إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تنبيه الغُمْر إلى حقوق ولي الأمر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تنبيه الغُمْر إلى حقوق ولي الأمر

    بسم الله الرحمن الرحيم


    ـــ
    تنبيه الغُمْر
    إلى حقوق وليّ الأمر
    ـــــــــــــ
    * * *

    [اعتقاد بيعته، ووجوب إظهارها]


    عن نافع مولى ابن عمر قال: جَاءَ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ إلى عبدِ اللهِ بنِ مُطِيعٍ حِينَ كانَ مِن أَمْرِ الحَرَّةِ ما كَانَ، زَمَنَ يَزِيدَ بنِ مُعَاوِيَةَ، فَقالَ: اطْرَحُوا لأَبِي عبدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً، فَقالَ: إنِّي لَمْ آتِكَ لأَجْلِسَ، أَتَيْتُكَ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُهُ: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: «مَن خَلَعَ يَدًا مِن طَاعَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ يَومَ القِيَامَةِ لا حُجَّةَ له، وَمَن مَاتَ وَليسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»[1].
    وعن عبد الله بن دينار قال: لَمَّا بايَعَ النَّاسُ عَبْدَ المَلِكِ كَتَبَ إلَيْهِ عبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ رضي الله عنه: إلى عبدِ اللَّهِ عبدِ المَلِكِ أمِيرِ المُؤْمِنِينَ، "إنِّي أُقِرُّ بالسَّمْعِ والطَّاعَةِ لِعَبْدِ اللَّهِ عبدِ المَلِكِ أمِيرِ المُؤْمِنِينَ، علَى سُنَّةِ اللَّهِ وسُنَّةِ رَسولِهِ، فِيما اسْتَطَعْتُ، وإنَّ بَنِيَّ قدْ أقَرُّوا بذلكَ"[2].

    [وجوب احترامه، وحرمة إهانته]

    عن زياد بن كسيب كُنتُ مع أبي بَكرةَ رضي الله عنه تَحتَ مِنبَرِ ابنِ عامِرٍ وهو يَخطُبُ، وعليه ثيابٌ رِقاقٌ، فقال أبو بِلالٍ: انظُروا إلى أميرِنا يَلبَسُ ثيابَ الفُسّاقِ. فقال أبو بَكرةَ رضي الله عنه: اسكُتْ، سمِعتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقولُ: «مَن أهانَ سُلطانَ اللهِ في الأرضِ أهانَه اللهُ»[3].
    وعن أبي بكرة رضي الله عنه مرفوعا: «من أجلَّ سلطان الله أجلَّهُ الله يوم القيامة»[4].
    وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «خَمْسٌ مَنْ فعلَ واحدةً مِنْهُنَّ كان ضَامِنًا على اللهِ عزَّ وجلَّ: مَنْ عادَ مَرِيضًا، أوْ خرجَ مع جِنازَةٍ، أوْ خرجَ غَازِيًا، أوْ دخلَ على إمامٍ يُرِيدُ تَعْزِيرَهُ وتَوْقِيرَهُ، أوْ قَعَدَ في بَيتِه فَسَلِمَ الناسُ مِنْهُ وسَلِمَ من الناسِ»[5].
    قال بدر الدّين بن جماعة رحمه الله: "أَن يعرف لَهُ عَظِيم حَقه، وَمَا يجب من تَعْظِيم قدره، فيعامل بِمَا يجب لَهُ من الاحترام وَالْإِكْرَام، وَمَا جعل الله تَعَالَى لَهُ من الإعظام، وَلذَلِك كَانَ الْعلمَاء الْأَعْلَام من أَئِمَّة الْإِسْلَام يعظمون حرمتهم، ويلبون دعوتهم مَعَ زهدهم وورعهم وَعدم الطمع فِيمَا لديهم، وَمَا يَفْعَله بعض المنتسبين إِلَى الزّهْد من قلَّة الْأَدَب مَعَهم، فَلَيْسَ من السّنة"[6].

    [وجوب السّمع والطّاعة له في المعروف]


    عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي ذرّ: «اسْمَعْ وأَطِعْ ولو لِحَبَشِيٍّ كَأنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ»[7].
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «عَلَيْكَ السَّمْعَ والطَّاعَةَ في عُسْرِكَ ويُسْرِكَ، ومَنْشَطِكَ ومَكْرَهِكَ، وأَثَرَةٍ عَلَيْكَ»[8].
    عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: "قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّا كُنَّا بشَرٍّ، فَجَاءَ اللَّهُ بخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهلْ مِن وَرَاءِ هذا الخَيْرِ شَرٌّ؟ قالَ: «نَعَمْ»، قُلتُ: هلْ وَرَاءَ ذلكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قالَ: «نَعَمْ»، قُلتُ: فَهلْ وَرَاءَ ذلكَ الخَيْرِ شَرٌّ؟ قالَ: «نَعَمْ»، قُلتُ: كيفَ؟ قالَ: «يَكونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لا يَهْتَدُونَ بهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فيهم رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ في جُثْمَانِ إنْسٍ»، قالَ: قُلتُ: كيفَ أَصْنَعُ يا رَسولَ اللهِ، إنْ أَدْرَكْتُ ذلكَ؟ قالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وإنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ»"[9].

    [الدّعاء له بالخير والصّلاح]


    عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «خِيارُ أئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ ويُحِبُّونَكُمْ، وتُصَلُّونَ عليهم ويُصَلُّونَ علَيْكُم»[10].
    والصَّلاة هنا بمعنى الدُّعاءِ، أي: تَدْعُونَ لهم ويدعون لكم.
    وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون: لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان"[11].
    وقال البربهاري رحمه الله: "وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله"[12].
    وقال الإمام أحمد رحمه الله: "وإنّي لأدعو له بالتّسديد والتّوفيق في اللّيل والنّهار، والتّأييد، وأرى ذلك واجباً عليّ"[13].
    وقال أبو عثمان الصّابوني رحمه الله: "ويرون الدّعاء لهم بالإصلاح والتّوفيق والصّلاح، وبسط العدل في الرّعيّة"[14].
    وقال الإمام الطحاوي رحمه الله: "وندعو لهم بالصّلاح و المعافاة"[15].

    [تطويع الرّعية له وحرمة إيغار الصّدور عليه]


    قال الشّيخ محمّد بن إبراهيم رحمه الله في رسالة: "بلغني أنّ موقفك مع الإمارة ليس كما ينبغي، وتدري بارك الله فيك أن الإمارة ما قصد بها نفع الرّعيّة، وليس من شروطها أن لا يقع منها زلل، والعاقل بل وغير العاقل يعرف أن منافعها وخيرها الدّيني والدّنيويّ يربو على مفاسدها بكثير. ومثلك إنمّا منصبه منصب وعظ وإرشاد، وإفتاء بين المتخاصمين، ونصيحة الأمير والمأمور بالسّر وبنية خالصة تعرف فيها النّتيجة النّافعة للإسلام والمسلمين. ولا ينبغي أن تكون عثرة الأمير أو العثرات نصب عينيك والقاضية على فكرك والحاكمة على تصرفاتك؛ بل في السر بواجب النّصيحة، وفي العلانيّة أظهر وصرح بما أوجب الله من حقّ الإمارة والسّمع والطّاعة لها"[16].
    سئلت اللّجنة الدّائمة: هل يصحّ للخاطب أن يمدح سلطان البلد أثناء الخطبة؟
    فكان الجواب: "الأصل في خطبة الجمعة تعليم النّاس أمور دينهم، ووعظهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتوجيههم إلى ما فيه مصلحتهم في الدّنيا والآخرة. لكن إذا دعت الحاجة إلى ذكر ما فيه من محاسن الإسلام درءا لفتنة الخروج عليه وترغيبا للنّاس في موالاته ولزوم الجماعة وتشجيعا له على فعل الخير فلا حرج في ذلك، بل هو حسن لعظم المصلحة في ذلك. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم"[17].

    [حرمة سبّه والتّشهير به ونحو ذلك]


    قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبّوا أمراءكم"[18].
    وقال أبو الدّرداء: "وَإِنَّ أَوَّلَ نِفَاقِ الْمَرْءِ طَعْنُهُ عَلَى إِمَامِهِ"[19].
    وروى البخاري عن أَبي جَمرة قَالَ: لما بلغني تحريق البيت، خرجتُ إلى مَكَّة، واختلفتُ إلى ابْن عَبّاس، حتى عرفني، واستأَنس بي، فَسَبَبتُ الحَجّاج عِنْدَ ابْن عَبّاس، فقَالَ: "لا تكن عَونًا للشيطان"[20].
    وقال أَبو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ رحمه الله: "إِيَّاكُمْ وَالطَّعْنَ عَلَى الْأَئِمَّة، فَإِنَّ الطَّعْنَ عَلَيْهِمْ هِيَ الْحَالِقَةُ، حَالِقَةُ الدِّينِ لَيْسَ حَالِقَةُ الشَّعْرِ، ألا إنَّ الطَّعَّانِينَ هُمُ الْخَائِبُونَ، وَشِرَارُ الْأَشْرَارِ"[21].
    روى ابن سعد بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ: "لا أُعِينُ عَلَى دَمِ خَلِيفَةٍ أَبَدًا بَعْدَ عُثْمَانَ. قَالَ فَيُقَالُ لَهُ: يَا أَبَا مَعْبَدٍ أَوَ أَعَنْتَ عَلَى دَمِهِ؟ فَقَالَ: إِنِّي لأَعُدُّ ذِكْرَ مَسَاوِيهِ عَوْنًا عَلَى دَمِهِ"[22].
    قال الشّيخ عبد الرّحمن السّعدي رحمه الله: "على النّاس أن يغضوا عن مساويهم -أي الملوك والأمراء- ولا يشتغلوا بسبهم بل يسألون الله لهم التّوفيق، فإنّ سبّ الملوك والأمراء فيه شرّ كبير وضرر عامّ وخاصّ وربما تجد السَّابّ لهم لم تحدّثه نفسه بنصيحتهم يوماً من الأيّام وهذا عنوان الغشّ للرّاعي والرّعيّة"[23].

    [إرادة الخير له وإعانته عليه]

    قال الشّيخ ابن باز رحمه الله: "فالواجب على الرّعيّة وعلى أعيان الرّعيّة التّعاون مع وليّ الأمر في الإصلاح وإماتة الشّرّ والقضاء عليه، وإقامة الخير بالكلام الطّيّب والأسلوب الحسن والتّوجيهات السّديدة التي يرجى من ورائها الخير دون الشّرّ"[24].

    [بذل النّصح له والسّعي في تسديده]

    قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ثلاثةٌ لا يُغِلُّ عَليهنَّ قَلبُ المُؤمنِ» ذكر منها: «والنَّصيحةُ لِولاةِ الأمرِ»[25].
    وقال ابن رجب رحمه الله: "وَالنَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ: مُعَاوَنَتُهُمْ عَلَى الْحَقِّ، وَطَاعَتُهُمْ فِيهِ، وَتَذْكِيرُهُمْ بِهِ، وَتَنْبِيهُهُمْ فِي رِفْقٍ وَلُطْفٍ، وَمُجَانَبَةُ الْوُثُوبِ عَلَيْهِمْ، وَالدُّعَاءُ لَهُمْ بِالتَّوْفِيقِ وَحَثُّ الْأَغْيَارِ عَلَى ذَلِكَ"[26].

    [نصرته والدّفاع عنه وقتال الخارجين عليه]

    عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:«وَمَن بَايَعَ إمَامًا فأعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إنِ اسْتَطَاعَ، فإنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ»[27].
    وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "إذا طلبهم -أي المحاربين- السّلطان أو نوّابه لإقامة الحدّ بلا عدوان فامتنعوا عليه، فإنّه يجب على المسلمين قتالهم باتّفاق العلماء حتّى يقدر عليهم كلهم"[28].

    [الصّبر على ما يُكره منه]

    عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن كَرِهَ مِن أمِيرِهِ شيئًا، فَلْيَصْبِرْ عليه، فإنَّه ليسَ أحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطانِ شِبْرًا، فَماتَ عليه، إلَّا ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً»[29].
    وقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أثَرَةً، فَاصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْنِي ومَوْعِدُكُمُ الحَوْضُ»[30].
    وعن أبي الدّرداء رضي الله عنه قال: "إيّاكم ولعن الولاة فإن لعنهم الحالقة وبغضهم العاقرة"، فقيل: يا أبا الدّرداء، فكيف نصنع إذا رأينا منهم ما لا نحبّ؟ قال: "اصبروا فإنّ الله إذا رأى ذلك منهم حبسهم عنكم بالموت"[31].
    قال شيخ الإسلام رحمه الله: "الصّبر على جور الأئمّة أصل من أصول أهل السّنّة والجماعة"[32].

    [حرمة خلعه والخروج عليه بالكلمة وبالسّيف]

    عَنْ نَافِعٍ رحمه الله قَالَ: لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ المَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما، حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ، فَقَالَ: "إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ» وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ القِتَالُ، وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ، وَلاَ بَايَعَ فِي هَذَا الأَمْرِ، إِلَّا كَانَتِ الفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ"[33].
    قال البربهاري رحمه الله: "ولا يحلّ قتال السلطان ولا الخروج عليه وإن جار وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه: «اصْبِر وإنْ كان عبْدًا حَبَشيًّا» وقوله للأنصار رضي الله عنهم: «اصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْنِي علَى الحَوْضِ» وليس من السّنّة قتال السّلطان فإنَّ فيه فساد الدّنيا والدّين"[34].
    وعن عبادة بن الصّامت رضي الله عنه قال: "دَعَانَا رَسولُ اللهِ ﷺ فَبَايَعْنَاهُ، فَكانَ فِيما أَخَذَ عَلَيْنَا: «أَنْ بَايَعَنَا علَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأمْرَ أَهْلَهُ»، قالَ: «إلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فيه بُرْهَانٌ»"35.
    والمسألة محلّ إجماع نقل الإجماع كثير من العلماء منهم:
    الإمام أحمد عنه [جلاء العينين في محاكمة الأحمدين 226]،
    والبخاري عنه [شرح العقيدة الطحاوية 368]،
    والصابوني [عقيدة السلف أصحاب الحديث 68]،
    والنووي [شرح مسلم (229/12)]،
    وابن تيمية [منهاج السنة (4/ 529)]،
    وابن عبد البر [التمهيد (279/23)]،
    وابن حجر [فتح الباري (13/7)]،
    وغيرهم كثير...

    [لا تتوقّف الحقوق على القيام بالواجبات]

    بعض أصحاب الأهواء ومن تبعهم من الجهّال يعتقدون أنّ حقوق وليّ الأمر لا تجب على الرّعيّة إلّا إذا كان عادلا قائما بواجباته.
    وأهل السّنّة يعتقدون أنّ حقوقه قائمة واجبة على الرّعيّة ما دام مسلما ولو كان جائرا ولو لم يقم بواجباته، ومستندهم قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّهَا ستَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا»، قَالُوا: يَا رسُولَ اللَّهِ، كَيفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذلكَ؟ قَالَ:«تُؤَدُّونَ الحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ»[36]
    وعن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: "سَأَلَ سَلَمَةُ بنُ يَزِيدَ الجُعْفِيُّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقالَ: يا نَبِيَّ اللهِ، أَرَأَيْتَ إنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَما تَأْمُرُنَا؟ فأعْرَضَ عنْه، ثُمَّ سَأَلَهُ، فأعْرَضَ عنْه، ثُمَّ سَأَلَهُ في الثَّانِيَةِ، أَوْ في الثَّالِثَةِ، فَجَذَبَهُ الأشْعَثُ بنُ قَيْسٍ، وَقالَ: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فإنَّما عليهم ما حُمِّلُوا، وَعلَيْكُم ما حُمِّلْتُمْ»[37].
    قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْأُمَرَاءَ يَظْلِمُونَ وَيَفْعَلُونَ أُمُورًا مُنْكَرَةً، وَمَعَ هَذَا فَأُمِرْنَا أَنْ نُؤْتِيَهُمُ الْحَقَّ الَّذِي لَهُمْ، وَنَسْأَلَ اللَّهَ الْحَقَّ الَّذِي لَنَا، وَلَمْ يَأْذَنْ فِي أَخْذِ الْحَقِّ بِالْقِتَالِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي تَرْكِ الْحَقِّ الَّذِي لَهُمْ".
    قال حرب الكرماني رحمه الله: "وإن أمرك السّلطان بأمر هو لله معصية فليس لك إن تطيعه ألبتة، وليس لك أن تخرج عليه ولا تمنعه حقّه"[38].

    [لماذا هذه العناية كلّها؟!]

    لماذا كلّ هذه الأحاديث في السّمع والطّاعة والصّبر على جور الولاة وترك الخروج عليهم وترك إهانتهم؟!
    هل هو لنيل خيرهم وطلب قربهم؟!
    هل هو تحريض على طلب الإمامة؟!
    هل هو تقديس لأشخاصهم؟!
    الجواب: لا هذا ولا ذاك، بل جاء النّهي عن طلب الإمامة لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «يا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ سَمُرَةَ، لا تَسْأَلِ الإمارَةَ، فإنَّكَ إنْ أُعْطِيتَها عن مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إلَيْها، وإنْ أُعْطِيتَها عن غيرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عليها»[39]، وعن الوقوف بأبواب السّلاطين لحديثه صلى الله عليه وسلم: «إيَّاكم وأبوابَ السّلطانِ، فإِنَّه قَدْ أصبحَ صعبًا هُبُوطًا»[40]، وكراهة الدّخول عليهم ومخالطتهم وقد مرّ في الأثر المروي عن أنس: "لا تسبوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا تبغضوهم"[41]، وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «اسمَعوا، هل سَمِعْتُم أنَّهُ سيَكونُ بَعدي أمراءُ؟ فمَن دخلَ عليهم فصدَّقَهُم بِكَذبِهِم وأعانَهُم على ظُلمِهِم فلَيسَ منِّي ولستُ منهُ وليسَ بواردٍ عليَّ الحوضَ، ومَن لَم يدخل علَيهِم ولم يُعِنهم على ظُلمِهِم ولم يصدِّقهم بِكَذبِهِم فَهوَ منِّي وأَنا منهُ وَهوَ واردٌ عليَّ الحوضَ»[42]، وكان هذا دأب العلماء والصّلحاء إلّا فيما دعت إليه الضّرورة.
    ولكن أتت كلّ هذه العناية لأنّ الإمام هو الذي تصلح به الجماعة وبالجماعة يصلح الدين، وتحفظ جميع الكليات بالجماعة التي يقودها هذا الإمام. حتى ولو كان ظالما كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فَإِنَّ الْمَلِكَ الظَّالِمَ: لَا بُدَّ أَنْ يَدْفَعَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الشَّرِّ أَكْثَرَ مِنْ ظُلْمِهِ. وَقَدْ قِيلَ: سِتُّونَ سَنَةً بِإِمَامِ ظَالِمٍ: خَيْرٌ مِنْ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِلَا إمَامٍ"[43].
    وقال قرعوس: "سمعت مالكاً والثوري يقولان: سلطان جائر سبعين سنة خير من أمة سائبة ساعة من نهار"[44].
    وقد قال عبد الله بن المبارك رحمه الله:
    لولا الأئمّة لم يأمن لنا سبل :::: وكان أضعفنا نــهباً لأقـوانا

    قال كعب الأحبار: "مَثل الإسلام والسّلطان والناس مَثل الفُسطاط والعمود والأوتاد، فالفسطاط الإسلام، والعمود السّلطان، والأوتاد النّاس، ولا يصلح بعضها إلا ببعض".
    وقال الأفوه الأودي:
    لا يصلح النّاس فوضى لا سراة لهم :::: ولا سراة إذا جهّالهم سادوا[45]

    إذن فسبب هذه العناية بأمر وليّ الأمر لا تقديسا لشخصه ولا طمعا في ما عنده فقد مرّ في الحديث المتّفق عليه: «تُؤَدُّونَ الحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ»، ولم نره يتملقهم ويستفيد دنياهم إلّا أهل الأهواء، ولم ينل السّلفيّون إلّا الصّبر على جورهم مع إقصائهم والتّضييق عليهم، بل لحفظ بيضة الدّين وحوزة المسلمين واستقامة أمرهم ودوام أمنهم واستقرار حالهم.
    قال النّووي رحمه الله: "وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِي الْحَثِّ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَسَبَبُهَا اجْتِمَاعُ كَلِمَةِ المسلمين فإنّ الخلاف سبب لفساد أحوالهم فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ"[46].
    وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وَفِي الْحَدِيثِ وُجُوبُ طَاعَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِغَيْرِ الْأَمْرِ بِالْمَعْصِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْفِتَنِ وَالْحِكْمَةُ فِي الْأَمْرِ بِطَاعَتِهِمُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى اتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ لِمَا فِي الِافْتِرَاقِ مِنَ الْفَسَادِ"[47].
    قال القرافي رحمه الله: "ضَبْطُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّة وَاجِبٌ وَلَا تَنْضَبِطُ إِلَّا بعظمة الأيمة فِي نَفْسِ الرَّعِيَّةِ وَمَتَى اخْتَلَف عَلَيْهِمْ أَوْ أُهِينُوا تَعَذَّرَتِ الْمَصْلَحَةُ"[48].
    قال صاحب تهذيب الرّياسة رحمه الله: "نظام أَمر الدّين وَالدُّنْيَا مَقْصُود، وَلَا يحصل ذَلِك إِلَّا بِإِمَام مَوْجُود. لَو لم نقل بِوُجُوب الْإِمَامَة، لَأَدَّى ذَلِك إِلَى دوَام الِاخْتِلَاف والهرج إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. لَو لم يكن للنَّاس إِمَام مُطَاع، لانْثَلَمَ شرف الْإِسْلَام وَضاع. لَو لم يكن للْأمة إِمَام قاهر، لتعطلت المحاريب والمنابر، وانقطعت السبل للوارد والصادر. لَو خلا عصر من إِمَام، لتعطلت فِيهِ الْأَحْكَام، وضاعت الْأَيْتَام، وَلم يحجّ الْبَيْت الْحَرَام. لَوْلَا الْأَئِمَّة والقضاة، والسلاطين والولاة، لما نكحت الْأَيَامَى، وَلَا كفلت الْيَتَامَى. لَوْلَا السُّلْطَان لكَانَتْ النَّاس فوضى، ولأكل بَعضهم بَعْضًا"[49].
    وقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رحمه الله: "لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا السُّلْطَانَ وَالْعُلَمَاءَ، فَإِذَا عَظَّمُوا هَذَيْنَ أَصْلَحَ اللَّهُ دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ، وَإِذَا اسْتَخَفُّوا بهذين أفسد دنياهم"[50].

    * * *

    ـــــــــــــــــــــــــــــــ
    1 صحيح مسلم 1851.
    2 صحيح البخاري 7205.
    3 صحيح الترمذي 2224.
    4 السلسلة الصحيحة 2297.
    5 صحيح الترغيب 3471.
    6 تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام 63.
    7 صحيح البخاري 696.
    8 صحيح مسلم 1836.
    9 صحيح مسلم 1847.
    10 صحيح مسلم 1855.
    11 مجموع الفتاوى (391/28).
    12 شرح السنة 113.
    13 السنة للخلال (83/1).
    14 عقيدة السلف أصحاب الحديث.
    15العقيدة الطحاوية.
    16 فتاوى ورسائل الشيخ (182/12).
    17 فتاوى اللجنة الدائمة الفتوى رقم(7720).
    18 كتاب السنة 1049.
    19 التمهيد (287/21).
    20 التاريخ الكبير (104/8).
    21 الأموال لابن زنجويه (80/1).
    22 الطبقات الكبرى (58/3).
    23 نور البصائر والألباب 66.
    24 مجموع فتاوى ابن باز (209/8).
    25 ظلال الجنة 1088.
    26 جامع العلوم والحكم (223/1).
    27 صحيح مسلم 1844.
    28 السياسة الشرعية 85.
    29 صحيح مسلم 1849.
    30 صحيح البخاري 3793.
    31 كتاب السنة 1050.
    32مجموع الفتاوى (179/28).
    33 صحيح البخاري 7111.
    34 شرح السنة 29.
    35 متفق عليه واللفظ لمسلم 1709.
    36 صحيح البخاري 3603، صحيح مسلم 1843.
    37 صحيح مسلم 1846.
    38 إجماع السلف في الاعتقاد 122.
    39 صحيح مسلم 1652.
    40 صحيح الجامع 2672.
    41 كتاب السنة 1049.
    42 صحيح الترمذي 2259.
    43 مجموع الفتاوى (268/14).
    44 ترتيب المدارك وتقريب المسالك (325/3).
    45 العقد الفريد (24/1).
    46 شرح مسلم (225/12).
    47 فتح الباري (112/13).
    48 الذخيرة (234/13).
    49 تهذيب الرياسة وترتيب السياسة 95.
    50 تفسير القرطبي (260/5).
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2022-09-06, 11:18 AM.

  • #2
    جزاك الله خيرا أخي أحمد

    تعليق


    • #3
      المشاركة الأصلية بواسطة محمد بن موسى مشاهدة المشاركة
      جزاك الله خيرا أخي أحمد
      وإياك أخي الحبيب

      تعليق

      الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
      يعمل...
      X