بسم الله الرحمن الرحيم
شُــرُوط الصّدِيــق وحُقُوقِــه
الحمد لله على منّه وكرمه وعلى عظيم إحسانه وإعطائه، والصلاة على نبيّ الأمة المبعوث من رب العالمين؛ خير البشر أجمعين، وسيد المرسلين، وعلى آله وأتباعه أجمعين. أما بعد:
فإن الأخوّة والصحبة أمرها عظيم وتحصيلها واجب وضرورة، وقاية من الوحدة والعزلة المنبوذة، فإن في الصحبة التقوي والسند، وفي عدمها يصير الانسان كخيمة بلا عمد، فمتى أتت العواصف كانت ثمة القواصف، فكان لزاما الانتقاء الأحسن من الرفقاء والأصدقاء، ولهذا وددت مشاركة فائدة كتذكرة ولمن خالط الناس يجعلها تبصرة، فإن الصاحب ساحب.
قال أبو القاسم محمد بن أحمد ابن جزي الكلبي الغرناطي -عفا الله عنه- فِي (آدَاب الصُّحْبَة):
"اخْتلفت مَذَاهِب النَّاس فِي صُحْبَة النَّاس:
فَمنهمْ من اخْتَار الصُّحْبَة لقصد النَّفْع والانتفاع ولفضل الْأُخوّة فِي الله تَعَالَى.
وَمِنْهُم من اخْتَار الانقباض وَالْعُزْلَة؛ لِأَنَّهَا أقرب إِلَى السَّلامَة؛ وَلِأَنّ شُرُوط الصُّحْبَة قلّ مَا تُوجد.
وَالنَّاس ثَلَاثَة أَصْنَاف:
أصدقاء وَقَلِيل مَا هم، ومعارف وهم أضرّ النَّاس عَلَيْهِ وَمن لَا يعرفك وَلَا تعرفه فقد سلمت مِنْهُ وَسلم مِنْك.
فَـأَمـا الصّديـق فشـروطـه سَبْعَة:
الأول: أَن يكون سنّيا فِي اعْتِقَاده .
الثَّانِي: أَن يكون تقيا فِي دينه، فَإِنَّهُ إِن كَانَ بدعيّا أَو فَاسِقًا رُبمَا جرّ صَاحبه إِلَى مذْهبه أَو ظنّ النَّاس فِيهِ ذَلِك، فَإِنّ الْمَرْء على دين خَلِيله .
الثَّالِث: أَن يكون عَاقِلا، فصحبة الأحمق بلَاء .
الرَّابِع: أَن يكون حسن الْخلق، فَإِن كَانَ سيّء الْخلق لم تؤمن عداوته، وتختبره بِأَن تغضبه فَإِن غضب فاترك صحبته.
الْخَامِس: أَن يكون سليم الصَّدْر فِي الْحُضُور والغيبة لَا حقودا وَلَا حسودا وَلَا مرِيدا للشّرّ وَلَا ذَا وَجْهَيْن.
السَّادِس: أَن يكون ثَابت الْعَهْد غير ملول وَلَا متلول.
السَّابِع: أَن يقوم بحقوقك كَمَا تقوم بحقوقه، فَلَا خير فِي صُحْبَة من لَا يرى لَك من الْحق مثل الَّذِي ترى لَهُ .
وَحُقُوق الصّديق سَبْعَة:
الأول: الْمُشَاركَة فِي المَال حَتَّى لَا يخْتَصّ أَحدهمَا بِشَيْء دون الآخر.
الثَّانِي: الْإِعَانَة بِالنَّفسِ فِي قَضَاء الْحَاجَات وَتَقْدِيم حَاجته على حَاجَتك.
الثَّالِث: الْمُوَافقَة لَهُ على أَقْوَاله والمساعدة لَهُ على أغراضه من غير مُخَالفَة وَلَا مُنَازعَة فَإِن الْمُخَالفَة توجب الْبغضَاء.
الرَّابِع: الْعَفو عَن هفوات الصّديق والإغضاء عَن عيوبه فَمن طلب صديقا بِلَا عيب بَقِي بِلَا صديق.
الْخَامِس: النَّصِيحَة لَهُ فِي دينه ودنياه.
السَّادِس: الخلوص فِي مودته ظَاهرا وَبَاطنا حَاضرا وغائبا والنتصار لَهُ فِي غيبته.
السَّابِع: الدُّعَاء لَهُ بِظهْر الْغَيْب". اهـ من: [القوانين الفقهية -291].
انتقاها
أبو عبد الرحمن محمد بن عمار
الأحد 16 المحرم 1444 هـ
الموافق لـ 14 أغسطس 2022 م
تعليق