إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قذف المشايخ والعلماء بالسؤال

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قذف المشايخ والعلماء بالسؤال

    بسم الله الرحمن الرحيم

    قذف المشايخ والعلماء بالسؤال


    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
    أما بعد:
    فمن السفاهات أن يقدف الواحد العالم والشيخ بالسؤال ولا يراعي أدب الطلب وأخلاق الإسلام.
    واللوم كل اللوم على التلاميذ وطلاب العلم الذين أثنوا ركبهم في حلق العلم وفي مجالس الذكر ولم يراعوا هذا الأدب.
    ويمكن تقسم هذا القذف إلى قسمين:

    أولا: القذف الحسي.
    للأسف هذا القذف يحصل من أقرب الطلاب الذين يجلسون حول منضدة التدريس للشيخ، والأولى بهم أن يكونوا أكمل أدبًا وأتم خلقًا وأحسن سمتًا.
    ففي بعض حلق العلم طريقة عرض السؤال تكون بكتابته في ورقة، وتنتقل ورقة السؤال من طالب إلى الذي أمامه حتى تصل إلى أضيق حلقة وأول حلقة وأقربها من الشيخ، والطالب جالس أو مسند ظهره على كرسي فما أن تصله ورقة السؤال ينهض قليلًا ويمد يده فإذا قرب من منضدة الشيخ قذف السؤال بلا حياء ولا خجل.
    والأدب الحسن والخلق الجميل أن ينتدب طالب بجمع الأسئلة ثم يقف ويضعها برفق في يده الشيخ، فإذا لم يقم أحد بجمع الأوراق فعلى الطلاب ممن حول الشيخ أن يضعوا السؤال مع كامل الأدب والهدوء، ولا يقذف السؤال قذفًا، فليس قذف ورقة السؤال من آداب طالب العلم.
    قال العلامة ابن جماعة الكناني رحمه الله في ((تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم)) (ص: 109) : ((ولا يحذف عليه شيء حذفًا من كتاب أو ورقة أو غير ذلك)) اهـ.
    ومن ضمن هذه العشوائية والعبث أن لا يريد الطالب حذف السؤال بقوة فيحذفه حذفًا برفق لتقع الورقة على طرف المنضدة، وتتوزع الأوراق حول الشيخ هنا وهناك، فيلتجئ الشيخ للالتقاط تلك المقذوفات ومد يده إلى أقصى طرف المنضدة وربما مد ظهره أو وقف وهو يجمعها، وهذا أيضًا ليس من أدب الطالب.
    قال العلامة ابن جماعة الكناني رحمه الله في ((تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم)) (ص: 109) : ((ولا يحوج الشيخ إلى مد يده أيضًا لأخذه منه أو عطاء، بل يقوم إليه قائمًا ولا يزحف زحفًا)) اهـ.

    ثانيا: القذف المعنوي.
    وهذا النوع من قذف السؤال يقصد به ما يتعلق بطريقة عرض السؤال ومحتواه.
    إلقاء السؤال من غير معرفة بعض التفاصيل التي ينبني عليها الجواب، فالبعض إذا خطر عليه السؤال قذف به بدون أدني تفكير.
    إلقاء السؤال من غير أدب في المخاطبة.
    من التوقير أن يراعي الطالب الأدب في مخاطبة شيخه، فلا يناديه باسمه مجردًا، بل يقول: يا شيخنا، أو يا شيخي، فلا يسميه، لأنه أرفع في الأدب، وأرق في الخطاب، ولا يناديه من بُعدٍ من غير اضطرارٍ، ويخاطبه بصيغةِ الجمعِ توقيرًا، نحو؛ ما تقولون في كذا، وما رأيكم في كذا.
    واقرأ أخي أحسن الله إليك ما ذكره الله تعالى من الدلالة على الأدب مع معلم الناس الخير نبينا صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63]، وهذا أصل في تمييز ذي المنزلة، ويفرق بينه وبين من لم يلحق بطبقته.
    وقال الخطيب رحمه الله في ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي)) : ((وإذا خاطب الطالب المحدث عظمه في خطابه بنسبته إياه إلى العلم، مثل أن يقول له: أيها العالم، أو أيها الحافظ، ونحو ذلك)) اهـ.
    إلقاء السؤال بدون مراعاة الوقت المناسب متى حضر السؤال هجم على الشيخ أو اتصل وقذفه بسؤاله كيفما اتفق.
    ومن قذف السؤال إلقاء السؤال من غير أن يصدره بالدعاء أو يختمه بالدعاء.
    قال العلامة ابن جماعة الكناني رحمه الله في ((تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم)) : ((ومن الأدب الذي ينبغي أن يتحلى به طالب العلم مع شيخه أن يقدم بين يدي سؤاله الدعاء له، كما كان بعض السلف يقول: (اللهُمَّ استر عَيبَ معلمي، أو شيخي، ولا تُذهب بركةَ علمِهِ عني)) اهـ.
    بل من الوفاء الدعاء للشيخ في ظهر الغيب.
    قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كما في ((الانتقاء في فضل الأئمة الثلاثة الفقهاء)) لابن عبد البر: ((ما صليتُ صلاةً منذ أربعينَ سنةً إلا وأنا أدعو فيها للشافعي. ولكثرة دعائه له قال له ابنُه: أيَّ رجلٍ كان الشافعيُّ حتَّى تدعوَ له كلَّ هذا الدعاءِ؟ فقال: يا بُنَيّ، كان الشافعيّ كالشمسِ في الدُّنيا والعافية للناس، هل لهذين من خَلَفٍ؟)) اهـ.
    كذلك حذف الشيخ بالسؤال وهو مشغول.
    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله كما في ((فتح الباري)) : ((وأما المتعلم فلما تضمنه من أدب السائل أن لا يسأل العالم وهو مشتغل بغيره لأن حق الأول مقدم ويؤخذ منه أخذ الدروس على السبق وكذلك الفتاوى والحكومات ونحوها)) اهـ.
    ومن طرق قذف العالم بالسؤال اغضابه بطريقة السؤال ونحوها.
    ومن صور قذف الشيخ بالسؤال مقاطعته في جوابه بسؤال واعتراض.
    قال الإمام البخاري رحمه الله: (باب من سُئلَ علمًا وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث) ثم ساق الحديث وفيه: أن أعرابيًا قال- والنبي - صلى الله عليه وسلم- يخطب: متى الساعة؟ فمضى الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديثه وأعرض عنه، حتى إذا قضى حديثه قال: ((أين أُراه السائل عن الساعة؟ ..)).
    وقال العلامة ابن جماعة الكناني رحمه الله في ((تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم)) (ص 106-107) : ((وينبغي أن لا يقطع على الشيخ كلامه أي كلام كان، ولا يسابقه، بل يصبر حتى يفرغ الشيخ من كلامه، ثم يتكلم، ولا يتحدث مع غيره والشيخ يتحدث معه أو مع عامة المجلس)) اهـ.
    ومن صور حذف المشايخ بالسؤال سؤاله تعنتا.
    قال ابن القيم رحمه الله في ((مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة)): ((وَقيل إِذا جَلَست الى عَالم فسل تفقها لا تعنتا)) اهـ.
    وقال برهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي رحمه الله في ((النكت الوفية بما في شرح الألفية)): ((ومن الآدابِ المشتركةِ بين العالمِ والمُتعلِّمِ، أن لا يُخِلَّ بوظيفتهِ لِعُروضِ مَرضٍ خفيفٍ ونحوه مما يمكنُ معهُ الاشتغالُ، ويستشفي بالعلمِ. ولا يَسألَ تعنُّتاً، فإنْ سأل كذلك لم يستحقَّ جواباً)) اهـ.
    بل ذهب المحققون من أهل العلم إلى زجر من يستحق الزجر.
    قال العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في ((شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث)) (ص: 134): ((والعلماء قرروا أنه إذا كان السائل مسترشدا يجاب وإذا كان متعنتا فهذا لا يجاب بل يهان)) اهـ.
    ومما يذكر في هذا الباب قصة زجر أمير المؤمنين عمر لصبيغ، فقد ضربه حتى أدماه ثم نفاه زيادة في الزجر.
    قال ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)): ((فإن قصة صَبِيغ بن عسل مشهورة مع عمر، وإنما ضربه لأنه ظهر له من أمره فيما يسأل تعنتا وعنادا، والله أعلم)) اهـ.
    وقذف العالم بالسؤال له صور كثيرة، ولكن كما يقال: يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
    فهذه الصور الباطلة من قذف العالم بالسؤال وغيرها من الصور، تفضح الدخلاء والمدسوسين وغيرهم من الحمقى الذين لم يعرفوا حق العلماء.
    عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول:: ((ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا [حقه])).
    أخرجه أحمد في ((المسند)) والحاكم في ((المستدرك)) والبزار في ((المسند)) والشاشي في ((المسند)) والطبراني في ((مكارم الأخلاق)) والزيادة لهما والآجري في ((أخلاق أهل القرآن)) وابن أبي الدنيا في ((النفقة على العيال)) والطبري في ((تهذيب الآثار)) والبيهقي في ((المدخل إلى السنن الكبرى)) والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) وحسنه الألباني.
    قال ابن القيم رحمه الله في ((مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة)): ((وللعلم ست مراتب: أولها: حسن السؤال، الثانية: حسن الانصات والاستماع، الثالثة: حسن الفهم، الرابعة: الحفظ، الخامسة: التعليم، السادسة :وهي ثمرته وهي العمل به ومراعاة حدوده فمن الناس من يحرمه لعدم حسن سؤاله)) اهـ.
    هذا والله أعلم وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    كتبه
    عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
    غنيمة ليبيا في يوم الأربعاء 15 صفر سنة 1443 هـ.
    الموافق لـ: 22 سبتمبر سنة 2021 ف.
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2021-09-26, 09:14 AM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
يعمل...
X