إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

إعلان الإنكار على من فرق بين النصيحة والإنكار (ردا على المدعو لحسن منصوري -أصلحه الله- )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إعلان الإنكار على من فرق بين النصيحة والإنكار (ردا على المدعو لحسن منصوري -أصلحه الله- )

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إعلان الإنكار
    على صاحب التفريق بين النصيحة والإنكار

    [المدعو لحسن منصوري-أصلحه الله-]
    ـــ . ـــ

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.
    أما بعد:
    فقد خرج علينا في الآونة الأخيرة رجلٌ متشبِّعٌ بما لم يُعْطَ، وقد كان في ستر الله لمَّا كان يكتب بتوجيه من بعض أهل العلم -أقصد بتوجيه الشيخ فركوس- فلما ظَنَّ نفسه وصل وأخذ يُقَعِّد ويؤصِّل وأطلق لقلمه العنان ففضح نفسه أمام العيان وأتى بخلط عجيب وتأصيل مريب، وليته بقي متخفيا وراء اسمه المستعار، متدثرا بذلك الدثار، وأمَّا الآن وقد رفع الستار وأزال الشعار، وجب على من اطلع على تأصيله الباطل أن يضرب بيد من حديد ويلجم كل متعصب عنيد.
    وصاحبنا هذا داخل دخولا أوليا في قول ربيعة الرأي شيخ الإمام مالك رحمه لمّا دخل عليه رجل فوجده يبكي فقال: ما يبكيك؟ أدخلت عليك مصيبة؟ فقال رحمه الله: "لا، ولكن استفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم، ولبعض من يفتي هنَّا أحق بالسجن من السراق".[ جامع بيان العلم وفضله ج2 ص1224 دار ابن الجوزي]
    ويصدق فيه ما قاله الشيخ عبد السلام البرجس -رحمه الله-: «فإنَّ الخوف على الأمة من أولئك الذين لبسوا ثياب العلم الشرعي -وما هم من العلم الشرعي في شيءٍ -، لهو الخوف الصادق على الأمة من الفساد والانحراف، ذلك بأنَّ تصدُّر الجهال في حين فقد العلماء الصادقين المتمكنين بابٌ واسع للضلال والإضلال». [مقال بعنوان الخوف من تصدر الجهال]
    وقد ظهر مستواه في كتابته الأخيرة التي جاء فيها بتأصيله الفاسد وتقعيده الكاسد في التفريق بين النصيحة والإنكار مستدلا ببعض كلام الأئمة الأخيار على طريقة أهل الأهواء في بث شبههم عن طريق تزيينها بكلام لأئمة لهم قدم صدق في الدعوة حتى يمرروا باطلهم ويلبسوه لَبُوسَ الحقِّ، ونسي صاحبنا أو تناسى أنَّ الباطل لا يستمر وأنَّ الحق كتب اللَّه له الظهور.
    وأعجب كيف لمن يدعي طلب العلم أن يخلط خلط عشواء ويضرب ضرب عمياء، ولكن كما قال الخطيب البغدادي -رحمه الله- في ما نقله عنه الذهبي -رحمه الله-: «مَنْ صَنّف فَقَدْ جَعَلَ عقله عَلَى طبق يَعرضه عَلَى النَّاسِ».[سير أعلام النبلاء 18/281 طبعة الرسالة]
    - وقيل قديما: عقول الرجال في أطراف أقلامها. [ابن قتيبة عيون الأخبار 1/107 دار الكتب العلمية]
    فظهر بكتابته تلك حقيقة عقله المرجوح، وتدنِّي مستواه المفضوح، وبعد أن رأيت بعض الجهال ممن يصدق فيهم قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في وصيته لكميل بن زياد -رحمه الله-: «وهمَجٌ رعاعٌ أتباعُ كلِّ ناعقٍ، يميلون مع كلِّ ريحٍ، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركنٍ وثيقٍ» [الفقيه والمتفقِّه الخطيب البغدادي 1/49] رأيتهم قد فرحوا بكتابته تلك أردت أن تكون هناك وقفات مع كلامه -أصلحه الله- فأقول وبالله أستعين:

    - الوقفة الأولى:
    نقل الكاتب -أصلحه الله- قول الإمام الدّارمي -رحمه الله- الذي قاله في نقضه على بشر المرّيسي ونصّه: «فَهَذَا حَدِيثُكَ أَيُّهَا المُعَارِضُ الَّذِي رَوَيْتَهُ وَثَبَتَّهُ وَفَسَّرْتَهُ، وَأَقْرَرْتَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ قَالَهُ، فَفِي نَفْسِ حَدِيثِكَ هَذَا مَا يَنْقُضُ دَعْوَاكَ».
    فأقول لك: «هذه فتواك التي تستدلّ بها وتنافح عنها فيها ما ينقض دعواك حتى على فرض أنَّ ما أصلته من تفريق صحيح» فقد قال الشيخ فركوس نفسه -حفظه الله- في فتواه في الإنكار العلني « أمَّا إذا لم يُمكِنْ وَعظُهُم سِرًّا في إزالةِ مُنكرٍ وقَعوا فيه علنًا، وغَلَبَ على الظَّنِّ تحصيلُ الخيرِ بالإنكارِ العَلَني مِنْ غيرِ تَرَتُّبِ أيِّ مفسدةٍ فإنَّه يجوزُ ـ والحال هذه ـ نصيحتُهم والإنكارُ عليهم عَلَنًا دون هتكٍ ولا تعييرٍ ولا تشنيعٍ» [الفتوى رقم: 1260]. فالشيخ هنا قرن بين النّصيحة والإنكار وجعل لهما نفس الحكم فما أنت قائل في هذا أخي الكاتب؟! فعلى تأصيلك فإنَّ الشيخ خالف الحديث في إجازته النصيحة للأمراء علنا.

    - الوقفة الثانية:
    قوله: "إنَّ حديث عياض بن غنم -رضي الله عنه- ونصّه: «مَن أرادَ أن ينصحَ لذي سلطان في أمرٍ فلا يُبدِهِ علانية ولَكِن ليأخذْ بيدِهِ فيَخلوَ بهِ فإن قبِلَ منهُ فذاكَ وإلَّا كانَ قد أدَّى الَّذي علَيهِ لَهُ» [ والحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده وابن أبي عاصم في السنة وغيرهما وهو صحيح خلافا لمن ضعفه وراجع تخريج العلامة الألباني له في ظلال الجنة 523/2 طبعة المكتب الإسلامي، وراجع كتاب معاملة الحكام للشيخ البرجس ص116 فما بعدها طبعة الرشد] فذكر الكاتب -أصلحه الله- مقرّرا تقريرا عجيبا، لا أعلم من سبقه إليه، مفاده: أنَّ الحديث في النصيحة وليس في الإنكار، وهذا مردود عليه من عدة وجوه منها:
    إنَّ قصة الحديث تدلّ دلالة واضحة على أنَّ الحديث كان في الإنكار فقد أنكر هشام بن حكيم -رضي الله عنه- على عياض بن غنم -رضي الله عنه- -وكان أميرا- جَلْدَهُ لصاحب دارٍ وأغلظ له القول ونهاه عن فعله، فذكر له عياض -رضي الله عنه- الحديث الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم والقصة أخرجها الإمام أحمد في مسنده [ج24 ص49 طبعة مؤسسة الرسالة] والذي سَبَّبَ للكاتب هذا الخلط هو عدم نظره في سبب ورود الحديث وتعسفه في الاستدلال-على الطريقة البدعية: اعتقد ثم استدل- ولهذا نصَّ الأئمة على الاعتناء بأسباب النزول بالنسبة للآيات وأسباب الورود بالنسبة للأحاديث، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب» [مقدمة في أصول التفسير ص16 طبعة دار الحياة]
    وقال السيوطي -رحمه الله- في ألفيته في الحديث في أهمية معرفة أسباب ورود الحديث:
    وهو كما في سبب القـرآن ::: مبيـنٌ للفقـه والمعـانـي
    إنَّ بعض أهل العلم عند ذكرهم للحديث –أقصد حديث عياض المتقدم- يترجمون للفصل الذي جعلوه تحته بـ: طريقة الإنكار على الولاة كما فعله الشيخ عبد السلام البرجس رحمه الله في كتابه الفذ: [معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسّنّة ص109 طبعة الرشد].

    - الوقفة الثالثة:
    قوله: (إنَّ العلماء فرَّقوا بين النّصيحة والإنكار فالأصل في النّصيحة أنّ تكون سرّاً وفي الإنكار أن يكون علنا) إن كان يقصد بقوله هذا التفريق بين النصيحة والإنكار على ولي الأمر ويقصد بالإنكار إذا فعل المنكر في حضرته فقد يُسَلَّمُ له وهو ما صرَّح به بعض من نقل عنهم من أهل العلم، ولهذا قال الشيخ صالح آل الشّيخ حفظه الله بعد نفس الكلام الذي نقله الكاتب «وهذا موافق لهذا الأصل، وهو أنه ما يقع في ولاية الوالي من مخالفات للشرع فهذا بابه النصيحة؛ لأنه لا يتعلق برؤية له أو سماع محقق، أما من رأى السلطان بنفسه يفعل منكرا فإنه مثل غيره يأمره وينهاه، وأمر ونهي السلطان يكون عنده ولا يكون بعيدا عنه؛ كما جاء في الحديث: "سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَام إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ" فأمر ونهي السلطان يكون في ما رأيته منه بنفسك أو سمعته منه سماعا محققا، فتنكر بحسب الاستطاعة، وبحسب القدرة، بحسب ما يتيسر علنا أو غيره» [شرح الأربعين نووية للشيخ صالح آل الشيخ ص472].
    فهذا نصٌّ صريح ممن نقل عنه الكاتب يبين أنَّ الإنكار يكون علنا في حضرة ولي الأمر فيما رأيته أو سمعته بنفسك، والكاتب يوهم أنَّ كلام من نقل عنهم عام يشمل حتى الإنكار علنا في غيبة ولي الأمر وهذا تلبيس منه وتدليس ينافي الأمانة العلمية على طريقة أهل الأهواء في الاستدلال على باطلهم بِلَيِّ أعناق النصوص وتحميل الكلام ما لا يحتمل، قال الشاطبي -رحمه الله -: «وكذلك يمكن لكلَّ من اتَّبع المتشابهات، أو حرَّف المناطات، أو حمَّل الآيات ما لا تحتمله عند السلف الصالح، أو تمسَّك بالواهية من الأحاديث، أو أخذ الأدلَّة ببادي الرأي: أن يستدلَّ على كلِّ فعلٍ أو قولٍ أو اعتقادٍ وافق غرضه بآيةٍ أو حديثٍ لا يعوز ذلك أصلًا» [الاعتصام 140/2]
    والذي جعل الكاتب –أصلحه الله- يسير على هذه الطريقة هو التقليد والتعصب ولذلك قال العلامة العثيمين رحمه الله: "فنقول لهذه الجماعات: اجتمعوا ولينزع كلّ واحد منكم هواه الذي في نفسه، ولينو النية الحسنة أنه سيأخذ بما دلَّ عليه القرآن والسنة مبنياً على التجرد من الهوى، لا مبنياً على التقليد أو التعصب؛ لأن فهم الإنسان للقرآن والسنة على حسب ما عنده من العقيدة والرأي لا يفيده شيئا، ولهذا قال العلماء كلمة طيبة، قالوا: يجب على الإنسان أن يستدل ثم يبني، لا أن يبني ثم يستدل، لأن الدليل أصل، والحكم فرع، فلا يمكن أن يُقلب الوضع ونجعل الحكم الذي هو فرع أصلا، والأصل الذي هو الدليل فرعا.
    ثم إن الإنسان إذا اعتقد قبل أن يستدل ولم تكن عنده النية الحسنة صار يلوي أعناق النصوص من الكتاب والسنة إلى ما يعتقده هو، وحصل بذلك البقاء على هواه، ولم يتبع الهدى" [لقاء الباب المفتوح ج27 ص13].

    - الوقفة الرابعة:
    - يَرُدُّ على تأصيله هذا أقوال الصحابة في تأصيلهم للإنكار على ولاة الأمور بأن يكون سرا فيما بينهم وبين من ولَّاه الله أمرهم:
    ومن ذلك قول أسامة بن زيد رضي الله والأثر -متفق عليه- لما أرادوا منه أن يكلم أميره في منكر وقع: "لو أتَيْتَ فُلَانًا فَكَلَّمْتَهُ، قالَ: إنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أنِّي لا أُكَلِّمُهُ إلَّا أُسْمِعُكُمْ، إنِّي أُكَلِّمُهُ في السِّرِّ دُونَ أنْ أفْتَحَ بَابًا لا أكُونُ أوَّلَ مَن فَتَحَهُ"
    قال المهلب -رحمه الله-: «يريد: لا أكون أوّل من يفتح باب الإنكار على الأئمة علانيةً فيكون بابًا من القيام على أئمّة المسلمين فتفترق الكلمة وتتشتت الجماعة، كما كان بعد ذلك من تفرق الكلمة بمواجهة عثمان بالنكير» [شرح البخاري لابن بطال 10/49]
    فهذا دليل على أنَّ المُسْتَقَرَ عندهم سواء كان في النصيحة أو الإنكار إذا تعلق الأمر بولاة الأمور أن يكون سرا فيما بينهم وبينهم ويستثنى من ذلك ما وقع من اجتهادات للصحابة في حضرة ولي الأمر، وقد ذكر كثير من أهل العلم أنه تتبع تلك الأثار كلها فوجدها في حضرة ولي الأمر.
    - قال الشيخ علي ناصر الفقيهي -حفظه الله- «فما صح من ذلك، فهو نصيحة للأمير أو الوالي مشافهة في نفس الوقت، الذي ظهر فيه ما يخالف السنة، ولا تشهيرا وقدحا وإشاعة لمثالبهم ففي ذلك شر وضرر وفساد كبير» [ البدعة ضوابطها وأثرها السيء في الأمة].
    - ومثله قول العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: «ثم إن هناك فرقًا بين أن يكون الأمير أو الحاكم الذي تريد أن تتكلم عليه بين يديك وبين أن يكون غائباً، لأن جميع الإنكارات الواردة عن السلف إنكارات حاصلة بين يدي الأمير أو الحاكم، وهناك فرق بين كون الأمير حاضراً أو غائباً، الفرق أنه إذا كان حاضراً أمكنه أن يدافع عن نفسه، ويبين وجهة نظره، وقد يكون مصيباً ونحن مخطئون، لكن إذا كان غائباً وبدأنا نحن نفصل الثوب عليه على ما نريد هذا هو الذي فيه الخطورة، والذي ورد عن السلف كله مقابلة الأمير أو الحاكم، ومعلوم أن الإنسان لو وقف يتكلم في واحد من الناس ما هو ولاة الأمور في واحد من الناس في غيبته، لقيل: هذه غيبة، إذا كان فيك خير روح انصحه قابله» [صوتيات لقاء الباب المفتوح رقم 026].
    - وقال الشيخ صالح آل الشيخ -حفظه الله-: "وقد ورد كثير من الآثار والأحاديث أنكر فيها الصحابة وأنكر فيها التابعون على ذوي السلطان، وكلها بدون استثناء يكون فيها أنَّ المنكر فعل بحضرتهم"[شرح الأربعين نووية صالح آل الشيخ ص472]، ولا أدري لماذا الكاتب تقصَّد التعامي والتجافي عن نقل هذا الكلام مع أنَّه نقل الكلام الذي قبله والذي بعده ؟؟ أم أنَّ الكاتب يستدل بما يراه موافقا لهواه فقط ؟؟ نعوذ بالله من الهوى والتعصب.
    فإن قال قائل فلماذا لا نقيس الإنكار في حضرة ولي الأمر على الإنكار في غيبته فيقال له: الوارد من الإنكارات في حضرة ولي الأمر هي اجتهادات للصحابة والحجة في قول النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا ذكر بعض أهل العلم أنَّ تلك الإنكارات الواردة عن الصحابة هي اجتهادات فردية هم معذورون فيها وإن أخطأوا وإلا فالثابت من الأصول أن الإنكار على ولاة الأمر يكون سرا وبلطف ومن غير مواجهة أمام الناس. [انظر صوتية للعلامة زيد المدخلي رحمه الله بعنوان: هل يجوز الإنكار العلني على ولاة الأمور]
    وفي هذا المقام يحسن نقل كلام للشيخ فركوس -حفظه الله- حيث يقول: «ومن جهةٍ أخرى يُحتمل أن يكونَ قولُ الصّحابيِّ ناتجًا عن خطإٍ في فهمِه أو غَلَطٍ حادَ به عن الصّوابِ في اجتهادِه» [الفتوى رقم: 1095].
    فالصحابي إذا كان يجوز عليه الخطأ وأنَّه غير معصوم فلا حجة فيما خالفه فيه غيره وإنما الحجة في قول المعصوم صلوات ربي وسلامه عليه.
    إنَّ هذا قياس في مقابلة النص والمعلوم عند صغار طلبة العلم أنه لا قياس في مقابل النص وذلك أنه إذا ثبت النص بطل القياس لأنه لا قول لأحد مع قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، ولأن النص هو الأصل والقياس فرع، والأصل يبطل الفرع، ولا يُبطل الفرع الأصل. [انظر كتاب: أصول الفقه على منهج أهل الحديث ص61].
    إنَّ الصحابة منهم من صرَّح بوجوب سرية الإنكار على ولي الأمر وعدم إعلانه ومن ذلك قصة حديث عياض بن غنم المتقدمة وأثر أسامة بن زيد السابق وما أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهما عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أنه قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: آمُرُ أَمِيرِي بِالْمَعْرُوفِ؟ قَالَ: «إِنْ خِفْتَ أَنْ يَقْتُلَكَ فَلَا تُؤَنِّبِ الْإِمَامَ، فَإِنْ كُنْتُ لَا بُدَّ فَاعِلًا فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ» [مصنف ابن أبي شيبة كتاب الفتن ج7 ص470].
    [وللأسف فإنّ الشيخ فركوس حفظه الله عند استدلاله بهذا الأثر على جواز ما ذهب إليه من إباحة الإعلان بالنكير على الأئمة عند الأمن على النفس، نقل الأثر مبتورا عن تتمته التي هي مؤثرة في بيان الحكم المتقرر عند السلف عموما وابن عباس رضي الله عنه خصوصا فنسب لابن عباس من المذاهب ما هو بريء منه من جهة، ووقع فيما ينافي الأمانة العلمية في النقل من جهة أخرى، فنسأل الله أن يراجع الشيخ حفظه الله هذه الجزئية ويتراجع عنها]
    وعليه فأقلّ ما يمكن أن يقال أنَّ اجتهادات الصحابة اختلفت، وعليه فالمرجع في ذلك هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهنا عندنا حديث صريح فصيح صحيح وهو حديث عياض بن غنم السابق.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في اختلاف الصحابة: «وإن تنازعوا رُدَّ ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء» [مجموع الفتاوى20/14].
    هذا وإن الردَّ عند التنازع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من مقتضيات الرضا به رسولا كما قال ابن القيم رحمه الله: "وَأَمَّا الرِّضَا بِنَبِيِّهِ رَسُولًا: فَيَتَضَمَّنُ كَمَالَ الِانْقِيَادِ لَهُ. وَالتَّسْلِيمَ الْمُطْلَقَ إِلَيْهِ، بِحَيْثُ يَكُونُ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ. فَلَا يَتَلَقَّى الْهُدَى إِلَّا مِنْ مَوَاقِعِ كَلِمَاتِهِ. وَلَا يُحَاكِمُ إِلَّا إِلَيْهِ. وَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَلَا يَرْضَى بِحُكْمِ غَيْرِهِ أَلْبَتَّةَ. لَا فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّبِّ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ. وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ أَذْوَاقِ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ وَمَقَامَاتِهِ. وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ. لَا يَرْضَى فِي ذَلِكَ بِحُكْمِ غَيْرِهِ. وَلَا يَرْضَى إِلَّا بِحُكْمِهِ" [مدارج السالكين 2/171 طبعة دار الكتاب العربي].

    - الوقفة الخامسة:
    قوله: "وعليه فالأحكام تختلف عند التنزيل، مع مراعاة مقاصد الشرع في باب المآلات بتحقيق المصالح ودرء المفاسد"!
    الكاتب في هذه الفقرة يردُّ على نفسه بنفسه إذ إنَّ المتقرر عند علماء السلف أنَّ فتح باب الإنكار العلني على ولاة الأمور كان سببا لفتح باب الخروج عليهم على مرِّ الأزمنة ولعل أول ذلك هو ما حصل في قصة مقتل عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وما كان من فعل ابن اليهودية عبد الله بن سبأ والقصة أخرجها الآجري في الشريعة بسنده عن يزيد القفسي يحكي فعل ابن سبأ فكان مما قاله ابن سبأ «انهَضُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ فَحَرِّكُوهُ وَابْدَءُوا بِالطَّعْنِ عَلَى أُمَرَائِكُمْ، وَأَظْهِرُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، تَسْتَمِيلُوا النَّاسَ، وَادْعُوا إِلَى هَذَا الْأَمْرِ، فَبَثَّ دُعَاةً، وَكَاتَبَ مَنْ كَانَ اسْتَفْسَدَ فِي الْأَمْصَارِ وَكَاتَبُوهُ، وَدَعَوْا فِي السَّيْرِ إِلَى مَا عَلَيْهِ رَأْيُهُمْ، وَأَظْهَرُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَجَعَلُوا يَكْتُبُونَ إِلَى الْأَمْصَارِ بِكُتُبٍ يَضَعُونَهَا فِي عُيُوبِ وُلَاتِهِمْ، وَيُكَاتِبُهُمْ إِخْوَانُهُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَيَكْتُبُ أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ إِلَى أَهْلِ مِصْرٍ آخَرَ بِمَا يَصْنَعُونَ، فَيَقْرَأُهُ أُولَئِكَ فِي أَمْصَارِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ فِي أَمْصَارِهِمْ، حَتَّى يَنَالُوا بِذَلِكَ الْمَدِينَةَ، وَأَوْسَعُوا الْأَرْضَ إِذَاعَةً وَهُمْ يُرِيدُونَ غَيْرَ مَا يُظْهِرُونَ، وَيَسْتُرُونَ غَيْرَ مَا يَرَوْنَ». [الشريعة للأجري ٤/١٩٨٤]
    - قال العيني -رحمه الله- في شرحه على البخاري عند أثر أسامة بن زيد رضي الله عنهما: "قد كلمته ما دون أَن أفتح بابا أَي: كَلمته شَيْئا دون أَن أفتح بابا من أبواب الفتن. أَي: كَلمته على سبيل المصلحة والأدب والسر دون أن يكون فيه تهييج للفتنة ونحوها" [ ج24 ص203 طبعة دار إحياء التراث]
    - قال العلامة ابن باز -رحمه الله-: "ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير… إلى أن قال: ولما فتح الخوارج الجهال باب الشر في زمان عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان علنا عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية، وقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما بأسباب ذلك، وقتل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني…". [مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 8/210]
    - وقال العلامة ناصر الدين الألباني –رحمه الله- في مختصر صحيح مسلم عند أثر أسامة السابق: "يعني المجاهرة بالإنكار على الاْمراء في الملأ لأن في الإنكار جهارأ ما يخشى عاقبته، كما اتفق في الإنكار على عثمان جهارأ إذ نشأ عنه قتله"
    - وفي نفس السياق قال الشيخ فركوس – حفظه الله- في كلامٍ سابقٍ له قبل أن يتغير رأيه في المسألة ويقرر عكس ما كان يقرره، فقال –حفظه الله-: "ومعنى ذلك أنَّ أهل السنة السلفيين ينكرون ما يأمر به الإمام من البدع والمعاصي ويحذرون الناس منها ويأمرونهم بالابتعاد عنها، من غير أن يكون إنكارهم على ولّاة الأمور في مجامع الناس ومحافلهم ، ولا على رؤوس المنابر ومجالس الوعظ ولا التشهير بعيوبهم، ولا التشنيع عليهم في وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة -المرئية والمسموعة والمكتوبة بالكتابة في الصحف والمجلات أو بالصور الكاريكاتورية- ونحو ذلك، لأنَّ ذلك يؤدي إلى تأليب العامة وإثارة الرعاع، وإيغار لصدور الرعية على ولَّاة الأمور وإشعال الفتنة، ويوجب الفرقة بين الإخوان، وهذه النتائج الضّارَّة يأباها الشرع ونهى عنها و"كل ما يفضي إلى حرام فهو حرام" "والوسائل لها حكم المقاصد""[ منصب الإمامة الكبرى أحكام وضوابط ص43 الطبعة الثانية].
    فإذا كان هذا هو مآل الإنكار العلني على ولاة الأمور أفلا ينبغي سدُّ الباب وقطع السبيل وحسم المادة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الذَّرِيعَةَ إلَى الْفَسَادِ يَجِبُ سَدُّهَا، إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ» [ الفتاوى الكبرى 287/1]
    وقال ابن القيم: «لا يجوز الإتيانُ بفعل يكون وسيلة إلى حرام وإن كان جائزًا» [إعلام الموقعين 317/3].
    فأين اعتبار المآلات التي تدندن عليها أخي الكاتب -أصلحك الله- أم أنَّ التعصب أعماك وأردت نصرة قول من تعتقد فضله ولو على حساب الحقِّ الثابت شرعا وعقلا.

    - الوقفة السادسة:
    - الكاتب نفسه يرد على تأصيله بنفس النقولات التي نقلها ومن ذلك النقل الثاني الذي نقله عن الشيخ صالح آل الشيخ -حفظه الله- حيث قال: «فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون فيما إذا حصل المنكر أمامك، أما إذا حصل في غيبة عنك فإنَّه يعود إلى الاصل العام وهو النصيحة» فها أنت تؤصِّل بنقلك لهذا الكلام على أنَّ ما ذهب إليه الشيخ فركوس -حفظه الله- من جواز الإنكار العلني في غيبة ولي الأمر مخالف للأصل العام الذي عليه العلماء سلفا وخلفا كما قرَّرَه من نقلت عنه من أهل العلم فكما يقال حججت نفسك بنفسك وأرحتنا من عناء الردِّ.

    - الوقفة السابعة:
    - ذهب الكاتب يُعَنِّفُ على من ردَّ على الشيخ فركوس -حفظه الله- خطأه في هذه الفتوى بحجة أن من لم يعرف أصول الفقه والعام من الخاص وغيرها من العبارات الفارغة التي خطَّها الكاتب مما لا يغني ولا يسمن من جوع وإنَّما ذكره الكاتب ليملأ به وُرَيْقاتِه، فإنَّه لم يجد ما يملأ به تلك الوُرَيْقَات حتى يظهرها على أنها تأصيلات علمية، ولكن الإشكال فيمن تبعه فيها وفرح بها وما فرق بين التأصيل العلمي وبين الكتابة لأجل الكتابة، وهكذا في كل زمان هناك أناس يستخفون عقول أتباعهم فيتَّبِعُونَهُم.
    قال ابن الأعرابي –رحمه الله- في قوله تعالى ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ﴾ «المعنى: فاستجهل قومه فأطاعوه لخفة أحلامهم، وقلة عقولهم» [تفسير سورة الزخرف من فتح القدير للشوكاني].
    وقال السعدي -رحمه الله-: «أي: استخف عقولهم بما أبدى لهم من هذه الشبه، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا حقيقة تحتها، وليست دليلا على حق ولا على باطل، ولا تروج إلا على ضعفاء العقول». [تفسير سورة الزخرف]
    فقال الكاتب -أصلحه الله- "فكيف بالخوض في أعراض أهل العلم من أهل السنة وخاصة مثل شيخنا فركوس -حفظه الله- الذي رسخت قدمه في باب الفروق والأشباه والنظائر"!
    والكاتب -أصلحه الله- إنَّما حصل له هذا الإشكال مع دندنته حول التفريق بين المسائل والاعتناء بعلم الفروق لعدم تفريقه بين ردِّ الخطأ وبين احترام العالم فجعل ردِّ الخطأ استنقاصا من العالم فقدَّم صيانة العالم على صيانة العلم ونسي أنَّ تأصيله هذا في نفسه استنقاصٌ في حقِّ العلم.
    قال الإمام مالك -رحمه الله- فيما رواه ابن النجار في تاريخه ونقله السيوطي في ترجمة مالك فقال -رحمه الله- «نصرة العلم أحب وأعز من نصرة الناس» [ تزيين الممالك ص 120].
    قال ابن القيم -رحمه الله- «وَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ الْآخَرِ، وَهُوَ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَكِتَابِهِ وَدِينِهِ، وَتَنْزِيهِهِ عَنْ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ الْمُنَاقِضَةِ لِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ مِنْ الْهُدَى وَالْبَيِّنَاتِ، الَّتِي هِيَ خِلَافُ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْعَدْلِ، وَبَيَانُ نَفْيِهَا عَنْ الدِّينِ وَإِخْرَاجِهَا مِنْهُ، وَإِنْ أَدْخَلَهَا فِيهِ مَنْ أَدْخَلَهَا بِنَوْعِ تَأْوِيلٍ.
    وَالثَّانِي: مَعْرِفَةُ فَضْلِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَمَقَادِيرِهِمْ وَحُقُوقِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ، وَأَنَّ فَضْلَهُمْ وَعِلْمَهُمْ وَنُصْحَهُمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ لَا يُوجِبُ قَبُولَ كُلِّ مَا قَالُوهُ، وَمَا وَقَعَ فِي فَتَاوِيهِمْ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي خَفِيَ عَلَيْهِمْ فِيهَا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَقَالُوا بِمَبْلَغِ عِلْمِهِمْ وَالْحَقُّ فِي خِلَافِهَا لَا يُوجِبُ إطْرَاحَ أَقْوَالِهِمْ جُمْلَةً وَتَنَقُّصَهُمْ وَالْوَقِيعَةَ فِيهِمْ؛ فَهَذَانِ طَرَفَانِ جَائِرَانِ عَنْ الْقَصْدِ، وَقَصْدُ السَّبِيلِ بَيْنَهُمَا، فَلَا نُؤَثِّمُ وَلَا نَعْصِمُ، وَلَا نَسْلُكُ بِهِمْ مَسْلَكَ الرَّافِضَةِ فِي عَلِيٍّ وَلَا مَسْلَكَهُمْ فِي الشَّيْخَيْنِ، بَلْ نَسْلُكُ مَسْلَكَهُمْ أَنْفُسَهُمْ فِيمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُمْ لَا يُؤَثِّمُونَهُمْ وَلَا يَعْصِمُونَهُمْ، وَلَا يَقْبَلُونَ كُلَّ أَقْوَالِهِمْ وَلَا يُهْدِرُونَهَا.
    فَكَيْفَ يُنْكِرُونَ عَلَيْنَا فِي الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ مَسْلَكًا يسْلُكُونَهُ هُمْ فِي الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ؟ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لِمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا يَتَنَافَيَانِ عِنْدَ أَحَدِ رَجُلَيْنِ: جَاهِلٍ بِمِقْدَارِ الْأَئِمَّةِ وَفَضْلِهِمْ، أَوْ جَاهِلٍ بِحَقِيقَةِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، وَمَنْ لَهُ عِلْمٌ بِالشَّرْعِ وَالْوَاقِعِ يَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الرَّجُلَ الْجَلِيلَ الَّذِي لَهُ فِي الْإِسْلَامِ قَدَمٌ صَالِحٌ وَآثَارٌ حَسَنَةٌ وَهُوَ مِنْ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ بِمَكَانٍ قَدْ تَكُونُ مِنْهُ الْهَفْوَةُ وَالزَّلَّةُ هُوَ فِيهَا مَعْذُورٌ بَلْ وَمَأْجُورٌ لِاجْتِهَادِهِ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتْبَعَ فِيهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُهْدَرَ مَكَانَتُهُ وَإِمَامَتُهُ وَمَنْزِلَتُهُ مِنْ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ
    » [إعلام الموقعين 3/220 تحقيق مشهور حسن].
    فيا ليت الكاتب عَلِم أنَّ ردَّ الخطأ شيء وحفظ كرامة العالم شيء آخر فإنَّ الردَّ على العالم ليس طعنا فيه فما زال السلف الصالح يردُّ بعضهم على بعض وينكر بعضهم مقالات بعض، فهذا العالم يرد على العالم الآخر، وهذا التلميذ يردُّ على شيخه وهكذا بأدب وعلم وبلا تعصب ولا إثارة للعواطف، وقد ضرب السلف الصالح في ذلك خير الأمثلة ولو راجع الكاتب رسالة "الفرق بين النصيحة والتعيير" للحافظ بن رجب -رحمه الله- -ولعله يستفيد من تلك التعليقات الرصينة التي خطتها أنامل شيخنا الوقور حسن آيت علجت –حفظه الله- على الرسالة- وأزال عنه جدار التقليد وغشاء التعصب وتجرَّدَ للحقِّ لاتضح له الأمر وانجلى، ولكن هكذا المتعصب يرى كل ردٍّ على شيخه طعنا فيه.
    وهنا نصيحة أتوجّه بها للكاتب -أصلحه الله- لعلَّ الله ينفعني وينفعه بها.
    قال العلامة صديق حسن خان قِنَّوجِي -رحمه الله-: «وأهمّ ما يحصل لك: أن تكون منصفا غير متعصّب في شيء من هذه الشريعة فلا تمحق بركتها بالتعصب لعالم من علماء الإسلام بأن تجعل رأيه واجتهاده حجة عليك وعلى سائر العباد فإنه وإن فضلك بنوع من العلم وفاق عليك بمدرك من الفهم فهو لم يخرج بذلك عن كونه محكوما عليه متعبدا بما أنت متعبد به بل الواجب عليك أن تعترف له بالسبق وعلو الدرجة اللائقة به في العلم معتقدا أن ذلك هو الذي لا يجب عليه غيره ولا يلزمه سواه وليس لك أن تعتقد أن صوابه صواب لك أو خطأه خطأ عليك بل عليك بالاجتهاد والجد حتى تبلغ إلى ما بلغ إليه من أخذ الأحكام الشرعية من ذلك المعدن الذي لا معدن سواه والموطن الذي هو أول الفكر وآخر العمل فإذا وطنت نفسك على الإنصاف وعدم التعصب لمذهب من المذاهب ولا لعالم من العلماء فقد فزت بأعظم فوائد العلم وربحت بأنفس فرائد».[أبجد العلوم ص92]

    - الوقفة الثامنة:
    - قال الكاتب -أصلحه الله-: "ولأن الطعن في أهل العلم من أهل السنة خاصة الراسخين في العلم منهم مخالف لأصول أهل السنة والجماعة"
    كلامه هذا لا غبار عليه وهو حقًّ! ولكن أين أنت يا لحسن من طعن من يزعمون نصرة الشيخ فركوس -حفظه الله- في أكابر أهل العلم في زمننا أمثال بقية السلف الصالح صالح الفوزان حفظه الله وإخوانه العلامة ربيع والعلامة عبيد والعلامة عبد الرحمن محي الدين والعالم سليمان الرحيلي والعالم صالح السحيمي وغيرهم من أهل العلم؟! الذين ولغ هؤلاء الأوباش في أعراضهم بلا رَوٍيَّةٍ ولا تأنٍّ! بل وأين أنت من رمي العلامة الألباني رحمه الله بالإرجاء، ومحاولة التخلص من منهج الشيخ ربيع؟! كما يدندنون حوله؛ وكأنَّهم نسوا يوما يقفون فيه بين يدي ربهم عزَّ وجلّ؛ بل واللَّه -كما قال بعض الفضلاء- ما شهدنا تجرءاً على العلماء من الدهماء والسفهاء مثل ما يحصل في زمننا هذا!
    أم أنَّ الحكم عندك من قبيل الخاص؛ إذ هو منطبق على شخص الشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله- فقط وأمَّا غيره من أهل العلم فلا حرمة لهم ؟!!

    - الوقفة التاسعة:
    قوله: "وإذا نظرنا من خلال ما سبق الكلام عليه سواء مع حديث أسامة أو حديث عياض بن غنم وبضم الأحاديث التي وردت في إنكار المنكر إليها وبالإضافة لقواعد الشريعة العامة في باب المقاصد والمآلات فإنَّك لا تجد فيها منع الإنكار العلني بضوابطه…"
    - إن كان يقصد الكاتب بالأحاديث الواردة في إنكار المنكر عموم الأحاديث الدالة على الإنكار فإنَّه لا دلالة فيها على إعلان الإنكار على ولاة الأمور والأصل أن ترد تلك الأحاديث إلى أحاديث وجوب إسرار النصح للحكام وعدم الإنكار عليهم علانية وأن تفهم في ضوء ذلك.
    - أما إن كان يقصد الأثار الواردة عن الصحابة فإنَّ الموقوف لا يقوى على معارضة المرفوع وقول الصحابي مع الخلاف الواقع في حُجِيَّته فإنَّ هذا يكون في صور محدودة وليس على عمومه فإذا خالف قوله أو فعله مرفوعا صحيحا صريحا فلا حجة فيه حينئذٍ.
    قال الشيخ فركوس -حفظه الله-: «هذا، وجديرٌ بالتّنبيهِ أنّ قولَ الصّحابيِّ لا يُحتجّ به أصلاً إذا ما خالفه غيرُه من الصّحابةِ، كما أنّ قولَه لا تُخصَّص به النّصوصُ من الكتابِ والسّنّةِ ما عدا أحوالَ الرّفعِ وإجماعِ الصّحابةِ؛ لأنّ النّصوصَ الشّرعيّةَ حجّةٌ على كلِّ من خالفها وتُقدَّم على كلِّ من عارضها» [الفتوى رقم: ١٠٩٥].
    والآثار الواردة عن الصحابة في هذا الباب ليست مِمَّا له حكم الرفع ولا مِمَّا أجمعوا عليه فكيف تعارض الأحاديث المرفوعة؟ حتى يصار إلى الجمع بينهما ؟!
    ومن شروط الجمع كما قرره الشيخ فركوس -حفظه الله- في شرحه على الإشارة للباجي تساوي الدليلين في القوة، قال حفظه الله: «أن يتساوى الدليلان المتعارضان في درجة واحدة من حيث القوّة».
    وأيضا من شروط الجمع كما هو متقرر وقوع التعارض الظاهري، فالجمع طريقة من طرق دفع التعارض كما هو مقرر عند أهل الأصول.
    قال ابن حزم –رحمه الله-: «إذا تعارض الحديثان ، أو الآيتان ، أو الآية والحديث ، فيما يَظنُّ من لا يَعْلَم ، ففرضٌ على كلِّ مسلمٍ استعمالُ كلِّ ذلك ، لأنه ليس بعض ذلك أولى بالاستعمال من بعض ، ولا حديث بأوجب من حديث آخر مثله ، ولا آية أولى بالطاعة لها من آية أخرى مثلها ، وكلٌّ من عند الله عز وجل ، وكلٌّ سواء في باب وجوب الطاعة والاستعمال…» [الإحكام ج٢ ص٢١ طبعة دار الأفاق الجديدة]، فانظر كيف جعل التّعارض سابقا وأردفه بطريقة إزالته وهي استعمال كلّ ذلك، وهو ما يُعَبَّرُ عنه بقولهم: «الإعمال أولى من الإهمال» وتلك هي حقيقة الجمع.
    فهل هنَّا يوجد تساوٍ بين المرفوع والموقوف حتى يصِّح التعارض قبل أن يصار للجمع!! اللَّهُمَّ إلا في ذهن الكاتب.
    وأما قوله: «فلا تجد فيها منع الإنكار العلني بضوابطه» فهذا مردود عليه فما ثبت كونه خطأ شرعا فلا يمكن تجويزه بضوابط وإلا لقلنا بجواز الربا بالضوابط التي وضعها له بعض الأزاهرة في فتوى لهم في ذلك !!! فكيف يصح وضع ضوابط لما صحَّ واستقر المنع منه شرعا خصوصا وقد تقدم بيان كون الإنكار العلني وسيلة لفتح باب الشرِّ على مرِّ الأزمنة والعصور. [وللاستزادة راجع ما كتبه الشيخ عبد القادر الجنيد في نقضه للضوابط التي جعلها الشيخ فركوس للإنكار العلني]
    وأما قوله بداية: «إذا نظرنا» فرجاءً أخي الكاتب دع نظرك القاصر بل الأعور للمسألة عندك، فإنَّه يكفينا نظر أهل العلم من سلفنا الصالح من المتقدمين والمتأخرين ممن سبق بيان قولهم في هذه الورقات ومن غيرهم ممن لم تنقل أقوالهم.
    فإنِّنا ولله الحمد نفرق بين النظر الصحيح السليم والنظر الأعور السقيم، فلا نأخذ بكل نظرٍ من كل ناظرٍ ولسنا كمن قال فيهم الشاعر:
    وليل يقول الناس من ظلماته ::: سواء صحيحات العيون وعورها.

    وأخيرا؛ فإنّه يحسن في هذا المقام نقل نصيحة صادقة من عالم سلفي صادق قد أفضى إلى ما قدَّم، عليه سحائب الرحمة من الله عز وجل.
    قال الشيخ عبد السلام البرجس رحمه الله: «وليس العجب أن تنزلق أقدام الجماعات المشبوهة الدخيلة على هذه البلاد -بلاد الدعوة الإصلاحية- في هذه المسألة، وإنما العجب ممن تربى على كتب أئمة الهدى، ونشأ بين علماء الدعوة، وكتبهم، كيف يضل في مسألة البيعة، وطريقة نُصح الولاة، وهي مِمَّا تتابعت فيها النصوص الشرعية، وامتلأت بها كُتب أهل السنة، وعرفها حتى العجائز من الموحدين.
    وإن مِمَّا يبعث الأسى في القلب: أن تنبت نابتة من أبناء الجزيرة، ترمي كلَّ من تكلَّم في هذه القضايا، على ضوء ما قرره علماء السنة؛ بالمداهنة والتزلف.
    وهذا إنَّما نتج عن تحكيم العواطف، وتلقي الفكر من غير أهل السنة والجماعة
    ». [مقدمة تحقيق نصيحة مهمة في ثلاث قضايا لأئمة علماء]

    وفي الختام؛ فالقول موجه لهؤلاء الذين يريدون تحطيم أصول هذه الدعوة المباركة، الله الله فيها واعلموا أنَّكم إنما تضرّون أنفسكم وأنَّ هذه الدعوة منصورة -بإذن الله عزَّ وجلَّ-، وأن مكركم لن يحيق إلا بكم ومهما كدتم لهذه الدعوة وعلماءها فإنَّ كيدكم سينقلب عليكم فإنَّ للباطل جولة وتزول وللحقِّ صولة وظهور، "فوالذي نفسي بيده؛ ما بارز أهل الحق قط قرن إلا كسروا قرنه، فقرع من ندم سنه، ولا ناحرهم خصم إلا بشّروه بسوء منقلبه، وسدّوا عليه طريق مذهبه لمهربه، ولا فاصحهم أحد -ولو كان مثل خطباء إياد- إلا فصحوه وفضحوه، ولا كافحهم مقاتل -ولو كان من بقية قوم عاد- إلا كبُّوه على وجهه وبطحوه، هذا فعلهم مع الكماة الذين وردوا المنايا تبرعاً، وشربوا كؤوسها تطوعاً، وسعوا إلى الموت الزؤام سعياً، وحسبوا طعم الحمام أرياً، والكفاة الذين استحقروا الأقران فلم يهلهم أمر مخوف، وجالوا في ميادين المناضلة واخترقوا الصفوف، وتجالدوا لدى المجادلة بقواطع السيوف". [انظر: غاية الأماني للألوسي رحمه الله 27/1]
    وأمَّا علماؤنا وأئمتنا فما أخطأوا فيه فهم معذورون بإذن الله ولا نتبعهم عليه، فإنِّهم غرسوا فينا حُبَّ اتباع الدليل والأخذ به وطرح أقوالهم متى ما تَبَيَّنَ أنَّ الحَقَّ خلافها وقد وقعت في قلبي كلمة قالها الشيخ فركوس -حفظه الله- في مجالسه حيث قال: «أنا لا أُلزِمُ أحداً باتِّباعي وإنِّمَا اتَّبِع الحقَّ الذي تَبيَّن لك»، وشيخنا في هذا متابع لسلفه من الأئمة الأعلام مصابيح الهدى؛ كما قال العلامة محمد سعيد صفر المدني في أرجوزة له لطيفة:
    وَقَـوْلُ أَعْلَامِ الـهُدَى لَا يُـعْمَلُ ::: بِقَـوْلِنَـا بِدُونِ نَـصٍّ يُـقْـبَـلُ
    فِـيهِ دَلِيلُ الأَخْذِ بِالحَدِيثِ ::: وَذَاكَ فِي القَدِيمِ وَالـحَدِيثِ
    قَـالَ (أَبُـو حَنِـيفَـةَ) الإِمَـامُ ::: لَا يَـنْـبَغِي لِـمَـنْ لَـهُ إِسْـلَامُ
    أَخْـذُ بِأَقْـوَالِـيَ حَتَّى تُعْرَضَا ::: عَلَى الحَدِيثِ وَالكِتَابِ الـمُرْتَضَى
    وَ (مَالِكٌ) إِمَامُ دَارِ الهِجْرَةِ ::: قَالَ وَقَدْ أَشَارَ نَحْوَ الـحُجْرَةِ
    كُلُّ كَلَامٍ مِنْهُ ذُو قَبُولِ ::: وَمِنْهُ مَرْدُودٌ سِوَى الرَّسُولِ
    وَ (الشَّافِـعِيُّ) قَـالَ إِنْ رَأَيْـتُمُ ::: قَوْلِـي مُـخَالِـفًا لِـمَـا رَوَيْـتُمُ
    مِنَ الـحَـدِيثِ فَاضْـرِبُـوا الـجِـدَارَا ::: بِقَـوْلِـيَ الـمُـخَـالِـفِ الأَخْــبَـارَا
    وَ (أَحْـمَدٌ) قَالَ لَـهُمْ لَا تَـكْـتُـبُوا ::: مَـا قُلْـتُـهُ بَلْ أَصْلُ ذَاكَ فَـاطْـلُـبُوا
    فَاسْـمَعْ مَـقَـالَاتِ الـهُدَاةِ الأَرْبَعَهْ ::: وَاعْـمَلْ بِـهَا فَإِنَّ فِـيهَا مَنْـفَـعَـهْ
    لِـقَمْعِهَـا لِـكُلِّ ذِي تَعَصُّبِ ::: وَالـمُنْصِفُونِ يَكْتَـفُونَ بِالنَّـبِيْ
    [منظومة رسالة الهدى في اتباع النبي المقتدى]
    ـــ . ـــ

    هذا والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
    كتبه: أبو معاوية عبد الله الجزائري -غفر الله له ولوالديه ولمشايخه-
    ليلة الجمعة 02 ذو الحجة 1443
    وانتهى من تحريره بعد عرضه
    على ثلة من
    مشايخنا
    الكرام
    يوم الخميس 08 من نفس الشهر
    * * *
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2022-07-07, 07:10 PM.

  • #2
    جزاك الله خيرا أخي أبا معاوية.

    تعليق


    • #3
      وخيرا جزاك أخي مهدي

      تعليق


      • #4
        جزاك الله خيرا

        تعليق

        الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
        يعمل...
        X