إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مَصْرَعُ حَيْضِ الرِّجَالِ ، وَمَرضِ الثَّرْثَار اللَّئِيمِ الْمُتَمَسِّحِ الدَّجَّالِ الْحَلْقَةُ (13) وَهي الأَخِيرَةُ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [متجدد] مَصْرَعُ حَيْضِ الرِّجَالِ ، وَمَرضِ الثَّرْثَار اللَّئِيمِ الْمُتَمَسِّحِ الدَّجَّالِ الْحَلْقَةُ (13) وَهي الأَخِيرَةُ

    مَصْرَعُ حَيْضِ الرِّجَالِ
    وَمَرضِ الثَّرْثَار اللَّئِيمِ الْمُتَمَسِّحِ الدَّجَّالِ

    الْحَلْقَةُ الثَّالِثَةَ عَشَرَ، وَهي الأَخِيرَةُ
    ــ . ــ


    بسم الله الرحمن الرحيم
    ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي العَقْلِ ، وَالتَّفْكيِرِ ، وَالْجِسمِ وَالشَّجَاعَةِ، وَكُلِّ شَيْءٍ([1])، وَإنَّ«الْحَيْضَ» دَمٌ يَخرُجُ في أَيَّامٍ مَعْلُومَـــةٍ إِذَا بَلَغَتْ ، « كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ»([2])، وَمِنَ الْمَجَازِ :«العَزْلُ حَيْضُ الرِّجَالِ([3])، و كَذِبُ الْمَرْءِ حَيْضُ لِسَانِهِ» ([4])، ويُروَى حَديثًا :«الْكَذِبُ ‌حَيْضُ ‌الرَّجُلِ»([5])، وَمَنْ تَأمَّلَ هَذا وَجَدَهُ صَحِيحًا مِنْ خَمسَةِ أوجُهٍ :
    الوَجْهُ الأَوَّلُ : أنَّ الكَذَّابَ إذَا أَرادَ أَنْ يُثْبِتَ مَا افتَرَاهُ فكأنّمَا قَصَـــدَ أنْ يُحَقِّـــقَ الْمُحَالَ ، مِنْ مِثْلِ حَيْض الرِّجالِ ، وِمِمَّا يُرَوَى مَثَلاً عَن العَرَبِ :«دُونَ ذَلِكَ حَيْضُ الرِّجَالِ»، لَكِنَّ الْمَشْــــهُورَ مِنَ كَلَامِ العَرَبِ وَالعُلمَاءِ هو قَولُهُم: «دُونَ ذَلِكَ خَرْطُ القَتَاد»؛ وَالْخَرْطُ : قَشْرُكَ الوَرَقَ عَنِ الشَّجَرَةِ اجتِذَابًا بِكَفِّكَ، واَلقَتَادُ شَجَرٌ لَهُ شَوْكٌ، أَمثَالُ الإِبْرِ ، يُضْرَبُ لِلأَمْرِ دُونه مَانِعٌ([6])، وَإذَا كَانَ يَشُقّ عَلَى الْمَرءِ أَنْ يَخْرُطَ القَتَادَ - وَقَدْ يَسْتطيعُهُ -، فإنَّه لا يُمْكنُ للرَّجلِ بحالٍ "أنْ يَحيضَ"([7]).
    الوَجْــــهُ الثَّاني : في كَوِنِهِنَّ «‌نَاقِصَاتِ دِينٍ وَعَقْلٍ»، وَمِنْ دَواعي الصِّدْقِ :«العَقْلُ»؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِقُبْحِ الْكَذِبِ([8])، قَالَ العَلاَّمــــةُ ربِيعٌ :"دُعَاةُ البَاطِلِ «ضِعَافُ العُقُولِ وَالنُّفُوسِ»، هُم الِّذينَ يَدْفَعُهُم اللّجَاجُ وَالعِنَادُ إِلَى الوُقُوعِ فِي الكَذِبِ ، وَالتَّمَرًّغ فِي أَوحَالَهِ([9])، وَعِنْدَ حِزْبِ [فَالِح] ، وعند حزبـ[ـه] مِن الْجُنُونِ وَالْجَهْلِ وَ«ضُعْفِ العُقُولِ» شَرٌّ مِمَّا عِنْدَ الْخَوَارِج اهـ([10]).

    الوَجْـهُ الثَّالثُ : في آفَةِ «النِّسْيَانِ»؛ حَيثُ قُلْنَ - رَضِي اللهُ عنهنَّ -: "وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُــــلِ »؟! قُلْنَ : بَلَى ، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا» اهـ([11]). فَبَيَّنَ - عَلَيه الصَّــــلَاةُ وَالسَّــــلَامُ - أَنَّ نُقْصَانَ عَقْلِهَا مِنْ جِـهَةِ ضُعفِ حِفْظِهَا ، وَأَنَّ شَهَادَتَـهَا تُجْبَرُ بِشَـهادة اِمْرَأَةٍ أُخـرَى ؛ وَذَلِكَ لِضَبْطِ الشَّهَادَةِ بِسَبَبِ أَنَّها قَدْ «تَنْسَى»، فَتَزِيدُ فِي الشَّهَادَةِ ، أَوْ تُنْقِصُهَا([12])، وَهذَا نَوعٌ مِنَ أَنْوَاعِ الكَذِبِ ، يُسَمَّى «الْمَيْنَ»([13])، وَمِنْ آفَةِ الكَذِبِ : أَنْ يَكُـونَ صَاحِبُه نَسِيًّا([14])، وتَقُولُ العَرَبُ :«إِذَا كُنتَ كَذُوبا ، فَكُنْ ذُكُورًا»([15])، وَاعْلَمْ أَنَّ الضَّلَالَةَ حَقَّ الضَّــــلَالَةِ أَنْ تَعْرِفَ مَا كُنْتَ تُنْكِرُ ، وَأَنْ تُنْكِرَ مَا كُنْتَ تَعْرِفُ ، وَإِيَّاكَ وَالتَّلَوُّنَ ، فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ تَعَالَى وَاحِدٌ([16]).
    الوَجْهُ الرَّابِعُ : في آفَةِ «الثَّرَثَرةِ»؛ لأنَّهَا مِنْ مُسْتَثْنَيَاتِ «النِّسْيَانِ» عِنْدَ ربَّات الْحِجَالِ ، وَسُمِعَ مَالِكٌ(ت:179هـ) يَقُـولُ :"لَا خَيْرَ فِي « كَثْرَةِ الْكَلَامِ»، وَاعْتَبِرْ ذَلِكَ بِالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ، أَعْمَالُهُمْ أَبَدًا يَتَكَلَّمُونَ ، وَلَا يَصْمُتُونَ "اهـ([17])، وَقد قِيل: «يَنْسَى الْحَسُّونَ التَّغْرِيدَ ، وَلَا تَنْسَى الْمَرأَةُ الكَلَامَ».
    وَمِنْ دَواعي الثَّرْثَرةِ : «قلَّةُ العِلم»، «وَقَدْ فُتِنَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِيـنَ بِهَذَا ؛ فظَنُّوا أَنَّ مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ وَجِدُالُهُ وَخِصَامُهُ في مَسَائِلِ الدِّينِ فَهُو أَعْلَم ممَّنْ لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَهَذَا جَهْلٌ محْضٌ ، وَانظُـرْ إِلَى أكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَعُلَمَائِهِم ، كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ ... كَلَامُهُم أَقَلُّ مِنْ كَلَامِ ابنِ عَبَّاسٍ ، وَهُمْ أَعْلَـمُ مِنْهُ ... وَكَانَتْ خُطَبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصْدًا ، وَكَانَ يُحِدِّثُ حَدِيثًا ، لَوْ عَدَّهُ العَادُّ لَأَحْصَاهُ ([18]).
    وَمِنْ دَواعي الثَّرْثَرةِ أَيْضًا : «اللُّؤمُ»، فقد« ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ آدَابًا نَحْوَ الصبيِّ إذا بَلَغَ سِنَّ التَّمِييزِ فَقَالَ -رَحِمَهُ اللهُ- :... الأَدَبُ الرَّابِعُ وَالْعُشْرُونَ : يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْ كَثْرَةِ الْكَلامِ ، إِلا مِنْ ذِكْرِ اللهِ ، وَيُبَيِّنَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمَارَةِ الْوَقَاحَةِ ، وَأَنَّهُ عَادَةُ أَبْنَاءِ اللِّئَامِ ، وَأَوْلادِ السّفلَةِ مِنَ النَّاسِ "اهـ([19]).
    وَمِنْ دَواعي الثَّرْثَرةِ أَيْضًا : «ضُعفُ الْحُجَّةِ»، قَالَ بَعْضُ قُضَاةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَدْ عَزَلَهُ:" لِمَ عَزَلْتَنِي ؟ فَقَالَ بَلَغَنِي أَنَّ كَلَامَكَ مَعَ الْخَصْمَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ كَلَامِ الْخَصْمَيْنِ "اهـ([20])، وقَالَ العَلَّامَـةُ ربيع:" اسْتَخَرَجْتُ مِنْ كَلامِ [أبي الْحًسَن الْمِصرِيَّ] - قَوَاعِدَهُ وَأُصُولَهُ الفَاِسدَةَ ... الَّتِي انْضَمَّ بِهَا إِلَى رَكْبِ أَهْلِ الأَهْوَاءِ: ... 15/«التَّوَسُّعُ فِي الكَلاَمِ»، الَّذِي لاَ يَخرُجُ عَنِ الْمَثَلِ: «تَسمَعُ جَعْجَعَةً ، وَلاَ تَرَى لَهَا طِحينًا»، اللَّهُم إلاَّ طَحينَ البَاطِل([21])، إِنَّ أَبَا الْحَسَنِ الْمِصرِيَّ الْمَأْرَبِيّ أُعجُوبَةٌ مِنْ أَعَاجِيبِ هَذَا الزَّمَانِ، لاَ أَجِدُ لَهُ نَظِيرًا فِي القُدرَةِ عَلى الثَّرْثَرَةِ ، وَكَثْرَةِ الكَلاَمِ([22])،﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا ، عِنْدَهُم أَلْسِنَةٌ ؛ لَكِنّ لَا فِقْهَ لَهُم ، تَرَى كَثِيراً مِنَ النَّاسِ ثَرثَارًا يُثَرْثِرُ وَهُوَ غَبِيٌّ ، مَا يَفهَمُ العَوَاقِبَ اهـ([23]).
    وَلعَلَّ ذَلكَ الصَّعفُوقَ الْمُرَابطَ - أَيْضًا - أُعجُوبَةٌ مِنْ أَعَاجِيبِ هَذَا الزَّمَانِ ، وَقِطْعَةُ غَبَاوةِ تَلْمَعُ من سَوَادِ الثَّرْثَارِينَ السِّمَانِ ، الَّذِين انتَفَخُوا بِهُتَافِ وتَصْفِيقِ الشُّيُوخِ وَالغِلْمَانِ ، حَتَّى جَعَلُوه مُكَافِئًا لأهْلِ العِلِم والبَيَانِ([24])، قَالَ شَيْخ الإِسْلَامِ(ت:728هـ):"وقَدَ يَكْثُرُ أَهْلُ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ فِي بَعْضِ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمنَةِ ؛ حَتَّى يَصِيرَ بِسَبَبِ « كَثْرَةِ كَلَامِهِمْ» مُكَافِئًا - عِنْدَ الْجُهَّالِ - لِكَلَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ ؛ حَتَّى يَشْتَبِهَ الْأَمْرُ عَلَى مَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَ هَؤُلَاءِ "اهـ([25])، كَقَولِ العَيَّابِ حَمُّودَةَ :"مَقَالَاتُ [مُرَابِطٍ] فِي هَذَا الفِتْنَةِ ، الَّتي بكَّتَ بِـهَا شُيُوخَكُم ، وَمَرَّغَ أَبْوَاقَكُم ، قَدْ بَلَغَتْ نَحْوًا مِنْ «1400 صَفْحَةً» "اهـ([26]).
    وهَذَا الثَّنَاءُ وَقَعَ في شَوال 1440هـ، أمَّا فِتَنَةُ صَعَافِقَة الْجَزَائِرِ فَقَدِ اِسْتَيْقَظَتْ في رَبِيعِ الأَوّلِ من عام 1439 هـ([27])، وَمَا بَيْنَ التَّارِيخَيْنِ عِشرُونَ شَهْرًا ، أَيْ : 600 يَوْم على الأكثر ، فَإذا قَسَمنَا عَليها 1400 نَجِدُ وِرْدَ الْعابِط اليَومي «صفحَتَيْن وَنِصْفًا» تَقْريبا ؛ فَدَلَّ هذَا دلَالَةً وَاضِحَةً عَلى أَنَّ العَابِطَ لَا شُغَلَ لَهُ إلَّا عُلَمَاؤنا وَمَشَايخنا ، قَالَ العَلَّامَةُ ابنُ عُثيْمِينَ (ت:1421هـ):"الإنسَانُ إِذَا اشْتَغَلَ بِالشَّيءِ نَسِيَ الأكلَ وَالشُّرْبَ ؛ خُصُــوصًا إِذَا كَانَ الشَّيءُ مِمَّا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّاعِرُ فِي مَحْبُوبَتِهِ :
    لَهَا أَحَادِيثُ مِنْ ذِكْـرَاكِ تُشْغُلُهَا ***** عَنِ الشَّرَابِ وَتُلْهِيـهَا عَنِ الزَّادِ
    يَعْنِي : أَنَّها إِذَا قَعَدَتْ تَتَحَدَّثُ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ ، تُكْثِرُ مِنْ ذِكْرِهِ ؛ حَتَّى يُلْهِيـهَا ذَلِكَ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ، وَهُوَ أَمْرٌ وَاقِعٌ وَاضِـحٌ ... وَلِهَذَا قَالَ النَّبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ -:( إِنِّي أَبِيتُ عِندَ رَبِيّ يُطْعِمنِي وَيَسْقِينِ )"اهـ([28]).
    وَمِنْ دَواعِي الثَّرْثَرةِ أَيْضًا :«الفَرَاغُ»؛ لأنَّ «مَبْدَأ كُلِّ عِلمٍ نَظَرِيٍّ وَعمَلٍ اِخْتِيَاريِّ هُوَ الْخَوَاطِرُ وَالأَفْكَارُ ، فَإِنَّهَا تُوْجِبُ التَّصَـوُّرَاتِ ، وَالتَّصَوُّرَاتُ تَدْعُو إِلَى الإرادَاتِ ، وَالإراداتُ تَقْتَضِي وُقُوعَ الْفِعْل([29])، وَالْخَاطِرَ كَالْمَارِّ عَلَى الطَّرِيقِ ، فَإِنْ تَرَكْتَهُ مَـرَّ ، وَانْصَـرَفَ عَنْكَ ، وَإِنِ اسْتَدْعَيْتَـهُ سَحَرَكَ بِحَدِيثِهِ، وَغُرُورِهِ ، وَهُوَ أَخَفُّ شَيْءٍ عَلَى النَّفْسِ الْفَارِغَةِ الْبَاطِلَةِ ، وَأَثْقَلُ شَيْءٍ عَلَى الْقَلْبِ وَالنَّفْسِ الشَّرِيفَةِ السَّمَاوِيَّةِ الْمُطْمَئِنَّةِ »([30]).
    وَمِنْ أَعَاجيبِ الصَّعْفُوقِ العَابِط : أَنَّهُ قَالَ
    :"مِن تَضيِيعِ الأَوقَاتِ أَنْ يُشْتَغَلَ بِالرَّدِّ عَلى [بوِيرَان] ... مِنَ العَبَثِ أَنْ يُجَارَى ، ويُنتَقَدَ انتقَادًا عِلمِيًّا "اهـ([31])، لَكِنَّ العَابِطَ خَالفَ ذَلكَ([32])؛ لِيُتَرْجــــمَ عَنْ «نفْسٍ فَارِغَةٍ»، تَهوَى العَبثَ ، ولَا شُغْلَ لَها إِلَّا مُلَاحَقَةَ شُيُوخِنَا وعُلَمَائِنَا وَإخوَانِهم وَأتَبَاعِهم مِنْ أَهلِ السُّنَّةِ ، وَمَنْ شَابَهَ مُحِبَّهُ فَمَا ظلمَ ، قَال العَلَّامَةُ رَبِيعٌ :"الْحَدَّادِيَّةُ الَّتِي لَا شُغْلَ لهَا إِلَّا حَرْبَ أَهْلِ السّنَّةِ... مُنْذُ نَشْأَتِهَا إِلَى يَومَنَا هَذَا ، لَا شُغْلَ لَهَا إِلَّا هَذَا([33])، كَمْ مَرَّةً أَعْزِمُ عَلَى تَوْجِيهِ نَصِيحَةٍ لَكُمْ بِالْكَفِّ عَنْ مجَارَاةِ كُتَّابِ(شَبَكَةِ الْأَثَرِيِّ)، وَعَلَى رَأْسِــهِمْ : فَالِحٌ الْحَرْبِيُّ ، ثُمَّ أَرَى مِنْهُمْ مَا لَا يَسَعُنَا السُّكُوتُ عَنْهُ ، وَلَا تَرَى مِنْهُمْ إِلَّا الرَّغْبَةَ فِي تَطْوِيلِ أَمَــــدِ الْفِتْنَةِ إِلَى غَيْرِ حَدٍّ ؛ لِأَنَّهُمْ قَـدْ جَنَّدُوا أَنْفُسَهُمْ لِذَلِكَ "اهـ([34]).

    ثم إنَّ فِتنَةَ فَالِحٍ عَلَى طُولِهَا وَعَرْضِهَا وَشِدَّتِهَا لَم تَبْلُغْ رُدُودُ العَلَّامَةِ رَبيعٍ (500 صفحة)([35])، بَيْنَمَا هَذَا الصَّعْــــفُوقُ العَابِثُ العابِطُ خَرْبَشَ في وقتٍ وجيز جِدًّا(1400) صفحةً ، وَلَوِ ارتَجلَهَا لَكَانَ مَشْغَلةً عِنْدَ عُقَلَاءِ البَشَرِ، فَكَيفَ بِهِ إذا فَكَّرَ وَقَدَّرَ ، ثُمَّ رَاجَعَ فَنَشَر؟! وَكم يُنفقَ إذَا تَأَمَّلَ حُجَّةَ خَصْمِهِ وَصَبَرَ، وَأَشْرَفَ عَلَى الْمُنْتَدَى وَعَبَرَ ، وَطَالَعَ خَربَشَةَ أَخْدَانِهِ وَتَرَكَ الأَثَرَ، وهَكَذَا يَتَشَتَّتُ وَقْتُهُ وَيَتَبَعَثَرُ ، وَيَتَآكلُ ويَنْدَثِرُ .
    وَتِلكَ عُقُوبَةُ «
    الْحَائِضِين مِنَ الرِّجَالِ»، قَالَ ابنُ قَيَّم الْجَـوْزيَّة(ت:751هـ):"وَاللهُ تَعَالَى يُعَاقِبُ الْكذَّابَ بِأَنْ يُقْعِدَهُ وَيَثَبِّطُهُ عَنْ مَصَالِحِهِ وَمنَافِعِهِ ، وَيُثِيبُ الصَّادِقَ بِأَنْ يُوَفِّقَهُ لِلْقِيَام بِمَصَالِح دُنْيَاهُ وَآخِرَتِه([36])، طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاس ، وَوَيْلٌ لِمَنْ نَسِيَ عَيْبَهُ ، وَتَفَرَّغَ لِعُيُوبِ النَّاسِ ، هَذَا مِنْ عَلامَةِ الشَّقَاوَةِ "اهـ([37]).

    فإنِ اِستَطَعتَ أَلَّا تُخْبِرَ بِشَيْء إِلَّا وَأَنْتَ بِهِ مُصَدِّقٌ ، وَلَا يَكُونُ تَصْدِيقُكَ إِلَّا بِبُرْهَانٍ ، فَافْعَلْ ، وَلَا تَقُلْ كَمَا يَقُولُ السُّفَهَاءُ : (أَخْبِرْ بِمَا سَـمِعْتَ )، فَإنَّ الكَذِبَ أكثَرُ مَا أَنْتَ سَامِعٌ، وَإنَّ السُّفَهَاءَ أكثَرُ مَنْ هُوَ قَائِل ، وانْظُرِ الأَخْبَارَ الرَّائِعَةَ ؛ فَتَحَفَّظْ مِنْهَا ، فَإِنَّ الإنسَانَ مِنْ شَأْنِهِ الْحِرْصُ عَلَى الأَخْبَارِ ، وَلَا سِيَّمَا مَا رَاعَ مِنهَا ، فأكثَرُ النَّاسِ مَنْ يُحَدِّثُ بِمَا سَـمِعَ ، وَلَا يُبَالِي مِمَّن سَـمِعَ([38]).
    وَقَالَ العَلاَّمةُ ربِيعٌ :"وَفِي هَذَا العَصْرِ سَادَ الكَذِبُ ، وَسَادَتِ الإشَاعَاتُ الكَاذِبَةُ ، فَعَلَيْنَا - وَنَحنُ أَهلُ السُّنَّةِ- أَنْ نَتَمَسَّكَ بِالْحَقِّ، وَأَنْ نَتَمَسَّكَ بِالصِّدْق، وَأَنْ نَعُضَّ عَلى ذَلِكَ بِالنَّوَاجِذِ([39])، نَحْنُ في عَصْرٍ ـ يَا أَخِي ـ إِذَا جِئتَ تَتَكَلَّمُ فيِ الهَـوَاءِ ( قَالُوا وَقَالُوا) ، لَم يَقبَلُوا كَلَامَكَ ، كَيفَ هَذا ؟ يُطَالِبُونَ بِتَوثِيقِ الأَقوَالِ، وَنِسبتِهَا إِلَى الكُتُبِ بِالْجُزءِ وَالصَّفْحَةِ، فَالنَّاسُ أَلِفُوا هَذَا ؛ فَأَصبَحَ عُرفًا وَأَمَّا (قَالُوا وَقَالُوا ) دُونَ أَنْ يُسَمَّى ، فَأَصبَحَ لَا يُجْدي ، أَوَّلاً :لَا يَـهتَدُونَ إِلَى هَذَا القَائِلِ ، وَقَدْ يَشُكُّـــونَ فِي صِــــدقِكَ ، وَيَقُولُونَ : ( هَذَا يَتَكَلَّم فِي الهَوَاء )([40])، دُعَاةُ البَاطِلِ «ضِعَافُ العُقُولِ وَالنُّفُوسِ» هُم الِّذينَ يَدْفَعُهُم اللّجَاجُ وَالعِنَادُ إِلَى الوُقُوعِ فِي الكَـذِبِ([41])،[والتَّعَصُّبُ] داءٌ ... يُؤَدِّي إلى تَكْذِيبِ الرُّسُلِ، وَإِلَى الكَذِبِ([42])، وَلَا يَتَعَصَّبُ إِلَّا عَصَبِيٌّ أَوْ ذَمِيمٌ؛ العَصَبِيُّ ، يَعْني: مجنُونٌ مُصَابٌ بِدَاءِ الأَعْصَابِ ، أَوْ غَبِيٌّ "اهـ([43]).
    وَقَدْ حُـرِّمَ الِاسْتِقْسَامُ بِالأَزْلَام ؛ لِأَنَّهُ - عَلَى رأي- مِنَ الْخُرَافَاتِ وَالْأَوْهَامِ ، الَّتِي لَا يَرْكَنُ إِلَيْهَا إِلَّا مَنْ كَانَ ( ضَعِيفَ الْعَقْلِ) ... وَمِمَّا يَجِبُ الِاعْتِبَارُ بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ : أَنَّ ( صِغَارَ الْعُقُولِ كِبَارُ الْأَوْهَامِ ) فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ([44]). وقَد قيلَ : «أَكْذَبُ مِنْ صَبِىٍّ»؛ لَأَنَّهُ لَا تَمْيِيزَ لَهُ ، فَكُــــلُّ مَا يَجْرِى عَلَى لِسَانِهِ يَتَحَدَّثُ بِهِ([45])، وَالصِّبْيَانُ، أَعْمَالُهُمْ أَبَدًا يَتَكَلَّمُونَ ، وَلَا يَصْمُتُونَ([46]).
    ويَرَى عِلمُ النَّفْسِ أَنَّ الثَّرْثَرَةَ مَرَضٌ نَفْسِيٌّ، سَبَبُهُ عُقْدَةٌ نَفْسِيَّةٌ دَفِينَةٌ يُعَانِي مِنْهَا الشَّخْصُ، دُونَ أَنْ يَعيَ ذَلكَ ، فَالثَّرثْارُ يَعْتَبِرُ - دُون أَن يَشْــــعر- كَثْرَةَ الكَلَامِ وَسِيلَةً اِجْتِمَاعِيَّةً دِفَاعِيَّةً ؛ لِيُخْفِيَ شَخْصِيَّتَهُ بِهَذَا السُّلُوكِ، فِي حِين تَجِدُهُ فِي الوَاقِعُ يُعانِي مَرَضًا نَفْسِيًّا ، أَوْ قَلَقَا دَاخِلِيًّا عَمِيقًا ، وَلَكِنَّهُ يُوَاجِهُ ذَلِكَ ، وَيُعَوِّضُهُ بِالثَّرْثَرَةِ ؛ حَتَّى يُصْبِحَ محبُوبًا ، وَمَقْبُولًا عِنْدَ النَّاسِ([47]).
    ومِنْ دَواعي الكَذِبِ والثَّرْثَرةِ أَيْضًا : «الأَلَمُ النَّفسي»؛ ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّـعَّدُ، فَأَهْلُ الهُدَى وَالإِيِمَان لَهُم شَرْحُ الصَّدْرِ ، وَاتِّسَاعُهُ ، وَانْفِسَاحُهُ، وَأهْلُ الضَّلَالِ لَهُم ضِيقُ الصَّدِرِ وَالْحَرَج([48])، وَأَيُّ عَذَابٍ أَمَرُّ مِنْ ضِيقِ الصَّدْرِ؟!([49])، وَمَتَى ضَاقَ اتَّسَعَ اللّسَانُ، وَمَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ ‌كَثُرَ ‌سَقَطُهُ([50])، وَمَنْ ‌كَثُرَ ‌سَقَطُهُ « كَثُرَ كَذِبُهُ»([51]).
    وَمِنْ دَواعي الثَّرْثَرةِ أَيْضًا: «الِانْتِقَامُ »؛ فَـلهَذَا «تَجِدُ هَذَا الْمُتَكَبِّرَ الْمُعْجَبَ بِنَفْسِهِ ... نَارِيَّ الْمِزَاجِ يَلْتِهبُ اِلتِهَابًا ، وَ«يَنْفَجِرُ لِأدْنى كَلِمَةٍ لا تُرْضِيْهِ»، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدُ قَائِلُهَا إلا الْحُسْنَى([52])، قَال ذَلِكَ الصَّعْفُوقُ العَابِطُ :"إنّي- وَاللهِ - مَا تَعَوَّدتُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي الكِتَابِةِ ، وَمَا نَشَأْتُ عَلَى هَذا الأُسْلُوبِ فِي الْخِطَابَةِ، وَلَكِنَّهَا جَمْرَةٌ فِي الفُؤَادِ أَرَدتُ إِطفَاءَهَا "اهـ([53])، قَالَ العَلَّامــــةُ ربيع :"وَاللهِ لَو كُنْتَ عَلَى الْحَقِّ، وَأَنتَ تُرِيدُ أَن تَشفِيَ قَلبَكَ ، وَغَلِيلَ حقْدِكَ مِن إنسَانٍ ، لَكَانَ هَذَا خَطَرًا عَلَيكَ ، وَكَانَ هَذَا دَلِيلا وَبُرهَانا أَنَّكَ فَاسِدُ القَلبِ "اهـ([54]).
    وَوِفْقًا لِمَرَاجِعِ الطِّب النَّفْسِيّ ، هُنَاكَ تَعْريفَاتٌ ، وَتَوْصِيفَاتٌ عِلْمِيَّةٌ عِدَّةٌ لِحَالَةِ «هَوَسِ الكَذِبِ» ، لكِنَّ جَمِيعَ تِلكَ التَّعْرِيفَاتِ تَدُورُ فِي فَلَكِ كَونِهِ سُلوكًا يَتَّسِـــمُ صَاحِبُهُ بِالكَذِبِ «قَهْرِيًّا»، أَيْ : عَلَى نَحْوِ تِلْقَائِيٍّ ، وَمِنْ دُونَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ أَيّ دَافِعٍ يُبَرِّرُ ذَلِكَ ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَريضُ إمَّا مُدْرِكًا أَنَّهُ يَكْذِبُ، أَوْ قَدْ يَصِلُ بِهِ الْحَالُ إِلَى أَنْ يُصْبِحَ مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ يَقُولُ الصّدْقَ ، وَفِي الْحَالَةِ الأولى يَعْتَرِفُ بِكَذِبِهِ عِنْدَ مُوَاجَهَتِهِ ، بَيْنَمَا فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَّةِ يَلْجَأُ إِلى الإنْكَارِ التَّام([55]).
    وَمِنْ مَنهَجِ فَالِحٍ أَنَّهُ لَا يَعْتَرِفُ بِأَخْطَائِهِ الْجَسِيـمَةِ ، وَيَسْتَحِيلُ عِندَهُ الاِعترَافُ بِأَخْطَائِهِ ، وَإعلَانُ تَوْبَتِهِ وَرُجُوعِهِ عَنهَا ؛ لأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَشَدِّ العُيُوبِ فِي الْمَنْهَج الْحَدَّادِيُّ([56])، ولأنَّ «مَنْ تَطْمَحُ بِهِ عِزَّةُ الرِّيَاسَةِ ، وَطاعَةُ الإخْوانِ ، وحُبُّ الشُّهْرةِ ، فَلَيسَ يَرُدُّ عِزَّتَهُ ، وَلاَ يُثِنِي عِنَانَهُ ، إلاَّ الَّذي خَلقَهُ إن شَاءَ ، لأنَّ في رُجُوعِهِ إِقرَارَهُ بِالغَلَطِ ، وَاعتِرَافَه بِالِجَهْلِ ، وَتَأْبَى عَلَيهِ الأَنَفَةُ ، وَفِي ذَلِكَ أَيْضًـا تَشتُّتُ جَمْعٍ، وَانقِطَاعُ نِظَامٍ ، وَاختِلاَفُ إِخْوَانٍ ، عَقَدَتْـهُم لَهُ النِّحْلَةُ وَالنُّفُوسُ ، لاَ تَطِيبُ بِذَلِكَ إلاَّ مَن عَصَمَهُ الله وَنَجَّاهُ([57]).
    فَمِنْ دَواعي الثَّرْثَرةِ أَيْضًا :«حبُّ الرِّيَاسَــــةِ»؛ قال أبو عَبْدِ الرَّحْـمَنِ السُّلميُّ(ت:412هـ):" فَمِنْ عُيُوب النَّفْسِ كَثْرَةُ الْكَلَام ، وَإِنَّمَا يتَوَلَّدُ ذَلِك من شَيْئَيْنِ ، إمَّا طَلَبُهُ رِيَاسَــــةٍ : يُرِيدُ يَرَى النَّاسُ عِلمَهُ وَفَصَاحَتَهُ، أَوْ قلَّة الْعلم بِمَا يَجْلِبُ عَلَيْهِ الْكَلَام "اهـ([58])، وَقيلَ :«إنَّ هَذِهِ اللَّذَّاتِ الْجِسْمَانِيَّةَ لَا حَقِيقَةَ لَهَا ، وَإِنَّمَا حَاصِلُهَا دَفْعُ الْآلَامِ ، فَلَذَّةُ الْأَكْلِ عِبَارَةٌ عَنْ دَفْعِ أَلَمِ الْجُوعِ ... ، وَلَذَّةُ «الْإِمَارَةِ وَالرِّيَاسَةِ» عِبَارَةٌ عَنْ دَفْعِ الْأَلَمِ ، الْحَاصِلِ بِسَبَبِ «شَهْوَةِ الِانْتِقَامِ ، وَطَلَبِ الرِّيَاسَةِ» ([59]).
    وَلِهَذَا «تَجِدُ [الْمُتَكَبِّر] حَرِيصَا عَلَى أَنْ يَكُونَ أَمَامَ النَّاسِ ، وَأَنْ يُصْغُوا إلَى كَلَامِهِ ، وَيُؤْلِمُهُ كَلَامُ غَيْرِهِ ، وَلَوْ كانَ حَقًّا([60])، والنّاسُ يُصْغُونَ إِلى الْمَتَكلَّم إِذَا كَانَ فَصِيحًا فِي كَلَامِه ، وَبَلِيغًا فِي مَنْطِقِهِ ، بِـخلَافِ مَا إذا كَانَ ثَرْثَاراً ، فَإِنَّهُم لاَ يُصغُونَ إلَى كَلَامِهِ ، وَيَسْتَثْقِلُونَهُ ، وَيَمَلُّونُ مِنْ سَمَاعِهِ([61])، وَالسَّلَفُ كَانُوا قَلِيلِي الكَلاَمِ ، لَكِنّ كَان نَفعُهُم كَبيرًا ؛ لأَنَّهم يَجِدُونَ آذَانًا صَاغِيَّةً([62]).
    أمَّا أَولئَكَ الصَّعَافِقَةُ فَهم - عَلى تَفْسِيرٍ- «
    أَرَذِالُ النَّاسِ وَضُعَفُاؤُهم»([63])، وَبَهَالِيلُ «مُدَّعِي النُّبُوَّةِ» في نَظَرِ الطِّبِّ النَّفْسي مُصَابُونَ بجنُونِ العَظَمَةِ، وَانْفصَامِ الشَّخْصِيَّةِ([64])، وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي الدِّينِ بِلَا عِلْمٍ كَانَ كَاذِبًا([65])، وَمِنْ بَهَالِيلِ «مُدَّعِي العِلْم» مَنْ أُصِيبَ - فيمـَا يَظْهَرُ- بِمَرِضِ الذُّهَانِ ، كَحال الصَّعَافِقَةِ، لِأَنَّهم «يَتَحَدَّثُونَ عَنْ أُمُورٍ مِن مخَيِّلَتِهِم، لَا صِحَّةَ لَهَا عَلَى أَرضِ الوَاقِعِ ؛ لِذَلِكَ يَعْجزُونَ عَنْ إثبَاتِ الأَدِلَّةِ([66])، وشَيْطَانُ الْجِنِّ إذَا غُلبَ وَسْوَسَ، وَشَيْطَانَ الْإِنْسِ إذَا غُلبَ كَذَب ([67]).

    وَمِنْ دَوَافِـــعِ ‌الكَذِب أَيْضًا: هَوَانُ نَفْسِ الكَذَّاب عَلَيْه ، وعَادَتُهُ السَّيِّئَةِ ، وَقِلَّةُ تَهْذِيبِه([68])، وَطَلبُ رِضَا النَّاس ، وَالتَّزَيُّن لَهُم ، وَطَلَبُ الْجَاهِ عِنْدَهم([69])، واللّجَاجُ ، وَالعِنَادُ ([70])، وَمَحَبَّةُ النَّفعِ الدُّنيَوِيُّ وَحُبُّ التَرَّأسِ([71])، وَالغَبَاوَةُ([72])، وَالْحَلَاوَةُ([73])، فَمَنِ اسْتحَلَى الكَذِبَ عَسُرُ عَلَيْهِ فِطَامُهُ([74])؛ لأنَّ أَصْلَ الكَذِبِ استِعَذَابُ الْمُنَى ، وَهُو أَضْغَاثُ فِكرِ الْحَمْقَى([75])، قَالَ العَلاَّمَةُ ربِيعٌ :"يَنْبَغِي أَنْ نَفْتَحَ مُستَشَفَيَاتٍ ، وَالَّذِي يَمْرَضُ مِنَ السَّلَفِيِّينَ نُعَالِجُهُ اهـ([76]).
    وَالتَّعَصُّبُ يُؤَدِّي إِلى الكَذِبِ([77])، وَيَحْمِــــلُ الرَّجُلَ الْعَاقِلَ عَلَى الْكَلِمَاتِ الْمُتَنَاقِضَةِ([78])، وَالصَّادِقُ ... لاَ تَلْمَسُ مِنْهُ اِضْطِرَابًا فِي دَعْوَتِهِ، وَلاَ تَلْبيسًا فِيها، فتَسْلَمُ أقْوالُهُ وَأَفعَالُهُ مِنَ التَّنَاقُضِ وَالتَّضَادِّ ... بِخِلاَفِ الكَاذِبِ فِي دَعْوَتِهِ ، فَإنَّ الشُّبْـهَةَ دَلِيلُه ، وَرَدَّ الدَّليلِ بالتَّكذِيبِ حُجَّتُهُ ، وَالتَّأوِيلَ وَالْمُغَالَطَاتِ عُمْدَتُهُ ، وَ«التَّعصُّبَ » نَزْعَتُهُ ، وبَطَرَ الْحَـقِّ ، وغَمْطَ النَّاسِ خُلُقُه ، وَالوَقِيعَةَ وَرَميَ خَصْمِه بِالْجَهْلِ وَالغَفْلَةِ سِلاَحُه ، وَأُسْلُوبَ رُدودِه أَشْبَهُ بالْمَيَازِيبِ ، تَجمَعُ الْمَاءَ كَدَرًا ، وتُفرِّقُهً هَدَرًا([79])، ولَا أُشَبِّهُ تَنَاقُضَهُ الدَّالَ عَلَى كَذِبِهِ وَجَهْلِهِ وَتَهَوُّرِه إِلاَّ بِتَنَاقُضِ ذَلِكُم « الدَّجَّالِ» ( ابنِ صَيَّادْ)([80]).
    وَمِنْ أَقْبِحِ تَنَاقُضِ مُتَأَخِّرِي الصَّعَافِقِ -
    «والْحَمدُ لله عَلَى عَصْرٍ زَادُ التَّنَاقُضِ فيه نَافِقٌ»-([81]): أنْ يَتَغَنَّوا بَخَبرِ الثِّقَاتِ العُدُولِ ، وَهُم مَفتُونُونَ بِأخْبَارِ الْمَجْهُولِ ، وَأنْ يَتَغَنَّوا بِاحْتِرَامِ أولَئِكَ العُلمَاءِ البُزلِ ، وَهُم يَسْتَفتُونَ أَنْفُسَهُم وَذَا الْجَهْلِ ، وَأنْ يَتَغَنَّوا بِالْبحْث عَنِ الدَّلِيلِ ، وَهُم يَعْتَقِدُونَ قَبْلَ الاِسْتِدِلَال ،«وَسَبِيلُ فَسَادِ النَّاشِئَةِ هُو: اِعتِيَادُهُم أَنْ يَقتَنِعُوا بِغَيْرِ دَلِيلٍ مِنَ العَقْلِ ، وَأَنْ يَقْتَنِعُوا بِالتَّسْليم لِمنْ يَظُنُّونَ بِهِ الْخَيْرَ ، فَيُنَزِّلُونُهُ مِن أنفُسُهِم وَمِنْ عُقُولِهِم مَنْزِلَةِ (الْحُجَّةِ) ، وَ(البُرهَانِ) وَ(الدَّلِيلِ)»([82])، وَالإصْلَاحُ مَبْدَأٌ وَفِكْرَةٌ ، وَلَيْسَ زَيْدًا وَعَمْرًا([83]).

    ومِنْ أَقْبِحِ تَنَاقُضِ الصَّعَافِقِ: أنْ يُدَنْدَوا حَوْلَ «التَّعصُّبِ» وَمُحَاربَتِه ، وَهُم يَعُضُّونَ عَلَيهِ بِالْنَّوَاجِذِ عَضًّا : مِنَ تقْليـــدِ أعْمَى ، وَطَعْنِ في العُلَمَاء ، وتحْريشِ بَيْنَهُم ، وَسَّبٍّ ، وَشَّتْمِ ، وَ«تَفْريقِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ»، وَرَفْعِ شِعَارَاتِ الْتَّحزُّبِ ، وَالكَذِبِ ... إلَخ ؛ فَشَابَـهُوا «الْخَوَارِجَ فِي أَنَّهُم يُدَنْدِنُونَ حَوْلَ التَّكْفِيرِ ، وَتَفُوحُ مِنْ مَوَاقِفِهم رَوَائِحُ الْخَوَارِج ، وَالدَّنْدَنْةِ حَولَ أُصُولِهِم([84]).
    قَالَ العَلَّامَةُ رَبِيع : " وَلأَسْبَابٍ ... خَفَّتْ حِدَّةُ التَّعَصُّبِ ... ، لَكِنَّ الدَّاهِيَّةَ الدَّهيَاءَ ، وَالضَّــــلاَلَةَ العَميَاءَ ، وَ الطَّامَةَ الكُبْرَى أَنَّهُ قَد خَــلَفَهَا مَا هُو شَرٌّ مِنْهَا ، وَهُوَ «التَّحَزُّبُ السِّيَاسِيُّ»، الوَرِيثُ الْجَدِيدُ لِتِلكَ الأَدوَاء ، وَالْمُصَابُونَ بِهِ أَصْنَافٌ ... الثَّانِي: مِنْهُم مَنْ يَرفَعُ شِعَارَاتٍ إِسْلاَمِيَّةً ، لَكِنَّهَا خَالِيَّةٌ مِنَ العَقِيدَةِ الإسْلاَمِيَّةِ الصَّحِيحَة ... وَمُثْخَنَةٌ بِالأَمْـرَاضِ الفَتَّاكَةِ ... وَفَرِيقٌ ثَالِثٌ مُتَفَرِّعٌ عَن هَذَا الصِّنْفِ الثَّانِي ، وَمُشْتَقٌّ مِنْهُ ، لَكِنَّهُ «يَدَّعِي أَنَّهُ عَلَى مَنْـهَجِ السَّلَفِ الصَّالِحِ» ؛ تَلْبِيسًا وَخِدَاعًا وَمَكْرًا ، فَكَانَ ضَرَرُهُ أَشَرَّ مِنْ أَصْلِه ، وَمَكْرُهُ أَشَرَّ مِنْ مَكْرِهِ ، هَذَا الفَرِيقُ «يَتَمَسَّـحُ بِأَعْلاَمِ الْمَنْهَجِ السَّلَفِيِّ» لاَسِيَّمَا ابنِ تَيْمِيَّةَ ؛ ليَتَمَكَّنَ - بِهَذَا التَّمَسُّحِ وَتَحْرِيفِ كَلاَمَهِ وَكَلاَمِ غَيْرِهِ - مِنْ حمَايَةِ أَهْلِ البِدَعِ ، وَمَنَاهِجِهِم البَاطِلَةِ ، وَإِبْقَائِهِم عَلَى مَا هُم عَلَيْهِ مِنْ عَقَائدَ وَمَنَاهِجَ "اهـ([85]).
    ﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ وَكَـمْ مِنْ ذِي هَوَى جَاءَ عَلَى كَلَام اللهِ وَرَسُولِهِ وَوَرَثَتِهِ بِتَمَسُّحٍ كَذِبٍ ؟! وَمِنْ بَوَاعِثِ النَّمِيـمَةِ - كَمَا قَال الَغَزَّالِيُّ (ت:505هـ)- : "إظْهَارُ «الْحُبِّ لِلْمَحْكِيِّ لَهُ»([86])، قَال شَيْخُ الاِسْـلَامِ(ت:728هـ): "وَلَمَّا انْتَهَى الْكَلَامُ إلَى مَا قَالَهُ الْأَشْعَرِيُّ : قَالَ الشَّيْخُ الْمُقَدَّمُ فِيهِمْ :(لَا رَيْبَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ إمَامٌ ، عَظِيمُ الْقَدْرِ، وَمِنْ أَكْبَرِ أَئِمَّةِ الْإِسْـلَامِ ، لَكِنْ قَدِ انْتَسَبَ إلَيْهِ أُنَاسٌ ابْتَدَعُوا أَشْيَاءَ)، فَقُلْت : أَمَّا هَذَا فَحَقٌّ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ خَصَائِصِ أَحْمَدَ، بَلْ مَا مِنْ إمامٍ إلَّا وَقَدْ انْتَسَبَ إلَيْهِ أَقْوَامٌ هُوَ مِنْهُمْ بَرِيءٌ ، قَدْ انْتَسَبَ إلَى مَالِكٍ أُنَاسٌ مَالِكٌ بَرِيءٌ مِنْـهُمْ ، وَانْتَسَبَ إلَى الشَّافِعِيِّ أُنَاسٌ هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ ، وَانْتَسَبَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ أُنَاسٌ هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ ، وَقَدِ انْتَسَبَ إلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّــــلَامُ أُنَاسٌ هُوَ مِنْهُمْ بَرِيءٌ ، وَانْتَسَبَ إلَى عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ- أُنَاسٌ هُوَ مِنْهُمْ بَرِيءٌ ، وَقَدْ انْتَسَبَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أُنَاسٌ هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَنَبِيُّنَا قَدِ انْتَسَبَ إلَيْهِ مِنْ الْقَرَامِطَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْنَافِ الْمَلَاحِـدَةِ وَالْمُنَافِقِينَ مَنْ هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ "اهـ([87]).
    وَقَالَ العَلَّامَةُ الرَّبِيع: "هَات أَيَّ مُضَلِّلٍ لاَ يَتَظَاهَرُ بِتَقوَى الله وَالإخْلاَصِ([88])، وهَكَذَا فَعَلَ أتبَاعُ سَيِّد قُطبٍ وَمَدرَسَتِه ، يَلْجَؤُونَ إِلَى التَّمسُّحِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِدَعْوَةِ الإمَامِ محَمَّدٍ ؛ لأَنَّ دَعْوتَهُم لاَ يُمكِـنُ أَن تَنْطِلِيَ عَلَى النَّاسِ ، وَلاَ سِيَّمَا فِي بِلاَدِ التَّوحِيــــدِ([89])، وَجَـمَاعَةُ التَّبْلِيغُ أهلُ مَكْرٍ، يَتَظَاهَرُونَ لِلشَّيخِ ابن بَازِ بِأَنَّهم يَدْعُونَ عَلَى مَنْـهَجِ السَّلَفِ([90])، و[الْحَــــدَّاديَّةُ ] يَتَسَتَّرُونَ - كَذِبًا وَفُجُورًا- بِثَلَاثَةٍ أو أَرْبَعَةٍ مِنِ العُلمَاءِ ، كَـمَا يَتَسَتَّرُ الْخَوَارِجُ بِأَبي بَكْرِ وَعُمرَ - رَضِي اللهُ عَنهُمَا - ؛ لِيَتَمَكَّنُوا مِنَ الطَّعْنِ فِي الصَّحَابَةِ ، وَمِنهُم عَليٌّ وَعُثْمَانُ - رَضِي اللهُ عَنهُمَ -، وَكَمَا يَتَسَتَّرُ الرَّوَافِضُ بِعَلِيٍّ - رَضِي اللهُ عَنهُ - وَأَهْلِ البَيْتِ؛ لِيَتَمَكَّنُوا مِنَ الطَّعْنِ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمُرَ ، وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ([91])؛ لأَنَّهُم يَعْتَقِدُونَ أَنَّهم لَو أَسقَطُوا كُلَّ عُلَمَاءِ السّنَّةِ لَفُضِحُوا ، وَظَهَرَتْ عَدَاوَتُهُم لِأَهلِ السنَّةِ وُضُوحَ الشَّمسِ([92])، عَدْنَانُ عَرْعُورٌ، أَبُو الْحَسَنِ، فَالِحٌ، هَؤُلَاءِ يُنَفَذِّونَ خُطَطًا ضِدَّ أَهْلِ السُّنَّةِ، ثُمَّ يَتَمَسَّحُونَ بِأَهْلِ السُّنِّةِ ، الأَلْبَانِيُّ شَيْخُنَا ، وَالفَوزَانُ شَيْخُنَا ، ووو ، فَالِحٌ طَعَنَ فِي شُيُوخِ الْمَمْلَكَةِ قَبْلَ غَيرِهِم ، الآنَ يَتَمَسَّحُ بِـهِم هُو، وَالْحَدّادِيَةُ ، وهُم مِنْ زَمَانٍ - وَالله - الْحَدَّادُ الأَوَّلُ وَأتبَاعُهُ كَانُوا يَطعَنُونَ فِي ابنِ بَازٍ، وَالأَلبَانِيِّ، وَفيِ الفَوزَانِ ... إلَخ([93])، وَقَدْ ظَهَرَ لَكَ جَلِيًّا بُطْلَانُ مَا يَدِّعِيهِ فَالِحٌ بِأَنَّ رَبِيعًا قَد « خَالَفَ العُلَمَاءَ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَخَالَف أَئِمَّةَ الدَّعْوَةِ ، وَخَالَفَ الإمَامَ أَحمَدَ»، وَادَّعَى أَنَّ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا مَعَهُ ، وَلَا سِيَّمَا أَئِمِّةِ الدَّعْوَةِ الَّذِينَ يَتَمَسَّحُ بِهِم ، وَهُمْ بُرَءَاءُ مِنْ مَنْـهَجِهِ "اهـ([94]).
    وادَّعَى الْحَلبيُّونَ بَأنَّ الشَّيْخَ رَبِيــــعًا فَارَقَ « كِبَارَ العُلَمَاء»([95])، وكَذَلك أَظْــهَرَ الصَّعَافقَةُ رَايَاتٍ فَضْفَاضَةِ ، وَشِّعَارَاتِ بَرَّاقَةٍ ، مِنْ مثلِ :«نَحْنُ مَعَ الأَكَابِرِ»، وَ«الْحَقُّ مَعَ الأَكَابِرِ»، وَ« فُلاَنٌ تَابَ وَرَجَعَ إلَى الكِبَارِ»، وَ«فلانٌ هُو الأَعْلَمُ وَالأكْبَرُ»، وَ«عِلَّانٌ لَيْسَ مِنَ الكِبَارِ».
    قَال
    العَلَّامةُ محمَّد بن هادي :"وَهَؤُلَاءِ الصَّعَافِقَةُ مُلْحَقُـونَ بِأَهْلِ الأَهْوَاءِ ، نَعَم فِي أَفْعَالِهِم هَذِه الأَفْعَالِ الَّتي يَفْعَلُونَهَا بِأَهْلِ السُّنَّةِ ... فهَؤُلَاءِ إِذَا سَلَكُوا بَعْضَ طَرَائِقِ أَهْلِ الضَّلَالِ لَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُم صَارُوا أَهْلَ الضَّلَالِ([96])، وَقَولُهُم :«نَحْنُ مَعَ الأَكَابرِ» شُبْهَةِ قَرِيبَةٌ مِن شُبْـهَةِ أَهْلِ البِدَعِ ، وَهُم كَذَّابُونَ ، إذَا خَلَوا عَضُّوا عَلَيكُم الأَنَامَلِ مِنَ الغَيْظ([97])، ابنُ مَسْعُودٍ هُوَ القَائِلُ: «البَرَكَةُ مَعَ أكَابِرِكُم»، ... وَلَم يَقُل الْحَقُّ مَعَ الأكابر ، فَإِنَّ الْحَقَّ مَعَ الدَّلِيلِ، ... وَرَأَيْنَاهُم يَتَنَاقَضُونَ فِي هَذَا ، فَإِذَا كَانَ العَالِمُ جَاءَتْ فَتْوَاهُ اليَوم عَلَى مَا يُحِبُّون فَهُوَ مِنَ الأكَابِرِ ، وَلَوْ كَانَ صَغِيرًا فِي السِّنِّ ... وَإذَا جَاءَ القَوْلُ مِنَ الكَبِيرِ - الَّذِي هوَ بِالأَمْسِ يَقُولُون كَبِيرٌ ...- ... عَلى غَيْرِ مَا يُحبُّونَ قَالُوا يُخَالِف الأكابِرَ، فَإِذًا مَنْ هُمُ الأكابِرُ هُنَا؟! "اهـ ([98])

    وَلَقَدِ اسْتَقرَأَ العلَّامَةُ الْجَابِريُّ أَحْوَالَ القَائِلينَ :«نَحْنُ مَعَ الكِبارِ» فَوجَدَهم سِتَّةَ ، "أَحَدُهُم: مَنْ هُوَ عَلَى رُسُوخٍ فِي العِلم ... الثَّانِي: طَالِبُ عِلمٍ مُتَأَهِّلٌ بِأَنْ يَشْتَغِلَ بِالفَتْوَى وَالدّعوة وَتَعْليِم النَّاسِ، وَلَم تُعْرَفْ مِنْه الْمُخَالَفَةُ لأَهْلِ السُّنَّة ... الثَّالِثُ: طَالِبُ عِلم مُحِبٌّ للسُّنَّة ، مَيَّزَ بَيْنَ النَّاس ، فَاخْتَارَ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ عَوْنًا عَلَى التَّفَقُّهِ ... الرَّابِعُ : عَامِّيٌّ ، لَكِنَّهُ مُحِبٌّ لِلسُّنَّةِ وَلأَهْلِهَا ، وَهَدَاه الله إِلَى أَنْ لَا يَأخُذَ العِلمَ إلَّا عَنْ صَاحِبِ سُنَّةٍ ... الْخَامِسُ : عَاميٌّ يُريدُ بِالعُلمَاءِ صِنْفًا مُعَيَّنًا مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ هُمْ عَلَى خَيْرٍ ، لَكنَّ اِختيَارَهُ هَذَا خَطَأٌ ؛ لأَنَّهُ هَضَمَ مَنْ دُونَهُم مِنْ أَقْرَانِهِم وَإخْوَانِهِم وَأَبْنَائِهمِ ، مِمَّن يُمكنُهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَهم ...، والسَّادِسُ : صَاحِبُ الهَوَى الْمَفْتُوُن الْمُبتَدَعُ الضَّال ؛ فَإنَّهُ لَا يُريدُ بِهَذِهِ الْمَقُولَةِ إلَّا مَن هَوَاهُم هَوَاهُ ، والْمَشْرَبُ وَاحِدٌ ، فَهُم العُلمَاءُ عِندَهُ ... هَذَا هُوَ الشّـَرّيرُ الْمَارِدُ الضَّالُ الْمُضِلُّ "اهـ([99]).
    وَلَفْظُ «الأَكَابِرِ» عامٌّ ، لكنَّ الصَّعافِقَةَ إذا أَطْلقُوهُ أَرَادُوا الشَّيْخَيْنِ العلَّامَتَيْنِ رَبيعًا وَعُبَيْدًا ؛ لأنَّهمَا دَافَعا- بحُسْنِ الظَنِّ- عنِ الصَّعَافِقَةِ والاِحْتِوَائِيِّينَ وَرُمُوزِهم، وَجَرَّحَا أَعْدَاءَهمَا ، مِنْ عُلَمَاءٍ وَشُيوخٍ وَطَلبَةٍ ، كَمَا أَنَّهم رَفَعُوا الدّكتُورَ عَبدَ اللهِ البُخَاريَّ إِلَى رُتبَةِ الأَكَابِرِ ؛ لأَنَّهُ «أيَّدَ مَا عَلَيْهِ الشَّيخَانِ الْجَلِيلَانِ رَبِيعٌ وَعُبَيْدٌ»([100]).
    لَكنَّهم أَخْرجُوا مِن الأَكَابِرِ الشَّيْخَ
    محمّد بن هادي ، مَعَ أنَّه شَيْخٌ للدّكتُورِ البُخَاريِّ ، بَلْ أَخْرَجُوا مَن هُوَ أكبَرُ مِنهُمَا سِنًّا وَعِلْمًا ، كالشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمن محي الدٍّين ، الَّذِي كَانَ يُعتَبَرُ عنْدَ الصَّعَافِقَةِ الأوَّلينَ في مَطْلَعِ فِتْنَتِـهِم مِنَ «عُلَمَاءِ الأُمَّةِ الأُمَنَاءِ الكبارِ([101])، وَمنِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالعَقْدِ ، والعُلمَاءِ الثِّقَاتِ»([102])، قَالَ العَلَّامَـةُ ربيع :"وَفَالِحٌ لَمَّا ذَكَرَ النَّجْمِيَّ وَزَيْدًا وَمحمَّد هَادِي وَغَيْرَهُم طَعَنَ فِيهِم ، وَأَخْرَجَـهُم مِنْ زُمرَةِ العُلمَاءِ ؛ لأَنَّهُم لَيسُوا فِي هَيْئَةِ كِبَارِ العُلمَاءِ ، يَا أَخِي : بَعْضُ عُلمَاءِ الهَيْئَةِ مِنْ تَلَامِيذِ النَّجْمِيِّ ... إِنَّها «لَمَوَازِينُ حَدَّادِيَّةٌ فَاسِدَةٌ» "اهـ ([103])، وقَالَ الشَّيخُ صَالِحٌ العُصيْميُّ :"فَصَار مِنَ النَّاسِ مَنْ ... يُخْرِجُ مَا شَاءَ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ ، وَهَذَا الفَسَادُ الوَاقِعُ في النَّاسِ مَنْشَؤُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أُمــورٍ ... ثَالِثُـهَا : «مُلَاحَظَةُ الْمَصَالِح» ، أَي : الْمَنَافِعِ الَّتِي تَصِلُ إِلى أَحَدٍ يَحكُمُ بِهَذَا ... وَإذَا أَرَادَ أَنْ يَصَلَ إِلَى مَنْفَعَةٍ عِنْدَهُ ، وَلَمْ يُوَفَّقْ إِلَى الفَوزِ بِهَا سَلَبَهُ اسمَ « كِبَارِ العُلمَاءِ» اهـ([104]).
    واللَّئِيمُ عَدُوُّ كُلِّ أَحَدٍ «إلَّا مَنْ نَفَعَهُ([105])، وَيَصْبِرُ اضْطِرَارًا »؛ فَإِنَّهُ يَحُومُ حَوْلَ سَاحَةِ الْجَزَعِ ؛ فَلَا يَرَاهَا تُجْدِي عَلَيْهِ شَيْئًا ؛« فَيَصْبِرُ صَبْرَ الْمُوثَّق لِلضَّرْبِ »([106])، وَهَذَا عَيْنُ مَا صـرَّحَ بهِ العَابطُ قَائلا :"بَعضُ الأَخْــطَاءِ - كَانَت الْمَفسَدَةُ مُتَيَقنَةً - لَو تَكَلَّمَ فِيـــهَا الطَّلَبَةُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَبةَ فِي عَهدِ مَا قَبلَ الفِتنَةِ كَانَ يَحرمُ عَلَيهِم الكَلاَمُ ، فَمَا فَائِدَة تَحذِيرِهِم ، أَو كَلاَمِهِم فِي مَسْأَلَةٍ مُتَعَلِّقَةً بِالدكتُورِ فَركُوسٍ فِي ذَلِكَ الوَقتِ ؟ وَأَمرٌ آخَرُ : ربَّمَا كَانَ الطَّالِبُ يَقِفُ أَحيَانًا عَلَى الْخَـطَأِ ، لَكِنّ لَم يَجدِ الطَّرِيقَةَ الْمُنَاسِبَةَ لِبَيَانِهِ ؛ لِهَذَا بَقِيَ «مَكتُوفَ الأَيدِي» "اهـ([107])
    صَلَّى الْمُصَلِّي لأَمْرٍ كَانَ يَطلبُهُ ******* لَمَّا انْقَضَى الأَمْرُ لَا صَلَّى وَلَا صَامَا
    قَالَ العَلَّامَةُ رَبيع بن هَادي:" لِلْحَدَّادِ حِزْبٌ لَئِيــــمٌ([108])، كَانُوا إلى عَهْدٍ قَريبٍ يَتَظَاهَرُونَ بِاحتِرَامِ مجمُوعَةٍ مِنَ العُلَمَاءِ ، وَيَروَنَ أَنَّ مَنْ خَالَفَهُم فَقَدْ كَذّبَ الإسلَامَ ، وَكَذَّبَ القُرآنَ وَالسّنَّةَ وَنَسَفَ الإسْلَامَ ، وَيَدْعُونَ إِلَى تَقلِيدِهم بِحَمَاسٍ ، فَلَمَّا ظَنُّوا أَنَّهُم قَد قَوِيَ سَاعِدُهم، وَاشْتَدَ عُودُهم أَعْلنُوا عَلَيْهم الْحَرب ، وَسَفَّهُوا أَقْوالَهُم ، وجَرَّأُوا عليهم الأَوغَادَ ، وَهَكَذَا يَتَدَرَّجُونَ فِي دَعوتِهم السِّرِيَّة يَبدَؤُونَ بِالتّظَاهُرِ بِاحترَامِ الإمَام ابنِ بَازٍ، إِلَى ابنِ تَيْمِيَّة، ثُمَّ يَتَدَرجُّونَ بالأَغِرَارِ ، شَيئًا فَشيئًا إِلَى أَن يَعتَقِدُوا أَنَّهُم قَد أَحكَمُوا القَبضَةَ عَلَيهم ، يَبدَؤُونَ فِي إسقَاطِ العُلَمَاءِ بِطَرِيقَتِهم الْمَاكِرَةِ ، وَاحِدًا تِلْوَ الآخَرِ، إِلَى أَن يَصلُوا إِلَى ابنِ تَيْمِيّةَ، ثم هُم كَالرَّوَافِضِ ، إِذَا خَافُوا تَظَاهَرُوا بِاحتِرَامِ الصَّحَابَةِ وَحُبِّهم وَالتَّرضِّي عَنْهُم ؛ فَإذَا أَمِنُوا سبُّوا الصَّحَابَةَ، وَطَعَنُوا فِيهِم ، وَهَؤُلَاءِ الْحَدَّادِيَّةُ يَفْعَلُونَ مِثلَهُم إِذَا أَمِنُوا طَعَنُوا فِي العُلَمَاءِ ... وَانظُر مَا يَصنَعُونَ بِالأَلبَانِيّ فَقَدْ تَظَاهَرُوا بِاحتِرَامِــــهِ ، وَالدِّفَاعِ عَنْهُ وَرَمْيِ مَن يَصِفُه بِالإرجَاءِ بِأَنَّهُم خَوَارِجُ ، ثُمَّ تَحَوَّلُوا إِلَى الطَّعْنِ فِيهِ ، وَرَمْيِهِ بِالإرجَاءِ ، وَالْمُخَالَفَةِ لِمَنْهَجِ السَّلَفِ([109])، وَلِكُلِّ قَوْمٍ وَرِاثٌ ، وَلِكُلِّ أُسْلُوبٍ أَتْبَاعٌ وَمُقَلِّدُونَ "اهـ([110]).
    ﴿فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾، أَيْ : عَلَتْ أَلْسِنَتُهُمْ بِالْكَلَامِ الْحَادِّ الْقَوِيِّ([111]) : أَيْ بَالَغُوا فِيـكُم بِالكَلاَمِ طَعْنًا وَذَمًّا([112])، وَمَنْ وَرثَةِ ذَلك اللُّؤْمِ : «الصَّعَافِقَةُ الْجُدُدُ» ؛ لأنَّهم كَانُوا إلى عَهْدٍ قَريبٍ جدًّا يَتَظَاهَرُونَ بِاحتِرَامِ الشَّيْخَيْنِ العَالِمَينِ الأَزهر وَجُمُعَةَ، والشَّيخِ جَلواح ، وَالشَّيخ حسن آيت عَلْجَت... إلَخ ، فَلَمَّا ظَنَّ «الصَّعَافِقَةُ الْجُدُدُ» أنَّ سَاعِدَهم قَوِيَ ، وَاشْتَدَ عُودُهم أَعْلنُوا عَلَيهِم هَذِهِ الْحَربَ القَذِرَةَ ، بِدَعْوَى أنَّ الشَّيْخَيْنِ الأَزهر وَجُـمُعَةَ يَطْعَنُونَ فِي الشَّيخِ فَركُوسٍ ، وَيُخَطِّطونَ لإسْقَاطِه ، قَال العَلَّامــــةُ رَبيعٌ :"وإِذَا كَانَ عُلمَاءُ السنَّةِ وَالتَّوحِيدِ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَحتَرِمِونَ ابنَ حجَرٍ وَالنَّوَويَّ وَأَمثَالَهُمُا، مِمَّن فِيهِ أَشعَرِيَّةٌ، يَحتَرِمُونَهُم لِأَجلِ خِدمَتِهم لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ، مَعَ نَيْلِ بَعضِهِم مِن شَيخِ الإِسـلاَمِ ابنِ تَيَمِيَّةِ وَابنِ القَيِّم ؛ فَكَيفَ لاَ يَحتَرمُونَ الأَلبَانِيَّ وَيُحِبُّونَهُ ، مِن أَجلِ خِدمَتِهِ للسُنَّةِ وَالعَقِيدَةِ وَالْمَنْهَجِ السَلَفيّ ، وَالذَبِّ عَن كُلّ ذَلِكَ ، وَتَصَدِّيهِ لِأَهلِ البِدَعِ ؟! "اهـ([113]).
    وَقَال العَلَّامَةُ عَبدُ اللَّطِيفِ آل الشَّيخِ(ت:1293هـ):"يَجِبُ حِمَايَةُ عِرْضِ مَنْ قَامَ للهِ ، وَسَعَى فِي نَصْرِ دِينِهِ ، الَّذِي شَرَعَهُ وَارتَضَاهُ ، وَتَرْكُ الاِلتِفَاتِ إِلَى زَلَّاتِهِ ، وَالاِعتِرَاضِ عَلى عِبَارَاتِهِ ؛ فَمَحَبَةُ اللهِ وَالغَيْرَةُ لِدِينِهِ ، وَنُصْرَةُ كِتَابِهِ وَرَسُولِه مَرْتَبَةٌ عَلِيَّةٌ ، مَحبُوبَةٌ للهِ ، مَرْضِيَّةٌ يُغْتَفَرُ فِيهَا العَظِيمُ مِنَ الذُّنُوب، وَلَا يُنْظَرُ مَعَهَا إِلَى تِلكَ الاِعترَاضَاتِ الوَاهِيَّةِ ، وَالْمُنَاقَشَاتِ الَّتي تَفُتُّ في عَضُدِ الدَّاعِي إلى اللهِ ، وَالْمَلْتَمسِ لِرِضَـاهُ ، وَهَبْهُ كَـمَا قِيلَ ، فَالأَمرُ سَهْلٌ فِي جَنْبِ تِلكَ الْحَسَنَاتِ ، وَمَا يُدْريكَ ؟ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ : (اِعمَلُوا مَا شَئِتِم فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُم)
    فَلْيَصْنَعِ الرَّكْبُ مَا شَاؤُوا لأَنفُسِهِم ******* هُم أَهْلُ بَدْرٍ فَلَا يَخْشَوْنَ مِنْ حَرَجٍ
    وَلَمَّا قَالَ الْمُتَوَكِّلُ لابنِ الزَّيَّات:( يَا ابنَ الفَاعِلَةِ، وَقَذَفَ أُمَّهُ)، قَالَ الإمَامُ أَحمَدُ -رَحِمَه الله-: أَرجُو أَنَّ اللهَ يَغْفِرُ لَهُ نَظَرًا إِلَى حُسنِ قَصْدِهِ فِي نَصْرِ السنَّة، وَقَمْع البِدْعَةِ ، وَلَمَّا قَالَ عُمرُ- رضي الله عنه - لِحَاطِبٍ مَا قَالَ ، وَنَسَبَهُ إِلَى النِّفَاقِ لَم يُعَنِّفْهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَإنَّمَا أَخبَرهُ أَنَّ هُنَاكَ مَانِعًا، وَالتَّسَاهُلُ فِي رَدِّ الْحَقِّ، وَقَمْعُ الدَّاعِي إِلَيْهِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَلعُ أُصُولِ الدِّينِ، وَتَمْكِينُ أَعْدَاءِ اللهِ الْمُشْركِينَ مِنَ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ "اهـ([114]).
    لكَـــنَّ اللُّؤمَ دَاعٍ مِنْ دَواعي الثَّرْثَرَةِ([115])، وَالطَّبعَ اللَّئيمَ يَمِيلُ إِلَى اتِّبَاعِ الهَفَوَاتِ ، وَالإِعْرَاضِ عَنِ الْحَسَنَاتِ ، بَلْ إِلَى تَقْدِيرِ الهَفْوَةِ فِيـمـَا لاَ هَفْوَةَ فِيهِ ؛ بِالتَّنْزِيلِ عَلَى مُقْتَضَى الشَّهْوَةِ ؛ لِيَتَعَلَّلَ بِهِ وَهُوَ مِنْ دَقَائِقِ مَكَايِدِ الشًّيْطَانِ ، وَلِذَلِكَ وَصَفَ اللهُ الْمُرَاغِمِينَ للِشَّيْطَانِ فِيــــهَا بِقَوْلِهِ : ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ([116]).
    فَلَا عَجَبَ أنْ يُثَرثرُوا فَرَحًا وطَربًا بِنَصِيحَةِ الشيْخِ فَركُوس الْمُسَرَّبَةِ ، وَيُحَاولُوا - طَوْعَا أَوْ كَرْهًا - أَنْ يُفَسِّرُوهَا جَرْحًا مُفَسَّرًا ، كما طَارَ الصَّعافقَةُ القُدَامَى فَرَحًا عِنْدَما سَـمِعُوا العلَّامَةَ رَبيعًا يَصِفُ العلَّامَةَ محَمَّد بنَ هَادِي : بِأَنَّهُ «أَخَسُّ مِنَ الْحَدَّادِيَّةِ ، وَأَخْطَرُ مِنَها بِعَشَـرَاتِ الْمَرَّاتِ »، وَكَذَلِكَ فَرِحَ أَهْلُ الأهواءِ بِمَا قَرَّرَهُ العلَّامَةُ بَكرٌ أَبُو زَيدٍ (ت:1429هـ) في «تَصْنِيفِ الدُّعَاةِ بَينَ الظَنَّ وَاليَقينِ»، وَ«الْخِطَابِ الذَّهبِيّ» ،وَكَذَلِكَ فَرِحُوا بِمَا قَرَّرَهُ الشَّيخُ الْمُحدِّثُ العَبَّادِ في« رِفْقًا أهل السُّنَّة» ، و«استَغَلُّوا مَوْقِفَهُ ؛ فَجَـعَلُوه مُدَافِعًا عَنْهُم ، وَمُخَاصِـمًا لَهُم ؛ فَجَعَلُوا يُصَـوِّرُونَ كِتَابَكَ «رِفْقًا أهل السنة» بِالْمِئَاتِ ، بَل وَبِالآلافِ ، وَيُوَزِّعُونَ» ([117]).

    وَعِنْدَمَا خالفَ الشَّيخُ أحمَدُ بَازمولٌ الصَّعَافِقَةَ تَذَكَّرُوا أنَّ العلَّامَةَ الْجَابِريَّ في(1436هـ) صَنَّفهُ في «مُهَيِّجَة الفتن ، وَأَنَّهُ مِنْ شُيُوخِ الفَجْأَةِ ، الَّذِينَ مَضَتْ عِدّة سِنِينَ ، وَلَم يُعْرَفُوا»، وقَدْ بَلَغَهُم أَنَّ الْمُحَدِّثَ النَّجْميَّ(ت:1429هـ) قَالَ :"أَعْرِفُ فَضِيلَةَ الشَّيْخِ الدّكتُورِ أَحمدَ عُمرَ بَازْمُول ، فَهُوَ عَالِم جَلِيلٌ "اهـ([118])، وَفي مَوضِعٍ وَصَفَه بـ :«الشَّيخِ الْمُحَدِّثِ([119])، العَلَّامَةِ السَّلَفِيِّ» ([120]). وَكَذَلِكَ وَصَفَهُ العَلَّامةُ رَبيعٌ بأنَّه « عَالِمٌ بِحقٍّ بِأُصُول السَّلفِ ، ومَا يُناقِضُها ، وَعالِمٌ بِالْحَدِيثِ وَأُصُولِه»([121])، وَكَذَلِكَ أَثنى عليه الشَّيخُ عَبْدُ اللهِ البَسَّامُ (ت:1423هـ)، وَالشَّيخُ زَيدٌ الْمَدْخلي (ت:1435هـ)، وَالشَّيخُ يَحْيَى عثمَانُ الْمُدَرِّسُ(ت:1443هـ)، وَأجازهُ بعضُهم في مروياتهِ: كَشَيْخِ الْحَنَابِلَةِ عَبْدِ الله العَقيل (ت:1432هـ)، والشَّيخ محمَّد السْبَيَّل (ت:1434هـ)([122]).
    فَلِمَاذَا نَسِي اللُّؤماءُ هَؤُلَاءِ ؟!
    قَال العَلَّامَةُ رَبيعٌ :"ولِفَالِحٍ عَجَائِبُ وَغَرَائِبُ تَدُلُّ عَلَى غَبَائِهِ ... رَابِعًا : ... يَنْسَى مُؤلَّفَاتِ الأَئِمَّةِ ... وَيَتعَلَّقُ بِكَلِمَةٍ مَنسُوبَةٍ إِلَى الإِمَامِ أَحمَدَ لَم تَثْبُت عَنْهُ ، أَو بِعبَارَاتٍ بَدَرَتْ مِن أُنَاسٍ قَصْدُهُم قَطْعًا غَيْرَ قَصْدِهِ اهـ([123])، بَلْ إنَّ الشَّوكَانيَّ (ت:1250هـ)قَالَ: وَقَد جَرَتْ قَاعِدَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ فِي سَابقِ الدَّهْر وَلَاحِقِهِ بِأَنَّهُم « يَفْرحَوُنَ بِصُدُورِ الْكَلِمَة الْوَاحِدَة عَن عَالِمٍ مِنَ الْعُلمَاء، وَيُبَالِغُونَ فِي إشْهَارِهَا وَإذَاعَتِهَا فِيـمَا بَينَهُم ، وَيَجْعَلُونَهَا حُجَّةً لِبَدْعَتِهم ، وَيَضْرِبُونَ بهَا وَجْهَ مَنْ أَنكَرَ عَلَيْهِم» ، كَمَا تَجِدُهُ فِي كُتُبِ الرَّوَافِضِ مِنَ الرِّوَايَات لِكَلِمَاتٍ وَقَعَتْ مِنْ عُلَمَاء الْإِسْلَام فِيـمَا يَتَعَلَّق بِمَا شـجَرَ بَينَ الصَّحَابَة ، وَفِي الْمَنَاقِبِ وَالْمَثَالبِ ؛ فَإِنَّهُم يَطِيرُونَ عِنْد ذَلِك فَرَحًا ، ويجعَلُونَهُ مِنْ أَعْظَــمِ الذَّخَائِرِ وَالغَنَائِم "اهـ([124]).
    وَقَالَ محمَّدٌ رَشِيدٌ رِضَا(ت:1354هـ):"أَوَّلُ شَيْءٍ نَقَلَهُ الرَّافِضِيُّ العَامِلِيُّ فِي طَعْنِ العُلمَاءِ عَلَى شَيْخِ الإسلاَمِ ابنِ تَيْمِيَّة كَلِمَةً لِلفَقِيهِ أَحْمَدَ بن حَجَرَ الهَيْتَمِي الْمكي ... هَلْ يَعُدًّ الرَّافِضِيُّ العَامِلِيّ كَلاَمَ ابنَ حَجرٍ هَذَا فِي الدِّينِ وَرِجَالِهِ حُكْمًا صَحِيحًا ؟!... أَمْ يَقْبَلُ قَوْلَهُ فِي ابنِ تَيْمِيَّةَ وَحْــــدَهُ ، دُونَ مُعَاوِيَةَ ، وَدُونَ الشِّيعَةِ كُلِّهِم ، كَمَا هِيَ عَادَةُ أَمثَالِهِ مِنَ «الْمَتَعَصِّبِينَ ، الًّذِينَ لاَ يَقْبَلُونَ إِلاَّ مَا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُم ؟! »" اهـ([125]).
    فالهَوَى والتَّعَصُّبُ يَفعَلُ بِأَهلِهِ العَجَائِبَ([126])، وَإنَّ غَالِبَ النُّفُوسِ لَا تَقْبَلُ الْحَقَّ «إِلَّا إِذَا كَانَ فِي قَالِبِ هَوَاهَا»، وَتَمِيلُ بِالطّبعِ إِلَى أَنْ تُؤْتِىَ شَهْوَتَهَا وَمُنَاهَا([127])، لَكنَّ اللَّئَامَ أَصْبَرُ النَّاسِ فِي طَاعَةِ أَهْوَائِهِم وَشَهَوَاتِهم([128])، قَالَ العَلَّامةُ رَّبيعُ :"قَدْ يَمِيلُ إِنسَانٌ إِلى صَاحِبِ الْحَقِّ لِهَوَى ، فَقَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقِّ يَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ هُوَ الْمُنتَصِرُ بِالْحُجَّةِ أَوْ غَيْرِهَا ؛ فَتَمِيلُ نَفْسُهُ ؛ لِأَنَّهُ فُلَانٌ ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوجَدُ هَذَا الْمَيْلُ ، فَنَقُولُ: إِذَا وُجِدَ هَذَا الْمَيلُ - وَلَوْ مَعَ صَاحِبِ الْحَقِّ - يَكُونُ مِنْ حُكمِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَخْطُرُ بِالبَالِ عِنْدَ كَثِيرٍ"اهـ([129]).
    وَكم تَمَسَّح أقوامٌ بالعَلّامَةِ رَبِيعٍ ؟! فَأَدَّبَهم قَائلاً :"تأَدَّب يَا وَلَدِي ... أَمَّا وَ«أَنتَ مَرِيضٌ» ، وَبَعدَ ذلِك تَنقُل عَنِّي أَشَيَاء تُخَّربُ الدَّعْـوَةَ ، اتَّقِ الله هَذَا دَمَارٌ ... خِيرَةُ السّلَفيِينَ تُبَدِّعُهم؟! ... الّذِي لاَ يُبَدِّعُ بَكْرًا بُوزيد - خَلاَصْ- صَارَ مُبتَدِعًا عِندَكَ؟! هَذَا مَذهَبُ السَّلَفِ؟! ... لاَ تُبَدِّعْ بَكرًا بوزِيد ، وَلاَ تَتَكَلَّمْ فِي أَحَدٍ أَبَدًا ... لاَ تَأتِ عِنْدِي ، وَلاَ أَرَاك ... لاَ تُبَدِّعُوا بَكر أبو زيد ، أنا مَا أُبِّدعُهُ ، وَأَعتَبِرُهُ أَخــطَأَ ، وَمُمكِن تَابَ وَنَدمَ ، وَمَن نَقَلَ عَنِّي أنِّي أُبَدّعُ بَكرًا أبو زيد كَذَّابٌ ، أَنَا أَرُدًّ عَلَيهِ ، وَأُبَيّنُ الْحَقّ "اهـ([130]).
    يا صَعافيقُ ، دَعكم مِنَ الثَّرثَرةِ وَالكَذِبِ وَالتَّلفِيقِ ، وَهُو :« التَّلَاعُبُ فِي دِينِ اللهِ تَعَالَى ، بِتَتَبُّعِ الرُّخَصِ الْمَرْجُوحَةِ ، وَالاِستِعَاضَةِ بِها عَنْ أَحكَامِ الشَّرِيعَةِ الغَرَّاءِ، الْمُتَّفَقِّ عَلَى العَمَلِ بِهَا بَيْنَ أَئِمَّةِ الْمُسلِمِين([131])، ولا يُعْلَم لِلتَّلْفِيـقِ أَصْلاً في الشَّرِيعَةِ ... وَإنَّمَا هُوَ مِنِ «اخْتِرَاعِ الْمُتَعَصِّبِينَ لِلتَّقْلِيدِ الأَعْمَى»([132])، قَالَ أحد شُيُوخِ الْخَوَارِجِ بَعْدَ تَوبَته:" كُنَّا إِذَا هَوِينَا أَمْرًا صَيَّرْنَاهُ حَدِيثًا "اهـ([133]).
    وقَضِيَّةُ التَّلفِيقِ إِنَّمَا شَدَّدُوا فِيها إِذَا كَانَتْ لِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي ، وَتَتَبُّعُ الرُّخَـصِ ، فَأَمَّا إِذَا اتَّفَقَتْ لِمَنْ يَتَحَرَّى الْحَقَّ - وَإنْ خَالَفَ هَوَاهُ- فَأَمرُهَا هَيِّنٌ ، فَقَدْ كَانَ العَامَّةُ فِي عَهْدِ السَّلَفِ تَعْرِضُ لأَحَدِهِم الْمَسْأَلةُ فِي الوُضُوءِ ، فَيَسْأَلُ عَنـهَا عَالِمًا فَيُفْتِيهِ ، فَيَأْخُذُ بِفَتْوَاهُ ، ثُمَّ تَعْرِضُ لَهُ مَسْألةٌ أُخرَى فِي الوُضُوءِ أَيْضًا ، أَو الصَّلَاةُ ، فَيَسْأَلُ عَالِمًا آخَرَ فَيُفتِيهِ فَيَأخُذُ بِفَتْوَاهُ ، وَهَكَذَا ، وَمَنْ تَدَبَّرَ عَلِمَ أَنَّ هَذَا تَعَرُّضٌ لِلتَّلْفِيقِ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَم يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ ، فَذَاكَ إِجْمَاعٌ مِنهُم عَلَى أَنَّ مِثلَ ذَلِكَ لَا مَحذُور فيه، إذْ كان غَيْرَ مَقصُودٍ ، وَلَم يَنْشَأْ عَنِ التَّشَهِّي ، وَتَتَبُّعِ الرُّخَصِّ([134]).
    تَعَلَّمُوا الصَّمْتَ ، كَمَا تَتَعَلَّمون الْكَلَامَ([135])؛ لأنَّ الصَّمْتَ يُكْسِبُ أهْلَهُ الْمَحَبَّةَ([136])، وَإنَّ مقتلَ الرَّجُلِ بَيْنَ فَكَّيْهِ([137])، ومِنْ أَعْظَمِ أَمَارَاتِ الْحُمْقِ فِي الأَحْمَقِ لِسَانُهُ ، فَإنَّه يَكُونُ قَلبُهُ فِي طَرَفِ لِسَانِهِ ، مَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِهِ نَطَقَ بِهِ لِسَانُهُ([138])، وَجَوَابُ الْأَحْمَقِ السُّكُوتُ عَنْهُ ، وَالتَّغَافُلُ يُطْفِئُ شَرًّا كَثِيرًا ، وَرِضَا الْمُتَجَنِّي غَايَةٌ لَا تُدْرَكُ([139]).
    وَمِنْ خِصَالِ الأَحْمَقِ : فَرَحُهُ بـ« الكَذِبِ مِنْ مَدْحِهِ ، وَتَأَثُّرُهُ بِتَعْظِيـمه»([140])، وَإنَّ مَثَلَ مَكْرِ ذَلكَ الصَّعْفُوقِ الأَحْمَقِ بِهَذَا العِالِــــم أو ذَاكَ ، كَمَثَل مَكْرِ أولِئكَ الْحمقى بِالنَّحْــويِّ أَبي عليَّانَ الْمَرزُوقِيِّ الشَّافعيّ(ت:1355هـ)، فَقَد ذَكَرَ أَنَّهُ زَارَ قَرْيتَهُ ؛ فَاعتَرضَ طَريقَهُ طَالِبٌ قَائِلاً : لَقَد طَلَبتُ العِلمَ عِشْرِينَ عَامًا ، فَاسأَلنِي بَيْنَ أَهلِي؛ لِيَعرِفُوا مَنَ أَنَا ، وَهُوَ لاَ يَستَطِيعُ إعادَةَ السُّؤَال ، لَكِنَّهُ بيَّتَ أَمْرًا فِي نَفسِهِ ؛ فَقَالَ لَهُ أَبُو عليَّانَ : أَنتَ مِنْ بَلَدِي، وَلَم أَرَك ؟! إِذَنْ : مَا مَوقِعُ الفَاءِ فِي قَولِ ابنِ مَالِكٍ : (فَافتَحْ وَقَلَّ مَنْ بِكَسْرِهِ نَطَقْ) .
    فَخَافَ الطَّالِبُ الْحَرَجَ ، فَجَعَلَ يَقرَأُ سُطُورًا مِنَ الأَلفِيَّةِ ، وَسُطُورًا لاَ صِلَةَ لَهَا بِالسُّـؤَالِ ، فَسَأَلهُ العَالِمُ مُتَعَجِّبًا :أَينَ الْجَوَابُ ؟! فَارتَفَعَ صَوتُ الطَّالِبِ بِتَسْفِيهِ الشَّيخِ ، وَأَنَّهُ يَسمَعُ الْجَـوَابَ ، وَلاَ يَفهَمُ ، «وَصَفَّقَ مَنِ ائتَمَرُوا بِهِ مَعَ الطَّالِبِ» ، وَكَأَنَّهُم يُفْهِمُونَ العَامَّةَ أَنَّ الشَّيخَ اندَحَرَ ، وَزَادَ الْحَرَجُ حِينَ انفَتَلَ الشَّيخُ أَبُو عليَّانِ غَاضِبًا مِن الْمَجْلِسِ ، وَوَرَاءَهُ مَنْ يُصَفِّقُونَ وَيَقُولُونَ :"انْهَزَمَ أَبُو عليَّانِ ، انِهزَمَ أَبُو عليَّانِ ، «وَمَا انْهَزَمَ الرَّجُلُ إِلاَّ بِهُتَافِ الرِّعَاعِ»"([141]) الْحَمْقَى .
    وَالْحُمْقُ دَاءٌ([142])، وَالْجَهْلُ دَاءٌ([143])، وَاللَّؤْمُ دَاءٌ([144])، وَالأعْمَالُ السَّيِّئَةُ دَاءٌ([145])، وَالَّذِي يُـجَالِسُ أَهْلَ البِدَعِ وَيُعَاشِرُهُم يُستَدَلُّ عَلَيْهِ أَنّهُ ذُو دَاءٍ([146])، وَالتَّعَصُّبُ الذَّمِيـمُ هُو الْمَصْدَرُ البَغِيضُ لِكُلِّ هَذِهِ الأَدْوَاءِ الفَتَّاكَةِ([147])، وَمَثَلُ التَّعَصُّبِ كَمَثَل الفَيْرُوسِ ، الَّذِي يَنْتَشِرُ «عَن طَرِيــقِ الْمُصَاحَبَةِ وَالْمُجَالَسَةِ ، فَإذَا رَأيتَ الشَّابَ في أَوَّل نُشُوئِهِ يُجَالِسُ الْمُتَعَصِّبينَ مِن أهلِ الأَهوَاءِ ، وَيَميلُ قَلبُهُ إِلَيهم، فايئَسْ مِنهُ([148])؛ والعِرْقَ دَسّاسٌ ، فَإنَّ أَدَبَ السُّوءِ دَسَّاسٌ ، إِذِ الطَّبِيعَةُ نَقَّالَةٌ ، وَالطِّبَاعُ سَرَّاقَةٌ ، وَالنَّاسُ كَأَسرَابِ القَطَا مَجَبْولُونَ عَلَى تَشَبُّهِ بَعضِهِم بِبَعضٍ ، فَاحذَرْ مُعَاشَرَةَ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ ، فَإِنّهُ العَطَبُ ، وَالدَّفْعُ أَسهَلُ مِنَ الرَّفعِ([149])، لَكنَّ الْعُلَمَاءَ دَوَاءٌ ، فَإِذَا فَسَـدَ الْعُلَمَاءُ فَمَنْ يَشْـفِي الدَّاءَ ؟!([150])، وَإِذَا جَرَّ الطَّبِيبُ الدَّاءَ إِلَى نَفْسِهِ ، فَمَتَى يُدَاوِي غَيْرَهُ ؟!([151]).
    ولاَ يَلْتَفِتُ إِلَى هَؤُلاَءِ الصَّعَافِقَةِ ، إِلاَّ مَنْ قَلَّ حَظُّهُ ، وَضَاعَ نَصِيبُهُ مِنَ العِلْمِ وَالإيـمَانِ([152])، وَمَنْ يَغْضَبْ لِكُلِّ سَفَاهَةٍ مِنْ سَفِيهٍ ، فَإِنَّ شَقَاءَهُ سَيَطُولُ بِغَضَبِهِ ، فَدَعِ السُّفَهَاءَ ، وَلِيَقُولُوا مَا شَاءُوا وَكُن أَنتَ ضَنِينًا بِكَرَامَتِكَ ، فَإِنَّهَا أَعَزُّ وَأَغْلَى مِنْ أَنْ تُبذَلَ عَلَى الأَلْسِنَةِ([153])، أَمَّا الْجَاهِلُ الْمُقَلِّدُ فَلاَ تَعْبَأْ بِهِ ، وَلاَ يَسُوءُكَ سَبُّهُ وَتَكْفِيرُهُ وَتَضْلِيلُهُ ، فَإِنَّهُ كَنُبَاحِ الكَلْبِ ، فَلاَ تَجْعَلْ لِلْكَلْبِ عِنْدَكَ قَدْرًا أَنْ تَرُدَّ عَلَيهِ كُلَّمَا نَبَحَ عَلَيْكَ ، وَدَعْهُ يَفْرَحُ بِنَابِحِهِ، وَافْرَحْ أَنْتَ بِمَا فُضِّلْتَ بِهِ عَلَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالِإيِـمَان وَالْهُدَى ، وَاجْعَلِ الإِعْرَاضَ عَنْهُ مِنْ بَعْضِ شُكْرِ نِعْمَةِ الله الَّتِي سَاقَهَا إِلَيْكَ ، وَأَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكِ([154])، وَكَانَتْ مُلُوكُ الْفُرْسِ إذَا غَضِبَتْ عَلَى عَاقِلٍ حَبَسَتْهُ مَعَ جَاهِلٍ([155]).

    وَالْمُتَطَاوِلُ - كَبَتَ الله بَاطِلَهُ - يَسُلُّ لِسَانَهُ عَلَى العِبَادِ ، فَيَتَّقِيهِ الْمُؤْمِنُونَ، وَيَتَرَفَّعُـونَ عَنْ مُنَازَلَتِهِ ، فَتَكُونُ العَاقِبَةُ لَهُمُ ، فَيَرْتَفِعُ شَأَنهُم عَلَيْهِ ، وَيَكُونُ قَوْلُهُم الأَعْلَى ، أَمَّا هَذَا السَّلِيطُ الْمُتَسَلِّطُ ، فَهُوَ مُبْتَلَى - ويَعْلمُ اللهُ - بِأَعْظَمِ بَلِيَّةٍ ، وَهِي مَوْتُ قَلبِهِ ، وَرُؤْيتُهُ القَبِيحَ حَسَنًا ، وَذَهَابُ رَصِيدِهِ مِنَ القَبُولِ لَهُ فِي الأَرضِ ، وَمِنْ تَعْجِيلِ العُقُوبَةِ لَهُ : تَخَلُّفُـهُ عَنْ أَقْرَانِهِ فِي القِـيـمَةِ الأَدَبِيَّةِ ، رَغْـم تَحَرُّقِه وَشِدَّةِ تَطَلُّعِهِ([156]).
    وَلَا تُجَالِسِ اِمْرِأً «بِغَيْرِ طَرِيقَتِهِ» ؛ فَإِنَّكَ إِنْ أَرَدْتَ لِقَاءَ الْجَاهِل بِالعِلمِ ، وَالْجَافِي بِالفِقْهِ ، وَالعَيِيَّ بِالبَيَانِ، لَمْ تَزِدْ عَلَى أَنْ تُضَيِّعَ عِلمَكَ ، وَتُؤْذِي جَلِيسَكَ بِحَمْلِكَ عَلَيْهِ ثِقَلَ مَا لَا يَعْرِفْ، وَغَمُّكَ إِيَّاهُ بِمِثْلِ مَا يَغْتَمُّ بِهِ الرَّجُلُ الفَصِيحُ مِنْ مُخَاطَبَةِ الأَعْجَمِيِّ، الَّذِي لَا يَفْقَهُ عَنْهُ ، وَاعْلَم أَنَّه لَيْسَ مِنْ عِلمٍ تَذكُرُهُ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ إِلَّا عَابُوهُ وَنَصَبُوا لَهُ ، وَنَقَضُوهُ عَلَيْكَ ، وَحَرِصُوا عَلَى أَنْ يَجْعَلُوهُ جَهْلًا، حَتَّى إِنَّ كَثِيرًا مِنَ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ ، الَّذي هُوَ أَخَفُّ الأَشْيَاءِ عَلَى النَّاسِ ، لَيَحْضُرُهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ ؛ فَيَثْقُلُ عَلَيْهِ ، وَيَغْتَمُّ بِهِ([157]).
    وَإِذَا أَقَمْتَ الْحُجَّةَ فِي أَمْرِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ ، فَلَمْ يَفْعَلُوا ، فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ، وَلَا تُمَارِهِمْ ، وَلَا تُسَافِهْهُمْ مُكَافَأَةً لِمَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ مَنِ الْمِرَاءِ وَالسَّفَاهَةِ([158])، فَإنْ قِيلَ : فَكَيْفَ أَمَرَ بِالإعرَاضِ مَع وُجُـوبِ الإنْكَارِ عَلَيهم؟ قِيلَ : إِنَّمَا أَرَادَ الإعرَاضَ عَنْ السُّفَهَاءِ ؛ استهَانَةً بِهِم، وَهَذَا وَإنْ كَانَ خِطَابًا لِنَبيِّهِ - عَلَيْهِ السَّــلَام - فَهُوَ تَأْدْيبٌ لِجَمِيعِ خَلْقِه([159])، وَمَا حِيلتُنَا مَعَ أُنَاسٍ نَدْعُوهم إِلَى اتِّبَاعِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؛ لِيَنْجُوا بِذَلِكَ مِن العَصَبِيَّةِ الْمَذْهَبِيَّةِ ، وَالغَبَاوَةِ الْحَيَوَانِيَّةِ ، فَيَأبَون عَلَيْنَا إِلَّا أَن يَسْتَمِرُّوا عَلَى عَصَبِيَّتِهم وَغَبَاوَتِهِم ... ، بَلْ وَيَدعُونَنَا وَالَّناسَ جَمِيعًا إِلَى أَن نُقَلِّدَهُم ؛ لِنَصِيرَ ضَالِّينَ أَغبيَاءَ مِثلَهم([160]).
    وَبالجُملَةِ: « كُلُّ مَنْ لَمْ تَسْتَفِدْ مِنْ صُحْبَتِهِ شَيْئًا فَتَرْكُهُ أَوْلَى ؛ وَكُلُّ مَنْ تَضُرُّك صُحْبَتُهُ فِي دِينِك فَتَرْكُهُ وَاجِبٌ ، وَكَذَا فِي دُنْيَاك ضَرَرًا لَهُ قِيـمَةٌ ؛ حَيْثُ كَانَ لَكَ مِنْهُ بُدٌّ، وَدَفْعُ الْمَضَارِّ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَنَافِعِ، وَيُدْفَعُ أَشَدُّ الضَّرَرَيْنِ بِأَخَفَّيْهِمَا» ([161])، وَكُنْتُ أَتَطَلَّعُ أَنْ أُذَيِّلَ هَذَه الْحَلقَاتِ بِبَحْثٍ يتعلّقُ بِـ :«التَّفْرِيقِ وَالهَجْرِ وَالتّهمْيشِ»، لكنّ- لِدَوَاعٍ مُوجِبَةٍ - اِختَصَرْتُ القَوْلَ ؛ فَاكَتَفَيْتُ بِخَصْلَةِ الكَذِب ؛ لأنَّهُ «أَقْوَى أَسبَابِ الْجَرْحِ»([162]).
    فَإِيَّاكَ وَالْكَذِبَ وَالْخِيَانَةَ ، وَمُجَالَسَةَ أَصْحَابِهَا ، فَإِنَّهَا وِزْرٌ كُلُّهُ([163])، ﴿ إِنَّ السّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْــؤُولًا ﴾، وَمَا كَانَ خُلُقٌ أَبْغَضَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْكَذِبِ([164])، لأَنَّهُ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ([165])، وقَرِينُ الشِّرْكِ([166])، ورَأْسُ الذُّنُوبِ، هُوَ يُؤَسِّسُهَا وَهُوَ يَتَفَقَّدُهَا ، وَيُثَبِّتُهَا ، وَيَتَلَوَّنُ ثَلَاثَةَ أَلْوَانٍ ، بِـ«ِالأُمْنِيَّةِ ، وَالْجُحُودِ ، وَالْجَدَلِ»، يَبْدُو لِصِاحِبِهِ بِالأُمْنِيَّةِ الكَاذِبَةِ، فِيـمَا يُزِيِّنُ لَهُ مِنَ الشَّـهَوَاتِ؛ فَيُشَجِّعُهُ عَلَيهَا بأَنَّ ذَلِكَ سَيْخْفَى ، فَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ قَابَلَهُ بِالْجُحُودِ وَالْمُكَابَرَةِ ، فَإنْ أَعْيَاهُ ذَلِكَ خَتَم بِالْجَدَلِ ، فَخَاصَـمَ عَنِ البَاطِلِ ، وَوَضَعَ لَهُ الْحُجَجَ وَالتْمَسَ بِهِ التَّثَبّتَ ، وَكَابَرَ بِه الْحَقَّ ؛ حَتَّى يَكُونَ مُسَارِعًا لِلضَّلَالَةِ ، وَمُكَابِرًا بِالفَوَاحِش([167]).
    فَالكَذِبُ نَوْعٌ مِنَ الفُحْشِ ، وَضَرْبٌ مِنَ الدَّنَاءَةِ([168])، وَعَلَامَةُ الْأَشْقِيَاءِ([169])وَجِمَاعُ كُلِّ شَرٍّ ، وَأَصْــــلُ كُلِّ ذَمٍّ لِسُوءِ عَوَاقِبِهِ ، وَخُبْثِ نَتَائِجِــــهِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْتِجُ النَّمِيــــمَةَ ، وَالنَّمِيـمَةُ تُنْتِجُ الْبَغْضَاءَ ، وَالْبَغْضَاءُ تَؤُولُ إلَى الْعَدَاوَةِ ، وَلَيْسَ مَعَ الْعَــــدَاوَةِ أَمْـنٌ ، وَلَا رَاحَةٌ ([170])، وإنَّ الكَذَّابَ لَا يَكُونَ أَخًا صَادِقًا ؛ لأنَّ الكَذَبَ الَّذِي يَجْري عَلِى لِسَانِه ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ فُضُولِ كَذِبِ قَلْبِهِ([171])، والكَذَّابُ ذُو الوَجْهَيْنِ لَا يُؤْتَمَنُ ، فَهُوَ يُحَالِفُكَ عَلَى عَدُوِّكَ ، وَيُحَالِفُ عَدُوَّكَ عَلَيْكَ([172]).
    وَاقْلِ الكَــذُوْبَ وقُرْبَهُ وَجِوَارَهُ ***** إِنَّ الكَذُوْبَ مُلَطِّخٌ مَنْ يَصْحَبُ([173])
    فَالْمَقْصُودُ : أنَّ الكَذِبَ يَقْبُحُ لِمَا يَتَعَلَّقِ بِه مِنَ الْمَضَــارِ([174])، وَيَتَضَاعَفُ جُرمُـــه بحَسَبِ مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ([175])، ومَا اِستُجْلِبَت مَفَاسدُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَضارُّهُمَا بِمثلِ الْكَذِبِ([176])، وَلَوْ لَمْ يَتْرُكِ العَاقِلُ ‌الكَذِبَ إلَاّ لِلمُرُوءَةِ لَكَانَ حَقِيقًا بِذَلِك([177])، وَقَدْ يَلْجَأ بَعْضُ نُقَّادَ الْحَدِيثِ إلى استِعمَالِ أَوْصَافٍ وَأَلفَاظ شَدِيدَةٍ قَاسِيَّةٍ ؛ غَيْرَةً مِنهُم عَلَى الدِّينِ ، وَتَحْذِيرًا مِن الكَذِبِ ، وَتَنْفِيرًا مِن أَهْلِهِ، مِن مِثْل قَولِهم : أكذَبُ مِنْ رَوْثِ حِمَارِ الدَّجَّالِ ، أكذَبُ مِن حِمَارِي هَذَا([178]).
    ومن قَوْلِ العَربِ :«سُبَّنِي ، وَاصْدُقْ»، يَقُول : لَا أُبَالِي أَنْ تَسُبَّنِي بِمَا أَعْرِفُهُ مِنْ نَفْسِي ؛ فَجَنِّبْنِي ‌الْكَذِبَ ، وَإِنْ كَانَ نَافِعًا ، وَعَلَيْك بِالصِّدْقِ ، وَإِنْ كَانَ ضَارًّا ، وَهَذَا خِلَافُ مَا قَالَ الْأَحْنَفُ «الصِّدْقُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِع عَجْزٌ»([179])، وَخِلَافُ مَا قَالَ الأَدِيبُ الطَّنْطاويُّ(ت:1420هـ) :"مَنْ جَرَّبَ أَنْ يَصْدُقَ يَوماً كَامِلاً رَأَى العَجَائِبَ ... فَجَاءَ في أَمْثَالِ [العَامَّةِ] الصَّادِقَةِ : «الكَذِبُ مِلحُ الرِّجَالِ» وَالعَيْبُ عَلَى الَّذِي يَصدُقُ "اهـ([180]).

    فَالوَجْـهُ الْخَامِسُ - الَّذِي يُصَحِّحُ قَولَ القائل :«الْكَذِبُ ‌حَيْضُ ‌الرَّجالِ»، في كَوْنِ الكَذِبِ الْمُحَرَّم ذا أَضْرارٍ وأَذًى ،﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ، وَكَذِلكَ يَجِبُ عَلَى العَاقِلِ أنْ يَعْتَزلَ الكَذَّابَ وَمَجَالسَه ؛ حَتَّى يَطْــهُرَ مِنْ الكَذِبِ ؛ لِأنَّ «الَّذِي يَزْدَادُ بِهِ العَاقلُ مِنْ نَمَاءِ عَقْلِهِ هُوَ التَّقَرُّبُ مِن أَشْكَالِهِ ، وَالتَّبَاعُدُ مِنْ أَضْدَادِهِ([181])، وَكَفَى بِالكذِبِ بِدعَةً ، وَلَا سِيَّمَا عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَمنهَجِهِم وَكُتُبِهم([182])، والكذَّابُ تَحْتَ أَهْلِ البِدَعِ فِي بَابِ الأَخْبارِ وَالشَّهَادَةِ([183])، وأَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْبَهِيـمَةِ الْعَجْمَاءِ([184])، ومُتَقَصِّدٌ لِلكَذِبِ عَلَى العُلَمَاءِ ، وَعَلَى العِلمِ وَعَلَى قَوَاعِدِ الإسْلاَمِ([185])، وَقد عَقَدَ ابنُ عُدَيٍّ فِي (الكَامِلِ) حَوَالِي تِسْعَةً وَعِشْريِنَ بَابًا لِلكَذَّابِينَ ، وَبَابًا وَاحِدًا لأَهْلِ البِدَعِ ، وَقَبِلَ أَهْلُ السنَّةِ رِوَايَةَ أَهْلِ البِدَعِ الصَّادِقِينَ ، غَيْرِ الدُّعَاةِ([186]).
    وإنَّ الَّذِي يُدَافِعُ عَنِ الْحَقِّ وَمَنْهَجِ السَّلَفِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الكَذِبِ([187])، وَأهلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ لَا يَرْضَونَ بِه ، وَلَو وَافَقَ أَهْوَاءَهُم ، فَكَم قَدْ رُوِيَ لَهُم من فَضَائِلِ أَبي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَعُثْمَان؟! بَلْ وَمُعَاوِيَةَ ... وَلَمْ يَقْبَلِ مِنْـهَا عُلَمَاءُ الْحَدِيث شَيْئًا ، وَيُبَيِّنُونَ الْكَذِبَ مِنْهُ ، بَلْ إِذا كَانَ فِي إِسْنَاد الْحَدِيث وَاحِدٌ مَجْهُولُ الْحَال تَوَقَّفُوا فِي الْحَدِيثِ([188])، لكنَّ الْحَدَّادِيَّةَ لَا يَضُـرُّ عِنْدَهُم الأكَاذِيبُ وَالْخِيَانَاتُ، وَالفُجُورُ فِي الْخُصُومَةِ ، بَلْ يَرْتَفِعُ عِنْدَهُم مَنْ يَفْعَلُ هَذِهِ الأَفَاعِيلَ، وَيُوَالُونُ وَيُعَادُونَ مَنْ أَجْلِهِ ، فَكَفَاهُم هَذا خِزْيًا وَضَلَالاً ، فَهُم يُشَابِهُونَ غُلاَةَ الْمُرْجِئَةِ فِي قَوْلِهم : ... "لَا يَضُرُّ مَعَ الإيمانِ ذَنْبٌ([189]).
    أيُّهَا الْمُحبُّ الصَّدِيقُ ، اِحْذَرْ أَنْ تَتَلوَّثَ بِأخلاق الصَّعَافِيقِ، فَأَنْصِفِ أُذُنَيْكَ مِنْ فِيك ، فإنَّما جُعلَ لَك أُذُنَان ، وفَمٌ وَاحِدٌ ، تَسْمَعُ أَكثرَ ممَّا تَقولُ
    ([190])، وَلَا تَضْغَطْ عَلَى عَكَدِ اللِّسَانِ ، وَلَا تَضُمّْ شَفَتَيْكَ ، وَلَا تَفْتَحْ فَاكَ نَاطِقًا ، إِلَّا عَلَى حُرُوفٍ تُعِبِّرْ عَنْ إِحْسَاسِكَ الصِّادِقِ فِي البَاطِنِ ... وَاحْذرْ أَنْ تَحُومَ حَوْلَكَ الظُّنُونَ ؛ فَتَخُونَكَ العِزِيـمَةُ فِي صِدْقِ اللَّهْجَةِ ؛ فَتُسَجَّلَ فِي قَائِمَة الكَذَّابِينَ ... اِحْذَرْ أَنْ تَمْرُقَ مِنَ الصِّدْقِ إِلَى الْمَعَارِيضِ ، فَالكَذِبِ ، وَأَسْوَأُ مَرَامِي هَذَا الْمُرُوقِ «الكَذِبُ فِي العِلمِ»([191])، ومَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْذِبَ فَلْيُبْعِدْ شَاهِدَهُ([192])،﴿ وَكَفَى بالله شهيدًا﴾ .
    وَإذَا أُصِيبَ القَوْمُ فِي أَخْلَاقِهِم ***** فَأَقِمْ عَلَيـهم مَأْتَمًا وَعَويلًا([193])
    وقِيلَ: مَنْ قَلَّ صِدْقُهُ قَلَّ صَدِيقُهُ([194])، ومَنْ يَحْتَرِفْ زُخْرُفَ القَوْلِ ، فَهُوَ أَخُو السَّاحِرِ، وَلَا يُفُلِحُ السَّاحِـــرُ حَيْثُ أَتَى([195])، ويَعِيشُ لِهَذَا «الضَّربِ الهَابِطِ» إِلَى الدَّرَكَاتِ حَمَلَةُ الشُّعَاعِ الهَابِطِ مِنْ فَوْقِ سَبْع سَـمَاوَات ، فَمَا مِنْ فِرْيَةٍ يَقُومُ مُتَعَالِمٌ بِاخْتِرَاعِهَا إِلَّا وَيَبْتَدِرُهَا عَالِمٌ لافْتِرَاعِهَا ؛ فَتَتَـهَاوَى أَسْمَاؤُهُم أُفُقَ الوَاقِعِ ضَحَايَا لأَهْلِ السُّنَّةِ([196])، وَ﴿‌تَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ﴾؟! .
    فإنْ ﴿ قالُوا سَــوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ ﴾ فأنتُمْ أَخَسُّ مِنَ الْحَــــدَّاديَّةِ ، وأَنتُمْ مُفرِّقَةٌ ، وَذَوو عَصَبيَّيةٍ ، وَأنتم ، وَأنتم .. إلَخ ، فَقَدْ قَالَ ابنُ حَزمٍ(ت:456هـ):"انْصَــحْ سِرًّا ، لَا جهْرًا ، وَبِتَعْرِيضٍ ، لَا تَصْريـح ، إِلَّا أَنْ لَا يَفْهَمَ الْمَنصُوحُ تَعْرِيضَكَ ، فَلَابُد من التَّصْرِيح ، وَلَا تَنْصَحْ عَلَى شَرْطِ الْقَبُولِ مِنْكَ، فَإِنْ تَعَدَّيْتَ هَذِه الْوُجُوهَ، فَأَنْتَ ظَالِمٌ ، لَا نَاصحٌ ، وَطَالِبُ طَاعَةٍ وَمُلكٍ ، لَا مُؤَدِّي حَقّ أَمَانَةٍ وَأُخُوَّةٍ ، وَلَيْسَ هَذَا حُكمَ الْعَقْلِ ، وَلَا حُكْمَ الصَّدَاقَةِ ، لَكِنّ حُكمُ الْأَمِير مَعَ رَعِيَّتِهِ ، وَالسَّيِّدِ مَعَ عَبِيدِهِ ، لَا تُكلّفْ صَدِيقَكَ ، إِلَّا مِثْلَ مَا تَبْذُلُ لَهُ مِنْ نَفْسِكَ ، فَإِنْ طَلَبْتَ أَكثَرَ فَأَنْتَ ظَالِمٌ "اهـ([197]).
    وقِيلَ للْمُزَنِيّ: فُلَانٌ يُبْغِضُك ، فَقَالَ :"لَيْسَ فِي قُرْبِهِ أُنْسٌ ، وَلَا فِي بُعْدِهِ وَحْشةٌ "اهـ([198])، وَقَالَ الشَّيْخُ الوَالِدُ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَزْهَرُ سنيقرةُ - ثَبَّتَهُ اللهُ علَى الْحَقِّ -:" قَالَ أَحَدُهُم :«يَمْحُو اللهُ مِنْ حَيَاتِكَ أَشْخَاصًا ؛ رَحْمَةً بِكَ ، فَلَا تَبْحَثْ عَنْهُم»، فَاللَّهُمَ ارْزُقْنَا مَحَبَّةَ الأَبْرَار ، وَجَنِّبْنَا مُصَاحَبَةَ الأَشْرَارِ، وَبَاعِدْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُم كَمَا بَاعَدتَ بَيْن السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، الَّذِينَ يُظْهَرُونَ لَكَ الوُدَّ ، وَيُضْمِرُونَ الْحِقْدَ "اهـ([199])، آمين ، آمين ، آمين ، وَ﴿الْحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ﴾ .
    * * *




    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (
    [1])صوتية ( تفسير سورة النساء ، ابن عثيمين الشريط 13 الوجه الثاني ) موقع أهل الحديث والأثر .

    ([2])متفق عليه (مشكاة المصابيح رقم 2572) ولي الدين التبريزي (المتوفى: 741هـ)، تحقيق محمد الألباني(ت:1420هـ).
    ([3])(تاج العروس 18/314) مرتض ىالزَّبيدي (ت:1205هـ)
    ([4])(رحلة الشتاء والصيف ص209 ) محمد الحسيني المولوي المعروف بـ كِبْرِيت (ت ١٠٧٠هـ)
    ([5])( الفردوس بِمأثور الخطاب 3/315 رقم : 4953] أبو شجاع الديلميّ الهمذاني (ت:509 هـ)، ( جمع الجوامع ، المعروف بـ «الجامع الكبير» 4/106 ) جلال الدين السيوطي (ت:911هـ)، قال محققو جمع الجوامع : لم نجده عند غيره ، ولفظه غريب على الأسلوب الرفيع لأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والديلمى لا يتحفظ في رواياته .
    ([6])(مجمع الأمثال 1/265 رقم :1395 ) أبو الفضل الميداني(ت:518هـ)
    ([7])مقال الكتروني بعنوان :(خَرْطُ القَتَاد (صورة جديدة)) د. يوسف عبدالله الجوارنة
    ([8])(أدب الدنيا والدين ص262 ) أبو الحسن الماوردي (المتوفى: 450هـ)
    ([9]) (التنكيل بما في لجاج أبي الحسن من الأباطيل ص 15 ) العلامة ربيع بن هادي .
    ([10])(رد الصارم المصقول ص 22 ) العلامة ربيع بن هادي
    ([11])( صحيح البخاري ، رقم: 304 -) شرح وتعليق د. مصطفى ديب البغا .
    ([12])مقطع صوتي بعنوان (معنى نقص العقل والدين عند النساء) من أجوبة ابن باز(ت:1420هـ)( مفرغ موقع الإمام ابن باز)
    ([13])(الذريعة ص196 ) الراغب الأصفهانى (ت: 502هـ)
    ([14])(روضة العقلاء 1/53 ) أبو حاتم ابم حبان البُستي (المتوفى: 354هـ)
    ([15])(جمهرة الأمثال 2/396 رقم : 1897 ) أبو هلال العسكري (ت نحو ٣٩٥هـ)
    ([16])(مسند ابن الجعد رقم : 3083 ) علي بن الجَعْد البغدادي (ت: 230هـ)
    ([17]) (الآداب الشرعية 1/37 ) بن مفلح الحنبلي (المتوفى: 763هـ)
    ([18]) (فضل علم السلف على الخلف ) ابن رجب الحنبلي (المتوفى: 795هـ)
    ([19]) (موارد الظمآن 4/176 ) عبد العزيز السلمان (المتوفى: 1422هـ)
    ([20])(أدب المجالسة ص54 ) أبو عمر ابن عبد البر (المتوفى: 463هـ)
    ([21]) (جناية أبي الحسن على الأصول السلفية ص 5 ) العلامة د/ ربيع بن هادي
    ([22]) (التنكيل بما في لجاج أبي الحسن من الأباطيل ص 1 ) العلامة د/ ربيع بن هادي
    ([23]) ( التَّحْذِيْر مِن الشَّر ص 20 ) العلامة د/ ربيع بن هادي
    ([24]) وقد تقدم في الحلقة 11 (الغُلُوَّ الْجَائِحَ ، في الفَايْسبُوكِيّ الثَّرْثارِ العَابِطِ الْصَّائِـحِ )
    ([25])(مجموع الفتاوى 3/240 ) ابن تيمية (المتوفى: 728هـ)
    ([26]) " ترهات كربوز " لخالد حمودة ، منتديات ( التصفية و التربية ) .
    ([27])باعتبار أول رد كتبه الشيخ جمعة بعنوان (رسالة إلى خالد حمودة ومن كان على شاكلته )
    ([28]) (شرح رياض الصالحين 2/560 ) محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ)
    ([29])( الفوائد ص 173 ) ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)
    ([30])(الجواب الكافي ص 158) ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)
    ([31]) ( الْمُدهِشُ ص33 ) محمد مرابط ، منتديات (التصفيةو التربية ) كان في ذي القعدة 1439هـ
    ([32])من مثل: ( التَّنْكيلُ بِمَا كَتَبَه مُرِيدُ لَزَهَرِ (بويرَانَ ) مِنَ الأباطيل في 09/05/1440هـ) ، ( مَلْحُوظَاتٍ سَرِيعَةٍ عَلَى مَقَالَةِ بويرَانِ الشَّنِيعَةِ- في: 09/ 06 /1440 ) .
    ([33]) (كشف أكاذيب وتحريفات وخيانات فوزي البحريني الموصوف زورا بالأثري ص 7 ) العلامة د. ربيع بن هادي
    ([34])(نصيحة نافعة إلى كُتَّاب شبكة سحاب السَّلفية ص1 ) العلامة د. ربيع بن هادي
    ([35])جمعت في كتاب ( المجموع الواضح في رد منهج وأصول فالِح) 444 صفحة
    ([36])(الفوائد ص 136 ) ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)
    ([37]) (مفتاح دار السعادة 1/298 ) ابن قيم الجوزية (ت: 751هـ)
    ([38])(الأدب الصغير والأدب الكبير ص 122) عبد الله بن المقفع (المتوفى: 142هـ)
    ([39]) (التمسُّك بالكتاب والسنَّة على فهم السَّلف الصالح ص 8 ) العلامة ربيع بن هادي .
    ([40]) (أجوبة فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي السلفية على أسئلة أبي رواحة المنهجية ص31 ) .
    ([41]) (التنكيل بما في لجاج أبي الحسن من الأباطيل ص 15 ) العلامة ربيع بن هادي .
    ([42]) (التعصب الذميم ص5 ) العلامة د. ربيع بن هادي .
    ([43]) (فتاوى في العقيدة والمنهج (الحلقة الثالثة) ص25) العلامة د. ربيع بن هادي .
    ([44])(تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) 6/124 ) محمد رشيد رضا (ت: 1354هـ)
    ([45]) (مجمع الأمثال 2/169) أبو الفضل الميداني (المتوفى: 518هـ)
    ([46]) (الآداب الشرعية والمنح المرعية 1/37 ) بن مفلح الحنبلي (المتوفى: 763هـ)
    ([47])(الثرثرة بالمعرفة !) سليمان الطعاني ( مقال الكتروني )
    ([48])(إغاثة اللهفان 1/34 ) ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)
    ([49])(الجواب الكافي 197 ) ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)
    ([50])(العقد الفريد 2/303) ابن عبد ربه الأندلسي (ت : ٣٢٨هـ)
    ([51])انظر (جامع الأحاديث رقم : 23701 ) جلال الدين السيوطي (ت ٩١١هـ)
    ([52]) ( موارد الظمآنِ 4/82 ) عبد العزيز السلمان (ت: 1422هـ)
    ([53]) ( الْمُدهِشُ ص03 ) محمد مرابط ، منتديات (التصفيةو التربية ) كان في ذي القعدة 1439هـ
    ([54])( من القلب إلى القلب ص 8 ) العلامة د. ربيع بن هادي
    ([55]) (هَوَس الكَذِب... قهريّ أم اختياريّ؟ ) موقع ( الرأي) الإلكتروني .
    ([56])(النهج الثابت الرشيد في إبطال دَعَاوَى فالح )
    ([57])( الاختلاف في اللَّفظ والرد على الجهمية ص: 20 ) لابن قتيبة (ت:276هـ)
    ([58]) (عيوب النفس ص 16 ) أبو عبد الرحمن السلمي (المتوفى: 412هـ)
    ([59]) (مفاتيح الغيب 18/ 516) فخر الدين الرازي (ت: 606هـ)
    ([60]) ( موارد الظمآنِ 4/82 ) عبد العزيز السلمان (المتوفى: 1422هـ)
    ([61])(إعانة المستفيد 1/363 ) العلامة د صالح بن فوزان الفوزان
    ([62]) (التنكيل بما في لجاج أبي الحسن من الأباطيل ص 16 ) العلامة د/ ربيع بن هادي .
    ([63]) ( غريب الحديث ) 3/118- الخطابي ( المتوفى: 388ه )
    ([64]) هذا عنوان لِمقال نشره موقع (الْجمهورية) الإلكتروني في :07/12/2020م ،كتبه د. عزة قاعود .
    ([65]) (الفتاوى الكبرى لابن تيمية 1/191) ابن تيمية (ت: 728هـ)
    ([66])هذا الفقرة من كلام عمر بن ربيع المدخلي - أصلحه الله حاله - ، ذكره انتصارا للصعافقة وشيوخهم ، فجعلته عليهم ، ( تغريدة في 23/03/2021م من حساب متابع السلفيين)
    ([67]) (مجموع الفتاوى 22/608) ابن تيمية (ت:728هـ)
    ([68])(نظم اللآل ص45) عبد الله فكري «باشا» (ت:1306هـ)
    ([69])(عيوب النفس ص29) أبو عبد الرحمن السلمي (المتوفى: 412هـ)
    ([70]) (التنكيل بما في لجاج أبي الحسن من الأباطيل ص 15 ) العلامة ربيع بن هادي .
    ([71])(الذريعة إلى مكارم الشريعة ص196) بالراغب الأصفهانى (المتوفى: 502هـ)
    ([72])( شرح حلية طالب العلم ص 219- 220 ) محمد صالح العثيمين ( ت:1420هـ)
    ([73])(بهجة المجالس وأنس المجالس ص127) ابن عبد البر القرطبي (ت: 463هـ)
    ([74])الذريعة إلى مكارم الشريعة ص196) أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (المتوفى: 502هـ)
    ([75])(سراج الملوك ص57 ) أبو بكر الطرطوشي المالكي (ت: 520هـ)
    ([76])(نصيحة للسلفيين جلسة 07 ) العلامة ربيع بن هادي
    ([77]) (التعصب الذميم ص5 ) العلامة ربيع بن هادي
    ([78])(مفاتيح الغيب= التفسير الكبير27/ 469) قَال الفوزان:"تفسير الرازي أغلبه مبني على علم الكلام والمنطق والجدال فيه أشياء كثيرة منتقدة عليه ، ولكن لا يمنع أين يكون مع هذا فيه بعض الفوائد ، فطالب العلم المتمكن يقرأ فيه ، ليستفيد فيه مما فيه من الفوائد ، ويتجنب ما فيه من الأخطاء "( مقطع يوتيوب بعنوان يسأل عن تفسير الرازي ) .
    ([79])(تبيين الحقائق للسالك لِتَوقِّي طُرُق الغواية وأسبابِ المهالك ) العلامة د / محمد فركوس
    ([80])( إزهاق أباطيل عبد اللطيف باشميل ص25 ) العلامة ربيع بن هادي .
    ([81])( التعالُم 58 ) بكر بن أبو زيد(ت: 1429هـ)
    ([82]) (نمط صعب نمط مخيف ص352) محمود شاكر (ت:1418هـ)
    ([83]) (آثَارُ الإِمَام مُحَمَّد البَشِير الإِبْرَاهِيمِي "1/126 )
    ([84]) (كشف أكاذيب وتحريفات وخيانات فوزي البحريني ص103 ) العلامة ربيع بن هادي .
    ([85])( التعصب الذميم ص2) العلامة د/ ربيع بن هادي
    ([86])(إحياء علوم الدين 3/156 ) الَغَزَّالِيُّ(ت:505هـ)
    ([87])(الفتاوى 3/ 185 ) ابن تيمية (ت:728هـ)
    ([88])(حقيقة المنهج الواسع عند أبي الحسن ص23 ) للعلامة د. / ربيع بن هادي
    ([89])(العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم ص 10 ) العلامة د/ ربيع بن هادي - .
    ([90])( كشف زيف التصوف ص 20 ) العلامة د/ ربيع بن هادي
    ([91])(كشف أكاذيب وتحريفات وخيانات فوزي البحريني ص166 ) للعلامة د. / ربيع بن هادي
    ([92]) ( كشف أكاذيب وتحريفات وخيانات فوزي البحريني ص25 ) العلامة د/ ربيع بن هادي
    ([93]) (كلمة في التوحيد: .. وتعليق على بعض أعمال الحدادية الجديدة ص 16 ) العلامة د/ ربيع بن هادي .
    ([94])قَالَه في سنة 1425 ( أسئلة وأجوبة على مشكلات فالح ص 18 ) العلامة د/ ربيع بن هادي .
    ([95]) كتبوا افصلا بعنوان (مفارقة الدكتور ربيع لكبار العلماء – نشأة و أثرًا- ماضيًا و حاضرًا" ( انظر: ص 55 ) من كتاب صنَّفه مشرفو منتديات كل السلفيين تحت إشراف الحلبي ، ولم يطبع بعد – فيما أعلم - ، ولا نذكر اسمه حتى لا يرجع إليه
    ([96])صوتية ( كلمة موجهة لطلاب العلم بمدينة رداس التونسية دقيقة 54 / 57 ثانية) إصدار "زدني العلمية "
    ([97]) صوتية مفرغة للشيخ محمد (نصيحة غاية في الأهمية) منتديات التصفية والتربية .
    ([98]) (صوتية للشيخ محمد بن هادي ، سؤال موجه من الشيخ لزهر)، فرغه (وسيم بن أحمد قاسيمي) .
    ([99])(مقولة (نحن مع العلماء الكبار) عند بعض الشباب و أحوال القائلين لها / العلَّامة عبيد بن عبد الله الجابري شبكة (الأمين السلفية )، منتديات الآجري .
    ([100]) (بيان أهل السنة بالشلف في الانتصار لمذهب السلف ) ، (موقفنا من الفتنة الحاصلة ) منتديات (التصفية والتربية ) .
    ([101]) (بيان إحقاق الحق ) ، (حوار هادئ مع الشيخ الدكتور محمد علي فركوس –وفقه الله- 02 ) محمد مرابط.
    ([102]) بيان ( براءة الذمة ) في رجب 1439/مارس2018
    ([103])( كلمة في التوحيد: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ) ... ص17 ) العلامة ربيع بن هادي .
    ([104])صوتية (هيئة كبار العلماء: تعريف بها، والرد على التهم الموجهة إليها : الدقيقة 16 والثانية 11 ) الشيخ د/ صالح العصيمي
    ([105])(أدب الدنيا والدين ص340 ) الماوردي (ت: 450هـ)
    ([106])(عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين 52 ) ابن قيم الجوزية 691هـ/751هـ ) .
    ([107]) (لماذا لم تظهر أخطاء الدكتور فركوس قبل الفتنة ؟ ) .
    ([108]) (إزهاق أباطيل عبد اللطيف باشميل ص 11 ) د . العلامة الشيخ ربيع بن هادي
    ([109])(كشف أكاذيب وتحريفات وخيانات فوزي البحريني 43 ) للعلامة د. / ربيع بن هادي
    ([110])(كشف أكاذيب وتحريفات وخيانات فوزي البحريني ص166 ) للعلامة د. / ربيع بن هادي
    ([111])(تفسير القرآن العظيم 4/172 ) ابن كَثيرٍ (ت:774هـ)
    ([112]) (محاسن التأويل 8/57 ) محمد جمال الدين القاسمي (ت: 1332هـ)
    ([113]) إزهاق أباطيل عبد اللطيف باشميل العلامة د ربيع بن هادي .
    ([114]) (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية لبعض علماء نجد الأعلام (الجزء الثالث) ص162 )عَبدُ اللَّطِيفِ آل الشَّيخِ(ت:1293هـ).
    ([115]) باختصار من (موارد الظمآن لدروس الزمان 4/176 ) عبد العزيز السلمان (المتوفى: 1422هـ)
    ([116]) (إحياء علوم الدين 2/231 ) أبو حامد الغزالي (ت: 505هـ)
    ([117]) (رد الشيخ أحمد بن يحيى النجمي على كتاب رفقاً أهل السنة بأهل السنة للشيخ عبدالمحسن العباد)
    ([118]) ذكر هذا في موضعين تقريظا للكتابين ( الدرر السنية في ثناء العلماء على المملكةالعربية السعودية ) ، ( السنة فيما يتعلق بولي بولي الأمة ) ، ومنشورة في الأنترنت بخط يده
    ([119]) ( اللاليء الدرية في جمع الأسانيد النجمية ص145) .
    ([120]) ذكر هذا في موضعين تقريظا للكتابين ( الدرر السنية في ثناء العلماء على المملكةالعربية السعودية ) ، ( السنة فيما يتعلق بولي بولي الأمة )
    ([121]) ( عمدة الأبيّ في ردِّ تأصيلات وضلالت علي الْحلبيّ ص 621 ) العلامة ربيع بن هاي .
    ([122]) انظر صور هذه الإجازات والتزكيات في موقع (إذاعة السنة) .
    ([123])(النهج الثابت الرشيد في إبطال دَعَاوَى فالح ..- الحلقة الأولى) العلامة د. / ربيع بن هادي
    ([124])(أدب الطلب ومنتهى الأدب ص64 ) محمد الشوكاني اليمني (ت: 1250هـ)
    ([125])(رسائل السنة والشيعة لرشيد رضا ص 101 ) محمد رشيد بن علي رضا (ت: 1354هـ)
    ([126]) (الشيخ محمد بن عبد الوهاب المجدد الـمفترى عليه ص 56 ) أحمد بن حجر بو طامي (ت : 1423هـ).
    ([127])(مجموعة الرسائل النجدية 1/ 333 ).
    ([128])(كشف أكاذيب وتحريفات وخيانات فوزي البحريني 43 ) للعلامة د. / ربيع بن هادي المدخلي – حفظه الله - .
    ([129])(التعصب الذميم وآثاره ص29) العلامة ربيع بن هادي .
    ([130])صوتية بصيغة (يوتيوب)
    ([131])(البيان والإشهار لكشف زيغ الملحد الحاج مختار ص253 )
    ([132])(البيان والإشهار لكشف زيغ الملحد الحاج مختار ص243 )
    ([133])(الجامع لأحكام القرآن 1/78) أبو عبد الله القرطبي (ت: 671هـ)
    ([134])(القائد إلى تصحيح العقائد ص 248 ) عبد الرحمن المعلمي (المتوفى: 1386هـ)
    ([135]) من وصايا ابي الدرداء رضي الله عنه ( روَاهُ الخَرَائِطِيُّ في مكارم الأخلاق ) .
    ([136])(مجمع الأمثال 1/402 ) أبو الفضل الميداني (المتوفى: 518هـ)
    ([137])(العقد الفريد 2/303) ابن عبد ربه الأندلسي (ت : ٣٢٨هـ)
    ([138])(روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ص 121 ) محمد بن حبان أبو حاتم البُستي (المتوفى: 354هـ)
    ([139]) (شعب الإيمان 11/28 ) أبو بكر البيهقي (ت: 458هـ)
    ([140]) (أخبار الحمقى والمغفلين ص 36) ابن الجوزي (ت: 597هـ)
    ([141]) ( طرائف ومسامرات ص 55 ) جمع محمد رجب البيومي
    (142]) لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ يَستَطِبّ بِهِ ***** إلاّ الْحَمَاقَة أَعيت من يُدَاوِيـها ( الْمتنبي )..
    ([143]) والجهل داء قاتل وشفاؤه ... أمران في التركيب متفقان (متن القصيدة النونية 1/265 ) ابن قيم الجوزية (ت: 751هـ)
    ([144])اللؤمُ داءٌ في النفوس عياءُ ***** لَم يَشفِ منه سِوى الْحِمَامِ دَوَاءُ ( ديوان معروف الرَّصافي ص 908 )
    ([145])( حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 6/361 )
    ([146])(فتاوى في العقيدة والمنهج (الحلقة الأولى) ص 33 ) العلامة د/ ربيع بن هادي
    ([147])( التعصب الذميم ص6) للعلامة د . ربيع بن هادي
    ([148]) ( التعصب للشيوخ ) لأبي عبد الأعلى المصري – قرأه وقدم له العلامة حسن البنا - ص 25 قَال .
    ([149])( حلية طلب العلم ص 171) بكر بن عبد الله أبو زيد (ت ١٤٢٩هـ)
    ([150])من انظر ( حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 6/361) ابو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت ٤٣٠ هـ)
    ([151])(حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 3/361 ) أبو نعيم الأصبهاني (ت ٤٣٠ هـ)
    ([152])( الدرر السنية في الأجوبة النجدية 10/ 488)
    ([153]) (جمهرة المقالات ص 579 ) بَكْـرٌ أَبُو زَيْدٍ (ت:1429هـ)
    ([154])(الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة 2/767 ) ابن قيم الجوزية ت/751)
    ([155])(أدب الدنيا والدين ص 21 ) أبو الْحسن الماوردي (المتوفى: 450هـ)
    ([156]) (حلية طالب العلم ص 91 ) بَكْـرٌ أَبُو زَيْدٍ (ت:1429هـ)
    ([157]) (الأدب الصغير والأدب الكبير ص 91 ) عبد الله بن المقفع (ت:142هـ )
    ([158])(فتح القدير2/318 ) محمد الشوكاني (ت: 1250هـ)
    ([159]) (النكت والعيون 2/288 ) أبو الحسن الْمَاوردي (ت: 450هـ)
    ([160])(الآيات البينات في عدم سماع الأموات على مذهب الحنفية السادات ص9 ) تحقيق الألباني .
    ([161])(غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب 2/486 ) : شمس الدين السفاريني الحنبلي (المتوفى : 1188هـ)
    ([162]) (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة 1/93 ) محمد ناصر الدين الألباني (ت:1420هـ
    ([163]) (حلية الأولياء7/82 ) أبو نعيم الأصبهاني (ت: 430هـ)
    ([164])(سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها 5/80، رقم 2052 ) الألباني (ت: 1420هـ)
    ([165])(الزهد رقم: 812 ) أحمد بن حنبل (المتوفى: 241هـ)
    ([166]) (درء تعارض العقل والنقل 6/397 )ابن تيمية (ت:728هـ)
    ([167])(الأدب الصغير والأدب الكبير ص41) عبد الله بن المقفع (المتوفى: 142هـ)
    ([168])(سراج الملوك ص57 ) أبو بكر الطرطوشي المالكي (ت: 520هـ)
    ([169])(تنبيه الغافلين ص160) أبو الليث السمرقندي (المتوفى: 373هـ)
    ([170])(أدب الدنيا والدين ص 261 ) أبو الحسن الماوردي (المتوفى: 450هـ) .
    ([171])(الأدب الصغير والأدب الكبير ص105) عبد الله بن المقفع (المتوفى: 142هـ)
    ([172])(نظم اللآل في الحكم والأمثال ص 47 ) عبد الله فكري «باشا» (ت ١٣٠٦هـ)
    ([173])(مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرار 3/193) أبو محمد عبد العزيز السلمان (المتوفى: 1422هـ)
    ([174])(الذريعة إلى مكارم الشريعة ص194) الراغب الأصفهانى (المتوفى: 502هـ)
    ([175]) (شرح رياض الصالحين 6/162 ) محمد بن صالح العثيمين (المتوفى: 1421هـ)
    ([176])(الفوائد ص 136 ) ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)
    ([177])(نظم اللآل في الحكم والأمثال ص45 ) عبد الله فكري «باشا» (ت ١٣٠٦هـ)
    ([178]) مقطع بعنوان ( من ألفاظ الجرح الشيديد ...) للشيخ محمد رسلان - فرغه أبو هريرة موسى بختي -
    ([179])(جمهرة الأمثال 1/509 ، رقم : 924 ) أبو هلال الحسن العسكري (ت نحو ٣٩٥هـ)
    ([180])(‌‌في سبيل الإصلاح : علي الطنطاوي)(مجلة الرسالة العدد 236/33 ) أحمد حسن الزيات باشا (ت ١٣٨٨هـ) .
    ([181]) (روضة العقلاء ونزهة الفضلاء 1/25 ) ابْنُ حِبَّانِ (ت: 354هـ)
    ([182]) (براءة الأمناء مما يبهتهم به أهل المهانة والخيانة الجهلاء ص 27 )
    ([183])(كشف أكاذيب وتحريفات وخيانات فوزي البحريني ص 103)
    ([184]) (مجموع الفتاوى 20/74 ) ابن تيـمية (ت: 728هـ)
    ([185]) ( بهجة القاري ص: 103 ) العلامة د. ربيع بن هادي
    ([186]) (الثبات على السنة ص 30 ) العلامة د. ربيع بن هادي
    ([187]) (التنكيل بما في لجاج أبي الحسن من الأباطيل ص15 ) العلامة ربيع بن هادي
    ([188])(المنتقى من منهاج الاعتدال 480 ) الذهبي (المتوفى: 748هـ)
    ([189]) (كشف أكاذيب وتحريفات وخيانات فوزي البحريني ص103 ) العلامة ربيع بن هادي .
    ([190])(العقد الفريد 2/302) ابن عبد ربه الأندلسي (ت : ٣٢٨هـ)
    ([191])(حلية طالب العلم ص183 ) بكر أبو زيد (ت:1429هـ)
    ([192])(الأمثال المولدة ص313) محمد بن العباس الخوارزمي، أبو بكر (ت ٣٨٣هـ)
    ([193])من ديوان الشاعر أحمد شوقي .
    ([194])(أدب الدنيا والدين ص 261 ) أبو الحسن الماوردي (المتوفى: 450هـ) .
    ([195])(حلية طالب العلم ص183 ) بكر أبو زيد (ت:1429هـ)
    ([196])(التعالـم ص67 ) بكر بن عبد الله أبو (ت:1429هـ)
    ([197]) (الأخلاق والسير في مداواة النفوس ص46 ) أبو محمد ابن حزم الظاهري (ت: 456هـ)
    ([198]) (الآداب الشرعية والمنح المرعية 3/575 ) ابن مفلح الحنبلي (ت: 763هـ)
    ([199]) تويتر الشيخ لزهر في( 14/02/2022 ) .
    الملفات المرفقة
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2022-03-12, 08:58 PM.

  • #2
    جزاك الله خيرا أخي عبد الرحمان وبارك فيك

    تعليق

    الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
    يعمل...
    X