إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تَنْبِيهُ الْحُلَمَاءِ ، عَلى الْتمَاس العُذْرِ لِلعُلَمَاء ( الغَضَبُ ، التَّسَامُحُ ، الفقر ، ... إلخ )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تَنْبِيهُ الْحُلَمَاءِ ، عَلى الْتمَاس العُذْرِ لِلعُلَمَاء ( الغَضَبُ ، التَّسَامُحُ ، الفقر ، ... إلخ )

    تَنْبِيهُ الْحُلَمَاءِ
    عَلى الْتمَاس العُذْرِ لِلعُلَمَاء
    (
    [1])
    الغَضَبُ ، والتَّسَامُحُ ، الفقر ، ... إلخ
    بِسْـمِ اللهِ الرَّحْمن الرَّحِيـم
    ﴿ لَوْلا إِذْ سَـمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِــهِمْ خَيْرا ﴾، أَيْ : بِإِخْوَانِـهِمْ([2])، فكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِينَ حِينَ سَــمِعُوا مَقَالَةَ أَهْلِ الْإِفْكِ أَنْ يَقِيسُوا ذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِـهِمْ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَبْعُدُ فِيهِم فَهُوَ فِي أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَبْعَدُ([3])، وَهُوَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَظُنُّ بِنَفْسِهِ خَيْرًا ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ ، بَلْ أَنْ يَظُنَّ بِغَيْرِهِ ذَلِكَ([4]).
    ومَا مِنْ أَحَذدٍ مِنْ أَعْيَانِ الْأُمَّةِ مِنْ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلاَّ لَهُمْ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ خَفِيَ عَلَيْهِمْ فِيهَا السُّنَّةُ ، وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ ، لَا يُحْصَى فِيهَا ([5])، بَلْ إنَّ كَثِيرًا مِنْ مُجْتَهِدِي السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَدْ قَالُـوا وَفَعَلُوا مَا هُوَ بِدْعَةٌ ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ بِدْعَةٌ([6])، بَلْ إنَّ للهَ قَدْ يُوقِعُ بَعْضَ الْمُخْلِصِينَ فِي شَيءٍ مِنَ الْخَطَأِ ابتَلاَءً لِغَيرِهِ : أَيتَّبِعُونَ الْحَقَّ ، وَيَدَعُونَ قولَهُ ، أَم يَغتَرُّونَ بِفضْلِه وَجَلاَلَتِهِ؟!([7]).
    فَـ﴿ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾، وَمِنْ أَلْأَمِ تِلْكَ الأَهْوَاءِ خُطَّةٌ كَافِرَةُ الْمَنْبَتِ ، تَسْلِيطُ الْمَطَاعِنِ عَلَى السُّنَّةِ وَحَـمَلَتِهَا ، وَالاِسْتِهْزَاءُ بِهِم ، وَالسُّخْرِيَةُ مِنهُم وَالتَّسْلِيطُ عَلَيهِم ، وَهَذَا مِنْ أَوْسَعِ أَوْدِيَةِ الباطلِ ، الَّتِي يَخُوضُها الْمُبْطِلُونَ جِـهَارًا نَهَارً([8])، لكن كَــمَا قَال العَلَّامَـــــةُ رَبيع :"الآنَ التَّلَاعُبُ مَا يَأتي مِن نَاسٍ وَاضـِحين : مُعْتَزِليِّ ، خَارِجِيٍّ ... ، مَا تَأْتِيكَ الشُّبَهُ مِنْ هَؤُلَاءِ ؛ تَأتِيكَ الشُّبَهُ مِن نَاسٍ يَدَّعُونَ أَنَّهُم سَلفيُّونَ ، وَهُم يَقْذِفُونَ بِهَذِهِ الشُّبَهِ عَلَى الْمَنْهَجِ السَّلِفيّ ، وَعَلى الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ "اهـ([9]).
    وَالاِسْتِـهزَاءُ ‌بِالعِلمِ ‌وَالعُلَمَاءِ ‌كُــــفْرٌ([10])، وَمَعْنَى السُّخْرِيَةِ : الِاسْتِهَانَةُ وَالتَّحْقِيرُ ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ ، عَلَى وَجْهٍ يُضْحَكُ مِنْهُ ، وَ قَدْ يَكُــــونُ ذَلِكَ بِالْمُحَاكَاةِ فِي الفِعْلِ وَالقَوْلِ ، وَقَدْ يَكُونُ بِالإِشَارَةِ وَالإِيماءِ([11])، وَسِلَاحُ اللِّئَامِ قَبِيحُ الْكَلَامِ([12])، ومِنْ مَسَاوِئِ التَّعَصُّبِ الذَّمِيمِ: التّنَقُّصُ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ الْمُخَالِفِينَ لِلشَّيخِ الْمُتَعَصَّبِ لَهُ([13])، وَلَاسِيَّمَا إِذَا أَظْهَرُوا تَرَاجُعًا ، أَو تَوْبَةً ، أَو بَرَاءَةً واعْتِذَارًا ، أَو اسْتِدْرَاكًا ، أو إيضَاحًا ... إلَخ .
    «وَللْحَدَّادِ حِزْبٌ لَئِيمٌ ، قَامَ عَلَى الفُجُورِ ، وَالكَذِبِ ، وَعَلَى أَردَئِ الأَخْـلاَقِ ... السَّبُّ ، وَالشَّتْمُ وَالْحَطُّ مِنْ كُلِّ عُلَمَاءِ الْمَنْهَجِ السَّلَفِيِّ([14])، ولَهُم أَصْلٌ خَبِيثٌ ، وَهُوَ أَنَّهُم إِذَا أَلْصَقُوا بِإنسَانٍ قَوْلاً هُوَ بَريءٌ مِنْهُ ، وَ يُعْلِن بَرَاءَتَهُ مِنْهُ ، فَإِنَّهُــــم يُصِـرُّونَ عَلَى الاِستِمرَارِ عَلَى رَمِيِ ذَلِكَ الْمَظْــلُومِ بِمَا أَلْصَقُوهُ بِهِ([15]).
    فَلَا عَـجبَ أَنْ يَطْعَنَ أُولَئِكَ الْمُتَعَصِّبُونَ وَالْمُنْدَسُّونَ في
    «بَرَاءَةِ الإبَانَةِ» مِنْ تلِكَ القَنَوَاتِ([16])، بَلْ
    تَدَخَّلُوا في الضّمَائِرِ ؛ طَمَعًا في إِلْغَاءِ الْحَقَائِقِ ، وَحَسْبُنَا رَجِيعُ هَؤُلَاءِ الصَّعَافِقِ ، الَّذِين أَرَادُوا بِهِ أَنْ يُلَوِّثُوا «تَرَاجُعَ» الشَّيْخِ العَالِمِ أبي عَبْدِ اللهِ أَزْهَرَ سنيقرَةَ - أَعَانَهُ الله عليهم-، لكنَّ العَلَّامَةَ ابنَ بَازٍ(ت:1420هـ) قَال:"مَنْ أَظْهَرَ الْخَيْرَ فَإنَّه يَسْتَحِقُّ التَّكْرِيمَ ، وَأَنْ يُؤْمَنَ ، وَأَنْ يُوثَق بِهِ ، وَأَنْ يُشَجَّعَ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنَ الْخَيْرِ ، هَذَا هُوَ الوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِيـمَا بَيْنَهُم، أَمَّا اتِّهَامُ النَّاسِ فِي سَرَائِرِهم ، وَإِلْغَاءُ الْحَقَائِقِ ؛ فَلَا "اهـ([17]).
    وَمَنْ وَقَفَ عَلَى تَرَاجُعِ الشَّيْخِ لَتَفَاءَلَ خَيْرًا، وَمَنْ سَـمِعَهُ لَيُدْرِكَ - عَلَى البَدِيهَة - أَنَّه أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ شَرَّا وَضَيْرًا ؛ وَيجْلِبِ بِهِ صُلْحًا وَاجتِمَاعًا وَسِتْرًا ، فَتَحمَّلَ ـ جَــــزاه الله خَيْرَ الْجَزاءِ - التَّراجُعَ عَنْ طَعْنٍ لَمْ يَأْتِهِ سِرًّا وَلَا جَـهْراً ، لَكِنّ آلَ الْتَّحْريشِ جَعَلُوهُ مُعْتَرِفًا بِالْخَطَأِ وَمُقِرًّا ، وَلَا عَجَبَ مِنْ قَومٍ يَسْتَدِلُّونَ باللَّازِمِ ، وَيَسْتَشْهِدُونَ بِالْخَصَمِ ، ويُرجِّحُونَ أَخْبَارَ الْمَجْهُولِ عَلَى الثِّقَةِ ، وَيُنَقِّبُونَ فِي أَرْشِيفِ الصَّعَافِقَةِ الأَوَّلِينَ ؛ جَمْعًا لِلأَخْطَاءِ ، وَاسْتِكَثَارًا للزَّلَّاتِ([18])، وَإذَا بُلِيتَ بِإنْسَانٍ حَقُودٍ لَا يَنْسَى الهَفَوَاتِ ، وَيُجــازِي بَعْدَ الْمُــدَّةِ الطَّوِيلَةِ عَلَى السَّقَطَاتِ ، فَأَلْحِقْهُ بِعَالَمِ الْجِمَالِ ، وَالعَرَبُ تَقُولُ «أَحَقَدُ مِنْ الْجَمَلِ»([19]).
    قَال الشَّيخُ العالِمُ أَحْمدُ بَازمولٌ :"لَا زَالَ أَهْلُ الفِتْنَةِ وَالتَّشْغِيبِ، مِمَّنْ يَتَظَاهَرُون بِالسَّلَفِيَّةِ ، وَهُم حَرْبٌ عَلَی أَهْلهَا يُشَغِّبُونَ ، وَيُلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالبَاطِلِ ، وَمِنْ ذَلِكَ : تَشْغِيبُـهِم فِي « مَسْأَلَةِ جَـمْعِ الأَخْطَاءِ»... السَّلَفِيُونَ يَرُدُّون الْخَطأَ الصَّادِرَ مِنَ السُّنِيِّ ، مَعَ حِفْظِ كَرَامَتِهِ ، وَهَؤُلَاءِ الْحَـدَادِيَةُ الْمُنْدَسُّونَ لَا يَحفْظُونَ كَرَامَـــــةَ السُّنِيِّ ، فَيَتَـهَدَّدُونُه ، ويُنَفِرُّونَ النَّاسَ عَنْهُ ، وَيَصِـفُونَهُ بِأَوْصَافٍ قَبِيحَةٍ ... السَّلَفِيُّون يَجْمَعُونَ الأَخْطَاءَ لِرَدِّهَا ، وَإعَانَةِ الْمُخْطِیءِ لِلرُّجُوعِ لِلحَقِّ ، وَهَؤُلَاءِ الْحَدَّادِيَّةُ الْمُنْدَسُونَ يَجمُعُونَها لإسْقَاطِ السَّلَفيِّ ، فَهُــمْ لَا يُفْصِحُونَ ، وَلَا يَذْكُــرُونَ الأَخْطَاءَ ، بَلْ يَقُولُــونَ عَلَيْهِ أَخْطَاءٌ ، وَعِنْدَمَا يُطالَبُونَ بِبَيَانِهَا لَا يَذْكرونَهَا ... وَمِمَّا يَدُلُ عَلی خُبْثِ طَوِيَّةِ هَؤُلَاءِ الْحَدَّادِيَّةِ الْمُنْدَسِّينَ : أَنَّهُم يَجْمَعُونَ الأَخْـــطَاءَ لِسَنَوَاتٍ طَويلَةٍ ، وَلَا يُظْهِرُونَها ، إِلَّا عِنْدَمَا يُريدُونَ إِسْقَاطَ السَّلَفِيِّ ، وَالسَّلَفِيُّ النَّاصِـح يَنْصَحُ مُبَاشَرَةً ، وهَؤُلَاءِ الْحَدَّادِيَّةُ الْمُنْدَسُّونَ يَجْعَلُونَهَا مَسْلَكًا وَمَنهَجًا لِلرَّجُلِ ، وَهَذَا ظُلمٌ وَافْتِرَاءٌ عَلَی الأَبْرِيَاءِ ، بَلْ هَؤُلَاءِ الْحَـــدَّادِيَّةُ الْمُنْدَسُّونَ يُحَــــذِّرُونَ مِنْ أَخْطَاءِ تَرَاجَعَ وَتَابَ مِنهَا السَّلَفِيُّ "اهـ([20]).

    والْمُجتَهِدُ مَعْذُورٌ؛ لأَنَّهُ عَلَى كِلاَ الْحَالَيْنِ مَأْجُورٌ([21])، وَوَاجِبُ كُلِّ عَالِمٍ ألَّا يَنْتَقِصَ مِنْ أَهْلِ العِلمِ أَحَدًا بِمُجَرَدِ مُخَالَفَتِهِ لبَعْضِ النَّصُـــــوصِ تَأْويلًا ، وَلَا يَنْصِبُ العَـــدَاوَةَ مَعَهُ ، بَلْ يَعْتَذِرُ عَنْهُ بِمَا اِستَطَاعَ مِنَ الأَعْذَارِ([22])، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ(ت:104هـ): "إِذَا بَلَغَكَ عَنْ أَخِيــــكَ ، شَيْءٌ تَجِــدُ عَلَيْهِ فِيهِ ؛ فَاطْلُبْ لَهُ ‌الْعُذْرَ ‌جُهْدَكَ ؛ فَإِنْ أَعْيَاكَ فَقُلْ لَعَلَّ عُذْرَهُ أَمْرٌ لَمْ يَبْلُغْهُ عِلْمِي"اهـ([23])
    إِذَا مَا أَتَتْ مِنْ صَاحِبٍ لَكَ زَلَّةٌ ***** فَكُنْ أَنتَ مُحتَالًا لِزَلَّتِهِ عُذْرًا([24])
    وَهذَا الكَلَامُ في العَلاقَاتِ الأُخَوِيَّةِ ، فَمَا بَالُكَ بِعلاقَةِ التِّلميذِ مَعَ شَيْخِهِ ، وَعلاقاتِ الأُمَّـــةِ مَعَ العُلَمَاء ؟! إنَّ الأَمَرَ حينَئِذٍ آكَدُ([25])، قَالَ العَلَّامَـةُ رَبِيعٌ :"أَمَّا شَيْخُ الإسْلَامِ ابنُ تَيْميَّةَ - رَحِمَهُ الله تعالى- فَلَهُ نَقْدٌ قَوِيٌّ لأَبي إِسـمَاعِيلَ الهَرَوِيّ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا النَّقْدِ قَدْ يَعْتَذِرُ لَهُ لأَسْبَابٍ قَوِيَةٍ ، مِنْ عِلمْهِ ، وَجِهاده لِلبِدَعِ ، وَفِي نُصْرَةِ السُّنَّةِ([26])، عُلمَاءُ السُّنَّةِ وَالتَّوحِيـدِ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَحتَرِمِـونَ ابنَ حَجَرٍ وَالنَّوَويَّ وَأَمثَالَهُمُا مِمَّن فِيهِ أَشعَرِيَّةٌ ، يَحتَرِمُونَهُم لِأَجــلِ خِدمَتِهم لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ، مَعَ نَيْلِ بَعضِهِم مِن شَيخِ الإِسلاَمِ ابنِ تَيَمِيَّةِ وَابنِ القَيِّم "اهـ([27]).
    ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيـمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيـمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَــدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ﴾، فَإنَّ مِن الْتَمَاسِ العُذْرِ للعُلَمَاء اِلتَمَاسهِ لِمَنْ أَجَابَ في فتنة خَلقِ القرآنِ وَمَا يُشِبِههَا خَوفا مَنَ النَّكَالِ وَالعَذابِ بِمَا يُخَالفُ الْحَقَّ؛ فَأتَى الرُّخْصَةَ ... مَعَ ترْكِ الَعزيـمةِ ، الَّتِي هِي أَولى في حَقِّ العالِمِ ، الَّذِي ينبغِي مِنهُ الصَّبرُ ... قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ لاَ يَرَى الكِتَابَةَ عَنْ أَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ، وَلاَ ابْنِ مَعِيْنٍ، وَلاَ مِمَّنِ امتُحِنَ فَأَجَابَ "... قَالَ الذَّهِبِيُّ :"هَذَا أَمرٌ ضَيِّقٌ، وَلاَ حَرَجَ عَلَى مَنْ أَجَابَ فِي الْمِحْنَةِ ، بَلْ وَلاَ عَلَى مَنْ أُكْرِهَ عَلَى صَرِيحِ الكُفْرِ، عَمَلاً بِالآيَةِ - وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ -، وَكَانَ يَحْيَى -رَحِـمَهُ اللهُ - مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ ؛ فَخَافَ مِنْ سَطْوَةِ الدَّوْلَةِ وَأَجَابَ تَقِيَّةً "اهـ([28]).
    وَقَال العَلَّامَةُ عَبدُ اللَّطِيفِ آل الشَّيخِ(ت:1293هـ):"يَجِبُ حِمَايَةُ عِرْضِ مَنْ قَامَ للهِ ، وَسَعَى فِي نَصْرِ دِينِهِ ، الَّذِي شَرَعَهُ وَارتَضَاهُ ، وَتَرْكُ الاِلتِفَاتِ إِلَى زَلَّاتِهِ ، وَالاِعتِرَاضِ عَلى عِبَارَاتِهِ ؛ فَمَحَبَةُ اللهِ وَالغَيْرَةُ لِدِينِهِ، وَنُصْرَةُ كِتَابِهِ وَرَسُولِه مَرْتَبَةٌ عَلِيَّةٌ، مَحبُوبَةٌ للهِ ، مَرْضِيَّةٌ يُغْتَفَرُ فِيهَا العَظِيمُ مِنَ الذُّنُوب، وَلَا يُنْظَرُ مَعَهَا إِلَى تِلكَ الاِعترَاضَاتِ الوَاهِيَّةِ ، وَالْمُنَاقَشَاتِ الَّتي تَفُتُّ في عَضُدِ الدَّاعِي إلى اللهِ ، وَالْمَلْتَمسِ لِرِضَــــاهُ ، وَهَبْهُ كَـمَا قِيلَ ، فَالأَمرُ سَهْلٌ فِي جَنْبِ تِلكَ الْحَسَنَاتِ ، وَمَا يُدْريكَ ؟ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ : (اِعمَلُوا مَا شَئِتِم فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُم)
    فَلْيَصْنَعِ الرَّكْبُ مَا شَاؤُوا لأَنفُسِهِم ******* هُم أَهْلُ بَدْرٍ فَلَا يَخْشَوْنَ مِنْ حَرَجٍ
    وَلَمَّا قَالَ الْمُتَوَكِّلُ لابنِ الزَّيَّات:( يَا ابنَ الفَاعِلَةِ، وَقَذَفَ أُمَّهُ)، قَالَ الإمَامُ أَحمَدُ -رَحِمَه الله-: أَرجُو أَنَّ اللهَ يَغْفِرُ لَهُ نَظَرًا إِلَى حُسنِ قَصْدِهِ فِي نَصْرِ السنَّة ، وَقَمْع البِدْعَةِ ، وَلَمَّا قَالَ عُمرُ- رضي الله عنه - لِحَاطِبٍ مَا قَالَ ، وَنَسَبَهُ إِلَى النِّفَاقِ لَم يُعَنِّفْهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَإنَّمَا أَخبَرهُ أَنَّ هُنَاكَ مَانِعًا، وَالتَّسَاهُلُ فِي رَدِّ الْحَقِّ، وَقَمْعُ الدَّاعِي إِلَيْهِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَلعُ أُصُولِ الدِّينِ، وَتَمْكِينُ أَعْدَاءِ اللهِ الْمُشْركِينَ مِنَ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ "اهـ([29]).
    ومِمَّا يُلْتَمَسُ العُذْرُ فِيهُ لِلعَالِمِ : مُرَاعَاةُ «طَبِيعَتِه الذَّاتِيَّةِ»، فَقَدْ يَكُـونَ ذَا طَبِيعَةٍ مُتَسَامِحَة مَثَلاً ؛ فَيُجَالِسُ أَهْلَ البِدَعِ - وَحَقُّهً أَنْ يَكْفَهِرَّ فِي وُجُوهِهِم - ويخالطهم لَا رِضًى بِحَالِهم ، بَلْ لِمَا عَلَيْهِ مِنَ التَّسَامُحِ الزَّائِدِ عَنْ حَدِّه ، فَيَظُنُّ الْجَاهِلُ بِحَالِهِ أنَّ هَذَا العَالِمَ بُخُلْطَتهِ أَهْلَ البِدَع مِنهُم ، وَمَا هُوَ مِنهُم، فَقَد كَانَ - مَثَلا- ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ(ت:159هـ) رَجُلاً كَرِيمًا ، يَجلِسُ إِلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ وَيَغشَاهُ، فَلاَ يَطرُدُهُ ، وَلاَ يَقُوْلُ لَهُ شَيْئا ، وَإِنْ مَرِضَ عَادَهُ ، فَكَانُوا يَتَّهِمُـونَه بِالقَدَرِ لِهَذَا وَشِبْهِهِ ، وكَانَ حَقُّهُ ـ كَمَا قَالَ الذَّهِبيُّ ـ أَنْ يَكْفَهِرَّ فِي وُجُوهِهِم ، وَلَعَلَّهُ كَانَ حَسَنَ الظَّنِّ بِالنَّاسِ([30]).
    وَقَالَ العَلَّامَـــةُ رَبيعٌ :" مَنْ كَانَتْ أُصُولُهُ سَلَفِيَّةً فَهُوَ مَعَنَا ...، وَلَكِنَّهُ يَضْعُفُ فِي مَوْقِفٍ ، فَمَثَلاً يُصَافِحُ وَيُسَلّم عَلَى إِخْوَانِيٍّ ، مَعَ اِعتِقَادِهِ أَنَّهم عَلَى ضَلالٍ وَلَكِنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ هَذَا الشَّخْصِ لِعَلَاقَةٍ، أَوْ صَدَاقَةٍ ، أَوْ مُعَامَلَةِ تِجَارةٍ ، أَو خَجَلٍ ، أَو مَصْلَحَةٍ ظَنَّهَا صَالِحَةَ ، وَهِي فَاسِدَةٌ، فَهَذَا يُقَالُ أنَّهُ ضَعُفَ فِي هَذَا الْمَوقِفِ ، أَمَّا الْمُميّعُ فَهُوَ الَّذِي أُصُــــــــولُهُ فَاسِدَةٌ أَصْـــلًا ، وَيَلْبَسُ ثَوْبَ السَّلَفِيَّةَ وَيَتَظَاهَرُ بِذَلِكَ "اهـ([31]).
    ومِمَّا يُلْتَمَسُ العُذْرُ فِيهُ لِلعَالِمِ : مُرَاعَاةُ «حَالتِهِ النَّفسِيَّةِ»، كَـ «الغَضَبِ»، «وَقَدْ كَانَ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُــــولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَجِلَّةِ الْعُلَمَاءِ عِنْدَ الْغَضَبِ كَلَامٌ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا ، وَلَكِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ وَالْفِقْهِ لَا يَتَلَفَّتُونَ إِلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ بَشَرٌ يَغْضَبُونَ وَيَرْضَوْنَ ، وَالْقَــــوْلُ فِي الرِّضَا غَيْرُ الْقَوْلِ فِي الْغَضَبِ([32])، وَهَا هُنَا قَاعِدَةٌ نَفيسَةُ جِدًّا في «قَدْحِ السَّاخِطِ ، وَمَدْحِ الْمُحِبِّ وَنحوِ ذَلكِ » سَاقَهَا عَبْدُ الرَّحمَنِ الْمُعَلِّمِيُّ(ت:1386هـ) مُوَضِّحًا مَعاذِيرَ للعاَلِم ، وَمُسْتنبِطًا مِنْها أَحْكَامًا وَحِكَمًا ، فَقَال ـ رَحِمَهُ الله ـ : "كَلَامُ العَالِمِ في غَيْرِهِ عَلَى وَجْـهَيْنِ :
    الأَوَّلُ : «مَا يـَخْرُجُ مَخْرَجَ الذَمِّ بِدُونِ قَصْدِ الْحُكمِ» ، وَفي "صَحِيحِ مُسْلمٍ" وَغيرِهِ مِنْ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ ـ رَضي الله عنه ـ سـمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- يقُول: "اللهُمَّ إِنَّمَا محمَّدٌ بَشَرٌ، يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ البَشَرُ، وَإِنِّي قَدِ اتَّخذتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَم تُخْلفِنِيهِ، فَأَيُّمَا مُؤمِن آذَيْتُهُ ، أَوْ سَبَبْته ، أَوْ جَلَدتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً وَقُرْبَةً تُقرِّبه بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ القِيَامَةِ "... ، وَلَم يَكُن ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ وَسَلَّمَ ـ سَبّابًا، وَلَا شَتَّامًا ، وَلَا لَعَّانًا، وَلَا كَانَ الغَضَبُ يُخْرِجُهُ عَنِ الْحَقِّ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَمَا نَعَتَهُ رَبُّه عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيـمٍ ...
    وَإنَّمَا كَانَ يَرَى مِنْ بَعْضِ النَّاسَ مَا يَضُـرُّهُم فِي دِينِـهِم ، أَوْ يُـخِلُّ بِالْمَصْلَحَةِ العَامَّةِ ، أَوْ مَصْــــلَحَةِ صَاحِبِهِ نَفْسِهِ ؛ فَيَكْـــــرَهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ وَسَلَّمَ ـ ذَلِكَ ؛ وَيُنْكُــرُهُ ، فَيَقُولُ : "مَا لَهُ ، تَرِبت يَمِينُهُ"، وَنَحوُ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ الْمَقْصُودُ بِهِ إِظْهَارَ كَرَاهِيَةَ مَا وَقَعَ مِنَ الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ ، وَشِدَّةَ الإِنْكَارَ لِذَلِكَ .
    وَكَأَنَّهُ ــ وَاللهُ أَعْلَمُ ــ أَطْلَقَ عَلَى ذَلِك سَبًّا وَشَتْمًا عَلَى سَبِيلِ التَّجَوُّزِ ، بجامِع الإيذَاءِ ، فَأَمَّا اللَّعْنُ فَلَعَلَّهُ وَقَعَ الدُّعَاءُ بِهِ نَادِرًا عِنْدَ شِـــدَّةِ الإِنْكَارِ ، وَمِنَ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ : إِعْلَامُ النَّاسِ أَنَّ مَا يَقَعُ مِنُهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَ الإِنْكَارِ كَثِيرًا مَا يَكُونُ عَلَى وَجْــــهِ إِظْهَارِ الإِنْكَارِ وَالتَّأْدِيبِ ، لَا عَلى وَجْهِ الْحُكْمِ .
    وَفِي مَجْمُوعِ الأَمْرَينِ حِكْمَة أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ وَسَلَّمَ ـ قَدْ عَلِمَ مِنْ طِبَاعِ أكثْر النَّاسِ أَنَّ أَحَـــــدَهُم إِذَا غَضِبَ جَــرى على لِسَانِهِ مِنَ السَبِّ وَالشَّتْـمِ وَاللَّعْنِ وَالطَّعْنِ مَا لَوْ سُئِلَ عَنْهُ بَعْدَ سُكُونِ غَضَبِهِ لَقَالَ : لَمْ أَقْصِدْ ذَلِكَ ، وَلَكِنّ سَبَقَنِي لِسَانِي ، أَو لَم أَقْصِدْ حَقِيقَتَهُ وَلَكِنِّي غَضِبتُ .
    فَأَرَادَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ وَسَلَّمَ ـ أَنْ يُنَبِّهَ أُمَّتَهُ عَلَى هَذَا الأَصْلِ؛ لِيَسْتَقِرَّ فِي أَذْهَانِهِم، فَلَا يَحمْلُوا مَا يَصْدُرُ عَنِ النَّاسِ مِن ذَلِكَ حَالَ الغَضَبِ عَلَى ظَاهِرِهِ جَزْمًا، وَكَانَ حُذَيْفَةُ رُبَّمَا يَذْكُــــر بَعْضَ مَا اتَّفَقَ مِنْ كَلمَاتِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَ غَضَبِهِ؛ فَأَنْكَرَ سَلمَانُ الفَارِسِيُّ ذَلِكَ عَلَى حُذَيفَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ ، وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ ، وَسُئِلُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ ــ وَهُوَ أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بنُ وَاثِلَةَ ــ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، فَأرَادَ أَنْ يُخْبِرَ، وَكَانَت امْرَأَتُهُ تَسْمَعُ ، فَذَكَّرتْهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ؛ فَكَفَّ .
    فَكَــــذَلَكَ يَنْبَغِي لأَهْلِ العِلمِ أَنْ لَا يَنْقُلُوا كَلِمَاتِ العُلمَاءِ عِنْدَ الغَضَبِ ، وَأَنْ يُرَاعُوا فِيـمَا نُقِل مِنهَا هَذَا الأَصْلَ ، بَلْ قَدْ يُقَالُ : لَوْ فُرِضَ أَنَّ العَالِمَ قَصَدَ عِنْدَ غَضَبِهِ الْحُكم لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْتَدَّ بِذَلِكَ حُكْمًا ؛ فَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" ... :« لَا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» .
    وَالْحُكـمُ فِي العُلمَاءِ وَالرُّوَاةِ يَحتَاجُ إِلَى نَظَرٍ وَتَدَبُّرِ وَتَثَبُّتٍ أَشَدَّ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْحُكمُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْخُصُومَات ؛ فَقَدْ تَكُونُ الْخُصُومَةُ فِي عَشْرَةِ دَرَاهِمَ ، فَلَا يُخْشَى مِنَ الْحُكمِ فِيهَا عِنْدَ الغَضبِ إِلَّا تَفْويتُ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ ، فَأَمَّا الْحُكمُ عَلَى العَالِم وَالرَّاوِي ؛ فَيُخْشَى مِنْهُ تَفْوِيتُ عِلمٌ كَثِيرٌ، وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ، وَلَو لَمْ يَكن إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا لَكَانَ عَظيـمًا.
    وِمِمَّا يَخْرجُ مَخْرَجَ الذَّمِّ ، لَا مَخْرَجِ الْحُكمِ : « مَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَوْعِظةَ وَالنَّصِيحَة »، وَذَلِكَ كَأَنْ يَبْلُغَ العَالِمَ عَنْ صَاحِبِهِ مَا يَكْرَهُهُ لَهُ؛ فَيَذُمُّهُ فِي وَجْهِهِ ، أَوْ بِحَضْرَةِ مَنْ يُبْلِغُهُ، رَجَاءَ أَنْ يَكفَّ عَمَّا كَرِهَهُ لَهُ .
    وَرُبَّمَا يَأتِي بِعِبَارَةٍ لَيْسَتْ بِكَذِبٍ ، وَلَكِنَّهاخَشِنَةٌ مُوحِشَةٌ ، يَقْصِدُ الإبْلَاغَ فِي النَّصِيحَةِ ... وَرُبَّمَا مَا يَكُونُ الأَمْرُ الَّذي أَنْكَــــرَهُ أَمْرًا لَا بَأسَ بِهِ ، بَلْ قَدْ يَكُونُ خَيْرًا ، وَلَكِنّ يَخْشَى أَن يَجُرَّ إِلَى مَا يَكْرَهُ ، كَالدُّخُولِ عَلَى السُّلْطَانِ ، وَوِلَايَة أَمْوَالِ اليَتَامَى ، وَوِلَايَةِ القَضَاءِ، وَالإِكثَارِ مِنَ الفَتْوَى .
    وَقَدْ يَكُونُ أَمْرًا مَذْمُــومًا ، وَصَاحِبُهُ مَعْذُورٌ ، وَلَكِنَّ النَّاصِـحَ يُحِبُّ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُعَاوِدَ النَّظَر ، أَوْ يَحْتَالَ ، أَوْ يُخْفيَ ذَاكَ الأَمرَ.
    وَقَدْ يَكُونُ الْمَقْصُودُ نَصِيحَةَ النَّاسِ لِئَلَّا يَقَعُوا فِي ذَلِكَ الأَمْرِ؛ إِذْ قَدْ يَكُونُ لِمَنْ وَقَعَ مِنْهُ أَوَّلًا عُذْرٌ وَلَكِن يَخْشَى أَنْ يَتْبَعَهُ النَّاسُ فِيه غَيْرَ مَعْذُورِينَ ... وَقَدْ يَتَسَمَّحُ العَالِمُ فِيـمَا يَـحْكِيهِ عَلَى غَيْر جِهَةِ الْحُكمِ ؛ فَيَسْتَنِدُ إِلَى مَا لَوْ أَرَادَ الْحُكمَ لَم يَسْتَنِدْ إِلَيْهِ ، كَحِكَايَةٍ مُنْقَطِــــعَةٍ ، وَخَبَرِ مَنْ لَا يُعَدُّ خَبَرُهُ حُجَّةً، وَقَرِينَةٍ لَا تكفي لِبِنَاءِ الْحُكمِ ، وَنَحْوِ ذَلِك ، وَقَدْ جَاءَ عَنِ إِيَّاسِ بنِ مُعَاوِيَةَ التَّابِعِيِّ الْمَشْهور بِالعَقْلِ وَالذَّكَاءِ وَالفَضْلِ أَنَّهُ قَالَ : «لَا تَنْظُرْ إلى عَمَلِ العَالِم ، وَلَكنّ سَلْهُ يَصْدُقُكَ».
    وَكَلَامُ العَالِمِ ــ إِذَا لَم يَكُنْ بِقَصْدِ الرِّوَايِة ، أَوِ الفَتْوَى ، أَوْ الْحُكمِ ــ دَاخِلٌ فِي جُـمْلَةِ عَمله ، الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْظَرَ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ مَعنَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَعْمَلُ مَا يُنَافِي العَدَالَةَ ، وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ لَهُ عُذْرٌ خَفِيٌّ، وَقَدْ يَتَرَخَّصُ فِيـمَا لَا يُنَافِي العَدَالَةَ ، وَقَدْ لَا يَتَحَفَّظُ وَيَتَثَبَّتُ كَمَا يَتَحَفَّظُ وَيَتَثَبَّتُ فِي الرِّوَايَةِ وَالفَتْوَى وَالْحُكمِ .
    هَذَا، وَالعَارِفُ الْمُتَثَبِّتُ الْمُتَحَرِّي لِلحَقِّ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ــ إن شَاءَ الله تَعَالَى ــ مَا حَقُّه أَنْ يُعَدَّ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ ، مِمَّا حَقُّه أَنْ يُعَدَّ مِنَ الضَّرِب الآتي ، وَأَنَّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ ، فَحَقُّهُ أَنْ لَا يُعْتَدَّ بِهِ عَلَى الْمُتَكَلَّمِ فِيهِ ، وَلَا عَلَى الْمُتَكلِّم ، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ.
    الوَجْهُ الثَّانِي : «مَا يَصْدُرُ عَلَى وَجْهِ الْحُكمِ»؛ فَهَذَا إِنَّمَا يُخشَى فِيهِ الْخَطَأُ ، وَأَئِمَّة الْحَدِيثِ عَارِفُونَ مُتَبَحِّرُونَ ، مُتَيَقِّظُونَ ، يَتَحَرَّزُونَ مِنَ الْخَطَأِ جُهْدهم، لَكِنَّهُم مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ ، وَمَهْمَا بَلَغ الْحَاكم مِنَ التَّحَرِّي فَإِنَّهُ لَا يَبْلغُ أَنْ تَكُونَ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا مُطَابِقَةً لِمَا فِي نَفْسِ الأَمْرِ ... وَغَالِبُ الأَحْكَامِ إِنَّمَا تُبْنَى عَلَى غَلَبَةِ الظَـنِّ ، وَالظَـــنُّ قَدْ يُخْطِئُ ، وَالظُّنُونُ تَتَفَاوَتُ ، فَمِنَ الظُّنُونِ الْمُعْتَدِّ بِــهَا : مَا لَهُ ضَابِطٌ شَرْعِيٌّ ، كَخَبَرِ الثِّقَةِ، وَمِنْهَا : مَا ضَابِطُهُ أَنْ تَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ نَفْسُ العَارِف ، الْمُتَوِقِّي الْمُتَثَبِتُ بِحَيْثُ يَجْزِمُ بِالإِخْبَارِ بِمُقْتَضَاهُ طَيِّبَ النَّفْسِ، مُنْشَرِحَ الصّدْرِ ، والنُّفُوسُ تَخْتَلفُ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالتَّوَقِي وَالتَّثَبُّتِ ....
    وَإذَا سَبَقَ إِلَى نَفْسِ الإِنْسَانِ أَمْرٌ ــ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا عِنْدَهُ ــ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى مَا يَحْتَمِلُ مُوَافَقَةَ ذَلِكَ السَّابِقِ ، وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ ، فَإِنَّهُ يَتَرَجَّحُ فِي نَفْسِهِ مَا يُوَافِقُ السَّابِقَ ، وَقَدْ يَقْوَى ذَلِكَ فِي النَّفْسِ جَدًّا ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا . وَهَكَــــــذَا إِذَا كَانَت نَفْسُ الإِنْسَانُ تَهْوَى أَمْرًا ؛ فَاطَّلَعَ عَلَى مَا يَحْتَمِلُ مَا يُوَافِقُهُ وَمَا يُخَالِفُهُ ، فَإِنَّ نَفْسَهُ تَمِيلُ إِلَى مَا يُوَافِقُ هَوَاهَا، وَالعَقْلُ كَثِيرًا مَا يَحْتَاجُ عِنْدَ النَّظَرِ فِي الْمُحْتَمِلَاتِ وَالْمُتَعَارِضَاتِ إِلَى اِسْتِفْتَاءِ النَّفْسِ لِمَعْرِفَةِ الرَّاجِـــــــحِ عِنْدَهَا ، وَرُبَّمَا يَشْتَبِهُ عَلَى الإِنسَانِ مَا تَقْضِي بِهِ نَفْسُهُ بِمَا يَقْضِي بِه عَقْلُهُ ؛ فَالنَّفْسُ بِمَنْزِلَةِ الْمُحَامِي عِندَما تَمِيلُ إِلَيْهِ ، ثُم قَدْ تَكُونُ هِيَ الشَّاهِدُ ، وَهِيَ الْحَاكِـمُ .
    وَالعَالِمُ إِذَا سَخِطَ عَلَى صَاحِبِهِ ، فَإِنَّمَا يَكُونُ سَخَطُهُ لأَمْرِ يُنْكِرُهُ ؛ فَيَسْبِقُ إِلَى النَّفْسِ ذَاكَ الإِنْكَارُ وَتَهْوَى مَا يُنَاسِبِهُ ، ثُمَّ تَتْبَعُ مَا يُشَاكِلُهُ ، وَتَمِيـــــلُ عِنْدِ الاِحْتَمَالِ وَالتَّعَارُضِ إِلَى مَا يُوَافِــــقُهُ ، فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَقْوَى عِنْدَ العَالِـــمِ جَــــرْحُ مَنْ هُوَ سَاخِطٌ عَلَيْهِ لأَمْرٍ ، لَوْلَا السَّخَطُ لَعلِمَ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْجَرْح .
    وَأَئِمَّةُ الْحَدِيثِ مُتَثَبِّتُونَ ، وَلَكنَّهُم غَيْرُ مَعْصُومِينَ عَنِ الْخَطَأ ، وَأَهْلُ العِلم يُمَثِّلُونَ لِجَرْح السَّاخِطِ بِكَلَامِ النَّسَائِيِّ فِي أَحمَدَ بن صَالِحٍ ، ولَمَّا ذكَرَ ابنُ الصَّلَاحِ ذَلِكَ ... عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: « قُلتُ: النَّسَائِيُّ إِمَامٌ ، حُجَّةٌ فِي الْجَـــرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ، وَإذَا نُسِب مِثْلُهِ إِلَى مِثلِ هَذَا كَانَ وَجْـهُه أَنَّ عَيْنَ السُّخْط تُبْدِي مَسَاوِئَ ، لَهَا فِي البَاطِنِ مَخَارِجُ صَحِيحَةٌ تَعْمى عَنهَا بِحِجَابِ السُّخْطِ ، لَا أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ مِنْ مِثلِهِ تَعَمُّــــدًا لِقَدْحٍ يَعْلَمُ بُطْلَانَهُ » ، وَهَذَا حَقٌّ وَاضِـحٌ ، إِذْ لَوْ حُـمِلَ عَلَى التَّعَمُّدِ سَقَطَتْ عَدَالَةُ الْجَارِحِ ، وَالفَرْضُ أَنَّهُ ثَابِتُ العَدَالَةِ . هَذَا، وَكُلُّ مَا يُخْشَى فِي الذَمِّ وَالْجَرْحِ يُخْشَى مِثْلُهُ فِي الثَّنَاءِ وَالتَّعْــــدِيلِ ، فَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ ضَعِيفًا فِي الرِّوَايَةِ ، لَكِنَّهُ صالِحٌ فِي دِينِه ... أَوْ غَيُورٌ عَلَى السُّنَّةِ ... ؛ فَتَجِدُ أَهْلَ العِلمِ رُبَّمَا يُثْنُونَ عَلَى الرَّجُلِ مِنْ هَؤُلَاءِ ، غَيْرَ قَاصِدِينَ الْحُكمَ لَهُ بِالثِّقَةِ فِي رِوَايَتِهِ .
    وَقَدْ يَرَى العَالِـــمُ أَنَّ النَّاسَ بَالَغُــــــــوا فِي الطَّـعْنِ ، فَيُبَالِغُ هُوَ في الْمَدْحِ ... وَقَدْ يَكُونُ العَالِمُ وَادًّا لِصَاحِبِهِ ، فَيَأْتي فِيه نَحْـوَ مَا تَقَدَّمَ ؛ فَيَأتِي بِكَلِمَاتِ الثَّنَاءِ، الَّتِي لَا يُقْصَدُ بِهَا الْحُكمُ ، وَلَاسِيَّمَا عِنْدَ الغَضَبِ ، كَأَنْ تَسْمَعَ رَجُـــلًا يَذُمُّ صَدِيقَكَ ، أَوْ شَيْخَكَ ، أَوْ إِمَــــامَكَ ، فَإِنَّ الغَضَبَ قَدْ يَدْعُوك إِلَى الْمُبَالَغَةِ فِي إِطْرَاءٍ مَنْ ذَمَّه . وَكَذَلِكَ يُقَابِلُ كَلمَاتِ التَّنْفِيرِ بِكَلِمَاتِ التَّرْغِيبِ ، وَكَذَلِكَ تَجِدُ الإِنسَانَ إِلَى تَعْدِيلِ مَنْ يَمِيلُ إِلَيْهِ وَيُحْسِنُ بِه الظَنَّ أَسْرَعُ مِنْهُ إِلَى تَعْدِيلِ غَيْرِهِ ، وَاحْتِمَالُ التَسَمُّحِ في الثَّنَاءِ أَقْرَبُ مِنِ اِحتِمَالِهِ فِي الذَمِّ، فَإنَّ العَالِمَ يَمْنَعُهُ مِنَ التَّسَمُّحِ فِي الذَمِّ الْخَوْفُ عَلَى دِينِه ؛ لئلّا يَكُونَ غَيْبَةً ، وَالْخوفُ عَلَى عِرْضِهِ، فَإِنْ مَنْ ذَمَّ النَّاسَ فَقَد دَعَاهُم إِلَى ذَمِّهِ ...
    فَالصَّوَابُ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ هُوَ الغَالِبُ ، وَإنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَى التَثَبُّتِ وَالتَّأَمُّلِ فِيمَنْ جَاءَ فِيهِ تَعْدِيلٌ وَجَــرْحٌ ، وَلَا يَسُوغُ تَرْجِيحُ التَّعْدِيلِ مُطْلَقًا بِأَنَّ الْجَارِحَ كَانَ سَاخِطًا عَلَى الْمَجْرُوحِ ، وَلَا تَرْجِيحُ الْجَـــــرْح مُطْلَقًا بِأَنَّ الْمُعَدِّلَ كَانَ صَدِيقًا لَهُ ، وَإنَّمَا يُسْتْدَلُّ بِالسُّخْطِ وَالصَّدَاقَةِ عَلَى قُوَّةِ احتـمَالِ الْخَطَأِ إِذَا كَانَ مُحْتَمِلًا . فَأَمَّا إِذَا لَزِمَ مِنِ اطِّرَاحِ الْجَرْحِ أَوِ التَّعْدِيل نِسْبَةُ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ إِلَى افْتِرَاءِ الكَذِبِ، أَوْ تَعَمُّدِ البَاطِلِ ، أَوِ الغَلَطِ الفَاحِشِ ، الَّذِي يَنْدُرُ وُقُوعُ مِثْلِهِ مِنْ مِثْلِهِ ، فَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ أُخْرَى ، لَا يَكْفي فِيهِ إِثْبَاتُ أَنَّهُ كَانَ سَاخِطًا ، أَوْ مُحِبًّا " انتهى كَلَامَ الْمُعَلِمِيّ([33]).
    وَمِمَّا يُعْذَرُ فيهِ العَالِمُ : كَوْنُهُ مُحَاطًا بـ«بِطَانَةِ سُوء» ، وَقَدْ تَقدَّمُ بَسْطُ ذلَكَ([34])، وَحَسْبُكَ قَوْلُ االعَلَّامَــةِ الْجَابريّ :"سَيّدٌ قُطُب ... لا يَصِفُه الآن أَنَّهُ مُجْتَهِد إِلاَّ ثَلاَثَةٌ ... الثَّانِي : عَالِمٌ رَبَّانِي مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَمِنْ هَذَا الصِّنف مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي ... أَحَاطَت بِهِ بِطَانَةُ سُوء ، فَلَبَّست عَلَيْهِ ... إِمَّا لِـ «ضُعْفِ شَخْصِيَّتِهِ »، مَا اسْتطَاعَ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ هَذِهِ البِطَانَة ، أَوْ كَانَتْ ... «مَوْثُـــوقَةً عِنْدَهُ» ، وَلاَ يَعْرِفُ فُلان وَفُلاَن مِنَ الرَّادِّينَ ؛ فَقَبِلَ قَوْلَهُم "اهـ([35]).
    وَمِمَّا يُعْذَرُ فيهِ العَالِمُ : كَـوْنُهُ «لَا يُطَالعُ ، وَلا يُتَابِعُ» مَا استَجَدَّ مِنْ أَحْوَالِ بَعضِ الدُّعاةِ الْمَوثُوقِينَ عِنْدَهُ، وَمَنْ عَلِمَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَا يَعلَمُ ، وقدِ اعْتُرِضَ عَلَى العَلَّامَةِ رَبِيعٍ بأنَّ الشَّيْخَ عَبْدَ الْمُحسِنِ يُدَافِعُ عَنْ أَهْلِ البِدَعِ ، فقَال العَلَّامَةُ رَبِيعٌ :"الشًّيخُ عَبْدُ الْمُحْسِــنِ مَا يَقْرَأُ ، مَا يَقْرَأُ أَبَداً ، عِنْدَهُ بِطَانَةٌ مُجْرِمَــــةٌ - بَارَكَ الله فِيكَ -، تُزَيِّنُ البَاطَلَ ، «أَنَا قَاَل لِي مَا أَقْرَأُ » "اهـ([36])، وَقَالَ الشَّيخُ سُلَيْمَانُ الرُّحَيليُّ :"الشَّيْخُ عَبْدُ الْمُحْسِنِ العَبَّادِ فِي حُكمِهِ عَلَى الرِّجَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى الأَصْل، الشَّيْخُ لَا يَقْرَأُ ، الشَّيْخُ لَا يَقْـــرَأُ ، وَإِذَا أُوتِي بِشَيْءٍ أَحْرَقَهُ اهـ([37])، وَيَشْـهَدُ عَلَى هَذَا قَولُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْمُحْسِنِ :"أمَّا الشَّيْخُ أَحْمَدُ النَّجْمِيّ الْمُتَوَفَّى فِي العَامِ الْمَاضِي- رَحِمَهُ الله-، فَقَدْ كَتَبَ لِي نَصِيحَةً ... فِي عَامِ 1424هـ ، «وَلَم تَصْلِ إليَّ هَذِهِ النَّصِيحَةُ مِنْ قَبْلُ ، وَمَا عَلِمتُ بِهَا إِلّا بَعدَ نَشْرِهَا مِنْ بَعْضِ النَّاسِ ... في 16/01/1432 »"اهـ([38])، أَي : بَعْدَ ثَمَانِ سَنَوَاتٍ .
    وَمِمَّا يُلَامُ عَلَيْهِ العُلَمَاءُ عَلَى مَرِّ التَّارِيخ لَوْمًا شَــــدِيدًا : الأَخْذُ مِنَ الْحُكَّامِ ، وَلَابُدَّ مِنِ التِمَاسِ العُذْرِ مِنْ فَقْرِ ، أَو حَاجَةٍ ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ([39])، قَالَ ابنُ خَشْرَمٍ :"سَـمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ يَقُولُ :"يَلُوْمُونَنِي عَلَى الأَخْذِ وَفِي بَيْتِي ثَلاَثَةَ عَشَرَ نَفْساً، وَمَا فِي بَيْتِي رَغِيفٌ "، قَالَ الذَّهبيُّ(ت:748هـ):" لاَمُوهُ عَلَى الأَخْــــذِ ، يَعْنِي : مِنَ الإِمَامِ ، لاَ مِنَ الطَّلَبَةِ "اهـ([40])، بَلْ قَدْ يَكُونَ العَالِمُ غَنيًا ، وَيَأُخُذُ إِذْ عَدَمُ الأَخذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الوَرَعِ، الَّذِي لَا يُلْزَمُ بِهِ كُلُّ أَحَدٍ، وَإِنْ كَانَ العُلمَاءُ أَوْلَى النَّاسِ بِالزُّهْدِ وَالوَرَعِ([41]).
    فَالْحَاصِلُ وَالْمَقْصُودُ : مَا حَـــذَّرَنَا مِنهُ العَلَّامَـــــــةُ طَاهِرٌ الْجَزَائِرِيُّ(ت:1338هـ) وَهُوَ عَلى فِرِاشِ الْمَوتِ بِكلمَاتٍ حَـــــقُّهَا أَنْ تُكْتَبَ بِمَاءِ العُيُونِ ، لَا بِمَاءِ الذَّهَبِ ؛ إِذْ قَالَ ـ رَحِــــمهُ اللهُ-: "عُدُّوا رِجَالَكُم، ‌وَاغْفِـرُوا ‌لَهُم ‌بَعضَ ‌زَلَّاتِـهِم ، وَعَضُّوا عَلَيهِم بِالنَّوَاجذِ ؛ لِتَسْتَفِيدَ الأُمَّةُ مِنهُم ، وَلَا تَنَفِّرُوهُم ؛ لِئَلّا يَزْهَدْوا فِي خِدْمَتِكِم "اهـ([42])، والسَّعيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيرهِ ([43])، فَـ﴿ خُذُوا حِذْرَكـمْ ﴾ ، وَالْحمدُ للهِ الَّذِي بِنعمتهِ تَتِمُّ الصّالِحاتُ .
    فُرِغَ مِن تَبييضِه في: 06 رمضان 1443هـ
    الموافق لـ: 07 أفريل 2022م




    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (
    [1]) هذا مِمَّا بقي منِ حلقات( الأيام الزاهرة ) في الدّرجِ ، ثم بيضتها لِمناسبة ، فتعتبر هذه الْحلقة 14 .

    ([2]) (أضواء البيان 3/42) محمد الأمين الشنقيطي (المتوفى : 1393هـ).
    ([3]) (فتح القدير 4/15) الشوكاني(المتوفى: 1250هـ).
    ([4]) (محاسن التأويل 7/337) القاسمي (المتوفى: 1332هـ).
    ([5]) الفتاوى الكبرى لابن تيمية 1/ 141
    ([6]) مجموع الفتاوى لشيخ الاسلام ابن تيمية 19/ 191.
    ([7]) ( رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله ص294 ) عبد الرحمن بن يحيى المُعَلِّمي اليماني (ت:1386) هـ.
    ([8]) ( الرُّدود ص 11 ) العلام ة بكر بن عبد الله أبوزيد (ت:1429هـ).
    ([9]) محاضرة مع الشيخ علي بن ناصر فقيهي ( ٢٨ - شوال ١٤٣١ھ ).
    ([10]) (الْأَشْبَاهُ وَالنَّظَائِرُ ص160 ) ابن نجيم (ت :970 هـ).
    ([11]) (إحياء علوم الدين 3/131 ) أبو حامد الغزالي الطوسي (المتوفى: 505هـ).
    ([12]) (الحلم رقم 118 ص74) ابن أبي الدنيا (ت:281 هـ).
    ([13]) ( التعصب للشيوخ ص 10) من مقدمة العلامة حسن البنا (ت:1442هـ).
    ([14]) (إزهاق أباطيل عبد اللطيف باشـميل ص 11 ) د . العلامة الشيخ ربيع بن هادي.
    ([15]) (كشف أكاذيب وتحريفات وخيانات فوزي البحريني ص200) العلامة د/ ربيع بن هادي.
    ([16]) مِنْ مثل مَا قَاءَهُ ذَلِكَ الْصعفوق الْجديد "هشام غدروش" في «التَّوْرِيَةِ الظَّاهِرَةِ في براءة الإبانة التَّمْثِيلِيَّةِ» .
    ([17]) (142/ من حديث: (يَا أُسامةُ! أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ؟)) موقع الإمام ابن باز.
    ([18]) من مثل قَول بعضهم :"الرد تع حمودة جمع لجمعة 40 طامة ..." ، وقال خدنه :"أكثر من ذهب من الإخوة افتتن بما كتبه توفيق عمروني في نسف التصريح ، وأظنه كان محقا في أغلب النقاط التي ردها على جمعة "اهـ ( هذا مقتبس من حوار بين صعفوقين جديدين في الفايس بوك ).
    ([19]) (المستطرف في كل فن مستطرف ص136 ) الأبشيهي أبو الفتح (المتوفى: 852هـ).
    ([20]) (تَحذِيرُ السَلَفِيّينَ مِنْ حَالِ الحَدَّادِيَّة المُندَسِّين ) كتبه : الشيخ د أحمد بن عمر بازمول ( إذاعة السنة ).
    ([21]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية ) 6 / 232 من كلام الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ.
    ([22]) (ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 24/187 ) محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي الوَلَّوِي(ت:1443هـ).
    ([23]) (الزهد) أبو السَّرِي هَنَّاد الدارمي الكوفي (ت:243هـ).
    ([24]) (شرح كتاب الحماسة 3/17 ) أبو القاسم زيد بن علي الفارسيّ (ت: 467 هـ).
    ([25]) ( قواعد في التعامل مع العلماء ص 115 ) الدكتور عبد الرحمن اللويحق ، تقديم العلامة ابن باز (ت:1420هـ).
    ([26]) (الحد الفاصل بين الحق والباطل ، حوار مع بكر أبي زيد ص26 ) العلامة د/ ربيع بن هادي.
    ([27]) (إزهاق أباطيل عبد اللطيف باشميل ص8 ) العلامة د ربيع بن هادي .
    ([28]) (قواعد في التعامل مع العلماء ص 116 و117 ) الدكتور عبد الرحمن اللويحق ، تقديم العلامة ابن باز رحمه الله .
    ([29]) (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية لبعض علماء نجد الأعلام (الجزء الثالث) ص162 )عَبدُ اللَّطِيفِ آل الشَّيخِ (ت:1293هـ).
    ([30]) (قواعد في التعامل مع العلماء ص 118 ) الدكتور عبد الرحمن اللويحق ، تقديم العلامة ابن باز (ت:1420هـ) .
    ([31]) (شبكة سحاب السلفية) ، ذكره العلامة د/ ربيع بن هادي. (جواباً عن سؤال: "ما هو الفـرق بين السلفي الضعيف وبين المـميّع؟" ، نقلته بواسطة حساب فايس بوك (الدعوة السلفية امن وهداية) .
    ([32]) (جامع بيان العلم وفضله 2/1101 ) ابن عبد البر القرطبي (المتوفى: 463هـ).
    ([33]) ( التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل ـ آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني 10ص 87 إلى ص 98 ـ).
    ([34]) (الأيام الزاهرة في مَصْرَعِ تعَصُّبِ وَغُلُوِّ آلِ التَّحْريشِ الحلقة 11 )، منتديات الإبانة.
    ([35]) (الموقف الحق من المخالف) منتديات الآجري.
    ([36]) بواسطة ( منتديات الآجري ) جمع كلام المشايخ والعلماء في إلتماس العذر للشيخ عبد المحسن في ثنائه على بعض أهل الأهواء.
    ([37]) مقطع صوتي بعنوان: (الشيخ سليمان الرحيلي يقول الشيخ لا يقرأ).
    ([38]) ( كلمة توضيح حول نصيحة الشيخ النَّجمي وبيان الشيخ النُّجيـمي).
    ([39]) ( قواعد في التعامل مع العلماء ص 117 ) الدكتور عبد الرحمن اللويحق ، تقديم العلامة ابن باز (ت:1420هـ) .
    ([40]) (سير أعلام النبلاء 10/152 ) الذهبي (المتوفى : 748هـ).
    ([41]) ( قواعد في التعامل مع العلماء ص 117 ) الدكتور عبد الرحمن اللويحق ، تقديم العلامة ابن باز (ت:1420هـ) .
    ([42]) (التعالم ) ص 91 ) بواسطة كتاب (الإِعلامُ بـ حُرمةِ أهلِ العلمِ والإِسلامِ ص326 ) محمد المقدم.
    ([43]) من كلام ابن مسعود – رضي الله عنه -(القدر وما ورد في ذلك من الآثار ) عبد الله بن وهب المصري (ت:197هـ)..
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2022-04-10, 06:12 PM.

  • #2
    إخواني المشروفون ولاسيما أخي الفاضل يوسف عمر جزاكم الله خير الجزاء على ما تبذلونه من جهد في مراجعة ما ينشر .

    تعليق

    الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
    يعمل...
    X