ دلوك الشمس سببًا لفعلِ المكلَّف، ودلوكُ الشمس لا يدخل في مقدورِه ولا يُطالَبُ بتحصيله.
    والوضوءُ للصلاة في قوله تعالى: ﴿إِذَا قُمتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغسِلُواْ وُجُوهَكُمۡ﴾ [المائدة: ٦]، فهو مُتعلِّقٌ بالحكم التكليفيِّ مِنْ جهةِ أنَّ خطاب الله تَعَلَّقَ بفعلِ المكلَّف ودَخَلَ تحت عِلْمِه وقدرته، وتَعَلَّقَ بالخطاب الوضعيِّ مِنْ جهةِ أنَّ الله تعالى وَضَعَه شرطًا لصحَّةِ الصلاة؛ فالوضوءُ يدخل تحت قدرة المُكلَّف، وهو مُطالَبٌ بتحصيله
    ".[ص88]

    الاعتراضات:
    84- قوله: "كصلاة الظهر..." هذا المثال خارج عن مراد المصنف بالكلية، فالمصنف أراد فعلا واحدا تعلق بها الحكمان في نفس الوقت باعتبارين مختلفين وقد مثل له بالطهارة واستقبال القبلة فكل منهما حكم تكليفي باعتبار الأمر به وكل منهما حكم وضعي باعتبار اشتراطه للصلاة.
    85- قوله: "مُتعلِّقةٌ بالحكم التكليفيِّ" الصحيح تعبير المصنف في جعله الحكم متعلقا بالفعل ليس العكس.
    86- قوله: "مُتعلِّقةٌ بالحكم التكليفيِّ مِنْ جهةِ أنَّ خطاب اللهِ تَعَلَّقَ بفعل المكلَّف ودَخَلَ تحت عِلْمِه وقدرتِه" فيه تناقض، حيث الفعل تعلق بالحكم أولا ثم تعلق الحكم بالفعل ثانيا.
    وهذا من التعابير الرنانة التي يظن الجاهل أن تحتها معنى عظيما، ولا يرى اللبيب تحتها شيئا سوى ركاكة التعبير وخروجه عن سنن أهل الفن، وهذه الطريقة كثيرة عند الدكتور وعند بعض مقلدته وأصحاب موقعه خاصة في الرد الهزيل الذي ردوا به الانقضاض، فالقارئ غير الخبير تهوله المصطلحات القوية والقواعد المرصوصة والعبارات الفخمة، ولا يدري المسكين أنها لا تكاد تترابط فيما بينها بل ولا يكاد يفهم منها العربي شيئا ذا بال غير التهافت.
    87- قوله: "ودلوكُ الشمس لا يدخل في مقدورِه ولا يُطالَبُ بتحصيله" فالمصنف لم يقصد هذا ولم يرده.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "ويُضيفُ العُلَماءُ مَعاييرَ أخرى للتفريق بين الحكم التكليفيِّ والوضعيِّ، منها:
    ـ أنَّ الحكم التكليفيَّ مقصودٌ بذاته في الخطاب لِيَعْمَلَ به المكلَّفُ، بينما المُكلَّفُ في الحكم الوضعيِّ غيرُ مقصودٍ مُباشَرةً، وإنما وَضَعَه الشارعُ ليُرتِّبَ عليه الأحكامَ التكليفية، مثل: «مِلْكُ النِّصابِ سببٌ للزكاة»، و«عقدُ النكاحِ سببُ الإرثِ بين الزوجين»، و«تَحقُّقُ موتِ المُورِّثِ شرطٌ في الإرث، والقتلُ مانعٌ منه».
    ـ أنَّ الحكم التكليفيَّ يَتعلَّقُ بالكسب والمُباشَرةِ مِنْ ذات المكلَّف، فإِنْ كان مُوافِقًا للمشروع أُجِرَ عليه، وإِنْ كان مُخالِفًا له عُوقِبَ عليه، بخلافِ الحكم الوضعيِّ، فقَدْ يُعاقَبُ أشخاصٌ بفعلِ غيرِهم: كوجوب الدِّيَةِ على العاقلة، ووَجَبَتْ عليهم لأنَّ فِعْلَ غيرِهم سببٌ لثبوتِ هذا الحقِّ عليهم، لا لأنه مِنْ بابِ التكليفِ؛ لاستحالةِ التكليف بفعلِ الغير، ومثلُه القَسامةُ.
    ـ يُشْتَرَطُ في الحكم التكليفيِّ أَنْ يكون معلومًا للمكلَّف، وأَنْ يكون تكليفُه صادرًا مِنْ جهةِ الله تعالى لتَصِحَّ نيَّةُ التقرُّب، بينما لا يُشْتَرَطُ في الحكم الوضعيِّ عِلْمُ المكلَّف؛ ذلك لأنَّ النائمَ والناسيَ والساهيَ والغافل لو أتلفوا شيئًا فإنَّ هؤلاء يَضْمَنون وإِنْ كانوا لا يعلمون، وكذلك تَحِلُّ المرأةُ بعقدِ أبيها عليها وتَحْرُمُ بطلاقِ زوجِها لها وإِنْ كانَتْ لا تعلم، وكذلك يَرِثُ الإنسانُ مِنْ مُورِّثِه بدونِ عِلْمِه، ويُسْتثنَى مِنْ ذلك حالتان:
    أ/ أسبابُ انتقالِ الأملاك في المَنافِعِ والأعيان؛ فيُشْترَطُ فيها العلمُ لانتقالها: كالبيع والإجارةِ والهِبَةِ وغيرِها مِنَ العقود؛ لأنَّ «العِبْرَة فِي العُقُودِ بِالمَقَاصِدِ وَالمَعَانِي لَا بِالأَلْفَاظِ وَالمَبَانِي».
    ب/ أسبابُ العقوبات التي هي الجنايات؛ فإنَّه يُشْترَطُ فيها العلمُ والقصدُ الإجراميُّ، كالقتل المُوجِبِ للقصاص؛ فلا يجب على المُخْطِئ لعدَمِ العلم، ولا يجب الحدُّ على الزاني في الشبهة، ولا الحدُّ على الزاني في وَطْءِ الشبهةِ لعدَمِ العلم.
    ومِنَ الفوارق -أيضًا- أنَّ الحكم التكليفيَّ إنما يتعلَّق بفعلِ المكلَّف المتوفِّرةِ فيه جميعُ شروطِ التكليف، وهي: البلوغُ والعقل والفهمُ، بخلاف الحكم الوضعيِّ، فهو يتعلَّق بفعل المكلَّف وغيرِ المكلَّف: كالصبيِّ والمجنون والنائم والناسي والساهي والمَعْتُوهِ ونحوِهم؛ فإنهم يضمنون ما أتلفوه لكونِ الحكم الوضعيِّ قد وُجِدَ سببُه وهو الإتلافّ
    ".[ص88-90]

    الاعتراضات:
    88- قوله: "ويُضيفُ العُلَماءُ مَعاييرَ أخرى للتفريق بين الحكم التكليفيِّ والوضعيِّ" المصنف لم يذكر الاختلاف بين الحكمين هنا، وصنيع الدكتور يشوش على الطلبة حيث يدخل شيئا في غير موضعه، فلا يدري القارئ حقيقة قول المصنف.
    وكان الواجب أن يضيفها تحت عنوان فرعي لا أن يجعلها إحالة للمتن.
    89- قوله: "أنَّ الحكم التكليفيَّ يَتعلَّقُ بالكسب والمُباشَرةِ مِنْ ذات المكلَّف" التعبير الصحيح أن الحكم التكليفيَّ يَتعلَّقُ بالفعل مع اعتبار فاعله.
    90- قوله: "بخلافِ الحكم الوضعيِّ، فقَدْ يُعاقَبُ أشخاصٌ بفعلِ..." التعبير الصحيح بخلافِ الحكم الوضعيِّ فهو يتعلق بالفعل دون اعتبار فاعله.
    91- قوله: "ومثلُه القَسامةُ" أنى لمبتدإ أن يعرف القسامة، وحتى لو قرأ عنها وعرفها فلا يمكنه فهم التمثيل بها هنا دون شرح ذلك وتبيينه.
    92- قوله: "وأَنْ يكون تكليفُه صادرًا مِنْ جهةِ الله" عبارة لا تستقيم مع الفقرة، ويفهم منها أن الحكم الوضعي لا يكون وضعه من الله -إن اعتبرنا دقة الشارح المشهور بها- وهو ليس مرادا له بالطبع.
    وكون الحكم التكليفي معلوما معناه: العلم بالحكم والعلم بصدوره عن الله ليصح التقرب به.
    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "هذه الصيغة: (افْعَلْ، افْعَلُوا) تدلُّ على الطلب الحتميِّ حقيقةً وهو فعلُ الأمر.
    وللطلب الجازمِ أساليبُ أخرى:
    ـ منها: التصريحُ بلفظ الأمر، مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلعَدۡلِ وَٱلإِحسَٰنِ﴾ [النحل: ٩٠]، وقولِه تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهلِهَا﴾ [النساء: ٥٨].
    ـ ومنها: التصريح بلفظِ: «فرض» أو «وجب» أو «كتب»، مثل قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيكُمُ ٱلصِّيَامُ﴾ [البقرة: ١٨٣]، وقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم : «أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ فَحَجُّوا» [أخرجه مسلمٌ (٩/ ١٠٠) برقم: (١٣٣٧) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه]، و«فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ.. » [أخرجه البخاريُّ (٣/ ٣٦٧) برقم: (١٥٠٣)، ومسلمٌ (٧/ ٥٩) برقم: (٩٨٤)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما]، وقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» [أخرجه البخاريُّ (٢/ ٣٥٧) برقم: (٨٧٩)، ومسلمٌ (٦/ ١٣٢) برقم: (٨٤٦)، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه].
    ـ ومنها: المصدر النائب عن فعلِ الأمر، مثل قوله تعالى: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرۡبَ ٱلرِّقَابِ﴾ [محمَّد: ٤]، أي: اضْرِبُوا الرِّقابَ.
    ـ ومنها: الفعل المُضارِعُ المُقْترِنُ بلام الأمر، مثل قوله تعالى: ﴿لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ﴾ [الطلاق: ٧]، أي: أَنْفِقُوا إِنْ كنتم ذوي سَعَةٍ.
    ـ ومنها: اسْمُ فعلِ الأمر، مثل قوله تعالى: ﴿عَلَيكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ﴾ [المائدة: ١٠٥]، أي: الْزَموا أَنْفُسَكم.
    ـ ومنها: ترتيبُ العقوبةِ على تركِ الفعل، أو الوعيدِ الشديد في الدنيا والآخرة، كقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةً وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» [رواهُ أحمد (٢/ ٣١٢) رقم: (٨٢٧٣)، وابنُ ماجه (٢/ ١٠٤٤) رقم: (٣١٢٣)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع الصغير» (٢/ ١١٠٦) برقم: (٦٤٩٠)].
    ـ ومنها: الأسلوب العربيُّ الدالُّ على الطلب الجازم، مثل قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلبَيتِ مَنِ ٱستَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلٗاۚ﴾ [آل عمران: ٩٧]
    ".[ص90-92]

    الاعتراضات:
    93- قوله: "هذه الصيغة: (افْعَلْ، افْعَلُوا) تدلُّ على الطلب الحتميِّ حقيقةً وهو فعلُ الأمر.
    وللطلب الجازمِ أساليبُ أخرى" تعبير الدكتور يدل على أن الصيغة التي ذكرها هي صيغة الأمر القياسية الوحيدة وهذا خطأ بل للأمر أربع صيغ قياسية هي فعل الأمر والفعل المضارع المقترن بلام الأمر والمصدر النائب عن فعله واسم فعل الأمر، وباقي الأساليب هي ما يقال عنها أساليب أخرى.
    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "ليس في الحديثِ المذكورِ طَلَبُ الفعلِ مِنْ غيرِ تحتيمٍ، أي: أنَّ الخطاب خالٍ مِنَ القرينة اللفظية أو غيرِ اللفظية الصارفةِ مِنَ الوجوب إلى الندب، وإنما الذي ساقَهُ المُصنِّفُ يُعَدُّ أسلوبًا آخَرَ للاستحباب، وهو الأسلوب العربيُّ الدالُّ على عدَمِ التحتيم، ويمكن التمثيلُ للأمر المُقْترِنِ بقرينةٍ لفظيةٍ أو غيرِ لفظيةٍ صارفةٍ مِنَ الوجوب إلى الندب بقوله تعالى: ﴿إِذَا تَدَايَنتُم بِدَينٍ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّى فَٱكتُبُوهُۚ﴾ [البقرة: ٢٨٢]؛ فالأمرُ بالكتابة خطابٌ بالطلب على غيرِ وجهِ الجزم؛ لأنه قد صَرَفَتْهُ عن مُقْتضاهُ الأصليِّ مِنَ الإيجاب القرينةُ اللاحقةُ في الآية في قوله تعالى: ﴿فَإِنۡ أَمِنَ بَعضُكُم بَعضا فَليُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤۡتُمِنَ أَمَٰنَتَهُۥ﴾ [البقرة: ٢٨٣]، والمثالُ الآخَرُ: قولُه تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يَبتَغُونَ ٱلكِتَٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَيمَٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمتُمۡ فِيهِمۡ خَيرٗاۖ﴾ [النور: ٣٣]؛ فالأمرُ بالكتابة خطابٌ بالطلب لِيُصْبِحَ العبدُ حُرًّا، لكنَّ هذا الأمرَ ليس للوجوب لوجودِ قرينةٍ مُتَّصِلةٍ بالآية، وهي تعليقُ الكتابةِ على عِلْمِ المالكِ بأنَّ في العبد خيرًا بحيث تَحْسُنُ مُكاتَبتُه، ولوجودِ قرينةٍ أخرى صارفةٍ مُتجسِّدةٍ في قاعدةٍ عامَّةٍ في حقوق الملكية، وهي: «حُرِّيَّةُ تَصَرُّفِ المَالِكِ فِي مِلْكِهِ».
    هذا، وللندب أساليبُ أخرى:
    ـ منها: ما مَثَّل به المُصنِّفُ، وهو ترتيبُ الأجرِ على الفعل مِنْ غيرِ أمرٍ به ولا ترتيبِ العقوبة على تَرْكِه، ومثالُه: قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم : «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» [أخرجه مسلمٌ (٨/ ٥٦) رقم: (١١٦٤) مِنْ حديثِ أبي أيُّوب الأنصاريِّ رضي الله عنه].
    ـ ومنها: ورودُ لفظِ الندب أو السنَّةِ صراحةً.
    ـ ومنها ـ أيضًا ـ: عدَمُ ترتيبِ الوعيدِ أو العقوبة على الترك كقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ»، وفي لفظٍ لغيرِ أحمد: «... كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» [أخرجه أحمد (٢/ ١٠٨) رقم: (٥٨٦٦) وغيرُه مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما، وله شواهدُ أخرى. انظر: «إرواء الغليل» (٣/ ٩) برقم: (٥٦٤) و«صحيح الجامع الصغير» (٢/ ١٤٦) برقم: (١٨٨٥، ١٨٨٦) كلاهما للألباني]
    ".[ص93-94]

    الاعتراضات:
    94- قوله: "ولوجودِ قرينةٍ أخرى صارفةٍ مُتجسِّدةٍ في قاعدةٍ عامَّةٍ في حقوق الملكية، وهي: «حُرِّيَّةُ تَصَرُّفِ المَالِكِ فِي مِلْكِهِ»" هذه من الأخطاء، وهي من تعظيم القواعد التي إنما صاغها البشر على حساب دلالة الأدلة المعصومة، وهو من الغلو المذموم، ولو اعتبرنا هذه القاعدة لكانت صارفة كل أمر في الأموال إلى الاستحباب فنقول عن الأمر بالزكاة أنه مستحب لوجود قرينةٍ أخرى صارفةٍ مُتجسِّدةٍ في قاعدةٍ عامَّةٍ في حقوق الملكية، وهي: «حُرِّيَّةُ تَصَرُّفِ المَالِكِ فِي مِلْكِهِ»، وكذلك في الأضحية والنفقة وكل الواجبات المالية.
    95- قوله: "ـ ومنها: ورودُ لفظِ الندب أو السنَّةِ صراحةً" أين التمثيل، وهذا ليس متنا مختصرا بل هو شرح.
    96- قوله: "عدَمُ ترتيبِ الوعيدِ أو العقوبة على الترك كقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ»، وفي لفظٍ لغيرِ أحمد: «... كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ»" المثال لا يوضح الممثل له.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "قلت: هذا الاستحبابُ مُقيَّدٌ بالمسجد الذي يَليهِ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «الأَبْعَدُ فَالأَبْعَدُ مِنَ المَسْجِدِ أَعْظَمُ أَجْرًا» [أخرجه أبو داود (١/ ٣٧٧) رقم: (٥٥٦)، وابنُ ماجه (١/ ٢٥٧) رقم: (٧٨٢). وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود» مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه]. أمَّا إكثارُ الخطوات إلى غيرِه مِنَ المساجد فقَدْ وَرَدَ النهيُ عنه على ما ثَبَتَ مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لِيُصَلِّ الرَّجُلُ فِي المَسْجِدِ الَّذِي يَلِيهِ، وَلَا يَتَّبِعِ المَسَاجِدَ» [الحديث صَحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٥/ ٢٣٤) برقم: (٢٢٠٠)، وفي «صحيح الجامع الصغير» (٢/ ٩٥٩) برقم: (٥٤٥٦)]. وتظهر عِلَّةُ النهي في كونه ذريعةً إلى هَجْرِ المسجد الذي يَليهِ، وإيحاشِ صَدْرِ الإمام، أمَّا إذا كان الإمامُ لا يُتِمُّ الصلاةَ، أو يُرْمَى ببدعةٍ أو يُعْلِنُ بفجورٍ فلا بأسَ بتَخَطِّي مسجدِه إلى غيره، كذا ذَكَرَهُ ابنُ القيِّم في مَعْرِضِ إيرادِ الأدلَّة على «مَنْعِ فِعْلِ مَا يُؤَدِّي إِلَى حَرَامٍ وَلَوْ كَانَ جَائِزًا فِي نَفْسِهِ»، [انظر: «إعلام المُوقِّعين» لابن القيِّم (٣/ ١٤٨)].
    هذا، والمندوب أو المُسْتَحَبُّ -وإِنْ كان يجوز تَرْكُه- لكِنْ لا يجوز اعتقادُ تَرْكِ استحبابه
    ".[ص94-95]

    الاعتراضات:
    97- قوله: "قلت: هذا الاستحبابُ مُقيَّدٌ بالمسجد الذي يَليهِ..." الدكتور لم يسر على نسق واحد في شرحه فيتوسع في أشياء ويعرض عن أمثالها بل يهمل أشياء يجب التوسع فيها.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "وللكراهة أسلوبٌ آخَرُ مُسْتَعمَلٌ مُتمثِّلٌ في اللفظ الصريح بالكراهة، مثل قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» [أخرجه البخاريُّ (٣/ ٣٤٠) رقم: (١٤٧٧)، ومسلمٌ (١٢/ ١٢) رقم: (٥٩٣)، مِنْ حديثِ المُغيرةِ بنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه]، وقد تَقدَّمَ التنبيهُ على إطلاق لفظِ: «المكروه» على «الحرام»، وخاصَّةً في كلام السلف".[ص95-96]

    المؤاخذات:
    98- قوله: "وخاصَّةً في كلام السلف" كان هذا التعليق ليكون متجها لو كان المشروح كلاما للسلف، ولكنه حديث نبوي.
    99- قوله: "فإنها تكون أثرًا لاحقًا للحكم التكليفيِّ" بل تكون صفات للحكم لا آثارا له، وتكون مصاحبة له لا لاحقة فإن الحكم إما يقع صحيحا أو فاسدا أو يقع عزيمة أو رخصة.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "هذا المثالُ الذي ساقَهُ المُصنِّفُ هو أحَدُ أساليبِ الإباحة، المُتمثِّلُ في الأمر بالفعل مع القرينة الدالَّة على الإباحة، ومثالُه: قولُه تعالى: ﴿وَكُلُواْ وَٱشرَبُواْ﴾ [البقرة: ١٨٧؛ الأعراف: ٣١]، أمَّا مثالُ النصِّ الصريح على التخيير وإباحةِ الفعل ففي قوله صلَّى الله عليه وسلَّم حين سُئِلَ عن الوضوء مِنْ لحم الغنم قال: «إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ» [تقدَّم تخريجه].
    وللإباحة أساليبُ أخرى:
    ـ منها: التنصيص على حِلِّ الفعل، مثل قوله تعالى: ﴿ٱليَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُۖ﴾ [المائدة: ٥].
    ـ ومنها: التنصيص على نفيِ الجُناح والحَرَج، مثل قوله تعالى في جوازِ تَرْكِ الأعمى ونحوِه للجهاد: ﴿لَّيسَ عَلَى ٱلأَعمَىٰ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلأَعرَجِ حَرَجٞ...﴾ [الفتح: ١٧]، وقولِه تعالى في إباحةِ التعريض للمتوفَّى عنها زوجُها بالخِطْبة أثناءَ العِدَّة: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيكُمۡ فِيمَا عَرَّضتُم بِهِۦ مِنۡ خِطبَةِ ٱلنِّسَآءِ﴾ [البقرة: ٢٣٥].
    واعْلَمْ أنَّ اللفظ الدالَّ على التخيير بين الفعل والترك لا يدلُّ على التسوية بين الطرفين؛ فالمسافرُ -مثلًا- مُخيَّرٌ بين الصوم والفطر، وهو والمرأةُ مخيَّران بين الجمعة والظهر مع اختلافِ العُلَماءِ في الأفضلية، وإذا كان الأمرُ كذلك لم يصحَّ الاحتجاجُ على التسوية بين الطرفين بالتخيير
    ".[ص96-97]

    الاعتراضات:
    100- قوله: "أمَّا مثالُ النصِّ الصريح على التخيير وإباحةِ الفعل ففي قوله صلَّى الله عليه وسلَّم حين سُئِلَ عن الوضوء مِنْ لحم الغنم قال: «إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ»" تقدم أن هذا خطأ في التمثيل فالعبادة لا تكون مباحة.
    101- قوله: "واعْلَمْ أنَّ اللفظ الدالَّ على التخيير بين الفعل والترك لا يدلُّ على التسوية بين الطرفين" هذا رد للشيخ على نفسه في المؤاخذة السابقة، وهو من التناقض.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "ودخولُ الوقت -وإِنْ كان سببًا- فهو شرطُ وجوبٍ؛ لكونه مِنْ خطاب الوضع، والآيةُ تصلح مثالًا للحكمين التكليفيِّ والوضعيِّ".[ص97]

    المؤاخذات:
    102- قوله: "ودخولُ الوقت -وإِنْ كان سببًا- فهو شرطُ وجوبٍ" والذي يقرأ هذا الشرح لابد أن يخرج مشوشا لا يدري ما الفرق بين السب وشرط الوجوب، كما كنت عندما قرأته أولا في الجامعة فلو قرأت كلاما مضبوطا لما تشوش المفهوم لدي، ولست قليل فهم ولا أحمقا، ثم بسبب هذا قال عني في رده علي “هذا، والتعريفات التي ذكرها المعترض خلط عريض لا يستقيم مع صِحة النظرة الأصولية، فقد جعل الشرط بنوعيه مؤثِّرًا في الحكم من جهة الوجود، وهو غير صحيح؛ لأنَّ المراد بشرط الصحة والوجوب كونهما نوعي الشرط الشرعي، والذي هو قسيم السبب، كما أوقع المعترض من تداخل بين الشرط والسبب والمانع ما لا تشهد له المصادر الأصولية برُمَّتها.” فكان هو الخصم والحكم، ثم منّ الله علي بفهم مصطلحات أهل العلم لما قرأت كلام العلم المتزن الرزين في كتب العلماء الذين يفهمون علومهم.
    103- قوله: "ودخولُ الوقت ـ وإِنْ كان سببًا ـ فهو شرطُ وجوبٍ؛ لكونه مِنْ خطاب الوضع" على كلام الشارح أن كل خطاب وضع هو شرط وجوب.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "والوضوءُ شرطُ صِحَّةٍ لكونه مِنْ خطاب التكليف".[ص97]

    الاعتراضات:
    104- قوله: "والوضوءُ شرطُ صِحَّةٍ لكونه مِنْ خطاب التكليف" والصحيح أن يقال والوضوء شرط صحة لتوقف صحة الصلاة عليه ولكونه مأمورا به، فهو من خطاب الوضع والتكليف معا.
    أما معنى كلام الشارح فهو أن كل خطاب تكليف هو شرط صحة.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "قد يَلْتَبِسُ عدَمُ المانعِ بالشرط كثيرًا، وسببُ الْتباسِهما مِنْ جهةِ أنَّ كُلًّا مِنَ الشرط وعدَمِ المانع لا يَلْزَمُ مِنْ وجودِهما وجودُ الحكم ولا عدَمُه، ويَلْزَمُ مِنْ عدَمِهما عدَمُ الحكم. وضابِطُ الفرقِ بينهما أنَّ الشرط وصفٌ وجوديٌّ وعدَمَ المانعِ وصفٌ عدميٌّ.
    لكنَّ الوضوء يدخل تحت قدرة المُكلَّف، ويجب عليه تحصيلُه، بخلافِ دلوك الشمس
    ".[ص98]

    الاعتراضات:
    105- قوله: "لكنَّ الوضوء يدخل..." هذا في الحقيقة توضيح لا استدراك، لذلك نعجب من وجود كلمة “لكن”.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "والظاهر أنه تَتْميمُ الحكمِ الوضعيِّ باعتبارِ أنَّ الرخصة والعزيمة مِنْ أقسامه، وهو مذهبُ الجمهور، وبه قال الغزَّاليُّ والآمديُّ وابنُ قُدامةَ والشاطبيُّ وغيرُهم؛ ذلك لأنَّ العزيمة -مِنْ حيث الحقيقةُ- هي جَعْلُ الشارعِ الأحوالَ العادية للمكلَّفين سببًا لبقاءِ الأحكام الأصلية واستمرارِها في حقِّهم، أمَّا الرخصةُ فهي -في الحقيقة- وَضْعُ الشارعِ وصفًا مُعيَّنًا سببًا في التخفيف، والسببُ مُعْتَبَرٌ، وهو مِنَ الأحكام الوضعية، خلافًا لمَنْ عَدَّهما مِنْ أقسام الحكم التكليفيِّ، وبه قال ابنُ الحاجب والزركشيُّ وابنُ السبكيِّ وغيرُهم؛ لكونِ العزيمةِ تحمل معنى الاقتضاء، والرخصةِ تحمل معنى التخيير؛ فهُمَا مِنْ صفات الأحكام التكليفية؛ إذ الطلبُ والإباحةُ كلاهما حكمٌ تكليفيٌّ.
    هذا، واعتبارُهما مِنَ الحكم الوضعيِّ أَوْلَى وأقوى مِنْ جهةِ أنَّ السفر والمرض والمَشَقَّةَ والضرورة لا طَلَبَ فيها ولا تخييرَ، وإنما هي أسبابٌ للترخُّص أو مانعةٌ مِنَ التكليف بحكم العزيمة، وهذه -ولا شكَّ- معدودةٌ مِنَ الحكم الوضعيِّ دون التكليفيِّ، والخلافُ لفظيٌّ راجعٌ لاختلاف المنظور إليه (الرخصة والعزيمة)، ولا تترتَّبُ عليه آثارٌ فقهيةٌ
    ".[ص99]

    الاعتراضات:
    106- قوله: "والظاهر أنه تَتْميمُ الحكمِ الوضعيِّ باعتبارِ أنَّ الرخصة والعزيمة مِنْ أقسامه، وهو مذهبُ الجمهور" هذا ليس ظاهرا من كلام المؤلف بل الظاهر من خلال سياقه أنه جعلهما قسما على حدة، وهو مذهب بعض الأصوليين، وليس مذهب الجمهور هو بالضرورة مذهب للمصنف رحمه الله.
    107- قوله: "مِنْ حيث الحقيقةُ" لسنا ندري أي الحقائق يريده الشارح.
    108- قوله: "هي جَعْلُ الشارعِ الأحوالَ العادية للمكلَّفين سببًا لبقاءِ الأحكام الأصلية واستمرارِها في حقِّهم" خلط كبير ونضرب مثالا لبيانه:
    وجوب إتمام الصلاة في الحضر عزيمة.
    فعلى كلام الشارح الإقامة هي العزيمة لأنها سبب بقاء الحكم الأصلي واستمراره، وهذا ليس قولا لأحد، والصحيح أن العزيمة هي الحكم الموصوف بالتأكيد والثبوت، والعزم هو وضع الشارع صفة التأكيد والثبوت للحكم.
    109- قوله: "أمَّا الرخصةُ فهي -في الحقيقة- وَضْعُ الشارعِ وصفًا مُعيَّنًا سببًا في التخفيف" وهذا عدم تفريق بين الرخصة وسببها، فإن الرخصة هي نفس التخفيف الذي يتصف به الحكم.
    فالرخصة ‫الحكم‬ ‫الموصوف‬ ‫بالسهولة‬ ‫بسبب‬ ‫العذر‬، والترخيص ‫هو ‬‫وضع‬ ‫الشارع‬ ‫صفة‬ ‫السهولة‬ ‫لحكم‬ ‫ثبت‬ ‫بسبب‬ ‫العذر‬.
    110- قوله: "والسببُ مُعْتَبَرٌ" مثل هذا التعبير يستخدم لإثبات تأثير ما وصف بالمعتبر، وليس ذلك هنا.
    111- قوله: "فهُمَا مِنْ صفات الأحكام التكليفية؛ إذ الطلبُ والإباحةُ كلاهما حكمٌ تكليفيٌّ" هذا تناقض، فاعتبارهما صفات للحكم التكليفي مغاير لاعتبارهما طلبا وإباحة.
    112- قوله: "هذا، واعتبارُهما مِنَ الحكم الوضعيِّ أَوْلَى وأقوى مِنْ جهةِ أنَّ السفر والمرض والمَشَقَّةَ والضرورة لا طَلَبَ فيها ولا تخييرَ..." فيه تناقض فالشارح لا يتصور معنى واضحا للعزيمة والرخصة في نفسه يبني عليه كلامه، لذلك يتخبط ذات اليمين وذات الشمال في تعبيراته.
    فتراه يمثل للرخصة بالسفر والمرض والمشقة ثم يجعلها أسبابا للترخيص ثم يؤكد كونها من الوضعي لإثبات وضعية الرخصة.

    * * *



    قال الدكتور -هداه الله-: "المُصنِّفُ جَرَى على عادةِ الأصوليِّين التي سَلَكها في الحكمين التكليفيِّ والوضعيِّ؛ فقَدْ فَرَّق في هذا الموضع والذي يَليهِ بين العزم والعزيمة، والترخيصِ والرخصة، والتصحيحِ والصحيح، والإبطالِ والباطل، ويتجلَّى مِنْ نصِّ المُصنِّفِ أنه جَعَلَ العزيمةَ والرخصةَ والصحيحَ والباطلَ مِنْ أقسام الفعل لا مِنْ أقسام الحكم، بينما جَعَلَ العزمَ والترخيصَ والتصحيحَ والإبطالَ مِنْ أقسام الحكم، أمَّا الصحَّةُ فهي اسْمُ مصدرٍ للتصحيح، وهي نَفْسُ استيفاءِ الشروط والأركان، وأمَّا البطلانُ فهو ـ أيضًا ـ اسْمُ مصدرٍ للإبطال، وهو نَفْسُ اختلالِ الشروط والأركان".[ص99-100]

    الاعتراضات:
    113- قوله: "جَعَلَ العزيمةَ والرخصةَ والصحيحَ والباطلَ مِنْ أقسام الفعل" بل جعلها من صفات الأفعال لا من أقسامها.
    *- قوله: "أمَّا الصحَّةُ فهي اسْمُ مصدرٍ للتصحيح" عبارة قصيرة بها أربع مؤاخذات:
    114- قوله: "الصحَّةُ فهي اسْمُ مصدرٍ" الصحة مصدر صحّ يصحّ وليست اسم مصدر.
    115- قوله: "اسْمُ مصدرٍ للتصحيح" اسم المصدر ينسب لفعله لا لمصدر، كأن نقول العطاء اسم مصدر للفعل أعطى.
    116- قوله: "أمَّا الصحَّةُ" لا يوجد هذه الكلمة لا في المتن ولا في الشرح.
    117- قوله: "أمَّا الصحَّةُ فهي اسْمُ مصدرٍ للتصحيح" الشارح لم يعتن بذكر التعريفات اللغوية في كامل الشرح.
    118- قوله: "وهي نَفْسُ استيفاءِ الشروط والأركان" والسلامة من الموانع والوقوع على الوجه المشروع، كما ذكر المصنف، أم أن الشارح مولع بتكثير الكلام دون تدقيق؟.
    119- قوله: "وأمَّا البطلانُ فهو -أيضًا- اسْمُ مصدرٍ للإبطال، وهو نَفْسُ اختلالِ الشروط والأركان" نفس المؤاخذات الأربع المذكورة سابقا.
    120- قوله: "وهو نَفْسُ اختلالِ الشروط والأركان" أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ، بِحَيْثُ تَكُونُ العِبَادَةُ أَوِ العَقْدُ وَقَعَتْ عَلَى غَيْرِ الوَجْهِ المَشْرُوعِ كما ذكر المصنف.
    121 - وهذه التعريفات المخلبطة سابقة لأوانها في المتن.
    (يتبع إن شاء الله)...
    التعديل الأخير تم بواسطة إدارة الإبانة السلفية; الساعة 2023-01-30, 08:57 AM.

  • #2
    جزاك الله خيرا بارك الله فيك و نفع بك وبما خطته يمينك

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا أخي أحمد

      تعليق


      • #4
        وإياكما أخوي موسى وبلال.

        تعليق

        الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
        يعمل...
        X