إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الاعتراض على رب العالمين مسلك إبليس أبي الشياطين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الاعتراض على رب العالمين مسلك إبليس أبي الشياطين

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الاعتراض على رب العالمين!
    مسلك إبليس أبي الشياطين
    ــ . ــ


    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
    أما بعد:
    فالاعتراض على شرع الله تعالى وعلى أوامره ونواهيه وعلى حكمه وعلى قضائه وقدره يصدر من عقول مريضة قدمت العقل على النقل -نصوص الشريعة-، والواجب التسليم للنص الشرعي هو طريق المؤمنين.
    قال الله سبحانه: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة}[الأحزاب: 36].
    وقال الله تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون}[النور: 51].
    ومن اعترض على الله تعالى وعلى شرعه فهو على خطر عظيم، ويكون حاله كحال إبليس الذي قال معترضاً على أمر ربه: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِى مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف: 12] .
    قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة)) (4/ 1561-1562): ((فالمعظم لأمر الله يجري الأوامر والنواهي على ما جاءت لا يعللها بعلل توهنها وتخدش في وجه حسنها فضلا عن أن يعارضها بعلل تقتضي خلافها فهذا حال ورثة إبليس والتسليم والانقياد والقبول حال ورثة الأنبياء؟)) اهـ.

    فإبليس أول من اعترض على الله عز وجل.
    قال أبو الحسن الأشعري رحمه الله في ((رسالة إلى أهل الثغر)) (ص: 154): ((هذه الآية تبين أن إبليس هو أول مخلوق اعترض على الله في حكمه وفعله، وأن من فعل فعله فقد سلك طريقه واتبع هواه)) اهـ.
    وقال الشهرستاني رحمه الله في ((الملل والنحل)) (1/ 14): ((اعلم أن أول شبهة وقعت في الخليقة: شبهة إبليس لعنه الله، ومصدرها استبداده بالرأي في مقابلة النص، واختياره الهوى في معارضة الأمر، واستكباره بالمادة التي خلق منها وهي النار على مادة آدم عليه السلام وهي الطين)) اهـ.
    وقال ابن الجوزي رحمه الله في ((صيد الخاطر)) (ص: 377): ((فإن أول من اعترض بعقله إبليس، رأى فضل النار على الطين، فأعرض عن السجود.
    وقد رأينا خلقًا كثيرًا، وسمعنا عنهم أنهم يقدحون في الحكمة؛ لأنهم يحكمون العقول على مقتضاها، وينسون أن حكمة الخالق وراء العقول.
    فإياك أن تفسح لعقلك في تعليل، أو أن تطلب له جواب اعتراض، وقل له: سلم تسلم، فإنك لا تدري غور البحر، إلا وقد أدركك الغرق قبل ذلك، هذا أصل عظيم، متى فات الآدمي، أخرجه الاعتراض إلى الكفر)) اهـ.

    والاعتراض على قسمين:
    أولا: الاعتراض على نصوص الشرع.
    ثانيا: الاعتراض على أقدار الله تعالى.
    قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة)) (4/ 1562): ((إن المعترضين على الرب سبحانه قسمان قسم اعترضوا عليه في أمره ونهيه وقسم اعترضوا عليه في قضائه وقدره وربما اجتمع النوعان في حق المعترض وقد ينفرد أحدهما وإبليس ممن جمع النوعين فاعترض أولا عليه في أمره له بالسجود لآدم وزعم أنه مخالف للحكمة وأن الحكمة إنما تقتضي خضوع المفضول للفاضل لا ضد ذلك وزعم أنه أفضل وخير من آدم ثم اعترض بعد ذلك على القضاء والقدر بهذه الأسولة فجمع بين الاعتراض على أمره وقدره وبث هذين النوعين في أصحابه وتلامذته وأخرجها لهم في كل قالب وصورة يقبلونها فيها وآخر ذلك أوحى إليهم أن يعترضوا على خيره عن نفسه وخبر رسله عنه بالعقل فعارض عدو الله أمره بأنه خلاف الحكمة وقدره بأنه خلاف العدل وخبره بأنه خلاف العقل وسرت هذه المعارضات الثلاث في أتباعه فهم خلفاؤه ونوابه فهم على قدر أنصابهم منها ومعلوم أن هذه الأنواع الثلاثة مضادة له ومجاهرة بالعداوة ومن التلبيس إخراج المعترض لها في صورة العلم والحب والمعرفة)) اهـ.
    فمن اعترض على الله عز وجل شابه إبليس، فقد اعترض إبليس على أمر الله تعالى له بالسجود لآدم عليه الصلاة والسلام كما أخبر الله تعالى عنه في قوله: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ}[الإسراء: 62].
    وقال الله تعالى عنه أيضًا: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِى مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف: 12] .
    قال العلامة أبو الحسن الأشعري رحمه الله في ((رسالة إلى أهل الثغر)) (ص: 154): ((وأن من يعترض عليه في أفعاله متبع لرأي الشيطان حين امتنع من السجود لآدم عليه السلام وزعم أن ذلك فساد في التدبير وخروج من الحكمة حين قال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ})) اهـ.
    وقال ابن العربي رحمه الله في ((أحكام القرآن)) (1/ 629): ((لما كان من إبليس ما كان من الامتناع من السجود والاعتراض على الآمر به بالتسفيه أنفذ الله فيه حكمه وأحق عليه لعنته، فسأله النظرة، فأعطاه إياها زيادة في لعنته، فقال لربه: {لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا}[النساء: 118] {ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله}[النساء: 119])) اهـ.
    وقال ابن الجوزي رحمه الله في ((صيد الخاطر)) (ص: 496): ((وقد لهج خلق بالاعتراض قدحًا في الحكمة، وذلك كفر. وأولهم إبليس في قوله: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[ص: 76] ومعنى قوله: إن تفضيلك الطين على النار ليس بحكمة!!)) اهـ.
    وقال العلّامة ابن القيم رحمه الله في ((إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان)) (2/ 201): ((فأعرض عن النص الصريح، وقابله بالرأي الفاسد القبيح. ثم أردف ذلك بالاعتراض على العليم الحكيم، الذى لا تجد العقول إلى الاعتراض على حكمته سبيلا. فقال: {أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِى كَرَّمْتَ عَلَى؟ لَئنْ أَخّرْتَنِ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذرِّيّتَهُ إلا قَلِيلاً}[الإسراء: 62]، وتحت هذا الكلام من الاعتراض معنى: أخبرني، لم كرمته على؟ وغور هذا الاعتراض: أن الذى فعلته ليس بحكمة ولا صواب، وأن الحكمة كانت تقتضى أن يسجد هو لى، لأن المفضول يخضع للفاضل، فلم خالفت الحكمة؟ ثم أردف ذلك بتفضيل نفسه عليه، وإزرائه به، فقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ}[الأعراف: 12].
    ثم قرر ذلك بحجته الداحضة، في تفضيل مادته وأصله على مادة آدم عليه السلام وأصله. فأنتجت له هذه المقدمات إباءه وامتناعه من السجود، ومعصيته الرب المعبود. فجمع بين الجهل والظلم، والكبر والحسد والمعصية، ومعارضة النص بالرأي والعقل، فأهان نفسه كل الإهانة من حيث أراد تعظيمها، ووضعها من حيث أراد رفعتها، وأذلها من حيث أراد عزتها، وآلها كل الألم من حيث أراد لذتها، ففعل بنفسه ما لو اجتهد أعظم أعدائه في مضرته لم يبلغ منه ذلك المبلغ. ومن كان هذا غشه لنفسه فكيف يسمع منه العاقل ويقبل ويواليه؟)) اهـ.
    وقال رحمه الله في ((الفوائد)) (ص: 65): ((وقام إبليس ناحية لم يسجد لأنه خبث وقد تلون بنجاسة الاعتراض وما كانت نجاسته تتلافى بالتطهير لأنها عينية)) اهـ.
    وقال العلامة ابن سعدي رحمه الله في ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 284): (({{قال} إبليس معارضا لربه: {أنا خير منه} ثم برهن على هذه الدعوى الباطلة بقوله: {خلقتني من نار وخلقته من طين} .
    وموجب هذا أن المخلوق من نار أفضل من المخلوق من طين لعلو النار على الطين وصعودها، وهذا القياس من أفسد الأقيسة، فإنه باطل من عدة أوجه:
    منها: أنه في مقابلة أمر الله له بالسجود، والقياس إذا عارض النص، فإنه قياس باطل، لأن المقصود بالقياس، أن يكون الحكم الذي لم يأت فيه نص، يقارب الأمور المنصوص عليها، ويكون تابعا لها.
    فأما قياس يعارضها، ويلزم من اعتباره إلغاء النصوص، فهذا القياس من أشنع الأقيسة.
    ومنها: أن قوله: {أنا خير منه} بمجردها كافية لنقص إبليس الخبيث. فإنه برهن على نقصه بإعجابه بنفسه وتكبره، والقول على الله بلا علم. وأي نقص أعظم من هذا؟
    ومنها: أنه كذب في تفضيل مادة النار على مادة الطين والتراب، فإن مادة الطين فيها الخشوع والسكون والرزانة، ومنها تظهر بركات الأرض من الأشجار وأنواع النبات، على اختلاف أجناسه وأنواعه، وأما النار ففيها الخفة والطيش والإحراق، ولهذا لما جرى من إبليس ما جرى، انحط من مرتبته العالية إلى أسفل السافلين)) اهـ.
    وقال رحمه الله في ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 717): (({قال} إبليس معارضا لربه ومناقضا: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} وبزعمه أن عنصر النار خير من عنصر الطين، وهذا من القياس الفاسد، فإن عنصر النار مادة الشر والفساد، والعلو والطيش والخفة وعنصر الطين مادة الرزانة والتواضع وإخراج أنواع الأشجار والنباتات وهو يغلب النار ويطفئها، والنار تحتاج إلى مادة تقوم بها، والطين قائم بنفسه، فهذا قياس شيخ القوم، الذي عارض به الأمر الشفاهي من الله، قد تبين غاية بطلانه وفساده، فما بالك بأقيسة التلاميذ الذين عارضوا الحق بأقيستهم؟ فإنها كلها أعظم بطلانا وفسادا من هذا القياس)) اهـ.
    فمن اعترض على شرع الله وأوامره مثله كمثل إبليس.

    هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    كتبه
    عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
    طرابلس الغرب: ليلة الأربعاء 29 رجب سنة 1443 هـ
    الموافق لـ: 2 مارس سنة 2022 فـ
    ــ . ــ
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2022-03-07, 08:26 AM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
يعمل...
X