إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التذكيرُ بعظيم أجر إسباغ الوضوء على المكاره زَمن الشتاء

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التذكيرُ بعظيم أجر إسباغ الوضوء على المكاره زَمن الشتاء

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيِّدنا ونبيِّنا محمد خاتَم الأنبياء والمرسلين، وعلى آلهِ وصحبه وإخوانه أجمعين.
    أما بعدُ:


    فإنَّ منْ آكدِ العبادات، وأجلِّ الفروض وأعظمِها الصَّلاة؛ فقد جاءَت في بَيانِ شأنِها وخطورَة تركها جُملة كثيرة من نُصوص الكتابِ والسُّنة، وآثارِ الصحابة والتَّابعين وأئمة الإسلام.
    وقد اشْتُرط لها وعُلِّقت صحَّتها بصِحَّة الوضوء؛ فعن أبي هُريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَقبَلُ اللهُ صلاةَ أحَدِكُم إذا أَحدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأ» [أخرجه البُخاري (٦٤٤٠)، ومسلم (٣٣٠) وغيرهما]، وعنهُ أيضا أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ أمتي يُدعَونَ يومَ القيامةِ غُرًّا مُحَجَلِينَ من آثارِ الوُضوءِ، فمَنِ استَطاعَ مِنكُم أنْ يُطيلَ غُرَّتَهُ فَليَفعَل» [أخرجه البخاري (١٣٦) ومسلم (٣٥)] وغيرها من الأحاديث التي دلَّت على عِظم فضلِ الوُضوء.
    والمسلم تَعتريه من المشَقَّاتِ ما قد يَكسَل معها عن الإتيان بالعبادة على وجه الكمال والتمام كما هو حاصلٌ في الوضوءِ زَمنِ الشتاء، وقد جاء في إسباغِ الوضوء مع المكاره فضلٌ عظيم؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أدُلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟» قالوا: بلى يا رسول الله؛ قال: «إِسْبَاغُ الوُضوء على المكاره، وكثرة الخُطَا إلى المساجد، وانتظارُ الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط» [رواه مُسلمٌ (٢٥١) وغَيرُه].
    وهذا الحديثُ قال فيه الحافظ ابن عبد البرِّ -رحمه الله-: "هو مِن أفضل الأحاديث التي تُروى في فضائل الأعمال"[1]
    وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلُّكم) أسلوبٌ جميل لصرفِ السامع إلى ما سيُلقى مع التشويق لذلك؛ قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: "يَعرضُ عليهم هل يخبرهم، ومن المعلوم أنهم سيقولون: نعم يا رسول الله أخبرنا، ولكنه -عليه الصلاة والسلام- اتخذ هذه الصيغة وهذا الأسلوب من أجل أن ينتبهوا إلى ما سيُلقى إليهم"[2]
    وفي رواية أبي عوانة بلفظ: (ألا أخبركم)، و(ألا) -بفتح الهمزة، والتخفيف-: أداة تحضيض، ومعناه: طلبُ الشيء بحثّ[3]
    وقوله صلى الله عليه وسلم: (على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات):
    ذكر القاضي عياض -رحمه الله- أنَّ محوَ الخطايا كنايةٌ عن غفرانها، ويُحتمل محوها من كتاب الحفظة، ويكون دليلاً على غفرانها، ورفع الدرجات إعلاء المنازل فى الجنة.[4]
    وقوله صلى الله عليه وسلم: (إسباغ الوضوء على المكاره):
    معنى الإسباغ: الإكمال، والإتمام والإيعاب.
    قال ابن عبد البر -رحمه الله-: "فالإسباغ الإكمال والإتمام في اللغة؛ من ذلك قول الله -عز وجل- وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة..."[5]
    وقال أيضا في (الاستذكار) مُفصلا لذلك: "وإسباغ الوضوء أن يأتي بالماء على كل عضو يلزمه غسله مع إمرار اليد[6] فإذا فعل ذلك مرة وأكمل فقد توضأ مرة.
    وأما قوله على المكاره فقيل إنه أراد شدة البرد وكل حال يكره المرء فيها نفسه على الوضوء ومنه دفع تكسيل الشيطان له عنه"
    ولا يقتصر الأمر على البرد الشديد، فهو شاملٌ لكل العلل التي يتأذى به المسلم عند الوضوء كالماء الحار، والمرض، وغلاء ثمن الماء وغيرها؛ قال ابن الأثير -رحمه الله- في (النِّهاية): "المكاره: هِيَ جَمْعُ مَكْرَه، وَهُوَ مَا يكرَهُه الْإِنْسَانُ ويَشُقُّ عَلَيْهِ، والكُرْه بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ: الْمَشَّقة.
    وَالْمَعْنَى أَنْ يَتَوَضَّأ مَعَ البَرْد الشَّدِيدِ والعِلَل الَّتِي يَتَأذَّى مَعَهَا بِمَسّ الماء، ومع إعْوَازِه والحاجَة إِلَى طَلَبه، والسَّعي فِي تَحْصِيله، أَوِ ابْتِياعه بِالثَّمَنِ الْغَالِي، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الشَّاقَّة."[7]
    إلا أنَّ البردَ أكثر ما يمنعُ الناس من إتمام الوُضوء خاصَّة في زمن الشِّتاء، وقد جاء في الحديث: (وإسباغ الوضوء في السَّبَرات)[8] كما عندَ الطبراني وغيرِه، والسَّبرات: جمع سَبْرَة بسكون الباء، وهي شِدَّةُ البَرْد كما ذكر ذلك ابن الأثير[9].
    وقوله صلى الله عليه وسلم (فذلكم الرباط): الرباط في الأصل: الإقامة على جهاد العدو بالحرب، وارتباط الخيل وإعدادها، فَشَبَّه به ما ذُكِر من الأفعال الصالحة والعبادة.[10]
    وبيَّن القاضي عياض سبب تَكرار النَّبي صلى الله عليه وسلم للفظ (فذلكم الرباط) فقال: "وتكرار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له تعظيم لشأنه أو لعادته لِيُفهم عنه، وتنبيهٌ على ما يقول."[11]
    فليس على الإنسان بعدَ هذا أنْ يَرْكَن إلى الكسل، وعليه ألا أن يُقدِّم دفءَ الفراش على هذا الفضل العظيم، وليعلم أنَّ إسباغ الوضوء على المكاره دليلٌ على حُسن إيمان المرء وكماله، قال العلامة ابن عثيمين: " فإذا أسبغ الإنسان وضوءه مع هذه المشقة، دل هذا على كمال الإيمان، فيرفع الله بذلك درجات العبد ويحط عنه خطيئته."[12]
    وليس على الإنسان أن يَشُقَّ على نفسه مع توفر الماء الدافئ الذي هو أتَمُّ في الإسباغ وأكمل، مع أنَّ استجلاب المشاقِّ غيرُ مطلوبٍ شرعاً، قال العلامة ابن باز -رحمه الله-: " فإسباغ الوضوء في المكاره في حال شدة البرد عند الحاجة إليه؛ هذا يدل على قوة الإيمان، ويكون الأجر أعظم، لكن إذا تيسر له الماء الدافئ يكون أفضل؛ لأن هذا الماء الدافئ يكون أعون له على الإسباغ، وإكمال الوضوء كما شرع الله -جل وعلا-، وأبلغ أيضًا في إزالة الأوساخ والنظافة."[13]
    هذا ما أحببت أن أذكر به نفسي وإخواني في هذا الوقت خاصة، وأسأل الله -جلَّ وعلا- أن ينفعنا، ويجعلنا من أهل الإيمان والإحسان، المرابطين على الطاعات، المسارعين إلى الخيرات.
    وصلى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه أجمعين.
    جمعه: أبو عبد الودود أسامة
    ليلة: الأحد 23 ربيع الآخر 1443هـ
    الموافق لـ: 27 نوفمبر 2021م

    [1] : الاستذكار، ابن عبد البر، (٢/٣٠٢)، دار الكتب العلمية، ط: الأولى.

    [2] : شرح رياض الصالحين، ابن عثيمين، (٢/ ١٥٨)

    [3] : البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج، محمد آدم الأثيوبي، (6/ 363)

    [4] : إكمال المعلم بفوائد مسلم، القاضي عياض، (2/ 55)، دار الوفاء، ط: الأولى.

    [5] : التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (20/ 222)، ط: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية.

    [6] : والخلاف بين الفقهاء في مسألة إمرار اليد عند الغسل معلوم.

    [7] : النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير، (4/ 169) ط: المكتبة العلمية، 1399هـ.

    [8] : يُنظر: السلسلة الصحيحة، رقم: (3169).

    [9] : النهاية في غريب الحديث، (2/ 333).

    [10] : النهاية في غريب الحديث، (2/ 185).

    [11] : إكمال المعلم بفوائد مسلم، (2/ 55، 56).

    [12] : شرح رياض الصالحين، (2/ 185)، ط: دار الوطن.

    [13] : فتاوى نور على الدرب، (5/ 134) -جمعها الشويعر-.
    التعديل الأخير تم بواسطة أسامة أبو عبد الودود; الساعة 2021-11-30, 10:58 PM.

    "إن أصبتُ فلا عُجبٌ ولا غَرَرُ
    وإنْ نَقصتُ فإنَّ الناسَ ما كملوا"

  • #2
    أحسنتَ أبا عبد الودود، جمعٌ لطيفٌ، والتفاتةٌ طيِّبةٌ منكَ لهذه المسألة والحُكم المهمِّ مِن أحكام الطَّهارة، وفي هذا الوقتِ بالذَّاتِ؛ كونَ المرء تحصلُ له مشقَّةٌ ونوعُ أذًى عند الوضوء بالماء البارد في وقت الشِّتاء، وزيَّنتَ الموضوعَ بذكرِ كلام الإمام عبد العزيز ابن بازٍ -رحمهُ اللهُ تعالى- في أفضليَّة استعمال الماء الدَّافئ عندَ توفُّره، وأنَّ ذلكَ أعونُ للمسلم على إكمال وضوءهِ على الوجه الشَّرعيِّ.
    وقريبٌ منهُ كلامٌ للإمام الفوزان -حفظهُ اللهُ تعالى-، وذكرَ فيه أنَّهُ لو كان يتأذَّى مِن استعمال الماء البارد، والماءُ الدَّافئ موجودٌ، فاستعمال الثَّاني أولى لهُ.
    فجزاكَ اللهُ خيرًا أخي الحبيبَ المفيدَ أسامةَ، وجعل ما كتبتَهُ ذُخرًا لكَ في الآخرةِ.

    مُحبُّكَ.

    تعليق


    • #3
      بوركت أخي أسامة ، الله أسأل أن يجعله في ميزان حسناتك

      تعليق

      الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
      يعمل...
      X