إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الأيَّامُ الزَّاهِرَةُ ، في مَصْرَعِ التَّعَصُّبِ ، وَالغُلُوِّ في الإِطْرَاءِ وَالأَلْقَابِ - الْحَلْقَةُ الثَّانيَةُ عشرَ (12)-

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأيَّامُ الزَّاهِرَةُ ، في مَصْرَعِ التَّعَصُّبِ ، وَالغُلُوِّ في الإِطْرَاءِ وَالأَلْقَابِ - الْحَلْقَةُ الثَّانيَةُ عشرَ (12)-

    الأيَّامُ الزَّاهِرَةُ
    في مَصْرَعِ التَّعَصُّبِ ، وَالغُلُوِّ في الإِطْرَاءِ وَالأَلْقَابِ
    - الْحَلْقَةُ الثَّانيَةُ عشرَ (12)-
    بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيـمِ
    ﴿وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات﴾، فَلاَبُدَ لِطَالبِ العلمِ أنْ يَرعَى لِلْعُلَمَاءِ مَرَاِتِبَهُم ، وَمَنَازِلَهُم ... وَرُتَبُ العُلَمَاءِ مُتَفَاوِتةٌ بِاعتِبَاراتٍ مُتَعَدِّدَةٍ ، وَتَجبُ رِعايَةُ تِلكَ الْمَرَاتِبِ عَلَى اخْتِلَافِ تِلْكَ الاِعْتِبَارَاتِ ...وَمِنْ رِعَايَةِ مَرَاتِبِ العُلَمَاءِ: رِعَايَةُ مَرْتَبَةِ العَالِمِ الإمَامِ الَّذِي دَانَ لَهُ أَهْلُ زَمَانِهِ أَو بَلَدِهِ بِالعِلم، وَأَقَرُّوا لَهُ بِالفَضْلِ، مِمَّن يُمكُنُ أَنْ يُسَمَّى «عَالِمُ الزَّمَانِ ، أَو عَالِمُ الْمَكَانِ »([1]).
    وَقَال العَلَّامَـةُ الشَّيخُ ابنُ عُثَيْمين(ت:1421هـ):" إِذَا أَضَفْنَا القُضَاةَ وَحَصَرنَاهَا بِطَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَو بِبَلَدٍ مُعَيَّنٍ ، أَوْ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ، مِثلُ أَنْ يُقَالَ: قَاضِي القُضَاةِ فِي الفِقْهِ ، أَو قَاضِي قُضَاةِ الْمَمْلَكَةِ ... فَهَلْ يَجُوزُ هَذَا ؟ فَالْجَوَابُ: ... إذَا قُيِّدَ بِزمَانٍ أَو مكَانٍ وَنَحْوِهِمَا قُلْنَا : إِنَّهُ جَائِزٌ ، وَلَكِنّ الأَفْضَــــلَ أَلَّا يَفْعَلَ ، لَكِنّ إِنْ قُيِّدَ بِفَنٍّ مِن الفُنُونِ هَلْ يَكُونُ جَائِزًا؟ مُقْتَضَى التَّقِيِيدِ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا ، لَكِنّ إِنْ قُيِّدَ بِالفِقْهِ ، بِأَنْ قِيلَ:«عَالِمُ العُلمَاءِ فِي الفِقْهِ» ، وَقُلنَا : إِنَّ الفِقْهَ يَشْمُلُ أُصُولَ الدِّين وَفُرُوعَـــهُ ... صَارَ فِيهِ عُمُومٌ وَاسِعٌ ... فَهَذَا ... الأَوْلَى التَّنَزُّهُ عَنْهُ ، وَأَمَّا إن قُيِّدَ بِقَبِيلَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ، لكِن يَجِبُ مَعَ الْجَوَازِ مُرَاعَاةُ جَانِبِ الْمَوْصُوفِ ؛ أَنْ لَا يَغْتَرَّ ... وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّسَمِّي بِـ«الإمَــــــامِ» ... النَّبِيُّ - صَلّى الله عَليْه وَسَلَّمَ - سَمَّى إِمَامَ الْمَسْجِدِ إِمَامًا ، وَلَوْ لَم يَكُن عِنْدَهُ إِلَّا اثْنَانِ ، لكنّ يَنْبَغِي أَنْ يُنَبَّهَ أَنَّهُ لَا يُتَسَامَحُ فِي إِطْلَاقِ كَلمَةِ «إِمَام» إِلَّا عَلَى «مَنْ كَانَ قُدْوَةً، وَلَهُ أَتبَاعٌ»، كَالإمَامِ أَحْمَدَ وَالبُخَارِيِّ وَمُسْلِم وَغَيْرِهِم ، مِمَّنْ لَهُ أَثَرٌ فِي الإسْلَام "اهـ ([2]).
    وَكَانَ الْقُشَيْرِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ شَيْخُ الصُّوفِيَّةِ يَقُولُ: «الْإِمَامَــــةُ بِالدُّعَاءِ ، لَا بِالدَّعْوَى »، يَعْنِي بِتَوْفِيقِ اللَّهِ ، وَتَيْسِيرِهِ وَمِنَّتِهِ، لَا بِمَا يَدَّعِيهِ كُلُّ أَحَدٍ لِنَفْسِهِ([3])، قَالَ ابنُ الْقيِّم(ت:751هـ):"الدُّعَاءُ ، فَإِنَّهُ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ فِي دَفْعِ الْمَكْــرُوهِ ، وَحُصُـــولِ الْمَطْلُوبِ ، وَلَكِـنّ قَدْ يَتَخَلَّفُ أَثَرُهُ عَنْهُ ، إِمَّا لِضَعْفِهِ فِي نَفْسِهِ- بِأَنْ يَكُونَ دُعَاءً لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْعُدْوَانِ - ، وَإِمَّا لِضُعْفِ الْقَلْبِ وَعَدَمِ إِقْبَالِهِ عَلَى اللَّهِ، وَجَمْعِيَّتِهِ عَلَيْهِ وَقْتَ الدُّعَاءِ ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقَوْسِ الرِّخْوِ جِدًّا، فَإِنَّ السَّهْمَ يَخْرُجُ مِنْهُ خُرُوجًا ضَعِيفًا ، وَإِمَّا لِحُصُــولِ الْمَانِعِ مِنَ الْإِجَابَةِ : مِنْ أَكْلِ الْحَرَامِ ، وَالظُّلْمِ ، وَرَيْنِ الذُّنُوبِ عَلَى الْقُلُوبِ ، وَاسْتِيلَاءِ الْغَفْلَةِ وَالشَّهْوَةِ وَاللَّهْوِ، وَغَلَبَتِهَا عَلَيْهَا "اهـ([4]).
    ﴿وَاجْعَلْنَا لِلمُتَّقِينَ إمَامًا﴾ أَيْ: أَوْصِلْنَا يَا رَبَنَا إِلَى هَذِهِ «الدَّرجَةِ العَالِيَّةِ»، دَرَجَةِ الصِّدِّيقِينَ وَالكُمَّلِ مِنْ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِين ، وَهِيَ دَرَجَةُ «الإمَامَةِ فِي الدِّين» ، وَأَنْ يَكُونُوا قُدْوَةً لِلمُتَّقِينَ فِي أَقْوَالِهِم وَأَفْعَالِهم يُقْتَدَى بِأَفْعَالِهِم ، وَيُطْمَئَنُّ لأَقْوَالِهم ، وَيَسِيرُ أَهْلُ الْخَيْرِ خَلفَهُم ؛ فَيَهْدُونَ وَيَهْتَدُونَ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الدُّعَاءَ بِبُلُوغِ شَيْءٍ دُعَاءٌ بِمَا لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهِ ، وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ -دَرَجَةُ الإمَامَةِ فِي الدِّينَ - لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالصَّبْرِ وَاليَقِينَ([5])، كَمَا قال الله تعالى:﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَـهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾، وَفِي الآيَةِ دَلِيــــــــلٌ عَلَى أَنَّ طَلَبَ الرِّيَاسَــةِ فِي الدِّينِ نَدْبٌ([6])، بَلْ قَالَ القَّفَّالُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ : فِي قَولِهِ تَعَالَى :﴿وَاجْعَلْنَا لِلمُتَّقِينَ إمامًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ‌طَلَبَ ‌الرِّئَاســــةِ فِي الدِّينِ وَاجِبٌ([7])، قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : لَمْ يَطْلُبُوا الرِّيَاسَةَ ، بَلْ بِأَنْ يَكُونُوا قُدْوَةً فِي الدِّينِ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اجْعَلْنَا أَئِمَّةَ هُدَى ، كَـمَا قَالَ الله تَعَالَى:﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾، وَقَالَ مَكْحُولٌ: اِجْعَلْنَا أَئِمَّةً فِي التَّقْوَى يَقْتَدِي بِنَا الْمُتَّقُونَ، وَقِيلَ : هَذَا مِنَ الْمَقْلُوبِ ، مَجَازُهُ : وَاجْعَلِ الْمُتَّقِينَ لَنَا إِمَامًا ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَمَكْحُولٍ وَيَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ طَلَبَ الرِّيَاسَةِ فِي الدِّينِ نَدْبٌ([8]).
    لَكنَّه تعَالَى قَالَ :﴿ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِيـنَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾، وفي قَوْلِهِ:﴿بَغْيًا بَيْنَهُمْوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا : طَلَبُهُم الرِّيَاسَةَ([9])، قَالَ أَبُو دَاوُدَ السَّجَستَانِي صَاحِبُ السُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ :"حُبُّ الرِّيَاسَةِ هُوَ أَصْلُ الْبَغْيِ وَالظُّلْمِ"اهـ([10])، وَقَال الطِّيبِيُّ(ت:743هـ):"قِيلَ : آخِرُ مَا يـَخْرُجُ مِنْ رُؤُوسِ الصِّدِيقِينَ حُبُّ الرِّئَاسَة ، وَهُوَ أَعْظَمُ شَبَكَةٍ للشَّيَاطِينَ ، فَإِذًا الْمَحْـــــمُودُ الْمَخْــــمُولُ ، إلاَّ مَنْ شَــهَّرَهُ اللهُ لِنَشْرِ دِينِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلَّفٍ مِنْهُ "اهـ([11]).
    أمَّا الوَجْـــهُ الثَّانِي مِنْ تَأويل قَولِ الله تَعَالَى :﴿بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهُوَ« في عِيسَى وَمَا قَالُوهُ فِيهِ مِنَ غُلُوٍّ وَإسْرَافٍ»([12])، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :"لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيـَـــمَ ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ ، فَقُولُوا : (عَبْدُ اللهِ وَرَسُـولُه )"اهـ([13])، وَالإطْرَاءُ : مُجَاوَزَةُ اْلْحَــدِّ في الْمَدْحِ ، وَالكَذِبُ فِيهِ ، وَالْمَعْنَى لَا تَمْدَحُونِي بِالبَاطِلِ ، أَوْ لَا تُجَاوَزُوا الْحَدَّ فِي مَدْحِي([14])، وَهُو أَصْلٌ تَشْتَدُّ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ فِي كُلِّ زَمَانٍ ، وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَا الأَزْمَـانِ ؛ لأَنَّ الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ لَإِنْزَالِ النَّاسِ مَنَازِلَهُم([15]). قَال العَلَّامَــــةُ رَبيع بن هادي(91 عامًا):" وَاللهِ ، أَلْقَابٌ دَخَلَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، انظُـرْ خِطَابَاتِ الصَّحَابَةِ: قَالَ عُمَرُ ، قَالَ عُثْمَانُ ، قَالَ عَلِيٌّ ، قَالَ كَذا، وَنَحْنُ ما نَأتِي فِي الْمَعَالي ... اتْرُكُــوا هَذِهِ التَّهَاوِيلَ ... الغُلُوُّ يَنْتَشِرُ فِي السَّاحَةِ السَّلَفِيَّةِ، وَالْمُبَالَغَاتُ وَالتَّهَاوِيلُ تَنْتَشِرُ ، حَتَّى وَصَــلَ بِبِعْضِهِم إِلَى دَرَجَةِ الرَّوَافِضِ وَالصُّوفِيَّةِ وَالْحُلُولِ، وَنَحْنُ نَبْرَأُ إِلَى اللهِ مِن هَذَا الغُلُوِّ، فَاسْلكُوا مَنْهَجَ السَّلَفَ فِي الوَسَطِيَّةِ وَالاِعْتِدَالِ وَإنْزَالِ النَّاسِ مَنَازِلَهُم بِدُونِ أَيِّ شَيْءٍ مِنَ الغُلُوِّ اهـ([16]). وَلِلأَلْقَابِ سِحْرٌ كَسِحْرِ الْجَمَالِ ، وَبَرِيقٌ كَبَرِيقِ الْمَال([17])، وَإنَّ وَاقِـــعَةَ الأَلْقَابِ العِلْمِيَّةِ وَغَيرِهَا مِنْ الأَلْقَابِ الفَخْــــرِيَّةِ ، وَالآدَابِ فِي الأَلْفَاظِ مِن مَسَائِلِ العِلمِ ، الَّتي عَانَهَا العُلمَاءُ - قَدِيـمًا وَحَدِيثًا - بِالبَحْثِ وَالتَّوجِيـــــهِ تَبَعًا وَاسْتِقْلَالًا عَلَى اخْتِلَافِ مَشَارِبِهِم ، مُفَسِّرينَ ، وَمُحَدِّثِينَ ، وَفُقَهَاءَ ، وَ مُؤَرِّخِينَ ، وَأُدبَاءَ([18]).
    قالَ العَلَّامةُ الألبانيُّ(ت:1420هـ):"نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ النَّصَارَى قَدْ أَطْرَوا عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامِ- بِغَيْرِ الأُلُوهِيَّةِ أَيْضًا "اهـ([19])، وَقَالَ العَلَّامـــــةُ الْمُعلِّميُّ (ت:1386هـ):"ويرى بَعْضُ أَهْلِ العِلم أَنَّ النَّصَارَى أَوَّلُ مَا غَلَوا في عِيسى- عَلَيْهِ السَّلَام- كَانَ الغُلَاةُ يَرْمُونَ كُلَّ مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِم بِأَنَّهُ يُبغِضُ عِيسَى ، وَيَحْقِرُهُ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ، فَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا سَاعَدَ عَلى اِنْتِشَارِ الغُلُوِّ ؛ لأَنَّ بَقَايَا أَهْلِ الْحَقِّ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّـهُم إِذَا أَنْكَرُوا عَلَى الغُلَاةِ نُسَبُوا إِلَى مَا هُم أَشَــــدُّ الناس كَرَاهِيَةً لَهُ مِنْ بُغْضِ عِيسَى ، وَتَحْقِيرِه ، وَمَقَتَهُم الْجُمْهُورُ ، وَأُوذُوا ، فَثَبَّطَهُم هَذَا عَنِ الإِنْكَارِ ، وَخَلَا الْجَـــوُّ لِلشَّيْطَانِ وَقَريبٌ مِنْ هَذَا ... حَالُ غُلَاةِ الْمُقَلِّدِينَ اهـ([20])
    وَقَالَ الشَّيْخُ صَالِــــحٌ العُصَيْميُّ :"فَإِذَا لُقِّبَ إِنْسَانٌ بِلَقَبٍ فِيهِ مُبَالَغَةٌ ، كَانَ هَذَا مِنْ جِنْسِ الْمَدْحِ الْمَذْمُومِ ، الَّذِي أُمِرَ بِحَثْوِ التُّرَابِ فِي وَجْـــهِ صَاحِبِه ، وَلَم يَزَلِ العَرَبُ عَلَى هَذِهِ السَّجِيَّةِ، وَتَقَلَّبَتْ قُرُونُ هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، فَلَم تَكُنْ هَذِهِ الأَلْقَابُ شَيْئًا مَوْضُوعًا عَلَى وَجْهِ الشُّهْرَةِ وَالإفْرَادِ فِي حَالِ الصَّحَابَةِ، وَلَا التَّابِعِينَ ، وَلَا تَابِعي التَّابِعِينَ ؛ بَلْ تَوَقَّفُوا - رَحِمَهم الله تعالى ، وَرَضِي اللهُ عَنهُم - في مِثْلِ أَلقَابِ مَشْرُوعَةٍ ، كَخَلِيفَةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم- أَو كَأَمِيرِ الْمُؤمِنِين تَزْهِيــــدًا في هَذِهِ الأَلْقَابِ ، وَإعْرَاضًا عَنْهَا ، وَخَشْيَةً مِنْ مَعَرَّتِهَا ، فَلَمَّا دَخَلَتِ العَجَمُ فِي الإسْلَامِ وَكَانَ العَجَمُ مَطْبُوعِينَ عَلَى تَفْخِيمِ الأَلْقَابِ وَالْمُبَالَغَةِ فِيهَا سَرَى هَذَا البَلَاءُ إِلَى العَرَبِ ، وَتَزَايَدَ مَعَ تَوَالِي السِّنِينِ، وَقِلَّةِ العِلمِ ، وَذَهَابِ لِسَانِ العَرَبِيَّةِ في أَحْوَال النَّاسِ إِلَى وَضْعِ أَلْقَابٍ عَظِيـمَةٍ لَيْسَ تحتَهَا مَعَانٍ صَحيحَةً، فَهَذَا سِرُّ وُجُودِ الأَلْقَابِ الْمُبَالَغِ فِيَها فِي بِلَادِ العَرَبِ، وَأَنَّهَا دَخِيلَةٌ عَلَيْهِم، وَمَنْ مَارَسَ حَيَاةَ العَجَمِ اليَوم - مُسْلمهم وَكَافِرِهِم - رَأَى هَذَا أَصْلًا فِيهِم"اهـ([21]).
    وفي «مُعْجَمِ الْمَنَاهِي اللَّفْظِيَّةِ» قَال اللُّغويُّ بكْرٌ أَبو زَيْدٍ(ت:1429هـ):"أمَّا فِي كُتُبِ طَبَقَاتِ الصُّوُفِيَّةِ وَتَرَاجِمهم فَحدِّث مَا شِئِتَ، فَفِيهَا مِنَ الغُلُوِّ، وَالإطْرَاءِ ، وَ«بَذْلِ الأَلْقَابِ» مَا لَا يَخْطُرُ عَلَى بَالٍ ، وَمِنْهَا: إمَامُ الأَئِمَّةِ "اهـ([22])، وَقَالَ ابنُ عُثَيْمِينَ(ت:1421هـ):"الْمُوَفَّقُ- رَحِمَهُ اللهُ - مِنَ الْمُقَلِّدِين ، إِمَامُهُ أَحَمَدُ بن حَنبَل ، وَ شَيْخُ الإسْلَامُ مِنَ الْمُقَلِّدينَ أَيْضًا ، لَكِنَّهُ فِي بَابِ الإجْتـهَادِ أَوْسَعُ بِكَثِير مِنَ الْمُوَفَّقِ ، حَتَّى إنَّ بَعْضَ العُلمَاءِ قَالَ : «إنَّ شَيخَ الإسْلَامِ ابنَ تَيْمِيَّة إِنَّهُ استَّحَقَّ الاِجتِـهَادَ الْمُطْلَقَ »، عَلَى كُلِّ حَــــالٍ ... « بَعْضُ النَّاسِ يَقُــــولُ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزِنَ لَهَا وَزْنًا تَامًّا»، فَأَنَا أَرَى إِنْ وَصَفْنَا الْمُوَفَّقَ بِالإمَامَةِ ؛ فَشَيْخُ الإسْلَامِ أَحَقُّ ... «لَكِـنّ مَعَ ذَلِكَ لا أَرى ... أَنْ يُسَمَّى بِالإمَــــامِ» ... سُفيَانُ الثَّوْرِيُّ - رَحِـمَهُ الله - كَانَ لَهُ أَتْبَاعٌ ، لكـنّ زَالَت إِمَامَتُهُ بِتَقَلُّصِ أَتْبَاعِهِ ... فالْمُصَلّي مُنْفَرِدًا لَيْسَ إِمَامًا ... وَإذَا قُلنَا إِنَّ الإِمَامَ بِاعْتِبَارِ مَنْ دُونَهُ قُلنَا : كُلُّ وَاحِــــدٍ إِمَامٌ ، حتى مُدَرِّسِ الإبتِدَائِيّ ... يَكْفي أَنْ نَقُولَ لَهُ [أي : الْمُوَفَّقِ ] رَحِمَهُ الله ، وَلِشَيْخِ الإسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ "اهـ([23]).
    وَمنَ سَلَمَ مِنَ التَّقليدِ ؟! قَال الشَّيخُ صَــــالِحٌ آل الشَّيْخ(65 عاما):"مِنَ الفُرُوقِ الْمُــهِمَّةِ أَنَّه يَظُنُّ طَالِبُ العِلمِ أَنَّ شَارِحَ الْحَدِيثِ أَقْرَبُ إِلَى الاِجْتِـهَادِ مِنْ شَـارِحِ الْمَتْنِ الفِقْهِيِّ ، أَوْ يَكُــــــونُ هَذَا الشَّارحُ- ولو كانَ يُورِدُ الأَدِلَّةَ - لَكِنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنَ التَّعَصُّبِ ، أَمَّا شَارحُ الْحَدِيثِ فَقَدْ يَظُنُّ كَثِيرٌ مِنْ طُلَّابِ العِلمِ أَنَّهُ يَسْــــــــلمُ مِنَ التَّعَصُّبِ ؛ فَيُقْبِلُ عَلَى كُتُبِ الْحَدِيثِ ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَصحَابَهَا مُتَجَرِّدُونُ - رَحِم الله أَهلَ العِلم جَـمِيعًا ، وَكُتُبُ الفِقهِ يَقُولُ : لَا ، عِنْدَهُم تَقْلِيـدٌ ، وَعِنْدَهُم نُصْرَةٌ لِمَذَاهِبِهم ؛ فَلَا يُنْظَرُ فِيهَا ، وَهَذَا غَلَطٌ مِن جِـهَةِ أَنَّ أُصولَ الاِستِنْبَاطِ الَّتِي بِهَا يَسْتَنْبِطُ العَالِمُ مَا هِيَ؟العَالِمُ الَّذِي سَيَشْرَحُ كُتُبَ الْحَدِيثِ يَسْتَنْبِطُ مِنْ الأَدِلَّةِ، وَيُرَجِّحُ بِنَاءً عَلَى مَاذَا؟ لَاشَكَّ أَنَّهُ بِنَاءً عَلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ أُصُولِ الفِقْهِ ؛ لأَنَّ أُصُولَ الفِقْه هِي أُصُولُ الاِستِنبَاطِ - فَهُوَ سَيَنْظُرُ فِي هَذِهِ الْمُتُونِ ، وَيَسْتَنْبِطُ وَيُرَجّحُ بَيْن الأَقْوَالِ ، لَكِنَّهُ لَنْ يَسْلَمَ مِنَ التَّقْلِيدِ؛ لأَنَّهُ سَيُرَجِّـحُ بِنَاءً عَلَى مَا فِي مَذْهَبِهِ مِنْ أُصُـــولِ الفِقْهِ ، وَيَظُنُّ النَّاظِرُ أَنَّهُ يُرَجِّحُ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ الْمُطْلَقِ ، وَهَذَا غَيْرُ وَاردٍ البَتَةَ؛ لأَنَّهُ مَا مِنْ شَارِحٍ لِلحَدِيثِ إِلَّا وَعِنْدَهُ تَبَعِيَّةٌ فِي أُصُولِ الفِقْهِ، أُصُـولِ الاِستِنبَاطِ ؛ فَهُوَ سَيَشْرَحُ، ويَقَوُلُ : هَذَا الرَّاجِحُ لأَنَّه كَذَا، فَيَأْتي طَالِبُ العِلم الْمُبتَدئُ أَوِ الْمُتَوَسِّطُ، مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ مُشَارَكَةٌ فِي الاِستِنبَاطِ عَمِيقَةٌ ؛ فَيَنْظُرُ إِلَى تَرْجِيحِ صَاحِبِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ أكثَرُ تَجَــــرُّدًا مِنْ تَرْجِيح صَاحِبِ الفِقهِ ، وَهَذَا غَلَطٌ ؛ لأَنَّ صَاحِبَ الفِــــــقهِ مُتَأَثِّرٌ فِي اِسْتِنبَاطِهِ بِمَذْهَبِهِ ، وَكَذَلِكَ شَارِحُ الْحَدِيثِ مُتَأَثِّرٌ فِي استِنبَاطِهِ بِمَذْهَبِهِ، لَكِنّ بِمَا أنَّهُ يَشْرَحُ الْحَدِيثَ ، فَيَنْظُرُ النَّاظِرُ إِلَى أَنَّهُ مُتَجَرِّدٌ وَهُوَ مُتَجَرِّدٌ بِلَا شَكٍّ لَنْ يَنْصُرَ مَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ غَيرُ صَـحِيــحٍ ، لَكِنّ سَيَتَأَثّرُ فِي البَاطِنِ بِأُصُولِ الفِقْهِ الَّتِي دَرَسَها ، وَلِهَــذَا لَابُدَّ أَنْ تَعْلَمَ أَنّ الشُرَّاحَ إِنَّمَا هُم أَتبَاعُ مَذَاهِبٍ ، وَلَيسُـوا مُجتَهِدِينَ الاِجتهَادَ الْمُسْتَقِلَّ أَوِ الْمُطْلَقَ ، لأَنَّ الِاجتهَادَ الْمُطْلَقَ أَو الْمُستَقِلَّ - عَلَى خِلَافٍ فِي التَّسْمِيَّةِ وَالتَّعْرِيفِ - رَاجِـعٌ إِلى أَنَّهُ يَجْتَـهِدُ فِي أُصُولِ الفِقْه ، كَمَا أَنَّهُ يَجْتَهِدُ فِي النَّظَرِ فِي الرِّجَالِ ، فَلَهُ اجْتِهَادَاتُهُ فِي الفَنَّيْنِ جمِيعًا مِثْلُ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ ، وَبَعْضِ مَنِ اندَرَسَتْ مَذَاهِبُهم - كَسُفْيَانَ - ... فَهَؤُلَاءِ لَهُم اجِتهَادَاتٌ في أُصُولِ الفِقْهِ، وَفي الرِّجَالِ جَميعا ، وَكَذَلِك ابنُ حَزم ، لَهُ طريقَةٌ مُخَالِفَةٌ لِمَا قَبلهُ فِي أُصـــــولِ الفِقهِ، أُصُولِ الاِسْتِنبَاطِ، وَكَذَلِكَ فيِ النَّظَرِ فِي الرِّجَالِ، لَا يُقَلِّدُ ، وَإنَّمَا لَهُ نَظَرُهُ الْمُسْتَقِّلُ ، فَهَذَا يُسَمَّى مجْتَهِدٌ مُسْتَقِلٌّ، لكِنّ بَعْدَمَا دُوِّنَتْ الْمَذَاهِبُ وَانتَشَرَتْ لَا يُوجَدُ هَذا، حَتَّى شَيْخُ الإسْلَام ابنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِـــــمَهُ الله تَعَالَى - فَإِنَّهُ فيِ أُصُولِ الفِقْهِ ... يَتْبَعُ مَذْهَبَ الْحَنَابِلَةِ ، إِلَّا مَا نَدَرَ ، مِمَّا رَجَّحَهُ أَوْ بَحَثَهُ بَحْثًا مُسْتَقِلاً ، مِثْلُ الكَلَامِ فِي عُمُومِ البَلْوَى وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ ، فِي مَسَائِلَ أَخَذَهَا مِن غَيْرِ أُصُولِ الْحَنَابِلَةِ، وَلِهَذَا إِذَا نَظَرْتَ فِي الْمُسَوَّدَةِ ، مُسُوَّدَةِ آل تَيْمِيَّةَ في أُصُولِ الفِقْهِ وَجَدتَ أَنَّ استِدرَاكَاتِ شَيْخِ الإسْلَامِ عَلَى قَولِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ نَادِرٌ ، أَو قَليلٌ، إذَا أَتَيْتَ إِلَى مِثْلِ الْحَافِظِ ابن حَجَر وَالنَّوَوِيِّ وَأشَبَاهِ هَؤُلَاءِ ، فَإنَّهُ مِنِ جِهَة الِاستِنبَاطِ سَيَدْخُـــلُونَ فِي النَّظَرِ ... فَيَرَى طَالِبُ العِلم - الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ مُشارَكَةٌ فِي كُتُبِ أَهْلِ العِلم فِي الأُصُــولِ - أَنَّ مَا ذَكَرُه شَارحُ الْحَدِيثِ أَرْجَحُ مِمَّا ذَكَرَهُ الفَقِيـــــه ، لِمَ ؟ لأَنَّ هَذَا يَشْرَحُ كِتَابَ الْحَدِيثِ ، وَيَعْتَمِدُ عَلَى السُّنَّةِ ، وَذَاك يَعْتَمِدُ عَلَى كِتَابِ الْمَذْهَبِ ، وَهُوَ فِي الوَاقِـــعِ لَيْس الأَمْرُ كَذَلِكَ ؛ لأَنَّ هَذا وهَذَا جَميعا يَتَأَثَّرُ فِي الاِستِنبَاطِ وَالنَّظَرِ بِأُصُولِ الفِقْهِ الَّتي دَرَسَها ... فَالنَّوَوِيُّ وَابْنُ حَجَـــر- رَحِمَهُمَا الله تَعَالى - فِي الاِستِنبَاطِ فِي أكْثَرِ الْمَسَــــائِلِ، بَلْ فِي جُــلِّ الْمَسَائِل هُم تَبَعٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَيَأتِي النَّاظِرُ وَيَقُولُ : رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَيَذْهَبُ عَنْ قَولِ ابنِ قُدَامَةَ مَثلاً... بِاعْتِبَارِ أَنَّ ذَاكَ يَنْصُرُ مَذْهَبَهِ ؛لأَنَّهُ رَأَى القَوْلَ فِي كِتَابٍ فِقْهـيٍّ، وَهَذَا لَنْ يَنْصُرَ مَذْهَبَهُ بِاعتِبَارِ أَنَّهُ وَجَدَهُ فِي كِتَابِ شَرْحِ مُسْلمٍ أَوْ البُخَارِيّ أَو غَيْرِ ذَلِكَ، هَذَا مِنْ عَدَمِ مَعْرِفَةِ الفَرقِ بَيْن كُتُبِ الفِقهِ وَكُتُبِ الْحَدِيث ، في كَثِيرٍ مِنَ الْمَسَائِلِ يَأتي طَالِبُ العِلم ، وَيَنْقُلُ أَقْوالاً عَنِ الْحَافِظِ ابن حَجَر أَوْ عَنِ النَّوَوِيِّ، حَتَّى فِي صُورَةِ الْمَسْأَلةِ ، حَتَّى فِي نَوْعِيَةِ النَّظَر ِفيِ الْخِلَافِ ، وَإذَا تَأَمَّلَ ، وَتَوَسَّعَ وَجَدَ أَنَّهُم نَقَلُوهَا مِنْ كُتُبِ الفِقهِ الشَّافِعِيَّةِ، وَعُلمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ - رَحمهم الله تعالى- خَدَمُوا كُتُبَ الْحَدِيثِ، وَلِهَذَا صَارَتْ تَرْجِيحَاتُ الْمُحَدِّثين الْمُتَأَخِّرينَ ... تَبَعًا لِتَرْجِيحَاتِ الشَّافِعيَّةِ ؛ لأنهم خَدَمُوا كُتُبَ الْحَدِيث أكثرَ مِنْ غَيْرِهِم ، خِدْمَةُ الْحَنَفِيّةِ لِكُتُبِ الْحَدِيثِ قَلِيلَةٌ ، خِدْمَةُ الْحَنَابِلَةِ لِكُتُبِ الْحَدِيثِ أَقَلُّ "انتهَى([24])
    وَقَالَ شَيْخُ الإسلامِ(ت: 728هـ):" فَأَمَّا الْقَادِرُ عَلَى الِاجْتِـــــهَادِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ ؟ هَذَا فِيهِ خِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ حَيْثُ عَجَزَ عَنْ الِاجْتِهَادِ : إمَّا لِتَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ ، وَإِمَّا لِضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ الِاجْتِهَادِ، وَإِمَّا لِعَدَمِ ظُهُورِ دَلِيلٍ لَهُ؛ فَإِنَّهُ حَيْثُ عَجَزَ سَقَطَ عَنْهُ وُجُوبُ مَا عَجَزَ عَنْهُ ، وَانْتَقَلَ إلَى بَدَلِهِ ، وَهُوَ التَّقْلِيدُ ، كَمَا لَوْ عَجَزَ عَنْ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ "اهـ([25])، وَقَال العَلَّامَةُ الشَّيخُ محمد بن هادي الْمَدْخَليُّ :"قَالَ «الْإِمَامُ» عَبْدُ الرَّحمنِ بن حَسَنِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ آلِ الشَّيخِ - رَحمهم الله - ... لَا يَسُوغُ التَّقْلِيدُ إلاَّ في مَسَائِلِ الاِجتِهَادِ، الَّتِي لَا دَلِيلَ فيها يُرجَعُ إِلَيْهِ مِنْ كِتَاب ، وَلَا سُنَّةٍ ؛ فَهَذَا الَّذي عَنَاهُ بَعْضُ العُلمَاءِ بِقَـــوْلِهِ : لَا إِنكَارَ فِي مَسَائِل ِالاِجْتِهَادِ ، وَأَمَّا مَنْ خَالَفَ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَيَجِبُ الردُّ عَلَيْهِ ، كَمَا قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَأَحْمَدُ ؛ وَذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ"اهـ([26]).
    فَالتَّقْلِيدُ إنَّمَا يُبَاحُ لِلْمُضْطَرِّ([27])، وإذَا قَلَّدَ العَالِمُ اِضْطِرَارًا ، فَهَلْ يُشَرَعُ تَلْقيبُه بـ«الْإِمَامِ»، أَمْ أنَّهُ لَا يُطلَقُ إلَّا عَلَى مَنِ استَّحقَّ الاِجتِهَادَ الْمُطْلَقَ كَمَا هُو ظَاهِرٌ مِنْ كلامِ الشَّيخِ ابن عُثَيٍمينَ - رَحِـمَهُ اللهِ- السَّابقِ؟ . قَالَ الشَّيْخُ صالِــــحٌ العُصَيْميُّ :"ذَكَرَ الشَّيخُ فَهْد بن حْمَيِّن أَنَّهُ كَانَ يَقَرْأَ عَلَى الشَّيخِ عَبْدِ العَزِيـزِ بن عَبدِ اللهِ بن بَازِ - رَحِــــمِهِ الله عَلَى الْجَميع - فَقَالَ :[قَالَ الإمَــــامُ النَّوَوِيُّ]، فَقَالَ [الشَّيخُ ابنُ بَازِ]: قُل "قَالَ الْحَافِظُ النَّوَوِيُّ" ، أَوْ نَحْوَهُ ؛ لأَنَّ النَّوِوِيَّ لَيْسَ إِمَامًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، فَالإمَامُ هُوَ الَّذِي يُقتَدَى بِهِ مِنْ كُلِّ جِـــهَةٍ ؛ وَلِذَلِكَ الدَّاعِي يَقُولُ : اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا لِلمُتَّقِينَ إِمَامًا ؛ يَعْني صَالِحًا لِلإقتِدَاءِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، اعتِقَاديَةً أَو قَوْلِيَّةً أَوْ عَمَلِيَّةً، وَالنَّوَوِيُّ- رَحِمَهُ الله تعالى- في بَابِ الإعتِقَادِ لَهُ مَسَائِلُ خَالَفَ فِيهَا طَرِيقَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ "اهـ([28]).
    ووَصَفَ الْحَجَّاوِيُّ(ت:968هـ) الْمُوَّفَّقَ(ت:620 هـ) بالْإِمَامِ ، فَاعْترض ابن عُثَيْمِينَ- رَحمَهُ الله- قَائلاً :"هَذَا مِنْ بَابِ التَّسَاهُلِ بَعْضِ الشَّيءِ ؛ لأَنَّ الْمُوَفَّقَ لَيْسَ كَالإِمَــــامِ أحـمَدَ ... لَكِنَّهُ «إِمَامٌ مُقَيَّدٌ»، لَهُ مَنْ يَنْصُرُ أَقْوَالَهُ ، وَيَأخذُ بِهَا، فَيَكُون إِمَامًا بِهَذَا الاِعتبَارِ ، أَمَّا الإِمَامَةُ الَّتِي مِثلُ إِمَامَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَمَنْ أَشْبَهَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَى دَرَجَتِهَا "اهـ([29]).
    وَقَالَ شَيخُ الإسلامِ(ت:728هـ):"الْإِمَامُ الَّذِي شُهِدَ لَهُ بِالنَّجَاةِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُطَاعُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَإِنْ نَازَعَهُ غَيْرُهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ هُوَ الْمُطَاعُ فِيـمَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَفِيـمَا يَقُولُهُ بِاجْتِهَادِهِ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى مِنْهُ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ هُوَ الْأَوَّلُ، فَلَا إِمَــــامَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... وَإِنْ أَرَادُوا بِالْإِمَامِ «الْإِمَــامَ الْمُقَيَّدَ»، فَذَاكَ لَا يُوجِبُ أَهْلُ السُّنَّةِ طَاعَتَهُ ، إِنْ لَمْ يَكُـــــــنْ مَا أَمَرَ بِهِ مُوَافِقًا لِأَمْـــرِ «الْإِمَـامِ الْمُطْلَقِ»، رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ([30]).
    وَقَدْ وَصَفَ شَيْخُ الإسلامِ بَعْضَ العُلَمَاءِ بِالإِمَامَةِ مَعَ أَنَّهم جاؤوا بعد الأَئِـــمَةِ الأَرْبَعَةِ ، كَأبي محَمَّد عبد الغَنيّ الْمَقْدِسِي(ت:600هـ)([31])، وَمَعمَرِ بنِ أَحْمَدَ الأَصْبَـهَانِي(ت:418هـ)([32])، وَقَال العَلَّامَةُ ابنُ عُثَيْمين(ت:1421هـ):"أَئِمَّةُ الدِّينِ الَّذِينَ أَجمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هِدَايَتِهِم مِثلُ : الإمَامِ أَحْمَدَ ، وَ الشَّافِعيِّ ، وَمَالِكٍ ... وَغَيرِهِم مِن «الأَئِمَّةِ»... كَشَيْخِ الإسْلَامِ ابنِ تَيْمِيَّةَ ، وَشَيْخِ الإسْلامِ محمَّدِ بن عَبْدِ الوَهَّابِ "اهـ([33])، وَرُوِيَ عَنْهُ قَالَ :"إنَّ الشَّيْخَ مُقبِلًا إمَامٌ ، إمَامٌ، إمَامٌ "اهـ([34])، وقَـالَ الْمُحَــــدِّثُ الشَّيخُ العَبَّادُ(90سنة) :"«الأَئِمَّــــةُ» الثَّلَاثَةُ ابنُ بَازٍ ، وَابنُ عثَيْمِين ، وَالأَلْبَانِي رَحِمَهُم اللهُ "اهـ([35])، وَقَال العَلَّامَةُ صَالِـحٌ الفَوزَانُ :"الإمَــــامُ الأَعِظَمُ يَقولُهُ الْحَنفيَّةُ ، يُسَمُّونَهُ بِذَلِك ، لَا حَرجَ "اهـ([36])، وَسُئَلَ أيضّا عَنْ اللَّقبِ«الإمَام الأَوْحَـدِ» فقَال: "لا بَأسَ بِذَلِك ؛ يَعنِي مُتَمَيِّزٌ عَن غَيرِهِ "اهـ ([37])، وَفي مَوْضِعٍ آخَر قَال :"الشَّيْخُ محمَّد بن ابرَاهِيمَ إمَــــامٌ جَليلٌ... مِن تَلامذِتهِ الإمَامُ الشَّيخُ عَبْدُ العَزِيزِ بنُ بَازٍ ، الإمَامُ عَبْدُ اللهِ بن حُمَيدٍ "اهـ ([38])، وقَال العَلَّامَةُ فَركُوسٌ :"الإمَــــامُ محمّدٌ حَيَاة السِّنْدِيُّ "اهـ ([39])، الْمُتوَفَّى في سنةِ 1163ه، وَفي مَوْضع آخَرَ قَال :"الإمَـامُ الْمُصْلِحُ الْمُجَدِّدُ الشّيخُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بنِ ... بَادِيسٍ "اهـ ([40])، الْمُتوَفَّى في عام 1308ه.
    فَـ«الإِمَامَةُ» دَرَجَاتٌ ، كَمَا أَنَّ «الْمُحَدِّثَ» دَرَجَاتٌ، فَمَتى وُصِفَ بِهَا مُتَأَخِّرُ لَم يَلْزَمْ مِنهَا أَنَّهُ يُكَافِئُ الأَئِمَّةَ الأَرْبَعةَ ، قَالَ الْمُحدِّثُ الوَادِعيُّ (ت:1421هـ) :"الْمُحَدِّثُونَ فِي زَمَنِ العِرَاقِيِّ غَيْرُ الْمُحَدِّثِينَ فِي زَمَنِ البُخَارِيِّ ، وَمَع هَذَا أَطْلَقُوا عَلَى بَعْضِهِم بِأَنَّهُ مَحَدِّثٌ "اهـ([41])، وَقالَ وَلِيُّ الدِّين العِرَاقِيُّ (ت826هـ:) :"أَمَّا الإمَامُ فهُوَ الَّذِي يُقْتَدَى بِهِ، فَمَنْ صَلُحَ لِلاقْتِدَاءِ بِهِ فِي عِلم فَهُوُ إِمَامٌ فِي ذَلِكَ العِلمِ"اهـ([42])، قَالَ العَلَّامَةُ محمَّدٌ عَبْدُ الوَهَّابِ البَنًّا(ت:1430هـ) :"إِمَامُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، الصَّادِقُ الأَمِينُ أَخُونَا رَبيعٌ هَادِي ، وَاللهِ إِمَــــامُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فِي القَرْنِ الرَّابِعِ عَشَرَ...«مُجَـــدِّدُ» الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ بِعَدْلِ وَصِدْقٍ وَأَمَانٍ ، وَاللهِ رَبيِعٌ هَادِي "اهـ([43]).
    أَمَّا الوَصفُ بـِ«شَيخِ الإسلامِ»، فقد قَال العَلَّامَةُ ابنُ عُثَيْمين- رَحمه الله- :"أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّسَّمِّي بِـ«الإمام»؛ فَهُوَ أَهْــوَنُ بِكَثِيرٍ مِن التَّسِمِّي بِـ «شَيخِ الإسْلَامِ »"اهـ ([44])، وقَدْ عَقَدَ شـَمْسُ الدِّينِ السَّــخَاويُّ(ت:902هـ) مَبْحَثًا عمَّنِ « اِشْتَـهَرَ بِلَقَبِ شَيْخِ الإِسْلَامِ»، وقد قَالَ : "وَلَم تَكُنْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مَشْهُوَرةً بَيْنَ القُدَمَاءِ بَعْدَ الشَّيْخَيْن :الصِّدِيقِ وَالفَارُوقِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، الوَارِدُ وَصْفُهُمَا بِذَلِكَ عَنْ عَلٍيٍّ- رَضِي اللَّه عَنْهُ-([45])، وَقَدْ وَصَفَ الإمامُ الْمُبَجَّلُ أَحمَدُ بنُ حَنبَلَ- وَنَاهِيكَ بِوَرَعِهِ وَتَحَرِّيه - أَبَا الوَلِيد الطَّيَالِسِي ، وَأَحمَدَ بنَ يُونُسَ بِمَشْيَخَةِ الإِسْلَام ، وَلَم يَكُــنْ لَهُمَا سِوَى فَنّ الْحَدِيثِ "اهـ([46]).
    وقَال اللّغَويُّ بَكرٌ أَبو زَيْدٍ(ت:1429هـ):" ثُمَّ صَارَ لَا يُعْرَفُ فِي عُلَمَاءِ الإِسْلَامِ مَنْ فَاقَتْ شُهْرَتُهُ بِهَذَا اللَّقِبِ ؛ بِحيْثِ يَنْصَـرِفُ إِلَيْهِ ، وَلَوْ لَم يُقْرَنُ بِاسْـــمِه ، سِوَى شَيْخِ الإسْلَامِ ابنِ تَيْمِيَّةَ ... «الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ» "اهـ([47])، وَقَال العَلَّامَةُ ابنُ عثَيْمَين(ت:1421هـ):"أَمَّا التَّسَمِّي بـِ «شَيخِ الإسْلَامِ» مِثْلُ أَنْ يُقَالَ: شَيْخُ الإِسْلَامِ ابنْ تَيْمِيَّةِ ، أَو شَيخِ الإسْلَامِ محمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ، أَيْ :أَنَّهُ الشَّيْخُ الْمُطْلَقُ ، الَّذِي يَرْجِعُ إِلَيْهِ الإسْلَامُ ، فَهَذَا لَا يَصِحُّ ، إِذْ إِنَّ أَبَا بِكْرٍ- رضِي اللهُ عَنْهُ - أَحَقُّ بِهَذَا الوَصْفِ؛ لأَنَّهُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ بَعْدَ النَّبِيِّينِ ، وَلَكِنّ إِذَا قُصِدَ بِهَذَا الوَصْفِ أَنَّه «جَدَّدَ» فيِ الإسْلَامِ وَحَصَلَ لَهُ أَثَرٌ طَيِّبٌ فِي الِدفَاعِ عَنْهُ ؛ فَلَا بَأسَ "اهـ ([48]).
    وَقَالَ الشَّيْخُ صَالِحٌ العُصَيْميُّ :"وَلَا يُرَادُ بِهَذَا اللَّقَبِ أَنَّهُ شَيْخٌ لِلإسْلَامِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهَذَا اللَّقَبِ أَنَّهُ شَيْخٌ فِي الإسْلَامِ، وَكَوْنُهُ شَيْخًا في الإسْلَامِ، لَا يُرادُ بِهَا مَشْيَخَةُ السِّنِّ ، وَإنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا مَشْيَخَةُ الإِمَامَةِ فِي الدِّيـن وَتَقَدُّمُه ؛ لأَنَّ الشَّيْخَ أَصْلًا مَوْضَوعًا لِمَنْ تَقَدَّمَ فِي السِّنِّ"اهـ([49])، وقَال بَكْرٌ أَبو زَيْدٍ (ت:1429هـ) :"اعْلَمْ أَنَّ لِأَعْدَاءِ [ابن تَيْمِيَّةَ] مَنْهجًا مَريضًا فِي التَّسَتُّرِ مِنْ أَنْصَارِه ، وَإرضَاءِ مَا يَنْطَـوُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَشَارِبَ مَحَاهَا الإِسْلَامُ فَيَقُولُونَ عِنْدَ ذِكْرِهِ : قَالَ «الإمَـــامُ الشَّيْخُ» ابنُ تَيْمِيَّةَ ، فَإِمَامٌ فِي هُدًى أَو ضَلَالَةٍ، وَ«الشَّيْخُ» مِنْ كلمَاتِ التَّضْعِيفِ أَحْيَانًا "اهـ([50]).
    وَقَال ابنُ بَدْرَانَ الْحَنْبَلِيُّ(ت:1346هـ):"غَلَبَ عَلَى الْفُقَهَاء مِنْ أَصْـحَابِنَا وَغَيْرِهِم أَنَّهُم يَكتَــــفُونَ فِي الأَلْقَابِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صِنَاعَةٍ ، أَو مَحِلّة، أَو قَبِيلَةٍ ، أَوْ قَرْيَةٍ ، فَيَقُولُونَ - مَثَلًا- الْخِرْقِيّ نِسْبَة إِلَى بَيْعِ الْخِرَقِ ... وَكَانَت هَذِه عَادَةَ الْمُتَقَدِّمينَ ، ثمَّ جَاءَ مَنْ بَعْدَهمْ ؛ فَأَكْثرُوا الغُلُوَّ فِي الأَلْقَابِ ، الَّتِي تَقْتَضِي التَّزْكِيَةَ وَالثَّنَاء ؛ فَقَالُوا عَلَمُ الدّينِ ، وَمحِيي الدّينِ ، وَ شِهَابُ الدّينِ "اهـ([51]).
    وَقَال العَلَّامةُ الألْبانيُّ(ت:1420هـ):"
    اطَّلَّعْنَا ... عَلَى كِتَابٍ... لِلشَّيْخِ محمَّدٍ نَسِيبٍ الرِّفَاعِيِّ، الَّذي ذَيَّلَ اسْـــــمَهُ عَلَيْهِ بِلَقَبِ « مُؤَسِّسِ الدَّعْوَةِ السَّلفَيَّة وَخَادِمِهَا» ... وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ البَشَرِ - كَائِنًا مَنْ كَانَ- أَنْ يَدَّعِيَ تَأَسِيسَهَا ... وَلَعَلَّ أَحَدًا يُحَاوِلُ التِمَاسَ عُذْرِ لِلمُؤَلِّفِ بِأَنَّهُ إِنَّمَا قَصدَ مِنْ ذَاكَ اللَّقَبِ أَنَّهُ «مُجَــــدِّدٌ» ... لَكِنّ شَتَّانَ بَيْنَ الْمُؤَلِّفِ وَأُولِئَكَ الْمُجَـــدِّدِينَ ، وَحَسْبُهُ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا لأَحَدِهِم "اهـ([52]) وقَالَ الْمُحَــــدِّثُ العَبَّادُ(90سنة) :"الْمُجَدِّدُونَ يَتَمَيَّزُونَ ، وَيَبْرزُونَ ، وَيَتَقَدَّمُونَ ، وَيَتَفَّوقُونَ عَلَى غَيْرِهم، وَيُشَارُ إليهم بِالبَنَانِ بَتَفَوُّقِهِم ، وَيَرْجِعُ النَّاسُ إِلَيهم ؛ لِكَثْرَةِ عِلمِهِم ، وَبَذْلِهِم العِلمَ ، وَإفَادَتِهم لِغَيْرِهِم ... التَّمَيُّزُ عَلَى الغَيْرِ لَا يَتَحَقَّقُ لِكُلِّ أَحَدٍ ، فَمَثَلاً : شَيْخُنَا الشَّيخُ عَبْدُ العَزيزِ بنِ بَازٍ ... مُتَمَيِّزٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ ... كَذَلِكَ الشَّيخُ محمَّد بن عثَيْمِين ...الشَّيخُ نَاصِرُ الدِّينِ الأَلبَانِيُّ ... فَهَؤُلَاءِ «الأَئِمَّــــةُ» الثَّلَاثَةُ - ابنُ بَازٍ وَابنُ عثَيْمِين وَالأَلْبَانِي رَحِـمَهُم اللهُ - يُعتَبَرُون مُجَدِّدِي هَذَا القَرْنِ ...
    وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنَ السُّنَنِ قَدِ انْدَثَرَتْ وَنُسِيتْ يُعَدُّ مَجَــدِّدًا ؛ لأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ فِي بَلَدٍ مِنَ البُلدَانِ سُنَنٌ اِنْدَثَرَتْ فَيُحْيِيهَا عَالِمٌ، وَلَا يَقُالُ: إِنَّهُ هُوَ الْمُجَدِّدُ ، الَّذِي يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ ؛ لأَنَّ الْمُجَدِّدَ لَا يَكُونُ مُجَدِّدًا لِمَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ أَو لِقَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ انْدَثَرَتْ ، وَإنَّمَا الْمَقصُـودُ أَنْ يَتَمَيَّزَ بِكَثْرَةِ النَّفْع، وَكَثْرَةِ الْخَيْرِ ، وَالتَّبَصِيرِ بِالْحَقِّ وَالهُدَى، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ طُرُقِ وَمَسَالِكَ الرَّدَى ... وَلَا بَأَسَ أَنْ يُوجَدَ مِن عَالِمٍ تَجْدِيدٌ جُزْئِيٌّ، فَيُقَالُ: مُجَدِّدٌ فِي الْمِنْطَقَةِ الفُلَّانِيَّةِ، أَو البَلَدِ الفُلَانِيِّ "اهـ([53]).
    فَاسْتَفْدَنَا مِنْ كَلَامِ الْمُحَدِّثِ العَبَّادِ - وفَقَّه اللهُ لِمَا يُحبُّه وَيَرْضَى - فَوائِدَ مِنْهَا :
    الفَائِدَةُ الأولى : في تَجزُّإِ التَّجْدِيــــدِ ، قَال الألْبانيُّ (ت:1420هـ) :"وَلَوْ وَافْقَنَاهُ جَدَلاً عَلَى «حَشْرِ نَفْسِهِ مَعَهُم » لَكَانَ مِنَ الوَاجِبِ عَلَيْهِ أَنْ يُحِدِّدَ دَائِرَةً لِتَجْدِيدِهِ الْمَزْعُومِ كَبَلَدٍ ، أَو قُطْر "اهـ([54]).

    الفَائِدَةُ الثَّانيَّة : في قَوْلِهِ «التَّمَيُّزُ عَلَى الغَيْرِ لَا يَتَحَقَّقُ لِكُلِّ أَحَدٍ »، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا التَّمَيُّزَ يُدْركُهُ العُلَمَاءُ ، قَال الألْبانيُّ(ت:1420هـ):"مَنْ جَمَعَ العُلُومَ كُلَّهَا لَنْ يُتْقِنَ عِلْمًا وَاحِدًا مِنهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ قَد أُوتيَ حِفْظا وَذكَاء بَالغًا، وَهَذَا نَادِرٌ جِدًّا...؛ فَيَجِبُ أَنْ نُرَاعِيَ مَوضُوعَ التَّخَصُّصِ ... مَنِ الَّذِي يَحكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُتَخَصِّــــصٌ فِي ذَلِكَ العِلمِ ؟ هُنَا عَلَامَتَانِ اثْنَتَان ظَاهِرَتَانِ بَيِّنَتَانِ : أَوَّلًا : مَنْ أَكثرَ التَّأْلِيفَ فِي هَذَا العِلمِ ، وَهَذَا وَحْدَهُ لَا يَكْفِي ، وَثَانِيًا : شَـهِدَ لَهُ أَهلُ العِلمِ وَالفَضْلِ بِأَنَّهُ فِعْلًا عَالِمٌ وَمُبَرَّزٌ فِي فَنِّهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ الشُّهُودُ مُتَخَصِّصِينَ أَيْضًا ، وَإنَّمَا عُلمَاء ... هَذَا الْميزانُ مُمكِنٌ نَحنُ أَنْ نُقَدِّمَهُ لِكُلِّ مُسْلمٍ ، ثُمَّ هُوَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقِّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- وَلَا يُفْرِطُ ، وَلَا يُفَرِّطُ، لَا يُضيِّعُ حَقَّ الْمُتَخَصِّصِ ، «وَلَا يُغَالِي فِي إِعْطَاءِ مَا لَيْسَ لِهَذَا الْمُتَخَصِّصِ» "اهـ([55]).
    الفَائِدَةُ الثَّالثَةُ : في قَولِهِ «لَا يَقُالُ : إِنَّهُ هُوِ الْمُجَدِّدُ الَّذِي يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ »، قال ابنُ كَثِيرٍ (ت:774هـ):"وَقَدْ ذَكَرَ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ، عَالِمًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ يُنَزِّلُونَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَيْهِ "اهـ([56])، وقَـالَ الْمُحَــــدِّثُ عَبْدُ الْمُحِسِنِ العَبَّادُ(90سنة):"لَا يُسَلَّمُ بِكُــــلِّ مَنْ يُدَّعَى أَنَّهُ مِنَ الْمُجَدِّدِينَ "اهـ([57]).
    فَمَا أَقْعَدَ وأَجْوَدَ قَوْلَ ابنَ عُثَيْمَين -رَحِـمَهُ الله- :"
    الإجْمَاعُ قَاطِعٌ لِلنِّزَاعِ بِخِلَافِ النَّصِّ ، فَالنَّصُّ قَد يَكُونُ فِيهِ مَدْخَلٌ لِمُؤَوِّلٍ "اهـ([58])، وَلِذَا اِحَتَجَّ السُّيُوطِيُّ قَائِلاً :"قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِ الدِّينِ النَّوَوِيُّ ... عَقِبَ إِيرَادِهِ الْحَدِيثَ :«حَمَلَهُ العُلمَاءُ» فِي الْمَائَةِ الأُولَى عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيزِ ، والثَّانيةِ عَلَى الشَّافِعِيِّ ... وَقَال القاضي تَاجُ الدِّين السُّبْكِيُّ ... فِي تَرجَـمَةِ ابنِ سُرَيْـجٍ ... وَهُو عَالِمُ تِلكَ الْمَائَةِ الرَّابِـــعَةِ عَلَى «ما قَالَهُ جَمَاعَةُ أَهْلِ العِلمِ» ... وقَالَ فِي تَرجَمَةِ ... الإِسرَافِينِيِّ ... وَعَلَيْهِ «تَأَوَّلَ جَمَاعَةٌ مِنَ العُلمَاءِ» حَدِيثَ أَبي هُرَيْرَةَ .... وَقَالَ:... «لَم أَرَ أَحَدًا مِنْ مَشَايِخِنَا يَخْتَلِفُ» مِنْ أَنَّ ابنَ دَقِيقٍ العِيدِ هُوَ العَالِمُ الْمَبْعُوثُ عَلَى رَأْسِ الْمَائَةِ السَّابِعَةِ "اهـ([59])، ثمَّ قَالَ السُّيُوطِيُّ:"وَمِمَّنْ يَصْلُـحُ أَنْ يُعَدَّ عَلَى رَأْسِ الثَّلَاثِمَائَةِ الإمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ محمَّد بن جَريرٍ الطَّبَرِيُّ ، «وَعَجِيبٌ كَيْفَ لَم يَعدُّوهُ» ... بَلَغَ «رُتْبَةَ الاِجْتِـهَادِ الْمُطْلــَقِ الْمُسْتَقِّلِ»، وَدَوَّنَ لِنَفْسِهِ مَذْهَبًا ، وَلَهُ أتْبَاعٌ قَلَّدُوهُ ، وَأَفْتَوا وَقَضْـوا بِمَذْهَبِهِ ... وَكَانَ إِمَامًا فِي كُلِّ عِلم "اهـ([60]).
    وَقَالَ العَلَّامَةُ عَبدُ الرَّحْمَنِ بن قَاسِمٍ الْنَّجديُّ (ت:1392هـ):"وَذَكَرَ الشَّيخُ حُسَينُ بنُ غَنَّامِ وَغَيْرُهُ عَنَ أكابِرِ أَهْلِ عَصْرِهِمِ ، أَنَّهُمُ «شَهِدُوا» لَهُ [أي : محمَّد عَبدِ الوَهَّابِ] ... أَنَّهُ مِن جُمْلَةِ الْمُجَدِّدِينَ لِمَا جَاءَ بِهِ رَسُــولُ رَبِّ العَالَمِينَ ؛ وَكَذَلِكَ أَهْلُ مِصْــرَ ، وَالشَّامِ ، وَالعِرَاقِ ، وَالْحَرَمَينِ ، وَالهِنْدِ وَغَيْرِهِم ، تَوَاتَرَ عَنْ فُضَلَائِهِم وَأَذْكِيَائِهِم مَدْحُــــهُ ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ ، «وَالشَّهَادَةُ لَهُ أَنَّهُ جَدَّدَ » هَذَا الدِّينِ "اهـ([61])، وَقَال العَلَّامةُ الأَدِيبُ بَكْرٌ أَبُو زَيْدٍ(ت:1429هـ) :"أَلَّفَ الْحَافِظُ ابنُ نَاصِر الدِّين الدِّمَشْقِيُّ كِتَابَهُ النَّافِعَ العَظِيمَ (الرَّدَّ الوَافِـرَ ، عَلَى مَنْ زَعَم أَنَّ مَنْ لَقَّبَ ابنَ تَيْمِيَّةَ بِشَيْخِ الإِسْلَامِ فَهُوَ كَافِرٌ) ، فَسَاقَ فِيهِ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ وَالفِرَقِ مَنْ لَقَّبَهُ بِذَلِكَ "اهـ([62]).

    فَالْمَقْصُودُ - كَمَا قِيلَ -:«إقَامَةُ ‌الشَّهَادَةِ»([63])، وإظْهَارُ التَّوْقيعِ عَلَى أَنَّ فُلانًا عَالِمٌ ، أَوْ عَلَّامَــــةٌ ، أوَ مُتَخَصِّصٌ ، أَوْ إمامٌ في فَنِّ ما ، أَو مُجَدِّدٌ ، أَو شَيْخُ الإسلام ... إلَخ ؛ لِأَنَّ اللهَ ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى ﴾، «والعُلَمَاءَ - فِي قَدِيـمِ الزَّمَــــــانِ وَحَدِيثِهِ - هُمُ الْمُوَقِّعُونَ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ ، الْمُتَرْجِـمُونَ لِوَحيِهِ وَتَنْزِيلِهِ »([64])، قَالَ العلَّامَــةُ محمَّدٌ فَرْكُوسٌ:" فَالْمَعْلُومُ أنَّ الأَسْـمَاءُ وَالأَلْقَابَ وَالكُنَى َتدْخُــــلُ في بَابِ العَادَاتِ والْمُعَامَلَاتِ ، وَالأَصْلُ فِيهَا الْحِلُّ وَالْجَـوَازُ ، وَلَا يُنْتَقَلُ عَنْ هَذَا الأَصْلِ إلَّا إِذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَنْعِ وَالتَّحْرِيمِ، ومِن ضَوَابِطِ الأَسْـمَاءِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِن الأَصْلِ ، الَّتي تَنْدَرِجُ تَحْتَ حُكمِ التَّحْرِيمِ أَوْ الكَرَاهَةِ ... مَا كَانَ ... فِيهِ تَزْكِيَةً وكَذِبًا ... مِثْلُ :... «حُجَّة الإسْلَامِ»؛ ...، أَو «سيِّدِ الناس» ... ، أَوْ «سيِّدِ العُلمَاءِ» "اهـ([65])، وقَالَ العلَّامَةُ الأَلْبَانيُّ (ت:1420هـ) :"فَمَدحُ الْمُسْلِمين لِلنَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا لَيْسَ فِيـــهِ يَكُـــــونُ تَشَبُّهًا بِالنَّصَــــارَى ، فَيُنْهَى عَنْهُ لأَمْرَينِ : الأَوَّلُ كَوْنُهُ كَذِبًا فِي نَفْسِهِ "اهـ([66]).
    و« إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا صَاحِبَهُ لَا مَحَالَةَ ، فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا، وَاللهُ حَسِيبُهُ، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَدًا أَحْسِبُهُ - إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَاكَ - كَذَا وَكَذَا »([67])، وَالْجَاهِلُ لَا يَعْرِفُ الْعَالِمَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُـنْ عَالِمًا ([68])، قَالَ الشَّاطِبيُّ(ت:790 هـ):"وَالْعَالِمُ إِذَا لَمْ يَشْهَدْ لَهُ الْعُلَمَاءُ ؛ فَهُوَ فِي الْحُـكْمِ بَاقٍ عَلَى الْأَصْـلِ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ ؛ حَتَّى يَشْهَدَ فِيـهِ غَيْرُهُ ، وَيَعْلَمَ هُوَ مِنْ نَفْسِهِ مَا شُهِدَ لَهُ بِهِ "اهـ([69])، وفي تَنْبِئَةِ السُّيُوطِيِّ(ت:911هـ)([70])، وعَوْنِ الْمَعْبُودِ لآبَادِي(ت:1329هـ):"لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ الْمُجَـدِّدُ إِلَّا ‌بِغَلَبَةِ ‌الظَّنِّ ، ‌مِمَّنْ عَاصَـرَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِقَرَائِنِ أَحْوَالِهِ ، وَالِانْتِفَاعِ بِعِلْمِهِ"اهـ([71])
    وِمِنَ الْمَلِيحِ : يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يَحُكَّ رَأْسَهُ إِلَّا بِأَثَرٍ([72])، ولَا نُطْلِقُ عِبَارَةً إِلَّا بِأَثَرٍ([73])، وَإِيَّاكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةٍ لَيْسَ لَكَ فِيـهَا إِمَــامٌ([74])، وَإِنَّمَا فَسَدَتِ الأَشْيَاءُ حِينَ تُعِدِّيَ بِـهَا مَنَازِلُهَا([75])، قَالَ العلَّامَــةُ ابنُ عُثَيْمينَ(ت:1421هـ):"وَصْفُ الإنسَانِ بِمَا لَا يَسْتَحِقُّ هَضْمٌ لِلأُمَّةِ ؛ لأَنَّ الإنْسَانَ إِذَا تَصَوَّرَ أَنَّ هَذَا إِمَامٌ ، وَهَذَا إِمَامٌ ، هَانَ الإِمَامُ الْحَقُّ فِي عَيْنِهِ اهـ([76]).
    وقَال العلَّامَــةُ الألْبانيُّ(ت:1420هـ):"
    إنَّ لِلْإطْراء الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ مَعَنْيَيْنِ اثْنَيْنِ ، أَوَّلُهُمَا مُطْلَقُ الْمَدْحِ ، وَثَانِيـهُمَا : الْمَدْحُ الْمُجَاوِزُ لِلحَدِّ ، وعَلَى هَذَا فَيُمْكِـــنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ النَّهيَ عَنْ مَدْحِهِ مُطْلقًا ، مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّريعَةِ ، وَاكِتفَاءً بِاصْطِفَاءِ الله تَعَالَى لَهُ نَبِيًا وَرَسُولاً، وَ حَبِيبًا وَخَليِلاً ... وَيُمكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا تُبَالِغُوا في مَدْحِي؛ فَتَصِفُونِي بِأكْثَر مِمَّا أَسْتَحِقُّهُ ، وَ تَصبِغُوا عَلَيَّ بَعْضَ خَصَائِصَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَلَعَلَّ الأَرْجَحَ فِي الْحَدِيثِ الْمَعنَى الأَوَّلُ؛ لأَمْرَين ... ثَانِيهُمَا : مَا عَقَدَ بَعْضُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ لَهُ مِنَ التَّرْجَمَةِ ، فَأَوْرَدَهُ «الإمَامُ» التَّرمِذِيُّ - مَثَلاً - تحتَ عُنْوَان :«بَابُ تَوَاضُعِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّم -»"اهـ([77]).

    وَقَالَ العَلَّامَــــةُ السَّعْدِيّ(ت:1376هـ):"لَا بَأْسَ أَنْ يُخْبِرَ الإنسَانُ عَمَّا فِي نَفْسِهِ مِنْ صِفَاتِ الكَمَالِ مِنْ عِلْم أَو عَمَلٍ، إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ ، وَلَم يَقْصِدْ بِهِ العَبْدُ الرِّيَاءَ، وَسَلِمَ مِنَ الكَذِبِ؛ لِقَوْلِ يُوسُفَ :﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ "اهـ([78])، وقَال العَلَّامَــــــةُ ابن عُثَيْمِين (ت:1421هـ) :" وَصْفُ الإنسَانِ نَفسَه بِمَا فِيهِ مِنِ الْخَيْـر لاَ بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ الْمَقْصُــــودُ مُجَرَّدَ الْخَبَر، دُونَ الفَخْرِ؛ لِقَولِهم : ﴿وَنحنُ نُسَبِحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَولَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمِ- :«أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ ، وَلاَ فَخْرَ »"اهـ([79]) ، وَقَال العلَّامَــــةُ فَركُوسٌ :" مَنْ مَدَحَ نَفْسَه تَقُصُّدًا مِنْهُ ؛ لِيَكُونَ قَولُه أَوْقَعَ في القَلْبِ وَأَدْعَى لِلقَبُولِ فِي بَابِ النُّصْحِ وَالتَّعْلِيمِ، أَوِ الوَعْظِ وَالتَّأْدِيبِ، أَوْ لِلإصْلاَحِ بَيْنَ مُتَخَاصِميْنِ، أَوْ لدَفْعِ شَرٍّ عَنْ نَفْسِه ، أَوْ مِنْ بَابِ «الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَر»، وَمَا إِلَى ذَلِكَ ، وَكَانَ ـ مِنْ حَيْثُ أَعْلميَّتُه ـ مُحِقًّا فيها ، مُطَابِقًا قَوْلُه لِمَا هُوَ عَلَيهِ مِنْ وَاقِعِ عِلمِهِ، فَإنَّ مِثْلَ هَذِهِ التَّزْكِيَّةِ محَمُودَةٌ ؛ لِكَوْنِهَا تَجلِبُ مَصْلَحَةً دِينيَّةً ـ مِنْ جِهَةٍ ـ وَهِيَ ـ مِنْ جِـهَةٍ أُخرَى ـ شُكْرٌ لِلمُنْعِمِ سُبحَانَهُ بِالتَّحَدُّثِ بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِ ؛ عَملاً بِقَولِهِ تَعَالِى: ﴿ وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَــــدِّثۡ ﴾"اهـ([80]).
    وَقَالَ الشَّيْخُ صَالِحٌ العُصَيْميُّ:"لَا بأسَ بِذْكِرِ الأَلْقَابِ عِنْدَ الاِحْتِيَاجِ إليـهَا "اهـ([81]) ، وَفي مَوْضِــــعِ قَالَ:"الأَلْقَابُ العِلْمِيَّةُ كَانَتْ قَلِيلَةً نَادِرَةً فِي الأَوَّلِينَ ، ثُمَّ صَارَتْ فَاشِيَةً مُتَّسِعَةً فِي الْمُتَأَخِّريــنَ وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الأَوَائِلَ لِكَمَالِ عُلُومِهِم ، وَاسْتِقَامَةِ أَحْوَالِهم استَغْنَوا عَن الأَلْقَابِ، والْمُتَأَخِّرونَ لِنَقْصِ أَحْوَالِهِم ، وَقِلَّةِ عُلُومِهم اِحتَاجُوا إِلَى رَفْعِ أَنْفُسِهِم أَوْ غَيْرِهِم فِي رَفْعِهِم إِيَّاهم إِلَى تَلْقِيبـِهم بِـهَذِه الأَلْقَابِ، لِذَلِكَ لَا نَجِدُ في حَدِيثٍ عَنِ الشَّيْخِ أَبي هُرَيرَةَ قَالَ ، وَإِنَّمَا صَارَ عَلَمًا لِلمُتَأَخِّرِينِ، بحَيْث إِذَا خَاطَبْتَ أَحَدًا مِنْ مَشْيَخَةِ الْمُتَشَرِّعَةِ بِاسْمِهِ الْمُجَرَّدِ، لَا عَلَى إِرَادَةِ غَمْطِهِ حَقَّهُ، وَلَكِنّ لِجَـرَيَانِ اللِّسَانِ بِهِ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ اِسْتِنْقَاصًـا لَهُ ، وَمَـا رُؤْيَتُهُ ذَلِكَ إِلَّا لِنَقْصٍ فِي نَفْسِهِ ، وَأَمَّا أَبُو هُرَيْــرةَ - رَضي الله عنه - فَإِنَّهُ كَانَ مُسْتَغْنِيًا بِكَمَالِ عِلْمِهِ وَحَالِهِ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الأَلْقَابِ ، وَقَدْ قَالَ شَيْخُ الإسْلَامِ بن تَيْميَّةَ - رَحِـمِه الله تَعَالَى- : (العَارِفُ لَا يُطَالِبُ ، وَلَا يُعَاتِبُ ، وَلَا يُغَالِبُ ) ، فَمَنْ تَعَلَّقَتْ نَفْسُــهُ بِـهَذِهِ الأَلْقَابُ عَلَى وَجْهِ الْمُطَالَبَةِ أَو الْمُعَاتَبَةِ أَوْ الْمُغَالَبَةِ ، فَإِنَّ فِي تِلْكَ النَّفْسِ نَقْصًا وَبَذْرَةً مِنْ بُذُورِ الشَّرِّ يَجِبُ أَنْ يَنْتَزِعَهَا الإنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ ، وَإلَّا أَوْرَدَتْهُ الهَلَاكَ "اهـ([82]).
    وَقَالَ الْمُحَدِّثُ الوَادِعيُّ(ت:1422هـ):"الَّذِي يَعْلَمُ بِشَيْئٍ مِنَ العِلمِ- وَلَوْ فِي فَنٍّ مِنَ الفُنُونِ يُبّرَزُ فِيه- فَإنَّكَ تَرَى الإمَامَ الذَّهَبِيَّ ... يَصِفُ بَعْضَهُم بـ«العَلَّامةِ» ، وَهُوَ أَخْبَارِيٌّ ، لَيْسَ لَدَيْهِ مِنَ العِلم إلَّا السِّيَرَ يَعْرِفُهَا ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَفْظَةُ «شَيْخٍ» لاَ يَمنَعُ أَنْ تَكُـونَ «نِسْبِيَّةً»، نَحنُ الآن أَصْبَحْنَا بِالصَّحِيحِ حُثَالَةً، فَنَحْنُ عَلَى قَدْرِ زَمَنِنَا ... نَحْنُ نُطْلِقُ الآنَ عَلَى إِخْوَانِنَا الأَفَاضِـلِ بِأَنَّهم «مَشَايِخ» إِغَاظَةً لِلمُبْتَدِعَة ، وَنَذْكُر مَا لَدَيـهم مِنَ الْمَزَايَا ، وَكَأَنَّكَ تَضْرِبُ الْمُبْتَدِعَةَ بِالسِّيَاطِ إِذَا أَثْنَيْتَ عَلَى إِخْوَانِكَ ، هَذَا يُلَقِّبُهُ بِـ «أَسَدِ السّنَّةِ»، وَهَذَا يُلَقِّبُهُ بِأَنَّهُ «حَكيـمٌ» ، وَهَذَا يُلَقِّبُهُ بِكَذَا وَكَذا ، نَعَم نُلَقِّبُـهُم بِـهَذا ، وَنَرْفَعُ مِنْ شَأْنِهِم ؛ لأَنَّ الْمُبْتَدِعَةَ يَصِفُونَهُم بِأَوْصَافٍ لَا يَتَّقُونَ اللهَ فِيهَا "اهـ([83]).
    قُلتُ : وَلَعَلَّ بعْضَ الْجَــهَلَةِ يَتَوَسَّعُ في نَحوِ هَذِهِ الْحَاجَـةِ ، وَ يَتَّخِــــذُ كَلَامَ الشَّيْخِ الوَادِعيِّ مَطِيَّةً وَسُنَّةً ، فَيوزِّعُ أَلقابًا بِدَعْوَى الإِغَاظَةِ ، فَمَا أَصْدَق جَوَابَ العَلَّامَـةِ رَبيعٍ:"ولِفَالِحٍ عَجَائِبُ وَغَرَائِبُ تَدُلُّ عَلَى غَبَائِهِ... رَابِعًا: ... يَنْسَى مُؤلَّفَاتِ الأَئِمَّةِ ... وَيَتعَلَّقُ ... بِعبَارَاتٍ بَدَرَتْ مِن أُنَاسٍ قَصْدُهُم قَطْعًا غَيْرَ قَصْـدِهِ اهـ([84])، بَلْ إنَّ الشَّيْخَ مُقبِلاً - رَحِمَهُ اللهُ - بَلَغَهُ أنَّهم :"يَقُولُونَ أَنَّ الشَّيْخَ مُقْبِل يُحِبُّ الْمَــــدْحَ ، وَيُعَلِّلُونَ ذَلِكَ أَنَّكَ تُمْدَحُ أكثَرَ مِنْ مَرَّةٍ ، وَلَمْ تُنْكِــرْ عَلَى الْمَادِحِ ، بَلْ هُنَاكَ مَنْ يُقْسِمُ أَنَّكَ تُحِبُّ الْمَدْحَ ؟ "اهـ
    فَرَدَّ عَلَيْـهِم قَائِلًا :"أَمَّا مَسْألةُ الْمَـــدْحِ فَهُوَ أَحْسَـنُ مِنَ الذَّمِّ ، لَكِنّ بِحَقٍّ ... ، «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ» ... « فَإذَا كَانَ بِحَقٍّ وَالشَّخْصُ لَا يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُفتَنَ فَلَا بَأْسَ» ... وَنَحْــنُ نَتْرُكُ الإخْوَةَ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ ؛ إِغَاظَةً لأَصْحَابِ البِدَع ... نَتُركُ إِخْوَانَنَا يَتَكَلَّمُونَ بِالْحَقِّ ، وَبَعْضُ إِخْوَانِنَا رُبَّمَا يُبَالِغُ بَعْضَ الْمُبَالَغَةِ، وَأَنَا عَازمٌ- إن شاء الله- في طَبْعَةٍ قَادِمَةٍ لِلتَّرْجَمَةِ أَنْ نُعَدِّلَ بَعْضَ الأَشْيَاءِ الَّتي فِيهَا مُبَالَغةٌ ... فَالْمُهِمُّ الإِخْوَانُ الْمُفْلِسُونَ هُمُ الَّذِينَ إِذَا مَدَحُوا الشَّخْصَ كَبَّرُوا شَأْنَهُ وَعَظَّمُوهُ مَرْحَبًا بِالشَّيْخِ وَحَيَّا ، وَإذَا اِنْفَصَلَ مِنهُم قَالُوا : اِحْـــــذَرُوهُ ، هَذَا مِنْ جَمَاعَةِ التَّكْفِيرِ ، فإذا كَانَ الشَّخْصُ مَعَهُم فَهُو شَيْخُ الإِسْلَامِ ... فَالْمَدْحُ وَمَسْأَلُة التَّوَاضُــعِ أَمْرٌ طَيِّبٌ ، وَأَنَا أُخْبِرُ عَنْ نَفْسِي أَنَّنَي عِنْدَ نَفْسِي لَا أُساَويِ بَصَلَةً ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ "اهـ([85]).
    وهَلْ صَنِيعُ الغَزَّاليِّ(ت:505هـ) مِنْ بَابِ « الْحَاجَةِ وَالْمَصلَحَةِ» ؟! حَيْثُ قَالَ السُّيُوطِيُّ :"وَقَال الْحافظُ زَينُ الدِّينِ العرَاقيُّ: ... الغَالِبُ عَلَى الظَنِّ أَنَّ الغَزَّاليَّ هُوَ الْمُـرَادُ بِمَنْ يُجَدِّدُ لِهَذِهِ الأمة على رأس الْمَائَة الْخَامِسَةِ ، وَقَدِ اِدَّعَى الغَزَّالِيُّ نَفْسُهُ أَنَّهُ الْمَبْعُوثُ عَلَى رَأَسْ الْمَائَةِ الْخَامِسَـــــةِ ، فَقَالَ في كِتَابِهِ « الْمُنْقِذِ مِنِ الضَّلَالِ» ..."اهـ([86]).
    قَالَ العَلَّامَةُ فَرْكُوسٌ:"الغزَّاليِّ ... شَخْصِيَةٌ أُصُولِيَّةٌ نَادِرَةٌ ... غَيْرَ أَنَّ ... «مَسْلَكَهُ في التَّزْكِيَّةِ مَسْلكُ الْمُتَصَوِّفينَ» ... وَهُو ـ مِنْ حَيْثُ عَقِيدَتُه ـ مِنْ الأَعْلَام البَارِزِينَ لِلمَذْهَبَيْنِ الأَشْعَرِيِّ وَالصُّوفيِّ ... إلَّا أَنَّه كَانَ مُتَقَلِّبًا فِي الْمَذَاهِبِ ، الَّتِي تأثَّرَ بِــهَا حِينَ دِرَاسَتِهِ لَهَا ، كمَا أَفْصَحَ عن ذلك بنَفْسِه في «الْمُنْقِذِ مِنَ الضَّلَالِ»... لكنَّ اللهَ أَرَادَ لَهُ خَيْرًا ؛ فَرَجَعَ ـ في آخِرِ أَمْرِه "اهـ([87]).
    وقَال العلَّامَــــةُ حَسنٌ البنَّا(ت:1442) :"أمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَلَهُم صِبْغَةٌ خَاصَّــــةٌ ،﴿ ‌صِبۡغَةَ ٱللَّهِ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ ‌صِبۡغَةٗۖ وَنَحۡنُ لَهُ عَٰبِدُونَ"اهـ([88])، وَيَسْتَطيعُ النَّاظِرُ فِي كُتُبِ التَّرَاجمِ عِنْدَمَا يُنْعِمُ النَّظَرَ في السِّيَرِ وَالرِّجَالِ أَنْ يَتَجَلَّى لَهُ بِوُضُوحٍ مَظْهَرُ الاِنطْبَاعِ بِرُوحِ التَّوَاضِعِ وَالاِفْتِقَارِ ؛ لِهَذَا لَنْ يَرَى مَنْ يُلَقِّبُ نَفْسَــــهُ بِمَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ لَقَبِ عِلْمِيٍّ ، أَوْ لَقَبِ تَزْكِيَّةٍ فِي حَيَاتِهِ وَزَمَانِه ، بَلْ سَيَرَى مَوَاقِفَ الأَنَفَةِ مِنْ ذَلِك([89]).
    فَقَدْ نُشِرَت تِلكَ القَصِيدَةُ فِي مَجَلَّةِ الْجَامِعَةِ السَّلَفِيَّةِ الْهِنديَّة ، فَأَرْسَلَ سَـمَاحَةُ الَعلَّامَةُ عَبْدُ العَزيِز بن بازٍ(ت:1420هـ) تعقيبًا ، وَمِنْهُ قَـــــولُه :"اِطَّلَعْتُ عَلَى قَصِيدَةٍ ... لِفَضِيلَةِ الدّكتُورِ تَقي الدِّيـن الهِلَالِي ، وَقَدْ كَدَّرَتْنِي كَثِيرًا ، وَأَسِفْتُ أَنْ تَصْـــدُرَ مِنْ مِثْلِهِ ، وَذَلِكَ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الغُلُوِّ فِي الْمَدْحِ لي وَلِعُمُومِ قَبِيلتِي ، وَتَنَقُّصِهِ لِلزَّاهِدِ الْمَشهُورِ إبرَاهِيــم بنِ أَدْهَمَ - رَحِمَهُ اللهُ - وَتَفْضِيلِي عَلَيْهِ فِي الزُّهْدِ، وَعَلَى حَاتِمٍ فِي الكَرم ، وَتَسْوِيَتِي بِشُرَيْحٍ فِي القَضَاءِ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَدْحِ الْمَذْمُومِ الَّذي أُمِرَ الرَّسُولُ بِحَثْيِ التُّرَابِ فِي وُجُوهِ مَنْ يَسْتَعْمِلُه، وَإنِي أَبْرَأُ إِلَى اللهِ مِنَ الرِّضَا بِذَلِكَ، وَيَعْلَمُ اللهُ كَرَاهِيَتِي لَهُ ، وَامْتِعَاضِي مِنَ القَصِيدَةِ لِمَا سَـمِعْتُ فِيهَا مَا سَـمِعْتُ . "اهـ([90]).
    وَيُرْوَى أنَّ العَلَّامَــــةَ الإِبْرَاهِيـميَّ(ت:1385هـ) اِجْتَمَعَ في مَجْلسٍ مَعَ بَعْض العُلَمَاء ، فَقَدَّمَ أَحَدُهم العَلَّامَةَ الإِبْرَاهِيـميَّ قَائِلاً:"هذَا عَلَّامَــــةُ - بتَشْدِيدِ اللَّامِ - الْمَغِرْبِ "اهـ، فَتَعَقَّبَهُ الإِبْرَاهِيـميُّ- وَهُوَ يُمسِكَ بِـجُبَّتِهِ وَعِـمَامَتِهِ - قَائِلاً :"هَذَا عَلَامَـــــةُ - بَتَخْفيـف اللَّامِ - الْمَغْرِبِ "، أي : هذَا الْجُبَّةُ وَالعِمَامَــةُ مِن عَلَامَاتِ أَهْلِ الْمَغْرب([91])، وَخُوطِبِ بِهَذَا اللَّقَبِ [العَلَّامةِ] في مَحْضَرٍ عَام ، فَقَالَ لِلْمُخَاطَبِ : هَلْ تَعْرِفُ مَعْنَى هَذَا اللَّقَبِ ؟ قَالَ: هُوَ الْمُتَوَسِّعُ فِي الفُنُونِ ، قَالَ : وَهَلْ أَنَا مُتَوَسِّعٌ فِي الفُنُونِ؟! هَلْ تَعْلَم عَنِّي ذَلِكَ؟ فَكَانُوا يُنْكِرُونَ الْمُبَادَرَةَ بِهَذَا اللَّقَبِ([92]).
    وَمِنْ أَخْبَارِ العَلَّامَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ حُمَيدٍ (ت:1402هـ ) أَنَّهُ رُفِعَتْ إِلَيْهِ خُصُومَةٌ ، فَأَحْضَرَ الْخَصْمُ صَــــكًّا ، وَقَدْ كُتِبَ عَلَيْهِ (مِن القَاضِي السَّابِقِ )، ثُمَّ بَعَثَ الشَّيْخُ بن حُـمَيدٍ - وَكَانَ كَفِيفًا - إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِ القَاضِي السَّابِق ، فأجْمَعُو عَلَى أَنَّ هَذَا خَطُّهُ ، لَكنَّ بنَ حُمَيْد قَال : هَذا الصَّكُّ لَا يَصِحُّ ؛ فَاعْتَرَفَ الْخَصْـــمُ بِأنَّهُ بَقِيَ ثَلَاثُ سِنِينَ ؛ حَتَّى أَتقَنَ خَـــطَّهُ ، فَتَعَجَّبَ الطُّلَّابُ مِن ذِكاء بن حُمَيْدٍ ، فَسُئلَ : كَيفَ عَرفت ذَلِكَ ، فَقَالَ :"لأَنَّ فيِ آخِرِ الصَّكِّ «وَكَتَبَهُ الشَّيْخُ»، وَالشَّيخُ لَا يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ شَيْخًا "([93]).
    وَقَال الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحمَنِ العُمَيْسَان عَنْ شَيْخِه الْمُحدِّثِ العبّاد :"ذَاتَ يَوْمٍ ... قَالَ: جَاءَتْنَا شُحْنَةٌ مِنَ الكُوَيت ، مِنْ كِتَابِي :(الِانْتصَارِ لِلصّحَابَةِ الأَخْيار ) ، وَ كَتَبُوا عَلَيـهَا : الشَّيْخُ ـ أَعْني ـ إِعْدَادَ الشَّيْخِ الْمُحَـدِّثِ عَبْدِ الْمُحسنِ بن حَـمَدٍ العَبَّادِ البَدر ، ثُمَّ أَتَى بِأَوْلَادِهِ ... مَا عَدَا شَيْخِنَا الشَّيخِ عَبْدِ الرّزَّاقِ ، وَأَيْضًا أَخُوه مُحمَّد ... وَ كلٌّ مَعَهُ مُزِيلٌ ، الْمُزيـــــلُ الأَبْيَضُ ، وَ كُلُّنَا نَشْتَغِلُ عَلَى هَذِهِ الشُّحْنَةِ ، قَرِيبٌ مِن 1500 نُسْخَةً ، أَوْ قَريبٌ مِنْ كَذَا ، نُزِيــــــلُ هَذِهِ الأَلْفَاظَ : ( الشَّيْخُ الْمُحَدِّثُ) مِنَ الغِلَافِ، وَمِنَ الصَّفْحَةِ الأُولَى "اهـ([94]).
    وَقَال
    الْحدَّاديَّ فَالِحٌ (ت:1441هـ) :"هَلْ يَسْتَحِقُّ رَبِيعٌ عِنْدَهُ وَصْفُ إِمَامِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ، أَوْ وَصفُ رَبيعِ السُّنَّةِ ، أَوْ لَقَبُ النَّاصِحِ الصَّادقِ ؟"اهـ ، فَرَدَّ العَلَّامَةُ رَبيعٌ مُفَنِّدَا :"رَبيِعٌ لَا يُحِبُّ أَنْ يُوصَفَ بِهَذِهِ الأَوْصَافِ "اهـ([95])، وفي مَوضِعٍ قَالَ :"عِلمُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ عِلمٌ عَظِيمٌ، وَلَا يَتَصَدَّى لَهُ إِلَّا أَفْرَادٌ مِنَ النَّاسِ ، حَتَّى كَثِيرٌ مِنْ كِبَارِ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ مَا عَدَّهُم العُلمَاءُ فِي الْجَرحِ وَالتَّعْدِيلِ وَأَنَا أَقُـــولُ لَكُم : إِنَّنِي لَسْتُ مِنْ عُلمَاءِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ، وَأَنْصَحُ الإِخْوَانَ عَنْ تَرْكِ الْغُلُوِّ - بَارَكَ اللهُ فِيكم - ، فَأَنَا نَاقِدٌ ، نَاقِدٌ ، نَقَدتُ عَدَدًا مِنَ النَّاسِ مُعَيَّنِينَ فِي أَخْطَائِـهِم ؛ فَطَوَّرَهَا النَّاسُ ... فَأَنَا أَبْرَأُ إِلَى اللهِ مِنَ الغُلُوِّ ، لَا تَقُولُوا: الشَّيخِ رَبيعٌ «إِمَامُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ» أَبَدًا ، أُشْهِدُ اللهَ أَنِّي أكْـرَهُ هَذَا الكَلَامَ ، اتْرْكُوا هَذِهِ الْمُبَالغَاتِ يَا إِخْوَةُ ، وَاللهِ - أَنَا مِنْ زَمَــــانٍ إنِّي بِفِطْرِتِي أكْرَهُ هَذِهِ الأَشْيَاءَ ، وَإِنِّي لَمَّا أَقِفُ فِي كَونِ ابنِ خُزَيْمَةَ «إِمَامًا مِنَ الأَئِمَّةِ»، وَهُوَ إِمَامٌ - وَاللهِ- عَظِيمٌ ، لَكِنّ إِمَامَ الأَئِمَّةِ أَرَاهَا ثَقِيلَةً "اهـ([96]).

    وقَال العَلَّامَةُ ابنُ بازٍ(ت:1420هـ):"الْمَشَايِخُ يَجِبُ عَلَيهِم اتِّبَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم- في كَرَاهَةِ الْمَدْحِ ، وَأَنْ لَا يَتَسَاهَلُوا فِي هَذَا ؛ لأَنَّ إِطْلَاقَ الْمَدِيــح لَهُم مِنْ أَتْبَاعِهم ، أَوْ مِنْ طَلَبَتِهم قَدْ يُفْضِي إِلَى شَرٍّ، وَإلَى عُجبٍ، وَإِلَى خُيَلَاءٍ وَكِبْرٍ، فَالَّذِي يَنْبَغِي للعُلمَاءِ أَن يَكْرَهُوا الْمَدْحَ ، وَأَنْ لَا يَسْمَحُوا لأَتْبَاعِهِم وَطَلبِتِهم بِالتَّوَسُّعِ فِي هَذَا أَمَّا الْمَدْحُ القَلِيلُ ، الشَّيْءُ القَلِيلُ ، الَّذِي للتَّشْجِيعِ عَلَى الْخَيْرِ ، وَالتَّقْوِيَّة عَلَى الْخَيْرِ، وَالتَّنْشِيطِ عَلَيْهِ فَلَا بَأَس ... أَمَّا التَّوَسُّعُ فِي الْمَدِيـح ، وَالإكثَارُ مِنهُ فَالأَولَى تَرْكُهُ، وَلَوْ كَانَ بِحَقٍّ ؛ لأَنَّهُ يُخْشَى فِيهِ الفِتنَةُ إِذَا كَانَ الْمَمْدُوحُ حَيًّا يَسْمَعُ "اهـ([97]).
    وَقَال ابن عُثَيْمين(ت:1421هـ) :"النَّفْسُ قَدْ تَصْعُبُ السَّيْطَرةُ عَلَيْهَا فِيـمَا إِذَا شَــــعَرَ الإِنْسَانُ بِأَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِـ«قَاضِي قُضَاةِ» النَّاحِيَّة الفُلَانِيَّةِ، فَقَدْ يَأخُذُهُ الإعجَابُ بِالنَّفْس، وَالغُرُورُ، حَتَّى لَا يَقْبَلَ الْحَقَّ إِذَا خَالَفَ قَوْلَهُ ، وَهَذِهِ مَسْأَلةٌ عَظِيـــــمَةٌ لَهَا خَطَرُهَا ، إِذَا وَصَلَتْ بِالإِنْسَانِ إِلَى الإِعْـجَابِ بِالرَّأْيِ، بِحَيْثِ يَرَى أَنَّ رَأْيَهُ مَفْرُوضٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُ؛ فَإنَّ هَذَا خَطَرٌ عَظِيمٌ ، فَمَعَ القَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَهُ اِسْـمًا لِنَفْسِهِ ، أَوْ وَصْفًا لَهُ ، وَلَا أَنْ يَتَسَمَّى بِهِ "اهـ ([98]).
    ( وَخَاتِمَةُ الْمَقْصُودِ )
    قَالَ الشَّيخُ صَالِحٌ العُصَيْميُّ:"والْمَقْصُودُأَنْتَعْرِفَأَنَّالطَّرِيقَةَالشَّرعيَّةَوَالسَّليِقَةَ العَرَبِيَّة والأَرُومَةَالنَّجْدِيَّةَ تَمْنَعُ هذَا، فَلَم يَكُونُوا يُحَبِّذُونَ الأَلْقَابَ ، وَعَلَى هَذَا كَانَ بَقِيَّةُ البَاقِي مِنَ العُلمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ الصَّالِحين بِالبِلَادِ الإِسْلَامِيَّةِ ... فَيَنْبَغِي عَلَى طَالِبِ العِلمِ السَّائِرِ عَلَى الْجَادَّةِ، الآخِذِ بِمَا أَفَادِ ، أَنْ يَحْذرَ مِنَ التَّوَسُّعِ فِي الأَلْقَابِ ...وَأَنْيَعْتَنِيَفِيمَعْرَفِةِهَذَاالأَصْلِ، وَأَنْيُلَازِمَهُ ،لِئَلَّايَقَعَفِيشَيْءيَفْضَحُهُهُوَ، وَيَفْضَحُمَنْ خُوطِبَبِهِ ،فَكَثِيرٌمِنَالطَّلَبَةِيَجْرُّونَعَلَىمَشَايِـخِهِمالإِزْرَاءَوَالعَيْبَبِوَضْعِهِمِفِيمَنَازِلَ لَيْسَتْ لَهُم "اهـ([99])
    وَمِنْ ذَلِكَ مَا حَصَلَ للشَّيْخِ محمَّدٍ نَسِيبٍ الرِّفَاعِيِّ(ت:1413هـ)؛ حَيُثُ رَدَّ عَلَيْهِ الألْبانيُّ -رحِـمَهُمَا الله - قَائلاً:"أَمَّا إطْلَاقُــــهُ ذَاكَ اللَّقَبَ الفَضْفَاضَ [مُؤَسِّسَ الدَّعوَةِ السَّلَفِيَّة وَخَادِمَهَا ]؛ فَإنَّه يُوحِي إِلَى القُرَّاء بِأَنَّهُ «الْمُجَدِّدُ لِلإِسْلَامِ فِي العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ كُلِّهِ فِي هَذَا العَصْــــرِ» وَأَيْنَ هُوَ مِنْ هَذَا؟ أَضِفْ إِلَى ذَلكَ أَنَّ مِنَ الأَخْلَاقِ الأَسَاسِيَّة ، الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَتَّصِفَ بِهَا الدَّاعِيَّةُ الْمُسْلمِ: التَّوَاضُعُ وَالبُعْدُ عَنْ حُبِّ الظُّهُورِ، وَالتَّفَاخُرِ ، وَالاِدِّعَاءُ "اهـ([100]).
    قَالَ الشَّيْخُ صَالِحٌ العُصَيْميُّ:"نَعَمْ ، إِذَا كَانَ اللَّقَبُ مَوْضُوعًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى وَظِيفَةٍ رَسْــــمِيَّةٍ كَانَ مِنَ الأَدَبِ مُخَاطَبَتُهُ بِذَلِك الَّلقَبِ ؛ لأَنَّ الأَلْقَابَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالوَظَائِفِ الرَّسْـــــــمِيَّةِ لَيْسَتْ كَالأَلْقَابِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالأَوْضَــاعِ العِلْمِيَّةِ ، فَإِنَّ الأَوْضَـاعَ العِلْمِيَّةَ هِيَ فِي عُبُودِيَّةِ اللهِ ، وَالوَظَائِفَ الرَّسْـمِيَّةَ هي فِي تَدْبِيرِ الوِلَايَةِ ، فَإذَا رَأَى وَلِيُّ الأَمْرِ تَدْبِيرَ الوِلَايَةِ بِأَلْقَابٍ مُتَعَارَفٍ عَلَيْها - كَـمَعَالِي الشَّيخِ ، أو سَعَادَةِ الشَّيخِ أَو الدّكتُور - كَانَ ذَلِكَ سَائِغًا ، وَالأَولَى اجْتِنَابُهَا ، وَأمَّا الأَلْقَابُ الَّتي لَم تُوضَعْ عَلَى هَذَا السَّنَنِ مِنْ تَدْبِيرِ وَلِيِّ الأَمْرِ؛ فَالأَفْضَلُ مَجَانَبَتُهَا وَتَرْكُهَا([101])، وَإنَّ مِمَّا تَطْمَئِنُّ بِهِ القُلُوبُ العِلمُ بِأَنَّ «الأَلقَابَ الدِّينِيَّة تُوهَبُ، وَلَا تُكْسَبُ»، فَهِيَ مَوَاهِبُ اللهِ لِمَنْ شَاءَ من عباده ، وَلَوِ اِجتَمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنْ يُعْطُوا أَحَدًا لَقَبًا مِنَ الأَلْقَابِ وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّهُ؛ فإنَّ اللهَ يَسْلُبُهُ ذَلِكَ اللَّقَبَ ، وَلَوِ اِجتَمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنْ يَمْنَعُوا أَحَـــــدًا لَقَبًا يَسْتَحِقُّهُ ؛ فِإنهُم لَا يُمكِنهُم أَن يَفْعَلُوا ذَلِكَ ، فَإنَّ أَصْلَ العِلَم- وَهُو النُّبُوَةُ- اصْطِفَاءٌ وَاختِيَارٌ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَالعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنبِيَاءِ ، وَإنَّ «اللهَ لَا يَجْـــعَلُ حُكمَ وَرَثَتِهِ عِنْدَ النَّاسِ» ، وإِنَّمَا الْحُكمُ مِنْهُ سُبحَانَهُ ، فَـ :﴿ لَهُ الْحُـكمُ ﴾،﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ "اهـ([102]).
    يُتْبَعُ - إنْ شَاءَ اللهُ -

    ([1])( قواعد في التعامل مع العلماء ص 99 ) عبد الرحمن الويحف ، بتقديم ابن باز .
    ([2]) (القول المفيد 2/250 إلى 252 ) محمد بن صالح العثيـمين(ت: 1421هـ ـ)
    ([3]) (الجامع لأحكام القرآن 13/83 ) أبو عبد الله القرطبي (المتوفى: 671هـ)
    ([4]) (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ص9) ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)
    ([5])(تيسير الكريم الرحمن ص587 ) عبد الرحمن السعدي (ت: 1376هـ)
    ([6]) (تفسير الماوردي = النكت والعيون 4/ 161 )
    ([7]) (غرائب التفسير وعجائب التأويل 2/ 824 ) محمود الكرماني ، ويعرف بتاج القراء (ت نحو:505هـ)
    ([8]) (الجامع لأحكام القرآن 13/83 ) أبو عبد الله القرطبي (المتوفى: 671هـ)
    ([9]) (تفسير الماوردي = النكت والعيون 1/380)
    ([10]) (مجموع الفتاوى 18/162 ) ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ)
    ([11]) (شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى بـ (الكاشف عن حقائق السنن) 11/3374 ) الطيبي (ت :743هـ)
    ([12]) (تفسير الماوردي = النكت والعيون 1/380)
    ([13]) (مختصر الشمائل المحمدية ، بَابُ مَا جَاءَ فِي تَوَاضُعِ رَسُولِ اللَّهِ رقم 284 ) الترمذي (المتوفى: 279هـ) تحقيق: اختصره وحققه محمد ناصر الدين الألباني
    ([14]) (عشرون حديثا من صحيح البخاري دراسة اسانيدها وشرح متونها ص 186 ) عبد المحسن العباد البدر
    ([15])( تقريرات على فصول ف يمعرفة ما اشتهر عند الحنابلة من عالم أو كتاب ) صويتة مفرغة ص 9 ) الشيخ صالح العصيمي
    ([16]) مقطع يوتيوب بعنوان (الشيخ ربيع: "لست من علماء الجرح والتعديل" ويوجه نصيحة قيمة).
    ([17]) ( ألقاب زائفة ) بواسطة (تغريب الألقاب العلمية ص 345 ) بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ)
    ([18]) (معجم المناهي اللفظية ص314 ) بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ)
    ([19])(جلباب المرأة المسلمة ص200 ) محمد ناصر الدين، الألباني (المتوفى: 1420هـ)
    ([20])(التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل ص 184 ) عبد الرحمن المعلمي العتمي اليماني (ت:1386هـ)
    ([21])( تقريرات على فصول ف يمعرفة ما اشتهر عند الحنابلة من عالم أو كتاب ) صويتة مفرغة ص 7 ) الشيخ صالح العصيمي
    ([22]) (معجم المناهي اللفظية ص13 ) بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ)
    ([23])مقطع صوتي يوتيوب(رأي الشيخ ابن عثيمين في إطلاق لفظ الإمام على العالم كابن تيمية والموفق والبخاري ومسلم )
    ([24])من صوتية مفرغةة بعنوان ( الفرق بين كتب الفقه وكتب الأحاديث ) صَالِح آل الشَّيخ .
    ([25])( مجموع الفتاوى )20/ 204
    ([26])(الإقناع بما جاء عن أئمة الدعوة من الأقوال والاتباع ص 20 ) للعلامة د. / محمد بن هادي .
    ([27])(إعلام الموقعين عن رب العالمين 2/185) ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)
    ([28])مقطع صوتي (هل تراجع النووي رحمه الله تعالى عن موافقته للمتكلمين؟ ) من شرح الأربعين النووية الحديث العشرين
    ([29])(الشرح الممتع 1/17 ) محمد صالح العثيمين (ت:1421هـ)
    ([30])(منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية 3/504 ) ابن تيمية (ت 728هـ)
    ([31])(الاستقامة 1/ص9 ) تقي الدين أبو العباس ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728هـ)
    ([32])(الاستقامة 1/ص168 ) تقي الدين أبو العباس ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728هـ)
    ([33])(شرح العقيدة الواسطية 2/376 ) محمد صالح العثيمين (ت:1421هـ)
    ([34])(إعلام الأجيال ، بكلام الإمام الوادعي في الفرق والكتب والرجال ص27 ) سليم بن عبد الله الخوخي .
    ([35])(شرح سنن أبي داود ) دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية 5/483 .
    ([36])مقطع صوتي يوتيوب بعنوان (الشيخ صالح الفوزان: حكم تلقيب أبي حنيفة ب(الإمام الأعظم) !)
    ([37])مقطع صوتي يوتيوب بعنوان(الشيخ صالح الفوزان : حكم لقب الإمام الأوحد للشخص الواحد)
    ([38])مقطع صوتي يوتيوب بعنوان(العلامة صالح الفوزان : يكفي أنّ الإمامين ابن باز وبن حميد تلامذة الإمام محمد بن ابراهيم )
    ([39])من تقريظ كتاب (رسالة في حكم إعفاء اللّحَى محمدّ حياة السندي) تحقيق الشيخ عبد المجيد جمعة .
    ([40]) (الفتح المأمول» ص17 ) بواسطة موقع العلامة د/ محمد فركوس
    ([41]) مقطع صوتي مفرغ بعنوان (إطلاق لفظ شيخ أو عالم أو محدث أو حافظ ...) موقع صفحات الشيخ أبي عبد الرحمن مقبل الوادعي . من شريط : ( أسئلة السلفيين من أهل صنعاء )
    ([42])(الأجوبة المرضية عن الأسئلة المكية" عند المسألة الرابعة عشرة ص 73 )
    ([43]) مقطع يوتيوب(مجدد الجرح والتعديل في القرن الرابع عشر هو الشيخ ربيع ين هادي المدخلي - العلامة محمد البنا ) .
    ([44]) (القول المفيد 2/250 إلى 252 ) محمد بن صالح العثيـمين(ت: 1421هـ ـ)
    ([45]) (الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر ص 1/66 ) شمس الدين السخاوي (ت :902ه،)
    ([46]) (الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر ص 1/68 ) شمس الدين السخاوي (ت :902ه،)
    ([47]) (معجم المناهي اللفظية ص314 ) بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ)
    ([48]) (القول المفيد 2/250 إلى 252 ) محمد بن صالح العثيـمين(ت: 1421هـ ـ)
    ([49])( تقريرات على فصول ف يمعرفة ما اشتهر عند الحنابلة من عالم أو كتاب ) صويتة مفرغة ص 11 ) الشيخ صالح العصيمي
    ([50]) (معجم المناهي اللفظية ص314 ) بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ)
    ([51])(المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل - العقد السادس ص405- ) عبد القادر بن بدران (ت: 1346هـ)
    ([52])(التوسل أنواعه وأحكامه ص89 ) محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى: 1420هـ)
    ([53])(شرح سنن أبي داود ) دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية 5/483 .
    ([54])(التوسل أنواعه وأحكامه ص90 ) محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى: 1420هـ)
    ([55])(المصدر: الشريط الثامن من فتاوى جدة].
    ([56])(البداية والنهاية 9/303) أبو الفداء ابن كثير (ت: 774هـ)
    ([57])(شرح سنن أبي داود ) دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية 5/483 .
    ([58])(الشرح الممتع على زاد المستقنع 8/94 ) محمد بن صالح بن محمد العثيمين (ت:1421هـ)
    ([59])(التَنْبِئَةِ بمن يبعثه الله على رأس كل مائة 33 ) السيوطي( ت:911هـ)
    ([60])(التَنْبِئَةِ بمن يبعثه الله على رأس كل مائة 46 ) السيوطي( ت:911هـ)
    ([61])(الدرر السنية في الأجوبة النجدية 16/324 ) عبد الرحمن بن محمد بن قاسم(ت:1392هـ)
    ([62]) (معجم المناهي اللفظية ص314 ) بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ)
    ([63])(عقيدة محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي 1/18 ) صالح بن عبد الله العبود، الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية
    ([64]) (مصباح الظلام ص 235 ) عبد اللطيف آل الشيخ (ت:1293هـ)
    ([65]) (ضوابط الأسماء المنهيِّ عنها ) العلامة د محمد فركوس .
    ([66])(جلباب المرأة المسلمة ص200 ) محمد ناصر الدين، الألباني (المتوفى: 1420هـ)
    ([67]) صحيح مسلم (ت: 261هـ) رقم : (3000) ، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي
    ([68]) ( الفقيه و المتفقه 2/150 ) الخطيب البغدادي ( ت : 463 هـ ) .
    ([69])(الاعتصام 2/738 ) الشاطبي (ت: 790هـ).
    ([70])(التَنْبِئَةِ بمن يبعثه الله على رأس كل مائة 62 ) السيوطي( ت:911هـ)
    ([71])(عون المعبود شرح سنن أبي داود 11/262 ) محمد أشرف آبادي (ت :1392هـ)
    ([72]) (ذم الكلام وأهله 2/182) أبو إسماعيل الهروي (المتوفى: 481هـ)
    ([73]) (العلو للعلي الغفار ص 596 ) شمس الدين الذهبي (المتوفى: 748هـ)
    ([74]) (مناقب الإمام أحمد) أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (ت: 597 هـ)
    ([75]) (المدخل1/128) ابن الحاج المالكي (المتوفى: 737هـ)
    ([76]) (القول المفيد 2/250 إلى 252 ) محمد بن صالح العثيـمين(ت: 1421هـ ـ)
    ([77]) التوسل أنواعه وأحكامه ص 80-81) أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، الألباني (المتوفى: 1420هـ)
    ([78])(تيسير الكريم الرحمن ص407 ) عبد الرحمن السعدي (ت: 1376هـ)
    ([79]) (تفسير الفاتحة والبقرة 1/118 ) محمد بن صالح العثيمين (المتوفى: 1421هـ)
    ([80]) (تزكية النفس بين المذموم والمحمود ) العلامة د محمد فركوس .
    ([81])مقطع يوتيوب بعنوان (لماذا تذكر أسماء العلماء بدون أن تسبقها بكلمة شيخ ؟ )الشيخ صالح العصيمي
    ([82])( تقريرات على فصول ف يمعرفة ما اشتهر عند الحنابلة من عالم أو كتاب ) صويتة مفرغة ص 12 ) الشيخ صالح العصيمي
    ([83]) مقطع صوتي مفرغ بعنوان (إطلاق لفظ شيخ أو عالم أو محدث أو حافظ ...) موقع صفحات الشيخ أبي عبد الرحمن مقبل الوادعي . من شريط : ( أسئلة السلفيين من أهل صنعاء )
    ([84])قد سبق قليلا قول الشَّيخُ مُحيِ الدِّين: "... أَظُنُّهم بَهَالِيلَ ، فَهمُهُم رَدِيءٌ "، وخاطب الشيخ جمعة الصعفوق حمودة :"ما كنت أعلم أنك غبي سيئ الفهم "( الجواب من الجواب 03 )
    ([85]) مقطع صوتي مفرغ (يقولون أن الشيخ مقبل يحب المدح ويعللون ذلك )موقع صفحات الشيخ أبي عبد الرحمن مقبل الوادعي من شريط : ( أسئلة السلفيين من أهل صنعاء ).
    ([86])(التَنْبِئَةِ بمن يبعثه الله على رأس كل مائة 47 ) السيوطي( ت:911هـ)
    ([87]) (في حكم الاستفادة مِن كتاب «إحياء علوم الدين» لأبي حامدٍ الغزَّالي) العلامة د محمد فركوس .
    ([88]) من مقدمة تقريظه لكتاب(التعصب للشيوخ ص 5 ) للشيخ أبي عبد الاعلى المصري .
    ([89]) (تغريب الألقاب العلمية ص 315 ) بكر بن عبد الله أبو زيد (ت:1429هـ)
    ([90]) (رسالة إلى مدير مجلة الجامعة السلفية في استنكار إطراء لسماحته) موقع الإمام ابن باز ، (الرسائل المتبادلة بين الشيخ ابن باز والعلماء (ص341))
    ([91])هذه القصة رويته بالْمعنى ، ولَم أقف عليه وإنَّمَا سـمعتها من أستاذِ اللغة العربية في الثانوية منذ أكثر من 25 سنة .
    ([92])( تقريرات على فصول ف يمعرفة ما اشتهر عند الحنابلة من عالم أو كتاب ) صويتة مفرغة ص 8 ) الشيخ صالح العصيمي
    ([93])مقطع يوتيوب بعنوان (لماذا تذكر أسماء العلماء بدون أن تسبقها بكلمة شيخ ؟- باختصار وتصرف -)الشيخ صالح العصيمي
    ([94])(مقطع مفرغ )( الشيخ عبد المحسن العبّاد يضرب المثال في التّواضع قولا و عملا)أرشيف منتديات التصفية والتربية .
    ([95])(براءة الأمناء مما يبهتهم به أهل المهانة والخيانة الجهلاء ص26 ) د / العلامة ربيع بن هادي .
    ([96]) مقطع يوتيوب بعنوان (الشيخ ربيع: "لست من علماء الجرح والتعديل" ويوجه نصيحة قيمة).
    ([97]) مقطع صوتي مفرغ (حكم مديح المشايخ) موقع الإمام ابن باز
    ([98]) (القول المفيد 2/252 ) محمد بن صالح العثيـمين(ت: 1421هـ ـ)
    ([99])( تقريرات على فصول ف يمعرفة ما اشتهر عند الحنابلة من عالم أو كتاب ) صويتة مفرغة ص 8) الشيخ صالح العصيمي
    ([100])(التوسل أنواعه وأحكامه ص91 ) محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى: 1420هـ)
    ([101])( تقريرات على فصول ف يمعرفة ما اشتهر عند الحنابلة من عالم أو كتاب ) صويتة مفرغة ص 8 و9 ) الشيخ صالح العصيمي
    ([102])صوتية (هيئة كبار العلماء: تعريف بها، والرد على التهم الموجهة إليها د: 18 ) الشيخ صالح العصيمي - عضو هيئة كبار العلماء سابقا -
    الملفات المرفقة
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
يعمل...
X