إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بُطلان دعوى منْ زعم أنَّ الاحتفال بالمولد فيه إحياءٌ للدين والسُّنة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بُطلان دعوى منْ زعم أنَّ الاحتفال بالمولد فيه إحياءٌ للدين والسُّنة

    الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا مُحمدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدين، أما بعدُ:
    فإنَّ مما اتفق عليه أهل السُّنة والجماعة أنَّ الإسلامَ دينٌ كاملٌ؛ فلمْ يَقبِض اللهُ -سبحانه وتعالى- نبيَّهُ محمدًا ﷺ حتى أدى الأمانة على أكمل وجهِ، وبيَّن الدينَ أحسن بيان؛ ففي حديث العِرْباضِ بنِ سَارِيَةَ -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله ﷺ قال: "قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ"[أخرجه ابن ماجه (43) والحاكم (1/96) وأحمد (4/126) انظر: السلسلة الصحيحة: 937]
    فمن زَعمَ أنَّ الدِّين فيه نقصٌ فقد طَعَنَ في المُشرِّع، وخالف الإجماع سواءٌ أكان ذلك بلسان المقال كما هو مسموع ومشاهد من العلمانيين ومن حذا حذوهم، أو بلسان الحال بإحداث البدع ومحاربة السنن كما هو معلوم عن كل الطوائف التي فارقتْ أهل السنة والجماعة في مصادر التلقي أو منهج الاستدلال، قال الشاطبيُّ (المالكي) -رحمه الله- في الاعتصام (1/64): "وثبت أنَّ النبي ﷺ لم يمت حتى أتى ببيان جميع ما يحتاج إليه في أمر الدين والدنيا، وهذا لا مخالف عليه من أهل السنة، فإذا كان كذلك، فالمبتدع إنما محصول قوله بلسان حاله أو مقاله: إن الشريعة لم تتم، وأنه بقي منها أشياء يجب أو يستحب استدراكها; لأنه لو كان معتقدا لكمالها وتمامها من كل وجه; لم يبتدع، ولا استدرك عليها، وقائل هذا ضال عن الصراط المستقيم."
    ومن البِدعِ المُحدثة التي لا يعتريها غُبار يسترها عن كونها كذلك (بدعة الاحتفال بمولد النبي ﷺ)، إلا أن بعضَ من سولت له نَفسه الإحداث في الدين لم يرضَ إلَّا أنْ ينثر الغبار عليها ليطمس نور السُّنة ويُسوِّغ صواب هذا الصَّنيع المشين، ومن تلكُم التعليلات الكاسدة، والآراء الفاسدة، قولهم: (إنَّ الدينَ ضَعُف، والعلمَ بسيرتِه ﷺ تكاد تندثر، وإنَّ هذا الاحتفال بمثل هذه المناسبة فيه إحياءٌ للدين، وسيرة النبيِّ الأمين ﷺ)!
    وقد غفل -أو تغافل!- أصحاب هذا القول المشِين عن سيرة نبيِّنا محمدٍ ﷺ، فلو درسوا شيئا من سيرتِه بصدق، ونظروا في سننه بعين باصرة توَدُّ الحق لأيقنوا أن هذه الدعوى باطلة أشدَّ البطلان؛ فقد كان نبيُّنا ﷺ على علمٍ بهذا الضعف الذي سيصيب الأمة، وبيَّنه في أكثر من حديث، ومن تِلكُم الأحاديث ما جاء في صحيح مسلم وغيره أن النبيَّ ﷺ قال: "بدأَ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبا كما بدأَ، فطُوبى للغرباء" [رواه مُسلم، رقم: (145)]
    وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله قال: "إذا تبايعتُم بالعينةِ وأخذتم أذنابَ البقرِ ، ورضيتُم بالزَّرعِ وترَكتمُ الجِهادَ سلَّطَ اللَّهُ عليْكم ذلاًّ لاَ ينزعُهُ حتَّى ترجعوا إلى دينِكُم"[أخرجه أبو داود (5/332) رقم: (3462) وغيره، وصححه الألباني]
    والشاهد من هذه الأحاديث (وكُلّها شاهد) أنَّ النبي ﷺ كان على علمٍ بفساد هذا الزمان، وكثرة دعاة الفساد، وضعف شوكة أهل الإسلام واندثار السنن إلا عند طائفة تبقى على ما كان عليه النبي ﷺ كما في حديث: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)[رواه مسلم، رقم: (7311)]،ورغم ذلك كلّه لم يُرشد إلى إحياء هذه المناسبات، ولا إلى إقامة الموالد والاحتفالات، بل أرشد إلى إقامة السُّنة واتباعها، والعَضِّ عليها مع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، فيستحيل أنْ يكونَ الرسولُ ﷺ علَّم الناس كل شيء من أمور الدين ثم كَتَم عنهم سبيل النجاة وطريق الفلاح وهو يعلم ما سيحل في ذلك الزمان؛ فقد علَّمهم ما هو دون ذلك، فإنَّه لما قال المشركون لسلمان الفارسي -رضي الله عنه-: "قدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ ﷺ كُلَّ شيءٍ حتَّى الخِراءَةَ فقالَ -أي: سلمان-: أجَل".[رواه مسلم، رقم: (262)]
    فالحاصل أنَّ الدينَ إنَّما يظهر بظهور السُنَّة وفُشوها، ويَضعُف ببُروزِ البدعة وتلميعها والسكوت عنها، وإنَّ إحداث هذه البدعةِ مُجانَبَةٌ صريحة للسنة، ومجانبة السُّنة هي طريق الانحطاط وضعف الدين ومظاهره في النُّفوس.
    ولا ريب ولا شكَّ أنَّ في هذا مخالفةٌ لما كان عليه الصحابة، وسلوك واتباع غير سبيلهم، وقد توعد الله -سبحانه وتعالى- المُشاقق في هذا بقوله: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا[النساء: 115]
    وأما دعوى إحياء سُنته وسيرته فهي باطلة؛ فإنَّ الواجب على المُسلم استصحاب العمل بسُنته واقتفاء هديه وسيرته في كل حينٍ ووقت، في الإقامة والظعن، وفي السراء والضراء، وفي الأمن والخوف...
    وإنَّ المحبة الحقيقية لنبينا الكريم محمد إنما تكون بطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يُعبد الله إلا بما شرع، وهي مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله ﷺ.
    قال العلامة ابن عُثيمين -رحمه الله-: " تحقق محبة الرسول ومحبة الله باتباع الرسول ، فكل من كان تابعاً لرسول الله كان أحرى بمحبة الله ومحبة رسوله؛ يقول الله تعالى: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: 31].
    وعلامة محبة الرسول أن يتحرى الإنسان سُنته فيتبعها ولا يزيد في ذلك. وعلى هذا فالذين يتبعون بدعاً تتعلق بالنبي يدعون أن ذلك من محبته وتعظيمه هم في الحقيقة لم يحبوه ولم يعظموه؛ وذلك لأن حقيقة المحبة والتعظيم أن تتبع أثاره، وأن لا تزيد في شرعه ولا تنقص منه. وأما من أراد أن يحدث في شرع الله ما ليس منه فإن محبته لله والرسول قاصرة من دون شك؛ لأن كمال الأدب والتعظيم أن لا تقدم بين يدي الله ورسوله؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)[الحجرات]."[فتاوى نور على الدرب، الشريط: 319]
    فنعوذ بالله من البدع وشؤمها، ومن الإحداث في دين الله -عزَّ وجل-، ونسأل الله السُّنة والثبات عليها، والمُنافحة عنها.
    وآخر دعوانا أنَّ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلم تسليما.

    كتبه أبو عبد الودود أسامة -غفر الله له-
    ليلة: الأحد 11 ربيع الأول 1443ه
    الموافق لـ: 16 أكتوبر 2021م
    التعديل الأخير تم بواسطة أسامة أبو عبد الودود; الساعة 2021-10-18, 02:43 PM.

    "إن أصبتُ فلا عُجبٌ ولا غَرَرُ
    وإنْ نَقصتُ فإنَّ الناسَ ما كملوا"

  • #2
    جزاك الله خيرا

    تعليق


  • #3
    أحسنتَ أخي الحبيبَ أسامة، وجزاك اللهُ خيرًا على بيانك لأصلٍ عظيمٍ مِن أصول ديننا الحنيف، وأنَّه دينٌ كاملٌ وشاملٌ؛ وأنَّ مَن أحدثَ فيه شيئًا فقد أتى ببدعةٍ في الدِّين، وافترى عليه النَّقصَ، وزعمَ أنَّه جاءَ بخيرٍ لم يأت به رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-؛ وذلكَ محضُ الضَّلال، ومخالفةٌ للكتاب والسُّنَّة.
    نسأل الله تعالى السَّلامة والعافية في الدِّين والدُّنيا!

    تعليق


  • #4
    جزاك الله خيراً أخي أسامة

    تعليق


  • #5
    سلمت يمناك، جزاك الله خيرا أخي أسامة.

    تعليق


  • #6
    بارك الله فيك

    تعليق

    الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
    يعمل...
    X