إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

نصيحة أخوية إلى الشيخ فالح الحربي الأولى والثانية للشيخ أبي محمد ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله=

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نصيحة أخوية إلى الشيخ فالح الحربي الأولى والثانية للشيخ أبي محمد ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله=

    نصيحة أخوية إلى الأخ الشيخ فالح الحربي الأولى

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.

    إلى فضيلة الشيخ فالح بن نافع لحربي وفقه الله وسدد خطاه ([1]).

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

    أما بعد:

    فقد وقفت على كلام لكم يتعلق بالجرح لفت نظري حيث :

    أولاً- وجهت إليكم أسئلة في يوم الجمعة الموافق 27/2/1423هـ عن بعض الناس فأجبتم بأنهم ليسوا من السلفيين .

    وسئلتم هل يشترط بيان أسباب الجرح ؟

    فأجبتم بقولكم " ما يشترط هذا بالنسبة لأسباب الجرح بيان أسباب الجرح والتعديل في علم الرواية .
    وليس في كلام المخالفين في مناهجهم ، وفي سلوكياتهم " .

    وأقول :

    1- إنكم سئلتم عن أشخاص معينين مشهورين عند الناس بالسلفية والدعوة إليها وفيهم علماء في نظر الناس فأخرجتهم من السلفية وهذا الإخراج جرح شديد فيهم يحتاج إلى أدلة، فإذا لم تأت بالأدلة وأسباب هذا الجرح رأى الناس أنك قد ظلمتهم وتعديت عليهم وطعنت في دينهم بغير وجه حق، فصرت متهماً عند الناس فتحتاج إلى استبراء دينك وعرضك.

    فإن لم تفعل طعن فيك الناس ولن ترضى أنت ولا غيرك بهذا الطعن، فتقوم الفتنة ويحصل الاختلاف بين السلفيين وتكثر الطعون المتبادلة ولا يحسم ذلك إلا بذكر الأسباب المقنعة بهذا الإخراج وقد تطالب أنت نفسك بذكر الأسباب إن جرحك أحد أو أخرجك من السلفية.

    2- إنه إذا تعارض جرح مبهم وتعديل فالراجح أنه لا بد من تفسير هذا الجرح المبهم، والاشتهار بالدين والسنة والسلفية والدعوة لها أقوى من التعديل الصادر من عالم أو عالمين.

    والكلام في المخالفين وفي مناهجهم وسلوكياتهم من أهم ما يدخل في باب الجرح، لأن هناك تلازماً بين الأشخاص ومناهجهم فالذي يطعن في منهج الشخص يطعن فيه.

    ولذا ترى السلف يبينون بالأدلة ضلال أهل البدع وفساد مناهجهم ولهم في ذلك المؤلفات التي لا تحصى وسيأتي ذكر بعضها وأرى أنه لا مناص من ذكر كلمات لأهل العلم في اشتراط تفسير الجرح المبهم ورد بعض أنواع الجرح فأقول :

    رجح ابن الصلاح أن التعديل مقبول من غير ذكر سببه .

    وأن الجرح لا يقبل إلا مفسراً مبين السبب ، لأن الناس يختلفون فيما يجرح ومالا يجرح ونقل عن الخطيب أن هذا مذهب أئمة الحديث ونقاده مثل البخاري ومسلم وغيرهما ولذلك احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الجرح لهم كعكرمة مولى ابن عباس -رضي الله عنهما- وذكر آخرين ثم قال واحتج مسلم بسويد ابن سعيد وجماعة أشتهر الطعن فيهم وهكذا فعل أبو داود السجستاني وذلك دال على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يثبت إلا إذا فسر سببه ومذاهب النقاد للرجال غامضة ومختلفة .

    وذكر عن شعبة -رحمه الله- أنه قيل له لم تركت حديث فلان فقال رأيته يركض على برذون فتركت حديثه ".

    مع أن شعبة إمام في الحديث ونقد الرجال لكن نقده هنا ليس بصواب لأن مثل هذا لا يعد من أسباب الجرح المسقطة للعدالة .

    وذكر قصة عن مسلم بن إبراهيم وأنه جرح صالحاً المري بما لا يعد من أسباب الجرح وإن كان المري قد ضعف بغير هذا السبب ومما جرح به عكرمة أنه على مذهب الصفرية الخوارج وقد جرحه بذلك بعض الأئمة ولم يقبل البخاري جرحهم لضعف حجتهم .

    قال العلامة عبد الرحمن المعلمي في مقدمة الجرح والتعديل (ص:ج ):

    " وقد كان من أكابر المحدثين وأجلهم من يتكلم في الرواة فلا يعول عليه ولا يلتفت إليه" .

    قال الإمام علي المديني وهو من أئمة هذا الشأن :

    " أبو نعيم وعفان صدوقان ولا أقبل كلامهما في الرجال هؤلاء لا يدعون أحداً إلا وقعوا فيه " .

    وأبو نعيم وعفان من الأجلة والكلمة المذكورة تدل على كثرة كلامهما في الرجال ومع ذلك لا نكاد نجد في كتب الفن نقل شيء من كلامهما " .

    ولا فرق في هذا التجريح بين الجرح في العدالة بالفسق أو البدعة وغيرها وبين الجرح في الحفظ والضبط كقولهم سيء الحفظ أو كثير الغلط أو كثير الغفلة ونحو ذلك .

    قال ابن الجنيد الختلي سمعت ابن معين يقول :" كان أبو نعيم إذا ذكر إنساناً فقال: هو جيد وأثنى عليه ، فهو شيعي وإذا قال فلان كان مرجئاً فاعلم أنه صاحب سنة"([2]).

    فهذا أبو نعيم على فضله وجلالته وثناء الإمام أحمد وغيره عليه لا يقبل منه جرح ولا تعديل وأنت ترى أن جرحه هنا في العقيدة فلم يقبله لا يحيى بن معين ولا ابن المديني ولا غيرهما وكذلك عفان بن مسلم -رحمه الله- على فضله ودينه وعلمه لم يقبل أئمة النقد منه جرحاً ولا تعديلاً ويشير كلام المعلمي إلا أن لهما نظراء .

    ومن المستغرب جداً قولكم عن بيان أسباب الجرح بالنسبة للتبديع إنه ما يشترط وتعني عند معارضة التعديل للجرح أو ما هو معروف من واقعه سلفاً أنه سلفي وما يعتقده فيه الناس والمستغرب أكثر دعواكم أن بيان أسباب الجرح خاص بعلم الرواية وهذا الرأي لا يقوله أئمة الجرح والتعديل حسب علمي .

    فإن كنتم وقفتم لهؤلاء الأئمة على تفرقة واضحة أو لبعضهم تفرقة راجحة بالأدلة فأنا أستفيد وأشكر لكم ذلك .

    على أنني أخشى أن يترتب على قولكم هذا مفاسد كبيرة فلو جاء رجل يبدع عالماً مشهوراً بالسلفية مثل الألباني أو ابن باز أو السعدي أو المعلمي أو أي سلفي اشتهر بالسلفية من الأحياء كالشيخ الفوزان والشيخ زيد بن هادي المدخلي أو الشيخ أحمد بن يحيى النجمي أو الشيخ محمد بن عبد الوهاب البنا أو الشيخ فالح فقيل لهذا الرجل بين أسباب تبديع هؤلاء أو من بدع منهم فقال لا يشترط هنا في باب التبديع بيان أسباب الجرح وأصر على هذا التبديع فهل يسلم له الناس ذلك وهل تتصور أن يسلم أحد من السلفيين من هذا التبديع الذي سيترتب على قولكم هذا .

    أرجوا التدبر والتفكير العميق في هذه الأمور، ثم المبادرة بما يجب اتخاذه تجاه هذه القاعدة الخطيرة لأنها انتشرت بين شباب يسقطون غيرهم ثم يسقط بعضهم بعضاً.

    ثانياً- قال السائل :" لأنهم قد يقولون قد يجرح الشيخ بما لا يعتبر جرحاً عند غيره ؟

    فقلتم عفا الله عنكم:" لا لا هذه من قاعدتهم أعوذ بالله هذه قاعدة ظالمة قاعدة ضللت الأمة هذه قاعدتهم هذه قاعدة ابتدعوها هم ".

    أقول: سامحك الله هذه قاعدة أئمة السنة والحديث وليست بظالمة بل هي من صميم العدل الذي جاء به الإسلام لأن العالم قد تخطيء في الجرح أو في التعديل فيصحح أخوه خطأه في هذا أو هذا .

    وقد يجرح العالم بغير جارح فيرد العلماء النقاد جرحه إنصافاً لمن وقع عليه هذا الجرح وقد مرت بك الأمثلة.

    نعم إذا كان الجارح من العلماء الأمناء العارفين بأسباب الجرح والتعديل والمعترض جاهل أو صاحب هوى فلا عبرة باعتراضه .

    ثالثاً – قال السائل :" إذن يكفي الجرح المجمل" .

    فقلتم:" من العالم ما فيه جرح ما نقول جرح ما هو من الجرح الرواية قد يكون عالماً إذا تكلم في أهل البدع ويتكلم في المنهج ، يتكلم في العقيدة يتكلم في الدين يكون إماماً في هذا .

    وقد يكون لا تقبل روايته لأن ضوابط الرواية ما تنضبط عليه فرق بين هذا الذي هو علم آلة وعلم وسيلة وفن من فنون لحفظ الشريعة وبين الكلام في المذاهب وأهل البدع والنحل ".

    أقول: سامحك الله كيف تقول ما فيه جرح ما نقول جرح ..الخ فأي جرح أقوى من التبديع وفضلاً راجع كتب الجرح والتعديل وكتب الجرح الخاصة بالجرح لتراها مكتضة بجرح أهل البدع ببدعهم ومنها كتاب الضعفاء للبخاري وكتاب المجروحين لابن حبان وكتاب الكامل لابن عدي وكتاب الشجرة للجوزجاني والضعفاء لابن الجوزي وتهذيب الكمال وفروعه ومنها تهذيب التهذيب لابن حجر والتقريب له وكتب الذهبي الميزان والديوان والمغني بل علم الجرح الشامل لأهل البدع وغيرهم هو علم خاص كما قال ذلك الحاكم أبو عبد الله .

    وانظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- حيث قال:" والمقصود أن العلماء كلهم متفقون أن الكذب في الرافضة أظهر منه في سائر طوائف أهل القبلة .

    ومن تأمل كتب الجرح والتعديل المصنفة في أسماء الرواة والنقلة وأحوالهم – مثل كتب يحيى بن سعيد القطان ، وعلي بن المديني ويحيى بن معين ، والبخاري وأبي زرعة ، وأبي حاتم الرازي والنسائي وأبي حاتم بن حبان ، وأبي أحمد بن عدي ، والدارقطني وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني السعدي ، ويعقوب بن سفيان الفسوى ، وأحمد بن عبد الله بن صالح العجلي ، والعقيلي ، ومحمد بن عبد الله ابن عمار الموصلي ، والحاكم النيسابوري ، والحافظ عبد الغني بن سعيد المصري ، وأمثال هؤلاء الذين هم جهابذة ونقاد ، وأهل معرفة بأحوال الإسناد – رأى المعروف عندهم بالكذب في الشيعة أكثر منهم في جميع الطوائف"([3]) .

    وهذا أبو إسحاق الجوزجاني يصدر كتابه في الجرح والتعديل بأهل البدع فقد بدأ بالخوارج إذ كانت أول بدعة ظهرت في الإسلام ثم ذكر تسعة من رؤوسهم .

    ثم ثنى بالسبائية ثم المختارية والرافضة والشيعة .

    ومن عباراته فيهم ، كان فلان مختارياً وكان فلان غالياً مفرطاً وكان فلان صاحب راية المختار وكان فلان زائغاً وفلان كذاب ، وكذاب شتام .

    وكذلك ابن حبان صدر كتابه في المجروحين ببيان أنواع المجروحين وجعل في طليعتهم الزنادقة والرافضة .

    فكيف يورد هؤلاء الأئمةُ الرافضةَ وغيرَهم من أهل البدع في كتب الجرح إذا كان التبديع لا يدخل في باب الجرح .

    قال الحافظ الذهبي -رحمه الله- مبيناً فائدة الرواية عن ثقات أهل البدع : "ولكن فائدة ذكرنا كثيراً من الثقات الذين فيهم أدنى بدعة أو لهم أوهام يسيرة في سعة علمهم أن غيرهم أرجح منهم وأوثق إذا عارضهم وخالفهم فزن الأشياء بالعدل والورع([4]) يعني أن الثقة السني أعظم وزناً وأرجح ممن نقصته البدعة لأنها جرحة فيه فترجح رواية الثقة السني على رواية الثقة الذي عنده بدعة وهذا من العدل الذي شرعه الله .

    وجعل الحافظ ابن حجر الرواة على مراتب :

    الأولى الصحابة ، والثانية من أكد مدحه بأفعل كأوثق الناس أو تكررت الصفة لفظاً كثقة ثقة أو معنى كثقة حافظ .

    والثالثة من أفرد بصفة كثقة أو متقن أو ثبت أو عدل .

    والرابعة من قصر عن الثالثة قليلاً وإليه الإشارة بصدوق أو لا بأس به أو ليس به بأس .

    والخامسة من قصر عن الرابعة قليلاً وإليه الإشارة بصدوق سيء الحفظ أو صدوق يهم أو له أوهام أو يخطيء .

    ويلتحق بذلك من رمي بنوع من البدعة كالتشيع والقدر والنصب والإرجاء والتجهم مع بيان الداعية وغيره " .

    فتراه جعل أهل البدع في المرتبة الخامسة التي عَرَفْتَ أهلها من منطلق تقديم السني على من تلبس ببدعة .

    لذا تراه يقول فلان رمي بالقدر فلان رمي بالإرجاء فلان رمي بالتشيع وهم كثر في كتابه وقد علمت أن العلماء أدخلوا أهل البدع الغليظة في كتب الجرح ولم يعارضهم أحد أيضاً فكيف يقال إن الكلام في أهل البدع لا يسمى جرحاً .

    وقلتم بارك الله فيكم: " فرق بين هذا الذي هو علم آلة وعلم وسيلة وفن من فنون لحفظ الشريعة وفرق بين الكلام في المذاهب وأهل البدع والنحل ".

    أقول: إن علوم الحديث ومنها الجرح والتعديل من أعظم وسائل حفظ الدين وحمايته إذ فيه بيان الثقات العدول الذين أهلهم الله لتلقي الدين وحفظه وتبليغه وفيه حماية من دس الزنادقة والملحدين وغلاة المبتدعين ومن وهم الواهمين وإفك الكذابين .

    وكتب السنة (العقائد) قائمة على منهج أئمة الجرح والتعديل والذي لا يسير على منهجهم في نقد أهل الأهواء ونقل النحل والآراء لا يخرج عن حكم الظنون والهوى .

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- خلال كلامه عن الفرق والحديث عنها وتحريم القول على الله بغير علم : " وأيضاً فكثير من الناس يخبر عن هذه الفرق بحكم الظن والهوى فيجعل طائفته والمنتسبة إلى متبوعه الموالية له هم أهل السنة ويجعل من خالفها أهل البدع وهذا ضلال مبين فإن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله r الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر وطاعته في كل ما أمر وليست هذه المنـزلة لغيره من الأئمة بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك ...

    "ثم واصل -رحمه الله- ينقد التعصب للأشخاص ويبين أن أهل الحديث أحق الناس بأن يكونوا هم الفرقة الناجية " الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله r وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله وأعظمهم تمييزاً بين صحيحها وسقيمها وأئمتهم فقهاء فيها وأهل معرفة بمعانيها وأتباعا لها تصديقاً وعملاً وحباً وموالاة لمن والاها ومعاداة لمن عاداها "([5]).

    والشاهد أن من يتحدث عن الفرق على خلاف منهج أهل الحديث في الجرح والتعديل لا بد أن يتحدث بحكم الظن والهوى لأنه لا منهج لديه يثبت به ما يدين به هذه الفرقة أو تلك وينفي عنها ما ليس من مذهبها .

    فقد يكون في أهل الكلام من يؤلف المقالات في الفرق والنحل وليس لديه معرفة ولا منهج يثبت وينفي على أساسه فيتكلم عن تلك الفرق بغير علم بل باتباع الظن والهوى والله يقول ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) .

    ولا يتكلم بحق وعدل وإنصاف من لم يأخذ بمنهج أهل الحديث في الجرح والتعديل الذي به يبين الصحيح من السقيم من حديث رسول الله ويميز به بين الصحيح من السقيم فيما ينسب إلى الفرق وأهل النحل .

    فالذي يتكلم في أهل البدع ويتكلم في المنهج ويتكلم في العقيدة وهو لا تقبل روايته لا يكون إماماً عالماً وليس أمامه إلا التقليد فيقول قال فلان وقال فلان بغير علم، مثل من يقلد في الفقه مذهباً ويتعصب له وينقل أحكاماً عن هذا المذهب وفيه ما يقبل وما يرد وهو لا يميز بين المقبول والمردود .

    فلا هذا المقلد في الفقه ولا ذاك المقلد في العقيدة يصلح للنقد والجرح والتعديل والتبديع والتضليل والأسلم له أن يقلد أهل الحديث لأن عقائدهم مبنية على التمييز بين الصحيح والسقيم ذلك التمييز الذي استمدوه من منهج الجرح والتعديل .

    أقول هذا أيها الحبيب لما تضمنه كلامك ولما يلزم عليه لتنظر فيه بل لتمعن فيه النظر لأنه ناشيء عن قواعد غير صحيحة وفقنا الله وإياك لإصابة الحق .

    قلتم عفا الله عنكم في تكملة الإجابة على السؤال الثالث :

    " يا أخي هؤلاء لبسوا على الناس لأنهم جهلة ومع ذلك يعلمون الناس قواعد يزعمون أنها قواعد أهل السنة في الحكم على الرجال ، الرجال الذين في الرواية غير الرجال الذين في الفتوى و في العلم هؤلاء أضلوا العالم بهذه القاعدة .

    كونهم يأتون بقاعدة في علم الرواية ويطبقونها على الكلام في أهل البدع من قبل علماء أهل السنة" .

    أقول : نعم إن أهل الأهواء لهم قواعد باطلة لكن قاعدة إنه لابد من بيان أسباب الجرح عند تعارض الجرح والتعديل قاعدة صحيحة وهي من قواعد أهل السنة دون ريب ويجب تطبيقها حين يبدع مسلم اشتهر بالسلفية أو يفسق أو يرمى بالكفر أو الجاسوسية والعمالة .

    أرأيت لو جاء عالم أو متعالم فيرمي الشيخ فالحاً بالبدعة أو الفسق أو ...الخ أتقبل منه هذا أو تسلم له ولا تطالبه ببيان سبب هذا التبديع أو التفسيق وإقامة الحجة والبرهان على دعواه .

    وأقول يا أخي إنَّ السؤال كان عن اشتراط بيان أسباب الجرح .

    إذا جرح شخص اشتهر بين الناس أنه سلفي وهو يدعيها ما هو عن إنسان اشتهر مثلاً بالرفض أو التصوف والقبورية أو الحزبية أو عن تدريس كتاب يتحدث عن الفرق الضالة أو عن محاضرة يلقيها عالم يتحدث عن هذه الفرق .

    لو جئت يا أخي أي عالم من علماء السنة مثل ابن باز أو الألباني أو ابن عثيمين أو الفوزان بالطعن في أحد تلاميذه الذين يعتقد فيهم أنهم من أهل السنة السلفيين.

    ويعتقد أنهم يحاربون البدع وأهلها لو بدعت واحداً من تلاميذه أو جماعة أيسلم لك هذه القاعدة التي تفرق بها بين الكلام في باب الرواية والكلام في باب التبديع.

    وهل يوافقك هؤلاء العلماء أن قاعدة بيان أسباب الجرح عند تعارض الجرح والتعديل أو عند الحاجة إلى بيان الأسباب أنها قاعدة باطلة وهل يوافقونك على أن من قال بهذه القاعدة قد أضل الناس بها.

    وأضفت في حوارك مع السائل قولك "يا أخي ما كان طريقه السماع هذا بابه الرواية والرواية فن من فنون العلم .

    وما كان بابه الاستنتاج ، الاستنتاج من المسموع المنقول من الشريعة من يوم نزلت إلى أن كملها الله وتوفي رسول الله r وانقطع الوحي فهذا بابه الفتوى ويرجع فيه إلى العلماء ".

    أقول : إن سؤال السائل كان عن اشتراط بيان أسباب الجرح وهو يعيش فتنة مشتعلة كثر فيها الجدال والقيل والقال والتبديع والتضليل من أطراف كل طرف يدعي أنه من أهل السنة .

    فالجواب الصحيح أنه إذا وقع من طرف أو من الأطراف تبديع أو تضليل أنه لا بد من بيان أسباب هذا التبديع بياناً شافياً تقوم به الحجة ويقطع به دابر الفتنة ويظهر للناس أن أحكام الطرف المبدع قامت على علم وحجة وبرهان .

    ألا ترى أن من يخاصمونك يدعون أنهم هم أهل السنة حقاً والسلفيون حقاً وأنك على باطل وظالم وحاقد وحاسد ولهم صولات وجولات هنا وهناك .

    فلو بدعوك ومن معك وضللوكم وطعنوا فيكم بما يشاؤن فاستنكر الناس منهم ذلك وطالبوهم ببيان أسباب هذا التبديع والتضليل والطعن فأجابوهم بأنهم لا يلزمهم بيان الأسباب بدعوى هذا التفريق الذي تقول به وتؤكده وتضلل من لا يقول به.

    وترى أن من يقول باشتراط بيان الأسباب قد أضلوا العالم .

    وأسألك أخي من خلط من الناس بين علم الجرح والتعديل الشامل للتبديع وغيره وبين ما بابه الاستنتاج من نصوص الكتاب والسنة من عقائد وأصول وفقه حتى تقول مثل هذا الكلام؟ .

    وأذكرك بأن لك جواباً آخر على مثل هذا السؤال قررت فيه أن كلام العلماء المشتمل على التبديع يدخل في الجرح فقد وجه إليكم سؤال ونصه:"

    سؤال :" ما هو رأيكم في هذا القول : لا نقبل جرح العالم المجمل في من اشتهر بالسلفية حتى يأتي الجرح ...؟ ولعله سقط منه كلمة المفسر"

    فقلتم الجواب : "هذا باطل ، ونقر الجرح من أهل العلم في أهل البدع ، هذا الشخص من أهل البدع فيجب أن يحذر ولا يعتبر لكونه معروف بالسلفية إذا اصَّل([6]) أهل العلم وبيَّن أهل العلم أن هذا الرجل قد ابتدع الكلام ، كلام يقصد به أصحابه أن يدافعوا عن الذين كانوا مستورين أو كان يظن فيهم السلفية ثم ظهرت خلفيتهم ، فينبغي أن يتنبه إلى مسائل هؤلاء وإلى ما يضربونه من تقعيد الباطل ".

    ففي إجابتك على هذا السؤال ما يأتي :

    1- اعترافك بأن الطعن بالتبديع فيمن اشتهر بالسلفية يدخل في باب الجرح .

    2- قولك:" هذا باطل"، ليس بصواب فالصواب أنه لابد من تفسير الجرح المجمل كما هو الراجح عند أئمة النقد والجرح والتعديل ولا سيما في هذا الوقت الذي كثرت فيه الفتن والإشاعات والقيل والقال وكثرت فيه التعصبات ولاسيما إذا كان الجرح فيمن اشتهر بالسلفية ، وقد اعترفت أن هناك من يدافع عن هذا الصنف وهذا أمر واضح منتشر في البلدان شرقاً وغرباً وفي شبكات الانترنت .

    3- لقد اعترفت هنا من حيث تشعر أو لا تشعر بأنك تقول بلزوم تفسير الجرح المجمل وذلك ظاهر قولك إذا أصَّل وبيَّن أهل العلم.

    فما التأصيل أو التفصيل أو البيان إلا تفسير للجرح المجمل وبيان أسبابه وحججه.

    وإني والله لأحب لك ما أحب لنفسي ومن ذلك الرجوع إلى الصواب في هذه المسائل إلى طريقة السلف في التفصيل والبيان في نقد أهل البدع وأهل الأخطاء حتى يتبين خطأ المجتهدين وتستبين سبيل المبتدعين والمجرمين .

    وأخيراً أقول : إن إصدار الأحكام على أشخاص ينتمون إلى المنهج السلفي وأصواتهم تدوي بأنهم هم السلفيون بدون بيان أسباب وبدون حجج وبراهين قد سبب أضراراً عظيمة وفرقة كبيرة في كل البلدان فيجب إطفاء هذه الفتن بإبراز الحجج والبراهين التي تبين للناس وتقنعهم بأحقية تلك الأحكام وصوابها أو الاعتذار عن هذه الأحكام.

    ألا ترى أن علماء السلف قد أقاموا الحجج والبراهين على ضلال الفرق من روافض وجهمية ومعتزلة وخوارج وقدرية ومرجئة وغيرهم .

    ولم يكتفوا بإصدار الأحكام على الطوائف والأفراد بدون إقامة الحجج والبراهين الكافية والمقنعة.

    بل ألفوا المؤلفات الكثيرة الواسعة في بيان الحق الذي عليه أهل السنة والجماعة وبيان الضلال الذي عليه تلك الفرق والأفراد .

    فانظر إلى رد الإمام أحمد على الجهمية ورد عثمان بن سعيد الدارمي على الجهمية والرد على بشر المريسي و"كتاب السنة" لعبد الله بن احمد و"السنة" للخلال و"الشريعة" للأجري و"الإبانتين" لابن بطة و"شرح اعتقاد أهل السنة" لللاكائي و"الحجة" للأصبهاني وغيرها من المؤلفات الكثيرة .

    وانظر إلى مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية "كالمنهاج في الرد على الروافض" و"درء تعارض العقل والنقل" في الرد على الأشاعرة و"نقض التأسيس" في الرد على الرازي في الدرجة الأولى والرد على البكري (الاستغاثة) و"الرد على الأخنائي" وكتاب "الفتاوى الكبرى" ، وانظر "مجموع الفتاوى" له وكم رد على الصوفية ولا سيما ابن عربي وابن سبعين والتلمساني ردوداً مفصلة مبينة قائمة على الحجج والبراهين.

    وكذلك كتب ابن القيم "كالصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة" و"شفاء العليل في القضاء والقدر والقدر والتعليل" وانظر إلى ردود أئمة الدعوة السلفية منذ قامت دعوة الإمام محمد ابن عبد الوهاب ويكفيك منها الدرر السنية.

    أترى لو كان نقدهم ضعيفاً واحتجاجهم هزيلاً وحاشاهم من ذلك.

    أو اكتفوا بإصدار الأحكام فقالوا الطائفة الفلانية جهمية ضالة ، وفلان جهمي وفلان صوفي قبوري ، وفلان من أهل وحدة الوجود والحلول.

    والروافض أهل ضلال وغلو ويكفرون الصحابة ويسبونهم والقدرية، والمعتزلة من الفرق الضالة أو كان نقدهم ضعيفاً فإذا طولبوا بالحجج والبراهين وبيان أسباب تضليل هذه الفرق قالوا ما يلزمنا ذلك وهذه قاعدة ضالة تضل الأمة.

    أترى لو فعلوا ذلك أكانوا قد قاموا بنصر السنة وقمع الضلال والإلحاد والبدع؟. الجواب لا وألف لا، وإن من ينتقد المشتهرين بالسنة يحتاج إلى حجج أقوى وأوضح .

    فعلى من يتصدى لنقد البدع وأهلها أن يسلك طريق الكتاب والسنة ويسلك مسلك السلف الصالح في الدقة في النقد والجرح وفي إقامة الحجج والبراهين لبيان ما عليه هو من حق وما عليه من ينتقدهم من الفرق والأحزاب والأفراد والمخطئين من ضلال وباطل أوخطأ.

    وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه .

    وأرجو المبادرة بالإجابة لمسيس الحاجة إليها ومنها تصحيح فهوم الشباب السلفي الذين فرقهم الاختلاف والقيل والقال .

    ومن أسباب ذلك عدم الإنضباط الدقيق بمنهج السلف من بعض الناس إما بتشدد زائد وإما بتساهل ضار .

    ودين الله الذي ارتضاه هو الوسط بين الإفراط والتفريط وهو الذي التزمه سلفنا الصالح ومن سار على نهجهم من أئمة الإسلام وأعلام السنة رحمهم الله تعالى ويجب علينا جميعاً التزامه والعض عليه بالنواجذ.

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


    ([1]) إني لم أنشر هاتين النصيحتين ولم أرض بنشرهما لكن اضطرتني تصرفات الشيخ فالح وأتباعه إلى نشرها في تاريخ 28/4/1425هـ .
    ([2]) الميزان (3/350).
    ([3]) منهاج السنة النبوية لابن تيمية (1/66) .
    ([4]) الميزان (3/141).
    ([5]) مجموع الفتاوى (3/346-347).
    ([6]) كذا ولعله " فصل" .
    http://www.rabee.net/show_book.aspx?...2&bid=88&gid=0

  • #2
    وهذا ملف فيه النصيحة الأولى والثانية بي دي أف من موقع الشيخ ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله-
    الملفات المرفقة

    تعليق

    الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
    يعمل...
    X