إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

«دَفعُ شُبهَة من أجَازَ بِنَاءَ المَسَاجِد عَلى القُبُور»

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • «دَفعُ شُبهَة من أجَازَ بِنَاءَ المَسَاجِد عَلى القُبُور»

    بسم الله الرحمن الرحيم


    «دَفعُ شُبهَة من أجَازَ بِنَاءَ المَسَاجِد عَلى القُبُور»


    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الأمين مبلغ الدين وحامي حمى التوحيد ومعلم الناس الخير، أفضل صلاة وأتم تسليم وبعد:
    فإنه مما ينبغي على المسلم أن يجتهد فيه توحيد ربّ العالمين والإخلاص له في كل وقت وحين، فكان لزاما تبيين الناس مسائل التوحيد حتى لا يقعوا في مهالك الشرك وظلماته ومن غواية الشيطان وجنده ومن إعتراضات وشُبَه حِزبه الضّالين عن سواء السبيل، فمن بين الشّبه التي قد يطرحها بعض الجهال على المسلمين «جواز بناء المساجد على قبور الصالحين!» مستدلين بآية من كلام الله في ذلك، وقد فنّد الشيخ سلميان الرحيلي الشبهة وردها أيما ردّ .
    بعد أن ذكر الشيخ سليمان الرحيلي أمرين مهمين في هذه المسألة وهما:
    • نهى الشرع عن أيّ بناء على القبور فمن باب أولى أن يتأكد النهي عن بناء القباب عن القبور وكذلك الكتابة عليها ورفعِها.
    • نهى الشرع عن جميع صور الصلاة ذات الركوع والسجود عند القبور.
    ثم ذكر الشيخ إعتراض لبعض الجهال على جواز بناء المساجد على القبور وجعلها أماكن للعبادة .

    قال الشيخ سليما الرحيلي حفظه الله :
    «فإن قال قائل: يُعترض على ما قرَّرتموه في الأمرَين بدليل من الكتاب وآخر من السنة.
    قلنا: ما الدليل من الكتاب؟
    قال: قول الله عز وجل في قصة أهل الكهف: ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً[الكهف: 21]، وهذا مِن شَرْع مَن قبلنا وشَرْع مَن قبلنا شَرْعٌ لنا. إذن هم اتخذوا عليهم مسجدا، وهذا من شرع من قبلنا، وشَرْع مَن قبلنا شَرْعٌ لنا؛ فهذا يدل على البناء على القبور وبناء المسجد على القبر؛ لأنه إذا جاز بناء المسجد جاز غيره.
    قلنا: الجواب عن هذا من وجوه:
    الوجه الأوّل: لا نسلِّم أنّ هذا مِن شرْع مَن قبلنا؛ فإنه ليس فِعْلَ نبي، ولا بإقرار نبي، وليس في الآية ما يدل على وجود نبيٍّ في ذلك الوقت أصلًا. إذن هذا مِن فِعْل بعض الناس، وفعْل بعض الناس ليس حجة. الآن يا إخوة فِعْلُ بعض المسلمين هل هو حجة على دين النبي ﷺ؟ الجواب يقينًا: لا، فكذلك فِعْل أولئك الناس ليس حجة.
    ثم إنّ بعض المفسرين قالوا: إنّ الذين قالوا هذا من المشركين. وقال بعضهم: من المسلمين. لكنّ الآية ظاهرة جدًّا في أنّ الذين قالوا إنما هم أهل الغلبة والقوة، فلم يكونوا أهل العلم ولا أهل الإتباع، وإنما أهل الغلبة والقوة: ﴿لنتخذن عليهم مسجدًا﴾، ولا عبرة بفعل أهل الغلبة والقوة. لو أنّ إنسانًا جاءنا وقال: إنّ الحاكم -وهو له القوة- قد أمر بكذا؛ إذن هذا حلال! لضحكنا جميعًا، لأنّ الحاكم -مع قوته ومكانته إن كان مسلمًا- لا حجة في فِعله.
    الوجه الثاني: أنّا لو سلَّمنا جدلًا أنه من شرْع مَن قبلنا، فإنّ العلماء متَّفقون على أنّ شرْع مَن قبلنا لا يكون شرعًا لنا إذا جاء في شرعنا ما يخالفه، هذا محل اجماع، إذا جاء في الشرع الساق شيء ثم جاءنا محمد ﷺ بشيء فقد اتفاق العلماء على أنه ليس شرعًا لنا، لا اتفق العلماء على أنّ ما جاء به محمد ﷺ يَرفع ما تقدَّم، وقد جاء في شرعنا ما يخالف هذا؛ فجاء منْع البناء على القبور، وجاء منْع اتخاذ القبور مساجد. إذن تبيَّن أنه لا حجة في الآية على بناء المساجد على القبور، ولا بناء الأبنية على القبور.
    فما الدليل من السُّنة الذي يعارِض ما ذكرناه؟ قال: قبر النبي ﷺ! قلنا: كيف يعارض ما ذكرناه؟ قال من وجوه ثلاثة:
    الوجه الأوّل: أنّ النبي ﷺ دُفِنَ في بيته بالإجماع، ومعنى ذلك أن قبره كان تحت البناء، وهذا يدل على جواز أن يكون على القبر بناء. هذا واضح. النبي ﷺ دُفِنَ في بيته، وهذا محل إجماع، لا يخالف فيه أحد، قالوا: ما دام أنه دفن في بيته إذن كان عليه بناء؛ فهذا يدل على جواز أن يكون على القبر بناء!
    هذا الوجه الأوّل. والجواب عنه:
    أنّ الأنبياء لهم خصوصية، فإنّ موضع دفْن النبي توقيفيٌّ؛ لا يجوز تغييره، فالأنبياء يُدفنون حيث قُبضوا، وهذا خاصٌّ بالأنبياء. كل ميِّت يمكن أن تنقله إلى مكان آخر وتدفنه، إلا النبي، فإنّ من خصائص الأنبياء عليهم السلام أنهم يُدفنون في موضع موتهم، فالنبي ﷺ دُفن في موضع موته، فهذه خصوصية للنبي، وليس لأحد أن يَحتج بها. هذا واضحٌ جدًّ.
    يا إخوة! لمّا مات النبي ﷺ الصحابة اختلفوا أين يدفنون النبي ﷺ، وقال بعضهم: ندفنه في البقيع، فخاف أبو بكر الصديق –رضي الله عنه- أن يُعبَد ويُتَّخذ وثنًا، أعني قبره ﷺ، ثم أخبرهم بما سَمِعَه من النبي ﷺ من أنّ النبي يُدفن حيث قُبض، فدفنوه حيث مات ﷺ. وهذا لخصوصية الأنبياء؛ فلا يُلحَق غير الأنبياء بالأنبياء.
    لو قال قائل: سلَّمنا لكم خصوصية النبي ﷺ -ولا يَملك إلا أن يُسلِّم لورود الحديث الصحيح- لكن ماذا تقولون في دفن أبي بكر وعمر –رضي الله عنهما-؟! قلنا: لمّا دُفن النبي ﷺ في هذا المكان جاز دفْن غيره تَبَعًا، ويُغتفر في التوابع ما لا يُغتفر في غيرها، ويجوز تَبَعًا ما لا يجوز استقلالًا، فلم يُدفن أبو بكر الصديق –رضي الله عنه- في بيته استقلالًا، ولا عمر –رضي الله عنه، وإنما كان ذلك تَبَعًا لدفن النبي ﷺ.
    الوجه الثاني: أنّ النبي ﷺ دُفن في بيت عائشة رضي الله عنها، ولا شك أنّ عائشة كانت تصلي في بيتها، إذن هذا يدل على جواز الصلاة عند القبور. هذا واضح يا إخوة، يقولون: إنّ النبي ﷺ دُفن في بيت عائشة وهذا لا خلاف فيه ،ولا نزاع فيه، وعائشة رضي الله عنها بقيت بعد موت النبي ﷺ، ولا شك أنها كانت تصلي؛ إذن الصلاة عند القبور جائزة.
    والجواب على هذا الوجه: أنّ المكان الذي دفن فيه النبي ﷺ قد قُطع عن البيت، فكانت هناك سُترة على الباب تَفصله عن حجرة عائشة رضي الله عنها، ثم بعد ذلك بُني هذا الباب ووُضع حائط بين حجرة عائشة والقبور، فما كانت عائشة –رضي الله عنها- تصلي في المكان الذي فيه القبور.
    الوجه الثالث: إن قبره في مسجده وقد أجمع العلماء على صحة الصلاة في قبر النبي ﷺ، إذن تجوز الصلاة في مكان به قبر.
    والجواب عن هذا الوجه: أنّ هذا جهلٌ بالواقع؛ فإنّ قبر النبي ﷺ لم يكن في المسجد، بل كان في بيت عائشة رضي الله عنها وهو خارج المسجد، كان النبي ﷺ يقضي حاجته فيه، ويجامع زوجته فيه، فبيت عائشة –رضي الله عنها- ليس من المسجد، وبقي كذلك إلى أن مات جميع الصحابة في المدينة. وعندما جاء الوليد بن عبد الملك خليفة للمسلمين –قيل: في سنة ثمان وثمانين، وقيل: في سنة تسعين، وقيل: في سنة إحدى وتسعين- أَدخل الحجرات في المسجد، يعني جعل المسجد شاملًا للحجرات؛ غير أنهم حَرِصوا على فَصْلِ القبر عن المسجد؛ وهذا ما يجهله كثير من الناس، كيف هذا؟ لمّا جاء عمر بن عبد العزيز –رحمه الله ورضي عنه- وقد كان الوالي على المدينة للوليد بن عبد الملك وأدخل الحجرات ماذا صنع في القبر؟ بنى حوله بناء محكَمًا، ولم يُجعل مكان من المسجد بين القبر والجهة الشرقية، يعنى القبر كان متصلًا بالجهة الشرقية، إذن المسجد من هنا ينتهي عند القبر؛ لأنّ القبر قد أحيط ببناء قوي، ثم بعد ذلك أحيط بحائط خماسي، ثم يكون مثلثًا إلى جهة الشمال، حائط خماسي له خمس زوايا حتى لا يكون مثل الكعبة، ثم حائطان ممتدان إلى جهة الشِّمال حتى يلتقيان على رأس مثلث، فمن جهة القبلة هو مخمَّس، ومن جهة الشِّمال هو رأس مثلث، وبقي القبر منفصلًا عن المسجد بهذه الحيطان، ثم هو متصل بالجهة الشرقية. واستمر الحال على هذا، لم يَدخل القبر حقيقة في المسجد، مفصول، إلى ما بعد ألف ومائتين وسبعين من الهجرة، قيل 1277هـ أو نحو هذا؛ فُتِح مَمرٌّ في المسجد بين القبر والجهة الشرقية؛ فجُعلَت بقعة من المسجد من الجهة الشرقية، متى حصل هذا؟ بعد مرور اثني عشر قرنًا على موت النبي ﷺ في سنة 1270هـ أو في سنة 1277هـ، فهنا أصبح المسجد محيطًا بالقبر، بمعنى قبل ذلك كنتَ تأتي المسجد من ثلاث جهات: من جهة الجنوب، ومن جهة الغرب، ومن جهة الشمال، أمّا من جهة الشرق ما تستطيع؛ تكون خارج المسجد؛ إلا بعد أن فُتح هذا الممر فأصبحتَ تستطيع أن تأتي القبر من جميع الجهات. فالحَظوا يا إخوة! أنّ القبر أوّلًا لم يكن في المسجد مطلقًا مدة زمن الصحابة –رضوان الله عليهم- إلى أن مات آخر صحابي في المدينة في خمس وسبعين من الهجرة تقريبًا، ثم بعد ذلك بسنين حصل إدخال الحجرات من غير أن يُدخل القبر على؛ الوصف الذي ذكرناه، واستمر هذا قرون إلى سنة ألف ومائتين وسبعين، أو ألف ومائتين وسبعة وسبعين، وجُعل هذا الممر فأصبح القبر في داخل المسجد؛ أي انّ المسجد يُحيط به. ولا حجة في فِعْل المتأخرين.
    الأمر الثاني: أنّ قبر النبي ﷺ ليس في مسجده إلى اليوم؛ وإنما أحاط المسجد بالقبر، كيف هذا؟ لو كان لي مزرعةً، ثم جاء رجل فاشترى الأراضي التي حول هذه المزرعة من جميع الجهات؛ هل يجعل هذا مزرعتي جزءً من مزرعته؟ الجواب: لا، ولكنّ مزرعته أحاطت بمزرعتي من جميع الجهات، فكذلك هذا الواقع؛ قبر النبي ﷺ في بقعة متميِّزة؛ في بيته ﷺ، والذي وقع أنّ المسجد قد أحاط به مع فصله بالحيطان التي ذكرناها أصلًا.
    ثم إنّا نقول: إنّ لقبر النبي ﷺ خصوصية ولمسجده خصوصية تمنع أن يقاس عليه غيره، كيف هذا؟ مسجد النبي ﷺ له فضيلة خاصة لا يغني عنه مسجد آخر، وقبر النبي ﷺ موضعه توقيفيّ لا يجوز أن يُنقَل منه، وهذا ما لا يوجَد في أيِّ مسجدٍ فيه قبر.
    فرضنا أنّ عندنا مسجدًا بالقاهرة أو بدمشق أو بالجزائر فيه قبر؛ لو أغلقنا هذا المسجد ما الذي يفوت؟ لا يفوت شيء نصلي في بقية المساجد، بيوت الله كلها سواء، طيِّب لو نقلنا القبر من المسجد ما المانع الشرعي؟ لا مانع. لكن هل ممكن هذا هنا في مسجد النبي ﷺ؟ هل يجوز لمسلم أن يفكِّر –مجرّد تفكير- أن يُنقَل قبر النبي ﷺ؟ لا يجوز بالإجماع؛ لأنّ موضعه توقيفي، بغض النظر عن الخطأ الذي وقع بعد هذا.
    هل يجوز أن نغلِق مسجد النبي ﷺ ونقول لأهل المدينة صلوا في بقية المساجد فكلها سواء؟ ما يجوز بإجماع أهل العلم؛ لأنه لا يغني عن مسجد النبي ﷺ مسجد.
    والأمر الآخر: أنّ قبر النبي ﷺ لم يُبْنَ عليه المسجد، ولم يُدخَل في المسجد من أجل القبر. على القول بأنه داخل المسجد؛ لماذا أُدخل؟ من أجل توسعة المسجد. ولا تجد مسجدًا فيه قبر في الدنيا إلا ويكون المسجد قد بُني من أجل القبر فيكون القبر سابق فيُبنى عليه المسجد، أو يكون القبر أُدخل في المسجد من أجل القبر. فصورة بناء المساجد على القبور أو إدخال القبور إلى المساجد تخالف ما وقع في قبر النبي ﷺ.
    وعليه؛ فلا حجة في هذا، ولا وجه لمعارضة الأدلة الصحيحة الصريحة بهذه الأمور، لم تبقَ حتى شبهة، فلا دليل يعارِض ما قرَّرناه.
    ولا شك أنّ هذا الباب عظيم فإنّ أخطاء المسلمين المتعلِّقة بالقبور كبيرة جدًّا، وقادهم ذلك إلى زلل عظيم حتى وقع بعضهم في الشرك الأكبر. ففقه هذا الباب من أعظم الواجبات. وينبغي على طلاب العلم أن يبيِّنوه ويوضِّحوه للأمة محمد ﷺ». انتهى
    المصدر: إرشاد المريد إلى مقاصد ومعاني كتاب التوحيد « بَابُ مَا جَاءَ مِنْ اَلتَّغْلِيظِ فِيمَنْ عَبَدَ اَللَّهَ عِنْدَ قَبْرِ رَجُلٍ صَالِحٍ؛ فَكَيْفَ إِذَا عَبَدَهُ ؟!»

    إنتقاه الأخ:
    أبو عبد الرحمن محمد بن عمار
    الجمعة 29 شعبان 1443 الموافق لـ 1 أفريل 2022 إفرنجي
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2022-04-03, 07:02 PM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
يعمل...
X